هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
340 حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ ، قَالَ : حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَوْفٌ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ ، عَنْ عِمْرَانَ ، قَالَ : كُنَّا فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَإِنَّا أَسْرَيْنَا حَتَّى كُنَّا فِي آخِرِ اللَّيْلِ ، وَقَعْنَا وَقْعَةً ، وَلاَ وَقْعَةَ أَحْلَى عِنْدَ المُسَافِرِ مِنْهَا ، فَمَا أَيْقَظَنَا إِلَّا حَرُّ الشَّمْسِ ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنِ اسْتَيْقَظَ فُلاَنٌ ، ثُمَّ فُلاَنٌ ، ثُمَّ فُلاَنٌ - يُسَمِّيهِمْ أَبُو رَجَاءٍ فَنَسِيَ عَوْفٌ ثُمَّ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ الرَّابِعُ - وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا نَامَ لَمْ يُوقَظْ حَتَّى يَكُونَ هُوَ يَسْتَيْقِظُ ، لِأَنَّا لاَ نَدْرِي مَا يَحْدُثُ لَهُ فِي نَوْمِهِ ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ عُمَرُ وَرَأَى مَا أَصَابَ النَّاسَ وَكَانَ رَجُلًا جَلِيدًا ، فَكَبَّرَ وَرَفَعَ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ ، فَمَا زَالَ يُكَبِّرُ وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ حَتَّى اسْتَيْقَظَ بِصَوْتِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ شَكَوْا إِلَيْهِ الَّذِي أَصَابَهُمْ ، قَالَ : لاَ ضَيْرَ - أَوْ لاَ يَضِيرُ - ارْتَحِلُوا ، فَارْتَحَلَ ، فَسَارَ غَيْرَ بَعِيدٍ ، ثُمَّ نَزَلَ فَدَعَا بِالوَضُوءِ ، فَتَوَضَّأَ ، وَنُودِيَ بِالصَّلاَةِ ، فَصَلَّى بِالنَّاسِ ، فَلَمَّا انْفَتَلَ مِنْ صَلاَتِهِ إِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مُعْتَزِلٍ لَمْ يُصَلِّ مَعَ القَوْمِ ، قَالَ : مَا مَنَعَكَ يَا فُلاَنُ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَ القَوْمِ ؟ قَالَ : أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ وَلاَ مَاءَ ، قَالَ : عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ ، فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ ، ثُمَّ سَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَاشْتَكَى إِلَيْهِ النَّاسُ مِنَ العَطَشِ ، فَنَزَلَ فَدَعَا فُلاَنًا - كَانَ يُسَمِّيهِ أَبُو رَجَاءٍ نَسِيَهُ عَوْفٌ - وَدَعَا عَلِيًّا فَقَالَ : اذْهَبَا ، فَابْتَغِيَا المَاءَ فَانْطَلَقَا ، فَتَلَقَّيَا امْرَأَةً بَيْنَ مَزَادَتَيْنِ - أَوْ سَطِيحَتَيْنِ - مِنْ مَاءٍ عَلَى بَعِيرٍ لَهَا ، فَقَالاَ لَهَا : أَيْنَ المَاءُ ؟ قَالَتْ : عَهْدِي بِالْمَاءِ أَمْسِ هَذِهِ السَّاعَةَ وَنَفَرُنَا خُلُوفٌ ، قَالاَ لَهَا : انْطَلِقِي ، إِذًا قَالَتْ : إِلَى أَيْنَ ؟ قَالاَ : إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَتْ : الَّذِي يُقَالُ لَهُ الصَّابِئُ ، قَالاَ : هُوَ الَّذِي تَعْنِينَ ، فَانْطَلِقِي ، فَجَاءَا بِهَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَحَدَّثَاهُ الحَدِيثَ ، قَالَ : فَاسْتَنْزَلُوهَا عَنْ بَعِيرِهَا ، وَدَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِنَاءٍ ، فَفَرَّغَ فِيهِ مِنْ أَفْوَاهِ المَزَادَتَيْنِ - أَوْ سَطِيحَتَيْنِ - وَأَوْكَأَ أَفْوَاهَهُمَا وَأَطْلَقَ العَزَالِيَ ، وَنُودِيَ فِي النَّاسِ اسْقُوا وَاسْتَقُوا ، فَسَقَى مَنْ شَاءَ وَاسْتَقَى مَنْ شَاءَ وَكَانَ آخِرُ ذَاكَ أَنْ أَعْطَى الَّذِي أَصَابَتْهُ الجَنَابَةُ إِنَاءً مِنْ مَاءٍ ، قَالَ : اذْهَبْ فَأَفْرِغْهُ عَلَيْكَ ، وَهِيَ قَائِمَةٌ تَنْظُرُ إِلَى مَا يُفْعَلُ بِمَائِهَا ، وَايْمُ اللَّهِ لَقَدْ أُقْلِعَ عَنْهَا ، وَإِنَّهُ لَيُخَيَّلُ إِلَيْنَا أَنَّهَا أَشَدُّ مِلْأَةً مِنْهَا حِينَ ابْتَدَأَ فِيهَا ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اجْمَعُوا لَهَا فَجَمَعُوا لَهَا مِنْ بَيْنِ عَجْوَةٍ وَدَقِيقَةٍ وَسَوِيقَةٍ حَتَّى جَمَعُوا لَهَا طَعَامًا ، فَجَعَلُوهَا فِي ثَوْبٍ وَحَمَلُوهَا عَلَى بَعِيرِهَا وَوَضَعُوا الثَّوْبَ بَيْنَ يَدَيْهَا ، قَالَ لَهَا : تَعْلَمِينَ ، مَا رَزِئْنَا مِنْ مَائِكِ شَيْئًا ، وَلَكِنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي أَسْقَانَا ، فَأَتَتْ أَهْلَهَا وَقَدِ احْتَبَسَتْ عَنْهُمْ ، قَالُوا : مَا حَبَسَكِ يَا فُلاَنَةُ ، قَالَتْ : العَجَبُ لَقِيَنِي رَجُلاَنِ ، فَذَهَبَا بِي إِلَى هَذَا الَّذِي يُقَالُ لَهُ الصَّابِئُ فَفَعَلَ كَذَا وَكَذَا ، فَوَاللَّهِ إِنَّهُ لَأَسْحَرُ النَّاسِ مِنْ بَيْنِ هَذِهِ وَهَذِهِ ، وَقَالَتْ : بِإِصْبَعَيْهَا الوُسْطَى وَالسَّبَّابَةِ ، فَرَفَعَتْهُمَا إِلَى السَّمَاءِ - تَعْنِي السَّمَاءَ وَالأَرْضَ - أَوْ إِنَّهُ لَرَسُولُ اللَّهِ حَقًّا ، فَكَانَ المُسْلِمُونَ بَعْدَ ذَلِكَ يُغِيرُونَ عَلَى مَنْ حَوْلَهَا مِنَ المُشْرِكِينَ ، وَلاَ يُصِيبُونَ الصِّرْمَ الَّذِي هِيَ مِنْهُ ، فَقَالَتْ : يَوْمًا لِقَوْمِهَا مَا أُرَى أَنَّ هَؤُلاَءِ القَوْمَ يَدْعُونَكُمْ عَمْدًا ، فَهَلْ لَكُمْ فِي الإِسْلاَمِ ؟ فَأَطَاعُوهَا ، فَدَخَلُوا فِي الإِسْلاَمِ ، قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : صَبَأَ : خَرَجَ مِنْ دِينٍ إِلَى غَيْرِهِ وَقَالَ أَبُو العَالِيَةِ : الصَّابِئِينَ فِرْقَةٌ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ يَقْرَءُونَ الزَّبُورَ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  يسميهم أبو رجاء فنسي عوف ثم عمر بن الخطاب الرابع وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نام لم يوقظ حتى يكون هو يستيقظ ، لأنا لا ندري ما يحدث له في نومه ، فلما استيقظ عمر ورأى ما أصاب الناس وكان رجلا جليدا ، فكبر ورفع صوته بالتكبير ، فما زال يكبر ويرفع صوته بالتكبير حتى استيقظ بصوته النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما استيقظ شكوا إليه الذي أصابهم ، قال : لا ضير أو لا يضير ارتحلوا ، فارتحل ، فسار غير بعيد ، ثم نزل فدعا بالوضوء ، فتوضأ ، ونودي بالصلاة ، فصلى بالناس ، فلما انفتل من صلاته إذا هو برجل معتزل لم يصل مع القوم ، قال : ما منعك يا فلان أن تصلي مع القوم ؟ قال : أصابتني جنابة ولا ماء ، قال : عليك بالصعيد ، فإنه يكفيك ، ثم سار النبي صلى الله عليه وسلم ، فاشتكى إليه الناس من العطش ، فنزل فدعا فلانا كان يسميه أبو رجاء نسيه عوف ودعا عليا فقال : اذهبا ، فابتغيا الماء فانطلقا ، فتلقيا امرأة بين مزادتين أو سطيحتين
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،  عن عِمْرَانَ ، قَالَ : كُنَّا فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَإِنَّا أَسْرَيْنَا حَتَّى كُنَّا فِي آخِرِ اللَّيْلِ ، وَقَعْنَا وَقْعَةً ، وَلاَ وَقْعَةَ أَحْلَى عِنْدَ المُسَافِرِ مِنْهَا ، فَمَا أَيْقَظَنَا إِلَّا حَرُّ الشَّمْسِ ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنِ اسْتَيْقَظَ فُلاَنٌ ، ثُمَّ فُلاَنٌ ، ثُمَّ فُلاَنٌ - يُسَمِّيهِمْ أَبُو رَجَاءٍ فَنَسِيَ عَوْفٌ ثُمَّ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ الرَّابِعُ - وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا نَامَ لَمْ يُوقَظْ حَتَّى يَكُونَ هُوَ يَسْتَيْقِظُ ، لِأَنَّا لاَ نَدْرِي مَا يَحْدُثُ لَهُ فِي نَوْمِهِ ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ عُمَرُ وَرَأَى مَا أَصَابَ النَّاسَ وَكَانَ رَجُلًا جَلِيدًا ، فَكَبَّرَ وَرَفَعَ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ ، فَمَا زَالَ يُكَبِّرُ وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ حَتَّى اسْتَيْقَظَ بِصَوْتِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ شَكَوْا إِلَيْهِ الَّذِي أَصَابَهُمْ ، قَالَ : لاَ ضَيْرَ - أَوْ لاَ يَضِيرُ - ارْتَحِلُوا ، فَارْتَحَلَ ، فَسَارَ غَيْرَ بَعِيدٍ ، ثُمَّ نَزَلَ فَدَعَا بِالوَضُوءِ ، فَتَوَضَّأَ ، وَنُودِيَ بِالصَّلاَةِ ، فَصَلَّى بِالنَّاسِ ، فَلَمَّا انْفَتَلَ مِنْ صَلاَتِهِ إِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مُعْتَزِلٍ لَمْ يُصَلِّ مَعَ القَوْمِ ، قَالَ : مَا مَنَعَكَ يَا فُلاَنُ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَ القَوْمِ ؟ قَالَ : أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ وَلاَ مَاءَ ، قَالَ : عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ ، فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ ، ثُمَّ سَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَاشْتَكَى إِلَيْهِ النَّاسُ مِنَ العَطَشِ ، فَنَزَلَ فَدَعَا فُلاَنًا - كَانَ يُسَمِّيهِ أَبُو رَجَاءٍ نَسِيَهُ عَوْفٌ - وَدَعَا عَلِيًّا فَقَالَ : اذْهَبَا ، فَابْتَغِيَا المَاءَ فَانْطَلَقَا ، فَتَلَقَّيَا امْرَأَةً بَيْنَ مَزَادَتَيْنِ - أَوْ سَطِيحَتَيْنِ - مِنْ مَاءٍ عَلَى بَعِيرٍ لَهَا ، فَقَالاَ لَهَا : أَيْنَ المَاءُ ؟ قَالَتْ : عَهْدِي بِالْمَاءِ أَمْسِ هَذِهِ السَّاعَةَ وَنَفَرُنَا خُلُوفٌ ، قَالاَ لَهَا : انْطَلِقِي ، إِذًا قَالَتْ : إِلَى أَيْنَ ؟ قَالاَ : إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَتْ : الَّذِي يُقَالُ لَهُ الصَّابِئُ ، قَالاَ : هُوَ الَّذِي تَعْنِينَ ، فَانْطَلِقِي ، فَجَاءَا بِهَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَحَدَّثَاهُ الحَدِيثَ ، قَالَ : فَاسْتَنْزَلُوهَا عَنْ بَعِيرِهَا ، وَدَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِنَاءٍ ، فَفَرَّغَ فِيهِ مِنْ أَفْوَاهِ المَزَادَتَيْنِ - أَوْ سَطِيحَتَيْنِ - وَأَوْكَأَ أَفْوَاهَهُمَا وَأَطْلَقَ العَزَالِيَ ، وَنُودِيَ فِي النَّاسِ اسْقُوا وَاسْتَقُوا ، فَسَقَى مَنْ شَاءَ وَاسْتَقَى مَنْ شَاءَ وَكَانَ آخِرُ ذَاكَ أَنْ أَعْطَى الَّذِي أَصَابَتْهُ الجَنَابَةُ إِنَاءً مِنْ مَاءٍ ، قَالَ : اذْهَبْ فَأَفْرِغْهُ عَلَيْكَ ، وَهِيَ قَائِمَةٌ تَنْظُرُ إِلَى مَا يُفْعَلُ بِمَائِهَا ، وَايْمُ اللَّهِ لَقَدْ أُقْلِعَ عَنْهَا ، وَإِنَّهُ لَيُخَيَّلُ إِلَيْنَا أَنَّهَا أَشَدُّ مِلْأَةً مِنْهَا حِينَ ابْتَدَأَ فِيهَا ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اجْمَعُوا لَهَا فَجَمَعُوا لَهَا مِنْ بَيْنِ عَجْوَةٍ وَدَقِيقَةٍ وَسَوِيقَةٍ حَتَّى جَمَعُوا لَهَا طَعَامًا ، فَجَعَلُوهَا فِي ثَوْبٍ وَحَمَلُوهَا عَلَى بَعِيرِهَا وَوَضَعُوا الثَّوْبَ بَيْنَ يَدَيْهَا ، قَالَ لَهَا : تَعْلَمِينَ ، مَا رَزِئْنَا مِنْ مَائِكِ شَيْئًا ، وَلَكِنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي أَسْقَانَا ، فَأَتَتْ أَهْلَهَا وَقَدِ احْتَبَسَتْ عَنْهُمْ ، قَالُوا : مَا حَبَسَكِ يَا فُلاَنَةُ ، قَالَتْ : العَجَبُ لَقِيَنِي رَجُلاَنِ ، فَذَهَبَا بِي إِلَى هَذَا الَّذِي يُقَالُ لَهُ الصَّابِئُ فَفَعَلَ كَذَا وَكَذَا ، فَوَاللَّهِ إِنَّهُ لَأَسْحَرُ النَّاسِ مِنْ بَيْنِ هَذِهِ وَهَذِهِ ، وَقَالَتْ : بِإِصْبَعَيْهَا الوُسْطَى وَالسَّبَّابَةِ ، فَرَفَعَتْهُمَا إِلَى السَّمَاءِ - تَعْنِي السَّمَاءَ وَالأَرْضَ - أَوْ إِنَّهُ لَرَسُولُ اللَّهِ حَقًّا ، فَكَانَ المُسْلِمُونَ بَعْدَ ذَلِكَ يُغِيرُونَ عَلَى مَنْ حَوْلَهَا مِنَ المُشْرِكِينَ ، وَلاَ يُصِيبُونَ الصِّرْمَ الَّذِي هِيَ مِنْهُ ، فَقَالَتْ : يَوْمًا لِقَوْمِهَا مَا أُرَى أَنَّ هَؤُلاَءِ القَوْمَ يَدْعُونَكُمْ عَمْدًا ، فَهَلْ لَكُمْ فِي الإِسْلاَمِ ؟ فَأَطَاعُوهَا ، فَدَخَلُوا فِي الإِسْلاَمِ ، قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : صَبَأَ : خَرَجَ مِنْ دِينٍ إِلَى غَيْرِهِ وَقَالَ أَبُو العَالِيَةِ : الصَّابِئِينَ فِرْقَةٌ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ يَقْرَءُونَ الزَّبُورَ .

Narrated `Imran:

Once we were traveling with the Prophet (ﷺ) and we carried on traveling till the last part of the night and then we (halted at a place) and slept (deeply). There is nothing sweeter than sleep for a traveler in the last part of the night. So it was only the heat of the sun that made us to wake up and the first to wake up was so and so, then so and so and then so and so (the narrator `Auf said that Abu Raja' had told him their names but he had forgotten them) and the fourth person to wake up was `Umar bin Al- Khattab. And whenever the Prophet (ﷺ) used to sleep, nobody would wake up him till he himself used to get up as we did not know what was happening (being revealed) to him in his sleep. So, `Umar got up and saw the condition of the people, and he was a strict man, so he said, Allahu Akbar and raised his voice with Takbir, and kept on saying loudly till the Prophet (ﷺ) got up because of it. When he got up, the people informed him about what had happened to them. He said, There is no harm (or it will not be harmful). Depart! So they departed from that place, and after covering some distance the Prophet (ﷺ) stopped and asked for some water to perform the ablution. So he performed the ablution and the call for the prayer was pronounced and he led the people in prayer. After he finished from the prayer, he saw a man sitting aloof who had not prayed with the people. He asked, O so and so! What has prevented you from praying with us? He replied, I am Junub and there is no water. The Prophet (ﷺ) said, Perform Tayammum with (clean) earth and that is sufficient for you. Then the Prophet (ﷺ) proceeded on and the people complained to him of thirst. Thereupon he got down and called a person (the narrator `Auf added that Abu Raja' had named him but he had forgotten) and `Ali, and ordered them to go and bring water. So they went in search of water and met a woman who was sitting on her camel between two bags of water. They asked, Where can we find water? She replied, I was there (at the place of water) this hour yesterday and my people are behind me. They requested her to accompany them. She asked, Where? They said, To Allah's Messenger (ﷺ) . She said, Do you mean the man who is called the Sabi, (with a new religion)? They replied, Yes, the same person. So come along. They brought her to the Prophet (ﷺ) and narrated the whole story. He said, Help her to dismount. The Prophet (ﷺ) asked for a pot, then he opened the mouths of the bags and poured some water into the pot. Then he closed the big openings of the bags and opened the small ones and the people were called upon to drink and water their animals. So they all watered their animals and they (too) all quenched their thirst and also gave water to others and last of all the Prophet (ﷺ) gave a pot full of water to the person who was Junub and told him to pour it over his body. The woman was standing and watching all that which they were doing with her water. By Allah, when her water bags were returned the looked like as if they were more full (of water) than they had been before (Miracle of Allah's Messenger (ﷺ)) Then the Prophet (ﷺ) ordered us to collect something for her; so dates, flour and Sawiq were collected which amounted to a good meal that was put in a piece of cloth. She was helped to ride on her camel and that cloth full of foodstuff was also placed in front of her and then the Prophet (ﷺ) said to her, We have not taken your water but Allah has given water to us. She returned home late. Her relatives asked her: O so and so what has delayed you? She said, A strange thing! Two men met me and took me to the man who is called the Sabi' and he did such and such a thing. By Allah, he is either the greatest magician between this and this (gesturing with her index and middle fingers raising them towards the sky indicating the heaven and the earth) or he is Allah's true Apostle. Afterwards the Muslims used to attack the pagans around her abode but never touched her village. One day she said to her people, I think that these people leave you purposely. Have you got any inclination to Islam? They obeyed her and all of them embraced Islam. Abu `Abdullah said: The word Saba'a means The one who has deserted his old religion and embraced a new religion. Abul 'Ailya [??] said, The S`Abis are a sect of people of the Scripture who recite the Book of Psalms.

0344 Imran dit : Nous étions en voyage avec le Prophète et nous avions marché jusqu’à la dernière partie de la nuit, avant de dormir d’un sommeil profond, si aimé d’habitude par le voyage. Et il n’y avait que la chaleur ardente du soleil qui nous réveilla. Ce fut Un tel qui se réveilla le premier, puis un tel,, ensuite un tel, Abu Raja avait cité les noms mais l’oubli vient de Awf, la quatrième personne réveillée fut Umar ben al-KhaTab. D’autre part, personne n’essayait de réveiller le Prophète une fois endormi, sauf s’il se réveille de lui-même; car il se peut que la Révélation lui arrive durant son sommeil. Réveillé, Umar vit se qui se passa avec les présents. Vigoureux qu’il était, il se mit à prononcer le takbir en élevant la voix; il ne cessa que lorsque sa voix réveilla le Prophète. Et les gens de venir exposer ce qui s’était passé avec eux. Le Prophète leur dit : « Il n’y a aucun mal (dayr) (ou : Cela ne nuira pas (lâ yadir)), quittons ces lieux ! » En effet, on se déplaça puis on s’arrêta dans un endroit pas trop loin du premier. Là, le Prophète demanda de l’eau… Il fit des ablutions mineurs et on appela ensuite à la prière qui fut présidée par lui. Après l’accomplissement de cette dernière, il remarqua un homme qui se tenait à l’écart et n’ayant pas fait la prière avec le reste des musulmans. « Mais pourquoi n’as-tu pas prié avec les autres ? ô Un tel !« , lui dit le Prophète. « Je suis en état de janaba et je ne trouve pas d’eau », répondit l’homme, « Tu aurais pu faires des ablutions sèches en utilisant du sable pur. Cela t’aurais suffit.« , dit le Prophète Après cela, le Prophète reprit la marche; les gens vinrent se plaindre auprès de lui de la soif. Il donna alors l’ordre de s’arrêter et appela ensuite Un tel (Abu Raja avait cité le nom mais l’oubli vient de Awf) et Ali. Il leur dit : « Partez à la recherche de l’eau ! » En effet, les deux hommes partirent et, au cours de leur mission, trouvèrent une femme sur un chameau et tenue entre deux mazada ou satiha (des grandes outre) d’eau. Ils lui dirent : « Où est l’eau ? » « C’est hier, à pareille heure, qu’on m’a apporté de l’eau; mais nos hommes sont absents maintenant. », répondit la femme « Alors vient avec nous ! » « Où ? », dit la femme « chez le Messager de Dieu » « Vers celui qu’on appelle l’apostat ? » dit la femme « c’est bien celui à qui tu fais allusions. Viens ! » Ils l’amenèrent chez le Prophète à qui ils racontèrent ce qui s’était passé. Après quoi, ils la firent descendre de son chameau, puis, le Prophète demanda un vase… Il versa ensuite un peu d’eau à partir des orifice de dessus des deux mazada ou satiha puis referma en ouvrant les orifices de dessous. On appela ensuite les gens à venir boire et à abreuver leurs bêtes. Et c’est ce qui se passa effectivement. D’ailleurs, la dernière personne fut l’homme qui était en état de janaba. Le Prophète lui donna un vase d’eau et lui dit : « Va et verse cette eau sur ton corps ! » Quant à la femme, elle resta debout à regarder ce qu’on faisait de son eau. Par Dieu ! on cessa de prendre de l’eau mais il nous semblait que les deux outres étaient plus pleines qu’auparavant. « Faites-lui une quête ! » commanda le Prophète En effet, on lui rassembla des dattes, de la semoule et de la bouillie sucrée, et ce jusqu’à former une grande quantité de nourriture. On lui mit le tout dans une pièce d’étoffe et on la chargea sur son chameau, devant elle. « Sais-tu qu’on n’a rien pris de ton eau ? » lui dit le Prophète, »c’est plutôt Dieu qui nous a abreuvés. » Après cette absence, la femme retourna chez elle. On lui dit : « Mais quelle est la chose qui t’a retenue, ô une telle ? » « Une chose extraordinaire », répondit-elle, « deux hommes sont venus me voir et m’ont amenée chez cet homme qu’on appelle l’apostat… Il a fait telle et telle choses. Par Dieu ! Soit qu’il est le plus grand sorcier qui peut exister entre ceci et cela (et elle fit un signe avec les deux doigts, le médium et l’index, en les enlevant vers le ciel, et ce pour dire : entre le ciel et la terre), soit qu’il est vraiment le Messager de Dieu. » Après cela, les musulmans attaquaient les païens des alentours et épargnaient le clan de cette femme; ce qui la poussa à dire aux siens : « Je crois que ces gens font exprès de vous épargner… Pourquoi n’embrassez-vous pas l’islam ? » en effet, ils lui obéirent et se convertirent à l’islam.  

":"ہم سے مسدد نے بیان کیا کہ ہم سے یحییٰ بن سعید نے ، کہا کہ ہم سے عوف نے ، کہا کہ ہم سے ابورجاء نے عمران کے حوالہ سے ، انھوں نے کہا کہہم نبی کریم صلی اللہ علیہ وسلم کے ساتھ ایک سفر میں تھے کہ ہم رات بھر چلتے رہے اور جب رات کا آخری حصہ آیا تو ہم نے پڑاؤ ڈالا اور مسافر کے لیے اس وقت کے پڑاؤ سے زیادہ مرغوب اور کوئی چیز نہیں ہوتی ( پھر ہم اس طرح غافل ہو کر سو گئے ) کہ ہمیں سورج کی گرمی کے سوا کوئی چیز بیدار نہ کر سکی ۔ سب سے پہلے بیدار ہونے والا شخص فلاں تھا ۔ پھر فلاں پھر فلاں ۔ ابورجاء نے سب کے نام لیے لیکن عوف کو یہ نام یاد نہیں رہے ۔ پھر چوتھے نمبر پر جاگنے والے حضرت عمر بن خطاب رضی اللہ عنہ تھے اور جب نبی کریم صلی اللہ علیہ وسلم آرام فرماتے تو ہم آپ کو جگاتے نہیں تھے ۔ یہاں تک کہ آپ خودبخود بیدار ہوں ۔ کیونکہ ہمیں کچھ معلوم نہیں ہوتا کہ آپ پر خواب میں کیا تازہ وحی آتی ہے ۔ جب حضرت عمر رضی اللہ عنہ جاگ گئے اور یہ آمدہ آفت دیکھی اور وہ ایک نڈر دل والے آدمی تھے ۔ پس زور زور سے تکبیر کہنے لگے ۔ اسی طرح باآواز بلند ، آپ اس وقت تک تکبیر کہتے رہے جب تک کہ نبی کریم صلی اللہ علیہ وسلم ان کی آواز سے بیدار نہ ہو گئے ۔ تو لوگوں نے پیش آمدہ مصیبت کے متعلق آپ صلی اللہ علیہ وسلم سے شکایت کی ۔ اس پر آپ صلی اللہ علیہ وسلم نے فرمایا کہ کوئی ہرج نہیں ۔ سفر شروع کرو ۔ پھر آپ صلی اللہ علیہ وسلم تھوڑی دور چلے ، اس کے بعد آپ صلی اللہ علیہ وسلم ٹھہر گئے اور وضو کا پانی طلب فرمایا اور وضو کیا اور اذان کہی گئی ۔ پھر آپ صلی اللہ علیہ وسلم نے لوگوں کے ساتھ نماز پڑھی ۔ جب آپ صلی اللہ علیہ وسلم نماز پڑھانے سے فارغ ہوئے تو ایک شخص پر آپ صلی اللہ علیہ وسلم کی نظر پڑی جو الگ کنارے پر کھڑا ہوا تھا اور اس نے لوگوں کے ساتھ نماز نہیں پڑھی تھی ۔ آپ صلی اللہ علیہ وسلم نے اس سے فرمایا کہ اے فلاں ! تمہیں لوگوں کے ساتھ نماز میں شریک ہونے سے کون سی چیز نے روکا ۔ اس نے جواب دیا کہ مجھے غسل کی حاجت ہو گئی اور پانی موجود نہیں ہے ۔ آپ صلی اللہ علیہ وسلم نے فرمایا کہ پاک مٹی سے کام نکال لو ۔ یہی تجھ کو کافی ہے ۔ پھر نبی کریم صلی اللہ علیہ وسلم نے سفر شروع کیا تو لوگوں نے پیاس کی شکایت کی ۔ آپ صلی اللہ علیہ وسلم ٹھہر گئے اور فلاں ( یعنی عمران بن حصین رضی اللہ عنہما ) کو بلایا ۔ ابورجاء نے ان کا نام لیا تھا لیکن عوف کو یاد نہیں رہا اور حضرت علی رضی اللہ عنہ کو بھی طلب فرمایا ۔ ان دونوں سے آپ صلی اللہ علیہ وسلم نے فرمایا کہ جاؤ پانی تلاش کرو ۔ یہ دونوں نکلے ۔ راستہ میں ایک عورت ملی جو پانی کی دو پکھالیں اپنے اونٹ پر لٹکائے ہوئے بیچ میں سوار ہو کر جا رہی تھی ۔ انھوں نے اس سے پوچھا کہ پانی کہاں ملتا ہے ؟ تو اس نے جواب دیا کہ کل اسی وقت میں پانی پر موجود تھی ( یعنی پانی اتنی دور ہے کہ کل میں اسی وقت وہاں سے پانی لے کر چلی تھی آج یہاں پہنچی ہوں ) اور ہمارے قبیلہ کے مرد لوگ پیچھے رہ گئے ہیں ۔ انھوں نے اس سے کہا ۔ اچھا ہمارے ساتھ چلو ۔ اس نے پوچھا ، کہاں چلوں ؟ انھوں نے کہا رسول اللہ صلی اللہ علیہ وسلم کی خدمت میں ۔ اس نے کہا ، اچھا وہی جن کو لوگ صابی کہتے ہیں ۔ انھوں نے کہا ، یہ وہی ہیں ، جسے تم کہہ رہی ہو ۔ اچھا اب چلو ۔ آخر یہ دونوں حضرات اس عورت کو آنحضرت صلی اللہ علیہ وسلم کی خدمت مبارک میں لائے ۔ اور سارا واقعہ بیان کیا ۔ عمران نے کہا کہ لوگوں نے اسے اونٹ سے اتار لیا ۔ پھر نبی کریم صلی اللہ علیہ وسلم نے ایک برتن طلب فرمایا ۔ اور دونوں پکھالوں یا مشکیزوں کے منہ اس برتن میں کھول دئیے ۔ پھر ان کا اوپر کا منہ بند کر دیا ۔ اس کے بعد نیچے کا منہ کھول دیا اور تمام لشکریوں میں منادی کر دی گئی کہ خود بھی سیر ہو کر پانی پئیں اور اپنے تمام جانوروں وغیرہ کو بھی پلا لیں ۔ پس جس نے چاہا پانی پیا اور پلایا ( اور سب سیر ہو گئے ) آخر میں اس شخص کو بھی ایک برتن میں پانی دیا جسے غسل کی ضرورت تھی ۔ آپ صلی اللہ علیہ وسلم نے فرمایا ، لے جا اور غسل کر لے ۔ وہ عورت کھڑی دیکھ رہی تھی کہ اس کے پانی سے کیا کیا کام لیے جا رہے ہیں اور خدا کی قسم ! جب پانی لیا جانا ان سے بند ہوا ، تو ہم دیکھ رہے تھے کہ اب مشکیزوں میں پانی پہلے سے بھی زیادہ موجود تھا ۔ پھر نبی کریم صلی اللہ علیہ وسلم نے فرمایا کہ کچھ اس کے لیے ( کھانے کی چیز ) جمع کرو ۔ لوگوں نے اس کے لیے عمدہ قسم کی کھجور ( عجوہ ) آٹا اور ستو اکٹھا کیا ۔ یہاں تک کہ بہت سارا کھانا اس کے لیے جمع ہو گیا ۔ تو اسے لوگوں نے ایک کپڑے میں رکھا اور عورت کو اونٹ پر سوار کر کے اس کے سامنے وہ کپڑا رکھ دیا ۔ رسول اللہ صلی اللہ علیہ وسلم نے اس سے فرمایا کہ تمہیں معلوم ہے کہ ہم نے تمہارے پانی میں کوئی کمی نہیں کی ہے ۔ لیکن اللہ تعالیٰ نے ہمیں سیراب کر دیا ۔ پھر وہ اپنے گھر آئی ، دیر کافی ہو چکی تھی اس لیے گھر والوں نے پوچھا کہ اے فلانی ! کیوں اتنی دیر ہوئی ؟ اس نے کہا ، ایک عجیب بات ہوئی وہ یہ کہ مجھے دو آدمی ملے اور وہ مجھے اس شخص کے پاس لے گئے جسے لوگ صابی کہتے ہیں ۔ وہاں اس طرح کا واقعہ پیش آیا ، خدا کی قسم ! وہ تو اس کے اور اس کے درمیان سب سے بڑا جادوگر ہے اور اس نے بیچ کی انگلی اور شہادت کی انگلی آسمان کی طرف اٹھا کر اشارہ کیا ۔ اس کی مراد آسمان اور زمین سے تھی ۔ یا پھر وہ واقعی اللہ کا رسول ہے ۔ اس کے بعد مسلمان اس قبیلہ کے دور و نزدیک کے مشرکین پر حملے کیا کرتے تھے ۔ لیکن اس گھرانے کو جس سے اس عورت کا تعلق تھا کوئی نقصان نہیں پہنچاتے تھے ۔ یہ اچھا برتاؤ دیکھ کر ایک دن اس عورت نے اپنی قوم سے کہا کہ میرا خیال ہے کہ یہ لوگ تمہیں جان بوجھ کر چھوڑ دیتے ہیں ۔ تو کیا تمہیں اسلام کی طرف کچھ رغبت ہے ؟ قوم نے عورت کی بات مان لی اور اسلام لے آئی ۔ ¤ حضرت ابوعبداللہ امام بخاری رحمہ اللہ علیہ نے فرمایا کہ «صبا» کے معنی ہیں اپنا دین چھوڑ کر دوسرے کے دین میں چلا گیا اور ابوالعالیہ نے کہا ہے کہ صابئین اہل کتاب کا ایک فرقہ ہے جو زبور پڑھتے ہیں اور سورۃ یوسف میں جو «اصب» کا لفظ ہے وہاں بھی اس کے معنی «امل» کے ہیں ۔

0344 Imran dit : Nous étions en voyage avec le Prophète et nous avions marché jusqu’à la dernière partie de la nuit, avant de dormir d’un sommeil profond, si aimé d’habitude par le voyage. Et il n’y avait que la chaleur ardente du soleil qui nous réveilla. Ce fut Un tel qui se réveilla le premier, puis un tel,, ensuite un tel, Abu Raja avait cité les noms mais l’oubli vient de Awf, la quatrième personne réveillée fut Umar ben al-KhaTab. D’autre part, personne n’essayait de réveiller le Prophète une fois endormi, sauf s’il se réveille de lui-même; car il se peut que la Révélation lui arrive durant son sommeil. Réveillé, Umar vit se qui se passa avec les présents. Vigoureux qu’il était, il se mit à prononcer le takbir en élevant la voix; il ne cessa que lorsque sa voix réveilla le Prophète. Et les gens de venir exposer ce qui s’était passé avec eux. Le Prophète leur dit : « Il n’y a aucun mal (dayr) (ou : Cela ne nuira pas (lâ yadir)), quittons ces lieux ! » En effet, on se déplaça puis on s’arrêta dans un endroit pas trop loin du premier. Là, le Prophète demanda de l’eau… Il fit des ablutions mineurs et on appela ensuite à la prière qui fut présidée par lui. Après l’accomplissement de cette dernière, il remarqua un homme qui se tenait à l’écart et n’ayant pas fait la prière avec le reste des musulmans. « Mais pourquoi n’as-tu pas prié avec les autres ? ô Un tel !« , lui dit le Prophète. « Je suis en état de janaba et je ne trouve pas d’eau », répondit l’homme, « Tu aurais pu faires des ablutions sèches en utilisant du sable pur. Cela t’aurais suffit.« , dit le Prophète Après cela, le Prophète reprit la marche; les gens vinrent se plaindre auprès de lui de la soif. Il donna alors l’ordre de s’arrêter et appela ensuite Un tel (Abu Raja avait cité le nom mais l’oubli vient de Awf) et Ali. Il leur dit : « Partez à la recherche de l’eau ! » En effet, les deux hommes partirent et, au cours de leur mission, trouvèrent une femme sur un chameau et tenue entre deux mazada ou satiha (des grandes outre) d’eau. Ils lui dirent : « Où est l’eau ? » « C’est hier, à pareille heure, qu’on m’a apporté de l’eau; mais nos hommes sont absents maintenant. », répondit la femme « Alors vient avec nous ! » « Où ? », dit la femme « chez le Messager de Dieu » « Vers celui qu’on appelle l’apostat ? » dit la femme « c’est bien celui à qui tu fais allusions. Viens ! » Ils l’amenèrent chez le Prophète à qui ils racontèrent ce qui s’était passé. Après quoi, ils la firent descendre de son chameau, puis, le Prophète demanda un vase… Il versa ensuite un peu d’eau à partir des orifice de dessus des deux mazada ou satiha puis referma en ouvrant les orifices de dessous. On appela ensuite les gens à venir boire et à abreuver leurs bêtes. Et c’est ce qui se passa effectivement. D’ailleurs, la dernière personne fut l’homme qui était en état de janaba. Le Prophète lui donna un vase d’eau et lui dit : « Va et verse cette eau sur ton corps ! » Quant à la femme, elle resta debout à regarder ce qu’on faisait de son eau. Par Dieu ! on cessa de prendre de l’eau mais il nous semblait que les deux outres étaient plus pleines qu’auparavant. « Faites-lui une quête ! » commanda le Prophète En effet, on lui rassembla des dattes, de la semoule et de la bouillie sucrée, et ce jusqu’à former une grande quantité de nourriture. On lui mit le tout dans une pièce d’étoffe et on la chargea sur son chameau, devant elle. « Sais-tu qu’on n’a rien pris de ton eau ? » lui dit le Prophète, »c’est plutôt Dieu qui nous a abreuvés. » Après cette absence, la femme retourna chez elle. On lui dit : « Mais quelle est la chose qui t’a retenue, ô une telle ? » « Une chose extraordinaire », répondit-elle, « deux hommes sont venus me voir et m’ont amenée chez cet homme qu’on appelle l’apostat… Il a fait telle et telle choses. Par Dieu ! Soit qu’il est le plus grand sorcier qui peut exister entre ceci et cela (et elle fit un signe avec les deux doigts, le médium et l’index, en les enlevant vers le ciel, et ce pour dire : entre le ciel et la terre), soit qu’il est vraiment le Messager de Dieu. » Après cela, les musulmans attaquaient les païens des alentours et épargnaient le clan de cette femme; ce qui la poussa à dire aux siens : « Je crois que ces gens font exprès de vous épargner… Pourquoi n’embrassez-vous pas l’islam ? » en effet, ils lui obéirent et se convertirent à l’islam.  

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [344] قَوْله حَدثنَا مُسَدّد زَاد أَبُو ذَر بن مُسَرْهَدٍ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ هُوَ الْقَطَّانُ وَعَوْفٌ بِالْفَاءِ هُوَ الْأَعْرَابِيُّ وَأَبُو رَجَاءٍ هُوَ الْعُطَارِدِيُّ وَعمْرَان هُوَ بن حُصَيْنٍ كُلُّهُمْ بَصْرِيُّونَ .

     قَوْلُهُ  كُنَّا فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْتُلِفَ فِي تَعْيِينِ هَذَا السَّفَرِ فَفِي مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ وَقَعَ عِنْدَ رُجُوعِهِمْ مِنْ خَيْبَرَ قَرِيبٌ مِنْ هَذِهِ الْقِصَّةِ وَفِي أبي دَاوُد من حَدِيث بن مَسْعُودٍ أَقْبَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ لَيْلًا فَنَزَلَ فَقَالَ مَنْ يَكْلَؤُنَا فَقَالَ بِلَالٌ أَنَا الْحَدِيثَ وَفِي الْمُوَطَّأِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ مُرْسَلًا عَرَّسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً بِطَرِيقِ مَكَّةَ وَوَكَّلَ بِلَالًا وَفِي مُصَنَّفِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ مُرْسَلًا أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بِطَرِيقِ تَبُوكَ وَلِلْبَيْهَقِيِّ فِي الدَّلَائِلِ نَحْوُهُ مِنْ حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ وَرَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ مُطَوَّلًا وَالْبُخَارِيُّ مُخْتَصَرًا فِي الصَّلَاةِ قِصَّةَ نَوْمِهِمْ عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ أَيْضًا فِي السَّفَرِ لَكِنْ لَمْ يُعَيِّنْهُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي غَزْوَة جَيش الْأُمَرَاء وَتعقبه بن عَبْدِ الْبَرِّ بِأَنَّ غَزْوَةَ جَيْشِ الْأُمَرَاءِ هِيَ غَزْوَةُ مُؤْتَةَ وَلَمْ يَشْهَدْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ كَمَا قَالَ لَكِنْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِغَزْوَةِ جَيْشِ الْأُمَرَاءِ غَزْوَةً أُخْرَى غَيْرَ غَزْوَةِمُؤْتَةَ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ كَانَ ذَلِكَ مَرَّةً أَوْ أَكْثَرَ أَعْنِي نَوْمَهُمْ عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ فَجَزَمَ الْأَصِيلِيُّ بِأَنَّ الْقِصَّةَ وَاحِدَةٌ.

