هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
3144 حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ عَدِيٍّ ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا حَازِمٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِلْوَرَثَةِ ، وَمَنْ تَرَكَ كَلًّا فَإِلَيْنَا ، وحَدَّثَنِيهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ ، ح وحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَعْنِي ابْنَ مَهْدِيٍّ ، قَالَا : حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ ، غَيْرَ أَنَّ فِي حَدِيثِ غُنْدَرٍ : وَمَنْ تَرَكَ كَلًّا وَلِيتُهُ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
3144 حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري ، حدثنا أبي ، حدثنا شعبة ، عن عدي ، أنه سمع أبا حازم ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : من ترك مالا فللورثة ، ومن ترك كلا فإلينا ، وحدثنيه أبو بكر بن نافع ، حدثنا غندر ، ح وحدثني زهير بن حرب ، حدثنا عبد الرحمن يعني ابن مهدي ، قالا : حدثنا شعبة ، بهذا الإسناد ، غير أن في حديث غندر : ومن ترك كلا وليته
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من ترك مالاً فللورثة ومن ترك كلاً فإلينا.


المعنى العام

أنزل الله تعالى آية المواريث، وفرض فرائض لورثة الميت، وجعل نصيبا محددًا لمن يدلي إليه بالقرابة، وقال: { { للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبًا مفروضًا } } [النساء: 7] وبينت السنة ما جاء مجملاً في هذه الآيات، ووضعت في هذه الأحاديث جملة من القواعد والأحكام.

أولها: يمنع من التوارث بين القريبين اختلاف الدين، فلا يرث الكافر من المسلم، ولا يرث المسلم من الكافر.

ثانيها: تقديم أصحاب الفروض على العصبات، فتقسم تركة الميت على ما شرع الله من الأنصباء المحددة بالنصف ونصفه ونصف نصفه، والثلثين ونصفهما ونصف نصفهما، وتلحق الأجزاء بأصحابها، وما بقي فهو للعصبة على ترتيبهم في شرع الله.

ثالثها: ما يسمى بالكلالة، وهي الميت لا يترك ابنًا ولا أبًا، ويترك إخوة لأم، وإخوة لأب وأم، أو إخوة لأب، وقد بينت آية الميراث في أول سورة النساء ميراث الأخوة لأم، فقالت { { وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث } } [النساء: 12] وأخذ الصحابة يتساءلون عن النوع الثاني من الإخوة، ما ميراثهم إذا لم يكن للميت ولد ولا والد؟ يستفتون رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسكت، لا يجيب، حيث لم ينزل فيهم قرآن، وفي هذه الأحاديث يسأل الصحابي الجليل جابر بن عبد الله، ولا يجيبه صلى الله عليه وسلم.
ستة أشهر بين آية الميراث الأولى، وبين أن نزل قوله تعالى { { يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك وإن كانوا إخوة رجالاً ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين } } [النساء: 176] وأخذ الصحابة بعدها يتناقشون في معانيها، وما يستنبط منها من أحكام، ويفرعون على الصور صورًا، ويتساءلون عن صور مفترضة، ومن هؤلاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الذي أكثر من مراجعة الرسول صلى الله عليه وسلم، حتى أغلظ له الرد، وقال له: يكفيك آية الكلالة في وضوحها، وهي التي في آخر سورة النساء.

رابعها: الميت يترك دينًا، ولا يخلف مالاً، وكان صلى الله عليه وسلم في أول الأمر يخوف من مثل هذا فلا يصلي عليه صلاة الجنازة، فلما أدرك الصحابة خطر هذا الفعل، وتحاشوا الاستدانة إلا لضرورة، وفتح الله على نبيه الفتوح تحمل دين من يموت، ونزل عليه قوله تعالى { { النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم } } [الأحزاب: 6] فقال لصحابته: أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم فمن توفي وعليه دين، لا يترك له وفاء، فعلي قضاءه، ومن ترك مالاً فهو لورثته، ومن ترك عيالاً فقراء محتاجين فأنا مولاهم، المسئول عنهم.
صلى الله عليه وسلم.
بالمؤمنين رؤوف رحيم.

