هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
1796 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ عَمْرٍو ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ ، عَنْ أَخِيهِ هَمَّامٍ ، عَنْ مُعَاوِيَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا تُلْحِفُوا فِي الْمَسْأَلَةِ ، فَوَاللَّهِ ، لَا يَسْأَلُنِي أَحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئًا ، فَتُخْرِجَ لَهُ مَسْأَلَتُهُ مِنِّي شَيْئًا ، وَأَنَا لَهُ كَارِهٌ ، فَيُبَارَكَ لَهُ فِيمَا أَعْطَيْتُهُ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ الْمَكِّيُّ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، حَدَّثَنِي وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ - وَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فِي دَارِهِ بِصَنْعَاءَ ، فَأَطْعَمَنِي مِنْ جَوْزَةٍ فِي دَارِهِ - عَنْ أَخِيهِ قَالَ : سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ : فَذَكَرَ مِثْلَهُ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ودخلت عليه في داره بصنعاء ، فأطعمني من جوزة في داره عن أخيه قال : سمعت معاوية بن أبي سفيان ، يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول : فذكر مثله
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

Mu'awiya reported Allah's Messenger (ﷺ) as saying:

Do not press in a matter, for I swear by Allah, none of you who asks me for anything and manages to get his request while I disdain it, will he be blessed in that which I give him.

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [1038] .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( لَا تُلْحِفُوا فِي الْمَسْأَلَةِ) هَكَذَا هُوَ فِي بَعْضِ الْأُصُولِ فِي الْمَسْأَلَةِ بِالْفَاءِ وَفِي بَعْضِهَا بِالْبَاءِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَالْإِلْحَافُ الْإِلْحَاحُ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [1038] لَا تلحفوا أَي لَا تلحوا

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

عن معاوية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تلحفوا في المسألة، فوالله لا يسألني أحد منكم شيئاً فتخرج له مسألته مني شيئاً وأنا له كاره فيبارك له فيما أعطيته.

المعنى العام

قال حكيم: من مد يده لا يمد رجله.
ومقابلها من لم يمد يده يمد رجله، والمعنى من لم يأخذ من غيره لا يذل له، ومن أخذ ذل، وسؤال الإحسان مذلة.
{ { ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون } } [المنافقون: 8] .

ولا يختلف اثنان من أهل العزة والكرامة في أن المعطي خير من الآخذ، ولا يختلف اثنان ممن يرفعون رءوسهم في أن سؤال الإحسان من الغير مذلة، وإراقة لماء الوجه، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يقول: ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم.
فالسؤال يذيب لحم الوجه وشيئا فشيئا وسؤالا بعد سؤال يكلح وجه السائل في الدنيا ويبعث يوم القيامة معلماً واضحاً مفضوحاً بين الخلائق، فوجهه عظام وهيكل لا لحم فيه.
بل كل سؤال يسأله السائل مع القدرة على الاستغناء عنه يؤثر في الوجه علامة خدش، فإذا تعدد كان خدوشاً فإذا زاد أذاب لحم الوجه، منظر بشع، وعقاب من جنس العمل.
من لم يحفظ ماء وجهه في الدنيا، لم يجد لحم وجهه في الآخرة.
لقد كان السائل يسأل في الدنيا ليزداد مالاً، وليزداد من وراء ذلك وجاهة ومكانة، فكان عقابه في الآخرة نقيض دوافعه وأهدافه.

إن الإسلام حين حث على الإعطاء، وحذر من الإمساك، ونهى عن نهر السائل ورده بجفاء، قصد السائل المحروم، الذي لا يجد ما يكفيه، والذي يضطر إلى السؤال ليجد لقمة أو لقمتين، أو تمرة أو تمرتين، ومع ذلك نبه الشارع المسلم إلى الاهتمام بالمستحق غير السائل أكثر من الاهتمام بالمستحق السائل: ليس المسكين الذي يطوف على الناس فترده اللقمة أو اللقمتان والتمرة والتمرتان، إنما المسكين المتعفف، الذي لا يجد ما يكفيه، ولا يسأل الناس، فلا يفطن له المتصدقون.

إن الإسلام دين كفاح وعمل وإنتاج، يبني الدنيا ويعمل للآخرة، يدعو المسلم للعمل في دنياه كما لو كان يعيش أبداً، ويعمل لآخرته كأنه يموت غداً، حين أمره بترك البيع والشراء من أجل صلاة الجمعة عقب صلاتها بالدعوة للعمل: { { فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون } } [الجمعة: 10] ، وفي سبيل بناء الحياة الدنيا وجه إلى العمل والإنتاج، وحذر من الكسل والخذلان: لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب حزمة من الحطب، فيحملها على ظهره فيبيعها، فيتصدق وينفق على نفسه ويستغني عن الناس خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه.

وفي سبيل الرضا والقناعة والكسب الحلال، وذم الشره، والحرص الذي يدفع للسؤال والتكاثر يحذر برفق، فيقول: إن هذا المال كفاكهة خضرة حلوة تجري وراءها النفوس، فمن أخذها بنفس طيبة من نفس طيبة بورك له فيه، ومن أخذه من طريق غير مشروع، أو أخذه من الغير بشراهة، أو بإحراج الآخرين لم يبارك له فيه، ويحس بالفقر بين عينيه مهما كثر ماله، ويكون كالذي لا يأكل ولا يشبع.

إن السؤال نفسه ذل، وإن ما يأتي عن طريقه سحت، فلا يحل السؤال وما يحصله إلا في حالات ثلاث:

الأولى: أن يتحمل الرجل غرماً لإصلاح ذات البين، ولا تغطي أمواله هذا الغرم، فله أن يسأل لسداد هذا الغرم، فهو مسئولية المسلمين.

الثانية: أن يصاب بكارثة علنية مفاجئة تأتي على ماله، فله أن يسأل حتى يحصل ما به كفافه.

الثالثة: أن يخسر في عمله، فيفصل من وظيفته، أو تخسر تجارته، أو تكسد صنعته، ولا يجد الكفاف ويحتاج العون، فيشهد بحالته العالمون بأمره، فيحل له أن يسأل حتى يحصل ما به كفافه، وفيما عدا هذه الحالات لا يحل السؤال ويكون ما يحصل به سحتاً وحراماً.