.
وَتَعَقَّبَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ بِأَنَّ قِصَّةَ أَبِي قَتَادَةَ مُغَايِرَةٌ لِقِصَّةِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَهُوَ كَمَا قَالَ فَأَنَّ قِصَّةَ أَبِي قَتَادَةَ فِيهَا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ لَمْ يَكُونَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا نَامَ وَقِصَّةُ عِمْرَانَ فِيهَا أَنَّهُمَا كَانَا مَعَهُ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ وَأَيْضًا فقصة عمر أَن فِيهَا أَنَّ أَوَّلَ مَنِ اسْتَيْقَظَ أَبُو بَكْرٍ وَلَمْ يَسْتَيْقِظِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَيْقَظَهُ عُمَرُ بِالتَّكْبِيرِ وَقِصَّةُ أَبِي قَتَادَةَ فِيهَا أَنَّ أَوَّلَ مَنِ اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي الْقِصَّتَيْنِ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ الْمُغَايَرَاتِ وَمَعَ ذَلِكَ فَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مُمْكِنٌ لَا سِيَّمَا مَا وَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَبَاحٍ رَاوِيَ الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ ذَكَرَ أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ سَمِعَهُ وَهُوَ يُحَدِّثُ بِالْحَدِيثِ بِطُولِهِ فَقَالَ لَهُ انْظُرْ كَيْفَ تُحَدِّثُ فَإِنِّي كُنْتُ شَاهِدًا الْقِصَّةَ قَالَ فَمَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَدِيثِ شَيْئًا فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى اتِّحَادِهَا لَكِنْ لِمُدَّعِي التَّعَدُّدِ أَنْ يَقُولَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عِمْرَانُ حَضَرَ الْقِصَّتَيْنِ فَحَدَّثَ بِإِحْدَاهُمَا وَصَدَّقَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَبَاحٍ لَمَّا حَدَّثَ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ بِالْأُخْرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى تَعَدُّدِ الْقِصَّةِ اخْتِلَافُ مَوَاطِنِهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَحَاوَلَ بن عَبْدِ الْبَرِّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ زَمَانَ رُجُوعِهِمْ مِنْ خَيْبَرَ قَرِيبٌ مِنْ زَمَانِ رُجُوعِهِمْ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ وَأَنَّ اسْمَ طَرِيقِ مَكَّةَ يَصْدُقُ عَلَيْهِمَا وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنَ التَّكَلُّفِ وَرِوَايَةُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِتَعْيِينِ غَزْوَةِ تَبُوكَ تَرُدُّ عَلَيْهِ وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ شَبِيهًا بِقِصَّةِ عِمْرَانَ وَفِيهِ أَنَّ الَّذِي كَلَأَ لَهُمُ الْفَجْرَ ذُو مِخْبَرٍ وَهُوَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَأَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ ذِي مِخْبَرٍ أَيْضًا وَأَصْلُهُ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَنَّ بِلَالًا هُوَ الَّذِي كَلَأَ لَهُمُ الْفَجْرَ وَذَكَرَ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَوَّلَهُمُ اسْتِيقَاظًا كَمَا فِي قِصَّةِ أَبِي قَتَادَةَ وَلِابْنِ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيث بن مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَلَأ لَهُمُ الْفَجْرَ وَهَذَا أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى تَعَدُّدِ الْقِصَّةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  أَسْرَيْنَا قَالَ الْجَوْهَرِيُّ تَقُولُ سَرَيْتُ وَأَسْرَيْتُ بِمَعْنَى إِذَا سِرْتُ لَيْلًا.

     وَقَالَ  صَاحِبُ الْمُحْكَمِ السُّرَى سَيْرُ عَامَّةُ اللَّيْلِ وَقِيلَ سَيْرُ اللَّيْلِ كُلِّهِ وَهَذَا الْحَدِيثُ يُخَالِفُ الْقَوْلَ الثَّانِيَ .

     قَوْلُهُ  وَقَعْنَا وَقْعَةً فِي رِوَايَةِ أَبِي قَتَادَةَ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ ذِكْرُ سَبَبِ نُزُولِهِمْ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ وَهُوَ سُؤَالُ بَعْضِ الْقَوْمِ فِي ذَلِكَ وَفِيهِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَخَافُ أَنْ تَنَامُوا عَنِ الصَّلَاةِ فَقَالَ بِلَالٌ أَنَا أُوقِظُهُمْ .

     قَوْلُهُ  فَكَانَ أَوَّلَ مَنِ اسْتَيْقَظَ فُلَانٌ بِنَصْبِ أَوَّلَ لِأَنَّهُ خَبَرُ كَانَ وَقَولُهُ الرَّابِعُ هُوَ فِي رِوَايَتِنَا بِالرَّفْعِ وَيَجُوزُ نَصْبُهُ عَلَى خَبَرِ كَانَ أَيْضًا وَقَدْ بَيَّنَ عَوْفٌ أَنَّهُ نَسِيَ تَسْمِيَةَ الثَّلَاثَةِ مَعَ أَنَّ شَيْخَهُ كَانَ يُسَمِّيهِمْ وَقد شَاركهُ فِي رِوَايَته عَن سَلْمُ بْنُ زَرِيرٍ فَسَمَّى أَوَّلَ مَنِ اسْتَيْقَظَ أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ فِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ مِنْ طَرِيقِهِ وَلَفْظُهُ فَكَانَ أَوَّلَ مَنِ اسْتَيْقَظَ أَبُو بَكْرٍ وَيُشْبِهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يَكُونَ الثَّانِي عِمْرَانَ رَاوِيَ الْقِصَّةِ لِأَنَّ ظَاهِرَ سِيَاقِهِ أَنَّهُ شَاهَدَ ذَلِكَ وَلَا يُمْكِنُهُ مُشَاهَدَتُهُ إِلَّا بَعْدَ اسْتِيقَاظِهِ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الثَّالِثُ مَنْ شَارَكَ عِمْرَانَ فِي رِوَايَةِ هَذِهِ الْقِصَّةِ الْمُعَيَّنَةِ فَفِي الطَّبَرَانِيِّ مِنْ رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ ذُو مِخْبَرٍ فَمَا أَيْقَظَنِي إِلَّا حَرُّ الشَّمْسِ فَجِئْتُ أَدْنَى الْقَوْمِ فَأَيْقَظْتُهُ وَأَيْقَظَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا حَتَّى اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

     قَوْلُهُ  لِأَنَّا لَا نَدْرِي مَا يَحْدُثُ لَهُ بِضَمِّ الدَّالِ بَعْدَهَا مُثَلَّثَةٌ أَيْ مِنَ الْوَحْيِ كَانُوا يَخَافُونَ مِنْ إِيقَاظِهِ قَطْعَ الْوَحْيِ فَلَا يوقظونه لاحْتِمَال ذَلِك قَالَ بن بَطَّالٍ يُؤْخَذُ مِنْهُ التَّمَسُّكُ بِالْأَمْرِ الْأَعَمِّ احْتِيَاطًا .

     قَوْلُهُ  وَكَانَ رَجُلًا جَلِيدًا هُوَ مِنَ الْجَلَادَةِ بِمَعْنَى الصَّلَابَةِ وَزَادَ مُسْلِمٌ هُنَا أَجْوَفُ أَيْ رَفِيعُ الصَّوْتِ يَخْرُجُ صَوْتُهُ مِنْ جَوْفِهِ بِقُوَّةٍ وَفِي اسْتِعْمَالِهِ التَّكْبِيرَ سُلُوكُ طَرِيقِ الْأَدَبِ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْمَصْلَحَتَيْنِ وَخَصَّ التَّكْبِيرَ لِأَنَّهُ أَصْلُ الدُّعَاءِ إِلَى الصَّلَاةِ .

     قَوْلُهُ  الَّذِي أَصَابَهُمْ أَيْ مِنْ نَوْمِهِمْ عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ حَتَّى خَرَجَ وَقْتُهَا قَوْله لَا ضير أَي لاضرر وَقَولُهُ أَوْ لَا يُضِيرُ شَكٌّ مِنْ عَوْفٍ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْبَيْهَقِيُّ فِي رِوَايَتِهِ وَلِأَبِي نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ لَا يَسُوءُوَلَا يُضِيرُ وَفِيهِ تَأْنِيسٌ لِقُلُوبِ الصَّحَابَةِ لِمَا عَرَضَ لَهُمْ مِنَ الْأَسَفِ عَلَى فَوَاتِ الصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا بِأَنَّهُمْ لَا حَرَجَ عَلَيْهِمْ إِذْ لَمْ يَتَعَمَّدُوا ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  ارْتَحِلُوا بِصِيغَةِ الْأَمْرِ اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ تَأْخِيرِ الْفَائِتَةِ عَنْ وَقْتِ ذِكْرِهَا إِذَا لَمْ يَكُنْ عَنْ تَغَافُلٍ أَوْ اسْتِهَانَةٍ وَقَدْ بَيَّنَ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ السَّبَبَ فِي الْأَمْرِ بِالِارْتِحَالِ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ الَّذِي نَامُوا فِيهِ وَلَفْظُهُ فَإِنَّ هَذَا مَنْزِلٌ حَضَرَنَا فِيهِ الشَّيْطَان وَلأبي دَاوُد من حَدِيث بن مَسْعُودٍ تَحَوَّلُوا عَنْ مَكَانِكُمُ الَّذِي أَصَابَتْكُمْ فِيهِ الْغَفْلَة وَفِيه رد على مَا زَعَمَ أَنَّ الْعِلَّةَ فِيهِ كَوْنُ ذَلِكَ كَانَ وَقْتَ الْكَرَاهَةِ بَلْ فِي حَدِيثِ الْبَابِ أَنَّهُمْ لَمْ يَسْتَيْقِظُوا حَتَّى وَجَدُوا حَرَّ الشَّمْسِ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ حَتَّى ضَرَبَتْهُمُ الشَّمْسُ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ أَنْ يَذْهَبَ وَقْتُ الْكَرَاهَةِ وَقَدْ قِيلَ إِنَّمَا أَخَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةَ لِاشْتِغَالِهِمْ بِأَحْوَالِهَا وَقِيلَ تَحَرُّزًا مِنَ الْعَدُوِّ وَقِيلَ انْتِظَارًا لِمَا يَنْزِلُ عَلَيْهِ مِنَ الْوَحْيِ وَقِيلَ لِأَنَّ الْمَحَلَّ مَحَلُّ غَفْلَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَقِيلَ لِيَسْتَيْقِظَ مَنْ كَانَ نَائِمًا وَيَنْشَطَ مَنْ كَانَ كسلانا وروى عَن بن وَهْبٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ تَأْخِيرَ قَضَاءِ الْفَائِتَةِ مَنْسُوخٌ بقوله تَعَالَى أقِم الصَّلَاة لذكرى وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْآيَةَ مَكِّيَّةٌ وَالْحَدِيثَ مَدَنِيٌّ فَكَيْفَ يَنْسَخُ الْمُتَقَدِّمُ الْمُتَأَخِّرَ وَقَدْ تَكَلَّمَ الْعُلَمَاءُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ حَدِيثِ النَّوْمِ هَذَا وَبَيْنَ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن عَيْني تَنَامَانِ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي قَالَ النَّوَوِيُّ لَهُ جَوَابَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْقَلْبَ إِنَّمَا يُدْرِكُ الْحِسِّيَّاتِ الْمُتَعَلِّقَةَ بِهِ كَالْحَدَثِ وَالْأَلَمِ وَنَحْوِهِمَا وَلَا يُدْرِكُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ لِأَنَّهَا نَائِمَةٌ وَالْقَلْبَ يَقْظَانُ وَالثَّانِي أَنَّهُ كَانَ لَهُ حَالَانِ حَالٌ كَانَ قَلْبُهُ فِيهِ لَا يَنَامُ وَهُوَ الْأَغْلَبُ وَحَالٌ يَنَامُ فِيهِ قَلْبُهُ وَهُوَ نَادِرٌ فَصَادَفَ هَذَا أَيْ قِصَّةَ النَّوْمِ عَنِ الصَّلَاةِ قَالَ وَالصَّحِيحُ الْمُعْتَمَدُ هُوَ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي ضَعِيفٌ وَهُوَ كَمَا قَالَ وَلَا يُقَال الْقلب وَإِن كَانَ لايدرك مَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ مِنْ رُؤْيَةِ الْفَجْرِ مَثَلًا لَكِنَّهُ يُدْرِكُ إِذَا كَانَ يَقْظَانًا مُرُورَ الْوَقْتِ الطَّوِيلِ فَإِنَّ مِنِ ابْتِدَاءِ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَى أَنْ حَمِيَتِ الشَّمْسُ مُدَّةً طَوِيلَةً لَا تَخْفَى عَلَى مَنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَغْرِقًا لِأَنَّا نَقُولُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ كَانَ قَلْبُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ ذَاكَ مُسْتَغْرِقًا بِالْوَحْيِ وَلَا يَلْزَمُ مَعَ ذَلِكَ وَصْفُهُ بِالنَّوْمِ كَمَا كَانَ يَسْتَغْرِقُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَالَةَ إِلْقَاءِ الْوَحْيِ فِي الْيَقَظَةِ وَتَكُونُ الْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ بَيَانَ التَّشْرِيعِ بِالْفِعْلِ لِأَنَّهُ أَوْقَعُ فِي النَّفْسِ كَمَا فِي قَضِيَّةِ سَهْوِهِ فِي الصَّلَاةِ وَقَرِيبٌ من هَذَا جَوَاب بن الْمُنِيرِ أَنَّ الْقَلْبَ قَدْ يَحْصُلُ لَهُ السَّهْوُ فِي الْيَقَظَةِ لِمَصْلَحَةِ التَّشْرِيعِ فَفِي النَّوْمِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى أَوْ عَلَى السَّوَاءِ وَقَدْ أُجِيبَ عَلَى أَصْلِ الْإِشْكَالِ بِأَجْوِبَةٍ أُخْرَى ضَعِيفَةٍ مِنْهَا أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ لَا يَنَامُ قَلْبِي أَيْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ حَالَةُ انْتِقَاضِ وُضُوئِهِ وَمِنْهَا أَنَّ مَعْنَاهُ لَا يَسْتَغْرِقُ بِالنَّوْمِ حَتَّى يُوجَدَ مِنْهُ الْحَدَثُ وَهَذَا قَرِيبٌ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ كَأَنَّ قَائِلَ هَذَا أَرَادَ تَخْصِيصَ يَقَظَةِ الْقَلْبِ بِإِدْرَاكِ حَالَةِ الِانْتِقَاضِ وَذَلِكَ بَعِيدٌ وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي خَرَجَ جَوَابًا عَنْ قَوْلِ عَائِشَةَ أَتَنَامُ قَبْلَ أَنْ تُوتِرَ وَهَذَا كَلَامٌ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِانْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ الَّذِي تَكَلَّمُوا فِيهِ وَإِنَّمَا هُوَ جَوَابٌ يَتَعَلَّقُ بِأَمْرِ الْوِتْرِ فَتُحْمَلُ يَقَظَتُهُ عَلَى تَعَلُّقِ الْقَلْبِ بِالْيَقَظَةِ لِلْوِتْرِ وَفَرَّقَ بَيْنَ مَنْ شَرَعَ فِي النَّوْمِ مُطْمَئِنَّ الْقَلْبِ بِهِ وَبَيْنَ مَنْ شَرَعَ فِيهِ مُتَعَلِّقًا بِالْيَقَظَةِ قَالَ فَعَلَى هَذَا فَلَا تَعَارُضَ وَلَا إِشْكَالَ فِي حَدِيثِ النَّوْمِ حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ لِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ اطْمَأَنَّ فِي نَوْمِهِ لِمَا أَوْجَبَهُ تَعَبُ السَّيْرِ مُعْتَمِدًا عَلَى مَنْ وَكَّلَهُ بِكِلَاءَةِ الْفَجْرِ اه وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَمُحَصَّلُهُ تَخْصِيصُ الْيَقَظَةِ الْمَفْهُومَةِ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي بِإِدْرَاكِهِ وَقْتَ الْوِتْرِ إِدْرَاكًا مَعْنَوِيًّا لِتَعَلُّقِهِ بِهِ وَأَنَّ نَوْمَهُ فِي حَدِيثِ الْبَابِ كَانَ نَوْمًا مُسْتَغْرِقًا وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ بِلَالٍ لَهُ أَخَذَ بِنَفْسِي الَّذِي أَخَذَ بِنَفْسِكَ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَلَمْ يُنْكِرُ عَلَيْهِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ نَوْمَ بِلَالٍ كَانَ مُسْتَغْرِقًا وَقَدِ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ مَا قَالَهُ يَقْتَضِي اعْتِبَارَ خُصُوصِ السَّبَبِ وَأَجَابَ بِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ إِذَا قَامَتْ عَلَيْهِ قَرِينَةٌ وَأَرْشَدَ إِلَيْهِ السِّيَاقُ وَهُوَ هُنَا كَذَلِكَ وَمِنَ الْأَجْوِبَةِالضَّعِيفَةِ أَيْضًا قَوْلُ مَنْ قَالَ كَانَ قَلْبُهُ يَقْظَانًا وَعَلِمَ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ لَكِنْ تَرَكَ إِعْلَامَهُمْ بِذَلِكَ عَمْدًا لِمَصْلَحَةِ التَّشْرِيعِ وَقَوْلُ مَنْ قَالَ الْمُرَادُ بِنَفْيِ النَّوْمِ عَنْ قَلْبِهِ أَنَّهُ لَا يَطْرَأُ عَلَيْهِ أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ كَمَا يَطْرَأُ عَلَى غَيْرِهِ بَلْ كُلُّ مَا يَرَاهُ فِي نَوْمِهِ حَقٌّ وَوَحْيٌ فَهَذِهِ عِدَّةُ أَجْوِبَةٍ أَقْرَبُهَا إِلَى الصَّوَابِ الْأَوَّلُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قَرَّرْنَاهُ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ فَائِدَةٌ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ أَخَذَ بِهَذَا بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فَقَالَ مَنِ انْتَبَهَ مِنْ نَوْمٍ عَنْ صَلَاةِ فَاتَتْهُ فِي سَفَرٍ فَلْيَتَحَوَّلْ عَنْ مَوْضِعِهِ وَإِنْ كَانَ وَادِيًا فَيَخْرُجُ عَنْهُ وَقِيلَ إِنَّمَا يَلْزَمُ فِي ذَلِكَ الْوَادِي بِعَيْنِهِ وَقِيلَ هُوَ خَاصٌّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ مِنْ حَالِ ذَلِكَ الْوَادِي وَلَا غَيْرِهِ ذَلِكَ إِلَّا هُوَ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ حَصَلَتْ لَهُ غَفْلَةٌ فِي مَكَانٍ عَنْ عِبَادَةٍ اسْتُحِبَّ لَهُ التَّحَوُّلُ مِنْهُ وَمِنْهُ أَمْرُ النَّاعِسِ فِي سَمَاعِ الْخُطْبَةِ يَوْمَ الْجُمْعَةِ بِالتَّحَوُّلِ مِنْ مَكَانِهِ إِلَى مَكَانٍ آخَرَ .

     قَوْلُهُ  فَسَارَ غَيْرَ بَعِيدٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِارْتِحَالَ الْمَذْكُورَ وَقَعَ عَلَى خِلَافِ سَيْرِهِمُ الْمُعْتَادِ .

     قَوْلُهُ  وَنُودِيَ بِالصَّلَاةِ اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى الْأَذَانِ لِلْفَوَائِتِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ النِّدَاءَ أَعَمُّ مِنَ الْأَذَانِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ هُنَا الْإِقَامَةُ وَأُجِيبَ بِأَنَّ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ التَّصْرِيحُ بِالتَّأْذِينِ وَكَذَا هُوَ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي أَوَاخِرِ الْمَوَاقِيتِ وَتَرْجَمَ لَهُ خَاصَّةً بِذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي .

     قَوْلُهُ  فَصَلَّى بِالنَّاسِ فِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ الْجَمَاعَةِ فِي الْفَوَائِتِ .

     قَوْلُهُ  إِذَا هُوَ بِرَجُلٍ لَمْ أَقِفْ عَلَى تَسْمِيَتِهِ وَوَقَعَ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ لِلشَّيْخِ سِرَاجِ الدِّينِ بْنِ الْمُلَقِّنِ مَا نَصُّهُ هَذَا الرَّجُلُ هُوَ خَلَّادُ بْنُ رَافِعِ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيُّ أَخُو رِفَاعَةَ شَهِدَ بَدْرًا قَالَ بن الْكَلْبِيِّ وَقُتِلَ يَوْمَئِذٍ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ لَهُ رِوَايَةٌ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عَاشَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

.

قُلْتُ أَمَّا عَلَى قَول بن الْكَلْبِيِّ فَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ صَاحِبَ هَذِهِ الْقِصَّةِ لِتَقَدُّمِ وَقْعَةَ بَدْرٍ عَلَى هَذِهِ الْقِصَّةِ بِمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ بِلَا خِلَافٍ فَكَيْفَ يَحْضُرُ هَذِهِ الْقِصَّةَ بَعْدَ قَتْلِهِ.

.
وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ غَيْرِ بن الْكَلْبِيِّ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ لَهُ رِوَايَةٌ أَنْ يَكُونَ عَاشَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ الرِّوَايَةُ عَنْهُ مُنْقَطِعَةً أَوْ مُتَّصِلَةً لَكِنْ نَقَلَهَا عَنْهُ صَحَابِيٌّ آخَرُ وَنَحْوُهُ وَعَلَى هَذَا فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَنْ قَالَ إِنَّهُ قُتِلَ بِبَدْرٍ إِلَّا أَنْ تَجِيءَ رِوَايَةٌ عَنْ تَابِعِيٍّ غَيْرِ مُخَضْرَمٍ وَصَرَّحَ فِيهَا بِسَمَاعِهِ مِنْهُ فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ عَاشَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكِنْ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ هُوَ صَاحِبَ هَذِهِ الْقِصَّةِ إِلَّا إِنْ وَرَدَتْ رِوَايَةٌ مَخْصُوصَةٌ بِذَلِكَ وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهَا إِلَى الْآنَ .

     قَوْلُهُ  أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ وَلَا مَاءٌ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ أَيْ مَعِي أَوْ مَوْجُودٌ وَهُوَ أَبْلَغُ فِي إِقَامَةِ عُذْرِهِ وَفِي هَذِهِ الْقِصَّةِ مَشْرُوعِيَّةُ تَيَمُّمِ الْجُنُبِ وَسَيَأْتِي الْقَوْلُ فِيهِ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ وَفِيهَا جَوَازُ الِاجْتِهَادِ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ سِيَاقَ الْقِصَّةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّيَمُّمَ كَانَ مَعْلُومًا عِنْدَهُمْ لَكِنَّهُ صَرِيحٌ فِي الْآيَةِ عَنِ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُلَامَسَةِ مَا دُونَ الْجِمَاعِ.

.
وَأَمَّا الْحَدَثُ الْأَكْبَرُ فَلَيْسَتْ صَرِيحَةً فِيهِ فَكَأَنَّهُ كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّ الْجُنُبَ لَا يَتَيَمَّمُ فَعَمِلَ بِذَلِكَ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى أَنْ يَسْأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذَا الْحُكْمِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ لَا يَعْلَمُ مَشْرُوعِيَّةَ التَّيَمُّمِ أَصْلًا فَكَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذِهِ الْقِصَّةِ أَنَّ لِلْعَالِمِ إِذَا رَأَى فِعْلًا مُحْتَمَلًا أَنْ يَسْأَلَ فَاعِلَهُ عَنِ الْحَالِ فِيهِ لِيُوَضِّحَ لَهُ وَجْهَ الصَّوَابِ وَفِيهِ التَّحْرِيضُ عَلَى الصَّلَاةِ فِي الْجَمَاعَةِ وَأَنَّ تَرْكَ الشَّخْصِ الصَّلَاةَ بِحَضْرَةِ الْمُصَلِّينَ مَعِيبٌ عَلَى فَاعِلِهِ بِغَيْرِ عُذْرٍ وَفِيهِ حُسْنُ الْمُلَاطَفَةِ وَالرِّفْقُ فِي الْإِنْكَارِ .

     قَوْلُهُ  عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ وَفِي رِوَايَةِ سَلْمِ بْنِ زَرِيرٍ فَأَمَرَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ بِالصَّعِيدِ وَاللَّامُ فِيهِ لِلْعَهْدِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ الِاكْتِفَاءُ فِي الْبَيَانِ بِمَا يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ مِنَ الْإِفْهَامِ لِأَنَّهُ أَحَالَهُ عَلَى الْكَيْفِيَّةِ الْمَعْلُومَةِ مِنَ الْآيَةِ وَلَمْ يُصَرِّحْ لَهُ بِهَا وَدَلَّ .

     قَوْلُهُ  يَكْفِيكَ عَلَى أَنَّ الْمُتَيَمِّمَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالة لايلزمه الْقَضَاءُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ يَكْفِيكَ أَيْ لِلْأَدَاءِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى تَرْكِ الْقَضَاءِ .

     قَوْلُهُ  فَدَعَا فُلَانًا هُوَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  فِي رِوَايَةِ سَلْمِ بنزَرِيرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ ثُمَّ عَجَّلَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَكْبٍ بَيْنَ يَدَيْهِ نَطْلُبُ الْمَاءَ وَدَلَّتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ هُوَ وَعَلِيٌّ فَقَطْ لِأَنَّهُمَا خُوطِبَا بِلَفْظِ التَّثْنِيَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ مَعَهُمَا غَيْرُهُمَا عَلَى سَبِيلِ التَّبَعِيَّةِ لَهُمَا فَيُتَّجَهُ إِطْلَاقُ لَفْظِ رَكْبٍ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَخُصَّا بِالْخِطَابِ لِأَنَّهُمَا الْمَقْصُودَانِ بِالْإِرْسَالِ .

     قَوْلُهُ  فَابْتَغِيَا لِلْأَصِيلِيِّ فَابْغِيَا وَلِأَحْمَدَ فَأَبْغِيَانَا وَالْمُرَادُ الطَّلَبُ يُقَالُ ابْتَغِ الشَّيْءَ أَيْ تَطَلَّبْهُ وَابْغِ الشَّيْءَ أَيِ اطْلُبْهُ وَأَبْغِنِي أَيِ اطْلُبْ لِي وَفِيهِ الْجَرْيُ عَلَى الْعَادَةِ فِي طَلَبِ الْمَاءِ وَغَيْرِهِ دُونَ الْوُقُوفِ عِنْدَ خَرْقِهَا وَأَنَّ التَّسَبُّبَ فِي ذَلِكَ غَيْرُ قَادِحٍ فِي التَّوَكُّلِ .

     قَوْلُهُ  بَيْنَ مَزَادَتَيْنِ الْمَزَادَةُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالزَّايِ قِرْبَةٌ كَبِيرَةٌ يُزَادُ فِيهَا جِلْدٌ مِنْ غَيْرِهَا وَتسَمى أَيْضا السطيحة وأو هُنَا شَكٌّ مِنْ عَوْفٍ لِخُلُوِّ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ عَنْهَا وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَإِذَا نَحْنُ بِامْرَأَةٍ سَادِلَةٍ أَيْ مُدَلِّيَةٍ رِجْلَيْهَا بَيْنَ مَزَادَتَيْنِ وَالْمُرَادُ بِهِمَا الرَّاوِيَةُ .

     قَوْلُهُ  أَمْسِ خبر لمبتدأ وَهُوَ مبْنى على الْكسر وَهَذِه السَّاعَة بِالنّصب على الظَّرْفِيَّة.

     وَقَالَ  بن مَالِكٍ أَصْلُهُ فِي مِثْلِ هَذِهِ السَّاعَةِ فَحُذِفَ الْمُضَافُ وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إِلَيْهِ مَقَامَهُ أَيْ بَعْدَ حذف فِي قَوْله ونفرنا قَالَ بن سِيدَهْ النَّفَرُ مَا دُونَ الْعَشَرَةِ وَقِيلَ النَّفَرُ النَّاسُ عَنْ كَرَاعٍ.

.

قُلْتُ وَهُوَ اللَّائِقُ هُنَا لِأَنَّهَا أَرَادَتْ أَنَّ رِجَالَهَا تَخَلَّفُوا لِطَلَبِ الْمَاءِ وخلوف بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَاللَّامِ جَمْعُ خَالِفٍ قَالَ بن فَارِسٍ الْخَالِفُ الْمُسْتَقِي وَيُقَالُ أَيْضًا لِمَنْ غَابَ وَلَعَلَّهُ الْمُرَادُ هُنَا أَيْ أَنَّ رِجَالَهَا غَابُوا عَنِ الْحَيِّ وَيَكُونُ قَوْلُهَا وَنَفَرْنَا خُلُوفٌ جُمْلَةً مُسْتَقِلَّةً زَائِدَةً عَلَى جَوَابِ السُّؤَالِ وَفِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي وَالْحَمَوِيِّ وَنَفَرْنَا خُلُوفًا بِالنَّصْبِ عَلَى الْحَالِ السَّادة مسد الْخَبَر قَوْله الصابىء بِلَا هَمْزٍ أَيِ الْمَائِلُ وَيُرْوَى بِالْهَمْزِ مِنْ صَبَأَ صُبُوءًا أَيْ خَرَجَ مِنْ دِينٍ إِلَى دِينٍ وَسَيَأْتِي تَفْسِيرُهُ لِلْمُصَنِّفِ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ .

     قَوْلُهُ  هُوَ الَّذِي تَعْنِينَ فِيهِ أَدَبٌ حَسَنٌ وَلَوْ قَالَا لَهَا لَا لَفَاتَ الْمَقْصُودُ أَوْ نَعَمْ لَمْ يَحْسُنْ بِهِمَا إِذْ فِيهِ تَقْرِيرٌ ذَلِكَ فَتَخَلَّصَا أَحْسَنَ تَخَلُّصٍ وَفِيهِ جَوَازُ الْخَلْوَةِ بالاجنبيه فِي مثل هَذِه الْحَالة عِنْدَ أَمْنِ الْفِتْنَةِ .

     قَوْلُهُ  فَاسْتَنْزَلُوهَا عَنْ بَعِيرِهَا قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ الْمُتَقَدِّمِينَ إِنَّمَا أَخَذُوهَا وَاسْتَجَازُوا أَخْذَ مَائِهَا لِأَنَّهَا كَانَتْ كَافِرَةً حَرْبِيَّةً وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ لَهَا عَهْدٌ فَضَرُورَةُ الْعَطَشِ تُبِيحُ لِلْمُسْلِمِ الْمَاءَ الْمَمْلُوكَ لِغَيْرِهِ عَلَى عِوَضٍ وَإِلَّا فَنَفْسُ الشَّارِعِ تُفْدَى بِكُلِّ شَيْءٍ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ .

     قَوْلُهُ  فَفَرَّغَ وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ فَأَفْرَغَ فِيهِ مِنْ أَفْوَاهِ الْمَزَادَتَيْنِ زَادَ الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَتَمَضْمَضَ فِي الْمَاءِ وَأَعَادَهُ فِي أَفْوَاهِ الْمَزَادَتَيْنِ وَبِهَذِهِ الزِّيَادَةِ تَتَّضِحُ الْحِكْمَةُ فِي رَبْطِ الْأَفْوَاهِ بَعْدَ فَتْحِهَا وَإِطْلَاقِ الْأَفْوَاهِ هُنَا كَقَوْلِه تَعَالَى فقد صغت قُلُوبكُمَا إِذْ لَيْسَ لِكُلِّ مَزَادَةٍ سِوَى فَمٍ وَاحِدٍ وَعُرِفَ مِنْهَا أَنَّ الْبَرَكَةَ إِنَّمَا حَصَلَتْ بِمُشَارَكَةِ رِيقِهِ الطَّاهِرِ الْمُبَارَكِ لِلْمَاءِ .

     قَوْلُهُ  وَأَوْكَأَ أَيْ رَبَطَ وَقَولُهُ وَأَطْلَقَ أَيْ فَتَحَ وَالْعَزَالِي بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالزَّايِ وَكَسْرِ اللَّامِ وَيَجُوزُ فَتْحُهَا جَمْعُ عَزْلَاءَ بِإِسْكَانِ الزَّايِ قَالَ الْخَلِيلُ هِيَ مَصَبُّ المَاء من الراوية وَلكُل مزادة عزلا وان مِنْ أَسْفَلِهَا .

     قَوْلُهُ  أَسْقُوا بِهَمْزَةِ قَطْعٍ مَفْتُوحَةٍ مِنْ أَسْقَى أَوْ بِهَمْزَةِ وَصْلٍ مَكْسُورَةٍ مِنْ سَقَى وَالْمُرَادُ أَنَّهُمْ سَقَوْا غَيْرَهَمْ كَالدَّوَابِّ وَنَحْوِهَا واستقواهم .

     قَوْلُهُ  وَكَانَ آخِرَ ذَلِكَ أَنْ أَعْطَى بِنَصْبِ آخِرَ عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ وَأَنْ أَعْطَى اسْمُ كَانَ وَيَجُوزُ رَفْعُهُ عَلَى أَنْ أَعْطَى الْخَبَرُ لِأَنَّ كِلَيْهِمَا مَعْرِفَةٌ قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ وَالْأَوَّلُ أَقْوَى وَمِثْلُهُ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى فَمَا كَانَ جَوَاب قومه الْآيَةَ وَاسْتُدِلَّ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ عَلَى تَقْدِيمِ مَصْلَحَةِ شُرْبِ الْآدَمِيِّ وَالْحَيَوَانِ عَلَى غَيْرِهِ كَمَصْلَحَةِ الطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ لِتَأْخِيرِ الْمُحْتَاجِ إِلَيْهَا عَمَّنْ سَقَى وَاسْتَقَى وَلَا يُقَالُ قَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ سَلْمِ بْنِ زَرِيرٍ غَيْرِ أَنَّا لَمْ نَسْقِ بَعِيرًا لِأَنَّا نَقُولُ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الْإِبِلَ لم تكنمُحْتَاجَةً إِذْ ذَاكَ إِلَى السَّقْيِ فَيُحْمَلُ .

     قَوْلُهُ  فَسَقَى عَلَى غَيْرِهَا .

     قَوْلُهُ  وَايْمُ اللَّهِ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا وَالْمِيمُ مَضْمُومَةٌ أَصْلُهُ ايْمُنُ اللَّهِ وَهُوَ اسْمٌ وُضِعَ لِلْقَسَمِ هَكَذَا ثُمَّ حُذِفَتْ مِنْهُ النُّونُ تَخْفِيفًا وَأَلِفُهُ أَلِفُ وَصْلٍ مَفْتُوحَةٌ وَلم يَجِيء كَذَلِكَ غَيْرُهَا وَهُوَ مَرْفُوعٌ بِالِابْتِدَاءِ وَخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ وَالتَّقْدِيرُ ايْمُ اللَّهِ قَسَمِي وَفِيهَا لُغَاتٌ جَمَعَ مِنْهَا النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِهِ سَبْعَ عَشْرَةَ وَبَلَغَ بِهَا غَيْرُهُ عِشْرِينَ وَسَيَكُونُ لَنَا إِلَيْهَا عَوْدَةٌ لِبَيَانِهَا فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ جَوَازُ التَّوْكِيدِ بِالْيَمِينِ وَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ .

     قَوْلُهُ  أَشَدُّ مِلْأَةً بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ اللَّامِ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ وَفِي رِوَايَةِ لِلْبَيْهَقِيِّ أَمْلَأُ مِنْهَا وَالْمُرَادُ أَنَّهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّ مَا بَقِيَ فِيهَا مِنَ الْمَاءِ أَكْثَرُ مِمَّا كَانَ أَوَّلًا .

     قَوْلُهُ  اجْمَعُوا لَهَا فِيهِ جَوَازُ الْأَخْذِ لِلْمُحْتَاجِ بِرِضَا الْمَطْلُوبِ مِنْهُ أَوْ بِغَيْرِ رِضَاهُ إِنْ تَعَيَّنَ وَفِيهِ جَوَازُ الْمُعَاطَاةِ فِي مِثْلِ هَذَا مِنَ الْهِبَاتِ وَالْإِبَاحَاتِ مِنْ غَيْرِ لَفْظٍ مِنَ الْمُعْطِي وَالْآخِذِ .

     قَوْلُهُ  مِنْ بَيْنِ عَجْوَةٍ وَسَوِيقَةٍ الْعَجْوَةٌ مَعْرُوفَةٌ وَالسَّوِيقَةَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَذَا الدَّقِيقَةُ وَفِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ بِضَمِّهَا مُصَغَّرًا مُثَقَّلًا .

     قَوْلُهُ  حَتَّى جَمَعُوا لَهَا طَعَامًا زَادَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَتِهِ كَثِيرًا وَفِيهِ إِطْلَاقُ لَفْظِ الطَّعَامِ عَلَى غَيْرِ الْحِنْطَةِ وَالذُّرَةِ خِلَافًا لِمَنْ أَبَى ذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ .

     قَوْلُهُ  حَتَّى جَمَعُوا لَهَا طَعَامًا أَيْ غَيْرَ مَا ذُكِرَ مِنَ الْعَجْوَةِ وَغَيْرِهَا .

     قَوْلُهُ  قَالَ لَهَا تَعَلَّمِينَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَثَانِيهِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيْ اعْلَمِي وَلِلْأَصِيلِيِّ قَالُوا وَلِلْإِسْمَاعِيلِيِّ قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتُحْمَلُ رِوَايَةُ الْأَصِيلِيِّ عَلَى أَنَّهُمْ قَالُوا لَهَا ذَلِكَ بِأَمْرِهِ وَقَدِ اشْتَمَلَ ذَلِكَ عَلَى عَلَمٍ عَظِيمٍ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ .

     قَوْلُهُ  مَا رَزِئْنَا بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِ الزَّايِ وَيَجُوزُ فَتْحُهَا وَبَعْدَهَا هَمْزَةٌ سَاكِنَةٌ أَيْ نَقَصْنَا وَظَاهِرُهُ أَنَّ جَمِيعَ مَا أَخَذُوهُ مِنَ الْمَاءِ مِمَّا زَادَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَوْجَدَهُ وَأَنَّهُ لَمْ يَخْتَلِطْ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ مَائِهَا فِي الْحَقِيقَةِ وَإِنْ كَانَ فِي الظَّاهِرِ مُخْتَلِطًا وَهَذَا أَبْدَعُ وَأَغْرَبُ فِي الْمُعْجِزَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ وَلَكِنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي أَسْقَانَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مَا نَقَصْنَا مِنْ مِقْدَارِ مَائِكِ شَيْئًا وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا عَلَى جَوَازِ اسْتِعْمَالِ أَوَانِي الْمُشْرِكِينَ مَا لَمْ يَتَيَقَّنْ فِيهَا النَّجَاسَةَ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الَّذِي أَعْطَاهَا لَيْسَ عَلَى سَبِيلِ الْعِوَضِ عَنْ مَائِهَا بَلْ عَلَى سَبِيلِ التَّكَرُّمِ وَالتَّفَضُّلِ .

     قَوْلُهُ  .

     .

     وَقَالَتْ  
بِإِصْبَعَيْهَا أَيْ أَشَارَتْ وَهُوَ مِنْ إِطْلَاقِ الْقَوْلِ عَلَى الْفِعْلِ .

     قَوْلُهُ  يُغِيرُونَ الضَّم مِنْ أَغَارَ أَيْ دَفَعَ الْخَيْلَ فِي الْحَرْبِ .

     قَوْلُهُ  الصِّرْمَ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ أَبْيَاتًا مُجْتَمِعَةً مِنَ النَّاسِ .

     قَوْلُهُ  فَقَالَتْ يَوْمًا لِقَوْمِهَا مَا أَرَى هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ يَدْعُونَكُمْ عَمْدًا هَذِهِ رِوَايَةُ الْأَكْثَر قَالَ بن مَالِكٍ مَا مَوْصُولَةٌ وَأَرَى بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ بِمَعْنَى أَعْلَمُ وَالْمَعْنَى الَّذِي أَعْتَقِدُهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ يَتْرُكُونَكُمْ عَمْدًا لَا غَفْلَةً وَلَا نِسْيَانًا بَلْ مُرَاعَاةً لِمَا سَبَقَ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ وَهَذِهِ الْغَايَةُ فِي مُرَاعَاةِ الصُّحْبَةِ الْيَسِيرَةِ وَكَانَ هَذَا الْقَوْلُ سَبَبًا لِرَغْبَتِهِمْ فِي الْإِسْلَامِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ مَا أرى إِن هَؤُلَاءِ الْقَوْم.

     وَقَالَ  بن مَالِكٍ أَيْضًا وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ مَا أَدْرِي يَعْنِي رِوَايَةَ الْأَصِيلِيِّ قَالَ وَمَا مَوْصُولَةٌ وَأَنَّ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ مَا نَافِيَةٌ وَأَنَّ بِمَعْنَى لَعَلَّ وَقِيلَ مَا نَافِيَةٌ وَإِنَّ بِالْكَسْرِ وَمَعْنَاهُ لَا أَعْلَمُ حَالَكُمْ فِي تَخَلُّفِكُمْ عَنِ الْإِسْلَامِ مَعَ أَنَّهُمْ يَدْعُونَكُمْ عَمْدًا وَمُحَصَّلُ الْقِصَّةِ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ صَارُوا يُرَاعُونَ قَوْمَهَا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِئْلَافِ لَهُمْ حَتَّى كَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِإِسْلَامِهِمْ وَبِهَذَا يَحْصُلُ الْجَوَابُ عَنِ الْإِشْكَالِ الَّذِي ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ وَهُوَ أَنَّ الِاسْتِيلَاءَ عَلَى الْكُفَّارِ بِمُجَرَّدِهِ يُوجِبُ رِقَّ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَدْ دَخَلَتِ الْمَرْأَةُ فِي الرِّقِّ بِاسْتِيلَائِهِمْ عَلَيْهَا فَكَيْفَ وَقَعَ إِطْلَاقُهَا وَتَزْوِيدُهَا كَمَا تَقَدَّمَ لِأَنَّا نَقُولُ أُطْلِقَتْ لِمَصْلَحَةِ الِاسْتِئْلَافِ الَّذِي جَرَّ دُخُولَ قَوْمِهَا أَجْمَعِينَ فِي الْإِسْلَامِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا كَانَ لَهَا أَمَانٌ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ لَهُمْ عَهْدٌ وَاسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُهُمْ عَلَى جَوَازِ أَخْذِ أَمْوَالِ النَّاسِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ بِثَمَنٍ إِنْ كَانَ لَهُ ثَمَنٌ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ بَنَاهُ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ كَانَ مَمْلُوكًا لِلْمَرْأَةِ وَأَنَّهَا كَانَتْ مَعْصُومَةَ النَّفْسِ وَالْمَالِ وَيَحْتَاجُإِلَى ثُبُوتِ ذَلِكَ وَإِنَّمَا قَدَّمْنَاهُ احْتِمَالًا.

.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  بِثَمَنٍ فَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ إِعْطَائِهَا مَا ذَكَرَ وَلَيْسَ بِمُسْتَقِيمٍ لِأَنَّ الْعَطِيَّةَ الْمَذْكُورَةَ مُتَقَوَّمَةٌ وَالْمَاءَ مِثْلِيٌّ وَضَمَانُ الْمِثْلِيِّ إِنَّمَا يَكُونُ بِالْمِثْلِ وَيَنْعَكِسُ مَا قَالَهُ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى وَهُوَ أَنَّ الْمَأْخُوذَ مِنْ فَضْلِ الْمَاءِ لِلضَّرُورَةِ لَا يَجِبُ الْعِوَضُ عَنْهُ.

