هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
1639 حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عِيسَى ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ ، أَخْبَرَنَا سَلَّامُ بْنُ أَبِي مُطِيعٍ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ ، رَضِيعِ عَائِشَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : مَا مِنْ مَيِّتٍ تُصَلِّي عَلَيْهِ أُمَّةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَبْلُغُونَ مِائَةً ، كُلُّهُمْ يَشْفَعُونَ لَهُ ، إِلَّا شُفِّعُوا فِيهِ ، قَالَ : فَحَدَّثْتُ بِهِ شُعَيْبَ بْنَ الْحَبْحَابِ فَقَالَ : حَدَّثَنِي بِهِ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
1639 حدثنا الحسن بن عيسى ، حدثنا ابن المبارك ، أخبرنا سلام بن أبي مطيع ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، عن عبد الله بن يزيد ، رضيع عائشة ، عن عائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما من ميت تصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة ، كلهم يشفعون له ، إلا شفعوا فيه ، قال : فحدثت به شعيب بن الحبحاب فقال : حدثني به أنس بن مالك ، عن النبي صلى الله عليه وسلم
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

'A'isha reported Allah's Apostle (ﷺ) saying:

If a company of Muslims numbering one hundred pray over a dead person, all of them interceding for him, their intercession for him will be accepted.

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما من ميت تصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة كلهم يشفعون له إلا شفعوا فيه قال فحدثت به شعيب بن الحبحاب فقال حدثني به أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم.


المعنى العام

لا شك أن الموت يثير الفزع عند محبي الميت وأهله، كلنا نؤمن به، ونؤمن بأنه حق، ونؤمن بأنه باب يدخله كل حي، لكننا ننساه أو نتلهى عنه بمتاع الحياة الدنيا، ولذلك نصدم به ونصاب بالفزع والهلع عندما يقضي على عزيز، إن لحظاته لحظات التسليم للقضاء والقدر، لحظات التسليم بالقدرة القاهرة، لحظات التسليم بالعجز وعدم الحول، من هنا كان الموت عبرة وذكرى، ومن هنا شرع القيام للجنازة وأجر على المشاركة في تجهيزها وتشييعها والصلاة عليها ودفنها، ففي ذلك من الاعتبار والاتعاظ ما يدفع للعمل الصالح والاستعداد لمثل ذلك المصير، فضلاً عما في ذلك من إعانة لأهل الميت ومساعدة لهم، ومشاركة في مصابهم، يضاف لكل ذلك ما يعود على الميت نفسه من هذه المشاركة، إذ الصلاة عليه دعاء له، وذكره والأسى بفراقه ثناء واستغفار وشفاعة، نرجو له بها الفضل من الله والرحمة والرضوان.

وإذا كانت هذه المهام من خصوصيات الرجال فلأن استعدادهم يناسبها دون النساء اللائي يتصفن بالعاطفة الغالبة وبسرعة الانفعال والتأثر الشديد بالموقف الصعب.
لهذا نهي عن اتباع النساء الجنائز، ولم يشرع في حقهن الصلاة على الميت ولا دفنه، أما الرجال فقد استنفروا لتشييع الجنائز، ورغبوا في ذلك، ووعدوا بالأجر الكبير، من تبع الجنازة حين تخرج من بيتها إلى أن يصلى عليها فله قيراط من الأجر يزن جبل أحد، ومن تبع الجنازة مما بعد الصلاة عليها حتى ينتهى من دفنها فله من الأجر ما يزن جبل أحد.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحرص على ذلك أمام أصحابه.
كما كان يعلمهم ويحثهم، ويأمرهم أن يقفوا إذا مرت الجنازة عليهم، وأن يكثروا من الثناء على الميت بما يعلمون من صلاح حاله وأن يمسكوا عن مساوئه، فإنهم شهداء الله في الأرض، فمن كثرت حسناته ومعاملاته الطيبة كان ذكره جميلاً، ويستر الله له ما لا يعلمون، ويغفر له ما يسترون.

فاللهم اجعلنا خيراً مما يظنون واغفر لنا ما لا يعلمون، واجعل لنا لسان صدق وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.