المباحث العربية

( لا يرث المسلم الكافر، ولا يرث الكافر المسلم) قال النووي: في بعض النسخ ولا الكافر المسلم بحذف لفظة يرث.
اهـ.
وفي رواية للبخاري المؤمن في الموضعين، وعند النسائي لا يتوارث أهل ملتين وسيأتي في فقه الحديث ما يتعلق بتوارث أهل الملل المختلفة.

قال المبرد: الإرث أصله العاقبة، ومعناه الانتقال من واحد إلى واحد.

( ألحقوا الفرائض بأهلها) الفرائض جمع فريضة، فعيلة بمعنى مفعولة، مأخوذة من الفرض، وهو القطع، قال تعالى { { للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبًا مفروضًا } } [النساء: 7] أي مقطوعًا محددًا، ومنه فريضة الصلاة، والمراد بالفرائض هنا الأنصباء المقدرة في كتاب الله تعالى، وهي النصف ونصفه ونصف نصفه، والثلثان ونصفهما ونصف نصفهما، والمراد بأهلها من يستحقها بنص القرآن، وفي الرواية الرابعة اقسموا المال بين أهل الفرائض على كتاب الله أي على وفق ما أنزل في كتاب الله.

( فما بقي فهو لأولى رجل ذكر) في الرواية الثالثة فما تركت الفرائض فلأولى رجل ذكر أولى بفتح الهمزة وسكون الواو، وفتح اللام، أفعل تفضيل من الولي - بسكون اللام.
وهو القرب، أي لمن يكون أقرب في النسب إلى المورث، وليس المراد بالأولى هنا الأحق، وليس من قبيل: الرجل أولى بما له من غيره، فذا بمعنى أحق.
لأنه لو حمل هنا على معنى أحق لخلا عن الفائدة، لأنا لا ندري من هو الأحق.
قاله النووي.

وفي رواية لأدنى بالدال والنون، والمراد لأقرب.

وقد استشكل التعبير بـذكر بعد رجل والرجل لا يكون إلا ذكرًا، وهي كذلك في جميع النسخ وجميع الروايات فقال الخطابي: إنما كرر للبيان في نعته بالذكورة، ليعلم أن العصبة إذا كان عمًا، أو ابن عم مثلاً، وكان معه أخت له، أن الأخت لا ترث، ولا يكون المال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين.
وتعقب بأن هذا ظاهر من التعبير بقوله رجل والإشكال باق.

وقال ابن التين: للتأكيد.
وزيفه القرطبي، فقال: إن العرب إنما تؤكد حيث يفيد التأكيد فائدة، إما تعيين المعنى في النفس، وإما رفع المجاز، وليس ذلك هنا.

وقال غيره: إن التأكيد هنا لمتعلق الحكم، وهو الذكورة، لأن الرجل قد يراد به معنى النجدة والقوة في الأمر، فأكد حتى لا يراد به خصوص البالغ.

وقيل: إنه احتراز عن الخنثى، وقيل: للاعتناء بالجنس، وقيل: لنفي توهم اشتراك الأنثى معه، لئلا يحمل على التغليب.

قال النووي ومن قبله القاضي عياض والمازري وغيرهم: التعبير بـذكر للتنبيه على سبب الاستحقاق بالعصوبة، وسبب الترجيح في الإرث، ولهذا جعل للذكر مثل حظ الأنثيين، وحكمته: أن الرجال تلحقهم المؤن، كالقيام بالعيال، والضيفان، وإرفاد القاصدين، ومواساة السائلين، وتحمل الغرامات، وغير ذلك.
وأطال القائلون بذلك في توضيح ما يقصدون بما لا يخلو من مغاليق، ومن المعلوم أن تلمس الحكمة كالوردة تشم ولا تدلك.

( يعوداني ماشيين) في بعض النسخ ماشيان على القطع، أي وهما ماشيان، وفي الرواية السادسة عادني النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر في بني سلمة، يمشيان.

