هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
4176 حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ ، عَنْ هِشَامٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ : سَحَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَهُودِيٌّ مِنْ يَهُودِ بَنِي زُرَيْقٍ ، يُقَالُ لَهُ : لَبِيدُ بْنُ الْأَعْصَمِ : قَالَتْ حَتَّى كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّيْءَ ، وَمَا يَفْعَلُهُ ، حَتَّى إِذَا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ ، أَوْ ذَاتَ لَيْلَةٍ ، دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ دَعَا ، ثُمَّ دَعَا ، ثُمَّ قَالَ : يَا عَائِشَةُ أَشَعَرْتِ أَنَّ اللَّهَ أَفْتَانِي فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ ؟ جَاءَنِي رَجُلَانِ فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي وَالْآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ ، فَقَالَ الَّذِي عِنْدَ رَأْسِي لِلَّذِي عِنْدَ رِجْلَيَّ ، أَوِ الَّذِي عِنْدَ رِجْلَيَّ لِلَّذِي عِنْدَ رَأْسِي : مَا وَجَعُ الرَّجُلِ ؟ قَالَ : مَطْبُوبٌ ، قَالَ : مَنْ طَبَّهُ ؟ قَالَ : لَبِيدُ بْنُ الْأَعْصَمِ ، قَالَ : فِي أَيِّ شَيْءٍ ؟ قَالَ : فِي مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ ، قَالَ : وَجُفِّ طَلْعَةِ ذَكَرٍ ، قَالَ : فَأَيْنَ هُوَ ؟ قَالَ : فِي بِئْرِ ذِي أَرْوَانَ قَالَتْ : فَأَتَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ ، ثُمَّ قَالَ : يَا عَائِشَةُ وَاللَّهِ لَكَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الْحِنَّاءِ ، وَلَكَأَنَّ نَخْلَهَا رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ قَالَتْ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا أَحْرَقْتَهُ ؟ قَالَ : لَا أَمَّا أَنَا فَقَدْ عَافَانِي اللَّهُ ، وَكَرِهْتُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى النَّاسِ شَرًّا ، فَأَمَرْتُ بِهَا فَدُفِنَتْ حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ : سُحِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَاقَ أَبُو كُرَيْبٍ الْحَدِيثَ بِقِصَّتِهِ ، نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ نُمَيْرٍ ، وَقَالَ فِيهِ : فَذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْبِئْرِ ، فَنَظَرَ إِلَيْهَا وَعَلَيْهَا نَخْلٌ ، وَقَالَتْ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَخْرِجْهُ ، وَلَمْ يَقُلْ : أَفَلَا أَحْرَقْتَهُ ؟ وَلَمْ يَذْكُرْ فَأَمَرْتُ بِهَا فَدُفِنَتْ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
4176 حدثنا أبو كريب ، حدثنا ابن نمير ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة ، قالت : سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم يهودي من يهود بني زريق ، يقال له : لبيد بن الأعصم : قالت حتى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخيل إليه أنه يفعل الشيء ، وما يفعله ، حتى إذا كان ذات يوم ، أو ذات ليلة ، دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم دعا ، ثم دعا ، ثم قال : يا عائشة أشعرت أن الله أفتاني فيما استفتيته فيه ؟ جاءني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي ، فقال الذي عند رأسي للذي عند رجلي ، أو الذي عند رجلي للذي عند رأسي : ما وجع الرجل ؟ قال : مطبوب ، قال : من طبه ؟ قال : لبيد بن الأعصم ، قال : في أي شيء ؟ قال : في مشط ومشاطة ، قال : وجف طلعة ذكر ، قال : فأين هو ؟ قال : في بئر ذي أروان قالت : فأتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في أناس من أصحابه ، ثم قال : يا عائشة والله لكأن ماءها نقاعة الحناء ، ولكأن نخلها رءوس الشياطين قالت فقلت : يا رسول الله أفلا أحرقته ؟ قال : لا أما أنا فقد عافاني الله ، وكرهت أن أثير على الناس شرا ، فأمرت بها فدفنت حدثنا أبو كريب ، حدثنا أبو أسامة ، حدثنا هشام ، عن أبيه ، عن عائشة ، قالت : سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم وساق أبو كريب الحديث بقصته ، نحو حديث ابن نمير ، وقال فيه : فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البئر ، فنظر إليها وعليها نخل ، وقالت : قلت : يا رسول الله فأخرجه ، ولم يقل : أفلا أحرقته ؟ ولم يذكر فأمرت بها فدفنت
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