المباحث العربية

( أسرعوا بالجنازة) المراد من الجنازة هنا الميت، لأنه الذي يوصف بالصلاح، والمراد من الإسراع شدة المشي، أي فوق سجية المشي المعتاد وفي الكلام مضاف محذوف، أي بحملها إلى قبرها.
وقيل: المعنى أسرعوا بتجهيزها فهو أعم من التشييع.
قال النووي: الثاني باطل مردود بقوله في الحديث: كان شراً تضعونه عن رقابكم.
ورد بأن الحمل على الرقاب قد يعبر به عن الأمور المعنوية، كما تقول: حمل فلان على رقبته ذنوباً، ويؤيده أن حمل الميت لا يقوم به كل المشيعين، بل بعضهم، ويؤيده حديث ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا مات أحدكم فلا تحبسوه وأسرعوا به إلى قبره.
أخرجه الطبراني.
والحق أن كلا الأمرين مطلوب، والخلاف في المراد منهما هنا.
وهو أمر سهل.

( من شهد الجنازة حتى يصلى عليها) يصلى باللام المشددة المفتوحة مبني للمجهول، وفي بعض الروايات بكسرها، مبني للمعلوم.
أي من حضر خروجها والصلاة عليها، فابتداء الشهادة من أول خروجها من بيتها، ففي رواية لأحمد: فمشى معها من أهلها.

( فله قيراط) بكسر القاف، وأصله بكسر القاف وتشديد الراء لأن جمعه قراريط، فأبدل أحد الراءين ياء، والقيراط في الموزونات جزء من اثنى عشر جزءاً من الدرهم.
وقيل: ربع سدس درهم، أي جزء من أربعة وعشرين جزءاً من الدرهم.
وقيل: نصف عشر دينار.
وقيل: جزء من أربعة وعشرين جزءاً من الدينار، فهو اسم لجزء من كل يختلف باختلاف أعراف البلاد، وهو هنا إشارة إلى جزء من الأجر المتعلق بالميت في تجهيزه وغسله وجميع ما يتعلق به.

( ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان) قيراط الصلاة وقيراط التشييع، فالمعنى مجموع ما له قيراطان، وليس المراد أن القيراطين غير القيراط الأول.
وقيل: قيراطان غير قيراط الصلاة.

( مثل الجبلين العظيمين) في الرواية الثالثة أصغرهما مثل أحد، وفي الرواية السادسة كل قيراط مثل أحد والمقصود من التشبيه عظم قدر القيراط من الأجر، ورفع ما يتوهم من صغر وزنه في تقديرهم على حسب عرفهم.
قال الحافظ ابن حجر: في حديث واثلة عند ابن عدي كتب له قيراطان من أجر أخفهما في ميزانه يوم القيامة أثقل من جبل أحد.
فأفادت هذه الرواية بيان وجه التمثيل بجبل أحد، وأن المراد به زنة الثواب المرتب على ذلك العمل.
اهـ.

( أكثر علينا أبو هريرة) أي أكثر علينا في ذكر الأجر، أو أكثر علينا الرواية، والمقصود أنه خاف عليه النسيان والاشتباه للكثرة، ولم يتهمه ابن عمر.

( فبعث إلى عائشة فسألها فصدقت أبا هريرة) في الرواية السادسة تفصيل للإرسال، وفي بعض الروايات ما يفيد أن خباباً بعد أن جاء بتصديق عائشة أخذ أبو هريرة بيد ابن عمر فانطلقا حتى أتيا عائشة، فقال لها: يا أم المؤمنين أنشدك الله.
أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:...فذكره، فقالت: اللهم نعم.
فقال أبو هريرة: لم يشغلني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غرس الوادي ولا صفق بالأسواق، وإنما كنت أطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم أكلة يطعمنيها، أو كلمة يعلمنيها.
قال ابن عمر: كنت ألزمنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأعلمنا بحديثه.

( لقد فرطنا في قراريط كثيرة) أي قصرنا وضيعنا، وفي بعض الأصول لقد ضيعنا قراريط كثيرة أي من عدم المواظبة على حضور الدفن، ففي الرواية الثانية أن ابن عمر كان يصلي على الجنازة ثم ينصرف.

( وأخذ ابن عمر قبضة من حصباء المسجد) ( فضرب ابن عمر بالحصى) قال النووي: ضبطناه الأول حصباء والثاني بالحصى مقصور، جمع حصاة، وهكذا هو في معظم الأصول، وفي بعضها عكسه وكلاهما صحيح والحصباء هي الحصى.

