1685 حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، قَالَا : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَسَدِيُّ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُهُمْ إِذَا خَرَجُوا إِلَى الْمَقَابِرِ ، فَكَانَ قَائِلُهُمْ يَقُولُ - فِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ - : السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ ، - وَفِي رِوَايَةِ زُهَيْرٍ - : السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الدِّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ ، وَإِنَّا ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَلَاحِقُونَ ، أَسْأَلُ اللَّهَ لَنَا وَلَكُمُ الْعَافِيَةَ |
Sulaiman b. Buraida narrated on the authority of his father that the Messenger of Allah (ﷺ) used to teach them when they went out to the graveyard. One of the narrators used to say this in the narration transmitted on the authority of Abu Bakr:
Peace be upon the inhabitants of the city (i. e. graveyard). In the hadith transmitted by Zuhair (the words are): Peace be upon you, the inhabitants of the city, among the believers, and Muslims, and God willing we shall join you. I beg of Allah peace for us and for you.
شرح الحديث من فـــتح المــــنعم
عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر، فكان قائلهم يقول ( في رواية أبي بكر) : السلام على أهل الديار ( وفي رواية زهير) السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله للاحقون، أسأل الله لنا ولكم العافية.
المعنى العام
من الأرض نشأنا، وإلى باطن الأرض نعود، ومنها نبعث على خير إن شاء الله، وصدق جل شأنه حيث يقول: { { منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى } } [طه: 55] .
والمتدبر في مصير الكائنات الحية التي تدب على الأرض يجدها تموت وتبقى على سطح الأرض لا تواري غالباً، حتى تفنى وتتحلل وتذروها الرياح أو يأكل بعضها بعضاً، إلا الإنسان فقد كرمه ربه في حياته { { ثم أماته فأقبره } } [عبس: 21] يحكي القرآن الكريم قصة الدفين الأول حين قتل قابيل هابيل ثم حمله على كتفه طويلاً، ماذا يفعل في جثته؟ أيتركها للطير والسباع وهو أخوه؟ أم يظل يحملها وقد أوشكت على التغير؟ { { فبعث الله غراباً يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه قال يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي } } [المائدة: 31] ؟ فحفر حفرة لأخيه فواراه التراب، وهكذا كرم الله بني آدم بعد موتهم بدفنهم في قبور.
وقطعت الإنسانية أشواطاً بعيدة في بناء قبورها حتى رأينا أهرامات الفراعنة وفنها وخيالها، وجاء الإسلام بمواصفات للقبور لا مبالغة في تحصينها ولا إفراط ولا إسراف في تزيينها، فلا نفع للميت من مباهجها، ولا مبالغة في إهمالها، ولا تفريط في إعدادها وصيانتها، فتكريم الميت وحمايته أهم أهدافها، فلا تجصص القبور ولا يبنى عليها، ولا تقدس فيصلى إليها، وتحترم فلا يجلس عليها، ولا تداس بالنعال، بل ولا يستند إليها، وأن تعمق الحفرة حتى لا تنبش فيعرض الميت للسباع، وتغطى بكثير من التراب حتى لا تظهر ولا تنتشر الريح بين الأحياء.
فكانت القبور في الإسلام ثلاثة أشكال: حجرة صغيرة تحت الأرض مبنية ومسقوفة، يدفن فيها الميت فوق ترابها ثم يغلق عليه بابها.
الشكل الثاني: يشق في وسط تلك الحجرة شق على قدر الميت طولاً وعرضاً ثم يوضع الميت، ثم ينصب عليه طوب غير محروق، أو حجارة بحيث يكون بينها وبين الجسد فاصل، ثم يهال فوق الحجارة التراب بقدر ما خرج من الحفرة.
الشكل الثالث كالثاني لكن الشق يكون في جانب، لا في الوسط، في جانب مائل نحو الحائط بل تحت الحائط وهو ما يعرف باللحد.