A'isha reported that a Jew from among the Jews of Banu Zuraiq who was called Labid b. al-A'sam cast spell upon Allah's Messenger (ﷺ) with the result that he (under the influence of the spell) felt that he had been doing something whereas in fact he had not been doing that. (This state of affairs lasted) until one day or during one night Allah's Messenger (ﷺ) made supplication (to dispel its effects). He again made a supplication and he again did this and said to 'A'isha:

Do you know that Allah has told me what I had asked Him? There came to me two men and one amongst them sat near my head and the other one near my feet and he who sat near my head said to one who sat near my feet or one who sat near my feet said to one who sat near my head: What is the trouble with the man? He said: The spell has affected him. He said: Who has cast that? He (the other one) said: It was Labid b. A'sam (who has done it). He said: What is the thing by which he transmitted its effect? He said: By the comb and by the hair stuck to the comb and the spathe of the date-palm. He said: Where is tbap He replied: In the well of Dhi Arwan. She said: Allah's Messenger (ﷺ) sent some of the persons from among his Companions there and then said: 'A'isha. by Allah, its water was yellow like henna and its trees were like heads of the devils. She said that she asked Allah's Messenger (ﷺ) as to why he did not burn that. He said: No, Allah has cured me and I do not like that I should induce people to commit any high-handedness in regard (to one another), but I only commanded that it should be buried.

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن عائشة رضي الله عنها قالت: سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم يهودي من يهود بني زريق، يقال له لبيد بن الأعصم.
قالت: حتى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخيل إليه أنه يفعل الشيء وما يفعله، حتى إذا كان ذات يوم أو ذات ليلة دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم دعا ثم دعا، ثم قال: يا عائشة، أشعرت أن الله أفتاني فيما استفتيته فيه.
جاءني رجلان، فقعد أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي، فقال الذي عند رأسي للذي عند رجلي، أو الذي عند رجلي للذي عند رأسي: ما وجع الرجل؟ قال: مطبوب.
قال: من طبه؟ قال: لبيد بن الأعصم.
قال: في أي شيء؟ قال: في مشط ومشاطة.
قال: وجف طلعة ذكر.
قال: فأين هو؟ قال: في بئر ذي أروان قالت: فأتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في أناس من أصحابه، ثم قال: يا عائشة والله لكأن ماءها نقاعة الحناء، ولكأن نخلها رءوس الشياطين قالت: فقلت: يا رسول الله، أفلا أحرقته؟ قال: لا، أما أنا فقد عافاني الله وكرهت أن أثير على الناس شراً فأمرت بها فدفنت.