( ما من ميت تصلي عليه أمة من المسلمين) الأمة الجماعة، وقدرت في هذه الرواية بمائة.

( يبلغون مائة كلهم يشفعون له) جملة كلهم يشفعون له صفة لمائة، أي مائة شافعين له.

( إلا شفعوا فيه) أي إلا جعلهم الله شفعاء له.

( أخرجوه) أي قال ابن عباس: أخرجوا ابني الميت للصلاة عليه، حيث وصل عدد المصلين الأربعين.

( فيقوم على جنازته أربعون) أي فيقوم للصلاة على جنازته أربعون رجلاً.

( مر بجنازة) بضم الميم مبني للمجهول، وفي رواية للبخاري مرت جنازة بالبناء للمعلوم.

( فأثني عليها خير) فأثني بضم الهمزة مبني للمجهول، وخير بالرفع نائب فاعل، وفي نسخ البخاري خيراً مع بناء أثنى للمجهول، قال العلماء: وهي خطأ، وبعضهم وجهها على أن خيراً منصوب بنزع الحافض، أي بخير ونائب الفاعل هو الجار والمجرور.
وعند الحاكم تفسير ما أبهم من الخير.
ففيه: مر بجنازة، فقال: ما هذه الجنازة؟ قالوا: جنازة فلان الفلاني، كان يحب الله ورسوله، ويعمل بطاعة الله ويسعى فيها.
وفي رواية له أيضاً: فقال بعضهم: لنعم المرء، لقد كان عفيفاً مسلماً.

( وجبت.
وجبت.
وجبت)
ثلاث مرات.
والتكرار فيه لتأكيد الكلام المبهم ليحفظ ويكون أبلغ.
والمراد من الوجوب: الثبوت والضمير للجنة، وقد صرح بها فيما بعد.

( فأثنى عليها شراً) قال أهل اللغة: الثناء يستعمل في الخير، لا يستعمل في الشر، واستعماله في الشر هنا على سبيل المشاكلة، كقوله تعالى: { { وجزاء سيئة سيئة مثلها } } [الشورى: 40] وعند الحاكم تفسير ما أبهم من شر، وفيه: فقال بعضهم: بئس المرء كان.
إن كان لفظاً غليظاً.

( أنتم شهداء الله في الأرض) كررت في الأصول ثلاث مرات، والمراد المخاطبون بذلك من الصحابة ومن كان على صفتهم من الإيمان، وحكى ابن التين أن ذلك مخصوص بالصحابة، لأنهم كانوا ينطقون بالحكمة، بخلاف من بعدهم، ثم قال: والصواب أن ذلك يختص بالثقات والمتقين.

فقه الحديث

تشييع الجنازة فرض كفاية، ولا شك في عظم أجره، من حيث أنه مطلوب شرعي، وهل فيه قضاء حق لأولياء الميت، فلا ينصرف المشيع إلا بإذنهم؟ ذهب إلى هذا مالك رحمه الله، وله شاهد من أحاديث بأسانيد ضعيفة، منها ما أخرجه عبد الرزاق عن أبي هريرة قال: أميران وليسا بأميرين: الرجل يكون مع الجنازة يصلي عليها، فليس له أن يرجع حتى يستأذن وليها.
ومنها ما أخرجه أحمد والبزار والعقيلي من حديث أبي هريرة مرفوعاً: من تبع جنازة فحمل من علوها، وحثا في قبرها، وقعد حتى يؤذن له رجع بقيراطين.

والذي عليه معظم أئمة الفتوى أنه ليس على الجنازة إذن، ولكن من صلى ثم رجع فله قيراط.

والتشييع الكامل يبدأ بالانتظار حتى تخرج الجنازة من بيتها فيصاحبها إلى مكان الصلاة عليها، فيصلي عليها، ويصاحبها إلى حين تدفن ويغلق عليها قبرها ويدعو لها ثم ينصرف.

ولما كان التشييع بهذه الصورة لا يستطيعه كثير من المسلمين أشارت الأحاديث إلى تجزئة الأجر بتجزئته، فروايات الباب تجعل لنهاية الصلاة عليه أجراً، ولبقية التشييع أجراً.