ولقد خشي الصحابة من كثرة التحذير من السؤال حتى ابتعدوا عن سؤال العون في الشيء الحقير.
رضي الله عنهم وأرضاهم.

المباحث العربية

( اليد العليا خير من اليد السفلى، واليد العليا المنفقة.
والسفلى السائلة)
قال القرطبي: وقع تفسير اليد العليا والسفلى في حديث ابن عمر هذا، وهو نص يرفع الخلاف، ويدفع تعسف من تعسف في تأويله ذلك.
اهـ.

قال الحافظ ابن حجر: لكن ادعى أبو العباس الداني في أطراف الموطأ أن التفسير المذكور مدرج في الحديث، ولم يذكر مستنداً لذلك.
ثم وجدت في كتاب العسكري في الصحابة بإسناد له فيه انقطاع عن ابن عمر.
أنه كتب إلى بشر بن مروان إني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: اليد العليا خير من اليد السفلى ولا أحسب اليد السفلى إلا السائلة، ولا العليا إلا المعطية.
فهذا يشعر بأن التفسير من كلام ابن عمر، ويؤيده ما رواه ابن أبي شيبة من طريق عبد الله بن دينار عن ابن عمر: كنا نتحدث أن العليا هي المنفقة.

ثم قال الحافظ ابن حجر: قال أبو داود: قال الأكثر: عن حماد بن زيد: اليد العليا المنفقة.
وقال غير واحد عنه: المتعففة.
وللطبراني بإسناد صحيح عن حكيم بن حزام مرفوعاً: يد الله فوق يد المعطي، ويد المعطي فوق يد المعطى، ويد المعطى أسفل الأيدي.
ولأبي داود من حديث عوف بن مالك عن أبيه مرفوعاً: الأيدي ثلاثة، فيد الله العليا، ويد المعطي التي تليها، ويد السائل السفلى.
ولأحمد والبزار: اليد المعطية هي العليا، والسائلة هي السفلى.
فهذه الأحاديث متضافرة على أن اليد العليا هي المنفقة المعطية، وأن السفلى هي السائلة، وهذا هو المعتمد، وهو قول الجمهور.
وقيل: اليد السفلى الآخذة، سواء كان بسؤال أم بغير سؤال، وهذا أباه قوم، واستندوا إلى أن الصدقة تقع في يد الله قبل يد المتصدق عليه.
قال ابن العربي: التحقيق أن السفلى يد السائل، أما يد الآخذ فلا.

ثم قال الحافظ: يد الآدمي أربعة، يد المعطي وقد تضافرت الأخبار بأنها عليا.
ثانيها يد السائل.
وقد تضافرت بأنها سفلى، سواء أخذت أم لا، وهذا موافق لكيفية الإعطاء والأخذ غالباً، وللمقابلة بين العلو والسفل المشتق منهما.
ثالثها يد المتعفف عن الأخذ ولو بعد أن تمد إليه يد المعطي مثلاً، وهذه توصف بكونها عليا علواً معنوياً.
رابعها يد الآخذ بغير سؤال، وهذه قد اختلف فيها، فذهب جمع إلى أنها سفلى، وهذا بالنظر إلى الأمر المحسوس، أما المعنوي فلا يطرد، فقد تكون عليا في بعض الصور.

قال ابن حبان: اليد المتصدقة أفضل من السائلة، لا الآخذة بغير سؤال، فربما كان الآخذ لما أبيح له أفضل وأروع من الذي يعطى.
اهـ.

وعن الحسن البصري: اليد العليا المعطية، والسفلى المانعة.
اهـ ولم يوافق عليه.

وأطلق آخرون من المتصوفة أن اليد الآخذة أفضل من المعطية مطلقاً.
قال ابن قتيبة: وما أرى هؤلاء إلا قوماً قد استطابوا السؤال، فهم يحتجون للدناءة.
اهـ.

ثم قال الحافظ: ومحصل ما في الآثار المتقدمة أن أعلى الأيدي المنفقة، ثم المتعففة عن الأخذ، ثم الآخذة بغير سؤال؛ وأسفل الأيدي السائلة والمانعة.
والله أعلم.
انتهى بتصرف.

( أفضل الصدقة -أو خير الصدقة- عن ظهر غنى) الشك من الراوي، ورواية البخاري خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى.
قال الخطابي: الظهر قد يزاد في مثل هذا إشباعاً للكلام.
اهـ.

قال الحافظ ابن حجر: والتنكير للتعميم، والمعنى: خير الصدقة ما فضل بعدها غنى لصاحبها، أي التي لا تستغرق مال صاحبها، بل تبقي قوته وقوت عياله وحاجاته.

قال النووي: معناه أفضل الصدقة ما بقي صاحبها بعدها مستغنياً بما بقي معه، وتقديره: أفضل الصدقة ما أبقت بعدها غنى يعتمده صاحبها، ويستظهر به على مصالحه وحوائجه.
اهـ والتقدير أفضل الصدقة المتجاوزة غنى، وليس التقدير: الناشئة عن غنى وتستغرقه ، ولذلك قال بعده: وابدأ بمن تعول وسيأتي زيادة إيضاح للمراد في فقه الحديث.

( وابدأ بمن تعول) يقال: عال الرجل أهله إذا قام بمؤنتهم وما يحتاجون إليه من القوت والكسوة والمسكن وغيرها، والمعنى: ابدأ بمن يجب عليك مؤنتهم ونفقتهم، فالجملة مؤكدة لصدر الحديث.

( سألت النبي صلى الله عليه وسلم فأعطاني) بين إسحق بن راهويه في مسنده سبب السؤال وهو: أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى حكيم بن حزام من العطاء أقل مما أعطى أصحابه، فقال حكيم: يا رسول الله ما كنت أظن أن تقصر بي دون أحد من الناس فزاده، ثم استزاده حتى رضي.
اهـ وحكيم بفتح الحاء ابن حزام بكسر الحاء وتخفيف الزاي، ولد في بطن الكعبة، عاش في الجاهلية ستين سنة وفي الإسلام ستين سنة، وأعتق مائة رقبة، وحمل على مائة بعير في الجاهلية، وحج في الإسلام ومعه مائة بدنة، ووقف بعرفة بمائة رقبة، في أعناقهم أطواق الفضة منقوش فيها: عتقاء الله عن حكيم بن حزام، وأهدى ألف شاة، ومات بالمدينة سنة ستين من الهجرة، وقيل سنة أربع وخمسين.