المعنى العام

كان السحر علماً يعلم منذ قدماء المصريين، وقد برعوا فيه، حتى جاءت معجزة موسى عليه السلام بإبطاله، وإظهار زيفه، وأبان للمشاهدين أن حبال السحرة وعصيهم لم تنقلب إلى حيات، وأنها مازالت حبالاً وعصياً، وكان السحر يعتمد على أحد أمور: الأمر الأول: التعمق في العلم وأسرار الأشياء وخواصها، بدرجة ينفرد بها الساحر عمن عداه، فيستغل هذه الظواهر أمام من لا يعلمها، على أنها خرق للعادة، وتحويل للمادة، وتغيير لحقائق الأشياء، وهذا ما حصل من سحرة فرعون، فقد قال المفسرون: أنهم ملئوا حبالهم وعصيهم بمادة الزئبق الذي يتمدد بسرعة وبدرجة عالية بالحرارة، وألقوا حبالهم وعصيهم على أرض ساخنة، فتمدد الزئبق، وتحركت الحبال والعصى كأنها حيات تسعى، ولو أن رجلاً في عصرنا استخدم ما يعرف بالريموت كنترول في قرى الريف أو في مجاهل أفريقيا، فحرك السيارة من بعد، أو شغل التليفزيون وأطفأه من بعد، أو فجر قنبلة من بعد، لآمن المشاهدون بأنه ساحر عظيم.
الأمر الثاني: تعلم خفة اليد، وشغل المشاهدين بأشياء جانبية وتحويل انتباههم عن خديعته، وإيهامهم والإيحاء إليهم بغير الحقيقة، والسيطرة عليهم بقوة شخصيته وخفة حركاته، فيخرج لهم حمامة من علبة مفرغة مفتوحة من الجانبين، يمرر فيها يده على أنها خالية، والحقيقة أن الحمامة في جانب منها، أو ينام صبي فوق لوح ممدداً، فيغطيه، فينكمش الصبي في جانب، فيضرب الرجل اللوح بالسيف، فيقطعه نصفين، ويتوهم المشاهد أن الصبي قطع نصفين، فيقوم الصبي واقفاً، فيصفق المشاهدون إعجاباً بالسحر والساحر، الأمر الثالث: استغلال صاحب الشخصية القوية موهبته في السيطرة على صاحب الشخصية الضعيفة عن طريق الإيهام والإيحاء الخارجي، فيتأثر الموحى إليه بما يريده الموحي، ويخيل إليه ما ليس بحق حقاً، وما ليس بواقع واقعاً، ونشاهد في حاضرنا سليماً يذهب إلى الطبيب، فيقول له الطبيب: ما لك أصفر اللون، خائر الأعصاب، لا تكاد تقف على رجليك، فيخرج من كان سليماً من عند الطبيب يتساند على مرافقيه، ويكثر هذا الأسلوب في التأثير على الزوج مع زوجته، بما يعرف بالربط والحل، ومن المعروف أن النشاط الشهواني يرتبط إلى حد كبير بالعوامل النفسية.

وهذه الأمور الثلاثة لها أصولها وقواعدها التي تعلم لتؤثر، وما أنزل على الملكين، هاروت وماروت، بمدينة بابل، لم يكن يخرج عنها، يعلمان الناس ما يفرقون به بين المرء وزوجه.

فإذا أضفنا إلى ذلك كيد الشيطان ووسوسته، واستغلاله لهذه الحيل الشيطانية ليفسد في الأرض استطعنا فهم هذه الظاهرة، ظاهرة السحر وتأثيره، وبخاصة في البيئات البدائية واستطعنا فهم حديث سحر الرسول صلى الله عليه وسلم فهماً صحيحاً.

لقد حاول اليهود والمشركون أن يسحروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ليوقفوا دعوته النورانية الزاحفة على ظلماتهم، ففشلوا، فذهبوا إلى لبيد بن الأعصم، أشهرهم في السحر، وأقدرهم على استخدام طقوسه، فطلبوا منه أن يقوم بهذه المهمة، وله ثلاثة دنانير، وهو مبلغ كبير، له قيمته في ذلك الزمان، يشتري به ما لا يقل عن ستين شاة، وحصلوا بأسلوبهم على شعر من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى مشطه الذي يسرح به شعره، وضفر الشعر والمشط في حبل من تيل، وخرز في إبراً، وعقد الحبل عقداً، وقرأ عليه من الطلاسم ما قرأ، ووضعه في قالب، من قوالب طلع النخل الذكر، وأودعه تحت صخرة في قاع بئر مهجور، ولا نستبعد أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم قد أحس بهذه العمليات، ولو عن طريق الوسوسة الشيطانية، وأعوان لبيد الساحر، فأخذ عن إتيان النساء بقدرة الله تعالى.

المباحث العربية

( سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم يهودي) سحر بفتح السين والحاء، ولفظ رسول الله منصوب، ولفظ يهودي بالرفع فاعل، وفي الرواية الثانية سحر بالبناء للمجهول، وفي رواية للبخاري كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سحر.

( من بني زريق) بزاي قبل الراء، مصغر.

