2733 حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ ، حَدَّثَنِي أَبِي ، عَنْ جَدِّي ، حَدَّثَنِي عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، أَنَّهُ قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ ، أَنَّ أُمَّهُ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ ، أَخْبَرَتْهُ أَنَّ أُمَّهَا أُمَّ سَلَمَةَ ، زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، كَانَتْ تَقُولُ : أَبَى سَائِرُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُدْخِلْنَ عَلَيْهِنَّ أَحَدًا بِتِلْكَ الرَّضَاعَةِ ، وَقُلْنَ لِعَائِشَةَ : وَاللَّهِ مَا نَرَى هَذَا إِلَّا رُخْصَةً أَرْخَصَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَالِمٍ خَاصَّةً ، فَمَا هُوَ بِدَاخِلٍ عَلَيْنَا أَحَدٌ بِهَذِهِ الرَّضَاعَةِ ، وَلَا رَائِينَا |
2733 حدثني عبد الملك بن شعيب بن الليث ، حدثني أبي ، عن جدي ، حدثني عقيل بن خالد ، عن ابن شهاب ، أنه قال : أخبرني أبو عبيدة بن عبد الله بن زمعة ، أن أمه زينب بنت أبي سلمة ، أخبرته أن أمها أم سلمة ، زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، كانت تقول : أبى سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخلن عليهن أحدا بتلك الرضاعة ، وقلن لعائشة : والله ما نرى هذا إلا رخصة أرخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم لسالم خاصة ، فما هو بداخل علينا أحد بهذه الرضاعة ، ولا رائينا |
Umm Salama, the wife of Allah's Apostle (ﷺ), used to say that all wives of Allah's Apostle (ﷺ) disclaimed the idea that one with this type of fosterage (having been suckled after the proper period) should come to them. and said to 'A'isha:
By Allah, we do not find this but a sort of concession given by Allah's Messenger (ﷺ) only for Salim, and no one was ging to be allowed to enter (our houses) with this type of fosterage and we do not subscribe to this view.
شرح الحديث من فـــتح المــــنعم
عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها أنها كانت تقول: أبى سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخلن عليهن أحداً بتلك الرضاعة.
وقلن لعائشة: والله ما نرى هذا إلا رخصة أرخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم لسالم خاصة.
فما هو بداخل علينا أحد بهذه الرضاعة.
ولا رائينا.
المعنى العام
جعل الله الرضاعة من محرمات النكاح، بقوله: { { وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة } } [النساء: 23] .
وأطلق القرآن الكريم، فلم يحدد عدد الرضعات المحرمة، ولا الزمن الذي يرضع فيه الرضيع رضاعاً محرماً، وجاءت السنة لتبين للناس ما نزل إليهم، نعم تروي عائشة -رضي الله عنها- أن عدد الرضعات كان قد حدد في القرآن الكريم بعشر رضعات كاملات معلومات، ثم نسخن بخمس رضعات معلومات كانت تقرأ في القرآن إلى قرب وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم نسخت قراءة الخمس أيضاً، وبقي حكمهن، كما روت هي وأم الفضل -زوجة عم الرسول صلى الله عليه وسلم، العباس بن عبد المطلب- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تحرم الرضعة والرضعتان.
وقد اختلف العلماء في مقدار اللبن المحرم، وعدد الرضعات المعتبرة للتحريم بين من يقول: يحرم قليل الرضاع وكثيره، ومن يقول: تحرم ثلاث رضعات، ومن يقول: أربع رضعات، ومن يقول خمس رضعات، ومن يقول: سبع رضعات، ومن يقول: عشر رضعات.
ولكل قول وجهة نظر ودليل، وأوسط الأقوال: خمس رضعات معلومات.