( إن هذا المال خضرة حلوة) خضرة بفتح الخاء وكسر الضاد، وهو خبر، وأنثه على تقدير المبتدأ مؤنثاً من حيث المعنى، إذ المراد من المال الدنيا، فكأنه قال: إن هذه الدنيا كفاكهة خضرة حلوة.
قال النووي: شبهه في الرغبة فيه والميل إليه وحرص النفوس عليه بالفاكهة الخضراء الحلوة المستلذة، فإن الأخضر مرغوب فيه على انفراده، والحلو كذلك على انفراده، فاجتماعهما أشد.

( فمن أخذه بطيب نفس بورك له فيه) في رواية البخاري فمن أخذه بسخاوة نفس قال القاضي: فيه احتمالان.
أظهرهما أنه عائد على الآخذ، ومعناه: من أخذه بغير سؤال ولا إشراف نفس ولا شره ولا تطلع ولا إلحاح بورك له فيه.
والاحتمال الثاني أنه عائد إلى الدافع، ومعناه: من أخذه ممن يدفع منشرحاً بدفعه إليه طيب النفس بما يعطي من غير سؤال اضطره إليه أو أخرجه له أو نحو ذلك مما لا تطيب معه نفس الدافع بورك له فيه.

( ومن أخذه بإشراف نفس) الإشراف على الشيء الاطلاع عليه والتعرض له، والمراد شدة حرص السائل عليه وطمعه فيه وهو في هذه الجملة عائد على السائل فقط.

( وكان كالذي يأكل ولا يشبع) كنوع من المرض، كلما أكل احترق الأكل وخرج، بسبب ما به من علة، ويسمى بالجوع الكاذب، وقيل: أراد تشبيهه بالبهيمة الراعية.
والمقصود التنفير.

( يا ابن آدم، إنك أن تبذل الفضل خير لك، وأن تمسكه شر لك) قال النووي: هو بفتح همزة أن ومعناه إن بذلت الفاضل عن حاجتك وحاجة عيالك فهو خير لك لبقاء ثوابه، وإن أمسكته فهو شر لك، لأنه إن أمسك عن الواجب استحق العقاب عليه، وإن أمسك عن المندوب فقد حرم ثوابه، وفوت مصلحة نفسه في آخرته، وهذا كله شر.
اهـ وفتح همزة أن جعل الكلام في حاجة إلى تقدير وتمحل، فتكن أن وما دخلت عليه في تأويل مصدر بدل من الكاف اسم إن أي إن بذلت الفضل، وكسرها أقرب إلى انسياب الكلام واتساقه.
ولعل ضبط النسخة في الأصول هو الذي حكمه، وخصوصاً أن تفسيره وشرحه على كسر الهمزة.

( ولا تلام على كفاف) أي لا تلام على إمساك إن لم يكن عندك زيادة على الحاجة، فالكفاف قدر الحاجة.

( إياكم وأحاديث) بعض النسخ إياكم والأحاديث أي احذروا الإكثار من الأحاديث بدون تثبت من صحتها.

( إلا حديثاً كان في عهد عمر) قال النووي: مراد معاوية النهي عن الإكثار من الأحاديث بغير تثبت، لما شاع في زمنه من التحدث عن أهل الكتاب وما وجد في كتبهم حين فتحت بلدانهم، وأمرهم بالرجوع في الأحاديث إلى ما كان في زمن عمر رضي الله عنه لضبطه الأمر وشدته فيه، وخوف الناس من سطوته ومنعه الناس من المسارعة إلى الأحاديث وطلبه الشهادة على ذلك، حتى استقرت الأحاديث، واشتهرت السنن.

( إنما أنا خازن) في الرواية السابعة وإنما أنا قاسم ويعطي الله قال النووي: معناه أن المعطي حقيقة هو الله تعالى.
ولست أنا معطياً، وإنما أنا خازن على ما عندي، ثم أقسم ما أمرت بقسمته على حسب ما أمرت به، فالأمور كلها بمشيئة الله تعالى وتقديره، والإنسان مصرف مربوب.
اهـ وفائدة هذه الجملة دفع توهم التسلط والتحكم في العطاء والمنع.

( فمن أعطيته عن طيب نفس فيبارك له فيه) من اسم شرط، وقوله: فيبارك برفع الفعل على الاستئناف، على تقدير فهو يبارك له فيه، والجملة في محل جزم جواب الشرط.

( لا تلحفوا في المسألة) قال النووي: هكذا هو في بعض الأصول في المسألة بالفاء، وفي بعضها بالباء، وكلاهما صحيح، والإلحاف الإلحاح.
اهـ والمراد من المسألة طلب العطاء أو الصدقة.

( ليس المسكين بهذا الطواف الذي يطوف على الناس) في الرواية التاسعة ليس المسكين بالذي ترده التمرة والتمرتان فالباء في بهذا الطواف وفي بالذي ترده زائدة في خبر ليس، وال في المسكين للكمال، قال النووي: معناه المسكين الكامل المسكنة، الذي هو أحق بالصدقة، وأحوج إليها ليس هو هذا الطواف، إنه بمسألته يأتيه الكفاف، إنما المسكين الكامل هو الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يفطن له، ولا يسأل الناس، وليس معناه نفي أصل المسكنة عن الطواف، بل معناه نفي كمال المسكنة، كقوله تعالى: { { ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر } } [البقرة: 177] .
اهـ وكقولنا: ليس الصيام من الأكل والشرب، إنما الصيام من اللغو والرفث.

والمراد من الطواف على الناس المتردد عليهم يمد يده ويسألهم.

( قالوا: فما المسكين؟) الأصل عند جمهور النحاة أن من تستعمل في العاقل، وما في غير العاقل، فكان الظاهر أن يقال: فمن المسكين؟ لكنه إذا قصد الوصف جاز استعمال ما في العاقل.

قال النووي: هكذا هو في الأصول كلها فما المسكين؟ وهو صحيح، لأن ما تأتي كثيراً لصفات من يعقل، كقوله تعالى: { { فانكحوا ما طاب لكم من النساء } } [النساء: 3] .