( يقال له: لبيد بن الأعصم) لبيد بفتح اللام وكسر الباء، والأعصم بفتح الهمزة وسكون العين وفتح الصاد، وفي رواية للبخاري لبيد بن أعصم، رجل من بني زريق، حليف ليهود، وكان منافقاً ويجمع بينهما بأن من أطلق أنه يهودي نظر إلى ما في نفس الأمر، فهو في الباطن يهودي، ومن أطلق عليه منافقاً نظر إلى ظاهر أمره، فقد كان أسلم ظاهراً، قال ابن الجوزي: هذا يدل على أنه كان أسلم نفاقاً، ويحتمل أنه قيل له: يهودي، لكونه كان من حلفائهم، لا أنه كان على دينهم، وبنو زريق بطن من الأنصار، مشهور، من الخزرج، وكان بين كثير من الأنصار، وبين كثير من اليهود قبل الإسلام حلف وإخاء وود، فلما جاء الإسلام، ودخل الأنصار فيه، تبرءوا منهم.

وذكر الواقدي أن هذا السحر وقع بعد أن رجع صلى الله عليه وسلم من الحديبية، في آخر ذي الحجة وأوائل المحرم سنة سبع، وقال: جاءت رؤساء اليهود إلى لبيد بن الأعصم، وكان حليفاً في بني زريق، وكان ساحراً، فقالوا له: يا أبا الأعصم.
أنت أسحرنا، وقد سحرنا محمداً، فلم نصنع شيئاً، ونحن نجعل لك جعلاً -أي أجراً كبيراً- على أن تسحره لنا، سحراً ينكؤه، فجعلوا له ثلاثة دنانير.

وعن مدة السحر جاء في رواية أربعين ليلة وفي رواية عند أحمد ستة أشهر قال الحافظ ابن حجر: ويمكن الجمع بأن تكون الستة أشهر من ابتداء تغير مزاجه، والأربعين يوماً من استحكامه.

( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخيل إليه أنه يفعل الشيء، وما يفعله) وفي رواية للبخاري يخيل إليه أنه كان يفعل الشيء، وما فعله قال بعضهم: معناه أنه كان يخيل إليه أنه وطئ زوجاته، ولم يكن وطأهن، وفي رواية للبخاري حتى كان يرى -أي يظن- أنه يأتي النساء، ولا يأتيهن وفي رواية الحميدي أنه يأتي أهله، ولا يأتيهم وفي رواية لعبد الرزاق حتى أنكر بصره أي حتى أنكر ما رأى ببصره، وعند ابن سعد فقالت أخت لبيد بن الأعصم: إن كان نبياً فسيخبر، وإلا فسيذهله هذا السحر، حتى يذهب عقله وقولها يخيل إليه أنه يفعل الشيء، وما يفعله يحتمل معنين، الأول: يخيل إليه ما لم يحصل أنه حصل، الثاني: يخيل إليه أنه يستطيع فعل الشيء، ويحاول فلا يستطيع، قال عياض: يحتمل أن يكون المراد بالتخيل المذكور أنه يظهر له من نشاطه، ما ألفه من سابق عادته، من الاقتدار على الوطء، فإذا دنا من المرأة فترعن ذلك، كما هو شأن المعقود، وسيأتي في فقه الحديث مزيد لهذه المسألة.

( حتى إذا كان ذات يوم أو ذات ليلة) شك من الراوي، وذات بالنصب على الظرفية، ويجوز الرفع على الفاعلية، ولفظ ذات هنا قيل: مقحم، وقيل: من إضافة الشيء لنفسه على رأي من يجيزه، وفي رواية للبخاري زيادة وهو عندي.

( دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم دعا، ثم دعا) على ما هو المعهود منه، أنه كان يكرر الدعاء ثلاثاً.

( ثم قال: يا عائشة، أشعرت أن الله أفتاني فيما استفتيته فيه) أي إنه صلى الله عليه وسلم بعد طول معاناة وتحمل التجأ إلى الله بالدعاء، فاستجاب الله دعاءه، وأرسل له الملكين، فأخبراه، فأخبر عائشة بالخبر.

قال الحافظ ابن حجر: سلك النبي صلى الله عليه وسلم في هذه القصة مسلكي التفويض وتعاطي الأسباب ففي أول الأمر فوض وسلم لأمر ربه، فاحتسب الأجر في صبره على بلائه، ثم لما تمادى ذلك، وخشي من تماديه أن يضعفه عن فنون عبادته، جنح إلى التداوي، ثم إلى الدعاء.