( فأغمي علي) الظاهر من مجموع الروايات أن الإغماء حدث قبل وصولهما، فالفاء للتعقيب والترتيب الذكري، ففي الرواية السادسة فوجدني لا أعقل شيئًا، فحذف المفعول، إشارة إلى عظم الحال.
وقد صرح به في رواية للبخاري.
أي لا أفهم شيئًا من الغيبوبة والإغماء.

( فتوضأ، ثم صب علي من وضوئه) الوضوء بفتح الواو الماء الذي يتوضأ به، فيحتمل أن يكون صب عليه بعض الماء الذي توضأ به، ويحتمل أنه صب عليه مما تبقى من ماء وضوئه.
وفي الرواية السادسة فتوضأ، ثم رش علي منه وفي الرواية الثامنة فصبوا علي من وضوئه ولا تعارض، فقد يكون الرسول صلى الله عليه وسلم رش عليه ماء ورش بعض الحاضرين بعض ماء وضوئه صلى الله عليه وسلم.

( كيف أقضي في مالي؟) أي كيف أقسم مالي بين ورثتي وأنا أتوقع الموت؟ في الرواية السادسة كيف أصنع في مالي؟.

( إنما يرثني كلالة) أي لا ولد لي، ولا والد، وإنما يرثني أخواتي، قيل: الكلالة من الإكليل المحيط بالرأس، لأن الكلالة وراثة أحاطت بالميت من الطرفين، وهي مصدر كالقرابة، وسمي أقرباء الميت كلالة بالمصدر، كما يقال: هم قرابة، أي ذوو قرابة، وإن أردت المصدر قلت: ورثوه عن كلالة، وتطلق الكلالة على الورثة مجازًا، وقيل: الكلالة مشتقة من التكلل، وهو التطرف، فابن العم مثلاً يقال له: كلالة، لأنه ليس على عمود النسب، بل على طرفه، وقيل: مشتقة من كل الشيء إذا بعد وانقطع، ومنه قولهم: كلت الرحم، إذا بعدت، وطال انتسابها، ومنه كل في مشيه إذا انقطع، لبعد مسافته، قال النووي: واختلف العلماء في المراد بالكلالة في الآية.

فقيل: المراد بها الوراثة، إذا لم يكن للميت ولد ولا والد، وتكون كلالة منصوبة على تقدير: يورث وراثة كلالة.

وقيل: إنه اسم للميت الذي ليس له ولد، ولا والد، ذكرًا كان الميت أو أنثى، وتقديره: يورث كما يورث في حال كونه كلالة.

وقيل: اسم للورثة الذين ليس فيهم ولد ولا والد، وعليه قول جابر في حديثنا إنما يرثني كلالة وقيل اسم للمال الموروث.
وقال الشيعة: الكلالة من ليس له ولد، وإن كان له أب أو جد.
وسيأتي في فقه الحديث.

( حتى نزلت آية الميراث) { { يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة... } } وفي الرواية السادسة فنزلت { { يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين } } [النساء: 176] وفي الرواية السابعة والثامنة حتى نزلت آية الميراث وفي ملحق الرواية الثامنة فنزلت آية الفرائض.
فنزلت آية الفرض قال ابن العربي: هذا تعارض، لم يتفق بيانه إلى الآن، ثم أشار إلى ترجيح آية المواريث، وتوهيم { { يستفتونك } }

وقال الحافظ ابن حجر: هكذا وقع في رواية ابن جريج فنزلت { { يوصيكم الله في أولادكم } } وقيل: إنه وهم في ذلك، وأن الصواب أن الآية التي نزلت في قصة جابر هذه الآية الأخيرة من النساء، وهي { { يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة } } لأن جابرًا يومئذ لم يكن له ولد ولا والد.

ويحتمل أن يكون مراد جابر من قوله { { يوصيكم الله في أولادكم } } أي ذكر الكلالة المتصل بهذه الآية.
والله أعلم.

( فذكر نبي الله صلى الله عليه وسلم، وذكر أبا بكر) أي ذكرهما بالثناء على كل منهما، والدعاء لكل منهما.

( إني لا أدع بعدي شيئًا أهم عندي من الكلالة) أي إن أمت مت منشغلاً ومهمومًا بحكم توزيع الأنصباء في صورة الكلالة، لعدم وضوح حكمها أو حكمتها في نظري، وعند بعض المتفقهين في كتاب الله تعالى.