والمسكين مشتق من السكون، وهو عدم الحركة، فكأنه بمنزلة الميت، وهو بكسر الميم، وفتحها نادر، ويطلق على الذليل الضعيف، فيقال: تمسكن الرجل والفقر -كما قال القزاز- أصله في اللغة من فقار الظهر، كأن الفقير كسر فقار ظهره، فبقي له من جسمه بقية.
والفقر بفتح القاف ضد الغنى، وقد تكسر الفاء.
وسيأتي في فقه الحديث الفرق الشرعي بين الفقير والمسكين.

( حتى يلقى الله وليس في وجهه مزعة لحم) المزعة بضم الميم وسكون الزاي، وحكى كسر الميم القطعة.
قال الخطابي: يحتمل أن يكون المراد أنه سيأتي ساقطاً، لا قدر له، ولا جاه [فهو كناية عن الوجاهة ووجهاء القوم] أو يعذب في وجهه حتى يسقط لحمه لمشاكلة العقوبة في مواضع الجناية من الأعضاء، لكونه أذل وجهه بالسؤال، أو أنه يبعث ووجهه عظم كله فيكون ذلك شعاره الذي يعرف به.
وقال ابن أبي جمرة: معناه أنه ليس في وجهه من الحسن شيء، لأن حسن الوجه هو مما فيه من اللحم.

( ما يزال الرجل يسأل) وفي الرواية العاشرة لا تزال المسألة بأحدكم وفي ذلك إشارة إلى أن الحكم موقوف على تكرار السؤال وكثرته، قال النووي: وهذا فيمن سأل لغير ضرورة سؤالاً منهياً عنه وأكثر منه.

( من سأل الناس أموالهم تكثراً) أي من سأل ليجمع الكثير من غير احتياجه إليه، وعند الترمذي من سأل الناس ليثري ماله كان خموشاً في وجهه يوم القيامة، فمن شاء فليقل، ومن شاء فليكثر.

( فإنما يسأل جمراً) قال النووي: قال القاضي: معناه يعاقب بالنار، ويحتمل أن يكون على ظاهره، وأن الله بأخذه يصير جمراً، يكوى به، كما ثبت في مانع الزكاة.

( فليستقل أو ليستكثر) الأمر للتهديد والوعيد والتهكم، وليس لطلب السؤال القليل أو الكثير، وليس لطلب تحصيل الجمر القليل أو الكثير.

( لأن يغدو أحدكم فيحطب على ظهره) الغدو الذهاب أول النهار، قال النووي: هكذا وقع في الأصول فيحطب بغير تاء بين الحاء والطاء في الموضعين، وهو صحيح.
اهـ وفي رواية البخاري يغدو إلى الجبل فيحتطب أي يجمع الحطب، فيحمله على ظهره.

( فيتصدق به) أي على نفسه، وعلى من تلزمه نفقته، فالنفقة على النفس صدقة، وليس المراد التصدق على الفقراء الأجانب، بدليل الجملة التالية.

( ويستغني به من الناس) من الناس بالميم هكذا هو في النسخ، وفي نادر منها عن الناس بالعين وكلاهما صحيح، والأول محمول على الثاني.

( خير له من أن يسأل رجلاً) خير خبر المصدر المنسبك من أن يغدو أي لغدو أحدكم...
خير له، وخير أفعل التفضيل على غير بابه، فسؤال الناس لا خير فيه، قال الحافظ ابن حجر: ويحتمل أن يكون المراد بالخير فيه بحسب اعتقاد السائل، وتسميته الذي يعطاه خيراً وهو في الحقيقة شر.

( أعطاه أو منعه) ففي الإعطاء منة وذل سؤال، وفي المنع ذلة وخيبة وحرمان.

( لأن يحتزم أحدكم حزمة من حطب) أي لأن يعالج ويجمع ويحزم حزمة.

( وكنا حديث عهد ببيعة) يعتذر بهذه الجملة عن عدم المسارعة ببسط اليد وقبول البيعة المطلوبة، فكأنهم ظنوا أن البيعة المطلوبة على ما بايعوا عليه في البيعة السابقة، وظنوا أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد نسي مبايعتهم، ولم يفهموا المطلوب إلا بعد تكرار العرض.

( وتطيعوا -وأسر كلمة خفية-) لم أقف على هذه الكلمة، ولعلها: وتطيعوا الرسول وأولي الأمر وإن ولي عليكم عبد حبشي.

( ولا تسألوا الناس شيئاً) حمله هؤلاء النفر على عموم سؤال الناس شيئاً دنيوياً، ولم يقصروه على الصدقة والعطاء المالي.

( تحملت حمالة) الحمالة بفتح الحاء هي المال الذي يتحمله الإنسان، ويدفعه في إصلاح ذات البين.

وخصها النووي بالاستدانة لأجل الإصلاح.
وسهمها في الزكاة سهم الغارمين.

( أسأله فيها) أي أسأله الإسهام والمساعدة فيها.

( أقم حتى تأتينا الصدقة) أي أقم معنا في المدينة.
أي انتظر حتى تأتينا الزكاة من العاملين عليها.

( فنأمر لك بها) أي بالحمالة، أو بالمساعدة فيها.

( فحلت له المسألة حتى يصيبها، ثم يمسك) أي حتى يصيب ويحصل على الحمالة، ثم يمسك عن المسألة.

( ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله) أي أصابته مصيبة من غرق أو حرق أو هدم أو نحو ذلك من البلايا العامة المفاجئة.

( فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش -أو سداداً من عيش) قال النووي: القوام والسداد بكسر القاف والسين، وهما بمعنى واحد، وهو ما يغني من الشيء وما تسد به الحاجة، وكل شيء سددت به شيئاً فهو سداد، بالكسر، ومنه سداد الثغر والقارورة، وقولهم: سداد من عوز.
أي كفاية بعد حاجة.

( ورجل أصابته فاقة) أي فقر وحاجة بعد غنى وكفاية.

( حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحجا من قومه) غاية لمحذوف وتقديره لا تحل له المسألة حتى يقوم ثلاثة.