بهذه الصورة البسيطة، وفي هذه الديار المتواضعة يرقد الجسد الذي عاش دنياه على الحرير، والجسد الذي افترش في دنياه التراب والغبراء، والتحف السماء، يرقد الجسد الذي ملك في دنياه القصور، والجسد الذي سكن الخربات والطرقات والخيام ومهدمات الدور.
كل ما سيأخذه الإنسان من سطح الأرض المتسع نصف متر في مترين، بل قد يشاركه في هذا الحيز آخرون على مر الزمان.
فهل من مدكر؟ إن لم نتعظ بالقول فها هي قبور الآباء والأجداد، شرع الله زيارتها، والاتعاظ بمن فيها، لقد وجدوا ما وعدهم ربهم حقاً، ولم يبق معهم سوى عملهم، ونحن على الطريق سائرون، وإلى ما انتهوا إليه منتهون، فقط نحن مؤجلون، لكننا لا محالة لاحقون.
نزورهم إذا تذكرناهم، ونزورهم إذا ودعنا إليهم من لحقهم، فماذا نقول في زيارتنا لهم؟ راجين أن يقول لنا مثله من بعدنا إذا صرنا معهم؟ السلام عليكم أهل الديار من المسلمين والمؤمنين نحن إلى غد مؤجلون، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون.
نسأل الله لنا ولكم العافية.
اللهم إنهم فارقوا من كانوا يحبون، وخرجوا من الدنيا وسعتها إلى ضيق القبر وعذابه.
اللهم إنهم نزلوا بك وأنت خير منزول به، إن عاقبتهم فبذنبهم، وإن عفوت عنهم فأنت أهل العفو، وأنت غني عن عذابهم، وهم فقراء إلى رحمتك، اللهم من كان محسناً منهم فاشكر حسنته وزد في إحسانه، ومن كان مسيئاً فاغفر له وتجاوز عن سيئاته.
اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم.
واسبغ علينا وعليهم رحمتك يا أرحم الراحمين.
المباحث العربية
( الحدوا لي لحداً، وانصبوا على اللبن نصباً) أصل الإلحاد: الميل والعدول عن الشيء، واللحد هنا بفتح اللام وضمها: هو الشق في الأرض على قدر الميت طولاً وعرضاً من غير تضييق، وبعمق يسمح بنصب لبنات عليه تغطيه على هيئة القبو، أو لبنات طوال تغطي عرضه بميل من أحد جانبيه إلى الآخر، كما يسمح العمق بعد ذلك بتغطية اللبنات بكمية من التراب تمنع خروج الريح أو الهوام وسمى هذا الشق لحداً لأنه يعمل في جانب القبر مائلاً عن وسطه.
وفعل الحدوا هنا فعل أمر، مبدوء بهمزة وصل مع فتح الحاء، أو همزة قطع مع كسر الحاء.
( فأمر....
بقبره فسوى) بضم السين وكسر الواو المشددة، أي جعل مستوياً مع الأرض.
( أن لا تدع تمثالاً إلا طمسته) أي أزلته من سطح الأرض، أو أزلت معالمه وجعلته حجراً كأي حجر.
( ولا قبراً مشرفاً) أي مرتفعاً عن الأرض.
( نهى أن يجصص القبر) أي يدهن ويطلى بالجص، وفي الرواية السادسة نهى عن تقصيص القبور بالقاف وصادين، والتقصيص هو التجصيص، والقصة بفتح القاف وتشديد الصاد هي الجص.
( سهيل بن بيضاء) في الرواية التاسعة عشرة ابني بيضاء سهيل وأخيه قال العلماء: بنو بيضاء ثلاثة إخوة، سهيل وسهل وصفوان، وأمهم البيضاء اسمها دعد، والبيضاء وصف، وأبوهم وهب بن ربيعة القرشي الفهري، كان سهيل قديم الإسلام، هاجر إلى الحبشة، ثم عاد إلى مكة، ثم هاجر إلى المدينة وشهد بدراً وغيرها، توفي سنة تسع من الهجرة رضي الله عنه.
ذكره النووي.
وأما أخوه الذي صلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد استشهد ببدر.
( قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما كان ليلتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج آخر الليل إلى البقيع) هكذا هو في الأصل، ولم أجد تعليقاً عليه من الشارحين، وهو يفيد تكرار خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البقيع في كل ليلة يكون فيها عند عائشة، وهو غير مراد قطعاً، إذ القصة عن واقعة وقعت، كما تحكي الرواية الثالثة عشرة.
وليلتها بالرفع فاعل كان التامة.
( السلام عليكم دار قوم مؤمنين) دار منصوب على النداء بتقدير مضاف، أي يا أهل دار قوم مؤمنين، ويجوز أن يكون منصوباً على الاختصاص، ويجوز جره على البدل من الضمير في عليكم.
والدار في اللغة يطلق على الربع، سواء أكان مسكوناً أم خراباً غير مأهول.
( وأتاكم ما توعدون) التعبير بالمضارع لاستحضار الصورة، والأصل وقد أتاكم ما وعدكم ربكم من جزاء أعمالكم ومن رحمته وفضله.
( غداً مؤجلون) أي مصيرنا كمصيركم، ولكننا مؤجلون إلى الغد.
( وإنا -إن شاء الله- بكم لاحقون) اللحوق واقع لا شك فيه، فلا يليق أن يعلق على المشيئة، إذ مشيئته حاصلة لن تتخلف، لهذا جعله بعضهم لخصوص هذا المكان، كأنه قال: وإنا لاحقون بكم في هذه القبور بهذه الأمكنة إن شاء الله، وإن شاء غيرها فالأمر له.
وقيل: إن التعليق غير مراد، والمراد بذكر هذه الجملة التبرك.
( اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد) كأنه قال: اللهم اغفر لأهل هذه القبور والبقيع والبقعة: المكان، والغرقد اسم شجر كثير الشوك ويسمى بالعوسج، والمراد ببقيع الغرقد هنا مدفن أهل المدينة، سمي باسم الشجر الذي كان فيه قبل إزالته واتخاذه مدفناً.
( انقلب) أي رجع من الخارج.
( فلم يلبث إلا ريثما) بفتح الراء والثاء، أي مقدار ما ظن...إلخ.
( ظن أن قد رقدت) أن مخففة من الثقيلة.
واسمها ضمير الشأن محذوف، وجملة قد رقدت خبرها، أي ظن أن الحال والشأن قد نمت واستغرقت في النوم وأصبحت في غيبة عن حركاته.
( فأخذ رداءه رويداً) أي قليلاً قليلاً، أي بلطف وهدوء لئلا يزعجها ويوقظها من نومها.
فتحس وحشة حين يتركها منفردة في ظلمة الليل ووسطه.
( وفتح الباب فخرج ثم أجافه رويداً) أي أغلقه.
( وتقنعت إزاري) هو هكذا في الأصول، والتقدير: تقنعت بإزاري أي تغطيت به وجعلته قناعاً ساتراً.
( ثم انحرف) عن البقيع نحو المسكن عائداً.
( فأحضر فأحضرت) بفتح الهمزة والضاد بينهما حاء ساكنة.
والإحضار: العدو، أي الجري فوق الهرولة.
( مالك يا عائش؟) حذف التاء من عائشة للترخيم، فيجوز في الشين الفتح على الانتظار والضم على عدم الانتظار، ومالك؟ مبتدأ وخبر، بمعنى أي شيء حصل لك حالة كونك؟.
( حشيا رابية) بفتح الحاء وسكون الشين بعدها ياء فألف مقصورة، كان حقها أن تكتب ياء كسلمى لكنها وقعت بعد ياء، وهو النهيج، وتتابع الشهيق والزفير بسرعة وصوت نتيجة للجري، يقال: امرأة حشيا، وحشية، ورجل حشيان.
ورابية أي مرتفعة البطن، والمقصود ارتفاع وانخفاض بسبب النهيج.
( لا شيء) أي لا شيء يورثني ما تقول.
وفي بعض النسخ لا بي شيء أي ليس بي شيء، وفي بعضها لأي شيء؟ باللام الداخلة على أي الاستفهامية، أي لأي شيء تقول هذا؟ قال القاضي عياض: والأول أصوب.