أما سن الرضيع الذي يحرم الرضاع فيه فعائشة رضي الله عنها قد انفردت مع قلة من الفقهاء بأن رضاع الكبير يحرم كرضاع الصغير، معتمدين الأحاديث الخاصة بسالم مولى أبي حذيفة، واعتبارها عامة لكل كبير يرضع، وعامة العلماء على أن الرضاع المحرم ما كان في الصغر، وإن اختلفوا قليلاً في تحديد أشهر الصغر، فمنهم من اعتبر دون الحولين، تفسيراً لقوله تعالى: { { والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة } } [البقرة: 233] .
وتفسيراً لقوله تعالى: { { وحمله وفصاله ثلاثون شهراً } } [الأحقاف: 15] .
إذ أقل مدة الحمل ستة أشهر وأقصى مدة الرضاع أربعة وعشرون شهراً، ومنهم من اغتفر أياماً بعد السنتين، ومنهم من اغتفر شهراً.
ومنهم من أوصل مدة الرضاع القصوى ثلاثين شهراً.
أما قصة سالم مولى أبي حذيفة الواردة في الأحاديث فهي خاصة به لا تتعداه إلى غيره وواقعة عين لا تصلح للاحتجاج بها.
وقد أكد صلى الله عليه وسلم أن ليس كل رضاع محرماً، بل له كمية وزمن، فقال: انظرن وتأملن وافحصن معشر النساء الرضاعة المحرمة من غيرها، فإنما الرضاعة المعتبرة ما كانت في زمن الاعتماد على اللبن غذاء، وما كانت بمقدار يؤثر في بدن الطفل نمواً ووجوداً وكياناً.
المباحث العربية
( أم الفضل) زوجة العباس بن عبد المطلب، أخت ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم.
( دخل أعرابي على نبي الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيتي) في الرواية الثالثة أن رجلاً من بني عامر بن صعصعة وفي الرواية الخامسة سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم.
( فزعمت امرأتي الأولى) عبر بالزعم للإشارة بأنه يشك في خبرها، والزعم مطية الكذب كما يقولون.
( أنها أرضعت امرأتي الحدثى) بضم الحاء وسكون الدال، أي الجديدة.
( لا تحرم الإملاجة والإملاجتان) بكسر الهمزة، وتخفيف الجيم المفتوحة، وهي المصة يقال: ملج الصبي أمه، وأملجته، وليس المقصود بالمصة الجرعة الواحدة الخفيفة، بل المقصود الرضعة الكاملة التي ينصرف الطفل بها عن الثدي والرضاع، يقال: مص القصب ونحوه مصاً شربه شرباً رفيقاً.
وفي الرابعة لا تحرم الرضعة أو الرضعتان أو المصة أو المصتان فالمراد منهما واحد، وفي ملحق الرواية الرابعة الرضعة والرضعتان بالواو بدل أو وليس المراد جمع الرضعتين للرضعة حتى تصبح ثلاثاً، فالواو هنا بمعنى أو وهل المقصود الوقوف عند الرضعتين، فتحرم الثلاث؟ أو ذكرهما على سبيل التمثيل حتى تصل الرضعات خمساً، كما نص عليها في حديث عائشة؟ خلاف يأتي في فقه الحديث.
( فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن) يقرأ بضم الياء، مبني للمجهول.
قال النووي: معناه أن النسخ بخمس رضعات تأخر إنزاله جداً، حتى إنه صلى الله عليه وسلم توفي وبعض الناس يقرأ خمس رضعات، ويجعلها قرآناً متلواً، لكونه لم يبلغه النسخ، لقرب عهده، فلما بلغهم النسخ بعد ذلك رجعوا عن ذلك، وأجمعوا على أن هذا لا يتلى.
( إني أرى في وجه أبي حذيفة من دخول سالم) مفعول أرى محذوف، تقديره: تغيراً، والرؤية بصرية، وصرح به في الرواية التاسعة ولفظها إني أظن أن في نفس أبي حذيفة من ذلك شيئاً ولما عبرت عن تغير الوجه قالت: أرى ولما عبرت عما في النفس قالت: أظن.