     وَقَالَ  بَعْضُهُمْ فِيهِ جَوَازُ طَعَامِ الْمُخَارَجَةِ لِأَنَّهُمْ تَخَارَجُوا فِي عِوَضِ الْمَاءِ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَفِيهِ أَنَّ الْخَوَارِقَ لَا تُغَيِّرُ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ .

     قَوْلُهُ  قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ صَبَأَ إِلَخْ هَذَا فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي وَحْدَهُ وَوَقَعَ فِي نُسْخَةِ الصَّغَانِيِّ صَبَأَ فُلَانٌ انْخَلَعَ وَأَصْبَأَ أَيْ كَذَلِكَ وَكَذَا .

     قَوْلُهُ .

     وَقَالَ  أَبُو الْعَالِيَةَ إِلَخْ وَقَدْ وَصَلَهُ بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ عَنْهُ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ هُمْ مَنْسُوبُونَ إِلَى صَابِئِ بْنِ مُتَوَشْلِخَ عَمِّ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَرَوَى بن مرْدَوَيْه بِإِسْنَاد حسن عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ الصَّابِئُونَ لَيْسَ لَهُمْ كِتَابٌ انْتَهَى وَوَقَعَ فِي نُسْخَةِ الصَّغَانِيِّ أُصِبْ أَمَلْ وَهَذَا سَيَأْتِي فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ يُوسُفَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنَّمَا أَوْرَدَ الْبُخَارِيُّ هَذَا هُنَا لِيُبَيِّنَ الْفَرْقَ بَيْنَ الصَّابِئِ الْمُرَادِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَالصَّابِئِ الْمَنْسُوبِ لِلطَّائِفَةِ الْمَذْكُورَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ( قَولُهُ بَابُ إِذَا خَافَ الْجُنُبُ عَلَى نَفْسِهِ الْمَرَضَ إِلَخْ) مُرَادُهُ إِلْحَاقُ خَوْفِ الْمَرَضِ وَفِيهِ اخْتِلَافٌ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ بِخَوْفِ الْعَطَشِ وَلَا اخْتِلَافَ فِيهِ .

     قَوْلُهُ  وَيُذْكَرُ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ هَذَا التَّعْلِيقُ وَصَلَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ احْتَلَمْتُ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ فَأَشْفَقْتُ أَنْ أَغْتَسِلَ فَأَهْلِكَ فَتَيَمَّمْتُ ثُمَّ صَلَّيْتُ بِأَصْحَابِي الصُّبْحَ فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا عَمْرُو صَلَّيْتَ بِأَصْحَابِكَ وَأَنْتَ جُنُبٌ فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي مَنَعَنِي مِنَ الِاغْتِسَالِ وَقُلْتُ إِنِّي سَمِعْتُ اللَّهَ يَقُولُ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بكم رحِيما فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا وَرَوَيَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حبيب لَكِن زَاد بَين عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جُبَيْرٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو رَجُلًا وَهُوَ أَبُو قَيْسٍ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ.

     وَقَالَ  فِي الْقِصَّةِ فَغَسَلَ مَغَابِنَهُ وَتَوَضَّأَ وَلَمْ يَقُلْ تَيَمَّمَ.

     وَقَالَ  فِيهِ لَوِ اغْتَسَلْتُ مِتُّ وَذَكَرَ أَبُو دَاوُدَ أَنَّ الْأَوْزَاعِيَّ رَوَى عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةِ هَذِهِ الْقِصَّةَ فَقَالَ فِيهَا فَتَيَمَّمَ انْتَهَى وَرَوَاهَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَلَمْ يَذْكُرِ التَّيَمُّمَ وَالسِّيَاقُ الْأَوَّلُ أَلْيَقُ بِمُرَادِ الْمُصَنِّفِ وَإِسْنَادُهُ قَوِيٌّ لَكِنَّهُ عَلَّقَهُ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ لِكَوْنِهِ اخْتَصَرَهُ وَقَدْ أَوْهَمَ ظَاهِرُ سِيَاقِهِ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ تَلَا الْآيَةَ لِأَصْحَابِهِ وَهُوَ جُنُبٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا تَلَاهَا بَعْدَ أَنْ رَجَعَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَمَّرَهُ عَلَى غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْمَغَازِي وَوَجْهُ اسْتِدْلَالِهِ بِالْآيَةِ ظَاهِرٌ مِنْ سِيَاقِ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ.

     وَقَالَ  الْبَيْهَقِيُّ يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ بِأَنَّهُ تَوَضَّأَ ثُمَّ تَيَمَّمَ عَنِ الْبَاقِي.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ وَهُوَ مُتَعَيِّنٌ .

     قَوْلُهُ  فَلَمْ يُعَنِّفْ حَذَفَ الْمَفْعُولَ لِلْعِلْمِ بِهِ أَيْ لَمْ يَلُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمْرًا فَكَانَ ذَلِكَ تَقْرِيرًا دَالًّا عَلَى الْجَوَازِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ فَلَمْ يُعَنِّفْهُ بِزِيَادَةِ هَاءِ الضَّمِيرِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ التَّيَمُّمِ لِمَنْ يَتَوَقَّعُ مِنِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ الْهَلَاكَ سَوَاءٌ كَانَ لِأَجْلِ بَرْدٍ أَوْ غَيْرِهِ وَجَوَازُ صَلَاةِ الْمُتَيَمِّمِ بِالْمُتَوَضِّئِينَ وَجَوَازُ الِاجْتِهَادِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [344] حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَوْفٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ عَنْ عِمْرَانَ قَالَ كُنَّا فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَإِنَّا أَسْرَيْنَا، حَتَّى كُنَّا فِي آخِرِ اللَّيْلِ، وَقَعْنَا وَقْعَةً وَلاَ وَقْعَةَ أَحْلَى عِنْدَ الْمُسَافِرِ مِنْهَا، فَمَا أَيْقَظَنَا إِلاَّ حَرُّ الشَّمْسِ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنِ اسْتَيْقَظَ فُلاَنٌ ثُمَّ فُلاَنٌ ثُمَّ فُلاَنٌ - يُسَمِّيهِمْ أَبُو رَجَاءٍ فَنَسِيَ عَوْفٌ - ثُمَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الرَّابِعُ، وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا نَامَ لَمْ يُوقَظْ حَتَّى يَكُونَ هُوَ يَسْتَيْقِظُ، لأَنَّا لاَ نَدْرِي مَا يَحْدُثُ لَهُ فِي نَوْمِهِ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ عُمَرُ، وَرَأَى مَا أَصَابَ النَّاسَ، وَكَانَ رَجُلاً جَلِيدًا، فَكَبَّرَ وَرَفَعَ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ، فَمَا زَالَ يُكَبِّرُ وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ حَتَّى اسْتَيْقَظَ لِصَوْتِهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ شَكَوْا إِلَيْهِ الَّذِي أَصَابَهُمْ قَالَ «لاَ ضَيْرَ - أَوْ لاَ يَضِيرُ - ارْتَحِلُوا».
فَارْتَحَلَ فَسَارَ غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمَّ نَزَلَ، فَدَعَا بِالْوَضُوءِ، فَتَوَضَّأَ وَنُودِيَ بِالصَّلاَةِ فَصَلَّى بِالنَّاسِ، فَلَمَّا انْفَتَلَ مِنْ صَلاَتِهِ إِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مُعْتَزِلٍ لَمْ يُصَلِّ مَعَ الْقَوْمِ قَالَ «مَا مَنَعَكَ يَا فُلاَنُ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَ الْقَوْمِ».
قَالَ أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ وَلاَ مَاءَ.
قَالَ «عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ، فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ».
ثُمَّ سَارَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاشْتَكَى إِلَيْهِ النَّاسُ مِنَ الْعَطَشِ فَنَزَلَ، فَدَعَا فُلاَنًا - كَانَ يُسَمِّيهِ أَبُو رَجَاءٍ نَسِيَهُ عَوْفٌ - وَدَعَا عَلِيًّا فَقَالَ «اذْهَبَا فَابْتَغِيَا الْمَاءَ».
فَانْطَلَقَا فَتَلَقَّيَا امْرَأَةً بَيْنَ مَزَادَتَيْنِ - أَوْ سَطِيحَتَيْنِ - مِنْ مَاءٍ عَلَى بَعِيرٍ لَهَا، فَقَالاَ لَهَا أَيْنَ الْمَاءُ قَالَتْ عَهْدِي بِالْمَاءِ أَمْسِ هَذِهِ السَّاعَةَ، وَنَفَرُنَا خُلُوفًا.
قَالاَ لَهَا انْطَلِقِي إِذًا.
قَالَتْ إِلَى أَيْنَ قَالاَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
قَالَتِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الصَّابِئُ قَالاَ هُوَ الَّذِي تَعْنِينَ فَانْطَلِقِي.
فَجَاءَا بِهَا إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَحَدَّثَاهُ الْحَدِيثَ قَالَ فَاسْتَنْزَلُوهَا عَنْ بَعِيرِهَا وَدَعَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِإِنَاءٍ، فَفَرَّغَ فِيهِ مِنْ أَفْوَاهِ الْمَزَادَتَيْنِ - أَوِ السَّطِيحَتَيْنِ - وَأَوْكَأَ أَفْوَاهَهُمَا، وَأَطْلَقَ الْعَزَالِيَ، وَنُودِيَ فِي النَّاسِ اسْقُوا وَاسْتَقُوا.
فَسَقَى مَنْ شَاءَ، وَاسْتَقَى مَنْ شَاءَ، وَكَانَ آخِرَ ذَاكَ أَنْ أَعْطَى الَّذِي أَصَابَتْهُ الْجَنَابَةُ إِنَاءً مِنْ مَاءٍ قَالَ «اذْهَبْ، فَأَفْرِغْهُ عَلَيْكَ».
وَهْيَ قَائِمَةٌ تَنْظُرُ إِلَى مَا يُفْعَلُ بِمَائِهَا، وَايْمُ اللَّهِ لَقَدْ أُقْلِعَ عَنْهَا، وَإِنَّهُ لَيُخَيَّلُ إِلَيْنَا أَنَّهَا أَشَدُّ مِلأَةً مِنْهَا حِينَ ابْتَدَأَ فِيهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «اجْمَعُوا لَهَا».
فَجَمَعُوا لَهَا مِنْ بَيْنِ عَجْوَةٍ وَدَقِيقَةٍ وَسَوِيقَةٍ، حَتَّى جَمَعُوا لَهَا طَعَامًا، فَجَعَلُوهَا فِي ثَوْبٍ، وَحَمَلُوهَا عَلَى بَعِيرِهَا، وَوَضَعُوا الثَّوْبَ بَيْنَ يَدَيْهَا قَالَ لَهَا «تَعْلَمِينَ مَا رَزِئْنَا مِنْ مَائِكِ شَيْئًا، وَلَكِنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي أَسْقَانَا».
فَأَتَتْ أَهْلَهَا، وَقَدِ احْتَبَسَتْ عَنْهُمْ قَالُوا مَا حَبَسَكِ يَا فُلاَنَةُ قَالَتِ الْعَجَبُ، لَقِيَنِي رَجُلاَنِ فَذَهَبَا بِي إِلَى هَذَا الَّذِي يُقَالُ لَهُ الصَّابِئُ، فَفَعَلَ كَذَا وَكَذَا، فَوَاللَّهِ إِنَّهُ لأَسْحَرُ النَّاسِ مِنْ بَيْنِ هَذِهِ وَهَذِهِ.
وَقَالَتْ بِإِصْبَعَيْهَا الْوُسْطَى وَالسَّبَّابَةِ، فَرَفَعَتْهُمَا إِلَى السَّمَاءِ - تَعْنِي السَّمَاءَ وَالأَرْضَ - أَوْ إِنَّهُ لَرَسُولُ اللَّهِ حَقًّا، فَكَانَ الْمُسْلِمُونَ بَعْدَ ذَلِكَ يُغِيرُونَ عَلَى مَنْ حَوْلَهَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَلاَ يُصِيبُونَ الصِّرْمَ الَّذِي هِيَ مِنْهُ، فَقَالَتْ يَوْمًا لِقَوْمِهَا مَا أُرَى أَنَّ هَؤُلاَءِ الْقَوْمَ يَدَعُونَكُمْ عَمْدًا، فَهَلْ لَكُمْ فِي الإِسْلاَمِ فَأَطَاعُوهَا فَدَخَلُوا فِي الإِسْلاَمِ.
[الحديث طرفاه في: 348، 3571] .
وبالسند قال: ( حدّثنا مسدد) ولأبي ذر كما في الفتح مسدد بن مسرهد ( قال: حدّثني) بالإفراد وللأصيلي وابن عساكر حدّثنا ( يحيى بن سعيد) القطان ( قال: حدّثنا عوف) بالفاء هو الأعرابي ( قال: حدّثنا أبو رجاء) بفتح الراء وتخفيف الجيم وبالمد عمران بن ملحان بكسر الميم وسكون اللام والحاء المهملة العطاردي، أدرك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم يره، وأسلم بعد الفتح، وتوفي سنة بضع ومائة ( عن عمران) بن حصين الخزاعي قاضي البصرة، قال أبو عمر: كان من فضلاء الصحابة وفقهائهم يقول عنه أهل البصرة أنه كان يرى الحفظة وكانت تكلمه حتى اكتوى، وتوفي سنة اثنتين وخمسين، وله في البخاري اثنا عشر حديثًا ( قال) : ( كنا في سفر) أي عند رجوعهم من خيبر كما في مسلم أو في الحديبية كما رواه أبو داود أو في طريق مكة كما في الموطأ من حديث زيد بن أسلم مرسلاً أو بطريق تبوك كما رواه عبد الرزاق مرسلاً ( مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وإنا أسرينا) .
قال الجوهري: تقول سريت وأسريت بمعنى إذا سرت ليلاً ( حتى إذا كنا في آخر الليل وقعنا وقعة) أي نمنا نومة ( ولا وقعة أحلى عند المسافر منها) أي من الوقعة في آخر الليل، وكلمة لا النفي الجن ووقعة اسمها وأحلى صفة للوقعة وخبر لا محذوف أو أحلى الخبر ( فما) ولابن عساكر وما ( أيقظنا) من نومنا ( إلا حرّ الشمس وكان) ولأبي ذر والأصيلي فكان ( أوّل من استيقظ فلان) اسم كان وأوّل بالنصب خبرها مقدمًا، أو فلان بدل من أوّل على أنه اسم كان التامة بمعنى وجد المستغنية عن الخبر، وقول الزركشي: ومن نكرة موصوفة فيكون أوّل أيضًا نكرة لإضافته إلى النكرة أي أوّل رجل استيقظ تعقبه البدر الدماميني بأنه لا يتعين لجواز كونها موصولة أي: وكان أوّل الذين استيقظوا وأعاد الضمير بالإفراد رعاية للفظ من اهـ.
وفلان المستيقظ أوّلاً هو أبو بكر الصديق ( ثم فلان) يحتمل أن يكون عمران الراوي لأن ظاهر سياقه أنه شاهد ذلك ولا يمكنه مشاهدته إلا بعد استيقاظه، قال في المصابيح: والأولى أن يجعل هذا من عطف الجمل أي ثم استيقظ فلان إذ ترتبهم في الاستيقاظ يدفع اجتماعهم جميعهم في الأوّلية، ولا يمتنع أن يكون من عطف المفردات ويكون الاجتماع في الأوّلية باعتبار البعض لا الكل أي أن جماعة استيقظوا على الترتيب وسبقوا غيرهم في الاستيقاظ، لكن هذا لا يتأق على رأي الزركشي لأنه قال: أي أوّل رجل فإذا جعل هذا من قبيل عطف المفردات لازم الإخبار عن جماعة بأنهم أول رجل استيقظ وهو باطل، ( ثم فلان) يحتمل أيضًا أن يكون من شارك عمران في رؤية هذه القصة المعينة وهو ذو مخبر كما في الطبراني ( يسميهم) أي المستيقظين ( أبو رجاء) العطاردي ( فنسي عوف) أي الأعرابي ( ثم عمر بن الخطاب) رضي الله عنه ( الرابع) بالرفع صفة لعمر المرفوع عطفًا على ثم فلان أو بالنصب خبر كان.
أي ثم كان عمر بن الخطاب الرابع من المستيقظين وأيقظ الناس بعضهم بعضًا، ( وكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا نام لم يوقظ) بضم المثناة التحتية وفتح القاف مبنيًّا للمفعول مع الإفراد، وللأربعة لم نوقظه بنون المتكلم وكسر القاف، والضمير المنصوب للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( حتى يكون هو يستيقظ لأنّا لا ندري ما يحدث له) بفتح المثناة وضم الدال من الحدوث ( في نومه) أي من الوحي وكانوا يخافون انقطاعه بالإيقاظ، ( فلما استيقظ عمر) رضي الله عنه ( ورأى ما أصاب الناس) من نومهم عن صلاة الصبح حتى خرج وقتها وهم على غير ماء، وجواب لما محذوف تقدير فلما استيقظ كبّر، ( وكان) أيما عمر ( رجلاً جليدًا) بفتح الجيم وكسر اللام من الجلادة وهي الصلابة ( فكبّر ورفع صوته بالتكبير فما زال يكبر ويرفع صوته بالتكبير حتى استيقظ بصوته) بالموحدة أي بسبب صوته، وللأربعة لصوته باللام أي لأجل صوته ( النبي -صَلَّى اللَّهُعَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وإنما استعمل التكبير لسلوك طريق الأدب والجمع بين المصلحتين: إحداهما الذكر والأخرى الاستيقاظ، وخصّ التكبير لأنه الأصل في الدعاء إلى الصلاة، واستشكل هذا مع قوله عليه الصلاة والسلام "إن عيني تنامان ولا ينام قلبي".
- وأجيب: بأن القلب إنما يدرك الحسيات اتعلقة به كالألم ونحوه، ولا يدرك ما يتعلق بالعين لأنها نائمة والقلب يقظان.
( فلما استيقظ) عليه الصلاة والسلام ( شكوا إليه الذي أصابهم) مما ذكر ( قال) ولابن عساكر فقال بالفاء تأنيسًا لقلوبهم لما عرض لها من الأسف على خروج الصلاة عن وقتها ( لا ضير أو لا يضير) أي لا ضرر يقال: ضاره يضوره ويضيره والشك من عوف كما صرّح به البيهقي ( ارتحلوا) بصيغة أمر للجماعة المخاطبين من الصحابة.
( فارتحل) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومن معه ولأبي ذر وابن عساكر فارتحلوا أي عقب أمره عليه الصلاة والسلام بذلك، وكان السبب في الارتحال من ذلك الوضع حضور الشيطان فيه كما في مسلم ( فسار) عليه الصلاة والسلام ومن معه ( غير بعيد: ثم نزل) بمن معه ( فدعا بالوضوء) بفتح الواو ( فتوضأ) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه ( ونودي بالصلاة) أي أذن بها كما عند مسلم والمؤلف في آخر المواقيت، ( فصلى بالناس فلما انفتل) أي انصرف ( من صلاته إذا هو برجل) لم يسم أو هو خلاد بن رافع بن مالك الأنصاري أخو رفاعة لكن وهموا قائله ( معتزل) أي منفرد عن الناس ( لم يصل مع القوم.
قال: ما منعك يا فلان أن تصلي مع القوم؟ قال)
يا رسول الله ( أصابتني جنابة ولا ماء) أي موجود بالكلية وماء بفتح الهمزة، وقول ابن حجر أي معي.
تعقبه العيني بأن كلمة لا لنفي جنس الماء وعدم الماء معه لا يستلزم عدمه عند غيره، فحينئذ لا يستقيم نفي جنس الماء، ويحتمل أن تكون لا هنا بمعنى ليس فيرتفع الماء حينئذ، ويكون المعنى ليس ماء عندي، وقال ابن دقيق العين: حذف الخبر في قوله: ولا ماء أي موجود عندي، وفي حذف الخبر بسط لعذره لما فيه من عموم النفي كأنه نفى وجود الماء بالكلية بحيث لو وجد بسبب أو سعي أو غير ذلك لحصله فإذا نفى وجوده مطلقًا كان أبلغ في النفي وأعذر له.
( قال) عليه الصلاة والسلام ( عليك بالصعيد) المذكور في الآية الكريمة ( فتيمموا صعيدًا طيبًا) وفي رواية سلم بن زرير عند مسلم فأمره أن يتيمم بالصعيد ( فإنه يكفيك) لإباحة صلاة الفرض الواحد مع النوافل أو للصلاة مطلقًا ما لم تحدث، ( ثم سار النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاشتكى إليه) وإلى الله صلاته وسلامه عليه ( الناس من العطش فنزل) عليه الصلاة والسلام ( فدعا فلانًا) هو عمران بن حصين كما دلّ عليه رواية سلم بن زرير عند مسلم ( كان يسمّيه أبو رجاء) العطاردي ( نسيه) ولابن عساكر ونسيه ( عوف) الأعراي ( ودعا عليًّا) هو ابن أبي طالب ( فقال) عليه الصلاة والسلام لهما: ( اذهبا فابتغيا) بالمثناة الفوقية بعد الموحدة من الابتغاء، وللأصيلي فابغيا وهو من الثلاثي وهمزته همزة وصل أي فاطلبا ( الماء فانطلقا فتلقيا امرأة بين مزادتين) تثنية مزادة بفتح الميم والزاي الرواية أو القربة الكبيرة، وسميت بذلك لأنه يزاد فيها جلدًا آخر من غيرها ( أو) بين ( سطيحتين) تثنية سطيحة بفتح السين وكسر الطاء المهملتين بمعنى المزادة أو وعاء من جلدين سطح أحدهما على الآخر، والشك من الراوي وهو عوف ( من ماء على بعير لها) سقط من ماء عند ابن عساكر ( فقالا لها: أين الماء؟ قالت: عهدي بالماء أمس) بالبناء على الكسر عند الحجازيين ويعرب غير منصرف للعلمية والعدل عند تيمم فتفتح سينه إذا كان ظرفًا، ويحتمل أن يكون عهدي مبتدأ وبالماء متعلق به وأمس ظرف له.
وقوله: ( هذه الساعة) بدل من أمس بدل بعض من كل أي: مثل هذه الساعة، والخبر محذوف أي حاصل ونحوه أو هذه الساعة ظرف، قال ابن مالك: أصله في مثل هذه الساعة فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، وجوّز أبو البقاء أن يكون أمس خبر عهدي لأن المصدر يخبر عنه بظرف الزمان، وعلى هذا تضم سين أمس على لغة تيمم.
وجوّز في المصابيح أن يكون بالماء خبر عهدي وأمس ظرف لعامل هذا الخبر أي عهدي متلبس بالماء في أمس، ولميجعل الظرف متعلقًا بعهدي كما مرّ قال: لأني جعلت بالماء خبرًا، فلو علّق الظرف بالعهد مع كونه مصدرًا لزم الإخبار عن المصدر قبل استكمال معمولاته وهذا باطل اهـ.
( ونفرنا) أي رجالنا ( خلوفَا) بضم الخاء المعجمة واللام المخففة والنصب كما في رواية المستملي والحموي على الحال السادّة مسدّ الخبر قاله الزركشي والبدر الدماميني وابن حجر أي متروكون خلوفَا مثل ( ونحن عصبة) [يوسف: 8] بالنمب، وتعقبه العيني فقال: ما الخبر هنا حتى يسدّ الحال مسدّه.
قال: والأوجه ما قاله الكرماني إنه منصوب بكان المقدّرة، وللأصيلي خلوف بالرفع خبر المبتدأ أي غيب، أو خرج رجالهم للاستقاء وخلفوا النساء أو غابوا وخلفوهن.
( قالا لها: انطلقي إذا قالت: إلى أين؟ قالا: إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قالت: الذي يقال له الصابئ) بالهمزة من صبأ أي خرج من دين إلى آخر، ويروى بتسهيله ياء من صبا يصبي أي المائل.
( قالا: هو الذي تعنين) أي تريدين وفيه تخلص حسن لأنهما لو قالا: لا لفات المقصود، ولو قالا: نعم لكان فيه تقرير لكونه عليه الصلاة والسلام صائبًا، فتخلصا بهذا اللفظ وأشار إلى ذاته الشريفة لا إلى تسميتها ( فانطلقي) معنا إليه ( فجاءا) أي عليّ وعمران ( بها إلى النبي) ولأبوي ذر والوقت إلى رسول الله ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وحدّثاه الحديث) الذي كان بينهما وبينها، ( قال) عمران بن الحصين ( فاستنزلوها عن بعيرها) أي طلبوا منها النزول عنه وجمع باعتبار غليّ وعمران ومن تبعهما ممن يعينهما، ( ودعا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بعد أن أحضروها بين يديه ( بإناء ففرّغ فيه) عليه الصلاة والسلام من التفريغ، وللكشميهني فأفرغ من الإفراغ ( من أفواه المزادتين) جمع في موضع التثنية على حد ( فقد صغت قلوبكما) [التحريم: 4] ( أو السطيحتين) أي أفرغ من أفواههما والشك من الراوي ( وأوكأ) أي ربط ( أفواههما وأطلق) أي فتح ( العزالي) بفتح المهلمة والزاي وكسر اللام، ويجوز فتحها وفتح الياء جمع عزلاء بإسكان الزاي والمدّ أي فم المزادتين الأسفل وهي عروتها التي يخرج منها الماء بسعة، ولكل مزادة عزلاً وإن من أسفلها، ( ونودي في الناس اسقوا) بهمزة وصل من سقى فتكسر أو قطع من أسقى فتفتح أي اسقوا غيرهم كالدواب، ( واستقوا فسقى من سقى) ولابن عساكر فسقى من شاء، ( واستقى من شاء) فرق بينه وبين سقى لأنه لنفسه وسقى لغيره من ماشية ونحوه، واستقى قيل بمعنى سقى، وقيل إنما يقال سقيته لنفسه واستقيته لماشيته، ( وكان آخر ذلك) بنصب آخر خبر كان مقدمًا والتالي اسمها وهو قوله ( أن) مصدرية ( أعطى الذي أصابته الجنابة) وكان معتزلاً ( إناء من ماء) ويجوز رفع آخر على أنّ أن أعطى الخبر، قال أبو البقاء: والأوّل أقوى لأن أن والفعل أعرف من انفعل المفرد، وقد قرئ فما كان جواب قومه إلا أن قالوا بالوجهين ( قال) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للذي أصابته الجنابة: ( اذهب فأفرغه عليك) بهمزة القطع فأفرغه ( وهي) أي والحال أن المرأة ( قائمة تنظر إلى ما يفعل) بالبناء للمجهول ( بمائها) قيل: إنما أخذوها واستجازوا أخذ مائها لأنها كنت كافرة حربية، وعلى تقدير أن يكون لها عهد فضرورة العطش تبيح للمسلم الماء المملوك لغيره على عوض، وإلا فنفس الشارع تفدى بكل شيء على سبيل الوجوب، ( وايم الله) بوصل الهمزة والرفع مبتدأ خبره محذوف أي قسمي ( لقد أقلع) بضم الهمزة أي كف ( عنها وأنه ليخيل إلينا أنها أشد ملاءة) بكسر الميم وسكون اللام وبعدها همزة ثم تاء تأنيث أي امتلاء ( منها حين ابتدأ فيها) وهذا من أعظم آياته وباهر دلائل نبوّته حيث توضؤوا وشربوا وسقوا واغتسل الجنب، بل في رواية سلم بن زرير أنهم ملؤوا كل قربة كانت معهم مما سقط من الغزالي، وبقيت المزادتان مملوءتين بل تخيل الصحابة أن ماء هنا أكثر مما كان أولاً ( فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لأصحابه: ( اجمعوا لها) لعله تطييبًا لخاطرها في مقابلة حبسها في ذلك الوقت عن المسير إلى قومها وما نالها من مخافتها أخذ مائها لا أنه عوض عما أخذ من الماء، ( فجمعوا لها من بين) وفي رواية ما بين ( عجوة) تمر أجود تمر المدينة ( ودقيقة وسويقة) بفتح أوّلهما، ولكريمة ودقيقة وسويقة بضمها مصغرين ( حتى جمعوا لها طعامًا) زاد أحمد في روايته كثيرًا، والطعام في اللغة ما يؤكل، قال الجوهري: وربما خص الطعام بالبرّ ( فجعلوه) أي الذي جمعوه ولأبي ذر فجعلوها أي الأنواع المجموعة ( في ثوب وحملوها) أي المرأة ( على بعيرها ووضعوا الثوب) بما فيه ( بين يديها) أي قدّامها على البعير ( قال لها) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وللأصيلي قالوا لها أي الصحابة بأمره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( تعلمين) بفتح التاء وسكون العين وتخفيف اللام أي اعلمي ( ما رزئنا) بفتح الراء وكسر الزاي وقد تفتح وبعدها همزة ساكنة أي ما نقصنا ( من مائك شيئًا) أي فجميع ما أخذناه من الماء مما زاده الله وأوجده، ويؤيده قوله: ( ولكن الله هو الذي أسقانا) بالهمزة ولأبي عساكر سقانا، ( فأتت أهلها وقد احتبست عنهم، قالوا) أي أهلها ولأبوي ذر والوقت فقالوا ( ما) وللأصيلي فقالوا لها: ما ( حبسك يا فلانة؟ قالت: العجب) أي حبسني العجب ( لقيني رجلان فذهبا بي إلى هذا الذي) ولأبي ذر إلى هذا الرجل الذي ( يقال له الصابئ ففعل كذا وكذا، فوالله إنه لأسحر الناس من بين هذه وهذه) عبّر بمن البيانية، وكان الناسب التعبير بفي بدل من على أن حروف الجر قد ينوب بعضها عن بعض، ( وقالت) أي أشارت ( بإصبعيها الوسطى والسبابة) لأنه يشار بهما عند المخاصمة والسب وهي السبحة لأنها يشار بها إلى التوحيد والتنزيه ( فرفعتهما إلى السماء تعني) المرأة ( السماء والأرض أو إنه لرسول الله) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( حقًا) هذا منها ليس بإيمان للشك لكنها أخذت في النظر فأعقبها الحق فآمنت بعد ذلك، ( فكان المسلمون بعد ذلك يغيرون) وللأصيلي بعد يغيرون بضم الياء من أغار.
ويجوز فتحها من غار وهو قليل ( على من حولها من المشركين ولا يصيبون الصرم الذي هي منه) بكسر الصاد وسكون الراء النفر ينزلون بأهليهم على الماء أو أبيات من الناس مجتمعة، وإنما لم يغيروا عليهم وهم كفرة للطمع في إسلامهم بسببها أو لرعاية ذمامها، ( فقالت) أي المرأة ( يومًا لقومها: ما أرى) بفتح الهمزة بمعنى أعلم أي الذي أعتقد ( أن هؤلاء القوم) بفتح همزة أن مع تشديد النون ( يدعونكم) بفتح الدال من الإغارة ( عمدًا) لا جهلاً ولا نسيانًا ولا خوفًا منكم، بل مراعاة لما سبق بيني وبينهم، وفي رواية الأكثرين: ما أرى هؤلاء بفتح همزة أرى وإسقاط أن، والأول رواية أبي ذر ولابن عساكر: ما أرى بضم الهمزة أي أظن أن هؤلاء بكسر الهمزة كذا في الفرع، وللأصيلي وابن عساكر ما أدري أن بالدال بعد الألف وأن بفتح الهمزة والتشديد وهي في موضع المفعول، والمعنى ما أدري ترك هؤلاء إياكم عمدًا لماذا هو؟ وقال أبو البقاء: الجيد أن يكون أن هؤلاء بالكسر على الإهمال والاستئناف، ولا بفتح على إعمال أدري فيه لأنها قد عملت بطريق الظاهر، ولكون مفعول أدري محذوفًا، والمعنى ما أدري لماذا تمتنعون من الإسلام أن المسلمين تركوا الإغارة عليكم عمدًا مع القدرة ( فهل لكم) رغبة ( في الإسلام؟ فأطاعوها فدخلوا في الإسلام) .
ورواة هذا الحديث كلهم بصريون، وفيه التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلف أيضًا في علامات النبوّة ومسلم في الصلاة، وزاد في رواية المستملي هنا مما ليس في الفرع.
( قال أبو عبد الله) أي المؤلف في تفسير ( صبأ) أي ( خرج من دين إلى غيره) .
( وقال أبو العالية) : رفيع بن مهران الرياحي مما وصله ابن أبي حاتم في تفسيره: ( الصابئين) هم ( فرقة من أهل الكتاب يقرؤون الزبور) .
وقال البيضاوي: والصابين قوم بين النصارى والمجوس، وقيل أصل دينهم دين نوح، وقيل: هم عبدة الملائكة، وقيل: عبدة الكواكب، وأورده المؤلف هنا ليبيّن الفرق بين الصابئ المروي في الحديث، والصابئ المنسوب لهذه الطائفة.
7 - باب إِذَا خَافَ الْجُنُبُ عَلَى نَفْسِهِ الْمَرَضَ أَوِ الْمَوْتَ أَوْ خَافَ الْعَطَشَ، تَيَمَّمَ وَيُذْكَرُ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ أَجْنَبَ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ فَتَيَمَّمَ وَتَلاَ ( وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) فَذَكَرَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمْ يُعَنِّف.
هذا ( باب) بالتنوين ( إذا خاف الجنب على نفسه المرض) المتلف وغيره كزيادته أو نحو ذلك كشين فاحش في عضو طاهر، ( أو الموت) من استعماله الماء، ( أو خاف العطش) لحيوان محترم من نفسهأو رفيقه ولو في المستقبل ( تيمم) وللأصيلي وابن عساكر يتيمم أي مع وجود الماء.
( ويذكر) مما وصله الدارقطني ( أن عمرو بن العاصي) بن وائل بن هشام القرشي السهمي أمير مصر أسلم قبل الفتح في صفر سنة ثمان، وكان لا يرفع طرفه إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حياء منه، وله في البخاريّ ثلاثة أحاديث رضي الله عنه ( أجنب في ليلة باردة) في غزوة ذات السلاسل ( فتيمم) وصلى بأصحابه الصبح ( وتلا) بالواو وللأصيلي فتلا: ( ولا تقتلوا أنفسكم) أي بإلقائها إلى التهلكة { إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29] ( فذكر) بضم الذال ( للنبيّ) وللأصيلي فذكر ذلك أي عمرو للنبي ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلم يعنف) أي عمرًا وحذف المفعول للعلم به، قال الحافظ ابن حجر وللكشميهني فلم- يعنفه بضمير المفعول، وعزاها في الفرع لابن عساكر أي لم يلمه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعدم التعنيف تقرير، فيكون حجة على تيمم الجنب، وقد روى هذا التعليق أيضًا أبو داود والحاكم، لكن من غير ذكر التيمم.
نعم ذكر أبو داود أن الأوزاعي روى عن حسان بن عطية هذه القصة فقال فيها فتيمم، وعلقه المؤلف بصيغة التمريض لكونه اختصره، ورواه عبد الرزاق من وجه آخر عن عبد الله بن عمرو ولم يذكر التيمم ولم يقل عمرو الآية وهو جنب وإن أوهمه ظاهر السياق، وإنما تلاها بعد رجوعه للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما يدل عليه سياق حديث أبي داود، ولفظه: فقال أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب"؟ فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال وقلت: إني سمعت الله يقول ( ولا تقتلوا أنفسكم) الآية.
وفي الحديث جواز صلاة المتيمم بالمتوضئ لمن يتوقع من استعمال الماء الهلاك.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [344] حدثنا مسدد بن مسرهد: ثنا يحيى بن سعيد: ثنا عوف: ثنا أبو رجاء، عن عمران بن حصين، قال: كنا في سفر مع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وإنا أسرينا، حتى كنا في آخر الليل وقعنا وقعة، ولا وقعة أحلى عند المسافر منها، فما أيقظنا إلا حر الشمس، فكان أول من استيقظ فلان ثم فلان ثم فلان - يسميهم أبو رجاء، فنسي عوف -، ثم عمر بن الخطاب الرابع، وكان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا نام لم نوقظه حتى يكون هو يستيقظ؛ لأنالا ندري ما يحدث له في نومه، فلما استيقظ عمر ورأى ما أصاب الناس – وكان رجلا جليدا – فكبر ورفع صوته بالتكبير، فما زال يكبر ويرفع صوته بالتكبير حتى استيقظ لصوته النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلما استيقظ شكوا إليه الذي أصابهم، فقال: ( ( لا ضير – أو: لا يضير -، ارتحلوا) ) ، فارتحلوا فسار غير بعيد.
ثم نزل فدعا بالوضوء فتوضأ، ونودي بالصلاة، فصلى بالناس، فلما انفتل من صلاته إذا هو برجل معتزل لم يصل مع القوم، فقال: ( ( ما منعك يا فلان أن تصلي مع القوم؟) ) قال: أصابتني جنابة، ولا ماء، قال: ( ( عليك بالصعيد؛ فإنه يكفيك) ) ، ثم سار النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فاشتكى الناس إليه من العطش، فنزل فدعا فلانا - كان يسميه أبو رجاء، نسيه عوف -، ودعا عليا، فقال: ( ( أذهبا فابتغيا الماء) ) فانطلقا فتلقيا امرأة بين مزادتين - أو سطيحتين - من ماء على بعير لها، فقالا لها: أين الماء؟ قالت: عهدي بالماء أمس هذه الساعة، ونفرنا خلوفا، فقالا لها: انطلقي إذا، قالت: إلى أين؟ قالا: إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالت: الذي يقال له الصابئ؟ قالا: هو الذي تعنين، فانطلقي، فجاءا بها إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وحدثاه الحديث، قال: فاستنزلوها عن بعيرها، ودعاالنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بإناء، ففرغ فيه من أفواه المزادتين - أو السطيحتين -، وأوكأ أفواهمها، وأطلق العزالي، ونودي في الناس: اسقوا واستقوا، فسقى من سقى، واستقى من شاء، وكان آخر ذلك أن أعطى الذي أصابته الجنابة إناء من ماء، قال: ( ( اذهب فأفرغه عليك) ) .
وهي قائمة تنظر إلى ما يفعل بمائها، وايم الله، لقد اقلع عنها وإنه ليخيل إلينا أنها أشد ملأة منها حين ابتدأ فيها، فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( اجمعوا لها) ) ، فجمعوا لها من بين عجوة ودقيقة وسويقة، حتى جمعوا لها طعاما فجعلوه في ثوب، وحملوها على بعيرها، ووضعوا الثوب بين يديها.
قال لها: ( ( تعلمين ما رزئنا من مائك شيئا، ولكن الله هو الذي أسقانا) ) ، فأتت أهلها وقد احتبست عنهم، قالوا: ما حبسك يا فلانة؟ قالت: العجب! لقيني رجلان، فذهبا بي إلى هذا الرجل الذي يقال له: الصابئ، ففعل كذا وكذا، فو الله، أنه لأسحر الناس من بين هذه وهذه - وقالت بإصبعيها الوسطى والسبابة فرفعتهما إلى السماء - والأرض -، أو أنه لرسول الله حقا، فكان المسلمون بعد ذلك يغيرون على من حولها من المشركين ولا يصيبون الصرم الذي هي منه، فقالت يوما لقومها: ما أرى أن هؤلاء القوم يدعونكم عمدا، فهل لكم في الإسلام؟ فأطاعوها فدخلوا في الإسلام.
قَالَ أبو عبد الله: صبأ: خرج من دين إلى غيره.
وقال أبو العالية: الصابئون: فرقة من أهل الكتاب يقرءون الزبور.
فوائد هذا الحديث كثيرة جدا، ونحن نشير إلى مهماتها إشارة لطيفة - أن شاء الله تعالى: فأما قوله: ( ( كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا نام لم يوقظه أحد حتى يكون هو يستيقظ، لأنا لا ندري ما يحدث له في نومه) ) ، فالمراد: أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يوحى إليه في نومه كما يوحى إليه في يقظته، ورؤيا الأنبياء وحي، ولهذا كانت تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم، فكانوا يخشون أن يقطعوا عليه الوحي إليه بإيقاظه.
ولا تنافي بين نومه حتى طلعت الشمس وبين يقظة قلبه؛ فإن عينيه تنامان، والشمس إنما تدرك بحاسة البصر لا بالقلب.
وقد يكون الله - عز وجل - أنامه حتى يسن لأمته قضاء الصلاة بعد فوات وقتها بفعله، فإن ذلك آكد من تعليمه له بالقول، وقد ورد التصريح بهذا من حديث ابن مسعود، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما صلى بهم الصبح ذلك اليوم بعد طلوع الشمس وانصرف قال: ( ( أن الله - عز وجل - لو شاء أن لا تناموا عنها لم تناموا، ولكن أراد أن يكون لمن بعدكم) ) .
خرجه الإمام أحمد وغيره.
وهذا يشبه ما ذكره مالك في ( ( الموطإ) ) أنه بلغه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أنه قال: ( ( إنما أنسى لأسن) ) .
وقوله: ( ( ما أيقظنا إلاّ حر الشمس) ) ، يدل على أن الشمس كانت قد ارتفعت وزال وقت النهي عن الصلاة، لأن حرها لا يكاد يوجد ألا بعد ذلك، ففي هذا دليل على أن ارتحالهم عن ذلك المكان لم يكن للامتناع من القضاء في وقت النهي عن الصلاة، بل كان تباعدا عن المكان الذي حضرهم فيه الشيطان، كما جاء التصريح به في حديث آخر.
ولكن في صحيح مسلم في هذا الحديث - أعني: حديث عمران بن حصين، أنهم ناموا حتى بزغت الشمس وان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما رفع رأسه ورأى الشمس قد بزغت قال: ( ( ارتحلوا) ) فسار بنا حتى إذا ابيضت الشمس نزل فصلى بنا الغداة.
كذا خرجه من رواية سلم بن زرير، عن أبي رجاء، وفي سياقه بعض مخالفة لرواية عوف، عن أبي رجاء التي خرجها البخاري، وفيه: أنه كان أول من استيقظ أبو بكر - رضي الله عنه.
وقوله: ( ( فدعا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالوضوء فتوضأ) ) يدل على أن من معه ماء وكان في مفازة فإنه يتوضأ منه، ولا يتيمم ويحبسه خشية أن يبتلى هو أو أحد من رفقته بعطش.
ويدل على هذا: أن عمران ذكر أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما صلى بهم وسار شكى الناس إليه العطش.
وفي رواية سلم المشار إليها: قال عمران: ثم عجلني في ركب بين يديه، نطلب الماء وقد عطشنا عطشا شديدا - وذكر الحديث، وهذا محمول على أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يخش على نفسه عطشا، فإن من خاف على نفسه العطش ومعه ماء يسير فإنه يتيمم ويدعه لشربه.
وقد روى عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: إذا كنت مسافرا وأنت جنب أو أنت على غير وضوء فخفت أن توضأت أن تموت من العطش فلا توضأ، واحبسه لنفسك.
خرجه الأثرم.
وخرجه الدارقطني من طريق عطاء بن السائب، عن زاذان، عن علي، في الرجل يكون في السفر فتصيبه الجنابة ومعه الماء القليل يخاف أن يعطش، قال: يتيمم ولا يغتسل.
قال الإمام أحمد: عدة من أصحاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يحبسون الماء لشفاههم ويتيممون.
ونص على أنه لو رأى قوما عطاشا ومعه إداوة من ماء، أنه يسقيهم الماء ويتيمم.
واختلف أصحابنا: هل ذلك على الوجوب أو الاستحباب؟ على وجهين، أصحهما: أنه للوجوب، وهو قول الشافعية.
فهذا الحديث محمول على أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يخف على نفسه عطشا، ولم يجد قوما عطاشا في الحال، فلذلك توضأ بالماء ولم يتيمم.
ويدل على أنه لا يحبس الماء لخوف عطش يحدث لرفقته.
ولم ينص أحمد على حبس الماء خشية عطش يحدث لرفقته، وإنما قال أصحابه متابعة لأصحاب الشافعي، وقالوا: هل حبس الماء لعطش غيره المتوقع واجب أو مستحب؟ فيه وجهان، قالوا: وظاهر كلام أحمد أنه مستحب غير واجب؟ لان حاجة الغير هنا متوقعة وحاجته للطهارة حاضرة، وقد ترجحت بكونه مالكا، ولهذا قدمنا نفقة الخادم على نفقةالوالدين، وان كانت حاجتهما إلى النفقة اشد من حاجة نفسه إلى الخدمة، تقديما لنفسه على غيره.
قلت: وحديث عمران يدل على أنه لا يستحب - أيضا - بل يقدم الوضوء على عطش الرفيق المتوقع، فإنه لو كان ذلك أفضل من الوضوء لحبس النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الماء وتيمم، فإنه كان معه خلق من أصحابه، وكان الماء معهم قليلا جدا ولهذا شكوا إليه العطش عقيب ذلك عند اشتداد حر الشمس وارتفاع النهار، وكان الماء منهم بعيدا.
وقد أشار إلى هذا المعنى الذي ذكرناه أبو المعالي الجويني من الشافعية، وخالف أصحابه فيما ذكروه من حبس الماء لعطش رفقته المتوقع، وهذا هو الذي دلت عليه هذه السنة الصحيحة، والله أعلم.
وفي الحديث: دليل على أن الفوائت يؤذن لها وتصلى جماعة.
وقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للذي لم يصل مع القوم: ( ( ما منعك أن تصلي مع القوم؟) ) قَالَ: أصابتني جنابة ولا ماء.
قَالَ: ( ( عليك بالصعيد، فإنه يكفيك) ) فيه دليل على التيمم للجنابة كالتيمم للحدث الأصغر، ودليل على أن عادم الماء يكفيه الصعيد من الماء.
ولهذه الكلمة خرج البخاري هذا الحديث في هذا الباب، وجعله دليلا له على إقامة التيمم مقام الطهارة بالماء عند عدم الماء، فيؤخذ من هذا أنه يصلي به كما يصلي بالماء، كما هو اختيار البخاري ومن قال بقوله من العلماء.
وفية دليل على أنه لا يجب طلب الماء إذا غلب على الظن عدمه أوقطع بذلك، فإنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمره بالتيمم، ولم يأمره بطلب، ولا بسؤال رفقته.
وقد ذهب ابن حامد من أصحابنا إلى أنه لا يلزمه سؤال رفقته، وان قلنا: يلزمه الطلب، وأنه إنما يلزمه طلبه في رحله ما قرب منه إذا احتمل وجود الماء، والمنصوص عن أحمد: أن عليه أن يطلبه في رفقته.
وفي رواية مسلم المشار إليها فيما تقدم: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال للرجل: ( ( يا فلان ما منعك أن تصلي معنا؟) ) قال: يا نبي الله، أصابتني جنابة.
فأمره رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فتيمم بالصعيد، فصلى.
وفي الحديث - أيضا - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما جاءه الماء أعطاه ماء وأمره أن يغتسل به، وهذا مثل قوله في حديث أبي ذر: ( ( فإذا وجدت الماء فأمسه بشرتك) ) ، وفيه رد على أبي سلمة في قوله: أنه لا غسل عليه، كما سبق.
وقول تلك المرآة: ( ( ونفرنا خلوف) ) .
قال الخطابي: النفر الرجال، والخلوف الذين خرجوا للاستقاء، وخلفوا النساء والأثقال، يقال: أخلف الرجل واستخلف إذا استقى الماء.
قال: ويقال لكل من خرج من دين إلى دين آخر: صابئ - بالهمز، وأما: صبا يصبو بلا همز فمعناه: مال.
قال: والعزالي جمع عزلاء، وهي عروة المزادة، يخرج منها الماء بسعة.
وقال غيره: العزلاء: فم المزادة الأسفل، وتجمع على عزالىوعزالي - بكسر اللام وفتحها - كالصحاري والعذاري.
قال: والصرم: النفر النازلون على ماء، وتجمع على أصرام، فأما الصرمة - بالهاء - فالقطعة من الإبل نحو الثلاثين عددا.
قال: وقوله: ( ( ما رزئناك) ) ، أي: ما نقصناك، ولا أخذنا منك شيئا.
قلت: وفي الحديث معجزة عظيمة، وعلم من أعلام نبوة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بتكثير الماء القليل ببركته، وإرواء العطاش منه، واستعمالهم وأخذهم منه في قربهم، من غير أن ينقص الماء المأخوذ منه شيئا، ولذلك قال المرآة: ( ( ما رزئناك من مائك شيئا، وإنما سقانا الله - عز وجل -) ) .
وفي رواية مسلم المشار إليها في هذا الحديث: ( ( فأمر براويتها فأنيخت، فمج في العزلاوين العلياوين، ثم بعث براويتها فشربنا، ونحن أربعون رجلا عطاش حتى روينا، وملأنا كل قربة معنا وإداوة، وغسلنا صاحبنا، غير أنا لم نسق بعيرا وهي تكاد تنضرج من الماء) ) - يعني: المزادتين - وذكر بقية الحديث.
وإنما لم يستأذن المرآة أولا في الشرب من مائها والأخذ منه، لأن انتفاعهم إنما كان بالماء الذي أمده الله بالبركة، لم يكن من نفس مائها، ولذلك قال: ( ( ما رزئناك من مائك شيئا، وإنما سقانا الله) ) .
ونظير هذا: أن جابرا صنع للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طعاما يسيرا في عام الخندق، وجاء إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فساره بذلك، وقال له: تعال أنت في نفرمعك، فصاح النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( يا أهل الخندق، أن جابرا قد صنع لكم سورا، فحيهلا بكم) ) ، ثم جاء بهم جميعا، فأكلوا حتى شبعوا، والطعام بحاله.
فإن أكل أهل الخندق إنما كان مما حصلت فيه البركة بسبب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فكان - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هو الداعي لأهل الخندق كلهم إلى الطعام في الحقيقة، فلذلك لم يحتج في استئذان جابر في ذلك.
وهذا بخلاف ما جرى لأبي شعيب اللحام لما دعاه النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وجلساءه، فلما قاموا تبعهم رجل لم يكن معهم حين دعوا، فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لصاحب المنزل: ( ( أنه اتبعنا رجل لم يكن معنا حين دعوتنا، فإن أذنت له دخل) ) فأذن له فدخل.
وقد خرجاه في ( ( الصحيحين) ) بمعناه من حديث أبي مسعود، فإن ذلك اليوم لم يحصل فيه ما حصل في طعام جابر وماء المرآة المشركة – والله - سبحانه وتعالى - أعلم -، فإن غالب ما كان يقع منه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تكثير الطعام والشراب في أوقات الحاجة العامة إليه.
وفي حديث عمران - أيضا - دليل على جواز استعمال ماء المشركين الذين في قربهم ونحوها من أوعية الماء المعدة له، وقد سبق الكلام على ذلك في ( ( كتاب الوضوء) ) .
7 - باب إذا خاف الجنب على نفسه المرض أو الموت أو خاف العطش تيمم ويذكر: أن عمرو بن العاص أجنب في ليلة باردة فتيمم، وتلا: { وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} [النساء:29] ، فذكر ذلك للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلم يعنف، حديث عمرو بن العاص خرجه أبو داود من رواية يحيى بن أيوب، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عمران بن أبي انس، عن عبد الرحمان بن جبير، عن عمرو بن العاص، قال: احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل، فأشفقت أن اغتسلت أن اهلك، فتيممت ثم صليت بأصحابي الصبح، فذكروا ذلك للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: ( ( يا عمرو، صليت بأصحابك وأنت جنب!) ) فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال، وقلت: إني سمعت الله يقول: { وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} [النساء:29] ، فضحك رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولم يقل شيئا.
وخرجه - أيضا - من طريق عمرو بن الحارث وغيره، عن يزيد بن أبي الحبيب، عن عمران، عن عبد الرحمان بن جبير، عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص، أن عمرو بن العاص كان على سرية - فذكر الحديث بنحوه، وقال فيه: فغسل مغابنه وتوضأ وضوءه للصلاة، ثم صلى بهم -وذكر باقيه بنحوه، ولم يذكر التيمم.
وفي هذه الرواية زيادة: ( ( أبي قيس) ) في إسناده، وظاهرها الإرسال.
وخرجه الإمام أحمد والحاكم، وقال: على شرط الشيخين، وليس كما قال، وقال أحمد: ليس إسناده بمتصل.
وروى أبو إسحاق الفزاري في ( ( كتاب السير) ) عن الأوزاعي، عن حسان بن عطية، قال: بعث النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعثا وامر عليهم عمرو بن العاص، فلما اقبلوا سألهم عنه، فأثنوا خيرا، إلا أنه صلى بنا جنبا، فسأله، فقال: أصابتني جنابة فخشيت على نفسي من البرد، وقد قال الله تعالى: { وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} [النساء:29] ، فتبسم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وهذا مرسل.
وقد ذكره أبو داود في ( ( سننه) ) تعليقا مختصرا، وذكر فيه: أنه تيمم.
وأكثر العلماء: على أن من خاف من استعمال الماء لشدة البرد فإنه يتيمم ويصلي، جنبا كان أو محدثا.
واختلفوا هل يعيد، أم لا؟ فمنهم من قال: لا إعادة عليه، وهو قول الثوري، والأوزاعي، وأبي حنيفة، ومالك، والحسن بن صالح، وأحمد في رواية.
ومنهم من قال: عليه الإعادة بكل حال سواء كان مسافرا أو حاضرا، وهو قول الشافعي، ورواية عن أحمد.
ومنهم من قال: أن كان مسافرا لم يعد، وإن كان حاضرا أعاد، وهو قول آخر للشافعي، ورواية عن أحمد، وقول أبي يوسف ومحمد.
وحكى ابن عبد البر عن أبي يوسف وزفر: أنه لا يجوز للمريض فيالحضر التيمم بحال.
وذكر أبو بكر الخلال من أصحابنا: أنه لا يجوز التيمم في الحضر لشدة البرد، وهو مخالف لنص أحمد وسائر أصحابه.
وحكى ابن المنذر وغيره عن الحسن وعطاء: أنه إذا وجد الماء اغتسل به وأن مات؛ لأنه واجد للماء، إنما أمر بالتيمم من لم يجد الماء.
ونقل أبو إسحاق الفزاري في ( ( كتاب السير) ) عن سفيان نحو ذلك، وانه لا يتيمم لمجرد خوف البرد، وإنما يتيمم لمرض مخوف، أو لعدم الماء.
وينبغي أن يحمل كلام هؤلاء على ما إذا لم يخش الموت، بل أمكنه استعمال الماء المسخن وإن حصل له به بعض الضرر.
وقد روي هذا المعنى صريحا عن الحسن - أيضا -، وكذلك نقل أصحاب سفيان مذهبه في تصانيفهم، وحكوا أن سفيان ذكر أن الناس اجمعوا على ذلك.
وقد سبق الكلام في تفسير الآية، وان الله تعالى أذن في التيمم للمريض وللمسافر ولمن لم يجد الماء من أهل الأحداث مطلقا، فمن لم يجد الماء فالرخصة له محققة.
وأما المرض والسفر فهما مظنتان للرخصة في التيمم، فإن وجدت الحقيقة فيهما جاز التيمم، فالمرض مظنة لخشية التضرر باستعمال الماء، والسفر مظنة لعدم الماء، فإن وجد في المرض خشية التضرر وفي السفر عدم الماء جاز التيمم، وإلا فلا.
وأما من قال من الظاهرية ونحوهم: أن مطلق المرض يبيح التيمم سواء تضرر باستعمال الماء أو لم يتضرر، فقوله ساقط يخالف الإجماع قبله، وكان يلزمه أن يبيح التيمم في السفر مطلقا سواء وجد الماء أو لم يجده.
وقول البخاري: ( ( إذا خاف على نفسه المرض أو الموت) ) يشير إلى الرخصة في التيمم إذا خاف من شدة البرد على نفسه المرض، ولا يشترط خوف الموت خاصة، وهذا ظاهر مذهب أحمد، واحد قولي الشافعي.
والقول الثاني: لا يجوز التيمم إلا إذا خاف التلف، إما تلف النفس أو تلف عضو منه، وحكي رواية عن أحمد، وفي صحتها عنه نظر.
والحنيفية السمحة أوسع من ذلك، وخوف الموت أو المرض هو داخل في معنى المرض الذي أباح الله التيمم معه؛ لأنه إنما يباح التيمم لمرض يخشى منه زيادته أو التلف، فحيث خشي ذلك فقد وجد السبب المبيح للتيمم.
ولو كان في الغزو وهو يجد الماء لكنه يخشى على نفسه من العدو أن اشتغل بالطهارة، ففيه عن أحمد روايتان: إحداهما: يتيمم ويصلي، اختارها أبو بكر عبد العزيز.
والثانية: يؤخر الصلاة إلى أن يقدر على الوضوء، كما أخر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصلوات يوم الخندق.
ولو احتاجت المرآة إلى الوضوء وكان الماء عنده فساق تخاف منهم على نفسها، فقال أحمد: لا يلزمها الوضوء.
وتوقف مرة في ذلك.
وأما إذا خاف العطش على نفسه، فإنه يحبس الماء ويتيمم، وقد سبق قول علي وابن عباس في ذلك، وحكاية أحمد له عن عدة من الصحابة.
وقد ذكر ابن المنذر أنه إجماع من يحفظ عنه من أهل العلم، وسمى منهم جماعة كثيرة.
وقد سال قوم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقالوا: إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء، فإن توضأنا به عطشنا، أفنتوضأ بماء البحر؟ فقال لهم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( هو الطهور ماؤه، الحل ميتته) ) .
وسؤالهم يشعر بأن من معه ماء يسير لا يتوضأ به وهو يخشى العطش على نفسه، وأقرهم - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على ذلك، ولم يردهم عن اعتقادهم.
خرج البخاري في هذا الباب حديث عمار من رواية أبي موسى الأشعري، عنه، فقال:

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( .

     قَوْلُهُ  بَابٌ)

بِالتَّنْوِينِ الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ وُضُوءُ الْمُسْلِمِ هَذِهِ التَّرْجَمَةُ لَفْظُ حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعا وَصَححهُ بن الْقَطَّانِ لَكِنْ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ إِنَّ الصَّوَابَ إِرْسَالُهُ وَرَوَى أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ بُجْدَانَ وَهُوَ بِضَمِّ الْمُوَحدَة وَسُكُون الْجِيم عَن أَبِي ذَرٍّ نَحْوَهُ وَلَفْظُهُ إِنَّ الصَّعِيدَ الطَّيِّبَ طَهُورُ الْمُسْلِمِ وَإِنْ لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ عَشْرَ سِنِين وَصَححهُ التِّرْمِذِيّ وبن حِبَّانَ وَالدَّارَقُطْنِيُّ .

     قَوْلُهُ .

     وَقَالَ  الْحَسَنُ وَصَلَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَلَفْظُهُ يُجْزِئُ تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ مَا لَمْ يحدث وبن أَبِي شَيْبَةَ وَلَفْظُهُ لَا يَنْقُضُ التَّيَمُّمَ إِلَّا الْحَدَثُ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَلَفْظُهُ التَّيَمُّمُ بِمَنْزِلَةِ الْوُضُوءِ إِذَا تَيَمَّمْتَ فَأَنْتَ عَلَى وُضُوءٍ حَتَّى تُحْدِثَ وَهُوَ أَصْرَحُ فِي مَقْصُودِ الْبَابِ وَكَذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ تُصَلِّي الصَّلَوَاتِ كُلَّهَا بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ مِثْلَ الْوُضُوءِ مَا لم تحدث قَوْله وَأم بن عَبَّاس وَهُوَ متيمم وَصله بن أَبِي شَيْبَةَ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَسَيَأْتِي فِي بَابِ إِذَا خَافَ الْجُنُبُ لِعَمْرِوِ بْنِ الْعَاصِ مِثْلُهُ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِذَلِكَ إِلَى أَنَّ التَّيَمُّمَ يَقُومُ مَقَامَ الْوُضُوءِ وَلَوْ كَانَتِ الطَّهَارَةُ بِهِ ضَعِيفَة لما أم بن عَبَّاس وَهُوَ متيمم من كَانَ متوضأ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَافَقَ فِيهَا الْبُخَارِيُّ الْكُوفِيِّينَ وَالْجُمْهُورَ وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ مِنَ التَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمْ إِلَى خِلَافِ ذَلِكَ وَحُجَّتُهُمْ أَنَّ التَّيَمُّمَ طَهَارَةٌ ضَرُورِيَّةٌ لِاسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ وَلِذَلِكَ أَعْطَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي أَجْنَبَ فَلَمْ يُصَلِّ الْإِنَاءَ مِنَ الْمَاءِ لِيَغْتَسِلَ بِهِ بَعْدَ أَنْ قَالَ لَهُ عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ لِأَنَّهُ وَجَدَ الْمَاءَ فَبَطَلَ تَيَمُّمُهُ وَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِهَذَا عَلَى عَدَمِ جَوَازِ أَكْثَرَ مِنْ فَرِيضَةٍ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ نَظَرٌ وَقَدْ أُبِيحَ عِنْدَ الْأَكْثَرِ بِالتَّيَمُّمِ الْوَاحِدِ النَّوَافِلُ مَعَ الْفَرِيضَةِ إِلَّا أَنَّ مَالِكًا رَحمَه الله يشْتَرط تقدم الْفَرِيضَة وشذ شريك الْقَاضِي فَقَالَ لَا يُصَلَّى بِالتَّيَمُّمِ الْوَاحِدِ أَكْثَرَ مِنْ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ فَرْضًا كَانَتْ أَوْ نَفْلًا قَالَ بن الْمُنْذِرِ إِذَا صَحَّتِ النَّوَافِلُ بِالتَّيَمُّمِ الْوَاحِدِ صَحَّتِ الْفَرَائِضُ لِأَنَّ جَمِيعَ مَا يُشْتَرَطُ لِلْفَرَائِضِ مُشْتَرَطٌ لِلنَّوَافِلِ إِلَّا بِدَلِيلٍ انْتَهَى وَقَدِ اعْتَرَفَ الْبَيْهَقِيُّ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ مِنَ الطَّرفَيْنِ قَالَ لَكِن صَحَّ عَن بن عُمَرَ إِيجَابُ التَّيَمُّمِ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ وَلَا يُعْلَمُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَتُعُقِّبَ بِمَا رَوَاهُ بن الْمُنْذر عَن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ لَا يَجِبُ وَاحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ لِعَدَمِ الْوُجُوبِ بِعُمُومِ قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ أَيْ مَا لَمْ تُحْدِثْ أَوْ تَجِدِ الْمَاءَ وَحَمَلَهُ الْجُمْهُورُ عَلَى الْفَرِيضَةِ الَّتِي تَيَمَّمَ مِنْ أَجْلِهَا وَيُصَلِّي بِهِ مَا شَاءَ مِنَ النَّوَافِلِ فَإِذَا حَضَرَتْ فَرِيضَةٌ أُخْرَى وَجَبَ طَلَبُ الْمَاءِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ تَيَمَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ .

     وَقَالَ  يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ هُوَ الْأَنْصَارِيُّ وَالسَّبَخَةُ بِمُهْمَلَةٍ وَمُوَحَّدَةٍ ثُمَّ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَاتٍ هِيَ الْأَرْضُ الْمَالِحَةُ الَّتِي لَا تَكَادُ تُنْبِتُ وَإِذَا وَصَفْتَ الْأَرْضَ قُلْتَ هِيَ أَرْضٌ سَبِخَةٌ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَهَذَا الْأَثَرُ يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ فِي التَّرْجَمَةِ الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ أَيْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالطَّيِّبِ الطَّاهِرُ.

.
وَأَمَّا الصَّعِيدُ فَقَدْ تَقَدَّمَ نَقْلُ الْخِلَافِ فِيهِ وَأَنَّ الْأَظْهَرَ اشْتِرَاطُ التُّرَابِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى فامسحوا بوجوهكم وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ فَإِن الظَّاهِر أَنَّهَا للتَّبْعِيض قَالَ بن بَطَّالٍ فَإِنْ قِيلَ لَا يُقَالُ مَسَحَ مِنْهُ إِلَّا إِذَا أَخَذَ مِنْهُ جُزْءًا وَهَذِهِ صِفَةُ التُّرَابِ لَا صِفَةُ الصَّخْرِ مَثَلًا الَّذِي لَا يَعْلَقُ بِالْيَدِ مِنْهُ شَيْءٌ قَالَ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ .

     قَوْلُهُ  مِنْهُ صِلَةً وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ تَعَسُّفٌ قَالَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ فَإِنْ قُلْتَ لَا يَفْهَمُ أَحَدٌ مِنَ الْعَرَبِ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ مَسَحْتُ بِرَأْسِي مِنَ الدُّهْنِ أَوْ غَيْرِهِ إِلَّا مَعْنَى التَّبْعِيضِ.

.

قُلْتُ هُوَ كَمَا تَقُولُ وَالْإِذْعَانُ لِلْحَقِّ خَيْرٌ مِنَ الْمِرَاءِ انْتَهَى وَاحْتَجَّ بن خُزَيْمَةَ لِجَوَازِ التَّيَمُّمِ بِالسَّبِخَةِ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ فِي شَأْنِ الْهِجْرَةِ أَنَّهُ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ سَبِخَةً ذَاتَ نَخْلٍ يَعْنِي الْمَدِينَةَ قَالَ وَقَدْ سَمَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ طَيِّبَةَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ السَّبِخَةَ دَاخِلَةٌ فِي الطَّيِّبِ وَلَمْ يُخَالِفُ فِي ذَلِكَ إِلَّا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ [ قــ :340 ... غــ :344] قَوْله حَدثنَا مُسَدّد زَاد أَبُو ذَر بن مُسَرْهَدٍ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ هُوَ الْقَطَّانُ وَعَوْفٌ بِالْفَاءِ هُوَ الْأَعْرَابِيُّ وَأَبُو رَجَاءٍ هُوَ الْعُطَارِدِيُّ وَعمْرَان هُوَ بن حُصَيْنٍ كُلُّهُمْ بَصْرِيُّونَ .

     قَوْلُهُ  كُنَّا فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْتُلِفَ فِي تَعْيِينِ هَذَا السَّفَرِ فَفِي مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ وَقَعَ عِنْدَ رُجُوعِهِمْ مِنْ خَيْبَرَ قَرِيبٌ مِنْ هَذِهِ الْقِصَّةِ وَفِي أبي دَاوُد من حَدِيث بن مَسْعُودٍ أَقْبَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ لَيْلًا فَنَزَلَ فَقَالَ مَنْ يَكْلَؤُنَا فَقَالَ بِلَالٌ أَنَا الْحَدِيثَ وَفِي الْمُوَطَّأِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ مُرْسَلًا عَرَّسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً بِطَرِيقِ مَكَّةَ وَوَكَّلَ بِلَالًا وَفِي مُصَنَّفِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ مُرْسَلًا أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بِطَرِيقِ تَبُوكَ وَلِلْبَيْهَقِيِّ فِي الدَّلَائِلِ نَحْوُهُ مِنْ حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ وَرَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ مُطَوَّلًا وَالْبُخَارِيُّ مُخْتَصَرًا فِي الصَّلَاةِ قِصَّةَ نَوْمِهِمْ عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ أَيْضًا فِي السَّفَرِ لَكِنْ لَمْ يُعَيِّنْهُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي غَزْوَة جَيش الْأُمَرَاء وَتعقبه بن عَبْدِ الْبَرِّ بِأَنَّ غَزْوَةَ جَيْشِ الْأُمَرَاءِ هِيَ غَزْوَةُ مُؤْتَةَ وَلَمْ يَشْهَدْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ كَمَا قَالَ لَكِنْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِغَزْوَةِ جَيْشِ الْأُمَرَاءِ غَزْوَةً أُخْرَى غَيْرَ غَزْوَةِ مُؤْتَةَ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ كَانَ ذَلِكَ مَرَّةً أَوْ أَكْثَرَ أَعْنِي نَوْمَهُمْ عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ فَجَزَمَ الْأَصِيلِيُّ بِأَنَّ الْقِصَّةَ وَاحِدَةٌ.

.
وَتَعَقَّبَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ بِأَنَّ قِصَّةَ أَبِي قَتَادَةَ مُغَايِرَةٌ لِقِصَّةِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَهُوَ كَمَا قَالَ فَأَنَّ قِصَّةَ أَبِي قَتَادَةَ فِيهَا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ لَمْ يَكُونَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا نَامَ وَقِصَّةُ عِمْرَانَ فِيهَا أَنَّهُمَا كَانَا مَعَهُ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ وَأَيْضًا فقصة عمر أَن فِيهَا أَنَّ أَوَّلَ مَنِ اسْتَيْقَظَ أَبُو بَكْرٍ وَلَمْ يَسْتَيْقِظِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَيْقَظَهُ عُمَرُ بِالتَّكْبِيرِ وَقِصَّةُ أَبِي قَتَادَةَ فِيهَا أَنَّ أَوَّلَ مَنِ اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي الْقِصَّتَيْنِ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ الْمُغَايَرَاتِ وَمَعَ ذَلِكَ فَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مُمْكِنٌ لَا سِيَّمَا مَا وَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَبَاحٍ رَاوِيَ الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ ذَكَرَ أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ سَمِعَهُ وَهُوَ يُحَدِّثُ بِالْحَدِيثِ بِطُولِهِ فَقَالَ لَهُ انْظُرْ كَيْفَ تُحَدِّثُ فَإِنِّي كُنْتُ شَاهِدًا الْقِصَّةَ قَالَ فَمَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَدِيثِ شَيْئًا فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى اتِّحَادِهَا لَكِنْ لِمُدَّعِي التَّعَدُّدِ أَنْ يَقُولَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عِمْرَانُ حَضَرَ الْقِصَّتَيْنِ فَحَدَّثَ بِإِحْدَاهُمَا وَصَدَّقَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَبَاحٍ لَمَّا حَدَّثَ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ بِالْأُخْرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى تَعَدُّدِ الْقِصَّةِ اخْتِلَافُ مَوَاطِنِهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَحَاوَلَ بن عَبْدِ الْبَرِّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ زَمَانَ رُجُوعِهِمْ مِنْ خَيْبَرَ قَرِيبٌ مِنْ زَمَانِ رُجُوعِهِمْ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ وَأَنَّ اسْمَ طَرِيقِ مَكَّةَ يَصْدُقُ عَلَيْهِمَا وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنَ التَّكَلُّفِ وَرِوَايَةُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِتَعْيِينِ غَزْوَةِ تَبُوكَ تَرُدُّ عَلَيْهِ وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ شَبِيهًا بِقِصَّةِ عِمْرَانَ وَفِيهِ أَنَّ الَّذِي كَلَأَ لَهُمُ الْفَجْرَ ذُو مِخْبَرٍ وَهُوَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَأَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ ذِي مِخْبَرٍ أَيْضًا وَأَصْلُهُ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَنَّ بِلَالًا هُوَ الَّذِي كَلَأَ لَهُمُ الْفَجْرَ وَذَكَرَ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَوَّلَهُمُ اسْتِيقَاظًا كَمَا فِي قِصَّةِ أَبِي قَتَادَةَ وَلِابْنِ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيث بن مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَلَأ لَهُمُ الْفَجْرَ وَهَذَا أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى تَعَدُّدِ الْقِصَّةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  أَسْرَيْنَا قَالَ الْجَوْهَرِيُّ تَقُولُ سَرَيْتُ وَأَسْرَيْتُ بِمَعْنَى إِذَا سِرْتُ لَيْلًا.

     وَقَالَ  صَاحِبُ الْمُحْكَمِ السُّرَى سَيْرُ عَامَّةُ اللَّيْلِ وَقِيلَ سَيْرُ اللَّيْلِ كُلِّهِ وَهَذَا الْحَدِيثُ يُخَالِفُ الْقَوْلَ الثَّانِيَ .

     قَوْلُهُ  وَقَعْنَا وَقْعَةً فِي رِوَايَةِ أَبِي قَتَادَةَ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ ذِكْرُ سَبَبِ نُزُولِهِمْ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ وَهُوَ سُؤَالُ بَعْضِ الْقَوْمِ فِي ذَلِكَ وَفِيهِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَخَافُ أَنْ تَنَامُوا عَنِ الصَّلَاةِ فَقَالَ بِلَالٌ أَنَا أُوقِظُهُمْ .

     قَوْلُهُ  فَكَانَ أَوَّلَ مَنِ اسْتَيْقَظَ فُلَانٌ بِنَصْبِ أَوَّلَ لِأَنَّهُ خَبَرُ كَانَ وَقَولُهُ الرَّابِعُ هُوَ فِي رِوَايَتِنَا بِالرَّفْعِ وَيَجُوزُ نَصْبُهُ عَلَى خَبَرِ كَانَ أَيْضًا وَقَدْ بَيَّنَ عَوْفٌ أَنَّهُ نَسِيَ تَسْمِيَةَ الثَّلَاثَةِ مَعَ أَنَّ شَيْخَهُ كَانَ يُسَمِّيهِمْ وَقد شَاركهُ فِي رِوَايَته عَن سَلْمُ بْنُ زَرِيرٍ فَسَمَّى أَوَّلَ مَنِ اسْتَيْقَظَ أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ فِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ مِنْ طَرِيقِهِ وَلَفْظُهُ فَكَانَ أَوَّلَ مَنِ اسْتَيْقَظَ أَبُو بَكْرٍ وَيُشْبِهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يَكُونَ الثَّانِي عِمْرَانَ رَاوِيَ الْقِصَّةِ لِأَنَّ ظَاهِرَ سِيَاقِهِ أَنَّهُ شَاهَدَ ذَلِكَ وَلَا يُمْكِنُهُ مُشَاهَدَتُهُ إِلَّا بَعْدَ اسْتِيقَاظِهِ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الثَّالِثُ مَنْ شَارَكَ عِمْرَانَ فِي رِوَايَةِ هَذِهِ الْقِصَّةِ الْمُعَيَّنَةِ فَفِي الطَّبَرَانِيِّ مِنْ رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ ذُو مِخْبَرٍ فَمَا أَيْقَظَنِي إِلَّا حَرُّ الشَّمْسِ فَجِئْتُ أَدْنَى الْقَوْمِ فَأَيْقَظْتُهُ وَأَيْقَظَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا حَتَّى اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

     قَوْلُهُ  لِأَنَّا لَا نَدْرِي مَا يَحْدُثُ لَهُ بِضَمِّ الدَّالِ بَعْدَهَا مُثَلَّثَةٌ أَيْ مِنَ الْوَحْيِ كَانُوا يَخَافُونَ مِنْ إِيقَاظِهِ قَطْعَ الْوَحْيِ فَلَا يوقظونه لاحْتِمَال ذَلِك قَالَ بن بَطَّالٍ يُؤْخَذُ مِنْهُ التَّمَسُّكُ بِالْأَمْرِ الْأَعَمِّ احْتِيَاطًا .

     قَوْلُهُ  وَكَانَ رَجُلًا جَلِيدًا هُوَ مِنَ الْجَلَادَةِ بِمَعْنَى الصَّلَابَةِ وَزَادَ مُسْلِمٌ هُنَا أَجْوَفُ أَيْ رَفِيعُ الصَّوْتِ يَخْرُجُ صَوْتُهُ مِنْ جَوْفِهِ بِقُوَّةٍ وَفِي اسْتِعْمَالِهِ التَّكْبِيرَ سُلُوكُ طَرِيقِ الْأَدَبِ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْمَصْلَحَتَيْنِ وَخَصَّ التَّكْبِيرَ لِأَنَّهُ أَصْلُ الدُّعَاءِ إِلَى الصَّلَاةِ .

     قَوْلُهُ  الَّذِي أَصَابَهُمْ أَيْ مِنْ نَوْمِهِمْ عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ حَتَّى خَرَجَ وَقْتُهَا قَوْله لَا ضير أَي لاضرر وَقَولُهُ أَوْ لَا يُضِيرُ شَكٌّ مِنْ عَوْفٍ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْبَيْهَقِيُّ فِي رِوَايَتِهِ وَلِأَبِي نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ لَا يَسُوءُ وَلَا يُضِيرُ وَفِيهِ تَأْنِيسٌ لِقُلُوبِ الصَّحَابَةِ لِمَا عَرَضَ لَهُمْ مِنَ الْأَسَفِ عَلَى فَوَاتِ الصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا بِأَنَّهُمْ لَا حَرَجَ عَلَيْهِمْ إِذْ لَمْ يَتَعَمَّدُوا ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  ارْتَحِلُوا بِصِيغَةِ الْأَمْرِ اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ تَأْخِيرِ الْفَائِتَةِ عَنْ وَقْتِ ذِكْرِهَا إِذَا لَمْ يَكُنْ عَنْ تَغَافُلٍ أَوْ اسْتِهَانَةٍ وَقَدْ بَيَّنَ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ السَّبَبَ فِي الْأَمْرِ بِالِارْتِحَالِ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ الَّذِي نَامُوا فِيهِ وَلَفْظُهُ فَإِنَّ هَذَا مَنْزِلٌ حَضَرَنَا فِيهِ الشَّيْطَان وَلأبي دَاوُد من حَدِيث بن مَسْعُودٍ تَحَوَّلُوا عَنْ مَكَانِكُمُ الَّذِي أَصَابَتْكُمْ فِيهِ الْغَفْلَة وَفِيه رد على مَا زَعَمَ أَنَّ الْعِلَّةَ فِيهِ كَوْنُ ذَلِكَ كَانَ وَقْتَ الْكَرَاهَةِ بَلْ فِي حَدِيثِ الْبَابِ أَنَّهُمْ لَمْ يَسْتَيْقِظُوا حَتَّى وَجَدُوا حَرَّ الشَّمْسِ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ حَتَّى ضَرَبَتْهُمُ الشَّمْسُ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ أَنْ يَذْهَبَ وَقْتُ الْكَرَاهَةِ وَقَدْ قِيلَ إِنَّمَا أَخَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةَ لِاشْتِغَالِهِمْ بِأَحْوَالِهَا وَقِيلَ تَحَرُّزًا مِنَ الْعَدُوِّ وَقِيلَ انْتِظَارًا لِمَا يَنْزِلُ عَلَيْهِ مِنَ الْوَحْيِ وَقِيلَ لِأَنَّ الْمَحَلَّ مَحَلُّ غَفْلَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَقِيلَ لِيَسْتَيْقِظَ مَنْ كَانَ نَائِمًا وَيَنْشَطَ مَنْ كَانَ كسلانا وروى عَن بن وَهْبٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ تَأْخِيرَ قَضَاءِ الْفَائِتَةِ مَنْسُوخٌ بقوله تَعَالَى أقِم الصَّلَاة لذكرى وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْآيَةَ مَكِّيَّةٌ وَالْحَدِيثَ مَدَنِيٌّ فَكَيْفَ يَنْسَخُ الْمُتَقَدِّمُ الْمُتَأَخِّرَ وَقَدْ تَكَلَّمَ الْعُلَمَاءُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ حَدِيثِ النَّوْمِ هَذَا وَبَيْنَ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن عَيْني تَنَامَانِ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي قَالَ النَّوَوِيُّ لَهُ جَوَابَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْقَلْبَ إِنَّمَا يُدْرِكُ الْحِسِّيَّاتِ الْمُتَعَلِّقَةَ بِهِ كَالْحَدَثِ وَالْأَلَمِ وَنَحْوِهِمَا وَلَا يُدْرِكُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ لِأَنَّهَا نَائِمَةٌ وَالْقَلْبَ يَقْظَانُ وَالثَّانِي أَنَّهُ كَانَ لَهُ حَالَانِ حَالٌ كَانَ قَلْبُهُ فِيهِ لَا يَنَامُ وَهُوَ الْأَغْلَبُ وَحَالٌ يَنَامُ فِيهِ قَلْبُهُ وَهُوَ نَادِرٌ فَصَادَفَ هَذَا أَيْ قِصَّةَ النَّوْمِ عَنِ الصَّلَاةِ قَالَ وَالصَّحِيحُ الْمُعْتَمَدُ هُوَ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي ضَعِيفٌ وَهُوَ كَمَا قَالَ وَلَا يُقَال الْقلب وَإِن كَانَ لايدرك مَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ مِنْ رُؤْيَةِ الْفَجْرِ مَثَلًا لَكِنَّهُ يُدْرِكُ إِذَا كَانَ يَقْظَانًا مُرُورَ الْوَقْتِ الطَّوِيلِ فَإِنَّ مِنِ ابْتِدَاءِ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَى أَنْ حَمِيَتِ الشَّمْسُ مُدَّةً طَوِيلَةً لَا تَخْفَى عَلَى مَنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَغْرِقًا لِأَنَّا نَقُولُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ كَانَ قَلْبُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ ذَاكَ مُسْتَغْرِقًا بِالْوَحْيِ وَلَا يَلْزَمُ مَعَ ذَلِكَ وَصْفُهُ بِالنَّوْمِ كَمَا كَانَ يَسْتَغْرِقُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَالَةَ إِلْقَاءِ الْوَحْيِ فِي الْيَقَظَةِ وَتَكُونُ الْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ بَيَانَ التَّشْرِيعِ بِالْفِعْلِ لِأَنَّهُ أَوْقَعُ فِي النَّفْسِ كَمَا فِي قَضِيَّةِ سَهْوِهِ فِي الصَّلَاةِ وَقَرِيبٌ من هَذَا جَوَاب بن الْمُنِيرِ أَنَّ الْقَلْبَ قَدْ يَحْصُلُ لَهُ السَّهْوُ فِي الْيَقَظَةِ لِمَصْلَحَةِ التَّشْرِيعِ فَفِي النَّوْمِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى أَوْ عَلَى السَّوَاءِ وَقَدْ أُجِيبَ عَلَى أَصْلِ الْإِشْكَالِ بِأَجْوِبَةٍ أُخْرَى ضَعِيفَةٍ مِنْهَا أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ لَا يَنَامُ قَلْبِي أَيْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ حَالَةُ انْتِقَاضِ وُضُوئِهِ وَمِنْهَا أَنَّ مَعْنَاهُ لَا يَسْتَغْرِقُ بِالنَّوْمِ حَتَّى يُوجَدَ مِنْهُ الْحَدَثُ وَهَذَا قَرِيبٌ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ كَأَنَّ قَائِلَ هَذَا أَرَادَ تَخْصِيصَ يَقَظَةِ الْقَلْبِ بِإِدْرَاكِ حَالَةِ الِانْتِقَاضِ وَذَلِكَ بَعِيدٌ وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي خَرَجَ جَوَابًا عَنْ قَوْلِ عَائِشَةَ أَتَنَامُ قَبْلَ أَنْ تُوتِرَ وَهَذَا كَلَامٌ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِانْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ الَّذِي تَكَلَّمُوا فِيهِ وَإِنَّمَا هُوَ جَوَابٌ يَتَعَلَّقُ بِأَمْرِ الْوِتْرِ فَتُحْمَلُ يَقَظَتُهُ عَلَى تَعَلُّقِ الْقَلْبِ بِالْيَقَظَةِ لِلْوِتْرِ وَفَرَّقَ بَيْنَ مَنْ شَرَعَ فِي النَّوْمِ مُطْمَئِنَّ الْقَلْبِ بِهِ وَبَيْنَ مَنْ شَرَعَ فِيهِ مُتَعَلِّقًا بِالْيَقَظَةِ قَالَ فَعَلَى هَذَا فَلَا تَعَارُضَ وَلَا إِشْكَالَ فِي حَدِيثِ النَّوْمِ حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ لِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ اطْمَأَنَّ فِي نَوْمِهِ لِمَا أَوْجَبَهُ تَعَبُ السَّيْرِ مُعْتَمِدًا عَلَى مَنْ وَكَّلَهُ بِكِلَاءَةِ الْفَجْرِ اه وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَمُحَصَّلُهُ تَخْصِيصُ الْيَقَظَةِ الْمَفْهُومَةِ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي بِإِدْرَاكِهِ وَقْتَ الْوِتْرِ إِدْرَاكًا مَعْنَوِيًّا لِتَعَلُّقِهِ بِهِ وَأَنَّ نَوْمَهُ فِي حَدِيثِ الْبَابِ كَانَ نَوْمًا مُسْتَغْرِقًا وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ بِلَالٍ لَهُ أَخَذَ بِنَفْسِي الَّذِي أَخَذَ بِنَفْسِكَ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَلَمْ يُنْكِرُ عَلَيْهِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ نَوْمَ بِلَالٍ كَانَ مُسْتَغْرِقًا وَقَدِ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ مَا قَالَهُ يَقْتَضِي اعْتِبَارَ خُصُوصِ السَّبَبِ وَأَجَابَ بِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ إِذَا قَامَتْ عَلَيْهِ قَرِينَةٌ وَأَرْشَدَ إِلَيْهِ السِّيَاقُ وَهُوَ هُنَا كَذَلِكَ وَمِنَ الْأَجْوِبَةِ الضَّعِيفَةِ أَيْضًا قَوْلُ مَنْ قَالَ كَانَ قَلْبُهُ يَقْظَانًا وَعَلِمَ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ لَكِنْ تَرَكَ إِعْلَامَهُمْ بِذَلِكَ عَمْدًا لِمَصْلَحَةِ التَّشْرِيعِ وَقَوْلُ مَنْ قَالَ الْمُرَادُ بِنَفْيِ النَّوْمِ عَنْ قَلْبِهِ أَنَّهُ لَا يَطْرَأُ عَلَيْهِ أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ كَمَا يَطْرَأُ عَلَى غَيْرِهِ بَلْ كُلُّ مَا يَرَاهُ فِي نَوْمِهِ حَقٌّ وَوَحْيٌ فَهَذِهِ عِدَّةُ أَجْوِبَةٍ أَقْرَبُهَا إِلَى الصَّوَابِ الْأَوَّلُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قَرَّرْنَاهُ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ فَائِدَةٌ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ أَخَذَ بِهَذَا بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فَقَالَ مَنِ انْتَبَهَ مِنْ نَوْمٍ عَنْ صَلَاةِ فَاتَتْهُ فِي سَفَرٍ فَلْيَتَحَوَّلْ عَنْ مَوْضِعِهِ وَإِنْ كَانَ وَادِيًا فَيَخْرُجُ عَنْهُ وَقِيلَ إِنَّمَا يَلْزَمُ فِي ذَلِكَ الْوَادِي بِعَيْنِهِ وَقِيلَ هُوَ خَاصٌّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ مِنْ حَالِ ذَلِكَ الْوَادِي وَلَا غَيْرِهِ ذَلِكَ إِلَّا هُوَ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ حَصَلَتْ لَهُ غَفْلَةٌ فِي مَكَانٍ عَنْ عِبَادَةٍ اسْتُحِبَّ لَهُ التَّحَوُّلُ مِنْهُ وَمِنْهُ أَمْرُ النَّاعِسِ فِي سَمَاعِ الْخُطْبَةِ يَوْمَ الْجُمْعَةِ بِالتَّحَوُّلِ مِنْ مَكَانِهِ إِلَى مَكَانٍ آخَرَ .