( فأنت السواد الذي رأيت أمامي؟) يطلق السواد على الإنسان، فيقال: السواد الأعظم، أي الناس الكثيرون.
والكلام هنا على الاستفهام.
( فلهدنى) بفتح الهاء والدال، وروى فلهزنى بالزاي بدل الدال، وهما متقاربان، يقال: لهده ولهذه بالدال والذال مع تخفيف الهاء وتشديدها، أي دفعه.
ويقال: لهزه إذا ضربه بجمع كفه في صدره، ويقرب منهما لكزه ووكزه.
( أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله؟) الاستفهام إنكاري توبيخي أي ما كان ينبغي أن تظني أن رسول الله يظلمك، والحيف: الميل عن العدل وعن الطريق المستقيم.
( مهما يكتم الناس يعلمه الله.
نعم) صدقت نفسها وأكدت قولها: مهما يكتم الناس يعلمه الله، كأنها بعد ما قالته قالت: هذا حق.
( فإن جبريل أتاني حين رأيت) أي حين رأيت انقلابي ووضعي ردائي وخلعي نعلي ووضعي لهما عند رجلي وبسطي طرف إزاري على فراشي واضطجاعي.
( فناداني) أي من خارج الدار.
( فأخفاه منك) أي فأخفى نداءه منك.
( فأجبته فأخفيته منك) أي فأخفيت جوابي وأسررت به.
( قتل نفسه بمشاقص) وهي سهام عراض، واحدها مشقص بكسر الميم وفتح القاف.
فقه الحديث
يمكن حصر شوارد الباب في أربع نقاط:
القبر وصفته المشروعة، ودفن الميت وكيفيته، وزيارة القبور، وما يؤخذ من الأحاديث.
أما القبر: فهو حجرة صغيرة تحت الأرض، تحفر، ثم تبنى، ثم تسقف بسقف معقود هرمي أو بسقف عادي.
قال النووي في المجموع: ويستحب أن يعمق القبر لحديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم يوم أحد: احفروا وأوسعوا وأعمقوا.
قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
قال: ويستحب أن يكون عمقه قامة وبسطة، بحيث يقف فيه رجل معتدل القامة ويرفع يديه إلى فوق رأسه ما أمكنه.
ثم قال: قال الأصحاب: لاستحباب تعميقه ثلاث فوائد: أن لا ينبشه سبع، ولا تظهر رائحته، وأن يتعذر -أو يتعسر- نبشه على من يريد سرقة كفنه.
وأقل ما يجزئ حفرة تكتم رائحة الميت ويعسر على السباع غالباً نبشه والوصول إلى الميت.
اهـودفن الميت ثلاثة أنواع: القبر وهذا وصفه، فيوضع الميت على أرضه، واللحد وقد سبق وصفه في المباحث العربية، وأنه شق بجانب القبر تحت جداره والشق وهو حفرة كالنهر، يبني جانباها على قدر الميت، ويسقف عليه باللبن أو بأي سقف، ويرفع السقف قليلاً بحيث لا يمس الميت، قال الشافعي في الأم: ورأيتهم عندنا -يعني في مكة شرفها الله- يضعون على السقف الإذخر ثم يضعون عليه التراب.
اهـ.
وظاهر الرواية الأولى أن الدفن في اللحد أفضل، حيث أوصى به سعد بن أبي وقاص، وحيث إنه الذي صنع برسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال النووي في المجموع: أجمع العلماء على أن الدفن في اللحد وفي الشق جائزان -أي وكذا القبر- لكن إن كانت الأرض صلبة لا ينهار ترابها فاللحد أفضل للحديث المشار إليه -وإن كانت رخوة تنهار فالشق أفضل.
اهـ والقبر كالشق.
وقد ذكر النووي في المجموع مسائل تتعلق بالقبر منها:
1- أنه يستحب أن لا يزاد القبر على التراب الذي أخرج منه -على معنى أنه يوضع فوق القبر ترابه الذي أخرج منه بالحفر، فيرتفع عن سطح الأرض بمقداره.