( ألا تكفيك آية الصيف) ألا تكفي آية آخر النساء، وهي التي نزلت في الصيف؟ وتغنيك هذه الآية عن المراجعات؟ بعد آية أول النساء التي نزلت في الشتاء؟ وسنشرح الآيتين وحكم الكلالة في فقه الحديث.

( وإني إن أعش أقض فيها بقضية يقضي بها من يقرأ القرآن ومن لا يقرأ القرآن) أي وإن أعش حتى يموت ميت على صورة الكلالة، ويأتوني للحكم فيها أقض مجزوم جواب للشرط، أي أحكم فيها بقضية أي بقضاء وحكم يقضي بها أي يسلم بها، ويقبل هذا الحكم، ويقتنع به من يقرأ آياتها في القرآن يتفهم معانيها، ويعقل حكمها وحكمتها من لا يقرأ القرآن يريد أنه يطبق فهمًا لآيات القرآن مقنعًا، وهو ما ذهب إليه العلماء فيما بعد.

( آخر آية أنزلت آية الكلالة) في الرواية الثانية عشرة آخر آية أنزلت يستفتونك وهي آية الكلالة، وفي آخر آية نزلت أقوال للعلماء نذكرها في فقه الحديث، وللجمع بينها يقال: إن الآخرية نسبية، فكل أخبر بآخر ما علم، وقد ينزل بعد علمه ما ينزل، أو الآخرية بالنسبة لآيات الميراث، أو بالنسبة لآيات الأحكام.

ويقصد بذكرها وذكر آخريتها هنا أنها محكمة، لم تنسخ، أما ذكر سورة التوبة فعلى سبيل الاستطراد.

( كان يؤتى بالرجل الميت) أي بالجنازة تأتي إلى المسجد للصلاة عليها، فذكر الرجل ليس قيدًا، وإنما لما هو الغالب في المديونية.
والحكم يعم المرأة.

( عليه الدين فيسأل: هل ترك لدينه من قضاء) هذه هي الخطوة الثانية، فالخطوة الأولى: كان يسأل: هل عليه دين؟ فإذا أجيب بنعم سأل هل ترك لدينه قضاء وما يوفيه؟

( إن على الأرض من مؤمن إلا أنا أولى الناس به) إن نافية، ومن زائدة لتأكيد النفي، أي ما على الأرض مؤمن.

( فأيكم ما ترك دينًا أو ضياعًا) بفتح الضاد، قال الخطابي: وهو وصف لمن خلفه الميت، بلفظ المصدر، أي ضائعين، أي ترك ذوي ضياع، أي لا شيء لهم.
اهـ وفي الرواية الخامسة عشرة فأيكم ما ترك دينًا أو ضيعة، أي ضائعين، لا يملكون شيئًا.
وفي الرواية السادسة عشرة ومن ترك كلا بفتح الكاف وتشديد اللام، وأصله الثقل، والمراد به هنا العيال.

( فأنا مولاه) أي المتولي أمر دينه ووفاءه، وفي الرواية الثالثة عشرة فمن توفي وعليه دين - أي ولا وفاء له - فعلي قضاؤه وفي الرواية الخامسة عشرة فادعوني - أي طالبوني بدينه - فأنا وليه المسئول عند دينه وعن ضياعه وعياله، وفي الرواية السادسة عشرة ومن ترك كلا فإلينا أي فأمر ثقله ودينه إلينا، وفي ملحقها ومن ترك كلا وليته بفتح الواو وكسر اللام، أي توليت ثقله.

( وأيكم ترك مالاً فإلي العصبة من كان) المراد بالعصبة هنا الورثة، لا من يرث بالتعصيب، لأن العاصب في الاصطلاح من له سهم، من المجمع على توريثهم، ويرث كل المال إذا انفرد، ويرث ما فضل بعد الفروض بالتعصيب، وقيل: المراد بالعصبة هنا قرابة الرجل، وهم من يلتقي مع الميت في أب ولو علا، سموا بذلك لأنهم يحيطون به، يقال: عصب الرجل، وقال الكرماني: المراد العصبة بعد أصحاب الفروض، قال: ويؤخذ حكم أصحاب الفروض من ذكر العصبة بالطريق الأولى، ويشير إلى ذلك قوله من كان فإنه يتناول أنواع المنتسبين إليه، بالنفس أو بالغير.