وسالم بن معقل، مولى أبي حذيفة، كان من أهل فارس، أعتقته مولاته زوج أبي حذيفة، واسمها بثينة، أعتقته سائبة دون ولاء لها، فتولى أبا حذيفة، وتبناه أبو حذيفة، فكان ينسب إليه، فيقال: سالم بن أبي حذيفة، حتى نزلت { { ادعوهم لآبائهم } } [الأحزاب: 5] .
وعد في المهاجرين وروي أنه هاجر مع عمر، وكان يؤم المهاجرين بقباء وفيهم عمر قبل أن يقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وكان إذا سافر مع أصحابه يؤمهم، لأنه كان أكثرهم قرآناً، وكان قد جاوز البلوغ في بدر، فشهدها، والظاهر أن ملابسات حديثنا كانت في هذه السن، واستشهد يوم اليمامة هو ومولاه أبو حذيفة فوجد رأس أحدهما عند رجلي الآخر، وذلك سنة اثنتي عشرة من الهجرة، وكان عمر يحبه ويقدره، حتى قال رضي الله عنه بعد أن طعن: لو كان سالماً حياً ما جعلتها شورى.
وهو من القراء الذين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم: خذو القرآن من أربعة.
من أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وسالم مولى أبي حذيفة، وابن مسعود رضي الله عنه، وعن الصحابة أجمعين، وإنما أطلنا في ترجمته ليتضح لنا القول بأن إرضاعه كان رخصة خاصة به.
وفي الرواية التاسعة إن سالماً مولى أبي حذيفة كان مع أبي حذيفة وأهله في بيتهم وقد علمنا أنه كان في بيت أبي حذيفة عبداً، ثم مولى، ثم ابنا، ثم مولى وحليفاً.
فأتت ابنة سهل في الرواية العاشرة أن سهلة بنت سهل بن عمرو جاءت النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت....
وهذه زوجة أخرى لأبي حذيفة، غير التي أعتقت سالماً، وفي رواية أبي داود تقول: فكان يأوي معي ومع أبي حذيفة في بيت واحد، فيراني فضلاً أي متبذلة في ثياب المهنة.
( أرضعيه.
قالت: وكيف أرضعه وهو رجل كبير؟) الظاهر أن استفهامها عن كيفية إرضاعه، أتحلب له من لبنها؟ أم تعطيه ثديها؟ ويحتمل أن الاستفهام تعجبي من إرضاع الكبير، وتأثير رضاعه حرمة.
( قال: فمكثت سنة أو قريباً منها لا أحدث به وهبته) قائل ذلك ابن أبي مليكة، يتحرج من التحديث بهذا الحديث هيبة من مضمونة، قال النووي: هكذا هو في بعض النسخ وهبته من الهيبة وهي الإجلال، والواو حرف عطف، وفي بعضها رهبته بالراء من الرهبة، وهي الخوف، وهي بكسر الهاء، وإسكان الباء، وضم التاء، وضبطه القاضي عن بعضهم رهبته بإسكان الهاء وفتح الباء، ونصب التاء.
قال القاضي: وهو منصوب بإسقاط حرف الجر، والضبط الأول أحسن، وهو الموافق للنسخ الأخر.
( إنه يدخل عليك الغلام الأيفع) هو بالياء، وبالفاء، وهو الذي قارب البلوغ ولم يبلغ، وجمعه أيفاع، وقد أيفع ويفع، وهو يافع.
وكانت عائشة -رضي الله عنها- ترى أن إرضاع الكبير يحرمه، وأرضعت غلاماً فعلاً، وكان يدخل عليها، وأنكر بقية أمهات المؤمنين ذلك، كما يظهر من الرواية الثانية عشرة والثالثة عشرة.