قال الشافعي والأصحاب، إنما قلنا: يستحب أن لا يزاد لئلا يرتفع القبر ارتفاعاً كثيراً.
قال الشافعي: فإن زاد فلا بأس.
قال الأصحاب: معناه أنه ليس بمكروه، ولكن المستحب تركه.
قال النووي: فإن قيل: هذا مخالف لحديث علي رضي الله عنه قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا أدع قبراً مشرفاً إلا سويته -روايتنا الرابعة: فالجواب ما أجاب به أصحابنا، قالوا: لم يرد التسوية بالأرض، وإنما أراد تسطيحه، جمعا بين الأحاديث.
اهـ.
ولا شك أن هذا خلاف ظاهر الحديث فالتسوية جعل الشيء مساوياً لشيء، وتسوية المشرف جعله غير مشرف على ما حوله، فظاهر الحديث تسوية القبور بالأرض.
أما أن الأمر للوجوب أو للندب أو للأولى فهذا أمر آخر.
والله أعلم.
2- ومنها أن نص الشافعي على أن تستطيح القبر أفضل، وهو مذهب مالك وداود.
وقال أبو حنيفة وأحمد: التسنيم أفضل، ويستدل لهم بما ثبت في صحيح البخاري عن سفيان التمار قال: رأيت قبر النبي صلى الله عليه وسلم مسنماً.
ورد بأن القبر غير عما كان، فكان أول الأمر مسطحاً، ثم لما سقط الجدار في زمن الوليد بن عبد الملك أصلح فجعل مسنماً.
3- ومنها أنه يستحب أن يوضع عند رأسه علامة من حجر أو خشبة أو غيرهما، قاله الشافعي وسائر أصحابه.
وقيل: علامتان.
أحدهما عند رأسه، والأخرى عند رجليه.
4- ومنها أنه يكره أن يجصص القبر -وروايتنا الخامسة والسادسة صريحتان في ذلك، ويكره أن يكتب عليه اسم صاحبه أو غير ذلك، وأن يبنى عليه.
قال النووي: وهذا لا خلاف فيه عندنا، وبه قال مالك وأحمد وجماهير العلماء.
وقال أبو حنيفة: لا يكره.
والله أعلم.
النقطة الثانية كيفية دفن الميت، وقد ذكر النووي في ذلك مسائل:
إحداها: أن مذهب الشافعي أنه يسن أن يوضع رأس الميت من الطرف الذي سيكون فيه رجله ثم يسل من جهة رأسه سلاً رفيقاً، وهو مذهب أحمد: وقال أبو حنيفة: يدخل بعرضه من ناحية القبلة.
وقال مالك: كلاهما سواء.
ثانيتها: يستحب لمن يتولى الدفن أن يقول عند إدخال الميت القبر: بسم الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثالثتها: قال النووي: يجب وضع الميت في القبر مستقبل القبلة.
وقيل: استقبال القبلة به مستحب ليس بواجب.
قال: والصحيح الأول.
واتفقوا على أنه يستحب أن يضطجع على جنبه الأيمن.
فلو اضطجع على الأيسر مستقبل القبلة جاز، وكان خلاف الأفضل.
رابعتها: يستحب أن يوسد رأسه لبنة أو حجراً ونحوهما، ويفضي بخده الأيمن إلى اللبنة ونحوها أو إلى التراب، ومعناه أن ينحى الكفن عن خده ويوضع على التراب، ويستحب أن يجعل خلفه شيئاً من لبن أو غيره يسنده ويمنعه من أن يقع على قفاه، ويكره أن يجعل تحته مخدة أو ثوب، أو يجعل في تابوت إلا إذا كانت الأرض ندية فلا يكره.
وقد شذ من قال: لا بأس أن يبسط تحت جبينه شيء مستدلاً بروايتنا الثانية وفيها يقول ابن عباس: جعل في قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم قطيفة حمراء.