فقه الحديث

تتناول هذه الأحاديث الفرائض والعصبات - والإرث عند اختلاف الدين - والكلالة - وقضاء الديون - وما يؤخذ من الأحاديث من الأحكام.

أما الفرائض والعصبات ففيها يقول النووي: أجمع المسلمون على أن ما بقي بعد الفروض فهو للعصبات، يقدم الأقرب فالأقرب، فلا يرث عاصب بعيد، مع وجود قريب، فإذا خلف بنتًا وأخًا وعمًا، فللبنت النصف فرضًا، والباقي للأخ، ولا شيء للعم.
قال أصحابنا: والعصبة ثلاثة أقسام: عصبة بنفسه، كالابن وابنه، والأخ وابنه، والعم وابنه، وعم الأب والجد وابنهما، ونحوهم، وقد يكون الأب والجد عصبه، وقد يكون لهما فرض، فمتى كان للميت ابن أو ابن ابن، لم يرث الأب إلا السدس فرضًا، ومتى لم يكن ولد، ولا ولد ابن، ورث بالتعصيب فقط، ومتى كانت بنت، أو بنت ابن، أو بنتان، أو بنتا ابن، أخذ البنات فرضهن، وللأب من الباقي السدس فرضًا، والباقي بالتعصيب.
هذا أحد الأقسام، وهو العصبة بنفسه.

القسم الثاني العصبة بغيره، وهو البنات بالبنين، وبنات الابن ببني الابن، والأخوات بالإخوة.

والثالث العصبة مع غيره، وهو الأخوات للأبوين، أو لأب، مع البنات، أو بنات الابن، فإذا خلف بنتًا وأختًا لأبوين، أو لأب، فللبنت النصف فرضًا، والباقي للأخت تعصيبًا، وإن خلف بنتًا وبنت ابن وأختًا لأبوين، أو أختًا لأب، فللبنت النصف، ولبنت الابن السدس، والباقي للأخت، وإن خلف بنتين، وبنتي ابن، وأختا لأبوين، أو لأب، فللبنتين الثلثان، والباقي للأخت، ولا شيء لبنتي الابن، لأنه لم يبق شيء من فرض جنس البنات، وهو الثلثان.

قال أصحابنا: وحيث أطلق العصبة، فالمراد به العصبة بنفسه، وهو كل ذكر يدلي بنفسه بالقرابة، ليس بينه وبين الميت أنثى، ومتى انفرد العصبة أخذ جميع المال، ومتى كان مع أصحاب فروض مستغرقة، فلا شيء له، وإن لم يستغرقوا كان له الباقي بعد فروضهم.
( أقول: استثنى من ذلك ما عرف بالمسألة الحجرية، فالفروض فيها مستغرقة، ومع ذلك ورث العصبة، كما في زوج وأم وأخوة لأم وأخ شقيق، فللزوج النصف، وللأم السدس، وللأخوة لأم الثلث، ويشاركهم فيه الأخ الشقيق) كذا عند الجمهور، وكان علي وأبي وأبو موسى لا يشركون الإخوة، ولو كانوا أشقاء مع الإخوة لأم، لأنهم عصبة، وقد استغرقت الفرائض المال، وبذلك قال جمع من الكوفيين، وأقرب العصبات البنون، ثم بنوهم وإن سفلوا، ثم الأب، ثم الجد إن لم يكن أخ، والأخ إن لم يكن جد، فإن كان جد وأخ ففيها خلاف مشهور، ثم بنو الإخوة، ثم بنوهم وإن سفلوا، ثم الأعمام، ثم بنوهم وإن سفلوا.

ومن أدلى بأبوين يقدم على من يدلي بأب، فيقدم أخ لأبوين على أخ لأب ويقدم عم لأبوين على عم لأب.
وكذا الباقي، ويقدم الأخ من الأب على ابن الأخ من الأبوين، ويقدم ابن أخ لأب على عم لأبوين، ويقدم عم لأب على ابن عم لأبوين.
وكذا الباقي.