وإذا كانت الرواية الثالثة والرابعة قد جعلتا القيراط أجراً لمن صلى عليها فإن الرواية الثانية ولفظها: من شهد الجنازة حتى يصلي عليها، والرواية السادسة ولفظها: من خرج مع جنازة من بيتها، وصلى عليها.
هاتان الروايتان تجعلان القيراط لمن خرج معها من بيتها إلى انتهاء الصلاة عليها.
ومقتضاهما أن القيراط يختص بمن حضر من أول الأمر إلى انقضاء الصلاة وبهذا قال جماعة من العلماء، لكن الحافظ ابن حجر يقول: والذي يظهر لي أن القيراط يحصل أيضاً لمن صلى فقط، لأن كل ما قبل الصلاة وسيلة إليها لكن يكون قيراط من صلى فقط دون قيراط من شيع وصلى.
اهـ وهذا تحقيق دقيق يعمل كل الأحاديث على ظاهرها.
والله أعلم.

ومن شهدها من بيتها وصلى وتبعها حتى نهاية الدفن فله قيراطان كما هو صريح الرواية الثانية.
وبهذا جزم كثير من العلماء، وجزم بعض المتقدمين بأن من شهد بعد الصلاة وحتى نهاية الدفن فله قيراطان غير قيراط الصلاة أخذاً من ظاهر الروايات الرابعة والخامسة والسابعة، وجمهور العلماء يوجه هذه الروايات بأن المراد منها قيراطان أي بالأول.

ومقتضى هذا أن القيراطين إنما يحصلان لمن كان معها في جميع الطريق حتى تدفن، فإن صلى مثلاً وذهب إلى القبر وحده فحضر الدفن لم يحصل له إلا قيراط واحد.
قاله النووي.

ومقتضاه أن من اقتصر على التشييع فلم يصل ولم يشهد الدفن فلا قيراط له، وإن حصل له أجر آخر غير القراريط المذكورة.

وهل القيراط الثاني متوقف على فراغ الدفن؟ أو يكفي لحصوله مجرد الوضع في اللحد؟ أو يكفي انتهاء الدفن دون انتظار إهالة التراب؟ قيل بكل ذلك، ووردت الأخبار بكل منها، والأول هو أصح الأوجه عند الشافعية.

وقد يستدل بعبارة من تبع جنازة الواردة في الباب من ذهب إلى أن المشي خلف الجنازة أفضل من المشي أمامها، لأن ذلك هو حقيقة الاتباع حساً وهو قول أبي حنيفة.

ورجح الجمهور المشي أمامها، وحملوا الاتباع هنا على الاتباع المعنوي أي المصاحبة، وهو أعم من أن يكون أمامها أو خلفها أو غير ذلك، وهو مذهب الشافعي ومالك وأحمد، قالوا: والأحاديث الواردة بالمشي خلفها غير ثابتة، قال البيهقي: الآثار في المشي أمامها أصح وأكثر.
اهـ قالوا: ولأن الحي شفيع الميت، والشفيع يتقدم على المشفوع له.

وهناك من يرى التوسعة وعدم الالتزام، فيسوى بين أمامها وخلفها، فقد سئل أنس بن مالك عن المشي في الجنازة فقال: أمامها وخلفها وعن يمينها وشمالها.
إنما أنتم مشيعون.
قالوا: وذلك لما علم من تفاوت أحوال الناس في المشي، وقضية الإسراع بالجنازة أن لا يلزموا بمكان واحد يمشون فيه، لئلا يشق على بعضهم ممن يضعف في المشي عمن يقوى عليه.

لكن الأساس القرب من الجنازة، لأن من بعد عنها لا يصدق عليه أنه مشي أمامها أو خلفها فشرط القرب، فقد شهد عبد الرحمن بن قرط -وكان صحابياً من أهل الصفة وكان والياً على حمص في زمن عمر- ناساً تقدموا على الجنازة وآخرين استأخروا، فأمر بالجنازة فوضعت ثم رماهم بالحجارة حتى اجتمعوا إليه، ثم أمر بها فحملت، ثم قال: بين يديها وخلفها وعن يمينها وعن شمالها.

أما الركوب في تشييع الجنازة فقد قال العلماء: إن السنة لا يركب، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما ركب في عيد ولا في جنازة، هذا في الذهاب أما في العودة والانصراف فلا بأس به، وروايتنا المتممة للثلاثين صريحة في ذلك.
والله أعلم.