قال النووي: وقد أجابوا عن ذلك بأنه لم يكن ذلك الفعل صادراً من جملة الصحابة ولا برضاهم ولا بعلمهم، وإنما فعله شقران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: كرهت أن يلبسها أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
خامستها: يستحب لكل من على القبر أن يمكث بعد الدفن زمناً يدعو للميت ويستغفر له.
فقد روى مسلم وصية عمرو بن العاص حين حضرته الوفاة -وقد سبق في كتاب الإيمان- قال: فإذا دفنتموني فسنوا علي التراب سناً، ثم أقيموا حول قبري قدر ما تنحر جزور ويقسم لحمها حتى أستأنس بكم، وأعلم ماذا أراجع رسل ربي.
وقال بعض الشافعية: يستحب أن يقرأ عنده شيء من القرآن، واستحبوا قراءة أول سورة البقرة وآخرها.
وقد روى أبو داود والبيهقي بإسناد جيد عن عثمان قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الرجل يقف عليه، وقال: استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل.
النقطة الثالثة زيارة القبور: والروايات الثانية عشرة وما بعدها تدل على استحبابها، والدعاء لأهلها والترحم عليهم، قال النووي: اتفقت نصوص الشافعي والأصحاب على أنه يستحب للرجال زيارة القبور، وهو قول العلماء ودليله مع الإجماع الأحاديث الصحيحة المشهورة، وكانت زيارتها منهياً عنها أولاً، ثم نسخ، ثبت في صحيح مسلم عن بريدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها -روايتنا السابعة عشرة- زاد أحمد: ولا تقولوا هجراً.
وكان النهي أولاً لقرب عهدهم من الجاهلية، فربما كانوا يتكلمون بكلام الجاهلية الباطل فلما استقرت قواعد الإسلام وتمهدت أحكامه واشتهرت معالمه أبيح لهم الزيارة.
ثم قال: قال أصحابنا: ويستحب للزائر أن يدنو من القبر المزور بقدر ما كان يدنو من صاحبه لو كان حياً وزاره.
وأما النساء فالذي قطع به الجمهور أنها مكروهة لهن كراهة تنزيه.
وقال بعض المحققين: إن كانت زيارتهن لتجديد الحزن والتعديد والبكاء والنوح على ما جرت من عادتهن حرم.
قال: وعليه يحمل حديث: لعن الله زوارات القبور رواه أبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح.
وإن كانت زيارتهن للاعتبار من غير تعديد ولا نياحة كره، إلا أن تكون عجوزاً لا تشتهى فلا يكره كحضور الجماعة في المساجد.
اهـ واستحسنه الإمام النووي، ثم قال: ومع هذا فالاحتياط للعجوز ترك الزيارة لظاهر الحديث.
اهـ.
والذي تميل إليه النفس أن زيارة النساء للقبور بدافع الاعتبار والدعاء والاستغفار لا تكره مطلقاً لذاتها، أما إذا لابسها شيء من الممنوعات شرعاً منعت بالدرجة التي بها الملابس كراهة أو تحريماً، فروايتنا الثالثة عشرة وفيها عائشة تسأل عما تقول عند زيارتها القبور؟ وفيها تعليم الرسول صلى الله عليه وسلم ما تقول: قولي: السلام عليكم أهل الديار...إلخ.
دليل واضح على المشروعية، وأقلها الجواز وعدم الكراهة.
ثم إن المرأة التي رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم تبكي ولدها عند القبر لم ينهها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الزيارة، وإنما أمرها بالصبر.
مما يؤكد ما ذهبنا إليه من عدم الكراهة، والله أعلم.
قال النووي: قال أصحابنا: ويستحب للزائر أن يسلم على أهل المقابر ويدعو لمن يزوره ولجميع أهل المقبرة، والأفضل أن يكون السلام والدعاء بما ثبت في الحديث، ويستحب أن يقرأ من القرآن ما تيسر، ويدعو لهم عقبها.
ونص عليه الشافعي واتفق عليه الأصحاب، ولا يستلم القبر بيده، ولا يقبله ولا يمسح القبر، ولا يمسه، فإن ذلك عادة النصارى.