ولو خلف بنتًا، وأختًا لأبوين، وأخًا لأب، فمذهبنا ومذهب الجمهور أن للبنت النصف، والباقي للأخت، ولا شيء للأخ، وقال ابن عباس - رضي الله عنها - للبنت النصف، والباقي للأخ، دون الأخت.
اهـ.

ولم يوافق ابن عباس على ذلك أحد، إلا أهل الظاهر.

وأما الإرث مع اختلاف الدين فيقول النووي: أجمع المسلمون على أن الكافر لا يرث المسلم، وأما المسلم فلا يرث الكافر أيضًا عند جماهير العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وذهبت طائفة إلى توريث المسلم من الكافر، وهو مذهب معاذ بن جبل، ومعاوية، وسعيد بن المسيب، ومسروق، وغيرهم، وروي أيضًا عن أبي الدرداء والشعبي والزهري والنخعي نحوه، على خلاف بينهم في ذلك، واحتجوا بحديث الإسلام يعلو، ولا يعلى عليه.
وبحديث الإسلام يزيد ولا ينقص أخرجه أبو داود وصححه الحاكم، وقالوا: نرث أهل الكتاب ولا يرثونا، كما نتزوج منهم، ولا يتزوجون منا وحجة الجمهور هذا الحديث الصحيح الصريح - روايتنا الأولى - ولا حجة في حديث الإسلام يعلو، ولا يعلى عليه ولا حديث الإسلام يزيد ولا ينقص لأن الحديث الثاني متعقب بالانقطاع، وقيل: باطل وأما الحديث الأول فلأن المراد به فضل الإسلام على غيره، ولم يتعرض أي من الحديثين للميراث، فلا يترك نص صحيح صريح بمثل هذا.
ولعل هذه الطائفة لم يبلغها هذا الحديث.

ثم قال النووي: وأما المرتد فلا يرث المسلم بالإجماع، وأما المسلم فلا يرث المرتد عند الشافعي ومالك، بل يكون ما له فيئًا للمسلمين، وقال أبو حنيفة والكوفيون والأوزاعي وإسحاق، يرثه ورثته من المسلمين، وروي ذلك عن علي وابن مسعود وجماعة من السلف، لكن قال الثوري وأبو حنيفة: ما كسبه في ردته فهو للمسلمين، وقال الآخرون: الجميع لورثته من المسلمين.

وأما توريث الكفار بعضهم من بعض، كاليهودي من النصراني وعكسه، والمجوسي منهما، وهما منه، فقال به الشافعي وأبو حنيفة وآخرون، ومنعه مالك.
قال الشافعي: لكن لا يرث حربي من ذمي، ولا ذمي من حربي، والله أعلم.

وأما الكلالة فقد تناولتها آية الشتاء، في أوائل سورة النساء، وآية الصيف في آخرها.
فالآية الأولى آية المواريث { { يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس من بعد وصية يوصي بها أو دين آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعًا فريضة من الله إن الله كان عليمًا حكيمًا * ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث.
من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار وصية من الله والله عليم حليم
}
}

فهذه الآيات تناولت الكلالة في حالة ما إذا لم يترك الميت ولدًا ولا والدًا، وترك إخوة لأم، فقد كان ابن مسعود يقرأ وله أخ أو أخت من أم وكذلك قرأ سعد بن أبي وقاص، فيما أخرجه البيهقي بسند صحيح، ومن الشتاء إلى الصيف أخذ الصحابة يستفتون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكلالة بخصوص الإخوة والأخوات الشقيقات أو لأب، كما حدث من جابر رضي الله عنه رواياتنا الخامسة والسادسة والسابعة والثامنة، فنزلت في الصيف آية الكلالة { { يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك وإن كانوا إخوة رجالاً ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين يبين الله لكم أن تضلوا والله بكل شيء عليم } } [النساء: 176] .