ويؤخذ من الأحاديث فوق ما تقدم:

1- يؤخذ من الرواية الأولى الأمر بالإسراع بالجنازة، للحكمة التي ذكرها صلى الله عليه وسلم، قال ابن قدامة: إن الأمر فيه للاستحباب بلا خلاف بين العلماء.
وشذ ابن حزم فقال بوجوبه.
والمراد بالإسراع شدة المشي، وعلى ذلك حمله بعض السلف، وهو قول الحنفية.
وعن الشافعي والجمهور المراد بالإسراع ما فوق سجية المشي المعتاد، ويكره الإسراع الشديد، ومال القاضي عياض إلى نفي الخلاف، فقال: من استحبه أراد الزيادة على المشي المعتاد، ومن كرهه أراد الإفراط فيه كالرمل.
قال الحافظ ابن حجر: والحاصل أنه يستحب الإسراع لكن بحيث لا ينتهي إلى شدة يخاف معها حدوث مفسدة بالميت، أو مشقة على الحامل أو المشيع، لئلا ينافي المقصود من النظافة وإدخال المشقة على المسلم.
وقال القرطبي: مقصود الحديث أن لا يتباطأ بالميت عن الدفن، لأن التباطؤ قد يؤذي، وربما أدى إلى التباهي والاختيال.

2- واستحباب المبادرة إلى دفن الميت، لكن بعد التحقق من موته.

3- وترك مصاحبة الأشرار وأهل البطالة وغير الصالحين.

4- وحمل الجنازة على أعناق الرجال، وإن كانت الميتة امرأة، قال ابن رشد، جواز ذلك للنساء، وإن كان يؤخذ بالبراءة الأصلية، لكنه معارض بأن في الحمل على الأعناق والأمر بالإسراع مظنة الانكشاف غالباً، وهو مباين للمطلوب منهن من التستر، مع ضعف نفوسهن عن مشاهدة الموتى غالباً، فكيف الحمل؟ مع ما يتوقع من صراخهن عند حمله ووضعه وغير ذلك من وجوه المفاسد.

قال الحافظ ابن حجر: وقد ورد ما هو أصرح في منعهن، فقد أخرج أبو يعلى من حديث أنس قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة، فرأى نسوة، فقال: أتحملنه؟ قلن لا.
قال: أتدفنه؟.
قلن: لا.
قال: ارجعن مأزورات غير مأجورات.

قال النووي: لا خلاف في هذه المسألة بين العلماء، والسبب فيه ما تقدم، ولأن الجنازة لا بد أن يشيعها الرجال، فلو حملها النساء لكان ذلك ذريعة إلى اختلاطهن بالرجال، فيفضي إلى الفتنة.
اهـ على أن ضعف النساء بالنسبة إلى الرجال من الأمور المحسوسة التي لا تحتاج إلى دليل.

5- ومن الرواية الثانية وما بعدها استحباب التشييع والصلاة، وعظم ثواب ذلك، إذا احتسب ذلك.
ففي الصحيح: من اتبع جنازة مسلم إيماناً واحتساباً، وكان معها حتى يصلى عليها ويفرغ من دفنها، فإنه يرجع من الأجر بقيراطين.

قال الحافظ ابن حجر: والتقييد بالإيمان والاحتساب لا بد منه، لأن ترتب الثواب على العمل يستدعي سبق النية فيه، فيخرج من فعل ذلك على سبيل المكافأة المجردة أو على سبيل التزلف والمحاباة.

6- ويؤخذ من مواقف ابن عمر وأبي هريرة ما كان الصحابة عليه من الرغبة في الطاعات.

7- وأن إنكار العلماء بعضهم على بعض قديم.

8- واستغراب العالم ما لم يصل إلى علمه.

9- وعدم مبالاة الحافظ بإنكار من لم يحفظ.

10- وما كان عليه الصحابة من التثبت في الحديث النبوي والتحرز فيه والتنقيب عليه.

11- وفيه فضيلة لابن عمر من حرصه على العلم وتأسفه على ما فاته من العمل الصالح.

12- وأنه لا بأس بضرب الحصا.

13- وفيه تميز أبي هريرة في الحفظ.