قال النووي: يقوم ثلاثة هكذا هو في جميع النسخ، وهو صحيح، أي يقومون بهذا الأمر، فيقولون: والحجا هو العقل، وشرط لإفادة التعقل في الشهادة، إذ لا تقبل من مغفل، وشرط من قومه لأنهم هم الذين من أهل الخبرة بباطنه، والمال مما يخفى في العادة -والفاقة مما تخفى كثيراً- فلا يعلمه إلا من كان خبيراً بصاحبه.
وأما اشتراط الثلاثة ففيه خلاف عند العلماء يأتي في فقه الحديث.

( فما سواهن من المسألة سحتاً) قال النووي: هكذا هو في جميع النسخ سحتاً، ورواية غير مسلم سحت.
وهذا واضح -أي الرفع واضح، لأنه خبر ما -ورواية مسلم صحيحة، وفيه إضمار -عامل النصب- أي أعتقده سحتاً، أو يأكل سحتاً.
اهـ والجملة خبر ما.

( يأكلها صاحبها سحتاً) ضمير يأكلها عائد إلى المسألة باعتبار ما يحصل منها، والمراد بالأكل مطلق الانتفاع، والسحت ما خبث وقبح من المكاسب، فلزم عنه العار، كالرشوة ونحوها، وأصل سحت الشيء سحتاً استأصله، وسحت البركة أذهبها.

( يعطيني العطاء) أي يعرض علي العطاء.

( أعطه أفقر إليه مني) أي أحوج إليه مني، فعمر لم يكن فقيراً.

( خذه) هذا المطلق في الأمر بالأخذ محمول على المقيد الآتي.
أي خذه وأنت غير مشرف ولا سائل.

( وما لا فلا تتبعه نفسك) أي ما لم يوجد فيه هذا الشرط فلا تأخذه، ولا تعلق نفسك به، أي ما لا يجيء إليك بدون سؤال فلا تعلق نفسك به، ولا تستمر في رغبة النفس فيه وميلها إليه، واتركه.

( خذه فتموله أو تصدق به) يقال: تمول المال إذا اتخذه قنية، أي اقتناه وادخره.

( عن ابن الساعدي المالكي) قال النووي: قوله: المالكي، صحيح منسوب إلى مالك بن حنبل بن عامر، وأما قوله: الساعدي فأنكروه، قالوا: وصوابه السعدي كما رواه الجمهور، منسوب إلى بني سعد بن بكر بن هوازن، لأن أباه عمرو بن وقدان استرضع في بني سعد.

واسم ابن السعدي هذا أبو محمد عبد الله، صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قديماً، وقال: وفدت في نفر من بني سعد بن بكر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
سكن الشام.
اهـ.

( استعملني عمر على الصدقة) أي جعلني عاملاً على جمعها.

( أمر لي بعمالة) بضم العين، وهي المال الذي يعطاه العامل نظير عمله.

( عملت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فعملني) بتشديد الميم أي أعطاني عمالة، أجرة عملي.

فقه الحديث

تتعرض الأحاديث إلى سؤال الناس من الصدقة أو من العطاء، كما تتعرض تبعاً إلى إعطاء المعطي، وإلى أي مدى يعطي من ماله، وسنتكلم عن النقطة الثانية، لطول الكلام عن النقطة الأولى.
والله ولي التوفيق.

1- يؤخذ من الحديث الأول أفضل الصدقة عن ظهر غنى.
وابدأ بمن تعول ومن الحديث الثالث إنك أن تبذل الفضل خير لك، وأن تمسكه شر لك، ولا تلام على كفاف، وابدأ بمن تعول يؤخذ من هذا أن أفضل الصدقة ما كان زائداً على الحاجة.
قال النووي: وقد اختلف العلماء في الصدقة بجميع ماله، فمذهبنا أنه مستحب لمن لا دين عليه، ولا له عيال يصبرون، بشرط أن يكون ممن يصبر على الفقر، فإن لم تجتمع هذه الشروط فهو مكروه.
قال القاضي: جوز جمهور العلماء وأئمة الأمصار الصدقة بجميع ماله، وقيل: يرد جميعها -أي ترد الصدقة بالمال جميعه إلى صاحبه- وهو مروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقيل: ينفذ في الثلث وهو مذهب أهل الشام، وقيل: إن زاد على النصف ردت الزيادة، ومع جوازه فالمستحب أن لا يفعله وأن يقتصر على الثلث.
اهـ.

وقد ترجم البخاري للموضوع بقوله: باب لا صدقة إلا عن ظهر غنى، ومن تصدق وهو محتاج أو أهله محتاجون، أو عليه دين فالدين أحق أن يقضى من الصدقة والعتق والهبة وهو رد عليهن ليس له أن يتلف أموال الناس.
اهـ.

ويمكن أن يحتج لهذا الرأي بقصة المدبر فإنه صلى الله عليه وسلم باعه، وأرسل ثمنه إلى الذي دبره لكونه كان محتاجاً، كما جاء في الحديث رقم ( 6) في الباب السابق، وفيه ابدأ بنفسك، فتصدق عليها، فإن فضل شيء فلأهلك، فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا.

فتحصل ثمانية أقوال في هذه المسألة:

الأول: أن الصدقة بجميع المال جائزة مطلقاً، نقله القاضي عن جمهور العلماء، وأئمة الأمصار، ويمكن أن يستدل له بتبرع أبي بكر بجميع ماله، وقد جاء هذا في حديث مرفوع أخرجه أبو داود وصححه الترمذي والحاكم عن عمر بن الخطاب قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدق، فوافق ذلك مالاً عندي، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوماً، فجئت بنصف مالي، وأتى أبو بكر بكل ما عنده، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: يا أبا بكر.
ما أبقيت لأهلك؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله.

القول الثاني: أن الصدقة بجميع المال جائزة بشروط، فإن فقدت هذه الشروط كانت مكروهة، غير محرمة، وهي نافذة لا ترد، نسب الطبري هذا القول للجمهور، وقال: من تصدق بماله كله في صحة بدنه، وعقله، حيث لا دين عليه، وكان صبوراً على الضيق، ولا عيال له، أو له عيال يصبرون أيضاً فهو جائز، فإن فقد شيء من هذه الشروط كره.
اهـ.

ويمكن حمل فعل أبي بكر على استيفائه هذه الشروط.