ولا بد من تقدير من أم في الأخ والأخت في الآية الأولى، لأن فرض السدس لا يكون للأخ إلا إذا كان من أم، أما الشقيق أو لأب فهو عصبة، وأما الشقيقة فلها النصف فرضًا، فتقييد الأخوة في الآية الأولى بكونهم من أم، وتقييد الأخوة في الآية الثانية بكونهم من الأبوين أو لأب، ويلحق بالولد في الآية الثانية الوالد، فيكون المعنى إن امرؤ هلك ليس له ولد ولا والد، لأنه لو كان له والد لحجب الإخوة، إلا عند الشيعة، فإنهم يورثون الإخوة مع الأب، قال القاضي عياض: وذكر بعض العلماء الإجماع على أن الكلالة من لا ولد له ولا والد.
اهـ.

لكن العلماء اختلفوا في المراد بالولد في الآية الثانية هل يشمل البنت؟ وهل ينزل الجد منزلة الأب، فلا ترث معه الإخوة؟ وقد سبق الخلاف فيمن ترك أختًا وبنتًا وأخًا، ومذهب ابن عباس فيها.
والله أعلم.

وأما قضاء ولي الأمر ديون المتوفى فقد كان صلى الله عليه وسلم إذا جاءته جنازة سأل قبل أن يصلي عليها: هل عليه دين؟ فإن قالوا: لا.
صلى عليه، وإن قالوا: نعم.
سأل: هل ترك مالاً زائدًا على مؤنة تجهيزه يسد دينه؟ فإن قالوا: نعم.
صلي عليه، وإن قالوا: لا.
وتكفل أحد الصحابة بدينه صلى عليه، فقد روى البخاري أنه صلى الله عليه وسلم سأل هل عليه دين؟، فقيل له: نعم.
فقال: هل ترك شيئًا؟ قالوا: لا.
قال: صلوا على صاحبكم.
قال أبو قتادة: صل عليه يا رسول الله وعلى دينه.
فصلى عليه فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لقي أبا قتادة يقول: ما صنعت الديناران - مقدار الدين الذي تكفل به -؟ حتى كان آخر ذلك أن قال: قضيتهما يا رسول الله.
قال: الآن بردت عليه جلده.

قال العلماء: كان صلى الله عليه وسلم يترك الصلاة على من عليه دين، ليحرض الناس على قضاء الديون في حياتهم، والتوصل إلى البراءة منها، لئلا تفوتهم صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، وليحذر بذلك من الاستدانة إلا لضرورة، واختلفوا: هل كانت صلاته على من عليه دين محرمة عليه؟ أو جائزة؟ قال النووي: الصواب الجزم بجوازها.
اهـ

وظاهر الحديث أنه لم يكن يؤدي عن المدين دينه لضيق اليد، فلما فتح الله له الفتوح ضمن الديون وقضاها، ولكن الحقيقة أنه صلى الله عليه وسلم لما تحقق الهدف من عدم صلاته، واهتم الناس بالدين، وفهموا آثارها السيئة وصادف ذلك ما فتحه الله من فتوح ضمن الديون، وهل كان يقضيها من مال مصالح المسلمين؟ أم كان يقضيها من خالص ماله؟ وهل كان القضاء واجبًا عليه؟ أم لا؟ وهل يلزم القائم بأمر المسلمين أن يفعل ذلك بمن مات وعليه دين؟ فإن لم يفعل فالإثم عليه؟ أو لا؟ أقوال للعلماء.

ويؤخذ من الأحاديث فوق ما تقدم

1- من أحاديث جابر، الرواية الخامسة والسادسة والسابعة والثامنة يؤخذ فضيلة عيادة المريض.

2- واستحباب المشي فيها، إذ فيه زيادة الأجر والثواب.

3- وفي صب ماء الوضوء التبرك بآثار الصالحين وفضل طعامهم وشرابهم ونحوهما، وفضل مؤاكلتهم ومشاربتهم ونحو ذلك.
قاله النووي.

4- ظهور آثار بركة النبي صلى الله عليه وسلم.

5- استدل به الشافعية وغيرهم على طهارة الماء المستعمل في الوضوء والغسل، ردًا على أبي يوسف، القائل بنجاسته، وهي رواية عن أبي حنيفة.