( والله ما تطيب نفسي أن يراني الغلام قد استغنى عن الرضاعة) أي جاوز الحولين ورضع بعد مجاوزتهما، أي لا تطيب نفسي أن أرضع غلاماً استغنى عن الرضاع لتناوله الطعام، ولا تطيب نفسي أن يراني معتمدة على هذا الإرضاع لو حصل فرضاً، كما قالت في الرواية الثالثة عشرة فما هو بداخل علينا أحد بهذه الرضاعة أي لو فرض حصولها، ولن تحصل ولا رائينا أي ولا نمكنه من أن يرانا.
( وعندي رجل قاعد) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسمه، وأظنه ابناً لأبي القعيس.
اهـأقول: ولا أظنه ابناً لأبي القعيس، إذ لو كان كذلك لكان محرماً لها دون إنكار من النبي صلى الله عليه وسلم فقد أقر صلى الله عليه وسلم في الباب قبله أبوة أبي القعيس من الرضاع لعائشة، فابنه أخوها من الرضاع دون نقاش.
( فاشتد ذلك عليه، ورأيت الغضب في وجهه) في رواية البخاري فكأنه تغير وجهه، كأنه كره ذلك وفي رواية أبي داود فشق ذلك عليه، وتغير وجهه وفي رواية فقال: يا عائشة.
من هذا؟.
( انظرن إخوتكن من الرضاعة) في رواية البخاري انظرن من إخوانكن؟ والمراد من النظر التفكر والتأمل، والمعنى تأملن ما وقع من ذلك، هل هو رضاع صحيح بشرطه؟ من وقوع ذلك في زمن الرضاع؟ ومقدار الارتضاع؟ أو لا؟ فإن الحكم الذي ينشأ من الرضاع إنما يتبع شروطاً.
قال المهلب: معناه انظرن ما سبب هذه الأخوة.
( فإنما الرضاعة من المجاعة) أي الرضاعة التي تثبت بها الحرمة، وتحل بها الخلوة هي حيث يكون الرضيع طفلاً، يسد اللبن جوعته، لأن معدته ضعيفة، يكفيها اللبن، وينبت بذلك لحمه، فيصير كجزء من المرضعة، فيشترك في الحرمة مع أولادها، فكأنه قال: لا رضاعة معتبرة إلا المغنية عن المجاعة، أو المطعمة من المجاعة، وقال أبو عبيد: معناه أن الذي جاع كان طعامه الذي يشبعه اللبن من الرضاع، لا حيث يكون الغذاء بغير الرضاع.
فقه الحديث
تتعرض أحاديث الباب إلى نقطتين أساسيتين: الأولى: مقدار الرضاعة المحرم، الثانية: زمن الرضاعة المحرم.
ثم ما يؤخذ من الأحاديث بعد ذلك.
أما عن النقطة الأولى فالخلاف فيها متشعب، والأدلة فيها متعارضة.
1- المذهب الأول: يحرم قليل الرضاع وكثيره، وهو قول الجمهور، حكاه ابن المنذر عن علي وابن مسعود وابن عمر، وابن عباس وعطاء وطاوس وابن المسيب والحسن ومكحول والزهري وقتادة والحكم وحماد، وهو قول مالك وأبي حنيفة والثوري والأوزاعي والليث، وهو المشهور عند أحمد.
واستدلوا ( أ) بعموم قوله تعالى: { { وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة } } [النساء: 23] .
ولم يذكر فيه عدد للرضعات.
( ب) عموم بعض الأحاديث الصحيحة الواردة في الباب السابق، كقوله صلى الله عليه وسلم إن الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة.
( جـ) أن الأخبار اختلفت في العدد، وعائشة التي روت ذلك قد اختلف عليها في العدد الذي يعتبر -كما سيأتي- فوجب الرجوع إلى أقل ما يطلق عليه الاسم.
( د) أن تحريم الرضاع أمر طارئ، فلا يشترط فيه العدد، كالمصاهرة.
( هـ) أن الرضاع حاصله مائع يدخل البطن فيحرم، فلا يشترط فيه العدد كالمني.