القول الثالث: وهو ما نسبه النووي إلى مذهب الشافعية، وهو أنه يستحب بالشروط المذكورة، فإن فقد شرطاً كره، فهذا القول قرب من القول الثاني، والفرق هو الاستحباب بدل الجواز.

القول الرابع: أن الصدقة بكل المال جائزة بالشروط المذكورة في القول الثاني مضافاً إليها أن لا يصير المتصدق محتاجاً بعد صدقته إلى أحد، بأن يكون قادراً -بعد الصدقة- على الحاجة الضرورية من مأكل ومشرب وملبس ومسكن، له ولمن تلزمه نفقته، وبدون هذا لا يصح الإيثار، بل يحرم، وذلك أنه إذا آثر غيره في هذه الحالة عرض نفسه إلى الهلاك أو الإضرار أو كشف عورته أو عورة من تجب عليه نفقته، فإذا سقطت هذه الواجبات صح الإيثار والصدقة، وكان له أجر ما يتحمل من مضض الفقر، وشدة مشقته، وهذا القول هو المختار.

القول الخامس: أن الصدقة بجميع المال مكروهة، حتى مع الشروط المذكورة، أو هي على الأقل خلاف الأولى، لأن من تصدق بالجميع يندم غالباً، أو قد يندم إذا احتاج، ويود أنه لم يتصدق، بخلاف من أبقى ما يغنيه، وحديث الباب يؤيد هذا القول أفضل الصدقة عن ظهر غنى.
أن تبذل الفضل خير لك، وابدأ بمن تعول.

فهي ليست جائزة مطلقاً كالقول الأول، ولا جائزة بشروط كالقول الثاني، ولا مستحبة بشروط كالقول الثالث والرابع.

القول السادس: أن الصدقة بجميع المال مردودة في جميع المال، فللورثة أن يردوها بالحجر على صاحبها.

القول السابع: أنها تنفذ في الثلث وترد في الثلثين، كما هو الشأن في الوصية وعملاً بحديث عبد الرحمن بن عوف.

القول الثامن: أنها تنفذ في النصف وترد في النصف اعتباراً بعمل الأنصار مع المهاجرين، وفيه حديث صحيح في البخاري قدم المهاجرون المدينة وليس بأيديهم شيء، فقاسمهم الأنصار....

2- ويؤخذ من قوله: وابدأ بمن تعول تقديم نفقة النفس، ثم العيال إلخ، وفي ترتيب من يعول المسلم روى النسائي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تصدقوا.
فقال رجل: يا رسول الله، عندي دينار؟ فقال: تصدق به على نفسك.
قال: عندي آخر؟ قال: تصدق به على زوجتك.
قال: عندي آخر؟ قال: تصدق به على ولدك.
قال عندي آخر؟ قال: تصدق به على خادمك.
قال: عندي آخر؟ قال: أنت أبصر.
رواه ابن حبان في صحيحه هكذا، ورواه أبو داود والحاكم وصححه بتقديم الولد على الزوجة واختاره الخطابي، وقال: إذا تأملت هذا الترتيب علمت أنه صلى الله عليه وسلم قدم الأولى فالأولى، والأقرب فالأقرب، وهو يأمره أن يبدأ بنفسه، ثم بولده لأن الولد كبعضه، فإذا ضيعه هلك، ولم يجد من ينوب عنه في الإنفاق عليه -والذي اتفق عليه العلماء أن المراد بالولد هنا الطفل- ثم ثلث بالزوجة، وأخرها عن درجة الولد لأنه إذا لم يجد ما ينفق عليها فرق بينهما وكان لها من ينفق عليها من زوج آخر أو ذي محرم تجب نفقتها عليه.
اهـ.

واختار النووي في الروضة تقديم الزوجة؛ لأن نفقتها آكد، لأنها لا تسقط بمضي الزمان، ولا بالإعسار، ولأنها وجبت عوضاً.
وفي المسألة جدل طويل.

هذا والهدف الأساسي من بقية أحاديث الباب التنفير من سؤال الغير مالاً، سواء أكان على سبيل العطاء من ولي الأمر؟ أم كان على سبيل الصدقة؟ واستخدمت الأحاديث لهذا التنفير العديد من الأساليب والعبارات، من ألفاظها: إن هذا المال خضرة حلوة، فمن أخذه بطيب نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا خير من اليد السفلى.
لا تلحفوا في المسألة.
المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يفطن له فيتصدق عليه، ولا يسأل الناس شيئاً.
إنما المسكين المتعفف، اقرءوا -إن شئتم- { { لا يسألون الناس إلحافاً } } [البقرة: 273] .
لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله وليس في وجهه مزعة لحم.
من سأل الناس تكثراً فإنما يسأل جمراً، فليستقل أو ليستكثر.
لأن يغدو أحدكم فيحطب على ظهره، فيتصدق به، ويستغني به عن الناس خير له من أن يسأل رجلاً، أعطاه أو منعه.
بايعوني على أن لا تسألوا الناس شيئاً.
إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش، ورجل أصابته فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش.
فما سواهن سحتاً يأكلها صاحبها سحتاً.

قال النووي: مقصود الباب وأحاديثه النهي عن السؤال، واتفق العلماء عليه إذا لم تكن ضرورة، واختلف أصحابنا في سؤال القادر على الكسب -أي الفقير الذي لا يعمل وأمامه فرص العمل وهو قادر- على وجهين: أصحهما أنها حرام، لظاهر الأحاديث.
والثاني حلال مع الكراهة بثلاثة شروط: ألا يذل نفسه، ولا يلح في السؤال، ولا يؤذي المسئول، فإن فقد أحد هذه الشروط فهي حرام بالاتفاق.
اهـ.

والذي تستريح إليه النفس أن سؤال القادر على الكسب مع وجود فرص العمل حرام، لأن الإسلام يحارب البطالة والضعف والكسل، ويأمر بالعمل والقوة والضرب في الأرض، ولو بجمع الحطب على الظهر، وقد روى الطبراني في الأوسط: أن رجلين أتيا النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، وهو يقسم الصدقة، فسألا منها، فرفع فيهما البصر وخفضه، فرآهما جلدين فقال لهما: إن شئتما أعطيتكما، ولاحظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب.
وعند الطبراني في الكبير: لا تحل الصدقة لغني، ولا لذي مرة سوي.
أي ذي قوة كامل الأعضاء.
فقد قرن هذان الحديثان بين الغني وبين القوي المكتسب، فكما حرم سؤال الغني كذلك يحرم سؤال القوي المكتسب.