وقوله أشعرت من الشعور، أي أعلمت كما جاء في رواية للبخاري، والاستفهام إنكاري بمعنى النفي، أي لم تعلمي، فاعلمي، والمراد من الإفتاء الإجابة على الدعوة، فأطلق على الدعاء استفتاء، لأن الداعي طالب، والمجيب مفت، والمعنى أجابني بما سألته عنه، لأن دعاءه كان أن يطلعه الله على حقيقة ما هو فيه، لما اشتبه عليه الأمر، وفي رواية أن الله أنبأني بمرضي زاد في رواية قلت: وما ذاك؟ قال:.

( جاءني رجلان) في رواية للبخاري أتاني رجلان وعند أحمد والطبراني أتاني ملكان وسماهما ابن سعد بجبريل وميكائيل.

( فقعد أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي) بفتح اللام على التثنية، والظاهر أن جبريل -لشرفه هو الذي كان عند الرأس.

( فقال الذي عند رأسي للذي عند رجلي، أو الذي عند رجلي للذي عند رأسي: ما وجع الرجل؟) في رواية للبخاري فقال أحدهما لصاحبه وفي رواية له فقال الذي عند رأسي للآخر وفي رواية الحميدي فقال الذي عند رجلي للذي عند رأسي قال الحافظ: وكأنها الصواب، فمجموع الطرق يدل على أن المسئول هو جبريل، والسائل ميكائيل، وعند النسائي وابن سعد وصححه الحاكم سحر النبي صلى الله عليه وسلم رجل من اليهود، فاشتكى لذلك أياماً، فأتاه جبريل، فقال: إن رجلاً من اليهود سحرك، عقد لك عقداً في بئر كذا وفي رواية للبخاري ما بال الرجل؟ وهل كان ذلك في المنام؟ أو في اليقظة؟ الظاهر أنه كان مناماً، إذ لو كان في اليقظة لخاطباه، وسألاه، وفي رواية فانتبه من نومه ذات يوم.

( قال: مطبوب) أي مسحور، يقال: طب الرجل، بضم الطاء، مبني للمجهول، أي سحر، ويقال: كنوا عن السحر بالطب تفاؤلاً، كما قالوا للديغ سليم، وقال القرطبي: إنما قيل للسحر: طب، لأن أصل الطب الحذق بالشيء، والتفطن له، فلما كان كل من علاج المرض والسحر إنما يتأتى عن فطنة وحذق أطلق على كل منهما هذا الاسم.

( في أي شيء؟) هذا السحر؟ أو المعمول للسحر؟.

( في مشط ومشاطة وجف طلعة ذكر) المشط بضم الميم وسكون الشين، وأثبت أبو عبيد كسر الميم، وأنكره بعضهم، وبسكون الشين فيهما، وقد يضم الشين مع ضم الميم فقط، وهو الآلة المعروفة التي يسرح بها شعر الرأس، هذا هو المشهور، وقد يطلق على العظم العريض، وسلاميات ظهر القدم، والمراد هنا الأول، ففي رواية فإذا فيها مشط رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن مراطة رأسه وفي رواية من شعر رأسه، من أسنان مشطه وفي رواية فمد إلى مشط، وما مشط من الرأس، من شعر، فعقد بذلك عقداً وجف الطلع قال النووي: في أكثر نسخ بلادنا بالباء، أي في أكثر نسخ مسلم جب طلعة ذكر وفي بعضها بالفاء، وهما بمعنى واحد، وهو الغشاء الذي يكون على الطلع، ويطلق على الذكر والأنثى، فلهذا قيده بالذكر، في قوله طلعة ذكر وهو بالإضافة، اهـ وفي رواية للبخاري وجف طلع نخلة ذكر ولفظ ذكر صفة لجف، زاد البخاري تحت رعوفة وفي رواية تحت راعوفة وفي رواية تحت أرعوفة وفي رواية تحت زاعوبة والمراد تحت صخرة كبيرة في أسفل البئر.

( في بئر ذي أروان) في رواية البخاري في بئر ذروان بفتح الذال وسكون الراء، وفي نسخة في ذروان بغير بئر، وذروان بئر في بني زريق، فقوله بئر ذروان من إضافة الشيء لنفسه، قيل: إن الأصل: بئر ذي أروان، ثم لكثرة الاستعمال سهلت الهمزة، فصارت ذروان.

( فأتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في أناس من أصحابه) عند ابن سعد فدعا جبير بن إياس الزرقي -وهو ممن شهد بدراً- فدله على موضعه، في بئر ذروان، فاستخرجه ويقال: إن الذي استخرجه قبس بن محصن الزرقي، ويجمع بينهما بأنه أعان جبيراً على ذلك، وباشره بنفسه، فنسب إليه وعند ابن سعد أن الحارث بن قيس قال: يا رسول الله، ألا يهور البئر؟ ويجمع بين هذه الروايات وبين روايتنا بأن النبي صلى الله عليه وسلم بعثهم أولاً، ثم توجه مع بعض أصحابه، فشاهدها بنفسه، وفي الرواية الثانية فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البئر، فنظر إليها، وعليها نخل... أي وحولها نخل، زاد البخاري فقال: هذه البئر التي أريتها وفي رواية وجد في الطلعة تمثالاً من شمع، تمثال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذ فيه إبر مغروزة، وإذا وتر فيه إحدى عشرة عقدة، فنزل جبريل بالمعوذتين، فكلما قرأ آية انحلت عقدة وفي رواية فاستخرج.

( ثم قال: يا عائشة) في رواية للبخاري ثم رجع إلى عائشة، فقال....
وفي رواية له فجاء، فقال...؟.

( والله لكأن ماءها نقاعة الحناء) بضم النون وتخفيف القاف، والحناء معروف، أي إن لون ماء البئر لون الماء الذي ينقع فيه الحناء، قال ابن التين: يعني أحمر، وقال الداودي: المراد الماء الذي يكون من غسالة الإناء الذي تعجن فيه الحناء، وعند ابن سعد وصححه الحاكم فوجد الماء وقد اخضر قال القرطبي: كأن ماء البئر قد تغير، إما لرداءته بطول إقامته، وإما لما خالطه من الأشياء التي ألقيت في البئر.

( ولكأن نخلها رءوس الشياطين) وفي رواية للبخاري وكأن رءوس نخلها رءوس الشياطين والتشبيه على كلا الروايتين إنما وقع على رءوس النخل، وفي رواية فإذا نخلها الذي يشرب من مائها قد التوى سعفه، كأنه رءوس الشياطين ووقع في القرآن الكريم تشبيه طلع شجرة الزقوم برءوس الشياطين، قال الفراء وغيره: يحتمل أن يكون شبه الطلع في قبحه برءوس الشياطين، لأنها موصوفة بالقبح، وقد تقرر في اللسان العربي أن من قال: فلان شيطان أراد أنه خبيث أو قبيح، ويحتمل أن يكون المراد بالشياطين الحيات، والعرب تسمي بعض الحيات شيطاناً، وهو ثعبان قبيح الوجه.

( قالت: فقلت: يا رسول الله، أفلا أحرقته؟ قال: لا) في رواية للبخاري: أفلا استخرجته؟ فقال: لا وفي رواية قلت: يا رسول الله، فأخرجه للناس وفي رواية أفلا أخرجته؟ قال: لا وقد سبق أنه روي في الصحيح أنه أخرجه، فالمراد من الإخراج المثبت إخراج الجف، والمنفي استخراج ما حواه، ففي رواية فأخرجوه فرموا به ويحتمل أن مرادها من طلب إخراجه نشره بين الناس، وبقاؤه حتى يروه، وفي رواية للبخاري أفلا؟ -أي تنشرت؟ فيحتمل أن يكون من النشر، بمعنى الإخراج والإظهار، فيوافق رواية أخرجته وروايتنا أفلا أحرقته؟ قال النووي: كل من الروايتين صحيح، كأنها طلبت أن يخرجه ثم يحرقه.
اهـ

وأغرب القرطبي، فجعل الضمير في أحرقته للبيد بن الأعصم، قال: واستفهمته عائشة من ذلك، عقوبة له على ما صنع من السحر، فأجابها بالامتناع، ونبه على سببه، وهو خوف وقوع شر بينهم وبين اليهود، لأجل العهد، فلو قتله لثارت فتنة.
كذا قال.
قال الحافظ ابن حجر: ولا أدري ما وجه تعيين قتله بالإحراق؟ لو سلم أن الرواية ثابتة، وأن الضمير له؟.