     قَوْلُهُ  فَسَارَ غَيْرَ بَعِيدٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِارْتِحَالَ الْمَذْكُورَ وَقَعَ عَلَى خِلَافِ سَيْرِهِمُ الْمُعْتَادِ .

     قَوْلُهُ  وَنُودِيَ بِالصَّلَاةِ اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى الْأَذَانِ لِلْفَوَائِتِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ النِّدَاءَ أَعَمُّ مِنَ الْأَذَانِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ هُنَا الْإِقَامَةُ وَأُجِيبَ بِأَنَّ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ التَّصْرِيحُ بِالتَّأْذِينِ وَكَذَا هُوَ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي أَوَاخِرِ الْمَوَاقِيتِ وَتَرْجَمَ لَهُ خَاصَّةً بِذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي .

     قَوْلُهُ  فَصَلَّى بِالنَّاسِ فِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ الْجَمَاعَةِ فِي الْفَوَائِتِ .

     قَوْلُهُ  إِذَا هُوَ بِرَجُلٍ لَمْ أَقِفْ عَلَى تَسْمِيَتِهِ وَوَقَعَ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ لِلشَّيْخِ سِرَاجِ الدِّينِ بْنِ الْمُلَقِّنِ مَا نَصُّهُ هَذَا الرَّجُلُ هُوَ خَلَّادُ بْنُ رَافِعِ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيُّ أَخُو رِفَاعَةَ شَهِدَ بَدْرًا قَالَ بن الْكَلْبِيِّ وَقُتِلَ يَوْمَئِذٍ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ لَهُ رِوَايَةٌ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عَاشَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

.

قُلْتُ أَمَّا عَلَى قَول بن الْكَلْبِيِّ فَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ صَاحِبَ هَذِهِ الْقِصَّةِ لِتَقَدُّمِ وَقْعَةَ بَدْرٍ عَلَى هَذِهِ الْقِصَّةِ بِمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ بِلَا خِلَافٍ فَكَيْفَ يَحْضُرُ هَذِهِ الْقِصَّةَ بَعْدَ قَتْلِهِ.

.
وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ غَيْرِ بن الْكَلْبِيِّ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ لَهُ رِوَايَةٌ أَنْ يَكُونَ عَاشَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ الرِّوَايَةُ عَنْهُ مُنْقَطِعَةً أَوْ مُتَّصِلَةً لَكِنْ نَقَلَهَا عَنْهُ صَحَابِيٌّ آخَرُ وَنَحْوُهُ وَعَلَى هَذَا فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَنْ قَالَ إِنَّهُ قُتِلَ بِبَدْرٍ إِلَّا أَنْ تَجِيءَ رِوَايَةٌ عَنْ تَابِعِيٍّ غَيْرِ مُخَضْرَمٍ وَصَرَّحَ فِيهَا بِسَمَاعِهِ مِنْهُ فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ عَاشَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكِنْ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ هُوَ صَاحِبَ هَذِهِ الْقِصَّةِ إِلَّا إِنْ وَرَدَتْ رِوَايَةٌ مَخْصُوصَةٌ بِذَلِكَ وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهَا إِلَى الْآنَ .

     قَوْلُهُ  أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ وَلَا مَاءٌ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ أَيْ مَعِي أَوْ مَوْجُودٌ وَهُوَ أَبْلَغُ فِي إِقَامَةِ عُذْرِهِ وَفِي هَذِهِ الْقِصَّةِ مَشْرُوعِيَّةُ تَيَمُّمِ الْجُنُبِ وَسَيَأْتِي الْقَوْلُ فِيهِ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ وَفِيهَا جَوَازُ الِاجْتِهَادِ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ سِيَاقَ الْقِصَّةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّيَمُّمَ كَانَ مَعْلُومًا عِنْدَهُمْ لَكِنَّهُ صَرِيحٌ فِي الْآيَةِ عَنِ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُلَامَسَةِ مَا دُونَ الْجِمَاعِ.

.
وَأَمَّا الْحَدَثُ الْأَكْبَرُ فَلَيْسَتْ صَرِيحَةً فِيهِ فَكَأَنَّهُ كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّ الْجُنُبَ لَا يَتَيَمَّمُ فَعَمِلَ بِذَلِكَ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى أَنْ يَسْأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذَا الْحُكْمِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ لَا يَعْلَمُ مَشْرُوعِيَّةَ التَّيَمُّمِ أَصْلًا فَكَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذِهِ الْقِصَّةِ أَنَّ لِلْعَالِمِ إِذَا رَأَى فِعْلًا مُحْتَمَلًا أَنْ يَسْأَلَ فَاعِلَهُ عَنِ الْحَالِ فِيهِ لِيُوَضِّحَ لَهُ وَجْهَ الصَّوَابِ وَفِيهِ التَّحْرِيضُ عَلَى الصَّلَاةِ فِي الْجَمَاعَةِ وَأَنَّ تَرْكَ الشَّخْصِ الصَّلَاةَ بِحَضْرَةِ الْمُصَلِّينَ مَعِيبٌ عَلَى فَاعِلِهِ بِغَيْرِ عُذْرٍ وَفِيهِ حُسْنُ الْمُلَاطَفَةِ وَالرِّفْقُ فِي الْإِنْكَارِ .

     قَوْلُهُ  عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ وَفِي رِوَايَةِ سَلْمِ بْنِ زَرِيرٍ فَأَمَرَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ بِالصَّعِيدِ وَاللَّامُ فِيهِ لِلْعَهْدِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ الِاكْتِفَاءُ فِي الْبَيَانِ بِمَا يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ مِنَ الْإِفْهَامِ لِأَنَّهُ أَحَالَهُ عَلَى الْكَيْفِيَّةِ الْمَعْلُومَةِ مِنَ الْآيَةِ وَلَمْ يُصَرِّحْ لَهُ بِهَا وَدَلَّ .

     قَوْلُهُ  يَكْفِيكَ عَلَى أَنَّ الْمُتَيَمِّمَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالة لايلزمه الْقَضَاءُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ يَكْفِيكَ أَيْ لِلْأَدَاءِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى تَرْكِ الْقَضَاءِ .

     قَوْلُهُ  فَدَعَا فُلَانًا هُوَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  فِي رِوَايَةِ سَلْمِ بن زَرِيرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ ثُمَّ عَجَّلَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَكْبٍ بَيْنَ يَدَيْهِ نَطْلُبُ الْمَاءَ وَدَلَّتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ هُوَ وَعَلِيٌّ فَقَطْ لِأَنَّهُمَا خُوطِبَا بِلَفْظِ التَّثْنِيَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ مَعَهُمَا غَيْرُهُمَا عَلَى سَبِيلِ التَّبَعِيَّةِ لَهُمَا فَيُتَّجَهُ إِطْلَاقُ لَفْظِ رَكْبٍ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَخُصَّا بِالْخِطَابِ لِأَنَّهُمَا الْمَقْصُودَانِ بِالْإِرْسَالِ .

     قَوْلُهُ  فَابْتَغِيَا لِلْأَصِيلِيِّ فَابْغِيَا وَلِأَحْمَدَ فَأَبْغِيَانَا وَالْمُرَادُ الطَّلَبُ يُقَالُ ابْتَغِ الشَّيْءَ أَيْ تَطَلَّبْهُ وَابْغِ الشَّيْءَ أَيِ اطْلُبْهُ وَأَبْغِنِي أَيِ اطْلُبْ لِي وَفِيهِ الْجَرْيُ عَلَى الْعَادَةِ فِي طَلَبِ الْمَاءِ وَغَيْرِهِ دُونَ الْوُقُوفِ عِنْدَ خَرْقِهَا وَأَنَّ التَّسَبُّبَ فِي ذَلِكَ غَيْرُ قَادِحٍ فِي التَّوَكُّلِ .

     قَوْلُهُ  بَيْنَ مَزَادَتَيْنِ الْمَزَادَةُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالزَّايِ قِرْبَةٌ كَبِيرَةٌ يُزَادُ فِيهَا جِلْدٌ مِنْ غَيْرِهَا وَتسَمى أَيْضا السطيحة وأو هُنَا شَكٌّ مِنْ عَوْفٍ لِخُلُوِّ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ عَنْهَا وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَإِذَا نَحْنُ بِامْرَأَةٍ سَادِلَةٍ أَيْ مُدَلِّيَةٍ رِجْلَيْهَا بَيْنَ مَزَادَتَيْنِ وَالْمُرَادُ بِهِمَا الرَّاوِيَةُ .

     قَوْلُهُ  أَمْسِ خبر لمبتدأ وَهُوَ مبْنى على الْكسر وَهَذِه السَّاعَة بِالنّصب على الظَّرْفِيَّة.

     وَقَالَ  بن مَالِكٍ أَصْلُهُ فِي مِثْلِ هَذِهِ السَّاعَةِ فَحُذِفَ الْمُضَافُ وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إِلَيْهِ مَقَامَهُ أَيْ بَعْدَ حذف فِي قَوْله ونفرنا قَالَ بن سِيدَهْ النَّفَرُ مَا دُونَ الْعَشَرَةِ وَقِيلَ النَّفَرُ النَّاسُ عَنْ كَرَاعٍ.

.

قُلْتُ وَهُوَ اللَّائِقُ هُنَا لِأَنَّهَا أَرَادَتْ أَنَّ رِجَالَهَا تَخَلَّفُوا لِطَلَبِ الْمَاءِ وخلوف بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَاللَّامِ جَمْعُ خَالِفٍ قَالَ بن فَارِسٍ الْخَالِفُ الْمُسْتَقِي وَيُقَالُ أَيْضًا لِمَنْ غَابَ وَلَعَلَّهُ الْمُرَادُ هُنَا أَيْ أَنَّ رِجَالَهَا غَابُوا عَنِ الْحَيِّ وَيَكُونُ قَوْلُهَا وَنَفَرْنَا خُلُوفٌ جُمْلَةً مُسْتَقِلَّةً زَائِدَةً عَلَى جَوَابِ السُّؤَالِ وَفِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي وَالْحَمَوِيِّ وَنَفَرْنَا خُلُوفًا بِالنَّصْبِ عَلَى الْحَالِ السَّادة مسد الْخَبَر قَوْله الصابىء بِلَا هَمْزٍ أَيِ الْمَائِلُ وَيُرْوَى بِالْهَمْزِ مِنْ صَبَأَ صُبُوءًا أَيْ خَرَجَ مِنْ دِينٍ إِلَى دِينٍ وَسَيَأْتِي تَفْسِيرُهُ لِلْمُصَنِّفِ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ .

     قَوْلُهُ  هُوَ الَّذِي تَعْنِينَ فِيهِ أَدَبٌ حَسَنٌ وَلَوْ قَالَا لَهَا لَا لَفَاتَ الْمَقْصُودُ أَوْ نَعَمْ لَمْ يَحْسُنْ بِهِمَا إِذْ فِيهِ تَقْرِيرٌ ذَلِكَ فَتَخَلَّصَا أَحْسَنَ تَخَلُّصٍ وَفِيهِ جَوَازُ الْخَلْوَةِ بالاجنبيه فِي مثل هَذِه الْحَالة عِنْدَ أَمْنِ الْفِتْنَةِ .

     قَوْلُهُ  فَاسْتَنْزَلُوهَا عَنْ بَعِيرِهَا قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ الْمُتَقَدِّمِينَ إِنَّمَا أَخَذُوهَا وَاسْتَجَازُوا أَخْذَ مَائِهَا لِأَنَّهَا كَانَتْ كَافِرَةً حَرْبِيَّةً وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ لَهَا عَهْدٌ فَضَرُورَةُ الْعَطَشِ تُبِيحُ لِلْمُسْلِمِ الْمَاءَ الْمَمْلُوكَ لِغَيْرِهِ عَلَى عِوَضٍ وَإِلَّا فَنَفْسُ الشَّارِعِ تُفْدَى بِكُلِّ شَيْءٍ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ .

     قَوْلُهُ  فَفَرَّغَ وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ فَأَفْرَغَ فِيهِ مِنْ أَفْوَاهِ الْمَزَادَتَيْنِ زَادَ الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَتَمَضْمَضَ فِي الْمَاءِ وَأَعَادَهُ فِي أَفْوَاهِ الْمَزَادَتَيْنِ وَبِهَذِهِ الزِّيَادَةِ تَتَّضِحُ الْحِكْمَةُ فِي رَبْطِ الْأَفْوَاهِ بَعْدَ فَتْحِهَا وَإِطْلَاقِ الْأَفْوَاهِ هُنَا كَقَوْلِه تَعَالَى فقد صغت قُلُوبكُمَا إِذْ لَيْسَ لِكُلِّ مَزَادَةٍ سِوَى فَمٍ وَاحِدٍ وَعُرِفَ مِنْهَا أَنَّ الْبَرَكَةَ إِنَّمَا حَصَلَتْ بِمُشَارَكَةِ رِيقِهِ الطَّاهِرِ الْمُبَارَكِ لِلْمَاءِ .

     قَوْلُهُ  وَأَوْكَأَ أَيْ رَبَطَ وَقَولُهُ وَأَطْلَقَ أَيْ فَتَحَ وَالْعَزَالِي بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالزَّايِ وَكَسْرِ اللَّامِ وَيَجُوزُ فَتْحُهَا جَمْعُ عَزْلَاءَ بِإِسْكَانِ الزَّايِ قَالَ الْخَلِيلُ هِيَ مَصَبُّ المَاء من الراوية وَلكُل مزادة عزلا وان مِنْ أَسْفَلِهَا .

     قَوْلُهُ  أَسْقُوا بِهَمْزَةِ قَطْعٍ مَفْتُوحَةٍ مِنْ أَسْقَى أَوْ بِهَمْزَةِ وَصْلٍ مَكْسُورَةٍ مِنْ سَقَى وَالْمُرَادُ أَنَّهُمْ سَقَوْا غَيْرَهَمْ كَالدَّوَابِّ وَنَحْوِهَا واستقواهم .

     قَوْلُهُ  وَكَانَ آخِرَ ذَلِكَ أَنْ أَعْطَى بِنَصْبِ آخِرَ عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ وَأَنْ أَعْطَى اسْمُ كَانَ وَيَجُوزُ رَفْعُهُ عَلَى أَنْ أَعْطَى الْخَبَرُ لِأَنَّ كِلَيْهِمَا مَعْرِفَةٌ قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ وَالْأَوَّلُ أَقْوَى وَمِثْلُهُ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى فَمَا كَانَ جَوَاب قومه الْآيَةَ وَاسْتُدِلَّ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ عَلَى تَقْدِيمِ مَصْلَحَةِ شُرْبِ الْآدَمِيِّ وَالْحَيَوَانِ عَلَى غَيْرِهِ كَمَصْلَحَةِ الطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ لِتَأْخِيرِ الْمُحْتَاجِ إِلَيْهَا عَمَّنْ سَقَى وَاسْتَقَى وَلَا يُقَالُ قَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ سَلْمِ بْنِ زَرِيرٍ غَيْرِ أَنَّا لَمْ نَسْقِ بَعِيرًا لِأَنَّا نَقُولُ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الْإِبِلَ لم تكن مُحْتَاجَةً إِذْ ذَاكَ إِلَى السَّقْيِ فَيُحْمَلُ .

     قَوْلُهُ  فَسَقَى عَلَى غَيْرِهَا .

     قَوْلُهُ  وَايْمُ اللَّهِ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا وَالْمِيمُ مَضْمُومَةٌ أَصْلُهُ ايْمُنُ اللَّهِ وَهُوَ اسْمٌ وُضِعَ لِلْقَسَمِ هَكَذَا ثُمَّ حُذِفَتْ مِنْهُ النُّونُ تَخْفِيفًا وَأَلِفُهُ أَلِفُ وَصْلٍ مَفْتُوحَةٌ وَلم يَجِيء كَذَلِكَ غَيْرُهَا وَهُوَ مَرْفُوعٌ بِالِابْتِدَاءِ وَخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ وَالتَّقْدِيرُ ايْمُ اللَّهِ قَسَمِي وَفِيهَا لُغَاتٌ جَمَعَ مِنْهَا النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِهِ سَبْعَ عَشْرَةَ وَبَلَغَ بِهَا غَيْرُهُ عِشْرِينَ وَسَيَكُونُ لَنَا إِلَيْهَا عَوْدَةٌ لِبَيَانِهَا فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ جَوَازُ التَّوْكِيدِ بِالْيَمِينِ وَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ .

     قَوْلُهُ  أَشَدُّ مِلْأَةً بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ اللَّامِ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ وَفِي رِوَايَةِ لِلْبَيْهَقِيِّ أَمْلَأُ مِنْهَا وَالْمُرَادُ أَنَّهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّ مَا بَقِيَ فِيهَا مِنَ الْمَاءِ أَكْثَرُ مِمَّا كَانَ أَوَّلًا .

     قَوْلُهُ  اجْمَعُوا لَهَا فِيهِ جَوَازُ الْأَخْذِ لِلْمُحْتَاجِ بِرِضَا الْمَطْلُوبِ مِنْهُ أَوْ بِغَيْرِ رِضَاهُ إِنْ تَعَيَّنَ وَفِيهِ جَوَازُ الْمُعَاطَاةِ فِي مِثْلِ هَذَا مِنَ الْهِبَاتِ وَالْإِبَاحَاتِ مِنْ غَيْرِ لَفْظٍ مِنَ الْمُعْطِي وَالْآخِذِ .

     قَوْلُهُ  مِنْ بَيْنِ عَجْوَةٍ وَسَوِيقَةٍ الْعَجْوَةٌ مَعْرُوفَةٌ وَالسَّوِيقَةَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَذَا الدَّقِيقَةُ وَفِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ بِضَمِّهَا مُصَغَّرًا مُثَقَّلًا .

     قَوْلُهُ  حَتَّى جَمَعُوا لَهَا طَعَامًا زَادَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَتِهِ كَثِيرًا وَفِيهِ إِطْلَاقُ لَفْظِ الطَّعَامِ عَلَى غَيْرِ الْحِنْطَةِ وَالذُّرَةِ خِلَافًا لِمَنْ أَبَى ذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ .

     قَوْلُهُ  حَتَّى جَمَعُوا لَهَا طَعَامًا أَيْ غَيْرَ مَا ذُكِرَ مِنَ الْعَجْوَةِ وَغَيْرِهَا .

     قَوْلُهُ  قَالَ لَهَا تَعَلَّمِينَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَثَانِيهِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيْ اعْلَمِي وَلِلْأَصِيلِيِّ قَالُوا وَلِلْإِسْمَاعِيلِيِّ قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتُحْمَلُ رِوَايَةُ الْأَصِيلِيِّ عَلَى أَنَّهُمْ قَالُوا لَهَا ذَلِكَ بِأَمْرِهِ وَقَدِ اشْتَمَلَ ذَلِكَ عَلَى عَلَمٍ عَظِيمٍ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ .

     قَوْلُهُ  مَا رَزِئْنَا بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِ الزَّايِ وَيَجُوزُ فَتْحُهَا وَبَعْدَهَا هَمْزَةٌ سَاكِنَةٌ أَيْ نَقَصْنَا وَظَاهِرُهُ أَنَّ جَمِيعَ مَا أَخَذُوهُ مِنَ الْمَاءِ مِمَّا زَادَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَوْجَدَهُ وَأَنَّهُ لَمْ يَخْتَلِطْ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ مَائِهَا فِي الْحَقِيقَةِ وَإِنْ كَانَ فِي الظَّاهِرِ مُخْتَلِطًا وَهَذَا أَبْدَعُ وَأَغْرَبُ فِي الْمُعْجِزَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ وَلَكِنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي أَسْقَانَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مَا نَقَصْنَا مِنْ مِقْدَارِ مَائِكِ شَيْئًا وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا عَلَى جَوَازِ اسْتِعْمَالِ أَوَانِي الْمُشْرِكِينَ مَا لَمْ يَتَيَقَّنْ فِيهَا النَّجَاسَةَ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الَّذِي أَعْطَاهَا لَيْسَ عَلَى سَبِيلِ الْعِوَضِ عَنْ مَائِهَا بَلْ عَلَى سَبِيلِ التَّكَرُّمِ وَالتَّفَضُّلِ .

     قَوْلُهُ  .

     .

     وَقَالَتْ  
بِإِصْبَعَيْهَا أَيْ أَشَارَتْ وَهُوَ مِنْ إِطْلَاقِ الْقَوْلِ عَلَى الْفِعْلِ .

     قَوْلُهُ  يُغِيرُونَ الضَّم مِنْ أَغَارَ أَيْ دَفَعَ الْخَيْلَ فِي الْحَرْبِ .

     قَوْلُهُ  الصِّرْمَ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ أَبْيَاتًا مُجْتَمِعَةً مِنَ النَّاسِ .

     قَوْلُهُ  فَقَالَتْ يَوْمًا لِقَوْمِهَا مَا أَرَى هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ يَدْعُونَكُمْ عَمْدًا هَذِهِ رِوَايَةُ الْأَكْثَر قَالَ بن مَالِكٍ مَا مَوْصُولَةٌ وَأَرَى بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ بِمَعْنَى أَعْلَمُ وَالْمَعْنَى الَّذِي أَعْتَقِدُهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ يَتْرُكُونَكُمْ عَمْدًا لَا غَفْلَةً وَلَا نِسْيَانًا بَلْ مُرَاعَاةً لِمَا سَبَقَ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ وَهَذِهِ الْغَايَةُ فِي مُرَاعَاةِ الصُّحْبَةِ الْيَسِيرَةِ وَكَانَ هَذَا الْقَوْلُ سَبَبًا لِرَغْبَتِهِمْ فِي الْإِسْلَامِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ مَا أرى إِن هَؤُلَاءِ الْقَوْم.

     وَقَالَ  بن مَالِكٍ أَيْضًا وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ مَا أَدْرِي يَعْنِي رِوَايَةَ الْأَصِيلِيِّ قَالَ وَمَا مَوْصُولَةٌ وَأَنَّ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ مَا نَافِيَةٌ وَأَنَّ بِمَعْنَى لَعَلَّ وَقِيلَ مَا نَافِيَةٌ وَإِنَّ بِالْكَسْرِ وَمَعْنَاهُ لَا أَعْلَمُ حَالَكُمْ فِي تَخَلُّفِكُمْ عَنِ الْإِسْلَامِ مَعَ أَنَّهُمْ يَدْعُونَكُمْ عَمْدًا وَمُحَصَّلُ الْقِصَّةِ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ صَارُوا يُرَاعُونَ قَوْمَهَا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِئْلَافِ لَهُمْ حَتَّى كَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِإِسْلَامِهِمْ وَبِهَذَا يَحْصُلُ الْجَوَابُ عَنِ الْإِشْكَالِ الَّذِي ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ وَهُوَ أَنَّ الِاسْتِيلَاءَ عَلَى الْكُفَّارِ بِمُجَرَّدِهِ يُوجِبُ رِقَّ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَدْ دَخَلَتِ الْمَرْأَةُ فِي الرِّقِّ بِاسْتِيلَائِهِمْ عَلَيْهَا فَكَيْفَ وَقَعَ إِطْلَاقُهَا وَتَزْوِيدُهَا كَمَا تَقَدَّمَ لِأَنَّا نَقُولُ أُطْلِقَتْ لِمَصْلَحَةِ الِاسْتِئْلَافِ الَّذِي جَرَّ دُخُولَ قَوْمِهَا أَجْمَعِينَ فِي الْإِسْلَامِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا كَانَ لَهَا أَمَانٌ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ لَهُمْ عَهْدٌ وَاسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُهُمْ عَلَى جَوَازِ أَخْذِ أَمْوَالِ النَّاسِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ بِثَمَنٍ إِنْ كَانَ لَهُ ثَمَنٌ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ بَنَاهُ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ كَانَ مَمْلُوكًا لِلْمَرْأَةِ وَأَنَّهَا كَانَتْ مَعْصُومَةَ النَّفْسِ وَالْمَالِ وَيَحْتَاجُ إِلَى ثُبُوتِ ذَلِكَ وَإِنَّمَا قَدَّمْنَاهُ احْتِمَالًا.

.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  بِثَمَنٍ فَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ إِعْطَائِهَا مَا ذَكَرَ وَلَيْسَ بِمُسْتَقِيمٍ لِأَنَّ الْعَطِيَّةَ الْمَذْكُورَةَ مُتَقَوَّمَةٌ وَالْمَاءَ مِثْلِيٌّ وَضَمَانُ الْمِثْلِيِّ إِنَّمَا يَكُونُ بِالْمِثْلِ وَيَنْعَكِسُ مَا قَالَهُ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى وَهُوَ أَنَّ الْمَأْخُوذَ مِنْ فَضْلِ الْمَاءِ لِلضَّرُورَةِ لَا يَجِبُ الْعِوَضُ عَنْهُ.

     وَقَالَ  بَعْضُهُمْ فِيهِ جَوَازُ طَعَامِ الْمُخَارَجَةِ لِأَنَّهُمْ تَخَارَجُوا فِي عِوَضِ الْمَاءِ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَفِيهِ أَنَّ الْخَوَارِقَ لَا تُغَيِّرُ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ .

     قَوْلُهُ  قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ صَبَأَ إِلَخْ هَذَا فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي وَحْدَهُ وَوَقَعَ فِي نُسْخَةِ الصَّغَانِيِّ صَبَأَ فُلَانٌ انْخَلَعَ وَأَصْبَأَ أَيْ كَذَلِكَ وَكَذَا .

     قَوْلُهُ .

     وَقَالَ  أَبُو الْعَالِيَةَ إِلَخْ وَقَدْ وَصَلَهُ بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ عَنْهُ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ هُمْ مَنْسُوبُونَ إِلَى صَابِئِ بْنِ مُتَوَشْلِخَ عَمِّ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَرَوَى بن مرْدَوَيْه بِإِسْنَاد حسن عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ الصَّابِئُونَ لَيْسَ لَهُمْ كِتَابٌ انْتَهَى وَوَقَعَ فِي نُسْخَةِ الصَّغَانِيِّ أُصِبْ أَمَلْ وَهَذَا سَيَأْتِي فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ يُوسُفَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنَّمَا أَوْرَدَ الْبُخَارِيُّ هَذَا هُنَا لِيُبَيِّنَ الْفَرْقَ بَيْنَ الصَّابِئِ الْمُرَادِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَالصَّابِئِ الْمَنْسُوبِ لِلطَّائِفَةِ الْمَذْكُورَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب
الصعيد الطيب وضوء المسلم، يكفيه من الماء
وقال الحسن: يجزئه التيمم ما لم يحدث.

وأم ابن عباس وهو متيمم.

وقال يحيى بن سعيد: لا باس بالصلاة على السبخة والتيمم بها أو عليها.

ما بوب عليه البخاري من أن الصعيد الطيب وضوء المسلم: قد روي عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولكن إسناده ليس على شرط البخاري، وقد خرجه الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي، والترمذي من حديث أبي قلابة، عن عمر ابن بجدان، عن أبي ذر، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: ( ( الصعيد الطيب وضوء المسلم) ) - وفي رواية: ( ( طهور المسلم - وان لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليمسه بشرته، فإن ذلك خير) ) .

وقال الترمذي: حسن صحيح.
وخرجه ابن حبان في ( ( صحيحه) ) ، والدارقطني، وصححه، والحاكم.

وتكلم فيه بعضهم؛ لاختلاف وقع في تسمية شيخ أبي قلابة؛ ولأن عمرو ابن بجدان غير معروف -: قاله الإمام أحمد وغيره.

وقد روى هذا - أيضا - من حديث ابن سيرين، عن أبي هريرة عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

خرجه الطبراني والبزار.

ولكن الصحيح عن ابن سيرين مرسلا -: قاله الدارقطني وغيره.

وأما ما حكاه عن الحسن، أنه يجزئه التيمم ما لم يحدث، فهذا قول كثير من العلماء، وحكاه ابن المنذر عن ابن المسيب، والحسن، والزهري، والثوري، وأصحاب الرأي، ويزيد بن هارون.
قال: وروي ذلك عن ابن عباس، وأبي جعفر.

وحكاه غير ابن المنذر - أيضا - عن عطاء، والنخعي والحسن بن صالح، والليث بن سعيد، وهو رواية عن أحمد، وقول أهل الظاهر.

واستدل لهذه المقالة بحديث: ( ( الصعيد الطيب طهور المسلم) ) ، كما أشار إليه البخاري، وأشار إليه الإمام أحمد - أيضا.

والمخالفون يقولون: المراد أنه في حكم الوضوء والطهور في استباحة ما يستباح بالطهور بالماء لا في رفع الحدث، بدليل قوله: ( ( فإذا وجدت الماء فأمسه بشرتك) ) ، ولو كان الحدث قد ارتفع لم يقيد بوجود الماء.

وقد طرد أبو سلمة بن عبد الرحمان قوله في أنه يرفع الحدث، فقال: يصلي به، وإن وجد الماء قبل الصلاة، ولا ينتقض تيممه إلا بحدث جديد.
وكذا قال في الجنب إذا لم تيمم ثم وجد الماء: لا غسل عليه.

وهذا شذوذ عن العلماء، ويرده قوله: ( ( فإذا وجدت الماء فأمسه بشرتك) ) ، ومن العجب أن أبا سلمة ممن يقول: أن من يصلي بالتيمم ثم وجد الماء في الوقت أنه يعيد الصلاة، وهذا تناقض فاحش.

وذهب أكثر العلماء إلى أنه يتيمم لكل صلاة، روي ذلك عن علي وابن عمر واستدل أحمد بقولهما، وعن عمرو بن العاص، وابن عباس في رواية عنه.

وروي الحسن بن عماره، عن الحكم، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: من السنة أن لا يصلي الرجل بالتيمم إلا صلاة والحدة، ثم يتيمم للصلاة الأخرى.

وهذا في حكم المرفوع، إلا أن الحسن بن عمارة ضعيف جداً.

وهو قول الشعبي، وقتادة، والنخعي، ومكحول، وشريك، ويحيى بن سعيد، وربيعة، وحكي عن الليث - أيضا -، وهو مالك، والشافعي، وأحمد في ظاهر
مذهبه، وإسحاق، وأبي ثور وغيرهم.

وقال إسحاق: هذا هو السنة.

وبناه ربيعة ويحيى بن سعيد ومالك وأحمد على وجوب طلب الماء لكل صلاة، وقد سبقت الإشارة إلى هذا المسالة في ( ( كتاب: الوضوء) ) .

ثم اختلف القائلون بالتيمم لكل صلاة على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه يجب التيمم لكل صلاة مفروضة، وسواء فعلت كل مفروضة في وقتها أو جمع بين فريضتين في وقت واحد، وهو قول مالك والشافعي وإسحاق، ورواية عن أحمد.

والثاني: أنه يجب التيمم في وقت كل صلاة مفروضة، ثم يصلي بذلك التيمم ما شاء، ويقضي به فوائت، ويجمع به فرائض، ويصلي به حتى يخرج ذلك الوقت،
وهذا، وهذا هو المشهور عن أحمد، وقول أبي ثور والمزني.

والثالث: أنه يتيمم لكل صلاة فرضاً كانت أو نفلا، حكي عن شريك، وهو وجه ضعيف لأصحابنا.

ومذهب مالك: لا يصلي نافلة مكتوبة بتيمم ومكتوبة بتيمم واحد إلا أن تكون نافلة بعد ومكتوبة، قال: وان صلى ركعتي الفجر بتيمم واحد أعاد التيمم لصلاة
الفجر.

وقد ذهب طائفة ممن يرى أن التيمم يصلي به ما لم يحدث إلى أنه يرفع الحدث رفعا مؤقتا بوجود الماء، وهو قول طائفة من أصحابنا والحنفية والظاهرية، ووافقهم طائفة ممن يرى أن لا يصلى فريضتان من الشافعية كابن سريج، ومن المالكية، وقالا: أنه ظاهر قول مالك في ( ( الموطإ) ) .

ولهذا قيل: أن النزاع في المسالة عند هؤلاء لفظي لا معنوي، وإنما يكون النزاع فيها معنويا مع أبي سلمة بن عبد الرحمان كما سبق حكاية قوله والله أعلم.

وأما ما حكاه عن ابن عباس أنه أم وهو متيمم، فالمراد: أنه أم المتوضئين وهو متيمم، وقد حكاه الإمام أحمد عن ابن عباس أيضا، واحتج به.

وقد خرجه سعيد بن منصور: ثنا جرير بن عبد الحميد، عن أشعث بن
إسحاق، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير، قال، كان ابن عباس في نفر من أصحاب محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، منهم،: عمار بن ياسر، وكانوا يقدمونه يصلي بهم لقرابته من رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وصلى بهم ذات يوم، فاخبرهم أنه صلى بهم وهو جنب متيمم.

ورخص في ذلك سعيد بن المسيب، والحسن، وعطاء، والزهري، وحماد، ومالك، والثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو حنيفة، وأبو يوسف، وأبو ثور، وهو رواية عن الأوزاعي.

وكره ذلك آخرون:
روى أبو إسحاق، عن الحارث، عن علي، قال: لا يؤم المتيمم المتوضئ.

وكرهه النخعي، والحسن بن حي، والأوزاعي في رواية، ويحيى بن سعيد، وربيعة، ومحمد بن الحسن.

وعن الأوزاعي رواية، أنه لا يؤمهم إلا أن يكون أميرا، وان كانوا متيممين فله أن يؤمهم، كذلك قال الأوزاعي وربيعة ويحيى بن سعيد.

وهذا لا احسب فيه خلافا، وكلام ابن المنذر يدل على أنه محل خلاف - أيضا - وفية نظر.

وفي المنع من إمامة المتيمم للمتوضئين حديثان مرفوعان من رواية عمر بن الخطاب وجابر بن عبد الله، وإسنادهما لا يصح.

وفي الجواز حديث: صلاة عمرو بن العاص بأصحابه وهو جنب، فتيمم من البرد وصلى بهم وذكر ذلك للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقد ذكره البخاري فيما بعد - تعليقا - وسنذكره في موضعه - أن شاء الله.
وذكر البخاري لهذه المسألة في هذا الباب قد يشعر بأن مأخذ جواز ذلك عنده أن التيمم يرفع الحدث.

وقد قال الزهري: يؤم المتيمم المتوضئين؛ لأن الله طهره.

وقال الأوزاعي - في رواية أبي إسحاق الفزاري، عنه -: يؤمهم، ما زادته.
فريضة الله ورخصته إلا طهورا.

وأكثر العلماء لم يبنوا جواز إمامته على رفع حدثه، ولهذا أجاز ذلك كثير ممن يقول: أن التيمم لا يرفع الحدث كمالك والشافعي وأحمد، لكن الإمام أحمد ذكر أن ما فعله ابن عباس يستدل به على أن طهارة التيمم كطهارة الماء يصلي بها ما لم يحدث.
ولكن يختلف مذهبه في صحة ائتمام المتوضئ والمغتسل بالتيمم؛ فإن المتيمم يصلي بطهارة شرعية قائمة مقام الطهارة بالماء في الحكم، فهو كائتمام الغاسل لرجليه بالماسح لخفيه، بخلاف من لم يجد ماء ولا ترابا فإنه لا يأتم به متوضئ ولا متيمم، ولا يأتم به إلا من هو مثله؛ لأنه لم يأت بطهارة شرعية بالكلية.

والمانعون من ائتمام المتوضئ بالمتيمم ألحقوه بائتمام القارئ بالأمي الذي لا يقرا الفاتحة إذا صلى بتسبيح وذكر، وبصلاة القائم خلف القاعد؛ فإن كلا منهما أتى ببدل، ولا يصح أن يأتي به إلا من هو مثله.

ويجاب عن ذلك: بأن الأمي مخل بركن القيام الأعظم وهو القراءة، والقرآن مقصود لذاته في الصلاة بخلاف الطهارة؛ فإنها لا تراد لذاتها بل لغيرها، وهو استباحة الصلاة بها، والتيمم يبيح الصلاة كطهارة الماء.

وأما ائتمام القائم بالقاعد فقد أجاز جماعة من العلماء، وأجاز أحمد في صورة خاصة، فإن القاعد قد أتى ببدل القيام وهو الجلوس، واتى بركن القيام الأعظم وهو القراءة.

وأما ما حكاه عن يحيى بن سعيد، أنه لا بأس بالتيمم بالسبخة والصلاة عليها:
فالأرض السبخة هي المالحة التي لا تنبت، وأكثر العلماء على جواز التيمم بها، وقد تيمم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالجدار خارج المدينة، وأرض المدينة سبخة، وهو قول مالك والأوزاعي والثوري وأبي حنيفة والشافعي وغيرهم.

وقال إسحاق: لا تيمم بالسباخ لأنها لا تنبت، وقد فسر ابن عباس الصعيد الطيب بأرض الحرث، والسباخ ليست كذلك.

واختلف قول الإمام أحمد فيه، فقال - في رواية -: لا يعجبني التيمم بها.
وقال - مرة -: أن لم يجد فلا بأس.
وقال - مرة -: أن تيمم منها يجزئه، وأرض الحرث أحب إلي.
وقال - مرة -: أن اضطر إليها أجزأه، وإن لم يضطر فلينظر الموضع الطيب - يعني: تراب الحرث - قال - مرة -: من الناس من يتوقى ذلك، وذلك أن السبخة تشبه الملح.

واستدل بقول ابن عباس: ( ( أطيب الصعيد أرض الحرث) ) .
ولكن هذا يدل على أن غير أرض الحرث تسمى صعيدا - أيضا -، لكن أرض الحرث أطيب منها.

قال أبو بكر الخلال: السباخ ليس هي عند أبي عبد الله كأرض الحرث، إلا أنه سهل بها إذا اضطر إليها، وإنما سهل بها إذا كان لها غبار، فأما أن كانت قحلة كالملح فلا يتيمم بها أصلا.

وأما الصلاة في السباخ، فقال أحمد - مرة -: تجزئه، وقال - مرة -: ما سمعت فيها شيئاً.

وقال حرب: قلت لأحمد: هل بلغك أن أحدا كره الصلاة في الأرض السبخة؟ قال: لا.

قال حرب: ثنا عبد الوهاب بن الضحاك: حدثني إسماعيل بن عياش، قال: سمعت أناسا من أهل العلم يكرهون الصلاة في السباخ، ورخص جماعة من أهل العلم في الصلاة في السباخ.

عبد الوهاب هذا، لا يعتمد عليه.

وخرج البخاري في هذا الباب حديث عمران بن حصين بطوله، فقال:
[ قــ :340 ... غــ :344 ]
- حدثنا مسدد بن مسرهد: ثنا يحيى بن سعيد: ثنا عوف: ثنا أبو رجاء، عن عمران بن حصين، قال: كنا في سفر مع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وإنا أسرينا، حتى كنا في آخر الليل وقعنا وقعة، ولا وقعة أحلى عند المسافر منها، فما أيقظنا إلا حر الشمس، فكان أول من استيقظ فلان ثم فلان ثم فلان - يسميهم أبو رجاء، فنسي عوف -، ثم عمر بن الخطاب الرابع، وكان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا نام لم نوقظه حتى يكون هو يستيقظ؛ لأنا لا ندري ما يحدث له في نومه، فلما استيقظ عمر ورأى ما أصاب الناس – وكان رجلا جليدا – فكبر ورفع صوته بالتكبير، فما زال يكبر ويرفع صوته بالتكبير حتى استيقظ لصوته النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلما استيقظ شكوا إليه الذي أصابهم، فقال: ( ( لا ضير – أو: لا يضير -، ارتحلوا) ) ، فارتحلوا فسار غير بعيد.