كما جاء تحريم سؤال الغني في صريح الأحاديث الصحيحة، منها ما سبق، ومنها ما جاء عند الترمذي: من سأل وله ما يغنيه جاء يوم القيامة وفي وجهه كدوح أو خموش.
قيل: يا رسول الله.
وما يغنيه؟ قال: خمسون درهماً أو قيمتها من الذهب.
وفيه من سأل الناس ليكثر به ماله كان خموشاً في وجهه يوم القيامة، ورضفا -أي حجارة محماة- يأكله من جهنم، فمن شاء فليقل، ومن شاء فليكثر.
وعند أحمد والبزار: مسألة الغني شين في وجهه يوم القيامة.
وأخرج أبو داود والنسائي وابن حبان في صحيحه عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سأل وله قيمة أوقية فقد ألحف.
فقلت: ناقتي خير من أوقية، فرجعت فلم أسأله.
وأخرج أبو داود وابن حبان في صحيحه: من سأل وعنده ما يغنيه فإنما يستكثر من النار.
فقالوا: يا رسول الله، وما يغنيه؟ قال: ما يغديه ويعشيه.

هذا وفي المباحث العربية للحديث رقم ( 60) في الباب السابق ما يفيد في هذا المقام.
فليراجع.

ويؤخذ من سؤال حكيم وإعطائه في الحديث رقم ( 2) :

1- الحث على التعفف والقناعة والرضا بما تيسر في عفاف، وإن كان قليلاً.

2- والإجمال في الطلب والكسب.

3- وأن لا يغتر الإنسان بكثرة ما يحصل له بإشراف نفس، فإنه لا يبارك له فيه، وهو قريب من قوله تعالى: { { يمحق الله الربا ويربي الصدقات } } [البقرة: 276] .

4- وفي تشبيه المال بالفاكهة الخضراء إشارة إلى عدم بقائه، لأن الخضراوات لا تبقى، ولا تقصد للبقاء.

5- وفيه كراهة السؤال والتنفير عنه، وأن الإنسان لا يسأل إلا عند الحاجة، لأنه إذا كانت يده السفلى حتى عند الحاجة، فالأحرى أن يمتنع من ذلك عند عدم الحاجة.
قال الحافظ ابن حجر: ومحله إذا لم تدع إليه الضرورة من خوف هلاك ونحوه، وقد روى الطبراني بإسناد فيه مقال: ما المعطي من سعة بأفضل من الآخذ إذا كان محتاجاً.

6- قال ابن أبي جمرة: قد يقع الزهد مع الأخذ، فإن سخاوة النفس هو زهدها.

7- وأن الأخذ مع سخاوة النفس يحصل أجر الزهد والبركة في الرزق.

8- وفي الحديث ضرب المثل لما لا يعقله السامع من الأمثلة؛ لأن الغالب من الناس لا يعرف البركة إلا في الشيء الكثير، فبين بالمثال المذكور أن البركة هي خلق من خلق الله تعالى، وضرب لهم المثل بما يعهدون، فالآكل إنما يأكل ليشبع، فإذا أكل ولم يشبع كان عناء في حقه بغير فائدة، وكذلك المال ليست الفائدة في عينه، وإنما هي فيما يتحصل به من المنافع، فإذا كثر عند المرء بغير تحصيل منفعة كان وجوده كالعدم.

9- وفيه أنه ينبغي للإمام أن لا يبين للطالب ما في مسألته من المفسدة إلا بعد قضاء حاجته، لتقع موعظته له الموقع السليم، ولئلا يتخيل أن عدم الرغبة في الإعطاء هو سبب الموعظة.

10- وفيه جواز تكرار السؤال ثلاثاً.

11- وجواز المنع في الرابعة.

12- وأن رد السائل بعد ثلاث ليس بمكروه.

13- وفيه أن السائل إذا ألحف لا بأس برده وموعظته وأمره بالتعفف وترك الحرص.

14- أن سؤال السلطان الأعلى ليس بعار.

15- وفيه ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من الكرم والسخاء والسماحة.

16- وفيه ما كان عليه الصحابة من الاستجابة والطاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد جاء في رواية البخاري: أن حكيم بن حزام قال: يا رسول الله، والذي بعثك بالحق لا أرزأ أحداً بعدك شيئاً -أي لا أنقص مال أحد بعدك- حتى أفارق الدنيا، فكان أبو بكر رضي الله عنه يدعو حكيماً إلى العطاء، فيأبى أن يقبله منه، ثم إن عمر رضي الله عنه دعاه ليعطيه، فأبى أن يقبل منه شيئاً، فقال عمر: إني أشهدكم يا معشر المسلمين على حكيم، إني أعرض عليه حقه من هذا الفيء فيأبى أن يأخذه، فلم يرزأ حكيم أحداً من الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توفي.

17- ويؤخذ من الحديث الثالث الحث على بذل ما زاد على الحاجة.

18- وأن ادخار الحاجة لا لوم على صاحبه، قال النووي: وهذا إذا لم يتجه في الكفاف حق شرعي، كمن له نصاب زكوي، ووجبت فيه الزكاة بشروطها، وهو محتاج إلى ذلك النصاب لكفافه وجب عليه إخراج الزكاة، ويحصل كفايته من جهة أخرى مباحة.

19- ومن الحديث الرابع منقبة لعمر وقوته في أخذ الناس نحو الرشد.

20- ومن عظة معاوية احتياط الصحابة في أخذهم الحديث.

21- وفضل العالم والمتفقه في الدين.

22- وتواضع الرسول صلى الله عليه وسلم وإعلانه أنه خازن وأن الله هو المعطي.

23- ومن الحديث الثامن إشارة إلى أن الفقير والمسكين سواء، إذ الآية تتكلم عن الفقير { { للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضرباً في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافاً } } [البقرة: 273] وقد استدل بهذا الحديث على المسكين، وهذا قول ابن القاسم وأصحاب مالك، وقيل: الفقير الذي يسأل، والمسكين الذي لا يسأل، حكاه ابن بطال.