قال النووي: وفي الاستدلال بهذا الحديث نظر، لأنه يحتمل أنه صب من الماء الباقي في الإناء، ولكن قد يقال: إن البركة العظمى فيما لاقى أعضاءه في الوضوء، صلى الله عليه وسلم.

6- وجواز وصية المريض، وإن كان عقله يذهب في بعض أوقاته، بشرط أن تقع الوصية في حال إفاقته، وحضور عقله.

7- وبسكوت النبي صلى الله عليه وسلم، وعدم رده على جابر استدل من لا يجوز الاجتهاد في الأحكام للنبي صلى الله عليه وسلم، والجمهور على جوازه، ويتأولون هذا الحديث وشبهه على أنه لم يظهر له بالاجتهاد شيء، فلهذا لم يرد عليه شيئًا، رجاء أن ينزل الوحي.

8- استنبط منه البخاري مشروعية عيادة المغمى عليه، ولا يقال: إن عيادته لا فائدة منها، لكونه لا يعلم بعائده، وقيل إن حديث جابر ليس فيه التصريح بأنهما علما أنه مغمى عليه قبل عيادته، فلعل الإغماء وافق حضور حضورهما، بل الظاهر من السياق وقوع ذلك حال مجئيهما، وقبل دخولهما عليه، فلا دلالة فيه على زيارة المغمى عليه، وأجيب بأن مجرد علم المريض بعائده بعد الإفاقة يسر خاطره، على أن مشروعية عيادة المريض لا تتوقف على المريض وحده، بل فيها وراء ذلك جبر لخاطر أهله، وما يرجى من بركة دعاء العائد، ووضع يده على المريض، والمسح على جسده، إلى غير ذلك.

9- ومن الرواية التاسعة من قول عمر: وإني إن أعش... إلخ جواز تأخير القضاء في قضية لم يظهر الحكم فيها ظهورًا بينا، فيؤخر الحكم حتى يتم الاجتهاد فيها، ويستوفى نظرها، ويتقرر الحكم، ثم يقضي به ويشيعه بين الناس.
قال النووي: ولعل النبي صلى الله عليه وسلم إنما أغلظ له لخوفه من اتكاله، واتكال غيره على ما نص عليه صريحًا، وتركهم الاستنباط من النصوص، وقد قال الله تعالى { { ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم } } [النساء: 83] فالاعتناء بالاستنباط من آكد الواجبات المطلوبة، لأن النصوص الصريحة لا تفي إلا باليسير من المسائل الحادثة، فإذا أهمل الاستنباط فات القضاء في معظم الأحكام النازلة، أو في بعضها.
والله أعلم.

10- استدل بعضهم بحديث البراء - روايتنا العاشرة والحادية عشرة والثانية عشرة على أن آية الكلالة في آخر النساء آخر آية نزلت من القرآن، وأخرج البخاري عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن آخر آية نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم آية الربا، وجاء عنه من وجه آخر آخر آية نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم { { واتقوا يومًا ترجعون فيه إلى الله } } [البقرة: 281] يقولون: إن النبي صلى الله عليه وسلم مكث بعدها تسع ليال.

وجمع بعضهم بأن الآيتين نزلتا جميعًا، فيصدق أن كلاً منهما آخر بالنسبة لما عداهما، ويحتمل أن تكون الآخرية في آية النساء مقيدة بما يتعلق بالمواريث مثلاً، بخلاف آية البقرة، ويحتمل عكسه.
والله أعلم.

11- ومن الرواية الثالثة عشرة، من قوله صلوا على صاحبكم الأمر بصلاة الجنازة، وهي فرض كفاية.

12- واستدل بعضهم بروايتنا الأولى، بقوله لا يرث الكافر المسلم على جواز تخصيص عموم القرآن بخبر الآحاد، لأن قوله تعالى { { يوصيكم الله في أولادكم } } عام في الأولاد، فخص منه الولد الكافر، فلا يرث من المسلم، بالحديث المذكور، وأجيب بأن المنع حصل بالإجماع، وخبر الواحد إذا حصل الإجماع على وفقه كان التخصيص بالإجماع، لا بخبر الواحد فقط.

واللَّه أعلم