وقد صح النهي عن تعظيم القبور، وصح في ذلك الوعيد الشديد.
ويؤخذ من الأحاديث فوق ما تقدم:
1- يؤخذ من الرواية الأولى تفضيل اللحد على القبر، وقد مضى الكلام عليه.
2- وأخذ منها البغوي من الشافعية جواز فرش مثل القطيفة في القبر.
قال النووي: وهذا شاذ ونص الشافعي وجميع الأصحاب وغيرهم من العلماء على كراهته، وقد مضى الحديث في ذلك.
3- ويؤخذ من الرواية الرابعة وجوب تحطيم التماثيل وطمسها على المقابر أو بعيدة عنها.
4- ويؤخذ من الرواية الخامسة والسابعة منع الجلوس على القبر.
قال النووي: وكذا الاستناد إليه والاتكاء عليه، كل ذلك مكروه عندنا وعند أبي حنيفة وأحمد.
وقال مالك: لا يكره.
5- ومن الرواية الخامسة النهي عن البناء على القبور.
قال النووي: البناء على القبر إن كان في ملك الباني فمكروه، وإن كان في مقبرة مسبلة فحرام.
قال الشافعي في الأم: ورأيت الأئمة بمكة يأمرون بهدم ما يبنى.
6- ومن الرواية الثامنة والتاسعة النهي عن الصلاة إلى القبر، أي جعله في قبلة المصلى.
7- ومن الرواية الثالثة عشرة طبيعة الغيرة في النساء، وأن ما يجري بدافعها في حدود مغتفر.
8- ومن لهده صلى الله عليه وسلم لعائشة جواز مثل ذلك في مثل هذه الظروف.
9- وأن جبريل عليه السلام لا يدخل على مكشوف العورة.
10- وجواز إخفاء الزوج عن زوجته ما يثير قلقها.
11- وحرص الزوج على راحة زوجته وعدم إزعاجها في نومها.
12- ومن الرواية الخامسة عشرة والسادسة عشرة جواز زيارة المشركين في الحياة، وزيارة قبورهم بعد الوفاة.
لأنه إذا جازت زيارتهم بعد الوفاة ففي الحياة أولى، وقد قال الله تعالى: { { وصاحبهما في الدنيا معروفاً } } [لقمان: 15] .
13- والنهي عن الاستغفار للكفار، قال القاضي عياض: سبب زيارته صلى الله عليه وسلم قبرها أنه قصد قوة الموعظة والذكرى بمشاهدة قبرها، ويؤيده قوله: فزوروا القبور فإنها تذكركم الموت.
14- ومن الرواية السابعة عشرة نسخ النهي الوارد في حديث وفد عبد القيس الذي سبق في كتاب الإيمان من النهي عن النبذ في الدباء والحنتم والنقير والمقير ونحوها من الأسقية.
15- وفي الرواية الثامنة عشرة دليل لمن يقول: لا يصلى على قاتل نفسه لعصيانه.
قال النووي: ومذهب مالك وأبي حنيفة والشافعي وجماهير العلماء أنه يصلى عليه، وأجابوا عن الحديث بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل عليه بنفسه زجراً للناس عن مثل فعله، وصلت عليه الصحابة، وهذا كما ترك النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة في أول الأمر على من عليه دين زجراً لهم عن التساهل في الاستدانة، وأمر أصحابه بالصلاة عليه: صلوا على صاحبكم.
قال القاضي: مذهب العلماء كافة، الصلاة على كل مسلم، ومحدود، وقاتل نفسه، وولد الزنا.
وعن مالك وغيره: أن الإمام يجتنب الصلاة على مقتول في حد، وأن أهل الفضل لا يصلون على الفساق زجراً لهم.
وقال أبو حنيفة: لا يصلى على محارب، ولا على قتيل الفئة الباغية.
ومنع بعض السلف الصلاة على الطفل الصغير.
وأما الشهيد المقتول في حرب الكفار فقال مالك والشافعي والجمهور: لا يغسل ولا يصلى عليه.
وقال أبو حنيفة: لا يغسل ويصلى عليه.
والله أعلم