هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
3150 وحَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَيْلِيُّ ، وَأَحْمَدُ بْنُ عِيسَى ، قَالَا : حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ ، أَخْبَرَنِي عَمْرٌو وَهُوَ ابْنُ الْحَارِثِ ، عَنْ بُكَيْرٍ ، أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ : إِنَّمَا مَثَلُ الَّذِي يَتَصَدَّقُ بِصَدَقَةٍ ، ثُمَّ يَعُودُ فِي صَدَقَتِهِ ، كَمَثَلِ الْكَلْبِ يَقِيءُ ، ثُمَّ يَأْكُلُ قَيْئَهُ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
3150 وحدثني هارون بن سعيد الأيلي ، وأحمد بن عيسى ، قالا : حدثنا ابن وهب ، أخبرني عمرو وهو ابن الحارث ، عن بكير ، أنه سمع سعيد بن المسيب ، يقول : سمعت ابن عباس ، يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول : إنما مثل الذي يتصدق بصدقة ، ثم يعود في صدقته ، كمثل الكلب يقيء ، ثم يأكل قيئه
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إنما مثل الذي يتصدق بصدقة ثم يعود في صدقته كمثل الكلب يقيء ثم يأكل قيئه.


المعنى العام

أهدى تميم الداري لرسول الله صلى الله عليه وسلم فرسًا عريقًا نفيسًا، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه وكان يقال له الورد، ولم يكن أمام عمر وضع يضع فيه هدية رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل وأكرم من ساحة الجهاد، وعنده من الخيل ما علمه وتعود عليه، فقدمه لأحد المجاهدين بأنفسهم، الفقراء الذين لا يجدون حمولة تحملهم إلى الميدان، الذين قال الله فيهم { { ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنًا } } [التوبة: 92] قدمه عمر لأحد هؤلاء الأبطال الذين تحتاجهم المعارك الإسلامية، ليرفعوا راية الإسلام عالية، وخرج به الفقير، وجاهد في الله حق جهاده، وعاد من الغزو، فلم يجد ما ينفق به على علف الفرس ومؤنته، وضعف الفرس يومًا بعد يوم عند الرجل، فرأى الرجل أن يبيعه لمن يعرف قدره، ويعتني به ويرعاه، ثم هو ينتفع بثمنه في ضرورات حياته، ورآه عمر يباع في السوق، ومنظره لا يدل على حقيقته وقيمته، وتأكد أنه سيباع برخص، ففكر أن يشتريه، ليعيد إليه صحته ونشاطه وحيويته، وربما يحمل عليه رجلاً آخر في سبيل الله.
لكن كيف يمتلك صدقة بعد أن أخرجها وقبضها صاحبها؟ شك في الحكم الشرعي لما فكر فيه، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال له: لا تشتره.
لا تشتره ولو أعطاكه بدرهم، إنك إن اشتريت أشبهت العائد في صدقته، والعائد في صدقته كالكلب، يقيء، ثم يعود إلى قيئه فيأكله، ونفر عمر رضي الله عنه من الفعل ومن شبهه، وبعد عن شرائه، وفي ذلك من أدب التشريع ما يرفع الحياء عن المتصدق عليه إذا أراد أن يبيع الصدقة التي أعطيت له، وكان في ذلك من أدب التشريع ما يمنع المتصدق من أن يمد عينه إلى ما تصدق به، وما يعظم نفسه عن التفكير فيما أخرج في وجوه الخير.

المباحث العربية

( حملت على فرس عتيق في سبيل الله) أي تصدقت به، ووهبته لمن يقاتل عليه في سبيل الله، وأصله حملت مجاهدًا على فرس لي، وكانت الخيل والإبل من أهم عدة الجهاد، وكانت وسيلة السفر، والعتيق الكريم الفائق من كل شيء، والمراد هنا فرس نفيس جواد، يقال عتق بفتح التاء يعتق بكسرها، فهو عاتق وعتيق، أي بلغ نهايته ومداه، وعتق بضم التاء يعتق بضمها أيضًا فهو عتيق، وهي عتيق، أي قدر وكرم.
وهل كان هذا الحمل على سبيل الهدية والهبة؟ أو على سبيل الصدقة؟ احتمالان، والفرق بينهما أن الصدقة لا تكون إلا لمستحقها، أما الهبة فتكون لمستحق الزكاة، ولغير مستحق الزكاة، والصدقة لا يقصد لها مقابل إلا من الله، أما الهبة فقد تكون بمقابل دنيوي من الموهوب له، والفرس يطلق على الذكر والأنثى.