ثم نزل فدعا بالوضوء فتوضأ، ونودي بالصلاة، فصلى بالناس، فلما انفتل من صلاته إذا هو برجل معتزل لم يصل مع القوم، فقال: ( ( ما منعك يا فلان أن تصلي مع القوم؟) ) قال: أصابتني جنابة، ولا ماء، قال: ( ( عليك بالصعيد؛ فإنه يكفيك) ) ، ثم سار النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فاشتكى الناس إليه من العطش، فنزل فدعا فلانا - كان يسميه أبو رجاء، نسيه عوف -، ودعا عليا، فقال: ( ( أذهبا فابتغيا الماء) ) فانطلقا فتلقيا امرأة بين مزادتين - أو سطيحتين - من ماء على بعير لها، فقالا لها: أين الماء؟ قالت: عهدي بالماء أمس هذه الساعة، ونفرنا خلوفا، فقالا لها: انطلقي إذا، قالت: إلى أين؟ قالا: إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالت: الذي يقال له الصابئ؟ قالا: هو الذي تعنين، فانطلقي، فجاءا بها إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وحدثاه الحديث، قال: فاستنزلوها عن بعيرها، ودعا النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بإناء، ففرغ فيه من أفواه المزادتين - أو السطيحتين -، وأوكأ أفواهمها، وأطلق العزالي، ونودي في الناس: اسقوا واستقوا، فسقى من سقى، واستقى من شاء، وكان آخر ذلك أن أعطى الذي أصابته الجنابة إناء من ماء، قال: ( ( اذهب فأفرغه عليك) ) .
وهي قائمة تنظر إلى ما يفعل بمائها، وايم الله، لقد اقلع عنها وإنه ليخيل إلينا أنها أشد ملأة منها حين ابتدأ فيها، فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( اجمعوا لها) ) ، فجمعوا لها من بين عجوة ودقيقة وسويقة، حتى جمعوا لها طعاما فجعلوه في ثوب، وحملوها على بعيرها، ووضعوا الثوب بين يديها.

قال لها: ( ( تعلمين ما رزئنا من مائك شيئا، ولكن الله هو الذي أسقانا) ) ، فأتت أهلها وقد احتبست عنهم، قالوا: ما حبسك يا فلانة؟ قالت: العجب! لقيني رجلان، فذهبا بي إلى هذا الرجل الذي يقال له: الصابئ، ففعل كذا وكذا، فو الله، أنه لأسحر الناس من بين هذه وهذه - وقالت بإصبعيها الوسطى والسبابة فرفعتهما إلى السماء - والأرض -، أو أنه لرسول الله حقا، فكان المسلمون بعد ذلك يغيرون على من حولها من المشركين ولا يصيبون الصرم الذي هي منه، فقالت يوما لقومها: ما أرى أن هؤلاء القوم يدعونكم عمدا، فهل لكم في الإسلام؟ فأطاعوها فدخلوا في الإسلام.
قَالَ أبو عبد الله: صبأ: خرج من دين إلى غيره.

وقال أبو العالية: الصابئون: فرقة من أهل الكتاب يقرءون الزبور.

فوائد هذا الحديث كثيرة جدا، ونحن نشير إلى مهماتها إشارة لطيفة - أن شاء الله تعالى:
فأما قوله: ( ( كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا نام لم يوقظه أحد حتى يكون هو يستيقظ، لأنا لا ندري ما يحدث له في نومه) ) ، فالمراد: أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يوحى إليه في نومه كما يوحى إليه في يقظته، ورؤيا الأنبياء وحي، ولهذا كانت تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم، فكانوا يخشون أن يقطعوا عليه الوحي إليه بإيقاظه.

ولا تنافي بين نومه حتى طلعت الشمس وبين يقظة قلبه؛ فإن عينيه تنامان، والشمس إنما تدرك بحاسة البصر لا بالقلب.

وقد يكون الله - عز وجل - أنامه حتى يسن لأمته قضاء الصلاة بعد فوات وقتها بفعله، فإن ذلك آكد من تعليمه له بالقول، وقد ورد التصريح بهذا من حديث ابن مسعود، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما صلى بهم الصبح ذلك اليوم بعد طلوع الشمس وانصرف قال: ( ( أن الله - عز وجل - لو شاء أن لا تناموا عنها لم تناموا، ولكن أراد أن يكون لمن بعدكم) ) .
خرجه الإمام أحمد وغيره.

وهذا يشبه ما ذكره مالك في ( ( الموطإ) ) أنه بلغه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أنه قال: ( ( إنما أنسى لأسن) ) .
وقوله: ( ( ما أيقظنا إلاّ حر الشمس) ) ، يدل على أن الشمس كانت قد ارتفعت وزال وقت النهي عن الصلاة، لأن حرها لا يكاد يوجد ألا بعد ذلك، ففي هذا دليل على أن ارتحالهم عن ذلك المكان لم يكن للامتناع من القضاء في وقت النهي عن الصلاة، بل كان تباعدا عن المكان الذي حضرهم فيه الشيطان، كما جاء التصريح به في حديث آخر.

ولكن في صحيح مسلم في هذا الحديث - أعني: حديث عمران بن حصين، أنهم ناموا حتى بزغت الشمس وان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما رفع رأسه ورأى الشمس قد بزغت قال: ( ( ارتحلوا) ) فسار بنا حتى إذا ابيضت الشمس نزل فصلى بنا الغداة.

كذا خرجه من رواية سلم بن زرير، عن أبي رجاء، وفي سياقه بعض مخالفة لرواية عوف، عن أبي رجاء التي خرجها البخاري، وفيه: أنه كان أول من استيقظ أبو بكر - رضي الله عنه.

وقوله: ( ( فدعا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالوضوء فتوضأ) ) يدل على أن من معه ماء وكان في مفازة فإنه يتوضأ منه، ولا يتيمم ويحبسه خشية أن يبتلى هو أو أحد من رفقته
بعطش.

ويدل على هذا: أن عمران ذكر أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما صلى بهم وسار شكى الناس إليه العطش.

وفي رواية سلم المشار إليها: قال عمران: ثم عجلني في ركب بين يديه، نطلب الماء وقد عطشنا عطشا شديدا - وذكر الحديث، وهذا محمول على أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يخش على نفسه عطشا، فإن من خاف على نفسه العطش ومعه ماء يسير فإنه يتيمم ويدعه لشربه.
وقد روى عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: إذا كنت مسافرا وأنت جنب أو أنت على غير وضوء فخفت أن توضأت أن تموت من العطش فلا توضأ، واحبسه لنفسك.

خرجه الأثرم.

وخرجه الدارقطني من طريق عطاء بن السائب، عن زاذان، عن علي، في الرجل يكون في السفر فتصيبه الجنابة ومعه الماء القليل يخاف أن يعطش، قال: يتيمم ولا
يغتسل.

قال الإمام أحمد: عدة من أصحاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يحبسون الماء لشفاههم ويتيممون.
ونص على أنه لو رأى قوما عطاشا ومعه إداوة من ماء، أنه يسقيهم الماء ويتيمم.

واختلف أصحابنا: هل ذلك على الوجوب أو الاستحباب؟ على وجهين، أصحهما: أنه للوجوب، وهو قول الشافعية.

فهذا الحديث محمول على أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يخف على نفسه عطشا، ولم يجد قوما عطاشا في الحال، فلذلك توضأ بالماء ولم يتيمم.
ويدل على أنه لا يحبس الماء لخوف عطش يحدث لرفقته.

ولم ينص أحمد على حبس الماء خشية عطش يحدث لرفقته، وإنما قال أصحابه متابعة لأصحاب الشافعي، وقالوا: هل حبس الماء لعطش غيره المتوقع واجب أو مستحب؟ فيه وجهان، قالوا: وظاهر كلام أحمد أنه مستحب غير واجب؟ لان حاجة الغير هنا متوقعة وحاجته للطهارة حاضرة، وقد ترجحت بكونه مالكا، ولهذا قدمنا نفقة الخادم على نفقة الوالدين، وان كانت حاجتهما إلى النفقة اشد من حاجة نفسه إلى الخدمة، تقديما لنفسه على غيره.

قلت: وحديث عمران يدل على أنه لا يستحب - أيضا - بل يقدم الوضوء على عطش الرفيق المتوقع، فإنه لو كان ذلك أفضل من الوضوء لحبس النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الماء وتيمم، فإنه كان معه خلق من أصحابه، وكان الماء معهم قليلا جدا ولهذا شكوا إليه العطش عقيب ذلك عند اشتداد حر الشمس وارتفاع النهار، وكان الماء منهم بعيدا.

وقد أشار إلى هذا المعنى الذي ذكرناه أبو المعالي الجويني من الشافعية، وخالف أصحابه فيما ذكروه من حبس الماء لعطش رفقته المتوقع، وهذا هو الذي دلت عليه هذه السنة الصحيحة، والله أعلم.

وفي الحديث: دليل على أن الفوائت يؤذن لها وتصلى جماعة.

وقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للذي لم يصل مع القوم: ( ( ما منعك أن تصلي مع القوم؟) ) قَالَ: أصابتني جنابة ولا ماء.
قَالَ: ( ( عليك بالصعيد، فإنه يكفيك) ) فيه دليل على التيمم للجنابة كالتيمم للحدث الأصغر، ودليل على أن عادم الماء يكفيه الصعيد من الماء.

ولهذه الكلمة خرج البخاري هذا الحديث في هذا الباب، وجعله دليلا له على إقامة التيمم مقام الطهارة بالماء عند عدم الماء، فيؤخذ من هذا أنه يصلي به كما يصلي بالماء، كما هو اختيار البخاري ومن قال بقوله من العلماء.

وفية دليل على أنه لا يجب طلب الماء إذا غلب على الظن عدمه أو قطع بذلك، فإنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمره بالتيمم، ولم يأمره بطلب، ولا بسؤال رفقته.

وقد ذهب ابن حامد من أصحابنا إلى أنه لا يلزمه سؤال رفقته، وان قلنا: يلزمه الطلب، وأنه إنما يلزمه طلبه في رحله ما قرب منه إذا احتمل وجود الماء، والمنصوص عن أحمد: أن عليه أن يطلبه في رفقته.

وفي رواية مسلم المشار إليها فيما تقدم: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال للرجل: ( ( يا فلان ما منعك أن تصلي معنا؟) ) قال: يا نبي الله، أصابتني جنابة.
فأمره رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فتيمم بالصعيد، فصلى.

وفي الحديث - أيضا - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما جاءه الماء أعطاه ماء وأمره أن يغتسل به، وهذا مثل قوله في حديث أبي ذر: ( ( فإذا وجدت الماء فأمسه بشرتك) ) ، وفيه رد على أبي سلمة في قوله: أنه لا غسل عليه، كما سبق.

وقول تلك المرآة: ( ( ونفرنا خلوف) ) .

قال الخطابي: النفر الرجال، والخلوف الذين خرجوا للاستقاء، وخلفوا النساء والأثقال، يقال: أخلف الرجل واستخلف إذا استقى الماء.

قال: ويقال لكل من خرج من دين إلى دين آخر: صابئ - بالهمز، وأما: صبا يصبو بلا همز فمعناه: مال.

قال: والعزالي جمع عزلاء، وهي عروة المزادة، يخرج منها الماء بسعة.

وقال غيره: العزلاء: فم المزادة الأسفل، وتجمع على عزالى وعزالي - بكسر اللام وفتحها - كالصحاري والعذاري.

قال: والصرم: النفر النازلون على ماء، وتجمع على أصرام، فأما الصرمة - بالهاء - فالقطعة من الإبل نحو الثلاثين عددا.

قال: وقوله: ( ( ما رزئناك) ) ، أي: ما نقصناك، ولا أخذنا منك شيئا.

قلت: وفي الحديث معجزة عظيمة، وعلم من أعلام نبوة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بتكثير الماء القليل ببركته، وإرواء العطاش منه، واستعمالهم وأخذهم منه في قربهم، من غير أن ينقص الماء المأخوذ منه شيئا، ولذلك قال المرآة: ( ( ما رزئناك من مائك شيئا، وإنما سقانا الله - عز وجل -) ) .

وفي رواية مسلم المشار إليها في هذا الحديث: ( ( فأمر براويتها فأنيخت، فمج في العزلاوين العلياوين، ثم بعث براويتها فشربنا، ونحن أربعون رجلا عطاش حتى روينا، وملأنا كل قربة معنا وإداوة، وغسلنا صاحبنا، غير أنا لم نسق بعيرا وهي تكاد تنضرج من الماء) ) - يعني: المزادتين - وذكر بقية الحديث.

وإنما لم يستأذن المرآة أولا في الشرب من مائها والأخذ منه، لأن انتفاعهم إنما كان بالماء الذي أمده الله بالبركة، لم يكن من نفس مائها، ولذلك قال: ( ( ما رزئناك من مائك شيئا، وإنما سقانا الله) ) .

ونظير هذا: أن جابرا صنع للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طعاما يسيرا في عام الخندق، وجاء إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فساره بذلك، وقال له: تعال أنت في نفر معك، فصاح النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( يا أهل
الخندق، أن جابرا قد صنع لكم سورا، فحيهلا بكم)
)
، ثم جاء بهم جميعا، فأكلوا حتى شبعوا، والطعام بحاله.

فإن أكل أهل الخندق إنما كان مما حصلت فيه البركة بسبب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فكان - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هو الداعي لأهل الخندق كلهم إلى الطعام في الحقيقة، فلذلك لم يحتج في استئذان جابر في ذلك.

وهذا بخلاف ما جرى لأبي شعيب اللحام لما دعاه النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وجلساءه، فلما قاموا تبعهم رجل لم يكن معهم حين دعوا، فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لصاحب المنزل: ( ( أنه اتبعنا رجل لم يكن معنا حين دعوتنا، فإن أذنت له دخل) ) فأذن له فدخل.

وقد خرجاه في ( ( الصحيحين) ) بمعناه من حديث أبي مسعود، فإن ذلك اليوم لم يحصل فيه ما حصل في طعام جابر وماء المرآة المشركة – والله - سبحانه وتعالى - أعلم -، فإن غالب ما كان يقع منه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تكثير الطعام والشراب في أوقات الحاجة العامة إليه.

وفي حديث عمران - أيضا - دليل على جواز استعمال ماء المشركين الذين في قربهم ونحوها من أوعية الماء المعدة له، وقد سبق الكلام على ذلك في ( ( كتاب
الوضوء)
)
.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ وَضُوءُ الْمُسْلِمِ، يَكْفِيهِ مِنَ الْمَاءِ
وَقَالَ الْحَسَنُ يُجْزِئُهُ التَّيَمُّمُ مَا لَمْ يُحْدِثْ.
وَأَمَّ ابْنُ عَبَّاسٍ وَهُوَ مُتَيَمِّمٌ..
     وَقَالَ  يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ لاَ بَأْسَ بِالصَّلاَةِ عَلَى السَّبَخَةِ وَالتَّيَمُّمِ بِهَا.

هذا ( باب) بالتنوين ( الصعيد الطيب) مبتدأ وصفته والخبر قوله ( وضوء المسلم يكفيه عن الماء)
أي يغنيه عند عدمه حقيقة أو حكمًا، وقد روى أصحاب السنن نحوه مع زيادة وإن لم يجد الماء عشر
سنين، وصححه الترمذي وابن حبان والدارقطني.

( وقال الحسن) البصري مما هو موصول عند عبد الرزاق بنحوه ( يجزئه) بضم المثناة التحتية
مهموزًا أي يكفيه ( التيمم ما لم يحدث) أي مدّة عدم الحدث، وهو عند سعيد بن منصور بلفظ:

التيمم بمنزلة الوضوء إذا تيممت فأنت على وضوء حتى تحدث، وفي مصنف حماد بن سلمة عن
يونس عن عبيد عن الحسن قال: يصلي الصلوات كلها بتيمم واحد مثل الوضوء ما لم يحدث وهو
مذهب الحنفية لترتبه على الوضوء فله حكمه.
وقال الأئمة الثلاثة: لا يصلي إلا فرضًا واحدًا لأنه
طهارة ضرورة بخلاف الوضوء، وقد صح فيما قاله البيهقي عن ابن عمر إيجاب التيمم لكل فريضة.

قال: ولا نعلم له مخالفًا من الصحابة.
نعم روى ابن المنذر عن ابن عباس أنه لا يجب والنذر
كالفرض، والأصح صحة جنائز مع فرض لشبه صلاة الجنازة بالنفل في جواز الترك وتعينها عند
انفراد المكلف عارض، وقد أبيح عند الجمهور بالتيمم الواحد النوافل مع الفريضة إلا أن مالكًا
اشترط تقدم الفريضة.

( وأُمّ ابن عباس) رضي الله عنهما ( وهو متيمم) من كان متوضئًا وهذا وصله البيهقي وابن أبي
شيبة بإسناد صحيح وهو مذهب الشافعي ومالك وأبي حنيفة والجمهور خلافًا للأوزاعي.
قال:
لضعف طهارته.
نعم لا تصح ممن تلزمه الإعادة كمقيم تيمم لعدم الماء عند الشافعية.

( وقال يحيى بن سعيد) الأنصاري: ( لا بأس بالصلاة على السبخة) بالمهملة والموحدة والخاء
المعجمة المفتوحات الأرض المالحة التي لا تكاد تنبت ( و) كذا ( التيمم بها) احتج ابن خزيمة لذلك
بحديث عائشة رضي الله عنها أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "رأيت دار هجرتكم سبخة ذات نخل" يعني المدينة قال:
وقد سمى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المدينة طيبة، فدل على أن السبخة داخلة في الطيب ولم يخالف في ذلك إلا
إسحاق بن راهويه.


[ قــ :340 ... غــ : 344 ]
- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَوْفٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ عَنْ عِمْرَانَ قَالَ كُنَّا فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَإِنَّا أَسْرَيْنَا، حَتَّى كُنَّا فِي آخِرِ اللَّيْلِ، وَقَعْنَا وَقْعَةً وَلاَ وَقْعَةَ أَحْلَى عِنْدَ الْمُسَافِرِ مِنْهَا، فَمَا أَيْقَظَنَا إِلاَّ حَرُّ الشَّمْسِ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنِ اسْتَيْقَظَ فُلاَنٌ ثُمَّ فُلاَنٌ ثُمَّ فُلاَنٌ - يُسَمِّيهِمْ أَبُو رَجَاءٍ فَنَسِيَ عَوْفٌ - ثُمَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الرَّابِعُ، وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا نَامَ لَمْ يُوقَظْ حَتَّى يَكُونَ هُوَ يَسْتَيْقِظُ، لأَنَّا لاَ نَدْرِي مَا يَحْدُثُ لَهُ فِي نَوْمِهِ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ عُمَرُ، وَرَأَى مَا أَصَابَ النَّاسَ، وَكَانَ رَجُلاً جَلِيدًا، فَكَبَّرَ وَرَفَعَ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ، فَمَا زَالَ يُكَبِّرُ وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ حَتَّى اسْتَيْقَظَ لِصَوْتِهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ شَكَوْا إِلَيْهِ الَّذِي أَصَابَهُمْ قَالَ «لاَ ضَيْرَ - أَوْ لاَ يَضِيرُ - ارْتَحِلُوا».
فَارْتَحَلَ فَسَارَ غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمَّ نَزَلَ، فَدَعَا بِالْوَضُوءِ، فَتَوَضَّأَ وَنُودِيَ بِالصَّلاَةِ فَصَلَّى بِالنَّاسِ،
فَلَمَّا انْفَتَلَ مِنْ صَلاَتِهِ إِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مُعْتَزِلٍ لَمْ يُصَلِّ مَعَ الْقَوْمِ قَالَ «مَا مَنَعَكَ يَا فُلاَنُ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَ الْقَوْمِ».
قَالَ أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ وَلاَ مَاءَ.
قَالَ «عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ، فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ».
ثُمَّ سَارَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاشْتَكَى إِلَيْهِ النَّاسُ مِنَ الْعَطَشِ فَنَزَلَ، فَدَعَا فُلاَنًا - كَانَ يُسَمِّيهِ أَبُو رَجَاءٍ نَسِيَهُ عَوْفٌ - وَدَعَا عَلِيًّا فَقَالَ «اذْهَبَا فَابْتَغِيَا الْمَاءَ».
فَانْطَلَقَا فَتَلَقَّيَا امْرَأَةً بَيْنَ مَزَادَتَيْنِ - أَوْ سَطِيحَتَيْنِ - مِنْ مَاءٍ عَلَى بَعِيرٍ لَهَا، فَقَالاَ لَهَا أَيْنَ الْمَاءُ قَالَتْ عَهْدِي بِالْمَاءِ أَمْسِ هَذِهِ السَّاعَةَ، وَنَفَرُنَا خُلُوفًا.
قَالاَ لَهَا انْطَلِقِي إِذًا.
قَالَتْ إِلَى أَيْنَ قَالاَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
قَالَتِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الصَّابِئُ قَالاَ هُوَ الَّذِي تَعْنِينَ فَانْطَلِقِي.
فَجَاءَا بِهَا إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَحَدَّثَاهُ الْحَدِيثَ قَالَ فَاسْتَنْزَلُوهَا عَنْ بَعِيرِهَا وَدَعَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِإِنَاءٍ، فَفَرَّغَ فِيهِ مِنْ أَفْوَاهِ الْمَزَادَتَيْنِ - أَوِ السَّطِيحَتَيْنِ - وَأَوْكَأَ أَفْوَاهَهُمَا، وَأَطْلَقَ الْعَزَالِيَ، وَنُودِيَ فِي النَّاسِ اسْقُوا وَاسْتَقُوا.
فَسَقَى مَنْ شَاءَ، وَاسْتَقَى مَنْ شَاءَ، وَكَانَ آخِرَ ذَاكَ أَنْ أَعْطَى الَّذِي أَصَابَتْهُ الْجَنَابَةُ إِنَاءً مِنْ مَاءٍ قَالَ «اذْهَبْ، فَأَفْرِغْهُ عَلَيْكَ».
وَهْيَ قَائِمَةٌ تَنْظُرُ إِلَى مَا يُفْعَلُ بِمَائِهَا، وَايْمُ اللَّهِ لَقَدْ أُقْلِعَ عَنْهَا، وَإِنَّهُ لَيُخَيَّلُ إِلَيْنَا أَنَّهَا أَشَدُّ مِلأَةً مِنْهَا حِينَ ابْتَدَأَ فِيهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «اجْمَعُوا لَهَا».
فَجَمَعُوا لَهَا مِنْ بَيْنِ عَجْوَةٍ وَدَقِيقَةٍ وَسَوِيقَةٍ، حَتَّى جَمَعُوا لَهَا طَعَامًا، فَجَعَلُوهَا فِي ثَوْبٍ، وَحَمَلُوهَا عَلَى بَعِيرِهَا، وَوَضَعُوا الثَّوْبَ بَيْنَ يَدَيْهَا قَالَ لَهَا «تَعْلَمِينَ مَا رَزِئْنَا مِنْ مَائِكِ شَيْئًا، وَلَكِنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي أَسْقَانَا».
فَأَتَتْ أَهْلَهَا، وَقَدِ احْتَبَسَتْ عَنْهُمْ قَالُوا مَا حَبَسَكِ يَا فُلاَنَةُ قَالَتِ الْعَجَبُ، لَقِيَنِي رَجُلاَنِ فَذَهَبَا بِي إِلَى هَذَا الَّذِي يُقَالُ لَهُ الصَّابِئُ، فَفَعَلَ كَذَا وَكَذَا، فَوَاللَّهِ إِنَّهُ لأَسْحَرُ النَّاسِ مِنْ بَيْنِ هَذِهِ وَهَذِهِ.
.

     .

     وَقَالَتْ  
بِإِصْبَعَيْهَا الْوُسْطَى وَالسَّبَّابَةِ، فَرَفَعَتْهُمَا إِلَى السَّمَاءِ - تَعْنِي السَّمَاءَ وَالأَرْضَ - أَوْ إِنَّهُ لَرَسُولُ اللَّهِ حَقًّا، فَكَانَ الْمُسْلِمُونَ بَعْدَ ذَلِكَ يُغِيرُونَ عَلَى مَنْ حَوْلَهَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَلاَ يُصِيبُونَ الصِّرْمَ الَّذِي هِيَ مِنْهُ، فَقَالَتْ يَوْمًا لِقَوْمِهَا مَا أُرَى أَنَّ هَؤُلاَءِ الْقَوْمَ يَدَعُونَكُمْ عَمْدًا، فَهَلْ لَكُمْ فِي الإِسْلاَمِ فَأَطَاعُوهَا فَدَخَلُوا فِي الإِسْلاَمِ.
[الحديث 344 - طرفاه في: 348، 3571] .

وبالسند قال: ( حدّثنا مسدد) ولأبي ذر كما في الفتح مسدد بن مسرهد ( قال: حدّثني) بالإفراد
وللأصيلي وابن عساكر حدّثنا ( يحيى بن سعيد) القطان ( قال: حدّثنا عوف) بالفاء هو الأعرابي ( قال:
حدّثنا أبو رجاء)
بفتح الراء وتخفيف الجيم وبالمد عمران بن ملحان بكسر الميم وسكون اللام والحاء
المهملة العطاردي، أدرك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم يره، وأسلم بعد الفتح، وتوفي سنة بضع ومائة ( عن
عمران)
بن حصين الخزاعي قاضي البصرة، قال أبو عمر: كان من فضلاء الصحابة وفقهائهم يقول

عنه أهل البصرة أنه كان يرى الحفظة وكانت تكلمه حتى اكتوى، وتوفي سنة اثنتين وخمسين، وله
في البخاري اثنا عشر حديثًا ( قال) :
( كنا في سفر) أي عند رجوعهم من خيبر كما في مسلم أو في الحديبية كما رواه أبو داود أو
في طريق مكة كما في الموطأ من حديث زيد بن أسلم مرسلاً أو بطريق تبوك كما رواه عبد الرزاق
مرسلاً ( مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وإنا أسرينا) .
قال الجوهري: تقول سريت وأسريت بمعنى إذا سرت ليلاً
( حتى إذا كنا في آخر الليل وقعنا وقعة) أي نمنا نومة ( ولا وقعة أحلى عند المسافر منها) أي من
الوقعة في آخر الليل، وكلمة لا النفي الجن ووقعة اسمها وأحلى صفة للوقعة وخبر لا محذوف أو

أحلى الخبر ( فما) ولابن عساكر وما ( أيقظنا) من نومنا ( إلا حرّ الشمس وكان) ولأبي ذر والأصيلي
فكان ( أوّل من استيقظ فلان) اسم كان وأوّل بالنصب خبرها مقدمًا، أو فلان بدل من أوّل على أنه
اسم كان التامة بمعنى وجد المستغنية عن الخبر، وقول الزركشي: ومن نكرة موصوفة فيكون أوّل
أيضًا نكرة لإضافته إلى النكرة أي أوّل رجل استيقظ تعقبه البدر الدماميني بأنه لا يتعين لجواز كونها
موصولة أي: وكان أوّل الذين استيقظوا وأعاد الضمير بالإفراد رعاية للفظ من اهـ.

وفلان المستيقظ أوّلاً هو أبو بكر الصديق ( ثم فلان) يحتمل أن يكون عمران الراوي لأن ظاهر
سياقه أنه شاهد ذلك ولا يمكنه مشاهدته إلا بعد استيقاظه، قال في المصابيح: والأولى أن يجعل هذا
من عطف الجمل أي ثم استيقظ فلان إذ ترتبهم في الاستيقاظ يدفع اجتماعهم جميعهم في الأوّلية،
ولا يمتنع أن يكون من عطف المفردات ويكون الاجتماع في الأوّلية باعتبار البعض لا الكل أي أن
جماعة استيقظوا على الترتيب وسبقوا غيرهم في الاستيقاظ، لكن هذا لا يتأق على رأي الزركشي لأنه
قال: أي أوّل رجل فإذا جعل هذا من قبيل عطف المفردات لازم الإخبار عن جماعة بأنهم أول رجل
استيقظ وهو باطل، ( ثم فلان) يحتمل أيضًا أن يكون من شارك عمران في رؤية هذه القصة المعينة
وهو ذو مخبر كما في الطبراني ( يسميهم) أي المستيقظين ( أبو رجاء) العطاردي ( فنسي عوف) أي
الأعرابي ( ثم عمر بن الخطاب) رضي الله عنه ( الرابع) بالرفع صفة لعمر المرفوع عطفًا على ثم فلان
أو بالنصب خبر كان.
أي ثم كان عمر بن الخطاب الرابع من المستيقظين وأيقظ الناس بعضهم
بعضًا، ( وكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا نام لم يوقظ) بضم المثناة التحتية وفتح القاف مبنيًّا للمفعول مع الإفراد،
وللأربعة لم نوقظه بنون المتكلم وكسر القاف، والضمير المنصوب للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( حتى يكون هو يستيقظ
لأنّا لا ندري ما يحدث له)
بفتح المثناة وضم الدال من الحدوث ( في نومه) أي من الوحي وكانوا
يخافون انقطاعه بالإيقاظ، ( فلما استيقظ عمر) رضي الله عنه ( ورأى ما أصاب الناس) من نومهم عن
صلاة الصبح حتى خرج وقتها وهم على غير ماء، وجواب لما محذوف تقدير فلما استيقظ كبّر،
( وكان) أيما عمر ( رجلاً جليدًا) بفتح الجيم وكسر اللام من الجلادة وهي الصلابة ( فكبّر ورفع صوته
بالتكبير فما زال يكبر ويرفع صوته بالتكبير حتى استيقظ بصوته)
بالموحدة أي بسبب صوته،
وللأربعة لصوته باللام أي لأجل صوته ( النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وإنما استعمل التكبير لسلوك طريق الأدب

والجمع بين المصلحتين: إحداهما الذكر والأخرى الاستيقاظ، وخصّ التكبير لأنه الأصل في الدعاء
إلى الصلاة، واستشكل هذا مع قوله عليه الصلاة والسلام "إن عيني تنامان ولا ينام قلبي".
- وأجيب:
بأن القلب إنما يدرك الحسيات اتعلقة به كالألم ونحوه، ولا يدرك ما يتعلق بالعين لأنها نائمة
والقلب يقظان.
( فلما استيقظ) عليه الصلاة والسلام ( شكوا إليه الذي أصابهم) مما ذكر ( قال) ولابن
عساكر فقال بالفاء تأنيسًا لقلوبهم لما عرض لها من الأسف على خروج الصلاة عن وقتها ( لا ضير أو
لا يضير)
أي لا ضرر يقال: ضاره يضوره ويضيره والشك من عوف كما صرّح به البيهقي ( ارتحلوا)
بصيغة أمر للجماعة المخاطبين من الصحابة.
( فارتحل) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومن معه ولأبي ذر وابن عساكر
فارتحلوا أي عقب أمره عليه الصلاة والسلام بذلك، وكان السبب في الارتحال من ذلك الوضع
حضور الشيطان فيه كما في مسلم ( فسار) عليه الصلاة والسلام ومن معه ( غير بعيد: ثم نزل) بمن
معه ( فدعا بالوضوء) بفتح الواو ( فتوضأ) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه ( ونودي بالصلاة) أي أذن بها كما عند مسلم
والمؤلف في آخر المواقيت، ( فصلى بالناس فلما انفتل) أي انصرف ( من صلاته إذا هو برجل) لم يسم
أو هو خلاد بن رافع بن مالك الأنصاري أخو رفاعة لكن وهموا قائله ( معتزل) أي منفرد عن الناس
( لم يصل مع القوم.
قال: ما منعك يا فلان أن تصلي مع القوم؟ قال)
يا رسول الله ( أصابتني جنابة
ولا ماء)
أي موجود بالكلية وماء بفتح الهمزة، وقول ابن حجر أي معي.
تعقبه العيني بأن كلمة لا
لنفي جنس الماء وعدم الماء معه لا يستلزم عدمه عند غيره، فحينئذ لا يستقيم نفي جنس الماء،
ويحتمل أن تكون لا هنا بمعنى ليس فيرتفع الماء حينئذ، ويكون المعنى ليس ماء عندي، وقال ابن
دقيق العين: حذف الخبر في قوله: ولا ماء أي موجود عندي، وفي حذف الخبر بسط لعذره لما فيه

من عموم النفي كأنه نفى وجود الماء بالكلية بحيث لو وجد بسبب أو سعي أو غير ذلك لحصله فإذا
نفى وجوده مطلقًا كان أبلغ في النفي وأعذر له.
( قال) عليه الصلاة والسلام ( عليك بالصعيد)
المذكور في الآية الكريمة ( فتيمموا صعيدًا طيبًا) وفي رواية سلم بن زرير عند مسلم فأمره أن يتيمم
بالصعيد ( فإنه يكفيك) لإباحة صلاة الفرض الواحد مع النوافل أو للصلاة مطلقًا ما لم تحدث، ( ثم
سار النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاشتكى إليه)
وإلى الله صلاته وسلامه عليه ( الناس من العطش فنزل) عليه الصلاة
والسلام ( فدعا فلانًا) هو عمران بن حصين كما دلّ عليه رواية سلم بن زرير عند مسلم ( كان يسمّيه
أبو رجاء)
العطاردي ( نسيه) ولابن عساكر ونسيه ( عوف) الأعراي ( ودعا عليًّا) هو ابن أبي طالب
( فقال) عليه الصلاة والسلام لهما: ( اذهبا فابتغيا) بالمثناة الفوقية بعد الموحدة من الابتغاء، وللأصيلي
فابغيا وهو من الثلاثي وهمزته همزة وصل أي فاطلبا ( الماء فانطلقا فتلقيا امرأة بين مزادتين) تثنية مزادة
بفتح الميم والزاي الرواية أو القربة الكبيرة، وسميت بذلك لأنه يزاد فيها جلدًا آخر من غيرها ( أو)
بين ( سطيحتين) تثنية سطيحة بفتح السين وكسر الطاء المهملتين بمعنى المزادة أو وعاء من جلدين
سطح أحدهما على الآخر، والشك من الراوي وهو عوف ( من ماء على بعير لها) سقط من ماء عند
ابن عساكر ( فقالا لها: أين الماء؟ قالت: عهدي بالماء أمس) بالبناء على الكسر عند الحجازيين ويعرب
غير منصرف للعلمية والعدل عند تيمم فتفتح سينه إذا كان ظرفًا، ويحتمل أن يكون عهدي مبتدأ

وبالماء متعلق به وأمس ظرف له.
وقوله: ( هذه الساعة) بدل من أمس بدل بعض من كل أي: مثل
هذه الساعة، والخبر محذوف أي حاصل ونحوه أو هذه الساعة ظرف، قال ابن مالك: أصله في مثل
هذه الساعة فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، وجوّز أبو البقاء أن يكون أمس خبر عهدي
لأن المصدر يخبر عنه بظرف الزمان، وعلى هذا تضم سين أمس على لغة تيمم.
وجوّز في المصابيح
أن يكون بالماء خبر عهدي وأمس ظرف لعامل هذا الخبر أي عهدي متلبس بالماء في أمس، ولم يجعل
الظرف متعلقًا بعهدي كما مرّ قال: لأني جعلت بالماء خبرًا، فلو علّق الظرف بالعهد مع كونه مصدرًا
لزم الإخبار عن المصدر قبل استكمال معمولاته وهذا باطل اهـ.

( ونفرنا) أي رجالنا ( خلوفَا) بضم الخاء المعجمة واللام المخففة والنصب كما في رواية المستملي
والحموي على الحال السادّة مسدّ الخبر قاله الزركشي والبدر الدماميني وابن حجر أي متروكون خلوفَا
مثل ( ونحن عصبة) [يوسف: 8] بالنمب، وتعقبه العيني فقال: ما الخبر هنا حتى يسدّ الحال
مسدّه.
قال: والأوجه ما قاله الكرماني إنه منصوب بكان المقدّرة، وللأصيلي خلوف بالرفع خبر
المبتدأ أي غيب، أو خرج رجالهم للاستقاء وخلفوا النساء أو غابوا وخلفوهن.
( قالا لها: انطلقي
إذا قالت: إلى أين؟ قالا: إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قالت: الذي يقال له الصابئ)
بالهمزة من صبأ أي
خرج من دين إلى آخر، ويروى بتسهيله ياء من صبا يصبي أي المائل.
( قالا: هو الذي تعنين) أي
تريدين وفيه تخلص حسن لأنهما لو قالا: لا لفات المقصود، ولو قالا: نعم لكان فيه تقرير لكونه
عليه الصلاة والسلام صائبًا، فتخلصا بهذا اللفظ وأشار إلى ذاته الشريفة لا إلى تسميتها ( فانطلقي)
معنا إليه ( فجاءا) أي عليّ وعمران ( بها إلى النبي) ولأبوي ذر والوقت إلى رسول الله ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وحدّثاه
الحديث)
الذي كان بينهما وبينها، ( قال) عمران بن الحصين ( فاستنزلوها عن بعيرها) أي طلبوا منها
النزول عنه وجمع باعتبار غليّ وعمران ومن تبعهما ممن يعينهما، ( ودعا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بعد أن أحضروها بين
يديه ( بإناء ففرّغ فيه) عليه الصلاة والسلام من التفريغ، وللكشميهني فأفرغ من الإفراغ ( من أفواه
المزادتين)
جمع في موضع التثنية على حد ( فقد صغت قلوبكما) [التحريم: 4] ( أو السطيحتين) أي أفرغ
من أفواههما والشك من الراوي ( وأوكأ) أي ربط ( أفواههما وأطلق) أي فتح ( العزالي) بفتح المهلمة
والزاي وكسر اللام، ويجوز فتحها وفتح الياء جمع عزلاء بإسكان الزاي والمدّ أي فم المزادتين الأسفل
وهي عروتها التي يخرج منها الماء بسعة، ولكل مزادة عزلاً وإن من أسفلها، ( ونودي في الناس
اسقوا)
بهمزة وصل من سقى فتكسر أو قطع من أسقى فتفتح أي اسقوا غيرهم كالدواب، ( واستقوا
فسقى من سقى)
ولابن عساكر فسقى من شاء، ( واستقى من شاء) فرق بينه وبين سقى لأنه لنفسه

وسقى لغيره من ماشية ونحوه، واستقى قيل بمعنى سقى، وقيل إنما يقال سقيته لنفسه واستقيته
لماشيته، ( وكان آخر ذلك) بنصب آخر خبر كان مقدمًا والتالي اسمها وهو قوله ( أن) مصدرية ( أعطى
الذي أصابته الجنابة)
وكان معتزلاً ( إناء من ماء) ويجوز رفع آخر على أنّ أن أعطى الخبر، قال أبو
البقاء: والأوّل أقوى لأن أن والفعل أعرف من انفعل المفرد، وقد قرئ فما كان جواب قومه إلا أن
قالوا بالوجهين ( قال) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للذي أصابته الجنابة: ( اذهب فأفرغه عليك) بهمزة القطع فأفرغه

( وهي) أي والحال أن المرأة ( قائمة تنظر إلى ما يفعل) بالبناء للمجهول ( بمائها) قيل: إنما أخذوها
واستجازوا أخذ مائها لأنها كنت كافرة حربية، وعلى تقدير أن يكون لها عهد فضرورة العطش تبيح
للمسلم الماء المملوك لغيره على عوض، وإلا فنفس الشارع تفدى بكل شيء على سبيل الوجوب،
( وايم الله) بوصل الهمزة والرفع مبتدأ خبره محذوف أي قسمي ( لقد أقلع) بضم الهمزة أي كف
( عنها وأنه ليخيل إلينا أنها أشد ملاءة) بكسر الميم وسكون اللام وبعدها همزة ثم تاء تأنيث أي امتلاء
( منها حين ابتدأ فيها) وهذا من أعظم آياته وباهر دلائل نبوّته حيث توضؤوا وشربوا وسقوا واغتسل
الجنب، بل في رواية سلم بن زرير أنهم ملؤوا كل قربة كانت معهم مما سقط من الغزالي، وبقيت
المزادتان مملوءتين بل تخيل الصحابة أن ماء هنا أكثر مما كان أولاً ( فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لأصحابه: ( اجمعوا
لها)
لعله تطييبًا لخاطرها في مقابلة حبسها في ذلك الوقت عن المسير إلى قومها وما نالها من مخافتها
أخذ مائها لا أنه عوض عما أخذ من الماء، ( فجمعوا لها من بين) وفي رواية ما بين ( عجوة) تمر
أجود تمر المدينة ( ودقيقة وسويقة) بفتح أوّلهما، ولكريمة ودقيقة وسويقة بضمها مصغرين ( حتى
جمعوا لها طعامًا)
زاد أحمد في روايته كثيرًا، والطعام في اللغة ما يؤكل، قال الجوهري: وربما خص
الطعام بالبرّ ( فجعلوه) أي الذي جمعوه ولأبي ذر فجعلوها أي الأنواع المجموعة ( في ثوب وحملوها)
أي المرأة ( على بعيرها ووضعوا الثوب) بما فيه ( بين يديها) أي قدّامها على البعير ( قال لها) رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وللأصيلي قالوا لها أي الصحابة بأمره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( تعلمين) بفتح التاء وسكون العين وتخفيف اللام
أي اعلمي ( ما رزئنا) بفتح الراء وكسر الزاي وقد تفتح وبعدها همزة ساكنة أي ما نقصنا ( من مائك
شيئًا)
أي فجميع ما أخذناه من الماء مما زاده الله وأوجده، ويؤيده قوله: ( ولكن الله هو الذي أسقانا)
بالهمزة ولأبي عساكر سقانا، ( فأتت أهلها وقد احتبست عنهم، قالوا) أي أهلها ولأبوي ذر والوقت
فقالوا ( ما) وللأصيلي فقالوا لها: ما ( حبسك يا فلانة؟ قالت: العجب) أي حبسني العجب ( لقيني
رجلان فذهبا بي إلى هذا الذي)
ولأبي ذر إلى هذا الرجل الذي ( يقال له الصابئ ففعل كذا وكذا،
فوالله إنه لأسحر الناس من بين هذه وهذه)
عبّر بمن البيانية، وكان الناسب التعبير بفي بدل من على
أن حروف الجر قد ينوب بعضها عن بعض، ( وقالت) أي أشارت ( بإصبعيها الوسطى والسبابة) لأنه
يشار بهما عند المخاصمة والسب وهي السبحة لأنها يشار بها إلى التوحيد والتنزيه ( فرفعتهما إلى
السماء تعني)
المرأة ( السماء والأرض أو إنه لرسول الله) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( حقًا) هذا منها ليس بإيمان للشك
لكنها أخذت في النظر فأعقبها الحق فآمنت بعد ذلك، ( فكان المسلمون بعد ذلك يغيرون)
وللأصيلي بعد يغيرون بضم الياء من أغار.
ويجوز فتحها من غار وهو قليل ( على من حولها من
المشركين ولا يصيبون الصرم الذي هي منه)
بكسر الصاد وسكون الراء النفر ينزلون بأهليهم على الماء
أو أبيات من الناس مجتمعة، وإنما لم يغيروا عليهم وهم كفرة للطمع في إسلامهم بسببها أو لرعاية
ذمامها، ( فقالت) أي المرأة ( يومًا لقومها: ما أرى) بفتح الهمزة بمعنى أعلم أي الذي أعتقد ( أن
هؤلاء القوم)
بفتح همزة أن مع تشديد النون ( يدعونكم) بفتح الدال من الإغارة ( عمدًا) لا جهلاً ولا
نسيانًا ولا خوفًا منكم، بل مراعاة لما سبق بيني وبينهم، وفي رواية الأكثرين: ما أرى هؤلاء بفتح

همزة أرى وإسقاط أن، والأول رواية أبي ذر ولابن عساكر: ما أرى بضم الهمزة أي أظن أن هؤلاء
بكسر الهمزة كذا في الفرع، وللأصيلي وابن عساكر ما أدري أن بالدال بعد الألف وأن بفتح الهمزة
والتشديد وهي في موضع المفعول، والمعنى ما أدري ترك هؤلاء إياكم عمدًا لماذا هو؟ وقال أبو

البقاء: الجيد أن يكون أن هؤلاء بالكسر على الإهمال والاستئناف، ولا بفتح على إعمال أدري فيه
لأنها قد عملت بطريق الظاهر، ولكون مفعول أدري محذوفًا، والمعنى ما أدري لماذا تمتنعون من
الإسلام أن المسلمين تركوا الإغارة عليكم عمدًا مع القدرة ( فهل لكم) رغبة ( في الإسلام؟ فأطاعوها
فدخلوا في الإسلام)
.