14- ويؤخذ من الرواية الثامنة والتاسعة فضيلة كثرة عدد المصلين على الجنازة، وستأتي في الباب التالي.

15- ويؤخذ من الرواية العاشرة فضيلة هذه الأمة شهداء الله في الأرض.

16- وإعمال الحكم بالظاهر، قال بعضهم: ليس المعنى أن الذي يقولونه في حق شخص يكون كذلك حتى يصير من يستحق الجنة من أهل النار بقولهم ولا العكس، بل معناه أن الذي أثنوا عليه خيراً رأوه منه، فكان ذلك علامة على كونه من أهل الجنة، وبالعكس.

وقال النووي: قال بعضهم: معنى الحديث أن الثناء بالخير لمن أثنى عليه أهل الفضل، وكان ذلك مطابقاً للواقع فهو من أهل الجنة، فإن كان غير مطابق فلا وكذا عكسه.
قال: والصحيح أنه على عمومه، وأن من مات منهم فألهم الله تعالى الناس الثناء عليه بخير كان دليلاً على أنه من أهل الجنة سواء كانت أفعاله تقتضي ذلك أم لا، فإن الأعمال داخلة تحت المشيئة، وهذا إلهام يستدل به على تعينها، وبهذا تظهر فائدة الثناء.
اهـ وعقب ابن حجر فقال: وهذا في جانب الخير واضح، ويؤيده ما رواه أحمد وابن حبان والحاكم عن أنس مرفوعاً: ما من مسلم يموت، فيشهد له أربعة من جيرانه الأدنين أنهم لا يعلمون منه إلا خيراً، إلا قال الله تعالى: قد قبلت قولكم وغفرت له ما لا تعلمون.
ثم قال: وأما جانب الشر فظاهر الأحاديث أنه كذلك لكن إنما يقع في حق من غلب شره على خيره.

وقال الداودي: المعتبر في ذلك شهادة أهل الفضل والصدق لا الفسقة لأنهم قد يثنون على من يكون مثلهم، ولا من بينه وبين الميت عداوة، لأن شهادة العدو لا تقبل.
اهـ.

17- واستدل بالحديث على جواز ذكر المرء بما فيه من خير أو شر للحاجة، ولا يكون ذلك من الغيبة، قال النووي: فإن قيل: كيف بالثناء بالشر مع الحديث الصحيح في البخاري: ولا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا.
فالجواب أن النهي عن سب الأموات هو في غير المنافق وسائر الكفار وفي غير المتظاهر بفسق أو بدعة فأما هؤلاء فلا يحرم ذكرهم بشر، للتحذير من طريقتهم، ومن الاقتداء بآثارهم والتخلق بأخلاقهم، وهذا الحديث محمول على أن الذي أثنوا عليه شراً كان مشهوراً بنفاق أو نحوه.
اهـ.

وقيل في الجمع بين الحديثين: يحمل النهي على ما بعد الدفن، والجواز على ما قبله ليتعظ به من سمعه.
وقيل: إن هذا الذي وقع كان على معنى الشهادة، والمنهي عنه ما كان على معنى السب، وقد أجمع العلماء على جواز جرح المجروحين من الرواة أحياء وأمواتاً.

18- والحديث أصل في قبول الشهادة بالاستفاضة وأن أقل أصلها اثنان

19- قال ابن العربي: وفيه جواز الشهادة قبل الاستشهاد، وقبولها قبل الاستفصال.

20- قال النووي: وفيه استحباب توكيد الكلام المهم بتكراره ليحفظ وليكون أبلغ.

21- يؤخذ من الرواية الحادية عشرة أن الموت خير للمؤمن الطائع وللفاجر، أما المؤمن فيستريح من نصب الدنيا، أما الفاجر فمستراح منه يستريح منه العباد بانقطاع أذاه عنهم، ومن ظلمه لهم، وارتكابه المنكرات، لأنهم إن أنكروها قاسوا مشقة ذلك، وربما نالهم منه ضرر، وإن سكتوا عنه أثموا ويستريح منه الدواب، لأنه كان يؤذيها ويضربها ويحملها ما لا تطيقه، ويجيعها في بعض الأوقات وغير ذلك، ويستريح منه البلاد والشجر، لأنها تمنع المطر بمعصيته.