وقيل: إن المسكين الذي يملك ما لا يكفيه، والفقير الذي لا يملك، وهذا قول الشافعي وجمهور أهل الحديث والفقه، ويؤيده قوله تعالى: { { أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر } } [الكهف: 79] فسماهم مساكين مع أن لهم سفينة يعملون فيها.

قال بعكسه قوم، فقالوا: المسكين أسوأ حالا من الفقير.
والله أعلم.

24- وأن المسكنة إنما تحمد مع العفة عن السؤال والصبر على الحاجة.

25- واستحباب الحياء في كل الأحوال.

26- وحسن الإرشاد لوضع الصدقة موضعها، وأن يتحرى وضعها فيمن صفته التعفف دون الإلحاح.

27- ومن الحديث الثالث عشر الحث على الصدقة.

28- والحث على الأكل من عمل اليد.

29- وفضل الاكتساب بالمباحات كالاحتطاب.

30- والحض على التعفف عن المسألة، والتنزه عنها، ولو امتهن المرء نفسه في طلب الرزق، وارتكب المشقة في ذلك.

31- ومن الحديث الخامس عشر حرص الصحابة على التنزه عن جميع ما يسمى سؤالاً وإن كان حقيراً.

32- واستمساكهم بالعموم، لأنهم نهوا عن السؤال، فحملوه على عمومه.

33- إعطاء المدين من الزكاة وجواز سؤاله؛ قال النووي: بشرط أن يستدين لغير معصية.

34- اشتراط التيقظ في الشاهد، فلا تقبل الشهادة من مغفل.

35- استدل به بعضهم على أنه إنما يشترط في بينة الإعسار ثلاثة، ولا يقبل أقل من ثلاثة.

وقال الجمهور: يقبل من عدلين؛ كسائر الشهادات غير الزنا، وحملوا الحديث على الاستحباب.

36- ومن الحديث السابع عشر منقبة لعمر بن الخطاب، وبيان فضله وزهده وإيثاره.

37- ومشروعية قبول المال إذا جاء من غير إشراف نفس ولا سؤال، وقد ذهب الجمهور إلى استحباب الأخذ في غير عطية السلطان، أما عطية السلطان فحرمها قوم وأباحها آخرون وكرهها فريق ثالث، قال النووي: والصحيح أنه إن غلب الحرام فيما في يد السلطان حرمت، وكذا إن أعطى من لا يستحق.
وإن لم يغلب الحرام فمباح إن لم يكن في القابض مانع يمنعه من استحقاق الأخذ، وقالت طائفة: الأخذ واجب من السلطان وغيره.
وقال بعضهم: هو ندوب في عطية السلطان دون غيره.
والله أعلم.

38- من الحديث السابع عشر والثامن عشر استدل بعضهم بقوله: خذه فتموله أن ذلك ليس من الصدقات، وإنما هو في الأموال التي يقسمها الإمام، وليست هي من جهة الفقر، ولكن من الحقوق، فلما قال عمر: أعطه من هو أفقر إليه مني.
لم يرض بذلك، لأنه إنما أعطاه لمعنى غير الفقر.

39- كما استدل به على ندب قبول العطاء، قيل: هو ندب لكل من أعطى عطية كائناً من كان.
قال الحافظ ابن حجر: وهذا هو الراجح، يعني بالشرطين المتقدمين [غير مشرف وغير سائل] وقيل: هو مخصوص بالسلطان، ويؤيده حديث سمرة في السنن: إلا أن يسأل ذا سلطان.
وكان بعضهم يقول: يحرم قبول العطية من السلطان، وبعضهم يقول: يكره وهو محمول على ما إذا كانت العطية من السلطان الجائر، أو الكراهة محمولة على الورع، وهو المشهور من تصرف السلف.
والتحقيق في المسألة أن من علم كون ماله حلالاً فلا ترد عطيته، ومن علم كون ماله حراماً فتحرم عطيته، ومن شك فيه فالاحتياط رده، وهو الورع، ومن أباحه أخذ بالأصل.

قال ابن المنذر: واحتج من رخص فيه [أي في أخذ العطية ممن ماله حرام] بأن الله تعالى قال في اليهود: { { سماعون للكذب أكالون للسحت } } [المائدة: 42] ومع ذلك رهن الرسول درعه عند اليهودي مع علمه بذلك، وكذلك أخذ الجزية منهم مع العلم بأن أكثر أموالهم من ثمن الخمر والخنزير والمعاملات الفاسدة.

40- وفيه أن للإمام أن يعطي بعض رعيته إذا رأى لذلك وجهاً، وإن كان غيره أحوج إليه منه.

41- وأن رد عطية الإمام ليس من الأدب، ولا سيما من الرسول صلى الله عليه وسلم، لقوله تعالى: { { وما آتاكم الرسول فخذوه } } [الحشر: 7] ذكره الحافظ ابن حجر.

42- وأن ما جاء من المال الحلال من غير سؤال فإن أخذه خير من تركه.

43- ومن الحديث التاسع عشر جواز أخذ العوض على أعمال المسلمين، سواء كانت لدين أو لدنيا، كالقضاء والحسبة وغيرهما.

والله أعلم

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
[ سـ :1796 ... بـ :1038]
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَخِيهِ هَمَّامٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُلْحِفُوا فِي الْمَسْأَلَةِ فَوَاللَّهِ لَا يَسْأَلُنِي أَحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئًا فَتُخْرِجَ لَهُ مَسْأَلَتُهُ مِنِّي شَيْئًا وَأَنَا لَهُ كَارِهٌ فَيُبَارَكَ لَهُ فِيمَا أَعْطَيْتُهُ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ الْمَكِّيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ حَدَّثَنِي وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ وَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فِي دَارِهِ بِصَنْعَاءَ فَأَطْعَمَنِي مِنْ جَوْزَةٍ فِي دَارِهِ عَنْ أَخِيهِ قَالَ سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فَذَكَرَ مِثْلَهُ
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا تُلْحِفُوا فِي الْمَسْأَلَةِ ) هَكَذَا هُوَ فِي بَعْضِ الْأُصُولِ ( فِي الْمَسْأَلَةِ ) بِالْفَاءِ وَفِي بَعْضِهَا ( بِالْبَاءِ ) وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ ، وَالْإِلْحَافُ : الْإِلْحَاحُ .