ورواة هذا الحديث كلهم بصريون، وفيه التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلف أيضًا في
علامات النبوّة ومسلم في الصلاة، وزاد في رواية المستملي هنا مما ليس في الفرع.

( قال أبو عبد الله) أي المؤلف في تفسير ( صبأ) أي ( خرج من دين إلى غيره) .

( وقال أبو العالية) : رفيع بن مهران الرياحي مما وصله ابن أبي حاتم في تفسيره: ( الصابئين)
هم ( فرقة من أهل الكتاب يقرؤون الزبور) .

وقال البيضاوي: والصابين قوم بين النصارى والمجوس، وقيل أصل دينهم دين نوح، وقيل:
هم عبدة الملائكة، وقيل: عبدة الكواكب، وأورده المؤلف هنا ليبيّن الفرق بين الصابئ المروي في
الحديث، والصابئ المنسوب لهذه الطائفة.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( بابٌُ الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ وَضُوءُ المُسْلِمِ يَكْفِيهِ مِنَ الْماءِ)

أَي: هَذَا بابُُ يبين فِيهِ الصَّعِيد الطّيب إِلَى آخِره، وَبابُُ، بِالتَّنْوِينِ.
قَوْله: ( الصَّعِيد) مُبْتَدأ ( وَالطّيب) صفته، وَقَوله: ( وضوء الْمُسلم) خَبره.
وَقد ذكرنَا عَن قريب معنى: الصَّعِيد الطّيب.
قَوْله: ( يَكْفِيهِ) أَي: يجْزِيه ويغنيه عَن المَاء عِنْد عَدمه حَقِيقَة أَو حكما، وَمثل هَذِه التَّرْجَمَة روى الْبَزَّار من طَرِيق هِشَام بن حسان عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا، وَصَححهُ ابْن الْقطَّان..
     وَقَالَ  الدَّارَقُطْنِيّ: الصَّوَاب إرْسَاله، وروى أَبُو دَاوُد من حَدِيث أبي قلَابَة عَن عَمْرو بن بجدان عَن أبي ذَر: ( اجْتمعت غنيمَة عِنْد رَسُول ا) الحَدِيث، وَفِيه، فَقَالَ: ( الصَّعِيد الطّيب وضوء الْمُسلم وَلَو إِلَى عشر سِنِين) .
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ أَيْضا،.

     وَقَالَ : حَدِيث حسن صَحِيح.
وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ وَابْن حبَان فِي ( صَحِيحه) وَالْحَاكِم فِي ( الْمُسْتَدْرك) .

     وَقَالَ : حَدِيث صَحِيح وَلم يخرجَاهُ، وَلَا يلْتَفت إِلَى تَضْعِيف ابْن الْقطَّان لهَذَا الحَدِيث بِعَمْرو بن بجدان لكَون حَاله لَا يعرف، وَيَكْفِي تَصْحِيح التِّرْمِذِيّ إِيَّاه فِي معرفَة حَال عَمْرو بن بجدان، وبجدان، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْجِيم بعْدهَا دَال مُهْملَة وَفِي آخِره نون.
قَوْله: ( وَلَو إِلَى عشر سِنِين) المُرَاد بهَا الْكَثْرَة لَا الْعشْرَة، وَتَخْصِيص الْعشْرَة لأجل الْكَثْرَة لِأَنَّهَا مُنْتَهى عدد الْآحَاد.
وَالْمعْنَى: أَن لَهُ أَن يفعل التَّيَمُّم مرّة بعد أُخْرَى، وَإِن بلغت مُدَّة عدم المَاء إِلَى عشر سِنِين، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ: أَن التَّيَمُّم دفْعَة وَاحِدَة يَكْفِيهِ عشر سِنِين.

وقالَ الحَسَنُ يُجْزِئُهُ التَّيَمُمُ مَا لمْ يُحْدِثْ.

أَي: قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ: يَكْفِيهِ التَّيَمُّم الْوَاحِد مَا لم يحدث، أَي: مُدَّة عدم الْحَدث.
قَوْله: ( يُجزئهُ) ، بِضَم الْيَاء وبالهمزة فِي آخِره من: الْإِجْزَاء، وَهُوَ لُغَة: الْكِفَايَة، وَاصْطِلَاحا: الْأَدَاء الْكَافِي لسُقُوط التَّعَبُّد بِهِ، ويروى: ( يجْزِيه) ، بِفَتْح الْيَاء الأولى وَسُكُون الثَّانِيَة..
     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: جزأت بالشَّيْء اكتفيت بِهِ، وجزى عني هَذَا، أَي: قضى فَهُوَ على التَّقْدِيرَيْنِ لَازم، فَلَعَلَّ التَّقْدِير: يقْضِي عَن المَاء التَّيَمُّم، فَحذف الْجَار وأوصل الْفِعْل، وَالْقَصْد أَن التَّيَمُّم حكمه حكم الْوضُوء فِي جَوَاز أَدَاء الْفَرَائِض المتعددة بِهِ والنوافل مَا لم يحدث بِأحد الحدثين، وَهُوَ قَول أَصْحَابنَا، وَبِه قَالَ إِبْرَاهِيم وَعَطَاء وَابْن الْمسيب وَالزهْرِيّ وَاللَّيْث وَالْحسن بن حييّ وَدَاوُد بن عَليّ، وَهُوَ الْمَنْقُول عَن ابْن عَبَّاس رَضِي اتعالى عَنْهُمَا..
     وَقَالَ  الشَّافِعِي: يتَيَمَّم لكل صَلَاة فرض، وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد وَإِسْحَاق، وَهُوَ قَول قَتَادَة وَرَبِيعَة وَيحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ وَشريك وَاللَّيْث وَأبي ثَوْر، وَذكره الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر وَابْن عَبَّاس من طرق ضَعِيفَة، وَمن حَدِيث قَتَادَة عَن عَمْرو بن الْعَاصِ والْحَارث عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي اتعالى عَنْهُم.
وَعند الْحَاكِم مصححاً من حَدِيث أبي ذَر، وَقد طول الْكرْمَانِي فِي الِاحْتِجَاج للشَّافِعِيّ وَمن تبعه فِي هَذَا من طَرِيق الْعقل وَالنَّقْل يُبطلهُ، ثمَّ إِن البُخَارِيّ ذكر عَن الْحسن مُعَلّقا، وَوَصله ابْن أبي شيبَة: حدّثنا هشيم عَن يُونُس عَن الْحسن.
قَالَ: ( لَا ينْقض التَّيَمُّم إلاَّ الْحَدث) ، وَحَكَاهُ أَيْضا عَن إِبْرَاهِيم وَعَطَاء، وَوَصله أَيْضا عبد الرَّزَّاق، وَلَفظه: ( يجزىء تيَمّم وَاحِد مَا لم يحدث) .
وَوَصله أَبُو مَنْصُور أَيْضا، وَلَفظه: ( التَّيَمُّم بِمَنْزِلَة الْوضُوء، إِذا تَوَضَّأت فَأَنت على وضوء حَتَّى تحدث) ..
     وَقَالَ  ابْن حزم: وروينا عَن حَمَّاد بن سَلمَة، يَعْنِي من ( مُصَنفه) عَن يُونُس بن عبيد عَن الْحسن، قَالَ: ( يُصَلِّي الصَّلَوَات كلهَا بِتَيَمُّم وَاحِد، مثل الْوضُوء، مَا لم بِحَدَث) .

وَأَمَّ ابنَ عَبَّاسٍ وهْوَ مُتَيَمِّمٌ.

هَذَا التَّعْلِيق وَصله ابْن بِي شيبَة وَالْبَيْهَقِيّ أَيْضا بِإِسْنَاد صَحِيح.

ثمَّ وَجه مُنَاسبَة هَذَا للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن التَّيَمُّم وضوء الْمُسلم، فَإِذا كَانَ كَذَلِك تجوز إِمَامَة الْمُتَيَمم للمتوضىء كإمامة المتوضىء، فَدلَّ ذَلِك على أَن التَّيَمُّم طَهَارَة مُطلقَة غير ضَرُورِيَّة، إِذْ لَو كَانَ ضَرُورِيًّا لَكَانَ ضَعِيفا، وَلَو كَانَ ضَعِيفا لما أم ابْن عَبَّاس وَهُوَ متيمم بِمن كَانَ متوضئاً، وَهَذَا مَذْهَب أَصْحَابنَا، وَبِه قَالَ الثَّوْريّ وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر.
عَن مُحَمَّد بن الْحسن: لَا يجوز، وَبِه قَالَ الْحسن بن حييّ، وَكره مَالك وَعبد ابْن الْحسن ذَلِك، فَإِن فعل أَجزَأَهُ..
     وَقَالَ  ربيعَة: لَا يؤم الْمُتَيَمم من جنابته إلاَّ من هُوَ مثله، وَبِه قَالَ يحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ..
     وَقَالَ  الْأَوْزَاعِيّ: لَا يؤمهم إلاَّ إِذا كَانَ أَمِيرا، كَذَا قَالَه ابْن حزم..
     وَقَالَ  أَبُو طَالب: سَأَلت أَبَا عبد اعن الْجنب يؤم المتوضئين؟ قَالَ: نعم قد أمَّ ابْن عَبَّاس أَصْحَابه وَفِيهِمْ عمار بن يَاسر وَهُوَ جنب، فَتَيَمم، وَعَمْرو بن الْعَاصِ صلى بِأَصْحَابِهِ وَهُوَ جنب، فَأخْبر النَّبِي فَتَبَسَّمَ.
قلت: حسان بن عَطِيَّة سمع من عَمْرو بن الْعَاصِ؟ قَالَ: لَا وَلَكِن يقوى بِحَدِيث ابْن عَبَّاس.
فَإِن قلت: قد رُوِيَ عَن جَابر مَرْفُوعا: ( لَا يؤم الْمُتَيَمم المتوضئين) ، وَعَن عَليّ بن أبي طَالب مَوْقُوفا: ( لَا يؤم الْمُتَيَمم المتوضئين، وَلَا الْمُقَيد المطلقين) .
قلت: هَذَانِ حديثان ضعيفان، ضعفهما الدَّارَقُطْنِيّ وَابْن حزم وَغَيرهمَا.
فَإِن قلت: ذكر أَبُو حَفْص بن شاهين فِي كتاب النَّاسِخ والمنسوخ من حَدِيث الزُّهْرِيّ عَن ابْن الْمسيب، عَن عمر بن الْخطاب، مَرْفُوعا: ( لَا يؤم الْمُتَيَمم المتوضئين) .
قلت: لما ذكره ابْن شاهين ذكر بعده حَدِيث عَمْرو بن الْعَاصِ، ثمَّ قَالَ: يحْتَمل أَن يكون هَذَا الحَدِيث نَاسِخا للْأولِ، وَهَذَا الحَدِيث أَجود إِسْنَادًا من حَدِيث الزُّهْرِيّ، وَإِن صَحَّ فَيحْتَمل أَن يكون النَّهْي فِي ذَلِك لضَرُورَة وَقعت مَعَ وجود المَاء.
فَإِن قلت: يكون هَذَا رخصه لعَمْرو إِذْ لم يَنْهَهُ وَلم يَأْمُرهُ بِالْإِعَادَةِ.
قلت: لَو كَانَ رخصَة لَهُ دون غَيره لم يقل لَهُ؛ أَحْسَنت وَضحك فِي وَجهه،.

     وَقَالَ  بَعضهم: هَذِه الْمَسْأَلَة وَافق فِيهَا الْكُوفِيُّونَ وَالْجُمْهُور على خلاف ذَلِك.
قلت: هَذَا عكس الْقَضِيَّة، بل الْجُمْهُور على الْمُوَافقَة، يقف عَلَيْهِ من يمعن النّظر فِي الْكتب..
     وَقَالَ  هَذَا الْقَائِل أَيْضا: وَاحْتج المُصَنّف لعدم الْوُجُوب بِعُمُوم قَوْله فِي حَدِيث الْبابُُ: ( فَإِنَّهُ يَكْفِيك) أَي: مَا لم تحدث أَو تَجِد المَاء، وَحمله الْجُمْهُور على أَعم من ذَلِك، أَي: لفريضة وَاحِدَة وَمَا شِئْت من النَّوَافِل.
انْتهى.
قلت: معنى قَوْله: ( فَإِنَّهُ يَكْفِيك) أَي: فِي كل الصَّلَوَات فَرضهَا ونفلها، وَهَذَا هُوَ معنى الأعمية، وَلَيْسَ فِي قَوْله: لفريضة وَاحِدَة وَمَا شِئْت من النَّوَافِل معنى الأعمية، لِأَن معنى الأعمية فِي شَيْء أَن يكون شَامِلًا لجَمِيع أَفْرَاد ذَلِك الشَّيْء، وَلَيْسَ لقَوْله: لفريضة وَاحِدَة، إِفْرَاد.
وَأما النَّفْل فَإِنَّهُ تبع للْفَرض، وَالتَّابِع لَيْسَ لَهُ حكم مُسْتَقْبل بل، حكمه حكم الْمَتْبُوع.
فَافْهَم.

وقالَ يَحْيَى بنُ سعِيدٍ لاَ بأسَ بالصَّلاَةِ عَلَى السَّبَخَةِ وَالتَّيمُّمِ بِهَا.

يحيى بن سعيد هُوَ الْأنْصَارِيّ، ومطابقة هَذَا للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن معنى الطّيب الطَّاهِر والسبخة طَاهِرَة، فَتدخل تَحت الطّيب.
وَيدل عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة من حَدِيث عَائِشَة رَضِي اتعالى عَنْهَا، فِي شَأْن الْهِجْرَة، أَنه قَالَ: ( أَرَأَيْت دَار هجرتكم سبخَة ذَات نخيل) يَعْنِي الْمَدِينَة، قَالَ: وَقد سمى النَّبِي الْمَدِينَة طيبَة فَدلَّ على أَن السبخة دَاخِلَة فِي الطّيب، وَلم يُخَالف فِي ذَلِك إلاَّ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه، وَلم يجوز التَّيَمُّم بهَا، والسبخة بِفَتْح حروفها كلهَا، وَاحِدَة السباخ.
فَإِذا قلت: أَرض سبخَة، كسرت الْبَاء..
     وَقَالَ  ابْن سَيّده: هِيَ أَرض ذَات ملح ونزو، وَجَمعهَا: سباخ، وَقد سبخت سبخاً فَهِيَ سبخَة، وأسبخت..
     وَقَالَ  غَيره: هِيَ أَرض تعلوها ملوحة لَا تكَاد تنْبت إِلَّا بعض الشّجر.
وَفِي ( الباهر) لِابْنِ عديس: سبخت، بِكَسْر الْبَاء وَفتحهَا.
وَفِي ( شرح الْمُوَطَّأ) لعبد الْملك بن حبيب: السبخة: الأَرْض المالحة الَّتِي لَا تنْبت شَيْئا، وَلَيْسَت الردغة وَلَا الرداغ كَمَا يَقُول من لَا يعرف.


[ قــ :340 ... غــ :344 ]
- ( حَدثنَا مُسَدّد قَالَ حَدثنِي يحيى بن سعيد قَالَ حَدثنَا عَوْف قَالَ حَدثنَا أَبُو رَجَاء عَن عمرَان قَالَ كُنَّا فِي سفر مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَإِنَّا أسرينا حَتَّى كُنَّا فِي آخر اللَّيْل وقعنا وقْعَة وَلَا وقْعَة أحلى عِنْد الْمُسَافِر مِنْهَا فَمَا أيقظنا إِلَّا حر الشَّمْس وَكَانَ أول من اسْتَيْقَظَ فلَان ثمَّ فلَان ثمَّ فلَان يسميهم أَبُو رَجَاء فنسي عَوْف ثمَّ عمر بن الْخطاب الرَّابِع وَكَانَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذا نَام لم نوقظه حَتَّى يكون هُوَ يَسْتَيْقِظ لأَنا لَا نَدْرِي مَا يحدث لَهُ فِي نَومه فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ عمر وَرَأى مَا أصَاب النَّاس وَكَانَ رجلا جليدا فَكبر وَرفع صَوته بِالتَّكْبِيرِ فَمَا زَالَ يكبر وَيرْفَع صَوته بِالتَّكْبِيرِ حَتَّى اسْتَيْقَظَ لصوته النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ شكوا إِلَيْهِ الَّذِي أَصَابَهُم قَالَ لَا ضير أَو لَا يضير ارتحلوا فارتحلوا فَسَار غير بعيد ثمَّ نزل فَدَعَا بِالْوضُوءِ فَتَوَضَّأ وَنُودِيَ بِالصَّلَاةِ فصلى بِالنَّاسِ فَلَمَّا انْفَتَلَ من صلَاته إِذا هُوَ بِرَجُل معتزل لم يصل مَعَ الْقَوْم قَالَ مَا مَنعك يَا فلَان أَن تصلي مَعَ الْقَوْم قَالَ أصابتني جَنَابَة وَلَا مَاء قَالَ عَلَيْك بالصعيد فَإِنَّهُ يَكْفِيك ثمَّ سَار النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فاشتكى إِلَيْهِ النَّاس من الْعَطش فَنزل فَدَعَا فلَانا كَانَ يُسَمِّيه أَبُو رَجَاء نَسيَه عَوْف ودعا عليا فَقَالَ اذْهَبَا فابتغيا المَاء فَانْطَلقَا فتلقيا امْرَأَة بَين مزادتين أَو سطيحتين من مَاء على بعير لَهَا فَقَالَا لَهَا أَيْن المَاء قَالَت عهدي بِالْمَاءِ أمس هَذِه السَّاعَة ونفرنا خلوفا قَالَا لَهَا انطلقي إِذا قَالَت إِلَى أَيْن قَالَا إِلَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَت الَّذِي يُقَال لَهُ الصابىء قَالَا هُوَ الَّذِي تعنين فانطلقي فجاآ بهَا إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وحدثاه الحَدِيث قَالَ فاستنزلوها عَن بَعِيرهَا ودعا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِإِنَاء ففرغ فِيهِ من أَفْوَاه المزادتين أَو السطيحتين وأوكأ أفواههما وَأطلق العزالي وَنُودِيَ فِي النَّاس اسقوا واستقوا فسقى من شَاءَ واستقى من شَاءَ وَكَانَ آخر ذَاك أَن أعْطى الَّذِي أَصَابَته الْجَنَابَة إِنَاء من مَاء قَالَ اذْهَبْ فأفرغه عَلَيْك وَهِي قَائِمَة تنظر إِلَى مَا يفعل بِمَائِهَا وَايْم الله لقد أقلع عَنْهَا وَإنَّهُ ليُخَيل إِلَيْنَا أَنَّهَا أَشد ملأة مِنْهَا حِين ابْتَدَأَ فِيهَا فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - اجْمَعُوا لَهَا فَجمعُوا لَهَا من بَين عَجْوَة ودقيقة وسويقة حَتَّى جمعُوا لَهَا طَعَاما فجعلوها فِي ثوب وَحملُوهَا على بَعِيرهَا وَوَضَعُوا الثَّوْب بَين يَديهَا قَالَ لَهَا تعلمين مَا رزئنا من مائك شَيْئا وَلَكِن الله هُوَ الَّذِي أسقانا فَأَتَت أَهلهَا وَقد احْتبست عَنْهُم قَالُوا مَا حَبسك يَا فُلَانَة قَالَت الْعجب لَقِيَنِي رجلَانِ فذهبا بِي إِلَى هَذَا الَّذِي يُقَال لَهُ الصابىء فَفعل كَذَا وَكَذَا فوَاللَّه إِنَّه لأسحر النَّاس من بَين هَذِه وَهَذِه وَقَالَت باصبعيها الْوُسْطَى والسبابُة فرفعتهما إِلَى السَّمَاء تَعْنِي السَّمَاء وَالْأَرْض أَو إِنَّه لرَسُول الله حَقًا فَكَانَ الْمُسلمُونَ بعد ذَلِك يغيرون على من حولهَا من الْمُشْركين وَلَا يصيبون الصرم الَّذِي هِيَ مِنْهُ فَقَالَت يَوْمًا لقومها مَا أرِي أَن هَؤُلَاءِ الْقَوْم يدعونكم عمدا فَهَل لكم فِي الْإِسْلَام فأطاعوها فَدَخَلُوا فِي الْإِسْلَام) مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " عَلَيْك بالصعيد فَإِنَّهُ يَكْفِيك ".
( ذكر رِجَاله) وهم خَمْسَة الأول مُسَدّد بن مسرهد تقدم الثَّانِي يحيى بن سعيد الْقطَّان قَالَ بنْدَار مَا أَظن أَنه عصى الله تَعَالَى قطّ قد تقدم الثَّالِث عَوْف الْأَعرَابِي يُقَال لَهُ عَوْف الصدوق تقدم فِي بابُُ اتِّبَاع الْجَنَائِز من الْإِيمَان الرَّابِع أَبُو رَجَاء بِفَتْح الرَّاء وَتَخْفِيف الْجِيم وبالمد العطاردي اسْمه عمرَان بن ملْحَان بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون اللَّام وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة قَالَ البُخَارِيّ الْأَصَح أَنه ابْن تيم أدْرك زمَان الرَّسُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَلم يره وَأسلم بعد الْفَتْح وأتى عَلَيْهِ مائَة وَعِشْرُونَ سنة مَاتَ فِي سنة بضع وَمِائَة.
الْخَامِس عمرَان بن حُصَيْن بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح الْمُهْملَة أَيْضا أسلم عَام خَيْبَر وَرُوِيَ لَهُ عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مائَة حَدِيث وَثَمَانُونَ حَدِيثا للْبُخَارِيّ مِنْهَا اثنى عشر بَعثه عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ إِلَى الْبَصْرَة ليفقههم وَكَانَت الْمَلَائِكَة تسلم عَلَيْهِ وَكَانَ قَاضِيا بِالْبَصْرَةِ وَمَات بهَا سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين ( ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع وَفِيه العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد وَفِيه القَوْل وَفِيه حَدثنَا يحيى وَفِي بعض النّسخ حَدثنِي يحيى وَفِيه مُسَدّد بن مسرهد فِي رِوَايَة أبي ذَر وَفِي رِوَايَة غَيره مُسَدّد بِذكرِهِ وَحده وَفِيه أَن رُوَاته كلهم بصريون.
( ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره) أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي عَلَامَات النُّبُوَّة عَن أبي الْوَلِيد عَن سلم بن زرير وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن أَحْمد بن سعيد الدَّارمِيّ وَعَن اسحق بن إِبْرَاهِيم وَفِي الْمُسْتَدْرك من حَدِيث الْحسن عَن عمرَان " نمنا عَن صَلَاة الْفجْر حَتَّى طلعت الشَّمْس فَأمر الْمُؤَذّن فَأذن ثمَّ صلى الرَّكْعَتَيْنِ قبل الْفجْر ثمَّ أَقَامَ الْمُؤَذّن فصلى الْفجْر ".

     وَقَالَ  صَحِيح على مَا قدمنَا ذكره فِي صِحَة سَماع الْحسن عَن عمرَان وَعند الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث الْحسن عَنهُ " فصلى رَكْعَتي الْفجْر حَتَّى إِذا أمكننا الصَّلَاة صلينَا " وَعند أَحْمد " فَلَمَّا كَانَ آخر اللَّيْل عرس فَلم نستيقظ حَتَّى أيقظنا حر الشَّمْس فَجعل الرجل يقوم دهشا إِلَى طهوره قَالَ فَأَمرهمْ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن يسكنوا ثمَّ ارتحلوا فسرنا حَتَّى إِذا ارْتَفَعت الشَّمْس تَوَضَّأ ثمَّ أَمر بِلَالًا فَأذن ثمَّ صلى الرَّكْعَتَيْنِ قبل الْفجْر ثمَّ أَقَامَ فصلينا فَقَالُوا يَا رَسُول الله أَلا نعيدها فِي وَقتهَا من الْغَد قَالَ أينهاكم ربكُم تبَارك وَتَعَالَى عَن الرِّبَا ويقبله مِنْكُم " وَفِي صَحِيح ابْن خُزَيْمَة فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " إِنَّمَا التَّفْرِيط فِي الْيَقَظَة " وَعند ابْن حزم من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن مُسلم حَدثنَا أَبُو رَجَاء " ثمَّ إِن الْجنب وجد المَاء بعد فَأمره أَن يغْتَسل وَلَا يُعِيد الصَّلَاة " وَعند مُسلم من حَدِيث ابْن شهَاب عَن سعيد عَن أبي هُرَيْرَة " أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حِين قفل من غَزْوَة خَيْبَر سَار لَيْلَة حَتَّى إِذا أدْركهُ الْكرَى عرس قَالَ لِبلَال اكلأ لنا اللَّيْل فَلَمَّا تقَارب الْفجْر اسْتندَ بِلَال إِلَى رَاحِلَته فغلبته عَيناهُ فَلم يَسْتَيْقِظ وَلَا أحد من أَصْحَابه حَتَّى ضربتهم الشَّمْس فَكَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَوَّلهمْ استيقاظا فَقَالَ أَي بِلَال فَقَالَ بِلَال أَخذ بنفسي الَّذِي أَخذ بِنَفْسِك " وَعِنْده أَيْضا من حَدِيث أبي قَتَادَة " كُنَّا مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سَبْعَة رَهْط فَمَال عَن الطَّرِيق فَوضع رَأسه ثمَّ قَالَ احْفَظُوا علينا صَلَاتنَا فَكَانَ أول من اسْتَيْقَظَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالشَّمْس فِي ظَهره وقمنا فزعين " فَذكر حَدِيث الميضأة مطولا " وَإِن النَّاس فقدوا نَبِيّهم فَقَالَ أَبُو بكر وَعمر رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَعدكُم لم يكن ليخلفكم.

     وَقَالَ  النَّاس رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَين أَيْدِيكُم " وَعند أبي دَاوُد من حَدِيث خَالِد بن سمير عَن عبد الله بن رَبَاح حَدثنَا أَبُو قَتَادَة قَالَ " بعث رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - جَيش الْأُمَرَاء " فَذكره قَالَ أَبُو عمر ابْن عبد الْبر وَقَول خَالِد جَيش الْأُمَرَاء وهم عِنْد الْجَمِيع لِأَن جَيش الْأُمَرَاء كَانَ فِي موتَة وَهِي سَرِيَّة لم يشهدها رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ ابْن حزم وَقد خَالف خَالِدا من هُوَ أحفظ مِنْهُ وَعند أبي دَاوُد بِسَنَد صَحِيح من حَدِيث جَامع بن شَدَّاد سَمِعت عبد الرَّحْمَن ابْن أبي عَلْقَمَة عَن ابْن مَسْعُود قَالَ " أقبل النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من الْحُدَيْبِيَة لَيْلًا فنزلنا دهاشا من الأَرْض فَقَالَ من يكلأنا فَقَالَ بِلَال أَنا قَالَ إِذا تنام قَالَ لَا فَنَامَ بِلَال حَتَّى طلعت الشَّمْس فَاسْتَيْقَظَ فلَان وَفُلَان فيهم عمر رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ اهضبوا " أَي تكلمُوا " وأمضوا فَاسْتَيْقَظَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " الحَدِيث وَذكر أَبُو مُسلم الْكَجِّي فِي كتاب السّنَن عَن عَمْرو بن مَرْزُوق أخبرنَا المَسْعُودِيّ عَن جَامع بِلَفْظ " قَالَ عبد الله لما رَجَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من الْحُدَيْبِيَة قَالَ من يحرسنا قَالَ عبد الله فَقلت أَنا قَالَ إِنَّك تنام مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا فَقَالَ أَنْت فحرست حَتَّى كَانَ فِي وَجه الصُّبْح أدركني مَا قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَنمت " الحَدِيث وَعند الطَّبَرَانِيّ وَأبي دَاوُد بِسَنَد لَا بَأْس بِهِ عَن عَمْرو بن أُميَّة الضمرِي " كُنَّا مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي سَرِيَّة فَتقدم النَّاس فَقَالَ هَل لكم أَن نهجع هجعة فَمن يكلؤ لنا اللَّيْلَة قَالَ ذُو مخبر أَنا فَأعْطَاهُ خطام نَاقَته.

     وَقَالَ  لَا تكن لكع قَالَ ذُو مخبر فَانْطَلَقت غير بعيد فأرسلتها مَعَ نَاقَتي ترعيان فغلبني عَيْني فَمَا أيقظني إِلَّا حر الشَّمْس على وَجْهي فَجئْت أدني الْقَوْم فأيقظته وَأَيْقَظَ النَّاس بَعضهم بَعْضًا حَتَّى اسْتَيْقَظَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " وَفِي الْمُوَطَّأ عَن زيد بن أسلم قَالَ " عرس رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَيْلَة بطرِيق مَكَّة شرفها الله ووكل بِلَالًا أَن يوقظهم للصَّلَاة " الحَدِيث وَفِي كتاب عبد الرَّزَّاق عَن ابْن جريج أَخْبرنِي سعد بن إِبْرَاهِيم عَن عَطاء بن يسَار أَن التعرس فِي غَزْوَة تَبُوك وَكَذَا ذكره عقبَة بن عَامر قَالَ " خرجنَا مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي غَزْوَة تَبُوك فاسترقد لما كَانَ مِنْهَا على لَيْلَة فَاسْتَيْقَظَ حِين كَانَت الشَّمْس قيد رمح فَقَالَ ألم أقل لَك يَا بِلَال " وَذكره الْبَيْهَقِيّ فِي كتاب الدَّلَائِل من حَدِيث عبد الله بن مُصعب بن مَنْظُور عَن أَبِيه عَنهُ ( ذكر مَعَانِيه ولغاته) قَوْله " كُنَّا فِي سفر مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " اخْتلفُوا فِي تعْيين هَذَا السّفر فَفِي صَحِيح مُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَنه وَقع عِنْد رجوعهم من خَيْبَر وَفِي حَدِيث ابْن مَسْعُود رَوَاهُ أَبُو دَاوُد " أقبل النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من الْحُدَيْبِيَة لَيْلًا فَنزل فَقَالَ من يكلؤنا فَقَالَ بِلَال أَنا " وَفِي حَدِيث زيد بن أسلم مُرْسلا أخرجه مَالك فِي الْمُوَطَّأ " عرس رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَيْلًا بطرِيق مَكَّة ووكل بِلَالًا " وَفِي حَدِيث عَطاء بن يسَار مُرْسلا رَوَاهُ عبد الرَّزَّاق أَن ذَلِك كَانَ بطرِيق تَبُوك وَكَذَا فِي حَدِيث عقبَة بن عَامر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد كَانَ ذَلِك فِي غَزْوَة جَيش الْأُمَرَاء وَقد ذكرنَا هَذِه كلهَا عَن قريب قَوْله " إِنَّا أسرينا ".

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي وَفِي بَعْضهَا سرينا يَعْنِي بِدُونِ الْهمزَة ( قلت) يُقَال سرى وَأسرى لُغَتَانِ.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي سريت وأسريت بِمَعْنى إِذا سرت لَيْلًا وَفِي الْمُحكم السرى سير عَامَّة اللَّيْل وَقيل سير اللَّيْل كُله والْحَدِيث يُخَالف هَذَا القَوْل والسرى يذكر وَيُؤَنث وَلم يعرف اللحياني إِلَّا التَّأْنِيث وَقد سرى سرى وسرية وسرية فَهُوَ سَار وَذكر ابْن سَيّده وَقد سرى بِهِ وَأسرى بِهِ وأسراه وَفِي الْجَامِع سرى يسري سريا إِذا سَار لَيْلًا وكل سَائِر لَيْلًا فَهُوَ سَار قَوْله " وقعنا وقْعَة " أَي نمنا نومَة كَأَنَّهُمْ سقطوا عَن الْحَرَكَة قَوْله " وَلَا وقْعَة " كلمة لَا لنفي الْجِنْس ووقعة اسْمه وَقَوله " أحلى " صفة للوقعة وَخبر لَا مَحْذُوف وَيجوز أَن يكون أحلى خَبرا قَوْله " مِنْهَا " أَي من الْوَقْعَة فِي آخر اللَّيْل وَهُوَ كَمَا قَالَ الشَّاعِر
( وَأحلى الْكرَى عِنْد الصَّباح يطيب ... )
قَوْله " وَكَانَ أول من اسْتَيْقَظَ فلَان " اعْلَم أَن كَانَ هَهُنَا يجوز أَن تكون تَامَّة وَأَن تكون نَاقِصَة فَإِن كَانَت نَاقِصَة فَقَوله أول بِالنّصب مقدما خَبَرهَا وَاسْمهَا هُوَ قَوْله فلَان وَإِن كَانَت تَامَّة بِمَعْنى وجد فَلَا تحْتَاج إِلَى خبر فَقَوله أول يكون اسْمه وَيكون قَوْله فلَان بَدَلا مِنْهُ قَوْله " يسميهم أَبُو رَجَاء " جملَة من الْفِعْل وَالْفَاعِل وَالْمَفْعُول أَي يُسمى المستيقظين وَلَيْسَ بإضمار قبل الذّكر لِأَن قَوْله " اسْتَيْقَظَ " يدل عَلَيْهِ ( فَإِن قلت) مَا موقع هَذِه الْجُمْلَة من الْإِعْرَاب ( قلت) الْأَقْرَب أَن تكون حَالا وَهَذِه الْجُمْلَة وَالَّتِي بعْدهَا وَهِي قَوْله " فنسي عَوْف " لَيْسَ من كَلَام عمرَان بن حُصَيْن وَإِنَّمَا هِيَ من كَلَام الرَّاوِي وعَوْف هُوَ عَوْف الْأَعرَابِي الْمَذْكُور فِي الْإِسْنَاد وَقَوله " الرَّابِع " مَرْفُوع لِأَنَّهُ صفة عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَعمر مَرْفُوع لِأَنَّهُ مَعْطُوف على مَرْفُوع وَهُوَ قَوْله ثمَّ فلَان.

     وَقَالَ  بَعضهم وَيجوز نَصبه على خبر كَانَ ( قلت) لم يبين هَذَا الْقَائِل أَي كَانَ هَذَا وَالْأَقْرَب أَن يكون مُقَدرا تَقْدِيره ثمَّ كَانَ عمر بن الْخطاب الرَّابِع يَعْنِي من المستيقظين.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي وَفِي بَعْضهَا هُوَ الرَّابِع وَقد سمى البُخَارِيّ فِي عَلَامَات النُّبُوَّة أول من اسْتَيْقَظَ وَلَفظه " فَكَانَ أول من اسْتَيْقَظَ أَبُو بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ " فعلى هَذَا فَأَبُو بكر هُوَ أحد المستيقظين من الْأَرْبَعَة أَولا وَالرَّابِع هُوَ عمر بن الْخطاب وَبَقِي اثْنَان من الَّذين عدهم أَبُو رَجَاء ونسيهم عَوْف الْأَعرَابِي وَبَعْضهمْ عين الثَّانِي وَالثَّالِث بِالِاحْتِمَالِ فَقَالَ يشبه أَن يكون الثَّانِي عمرَان رَاوِي الْقِصَّة وَالثَّالِث من شَارك عمرَان فِي رِوَايَة هَذِه الْقِصَّة وَهُوَ ذُو مخبر فَإِنَّهُ قَالَ فِي حَدِيث عمر بن أُميَّة رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ " فَمَا أيقظني إِلَّا حر الشَّمْس " وَهَذَا تصرف بالحدس والتخمين قَوْله " وَكَانَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذا نَام لم نوقظه " بنُون الْمُتَكَلّم وَالضَّمِير الْمَنْصُوب يرجع إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِي بعض النّسخ لم يوقظ على صِيغَة الْمَجْهُول الْمُفْرد ( فَإِن قلت) هَذَا النّوم فِي هَذِه الْقِصَّة هَل كَانَ مثل نوم غَيره أم لَا ( قلت) قد يكون نَومه كنوم الْبشر فِي بعض الْأَوْقَات وَلَكِن لَا يجوز عَلَيْهِ الإضغاث لِأَن رُؤْيا الْأَنْبِيَاء صلوَات الله على نَبينَا وَعَلَيْهِم وَحي ( فَإِن قلت) مَا تَقول فِي نَومه يَوْم الْوَادي وَقد قَالَ " إِن عَيْني تنامان وَلَا ينَام قلبِي " قلت نعم هَذَا حكم قلبه عِنْد نَومه وَعَيْنَيْهِ فِي غَالب الْأَوْقَات وَقد ينْدر مِنْهُ غير ذَلِك كَمَا ينْدر من غَيره بِخِلَاف عَادَته وَالدَّلِيل على صِحَة هَذَا فِي الحَدِيث نَفسه " إِن الله قبض أَرْوَاحنَا " وَفِي الحَدِيث الآخر " لَو شَاءَ الله لأيقظنا " وَلَكِن أَرَادَ أَن يكون لمن بعدكم وَيكون هَذَا مِنْهُ لأمر يُريدهُ الله تَعَالَى من إِثْبَات حكم وَإِظْهَار شرع وَجَوَاب آخر أَن قلبه لَا يستغرقه النّوم حَتَّى يكون مِنْهُ الْحَدث فِيهِ لما رُوِيَ أَنه كَانَ محروسا وَأَنه كَانَ ينَام حَتَّى ينْفخ وَحَتَّى يسمع غَطِيطه ثمَّ يُصَلِّي وَلَا يتَوَضَّأ ( فَإِن قلت) فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس الْمَذْكُور فِي وضوءه عِنْد قِيَامه من النّوم ( قلت) النّوم فِيهِ نَومه مَعَ أَهله فَلَا يُمكن الِاحْتِجَاج بِهِ على وضوئِهِ بِمُجَرَّد النّوم إِذا صلى ذَلِك لملامسته الْأَهْل أَو حدث آخر أَلا ترى فِي آخر الحَدِيث " نَام حَتَّى سَمِعت غَطِيطه ثمَّ أُقِيمَت الصَّلَاة فصلى وَلم يتَوَضَّأ " وَقيل لَا ينَام قلبه من أجل الْوَحْي وَأَنه يُوحى إِلَيْهِ فِي النّوم وَلَيْسَ فِي قصَّة الْوَادي إِلَّا نوم عَيْنَيْهِ عَن رُؤْيَة الشَّمْس وَلَيْسَ هَذَا من فعل الْقلب وَقد قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " إِن الله قبض أَرْوَاحنَا وَلَو شَاءَ لردها إِلَيْنَا " فِي حِين غير هَذَا ( فَإِن قلت) فلولا عَادَته من استغراق النّوم لما قَالَ لِبلَال اكلأ لنا الصُّبْح ( قلت) كَانَ من شَأْنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - التغليس بالصبح ومراعاة أول الْفجْر وَلَا يَصح هَذَا مِمَّن نَامَتْ عينه إِذا هُوَ ظَاهر يدْرك بالجوارح الظَّاهِرَة فَوكل بِلَال بمراعاة أَوله ليعلمه بذلك كَمَا لَو شغل بشغل غير النّوم عَن مراعاته ( فَإِن قلت) هَل كَانَ نومهم عَن صَلَاة الصُّبْح مرّة أَو أَكثر ( قلت) قد جزم الْأصيلِيّ بِأَن الْقِصَّة وَاحِدَة ورد عَلَيْهِ القَاضِي عِيَاض بِأَن قصَّة أبي قَتَادَة مُغَايرَة لقصة عمرَان بن حُصَيْن لِأَن فِي قصى أبي قَتَادَة لم يكن أَبُو بكر وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لما نَام وَفِي قصَّة عمرَان أَن أول من اسْتَيْقَظَ أَبُو بكر وَلم يَسْتَيْقِظ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حَتَّى أيقظه عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَمن الَّذِي يدل على تعدد الْقِصَّة اخْتِلَاف مواطنها كَمَا ذَكرنَاهَا وَلَقَد تكلّف أَبُو عمر فِي الْجمع بَينهمَا بقوله أَن زمَان رجوعهم كَانَ قَرِيبا من زمَان رجوعهم من الْحُدَيْبِيَة وَأَن طَرِيق مَكَّة يصدق عَلَيْهِمَا وَفِيه تعسف على أَن رِوَايَة عبد الرَّزَّاق بِتَعْيِين غَزْوَة تَبُوك يرد عَلَيْهِ ثمَّ أَن أَبَا عمر زعم أَن نوم النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ مرّة وَاحِدَة.

     وَقَالَ  القَاضِي أَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ ثَلَاث مَرَّات إِحْدَاهَا رِوَايَة أبي قَتَادَة وَلم يحضرها أَبُو بكر وَعمر الثَّانِيَة حَدِيث عمرَان وحضراها وَالثَّالِثَة حضرها أَبُو بكر وبلال.