وأجابوا عن حديث لا تحرم المصة والمصتان والإملاجة والإملاجتان والرضعة والرضعتان رواياتنا الأولى والثانية والرابعة -بأنه مضطرب، لأنه اختلف فيه، هل هو عن عائشة، كروايتنا الأولى، أو عن الزبير، أو عن ابن الزبير -كما جاء في بعض الروايات- أو عن أم الفضل -كروايتنا الثانية والرابعة- قال النووي: وهذا غلط وجسارة على السنة وردها بمجرد الهوى، وتوهين صحيحها لنصرة المذاهب، وقد جاء اشتراط العدد في أحاديث كثيرة مشهورة، والصواب اشتراطه.
وادعى بعضهم بأنه منسوخ.
قال النووي: وهذا باطل، فلا يثبت النسخ بمجرد الدعوى.
وزعم بعضهم أنه موقوف على عائشة.
قال النووي: وهذا خطأ فاحش، حيث ذكره مسلم وغيره من طرق صحاح مرفوعاً من رواية عائشة ومن رواية أم الفضل.
وزعم بعضهم أنه يمكن حمله على ما إذا لم يتحقق وصول لبن الرضعة إلى جوف الرضيع، كأنه قال: الرضاع المحقق وصوله إلى الجوف هو المحرم، فإن لم يتحقق فلا تحرم المصة والمصتان.
قاله القرطبي، وهو احتمال ضعيف.
2- المذهب الثاني: لا تحرم الرضعة ولا الرضعتان، وتحرم الثلاث فما فوقها، وهو رواية عن أحمد، وهو قول إسحق وأبي عبيد وأبي ثور وابن المنذر وداود وأتباعه عدا ابن حزم.
واستدلوا بمفهوم حديث لا تحرم المصة والمصتان [روايتنا الأولى والثانية والرابعة] ، وقالوا: إن مفهوم لا تحرم المصة والمصتان أن الثلاث تحرم، وهذا الحديث في ذكر العدد مبين للعموم في الآية القرآنية.
3- المذهب الثالث: لا تحرم الرضعة والرضعتان والثلاث، وتحرم الأربع، وقد أخرج البيهقي عن زيد بن ثابت بإسناد صحيح أنه يقول ذلك.
4- المذهب الرابع: لا يحرم دون الخمس، خمس رضعات معلومات، وهو مذهب الشافعي ورواية عن أحمد، وبه قال ابن حزم، وقد صح عن عائشة عند عبد الرزاق لا يحرم دون خمس رضعات معلومات.
واستدلوا بأحاديث عائشة [روايتنا السادسة والسابعة] .
وقالوا: إن التحريم بالثلاث فما فوقها إنما يؤخذ من حديث المصة والمصتين بطريق المفهوم، وقد عارض هذا المفهوم مفهوم حديث خمس رضعات فمفهوم الأول أن الثلاث تحرم، ومفهوم الثاني أن ما دون الخمس لا يحرم، فتعارض المفهومان، وحديث الخمس جاء من طرق صحيحة، وحديث المصة والمصتين جاء من طرق صحيحة أيضاً.
لكن حديث عائشة عند عبد الرزاق أن ما دون الخمس لا يحرم منطوق يرجح المفهوم.
ويعترض الجمهور على الشافعية بأن حديث عائشة خمس رضعات روايتنا السادسة والسابعة لا يحتج به عند الشافعية أنفسهم، بناء على قواعدهم، لأن القرآن لا يثبت بخبر الواحد، وإذا لم يثبت قرآناً لم يثبت الحكم عن النبي صلى الله عليه وسلم، لأن خبر الواحد إذا توجه إليه قادح يوقف عن العمل به.
5- وجاء عن عائشة أيضاً: سبع رضعات، أخرجه ابن أبي خيثمة بإسناد صحيح عن عبد الله بن الزبير عنها.
6- وجاء عنها أيضاً: عشر رضعات، أخرجه مالك في الموطأ، قال الحافظ ابن حجر: وعن حفصة كذلك.