( فأضاعه صاحبه) أي أهمله، وقصر في إطعامه وعلفه والعناية بأمره، والضائع الجائع، والمفقود، وفي الرواية الثانية وكان قليل المال وقيل لم يعرف مقداره فأراد بيعه بدون قيمته، وقيل: استعمله فيما لا يليق به، والأول أصح.

( فظننت أنه بائعه برخص) أي بثمن بخس رخيص، وهذا الظن بعد أن وجده يبيعه، ففي الرواية الثالثة فوجده يباع وفي الرواية الرابعة ثم رآها تباع.

( فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك) أي عن حكم شرائه بعد هبته، وكأنه وقع في نفسه من ذلك شيء، فسأل عن الحكم، وكان ما توقع، وفي الرواية الثانية فأراد أن يشتريه، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك له وفي الرواية الثالثة فأراد أن يبتاعه، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك.

( فقال: لا تبتعه، ولا تعد في صدقتك) جعل شراءه عودًا في الصدقة للتنفير، فهو يشبه العود من حيث رجوع المتصدق به إلى المتصدق، ولو بطريق ما، وفي الرواية الثانية لا تشتره، وإن أعطيته بدرهم مبالغة في رخصه، الحامل له على الشراء.
وقال الحافظ ابن حجر: سمي شراءه برخص عودًا في الصدقة لأن العادة جرت بالمسامحة من البائع للمشتري في مثل ذلك، فأطلق على القدر الذي يسامح به رجوعًا، أو سماه عودًا في الصدقة من حيث إن الغرض كان ثواب الآخرة، والشراء جعله للدنيا، وبخاصة إذا كان برخص.

( فإن العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه) في الرواية الثانية فإن مثل العائد في صدقته كمثل الكلب، يعود في قيئه وفي الرواية الخامسة مثل الذي يرجع في صدقته كمثل الكلب، يقيء ثم يعود في قيئه، فيأكله وفي الرواية السادسة مثل الذي يتصدق بصدقة، ثم يعود في صدقته، كمثل الكلب، يقيء، ثم يأكل قيأه وفي هذا التشبيه تنفير من وجوه.
تشبيه العائد بالكلب، وهو أخس وأقذر الحيوان، وتشبيه ما يعاد بالقيء، وهو مستقذر، وتشبيه العود بأكل القيء، وهو شديد القذارة والاستقباح.

فقه الحديث

اختلف العلماء في حكم الرجوع في الهبة والصدقة بطريق الشراء ونحوه، فقال ابن بطال: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجوع في الهبة كالرجوع في القيء، وهو حرام، فكذا الرجوع في الهبة.
اهـ.

وقد روى البخاري ليس لنا مثل السوء، الذي يعود في هبته كالكلب يرجع في قيئه فهذا المثل ظاهر في تحريم الرجوع في الهبة والصدقة بعد إقباضها.
كذلك جاء في حديث لا يحل لواهب أن يرجع في هبته.

قال النووي: هذا الحديث ظاهر في تحريم الرجوع في الهبة والصدقة بعد إقباضهما، وهو محمول على هبة الأجنبي، أما إذا وهب لولده وإن سفل، فله الرجوع فيه، كما صرح به في حديث النعمان بن بشير، ولا رجوع في هبة الإخوة والأعمام وغيرهم من ذوي الأرحام، هذا مذهب الشافعي، وبه قال مالك والأوزاعي، وقال أبو حنيفة وآخرون: يرجع كل واهب، إلا الولد، وكل ذي رحم محرم.
اهـ

ويجيب الحنفية عن هذا الحديث بأن الراجع في القيء هو الكلب، لا الرجل، والكلب غير متعبد، بتحليل ولا بتحريم، فلا يثبت منع الواهب من الرجوع، فالرسول صلى الله عليه وسلم ينزه أمته من أمثال الكلب، لا أنه أبطل أن يكون لهم الرجوع في هباتهم، وأما حديث لا يحل لواهب أن يرجع في هبته فإنه لا يستلزم التحريم، وهو كقوله لا تحل الصدقة لغني فنفي الحل لا يستلزم الحرمة.