     وَقَالَ  عِيَاض حَدِيث أبي قَتَادَة غير حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَكَذَلِكَ حَدِيث عمرَان وَمن الدَّلِيل على أَن ذَلِك وَقع مرَّتَيْنِ أَنه قد روى أَن ذَلِك كَانَ زمن الْحُدَيْبِيَة وَفِي رِوَايَة بطرِيق مَكَّة وَالْحُدَيْبِيَة كَانَت فِي السّنة السَّادِسَة وَإِسْلَام عمرَان وَأبي هُرَيْرَة الرَّاوِي حَدِيث قفوله من خَيْبَر كَانَ فِي السّنة السَّابِعَة بعد الْحُدَيْبِيَة وهما كَانَا حاضرين الْوَاقِعَة ( قلت) فِيهِ نظر لِأَن إِسْلَام عمرَان كَانَ بِمَكَّة ذكره أَبُو مَنْصُور الْمَاوَرْدِيّ فِي كتاب الصَّحَابَة.

     وَقَالَ  ابْن سعد وَأَبُو أَحْمد العسكري وَالطَّبَرَانِيّ فِي آخَرين كَانَ إِسْلَامه قَدِيما قَوْله " مَا يحدث لَهُ " بِضَم الدَّال من الْحُدُوث أَي مَا يحدث لَهُ من الْوَحْي وَكَانُوا يخَافُونَ انْقِطَاعه بالإيقاظ قَوْله " مَا أصَاب النَّاس " أَي من فَوَات صَلَاة الصُّبْح وكونهم على غير مَاء قَوْله " فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ عمر " جَوَاب لما مَحْذُوف تَقْدِيره فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ كبر وَقَوله " فَكبر " يدل عَلَيْهِ قَوْله " جليدا " بِفَتْح الْجِيم من جلد الرجل بِالضَّمِّ فَهُوَ جلد وجليد أَي بَين الجلادة بِمَعْنى الْقُوَّة والصلابة وَزَاد مُسلم هُنَا " أجوف " أَي رفيع الصَّوْت يخرج صَوته من جَوْفه قَوْله " فَكبر " أَي عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَإِنَّمَا رفع صَوته بِالتَّكْبِيرِ لمعنيين أَحدهمَا أَن اسْتِعْمَال التَّكْبِير لسلوك طَرِيق الْأَدَب وَالْجمع بَين المصلحتين وَالْآخر اخْتِصَاص لفظ التَّكْبِير لِأَنَّهُ أصل الدُّعَاء إِلَى الصَّلَاة قَوْله " حَتَّى اسْتَيْقَظَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " فالنبي مَرْفُوع لِأَنَّهُ فَاعل اسْتَيْقَظَ وَهُوَ لَازم بِمَعْنى تيقظ قَوْله " لصوته " أَي لأجل صَوته ويروى " بِصَوْتِهِ " أَي بِسَبَب صَوته قَوْله " قَالَ لَا ضير " ويروى " فَقَالَ لَا ضير " أَي لَا ضَرَر من ضارة يضوره ويضيره ضورا وضيرا أَي ضره قَالَ الْكسَائي سَمِعت بَعضهم يَقُول لَا ينعني ذَلِك وَلَا يضورني قَوْله " أَو لَا يضير " شكّ من عَوْف الْأَعرَابِي وَقد صرح بذلك الْبَيْهَقِيّ فِي رِوَايَته وَلأبي نعيم فِي مستخرجه لَا يسوء وَلَا يضير وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لتأنيس قُلُوبهم لما عرض لَهُم من الأسف على فَوَات الصَّلَاة من وَقتهَا لأَنهم لم يتعمدوا ذَلِك قَوْله " ارتحلوا " بِصِيغَة الْأَمر للْجَمَاعَة المخاطبين من الصَّحَابَة قَوْله " فارتحلوا " بِصِيغَة الْجمع من الْمَاضِي أَي ارتحلوا عقيب أَمر النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بذلك ويروى " فارتحل " أَي النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ( فَإِن قلت) مَا كَانَ السَّبَب فِي أمره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بالارتحال من ذَلِك الْمَكَان ( قلت) بَين ذَلِك فِي رِوَايَة مُسلم عَن أبي حَازِم عَن أبي هُرَيْرَة " فَإِن هَذَا منزل حضر فِيهِ الشَّيْطَان " وَقيل كَانَ ذَلِك لأجل الْغَفْلَة وَقيل لكَون ذَلِك وَقت الْكَرَاهَة وَفِيه نظر لِأَن فِي حَدِيث الْبابُُ " لم يستيقظوا حَتَّى وجدوا حر الشَّمْس " وَذَلِكَ لَا يكون إِلَّا بعد أَن يذهب وَقت الْكَرَاهَة وَقيل الْأَمر بذلك مَنْسُوخ بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " من نَام عَن صَلَاة أَو نَسِيَهَا فليصلها إِذا ذكرهَا " وَفِيه نظر لِأَن الْآيَة مَكِّيَّة والقصة بعد الْهِجْرَة قَوْله " فَسَار غير بعيد " يدل على أَن الارتحال الْمَذْكُور وَقع على خلاف سيرهم الْمُعْتَاد قَوْله " فَدَعَا بِالْوضُوءِ " بِفَتْح الْوَاو وَقَوله " وَنُودِيَ بِالصَّلَاةِ " المُرَاد من النداء هُوَ التأذين لِأَنَّهُ صرح فِي رِوَايَة مُسلم من حَدِيث أبي قَتَادَة التَّصْرِيح بِالتَّأْذِينِ قَوْله " إِذا هُوَ بِرَجُل " لم يعلم اسْمه.

     وَقَالَ  صَاحب التَّوْضِيح هُوَ خَلاد بن رَافع بن مَالك الْأنْصَارِيّ أَخُو رِفَاعَة وَفِيه نظر لِأَن ابْن الْكَلْبِيّ قَالَ هُوَ شهد بَدْرًا وَقتل يَوْم إِذْ فوقعة الْبَدْر مُقَدّمَة على هَذِه الْقِصَّة فاستحال أَن يكون هُوَ إِيَّاه وَقيل لَهُ رِوَايَة فَإِذا صَحَّ هَذَا يكون قد عَاشَ بعد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ( قلت) لَا يلْزم من رِوَايَته عيشه بعد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لاحْتِمَال انقطاعها أَو نقلهَا صَحَابِيّ آخر قَوْله " معتزل " أَي مُنْفَرد عَن النَّاس قَوْله " وَلَا مَاء " قَالَ بَعضهم بِفَتْح الْهمزَة أَي معي ( قلت) تَفْسِيره تَفْسِير من لم يمس شَيْئا من علم الْعَرَبيَّة لِأَن كلمة لَا على قَوْله لنفي جنس المَاء فَأَي شَيْء يقدر خَبَرهَا بقوله معي وَعدم المَاء عِنْده لَا يسْتَلْزم عَدمه عِنْد غَيره فَحِينَئِذٍ لَا يَسْتَقِيم نفي جنس المَاء وَيجوز أَن تكون لَا هَهُنَا بِمَعْنى لَيْسَ فيرتفع المَاء حِينَئِذٍ وَيكون الْمَعْنى لَيْسَ مَاء عِنْدِي قَوْله " عَلَيْك بالصعيد " كلمة عَلَيْك من أَسمَاء الْأَفْعَال وَمَعْنَاهُ الزم وَالْألف وَاللَّام فِي الصَّعِيد للْعهد الْمَذْكُور فِي الْآيَة الْكَرِيمَة وَفِي رِوَايَة سلم بن زرير " فَأمره أَن يتَيَمَّم بالصعيد ": ( قلت) سلم بِفَتْح السِّين وَسُكُون اللَّام وزرير بِفَتْح الزَّاي الْمُعْجَمَة وبراءين مهملتين بَينهمَا يَاء آخر الْحُرُوف أَولهمَا مَقْصُورَة قَوْله " يَكْفِيك " أَي لإباحة الصَّلَاة وَالْمعْنَى يَكْفِيك للصَّلَاة مَا لم تحدث قَوْله " فاشتكى النَّاس إِلَيْهِ " أَي إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ويروى " فاشتكوا النَّاس " من قبيل أكلوني البراغيث قَوْله " فَدَعَا فلَان " هُوَ عمرَان بن الْحصين رَاوِي الحَدِيث وَيدل على ذَلِك قَوْله فِي رِوَايَة ابْن زرير " ثمَّ عجلني النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي ركب بَين يَدَيْهِ فَطلب المَاء " وَهَذِه الرِّوَايَة تدل على أَنه كَانَ هُوَ وَعلي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَقَط لِأَنَّهُمَا خوطبا بِلَفْظ التَّثْنِيَة وَهُوَ قَوْله " اذْهَبَا فابتغيا المَاء " ( فَإِن قلت) فِي رِوَايَة ابْن زرير فِي ركب فَهَذَا يدل على الْجَمَاعَة ( قلت) يحْتَمل أَن يكون مَعَهُمَا غَيرهمَا ولكنهما خصا بِالْخِطَابِ لِأَنَّهُمَا تعينا مقصودين بِالْإِرْسَال قَوْله " فابتغيا " من الابتغاء وَهُوَ الطّلب يُقَال بغيت الشَّيْء وابتغيته وتبغيته إِذا طلبته وابتغيتك الشَّيْء جعلتك طَالبا لَهُ وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ " فابغيا " وَلأَحْمَد " فابغيانا " قَوْله " فتلقيا " ويروى " فلقيا " قَوْله " بَين مزادتين " المزادة بِفَتْح الْمِيم وَتَخْفِيف الزَّاي الراوية وَيجمع على مزاد ومزائد وَسميت مزادة لِأَنَّهَا يُزَاد فِيهَا جلد آخر من غَيرهَا وَلِهَذَا قيل أَنَّهَا أكبر من الْقرْبَة وَتسَمى أَيْضا السطيحة بِفَتْح السِّين وَكسر الطَّاء.

     وَقَالَ  ابْن سَيّده السطيحة المزادة الَّتِي بَين الأديمين قوبل أَحدهمَا بِالْآخرِ وَفِي الْجَامِع هِيَ إداوة تتَّخذ من جلدين وَهِي أكبر من الْقرْبَة قَوْله " أَو سطيحتين " شكّ من الرَّاوِي.

     وَقَالَ  بَعضهم شكّ من عَوْف ( قلت) تَعْيِينه بِهِ من أَيْن وَفِي رِوَايَة مُسلم " فَإِذا نَحن بإمرأة سادلة " أَي مدلية رِجْلَيْهَا بَين مزادتين قَوْله " أمس " هُوَ عِنْد الْحِجَازِيِّينَ مَبْنِيّ على الْكسر ومعرب غير منصرف للعدل والعلمية عِنْد التميميين فعلى هَذَا هُوَ بِضَم السِّين ( فَإِن قلت) مَا موقعه من الْإِعْرَاب ( قلت) مَرْفُوع على أَنه خبر الْمُبْتَدَأ وَهُوَ قَوْله " عهدي " قَوْله " هَذِه السَّاعَة " مَنْصُوب بالظرفية.

     وَقَالَ  ابْن مَالك أَصله فِي مثل هَذِه السَّاعَة فَحذف الْمُضَاف وأقيم الْمُضَاف إِلَيْهِ مقَامه قَوْله " ونفرنا " وَفِي الْمُحكم النَّفر والنفر والنفير والنفور مَا دون الْعشْرَة من الرِّجَال وَالْجمع أَنْفَار وَفِي الواعي النَّفر مَا بَين الثَّلَاثَة إِلَى الْعشْرَة وَالْعرب تَقول هَؤُلَاءِ نفرك أَي رهطك ورجالك الَّذين أَنْت مَعَهم وَهَؤُلَاء عشرَة نفر أَي عشرَة رجال وَلَا يَقُولُونَ عشرُون نَفرا وَلَا ثَلَاثُونَ نَفرا تَقول الْعَرَب جَاءَنَا فِي نفره ونفيره ونفرته كلهَا بِمَعْنى سموا بذلك لأَنهم إِذا حزبهم أَمر اجْتَمعُوا ثمَّ نفروا إِلَى عدوهم.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ لَا وَاحِد قَوْله " خلوف " بِضَم الْخَاء جمع الخالف أَي الْمُسَافِر نَحْو شَاهد وشهود وَيُقَال حَيّ خلوف أَي غيب.

     وَقَالَ  ابْن عَرَفَة الْحَيّ خلوف أَي خرج الرِّجَال وَبقيت النِّسَاء.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ هم الَّذين خَرجُوا للأسفار وخلفوا النِّسَاء والأثقال وارتفاع خلوف على أَنه خبر وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي والحموي " خلوفا " بِالنّصب.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي أَي كَانَ نفرنا خلوفا.

     وَقَالَ  بَعضهم مَنْصُوب على الْحَال السَّادة مسد الْخَبَر ( قلت) مَا الْخَبَر هُنَا حَتَّى تسد الْحَال مسده وَالْأَوْجه مَا قَالَه الْكرْمَانِي أَنه مَنْصُوب بكان الْمُقدر قَوْله " الصابىء " بِالْهَمْزَةِ وبغيرها فَالْأول من صَبأ إِذا خرج من دين إِلَى دين وَالثَّانِي من صبا يصبو إِذا مَال وسنوسع الْكَلَام فِيهِ عِنْد تَفْسِير البُخَارِيّ فِي آخر هَذَا الحَدِيث قَوْله " تعنين " أَي تريدين من عَنى يَعْنِي إِذا قصد قَوْله " قَالَا هُوَ الَّذِي تعنين " فِيهِ حسن الْأَدَب وَحسن التَّخَلُّص إِذْ لَو قَالَا لَا لفات الْمَقْصُود وَلَو قَالَا نعم لم يحسن ذَلِك لِأَن فِيهِ تَقْرِير ذَلِك قَوْله " فاستنزلوها " من الاستنزال وَهُوَ طلب النُّزُول وَإِنَّمَا ذكر فِيهِ بِلَفْظ الْجمع لِأَنَّهُ كَانَ مَعَ عمرَان وَعلي من تبعهما مِمَّن يعينهما ويخدمهما قَوْله " ودعا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " فِيهِ حذف تَقْدِيره فَأتوا بهَا إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وأحضروها بَين يَدَيْهِ ودعا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَوْله " ففرغ " من التفريغ وَفِي رِوَايَة الْكشميهني " فأفرغ " من الإفراغ وَزَاد الطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ " فَمَضْمض فِي المَاء وَأَعَادَهُ فِي أَفْوَاه المزادتين " وبهذه الزِّيَادَة تظهر الْحِكْمَة فِي ربط الأفواه بعد فتحهَا وَبِهَذَا حصلت الْبركَة لاختلاط رِيقه الْمُبَارك للْمَاء والأفواه جمع فَم لِأَن أَصله فوه فحذفوا الْوَاو لِأَنَّهَا لَا تحْتَمل التَّنْوِين عِنْد الْأَفْرَاد وعوضوا من الْهَاء ميما ( فَإِن قلت) لكل مزادة فَم وَاحِد فَكيف جمع ( قلت) هَذَا من قبيل قَوْله تَعَالَى { فقد صغت قُلُوبكُمَا} قَوْله " وأوكأ " أَي شدّ وَهُوَ فعل مَاض من الإيكاء وَهُوَ شدّ الوكاء وَهُوَ مَا يشد بِهِ رَأس الْقرْبَة " وَأطلق العزالي " أَي فتحهَا وَهُوَ جمع العزلاء بِفَتْح الْعين وبالمد وَهُوَ فَم المزادة الْأَسْفَل قَالَ الْجَوْهَرِي العزالي بِكَسْر اللَّام وَإِن شِئْت فتحت مثل الصحارى والصحاري وَيُقَال العزلاء منصب المَاء من الراوية والقربة وَفِي الْجَامِع عزلاء الْقرْبَة مصب يَجْعَل فِي أحد يَديهَا ليستفرغ مِنْهُ مَا فِيهَا وَإِنَّمَا سميت عزالي السَّحَاب تَشْبِيها بهَا.

     وَقَالَ  السفاقسي روينَاهُ بِالْفَتْح وَهُوَ أَفْوَاه المزادة السُّفْلى.

     وَقَالَ  الدَّاودِيّ العزالي الجوانب الْخَارِجَة لرجلي الزق الَّذِي يُرْسل مِنْهَا المَاء.

     وَقَالَ  الدَّاودِيّ لَيْسَ فِي أَكثر الرِّوَايَات أَنهم فتحُوا أَفْوَاه المزادتين أَو السطيحتين وَلَا أَنهم أطْلقُوا العزالي وَإِنَّمَا شَقوا المزادتين وَهُوَ معنى صبوا مِنْهُمَا قَالَ ثمَّ أَعَادَهُ فيهمَا إِن كَانَ هُوَ الْمَحْفُوظ قَوْله " اسقوا واستقوا " كل مِنْهُمَا أَمر فَالْأول من السَّقْي وَالثَّانِي من الاستقاء وَالْفرق بَينهمَا أَن السَّقْي لغيره والاستقاء لنَفسِهِ وَيُقَال أَيْضا سقيته لنَفسِهِ وأسقيته لماشيته قَوْله " وَكَانَ آخر ذَلِك أَن أعْطى " يجوز فِي آخر النصب وَالرَّفْع أما النصب على أَنه خبر كَانَ مقدما على اسْمهَا وَهُوَ أَن أعطي لِأَن أَن مَصْدَرِيَّة تَقْدِيره وَكَانَ إِعْطَاؤُهُ للرجل الَّذِي أَصَابَته الْجَنَابَة آخر ذَلِك ويروي ذَاك وَأما الرّفْع فَظَاهر وَهُوَ أَن يكون اسْم كَانَ وَإِن أعْطى خَبره والأمران جائزان.

     وَقَالَ  أَبُو الْبَقَاء وَالْأولَى أولى ( قلت) وَجه الْأَوْلَوِيَّة لكَون آخر مُضَافا إِلَى الْمعرفَة فَهُوَ أولى بالاسمية وَعِنْدِي كِلَاهُمَا سَوَاء لِأَن كلا معرفَة قَوْله " الَّذِي أَصَابَته الْجَنَابَة " وَهُوَ الرجل المعتزل الْمَذْكُور قَوْله " فأفرغه " بِقطع الْهمزَة قَوْله " وَهِي قَائِمَة " أَي الْمَرْأَة الْمَذْكُورَة قَائِمَة تشاهد ذَلِك وَهِي جملَة اسمية وَقعت حَالا على الأَصْل قَوْله " وَايْم الله " بوصل الْهمزَة.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي أَيمن الله اسْم وضع للقسم هَكَذَا بِضَم الْمِيم وَالنُّون وألفه ألف الْوَصْل عِنْد الْأَكْثَرين وَلم يَجِيء فِي الْأَسْمَاء ألف وصل مَفْتُوحَة غَيرهَا وَهُوَ مَرْفُوع بِالِابْتِدَاءِ وَخَبره مَحْذُوف وَالتَّقْدِير أَيمن الله قسمي وَرُبمَا حذفوا مِنْهُ النُّون فَقَالُوا ايم الله.

     وَقَالَ  أَبُو عبيد كَانُوا يحلفُونَ وَيَقُولُونَ يَمِين الله لَا أفعل فَجمع الْيَمين على أَيمن ثمَّ كثر فِي كَلَامهم فحذفوا النُّون مِنْهُ وألفه ألف قطع وَهُوَ جمع وَإِنَّمَا طرحت الْهمزَة فِي الْوَصْل لِكَثْرَة استعمالهم إِيَّاهَا ( قلت) فِيهَا لُغَات جمع مِنْهَا النَّوَوِيّ فِي تهذيبه سبع عشرَة وَبلغ بهَا غَيره عشْرين قَوْله " أقلع " بِضَم الْهمزَة من الإقلاع يُقَال أقلع عَن الْأَمر إِذا كف عَنهُ قَوْله " أَشد ملأة " بِكَسْر الْمِيم وَفتحهَا وَسُكُون اللَّام بعْدهَا همزَة مَفْتُوحَة وَفِي رِوَايَة للبيهقي " املأ مِنْهَا " مَعْنَاهُ أَنهم يظنون أَن مَا بَقِي فِيهَا من المَاء أَكثر مِمَّا كَانَ أَولا قَوْله " من بَين عَجْوَة " الْعَجْوَة تمر من أَجود التَّمْر بِالْمَدِينَةِ.

     وَقَالَ  ابْن التِّين الْعَجْوَة نوع من تمر الْمَدِينَة أكبر من الصيحاني وَتسَمى اللينة وَهِي من أَجود تمر الْمَدِينَة قَوْله " ودقيقة وسويقة " بِفَتْح أَولهمَا وَفِي رِوَايَة كَرِيمَة بِضَم الدَّال مُصَغرًا.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي دقيقة وسويقة رويا مكبرين ومصغرين قَوْله " حَتَّى جمعُوا لَهَا طَعَاما " وَزَاد أَحْمد فِي رِوَايَته " كثيرا " وَالطَّعَام فِي اللُّغَة مَا يُؤْكَل قَالَه الْجَوْهَرِي.

     وَقَالَ  وَرُبمَا خص الطَّعَام بِالْبرِّ وَفِي حَدِيث أبي سعيد كُنَّا نخرج صَدَقَة الْفطر على عهد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صَاعا من طَعَام أَو صَاعا من شعير ".

     وَقَالَ  بَعضهم فِيهِ إِطْلَاق لفظ الطَّعَام على غير الْحِنْطَة والذرة خلافًا لمن أَبى ذَلِك ( قلت) هَذَا القَوْل مِنْهُ يُخَالف قَول أهل اللُّغَة وَالْمرَاد هَهُنَا من الطَّعَام غير مَا ذكر من الْعَجْوَة وَهُوَ أَعم من أَن يكون حِنْطَة أَو شَعِيرًا أَو كعكا أَو نَحْو ذَلِك قَوْله " فجعلوه فِي ثوب " ويروى " فجعلوها " قَالَ الْكرْمَانِي الضَّمِير فِي جَعَلُوهُ يرجع إِلَى الطَّعَام وَفِي جعلوها إِلَى الْأَنْوَاع الْمَذْكُورَة ( قلت) لم يَجْعَل الطَّعَام وَحده فِي الثَّوْب حَتَّى يرجع الضَّمِير إِلَيْهِ وَحده وَالصَّوَاب أَن الضَّمِير فِيهِ يرجع إِلَى كل وَاحِد بِاعْتِبَار الْمَذْكُور قَوْله " قَالَ لَهَا " ويروى " قَالُوا لَهَا " وَهِي رِوَايَة الْأصيلِيّ وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ " قَالَ لَهَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " وَوجه رِوَايَة الْأصيلِيّ أَنهم قَالُوا لَهَا ذَلِك بأَمْره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَوْله " وَحملُوهَا " أَي المزادة قَوْله " بَين يَديهَا " أَي قدامها قَوْله " تعلمين " بِفَتْح التَّاء وَالْعين وَتَشْديد اللَّام كَذَا ضَبطه بَعضهم ثمَّ قَالَ أَي اعلمي ( قلت) لَا حَاجَة إِلَى هَذَا التعسف وَإِنَّمَا هُوَ مُفْرد مُخَاطب مؤنث من بابُُ علم يعلم قَوْله " مَا رزئنا من مائك شَيْئا " بِفَتْح الرَّاء وَكسر الزَّاي أَي مَا نقصنا قَالَ الْكرْمَانِي وَفِي بَعْضهَا بِفَتْحِهَا يَعْنِي بِفَتْح الزَّاي ( قلت) الْكسر هُوَ الْأَشْهر يُقَال مَا رزأته مَاله وَمَا رزئته بِالْكَسْرِ مَاله أَي مَا نقصته وارتزأ الشي انتقصه قَوْله " أسقانا " ويروى " سقانا " قَوْله " الْعجب " مَرْفُوع بِفعل مُقَدّر تَقْدِيره حَبَسَنِي الْعجب وَهُوَ الْأَمر الَّذِي يتعجب مِنْهُ لغرابته وَكَذَلِكَ العجيب والعجاب بِالضَّمِّ وَالتَّخْفِيف والعجاب بِالتَّشْدِيدِ أَكثر مِنْهُ وَكَذَلِكَ الأعجوبة وَلَا يجمع عجب وَلَا عَجِيب وَيُقَال جمع عَجِيب عجائب مثل تبيع وتبائع وأعاجيب جمع أعجوبة كأحاديث جمع أحدوثة وَعَجِبت من كَذَا وتعجبت مِنْهُ واستعجبت كلهَا بِمَعْنى وأعجبني هَذَا الشَّيْء لحسنه وَعَجِبت غَيْرِي تعجيبا وَالْعجب بِضَم الْعين وَسُكُون الْجِيم اسْم من أعجب فلَان بِنَفسِهِ فَهُوَ معجب بِرَأْيهِ وبنفسه قَوْله " من بَين هَذِه وَهَذِه " تَعْنِي من بَين السَّمَاء وَالْأَرْض قيل كَانَ الْمُنَاسب أَن يَقُول فِي بَين بِلَفْظَة فِي وَأجِيب بِأَن من بَيَانِيَّة مَعَ جَوَاز اسْتِعْمَال حُرُوف الْجَرّ بَعْضهَا مَكَان بعض قَوْله ".

     وَقَالَ ت بأصبعها " أَي أشارت بأصبعها وَمن إِطْلَاق القَوْل على الْفِعْل وَقد مر نَظِير هَذَا غير مرّة قَوْله " السبابَُة " يَعْنِي المسبحة قَوْله " يغيرون " بِضَم الْيَاء من الإغارة بِالْخَيْلِ فِي الْحَرْب قَوْله " الصرم " بِكَسْر الصَّاد الْمُهْملَة وَهُوَ أَبْيَات من النَّاس مجتمعة وَالْجمع إصرام.

     وَقَالَ  ابْن سَيّده الصرم الأبيات المجتمعة المنقطعة من النَّاس والصرم أَيْضا الْجَمَاعَة بَين ذَلِك وَالْجمع إصرام وأصاريم وصرمان والأخيرة عَن سِيبَوَيْهٍ قَوْله " فَقَالَت يَوْمًا لقومها مَا أرى أَن هَؤُلَاءِ يدعونكم عمدا " هَذِه رِوَايَة الْأَكْثَرين وَفِي رِوَايَة أبي ذَر " مَا أرى أَن هَؤُلَاءِ الْقَوْم ".

     وَقَالَ  ابْن مَالك وَقع فِي بعض النّسخ " مَا أَدْرِي أَن هَؤُلَاءِ " كلمة أرى بِضَم الْهمزَة بِمَعْنى أَظن وَبِفَتْحِهَا بِمَعْنى أعلم وَمَا مَوْصُولَة قَوْله " يدعونكم " بِفَتْح الدَّال أَي يتركونكم وَالْمعْنَى ظَنِّي أَنهم يتركونكم عمدا لاستئلافكم لَا سَهوا مِنْهُم وغفلة عَنْكُم وَقيل مَا نَافِيَة وَأَن بِمَعْنى لَعَلَّ وَقيل مَا نَافِيَة وَإِن بِالْكَسْرِ وَمَعْنَاهُ لَا أعلم حالكم فِي تخلفكم عَن الْإِسْلَام مَعَ أَنهم يدعونكم عمدا " فَهَل لكم " أَي رَغْبَة ( ذكر استنباط الْأَحْكَام مِنْهُ) الأول فِيهِ اسْتِحْبابُُ سلوك الْأَدَب مَعَ الأكابر كَمَا فِي فعل عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي إيقاظ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
الثَّانِي فِيهِ إِظْهَار التأسف لفَوَات أَمر من أُمُور الدّين.
الثَّالِث فِيهِ لَا حرج على من تفوته صَلَاة لَا بتقصير مِنْهُ لقَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لَا ضير ".
الرَّابِع فِيهِ أَن من أجنب وَلم يجد مَاء فَإِنَّهُ يَتِيم لقَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " عَلَيْكُم بالصعيد ".
الْخَامِس فِيهِ أَن الْعَالم إِذا رأى أمرا مُجملا يسْأَل فَاعله عَنهُ ليوضحه فيوضح لَهُ هُوَ وَجه الصَّوَاب.
السَّادِس فِيهِ اسْتِحْبابُُ الملاطفة والرفق فِي الْإِنْكَار على أحد فِيمَا فعله.
السَّابِع فِيهِ التحريض على الصَّلَاة بِالْجَمَاعَة.
الثَّامِن فِيهِ الْإِنْكَار على ترك الشَّخْص الصَّلَاة بِحَضْرَة الْمُصَلِّين بِغَيْر عذر.
التَّاسِع فِيهِ أَن قَضَاء الْفَوَائِت وَاجِب وَلَا يسْقط بِالتَّأْخِيرِ وَيَأْثَم بِتَأْخِيرِهِ بِغَيْر عذر.
الْعَاشِر فِيهِ أَن من حلت بِهِ فتْنَة فِي بلد فَليخْرجْ مِنْهُ وليهرب من الْفِتْنَة بِدِينِهِ كَمَا فعل الشَّارِع بارتحاله عَن بطن الْوَادي الَّذِي تشاءم بِهِ لأجل الشَّيْطَان.
الْحَادِي عشر فِيهِ أَن من ذكر صَلَاة فَائِتَة لَهُ أَن يَأْخُذ من يصلح من وضوء وطهارة وابتغاء بقْعَة تطمئِن نَفسه للصَّلَاة عَلَيْهَا كَمَا فعل الشَّارِع بعد أَن ذكر الْفَائِتَة فارتحل بعد الذّكر ثمَّ تَوَضَّأ وَتَوَضَّأ النَّاس.
الثَّانِي عشر فِيهِ اسْتِحْبابُُ الْأَذَان للفائتة.
الثَّالِث عشر فِيهِ جَوَاز أَدَاء الْفَائِتَة بِالْجَمَاعَة.
الرَّابِع عشر فِيهِ طلب المَاء للشُّرْب وَالْوُضُوء.
الْخَامِس عشر فِيهِ أَخذ المَاء الْمَمْلُوك لغيره لضَرُورَة الْعَطش بعوض وَفِيه أَن العطشان يقدم على الْجنب عِنْد صرف المَاء إِلَى النَّاس.
السَّادِس عشر فِيهِ جَوَاز المعاطاة فِي الهبات والإباحات من غير لفظ من الْجَانِبَيْنِ.
السَّابِع عشر فِيهِ تَقْدِيم مصلحَة شرب الْآدَمِيّ وَالْحَيَوَان على غَيره كمصلحة الطَّهَارَة بِالْمَاءِ ( فَإِن قلت) قد وَقع فِي رِوَايَة سلم بن زرير " غير أَنا لم نسق بَعِيرًا " ( قلت) هَذَا مَحْمُول على أَن الْإِبِل لم تكن محتاجة إِذْ ذَاك إِلَى السَّقْي.
الثَّامِن عشر فِيهِ جَوَاز الْخلْوَة بالأجنبية عِنْد أَمن الْفِتْنَة فِي حَالَة الضَّرُورَة الشَّرْعِيَّة.
التَّاسِع عشر فِيهِ جَوَاز اسْتِعْمَال أواني الْمُشْركين مَا لم يتَيَقَّن فِيهَا نَجَاسَة.
الْعشْرُونَ فِيهِ جَوَاز أَخذ مَال النَّاس عِنْد الضَّرُورَة بِثمن إِن كَانَ لَهُ ثمن كَذَا اسْتدلَّ بِهِ بَعضهم وَفِيه نظر.
الْحَادِي وَالْعشْرُونَ فِيهِ جَوَاز اجْتِهَاد الصَّحَابَة بِحَضْرَة النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِيه خلاف مَشْهُور وَقد ذَكرْنَاهُ عَن قريب.
الثَّانِي وَالْعشْرُونَ فِيهِ جَوَاز تَأْخِير الْفَائِتَة عَن وَقت ذكرهَا إِذا لم يكن عَن تغافل أَو استهانة وَذَلِكَ من قَوْله " ارتحلوا " بِصِيغَة الْأَمر فَافْهَم.
الثَّالِث وَالْعشْرُونَ فِيهِ مُرَاعَاة ذمام الْكَافِر والمحافظة بِهِ كَمَا حفظ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - هَذِه الْمَرْأَة فِي قَومهَا وبلادها فراعى فِي قَومهَا ذمامها وَإِن كَانَت من صميمهم.
الرَّابِع وَالْعشْرُونَ فِيهِ جَوَاز الْحلف من غير الِاسْتِحْلَاف.
الْخَامِس وَالْعشْرُونَ فِيهِ جَوَاز الشكوى من الرعايا إِلَى الإِمَام عِنْد حُلُول أَمر شَدِيد.
السَّادِس وَالْعشْرُونَ فِيهِ اسْتِحْبابُُ التَّعْرِيس للْمُسَافِر إِذا غَلبه النّوم.
السَّابِع وَالْعشْرُونَ فِيهِ مَشْرُوعِيَّة قَضَاء الْفَائِت الْوَاجِب وَأَنه لَا يسْقط بِالتَّأْخِيرِ.
الثَّامِن وَالْعشْرُونَ فِيهِ جَوَاز الْأَخْذ للمحتاج بِرِضا الْمَطْلُوب مِنْهُ وَبِغير رِضَاهُ إِن تعين.
التَّاسِع وَالْعشْرُونَ فِيهِ جَوَاز النّوم على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كنوم وَاحِد منا فِي بعض الْأَوْقَات وَقد مر التَّحْقِيق فِيهِ.
الثَّلَاثُونَ فِيهِ إِبَاحَة السّفر من غير أَن يعين يَوْمًا أَو شهر فَوَائِد.
فِيهِ من دَلَائِل النُّبُوَّة حَيْثُ توضؤوا وَشَرِبُوا وَسقوا واغتسل الْجند مِمَّا سقط من العزالي وَبقيت المزادتان مملوءتان ببركته وعظيم برهانه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَكَانُوا أَرْبَعِينَ نَص عَلَيْهِ فِي رِوَايَة سلم بن زرير وَإِنَّهُم ملأوا كل قربَة مَعَهم.

     وَقَالَ  القَاضِي عِيَاض وَظَاهر هَذِه الرِّوَايَة أَن جملَة من حضر هَذِه الْقِصَّة كَانُوا أَرْبَعِينَ وَلَا نعلم مخرجا لرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يخرج فِي هَذَا الْعدَد فَلَعَلَّ الركب الَّذين عجلهم بَين يَدَيْهِ لطلب المَاء وَأَنَّهُمْ وجدوا الْمَرْأَة وَأَنَّهُمْ أسقوا لرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قبل النَّاس وَشَرِبُوا ثمَّ شرب النَّاس بعدهمْ.
وَفِيه أَن جَمِيع مَا أَخَذُوهُ من المَاء مِمَّا زَاده الله وأوجده وَأَنه لم يخْتَلط فِيهِ شَيْء من مَاء تِلْكَ الْمَرْأَة فِي الْحَقِيقَة وَإِن كَانَ فِي الظَّاهِر مختلطا وَهَذَا أبدع وَأغْرب فِي المعجزة.
وَفِيه دلَالَة أَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أجلد الْمُسلمين وأصلبهم فِي أَمر الله تَعَالَى.
( وَفِيه أسئلة) الأول أَن الِاسْتِيلَاء على الْكفَّار بِمُجَرَّدِهِ يُبِيح رق نِسَائِهِم وصبيانهم وَإِذا كَانَ كَذَلِك فقد دخلت الْمَرْأَة فِي الرّقّ باستيلائهم عَلَيْهَا وَكَيف وَقع إِطْلَاقهَا وتزويدها وَأجِيب بِأَنَّهَا أطلقت لمصْلحَة الاستئلاف الَّذِي جر دُخُول قَومهَا أَجْمَعِينَ فِي الْإِسْلَام وَيحْتَمل أَنَّهَا كَانَ لَهَا أَمَان قبل ذَلِك أَو كَانَت من قوم لَهُم عهد.
الثَّانِي كَيفَ جوزوا التَّصَرُّف حِينَئِذٍ فِي مَالهَا وَأجِيب بِالنّظرِ إِلَى كفرها أَو لضَرُورَة الِاحْتِيَاج إِلَيْهِ والضروريات تبيح الْمَحْظُورَات.
الثَّالِث أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نهى عَن التشاؤم وَهَهُنَا ارتحل عَن الْوَادي الَّذِي تشاءم بِهِ وَأجِيب بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يعلم حَال ذَلِك الْوَادي وَلم يكن غَيره يعلم بِهِ فَيكون خَاصّا بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأخذ بعض الْعلمَاء بِظَاهِر مَا وَقع مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من رحيله من ذَلِك الْوَادي أَن من انتبه من نوم عَن صَلَاة فَائت فِي سفر فَإِنَّهُ يتَحَوَّل عَن مَوْضِعه وَإِن كَانَ بواد فَليخْرجْ عَنهُ وَقيل إِنَّمَا يلْزم بذلك الْوَادي بِعَيْنِه وَقيل هُوَ خَاص بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَمَا ذكرنَا ( قَالَ أَبُو عبد الله صَبأ خرج من دين إِلَى غَيره..
     وَقَالَ  أَبُو الْعَالِيَة الصابئين فرقة من أهل الْكتاب يقرؤن الزبُور)
.
هَذَا إِلَى آخِره رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي وَحده وَأَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ نَفسه وَأَرَادَ بإيراد هَذِه الإشاوة إِلَى الْفرق بَين الصابىء المُرَاد فِي هَذَا الحَدِيث والصابىء الْمَنْسُوب إِلَى الطَّائِفَة الَّذين بَينهم أَبُو الْعَالِيَة رفيع بن مهْرَان الرباحي أما الصابىء الَّذِي هُوَ المُرَاد فِي هَذَا الحَدِيث فِي قَول الْمَرْأَة الْمَذْكُورَة الَّذِي يُقَال لَهُ الصابىء فَهُوَ من صبا إِلَى الشَّيْء يصبو إِذا مَال وَهُوَ غير مَهْمُوز وَكَانَت الْعَرَب تسمي النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الصابىء لِأَنَّهُ خرج من دين قُرَيْش إِلَى دين الْإِسْلَام ويسمون من يدْخل فِي دين الْإِسْلَام مصبو لأَنهم كَانُوا لَا يهمزون ويسمون الْمُسلمين الصباة بِغَيْر همزَة جمع صاب غير مَهْمُوز كقاض وقضاة وغاز وغزاة وَقد يُقَال صبا الرجل إِذا عشق وَهوى وَقد يُقَال صابىء بِالْهَمْز من صبا يصبو بِغَيْر همز وَأَن الصابئون الَّذين ذكرهم أَبُو الْعَالِيَة فأصله من صَبأ يصبأ صَبأ وصبوأ إِذا خرج عَن دين إِلَى آخر وَهَذِه الطَّائِفَة يسمون الصابئين وَاخْتلف فِي تَفْسِيره فَقَالَ أَبُو الْعَالِيَة هم فرقة من أهل الْكتاب يقرؤن الزبُور وَقد وصل هَذَا التَّعْلِيق ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق الرّبيع بن أنس عَنهُ وَعَن مُجَاهِد لَيْسُوا بيهود وَلَا نَصَارَى وَلَا دين لَهُم وَلَا تُؤْكَل ذَبَائِحهم وَلَا تنْكح نِسَاؤُهُم وَكَذَا روى عَن الْحسن وَابْن نجيح.

     وَقَالَ  ابْن زيد الصابئون أهل دين من الْأَدْيَان كَانُوا بالجزيرة جَزِيرَة الْموصل يَقُولُونَ لَا إِلَه إِلَّا الله وَلَيْسَ لَهُم عمل وَلَا كتاب وَلَا نَبِي وَلم يُؤمنُوا بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَعَن الْحسن قَالَ أخبر زِيَاد أَن الصابئين يصلونَ إِلَى الْقبْلَة وَيصلونَ الْخمس قَالَ فَأَرَادَ أَن يضع عَلَيْهِم الْجِزْيَة فَأخْبر بعد أَنهم يعْبدُونَ الْمَلَائِكَة وَعَن قَتَادَة وَأبي جَعْفَر الرَّازِيّ هم قوم يعْبدُونَ الْمَلَائِكَة وَيصلونَ إِلَى الْقبْلَة ويقرؤن الزبُور وَفِي الْكتاب الزَّاهِر لِابْنِ الْأَنْبَارِي هم قوم من النَّصَارَى قَوْلهم أَلين من قَول النَّصَارَى قَالَ الله تَعَالَى { إِن الَّذين آمنُوا وَالَّذين هادوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ} فَيُقَال الَّذين آمنُوا هم المُنَافِقُونَ أظهرُوا الْإِيمَان وأضمروا الْكفْر وَالَّذين هادوا الْيَهُود المغيرون المبدلون وَالنَّصَارَى المقيمون على الْكفْر بِمَا يصفونَ بِهِ عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من الْمحَال والصابئون الْكفَّار أَيْضا المفارقون للحق وَيُقَال الَّذين آمنُوا الْمُؤْمِنُونَ حَقًا وَالَّذين هادوا الَّذين تَابُوا وَلم يُغيرُوا أَو النَّصَارَى نصار عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام والصابئون الخارجون من الْبَاطِل إِلَى الْحق من آمن بِاللَّه مَعْنَاهُ من دَامَ مِنْهُم على الْإِيمَان بِاللَّه تَعَالَى فَلهُ أجره وَفِي كتاب الرشاطي الصابي نسبه إِلَى صابي بن متوشلخ بن خنوخ بن برد بن مهليل بن فتين بن ياش بن شِيث بن آدم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام.

     وَقَالَ  أَبُو الْمعَانِي فِي كِتَابه الْمُنْتَهى هم جنس من أهل الْكتاب يَزْعمُونَ أَنهم من ولد صاب بن إِدْرِيس النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَقيل نسبتهم إِلَى الصابىء بن ماري وَكَانَ فِي عصر إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام.

     وَقَالَ  النَّسَفِيّ فِي منظومته
( الصابئيات كالكتابيات ... فِي حكم حل العقد والذكاة)
وَشَرحه أَن أَبَا حنيفَة يَقُول إِنَّهُم يَعْتَقِدُونَ نَبيا وَلَهُم كتاب فَتحل مناكحة نِسَائِهِم وتؤكل ذَبَائِحهم.

     وَقَالَ  أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد هم يَعْتَقِدُونَ الْكَوَاكِب فَلَا تحل مناكحة نِسَائِهِم وَلَا تُؤْكَل ذَبَائِحهم