والذي تستريح إليه النفس مذهب الشافعية، فهو وسط بين هذه المذاهب، وتؤيده الأحاديث الكثيرة المشهورة.
والله أعلم.
النقطة الثانية زمن الرضاعة المحرم.
قال النووي: واختلف العلماء في هذه المسألة، فقالت عائشة وداود: تثبت حرمة الرضاع برضاع البالغ، كما تثبت برضاع الطفل.
قال الحافظ ابن حجر: وكذا نقل القرطبي عن داود أن رضاع الكبير يفيد رفع الاحتجاب منه.
وحكاية هذا القول عن داود فيها نظر، فإن ابن حزم ذكر عن داود أنه مع الجمهور، وكذا نقل غيره من أهل الظاهر، وهم أخبر بمذهب صاحبهم، وإنما الذي نصر مذهب عائشة هذا، وبالغ في ذلك هو ابن حزم، ونقله عن علي، وهو من رواية الحارث الأعور عنه، ولذلك ضعفه ابن عبد البر، وقال عبد الرزاق عن ابن جريج: قال رجل لعطاء: إن امرأتي سقتني من لبنها بعد ما كبرت.
أفأنكحها؟ قال: لا.
قال ابن جريج: فقلت له: هذا رأيك؟ قال: نعم.
كانت عائشة تأمر بذلك بنات أختها.
اهـ وهو يشير بذلك إلى ما أخرجه أبو داود، ولفظه فكانت عائشة تأمر بنات إخوتها وبنات أخواتها أن يرضعن من أحبت أن يدخل عليها ويراها، وإن كان كبيراً خمس رضعات، ثم يدخل عليها قال الحافظ ابن حجر: وإسناده صحيح وهو قول الليث بن سعد.
قال ابن عبد البر: لم يختلف عنه في ذلك.
وذكر الطبري في تهذيب الآثار، في مسند علي هذه المسألة، وساق بإسناده الصحيح عن حفصة مثل قول عائشة قال الحافظ: وهذا مما يخص به عموم قول أم سلمة أبي سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخلن عليهن أحداً بتلك الرضاعة روايتنا الثالثة عشرة.
فالقول بالجواز ليس خاصاً بعائشة ثم داود.
وذهب الجمهور على اعتبار الصغر في الرضاع المحرم، لقوله تعالى: { { والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة } } [البقرة: 233] .
ولحديث ابن عباس رفعه لا رضاع إلا ما كان في الحولين أخرجه الدارقطني، ولحديث ابن مسعود لا رضاع إلا ما شد العظم، وأنبت اللحم أخرجه أبو داود، ولروايتنا الرابعة عشرة فإنما الرضاعة من المجاعة أي لا رضاعة معتبرة إلا المغنية عن المجاعة ، وهي ليست كذلك إلا في الصغر ( راجع المباحث العربية في ذلك) ، ولحديث أم سلمة لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء والكبير مفتق الأمعاء أخرجه الترمذي وصححه، ويمكن الاستدلال بهذا أيضاً على أن الرضعة الواحدة لا تحرم.
ويؤكد هذا أن الصحابة كان عندهم علم وتسليم بأن الصغر معتبر في الرضاعة، يدل على ذلك قول امرأة أبي حذيفة: كيف أرضعه وهو رجل كبير؟ إنه ذو لحية؟ روايتنا الثامنة، والثانية عشرة.
وقد اختلف الجمهور في نهاية سن الصغر الذي تحرم فيه الرضاعة، فذهب أبو حنيفة إلى أن أقصى مدة الرضاع ثلاثون شهراً، لقوله تعالى: { { وحمله وفصاله ثلاثون شهراً } } [الأحقاف: 15] .
فجعل المدة المذكورة لكل من الحمل والفصال، فكأنه قال: وحمله ثلاثون شهراً، وفصاله ثلاثون شهراً، قال الحافظ ابن حجر: وهو تأويل غريب، فإن أبا حنيفة لا يقول: إن أقصى الحمل ثلاثون شهراً.