كما يستدلون بحديث الرجل أحق بهبته ما لم يثب منها رواه ابن ماجه والدارقطني، وحديث من وهب هبة فهو أحق بهبته ما لم يثب منها رواه الطبراني.

ويحملون هذا الحديث ونحوه على كراهة التنزيه.
والله أعلم.

ويؤخذ من الحديث فوق ما تقدم

1- استدل بالحديث بعضهم على جواز بيع الموقوف، إذا بلغ غاية لا يتصور الانتفاع به فيما وقف له، وهذا الاستدلال مبني على أن عمر حبس هذا الفرس ووقفه على الجهاد، وهذا يفتقر إلى دليل، والظاهر أن حمل الفرس كان حمل تمليك، لا حمل تحبيس.

واستثنى العلماء من عموم عدم الرجوع في الهبة صورًا.
قال الطبري: يخص من عموم هذا الحديث من وهب بشرط الثواب، ومن كان والدًا والموهوب له ولده، والهبة التي لم تقبض، والتي ردها الميراث إلى الواهب لثبوت الأخبار باستثناء كل ذلك، وأما ما عدا ذلك، كالغني يثيب الفقير، ونحو من يصل رحمه، فلا رجوع لهؤلاء، قال: ومما لا رجوع فيه مطلقًا الصدقة، يراد بها ثواب الآخرة.

2- وأخذ بعضهم من قول عمر: حملت على فرس عتيق في سبيل الله جواز إذاعة عمل البر، وتعقب بأن كتمان عمل البر أفضل، لكن عمر رضي الله عنه تعارض عنده المصلحتان، الكتمان، وتبليغ الحكم الشرعي، فرجح الثاني، فعمل به، وتعقب بأنه كان يمكنه أن يقول: حمل رجلاً على فرس مثلاً، ولا يقول: حملت، فيجمع بين المصلحتين، قال الحافظ ابن حجر: والظاهر أن محل رجحان الكتمان إنما هو قبل الفعل وعنده، وأما بعد وقوعه فلعل الذي أعطيه أذاع ذلك، فانتقى الكتمان، ويضاف إليه أن في إضافته ذلك إلى نفسه تأكيدًا لصحة الحكم المذكور، لأن الذي تقع له القصة أجدر بضبطها ممن ليس عنده إلا وقوعها بحضوره، فلما أمن ما يخشى من الإعلان بالقصة، صرح بإضافة الحكم إلى نفسه، ويحتمل أن يكون محل ترجيح الكتمان لمن يخشى على نفسه من الإعلان، العجب والرياء، أما من أمن من ذلك كعمر فلا.
اهـ.

وفي هذا القول نظر، فإن كتمان عمل البر مطلوب قبل فعله، وعند فعله، وبعد فعله، واحتمال أن الذي أعطيه أذاع ذلك لا يبنى عليه حتى ولو تأكد أنه ذاع، ولو أن تأكيد الصحة والضبط يفتح الباب للإعلان لأعلن كل من فعل برًا، وأما أن الأمن من الرياء يبيح الإعلان فغير مسلم، لأن الكتمان من حكمته عدم جرح مشاعر المعطى، وخاصة في مثل هذه الواقعة التي أساء فيها بائع الفرس بإضاعته.

والظاهر أن عمر رضي الله عنه رأى في القصة هضمًا لنفسه، وخطأ كاد يقع فيه، وقصدًا لا يقصده أهل المروءات، وقربًا من الوقوع في زلة شبهها رسول الله صلى الله عليه وسلم بفعل أحقر الحيوانات، فذكر القصة على أنه كاد يسيء لا على أنه فعل برًا ومعروفًا، كما يقول المتصدق: تصدقت ومننت بصدقتي، فليس مقصوده إعلان البر، بل مقصوده إعلان الخطأ، والله أعلم.

3- وفي الحديث فضل الحمل في سبيل الله، والإعانة على الغزو بكل شيء.

4- وأن الحمل في سبيل الله يعطي المحمول حق بيعه، والانتفاع به، والانتفاع بثمنه.

5- وفيه ما كان عليه عمر رضي الله عنه من جهاد بالمال، ويقظة وحيطة من الوقوع في الأخطاء الشرعية.

6- وفيه جواز استخدام الألفاظ المستقذرة عند إرادة التنفير، ليرتدع من تسول له نفسه الوقوع في الزلل، أو الاستهانة بالحكم الشرعي.

والله أعلم