وعند المالكية رواية توافق قول الحنفية، إن أقصى مدة الرضاع ثلاثون شهراً، لكنهم لم يستدلوا بما استدل به الحنفية، بل قالوا: إنه يغتفر بعد الحولين مدة، يدمن الطفل فيها على الفطام، لأن العادة أن الصبي لا يفطم دفعة واحدة، بل على التدريج، فللأيام التي يحاول فيها فطامه حكم الحولين، ثم اختلفوا في تقدير تلك المدة، قيل: يفتقر بعد الحولين ستة أشهر وقيل: شهران، وقيل: شهر، وقيل: أيام يسيرة.
وعند الشافعية: يغتفر كسر الشهر، فلو ابتدأ الرضاع في أثناء الشهر جبر المنكسر من الشهر المكمل للحولين ثلاثين يوماً.
وعند مالك في رواية ابن وهب عنه: لا يحرم الرضاع متى وقع بعد الحولين، ولو بلحظة، وبه قال كثير من العلماء، ومن حجتهم حديث ابن عباس لا رضاع إلا ما كان في الحولين.
وعند زفر -صاحب أبي حنيفة- يستمر إلى ثلاث سنين، إذا كان يجتزئ باللبن، ولا يجتزئ بالطعام.
وحكى عن الأوزاعي مثله، لكن قال: بشرط أن لا يفطم ولو قبل الحولين فما رضع بعده لا يكون رضاعاً.
والجمهور -فيما عدا أبي حنيفة- على أن الآية { { وحمله وفصاله ثلاثون شهراً } } تقديره لمدة أقل الحمل، وأكثر مدة الرضاع.
والله أعلم.
ويتعين على الجمهور أن يجيب عن قصة سالم.
قال الحافظ ابن حجر: وأجابوا بأجوبة منها:أنه حكم منسوخ، وبه جزم المحب الطبري في أحكامه، وقرره بعضهم بأن قصة سالم كانت في أول الهجرة، والأحاديث الدالة على اعتبار الحولين من رواية أحداث الصحابة فدل على تأخرها.
قال الحافظ: وهو مستند ضعيف، إذ لا يلزم من تأخر إسلام الراوي ولا صغره أن لا يكون ما رواه متقدماً، وأيضاً ففي سياق قصة سالم ما يشعر بسبق الحكم باعتبار الحولين، لقول امرأة أبي حذيفة في بعض طرقه: وكيف أرضعه وهو رجل كبير؟ فهذا يشعر بأنها كانت تعرف أن الصغر معتبر في الرضاع المحرم.
اهـوفي تعقيب الحافظ ابن حجر نظر، لأن قصة سالم كانت في أول الهجرة بلا نقاش، كما هو واضح من ترجمته في المباحث العربية، ورواية اعتبار الحولين تؤكد تأخر الحكم عن قصة سالم، وقول امرأة أبي حذيفة، وإن أشعر بتقدم الحكم على سبيل الاحتمال، لكنه لا يفيد تقدم الحكم، فقد يكون سؤالها عن الطريقة التي ترضعه بها، أتحلب اللبن؟ أم تلقمه ثديها؟ وقد يكون سؤالها تعجباً من الأمر بإرضاعه المنافي لما جبلت عليه البشرية من إرضاع الصغير دون الكبير فالقول بالنسخ ظاهر ومقبول، لا يعارضه سوى موقف عائشة رضي الله عنها.
ومن أجوبة الجمهور عن قصة سالم دعوى الخصوصية بسالم وامرأة أبي حذيفة، وقول أم سلمة في روايتنا الثالثة عشرة والله ما نرى هذا إلا رخصة أرخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم لسالم خاصة صريح في ذلك، وقرره ابن الصباغ وغيره بأن أصل قصة سالم ما وقع له من التبني الذي أدى إلى اختلاطه بسهلة فلما نزل الاحتجاب، ومنعوا من التبني شق ذلك على سهلة فوقع الترخيص لها في ذلك، لرفع ما حصل لها من المشقة، وقرره آخرون بأن قصة سالم واقعة عين، يتطرقها احتمال الخصوصية، فيجب الوقوف عن الاحتجاج بها.
اهـ ومما يؤكد الخصوصية ذهاب ما في نفس أبي حذيفة نتيجة لهذا الرضاع، ولا أظنه يذهب ما في نفس غير أبي حذيفة مع غير سالم.
والله أعلم.
واستشكل عدم تفريق عائشة بين رضاع الصغير والكبير مع روايتها لحديث فإنما الرضاعة من المجاعة مما يفيد أن رضاعة الكبير لا تحرم، وقد أجاب الحافظ ابن حجر على هذا الإشكال بقوله: لعلها فهمت من قوله إنما الرضاعة من المجاعة أنه يخص مقدار ما يسد الجوعة من اللبن، فهو في عدد الرضعات، أعم من أن يكون المرتضع صغيراً أو كبيراً، فلا يكون الحديث نصاً في منع اعتبار رضاع الكبير، وحديث ابن عباس - مع تقدير ثبوته- ليس نصاً في ذلك أيضاً، وحديث أم سلمة يجوز أن يكون المراد منه أن لا رضاع بعد الفطام ممنوع، ثم لو وقع رتب عليه حكم التحريم، فما في الأحاديث المذكورة ما يدفع هذا الاحتمال، فلهذا عملت عائشة بذلك.
اهـويؤخذ من الأحاديث فوق ما تقدم:
1- من الرواية السادسة وقوع النسخ في القرآن.
قال النووي: والنسخ ثلاثة أنواع: أحدها ما نسخ حكمه وتلاوته، كعشر رضعات، والثاني ما نسخت تلاوته دون حكمه، كخمس رضعات، وكالشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما، والثالث ما نسخ حكمه، وبقيت تلاوته، وهذا هو الأكثر، ومنه قوله تعالى: { { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً وصية لأزواجهم متاعاً إلى الحول غير إخراج } } [البقرة: 240] .
2- قال الحافظ ابن حجر: وفي قصة سالم جواز الإرشاد إلى الحيل.
3- وقال ابن الرفعة: يؤخذ منه جواز تعاطي ما يحصل الحل في المستقبل، وإن كان ليس حلالاً في الحال.
4- استدل ابن حزم بقصة سالم على جواز مس الأجنبي ثدي الأجنبية، والتقام ثديها إذا أراد أن يرتضع منها مطلقاً، وهو استدلال خطأ، دعاه إليه أن الرضاعة المحرمة عنده إنما تكون بالتقام الثدي، ومص اللبن منه.
5- ومن الرواية الرابعة عشرة أن الزوج يسأل زوجته عن سبب إدخال الرجال بيته والاحتياط في ذلك، والنظر فيه.
6- قال الحافظ ابن حجر: وفي الحديث جواز دخول من اعترفت المرأة بالرضاعة معه عليها، وأنه يصير أخاً لها، ويراها، وقبول قولها فيمن اعترفت به.
اهـ وهذا المأخذ غير ظاهر من الحديث، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقرها على قولها واعترافها.
7- استدل بقوله فإنما الرضاعة من المجاعة على أن التغذية بلبن المرضعة يحرم، سواء كان بشرب أم أكل بأي صفة كان، حتى الحقنة والسعوط والثرد والطبخ وغير ذلك، إذا وقع ذلك بالشروط المطلوبة، فإن طرد الجوع موجود في كل ذلك، فيوافق الخبر والمعنى وبهذا قال الجمهور، لكن استثنى الحنفية الحقنة، واشترط الليث وأهل الظاهر في الرضاعة المحرمة التقام الثدي ومص اللبن منه.
والله أعلم