( أما أنا فقد عافاني الله، وكرهت أن أثير على الناس شراً، فأمرت بها فدفنت) في رواية للبخاري: أما والله فقد شفاني، وأكره أن أثير على أحد من الناس شراً وفي رواية سوءاً وفي رواية فكرهت أن أثير على الناس فيه شراً والمراد من الناس عموم الموجودين آنذاك، قال النووي: خشي من إخراجه وإشاعته ضرراً على المسلمين من تذكر السحر وتعلمه ونحو ذلك، وهو من باب ترك المصلحة خوفاً من المفسدة، وفي رواية على أمتي وقيل: المراد بالناس هنا لبيد بن الأعصم، لأنه كان منافقاً، فأراد صلى الله عليه وسلم أن لا يثير عليه شراً، لأنه كان يؤثر الإغضاء عمن يظهر الإسلام، ولو صدر منه ما صدر، وفي بعض الروايات فقيل: يا رسول الله، لو قتلته؟ قال: ما وراءه من عذاب الله أشد وفي رواية فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم فاعترف، فعفا عنه وفي رواية فما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك اليهودي شيئاً مما صنع به، ولا رآه في وجهه وفي رواية فقال له: ما حملك على هذا؟ قال: حب الدنانير قال الزهري: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقتله، ونقل عن الواقدي أن ذلك أصح من رواية من قال: إنه قتله، والضمير في قوله فأمرت بها فدفنت للبئر، وقد تقدم أن الحارث بن قيس هورها ودفنها.

فقه الحديث

قال الحافظ ابن حجر: قال الراغب وغيره: السحر يطلق على معان: أحدها ما لطف ودق، ومنه سحرت الصبي خادعته واستملته، وكل من استمال شيئاً فقد سحره، ومنه قولهم: الطبيعة ساحرة، ومنه حديث إن من البيان لسحرا الثاني: ما يقع بخداع وتخييلات لا حقيقة لها، نحو ما يفعله المشعوذ من صرف الأبصار عما يتعاطاه بخفة يده، وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى { { يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى } } [طه: 66] وقوله تعالى { { سحروا أعين الناس واسترهبوهم } } [الأعراف: 116] ومن هناك سموا موسى ساحراً، وقد يستعان في ذلك بما يكون فيه خاصية، كالحجر الذي يجذب الحديد، ويسمى المغنطيس، الثالث: ما يحصل بمعاونة الشياطين، بضرب من التقرب إليهم، وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى { { ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر } } [البقرة: 102] الرابع: ما يحصل بمخاطبة الكواكب، واستنزال روحانياتها بزعمهم، قال ابن حزم: ومنه ما يوجد من الطلسمات، كالطابع المنقوش فيه صورة عقرب، في وقت كون القمر في العقرب، فينفع إمساكه من لدغة العقرب.
وكالمشاهد ببعض بلاد المغرب، وهي -سرقسطة- فإنها لا يدخلها ثعبان قط، إلا إن كان بغير إرادته، وقد يجمع بين الأمرين الأخيرين، كالاستعانة بالشياطين ومخاطبة الكواكب، فيكون ذلك أقوى بزعمهم، قال أبو بكر الرازي في الأحكام له: كان أهل بابل قوماً صابئين، يعبدون الكواكب السبعة، ويسمونها آلهة، ويعتقدون أنها الفعالة لكل ما في العالم، وعملوا أوثاناً على أسمائها، ولكل واحد هيكل، فيه صفحة، يتقرب إليه بما يوافقه -بزعمهم- من أدعية وبخور، وهم الذين بعث إليهم إبراهيم عليه السلام، وكانت علومهم أحكام النجوم، ومع ذلك فكان السحرة منهم يستعملون سائر وجوه السحر، وينسبونها إلى فعل الكواكب، لئلا يبحث عنها، وينكشف تمويههم.
اهـ

قال الحافظ ابن حجر: واختلف في السحر، فقيل: هو تخييل فقط، ولا حقيقة له.
قال النووي: والصحيح أن له حقيقة، وبه قطع جمهور العلماء، ويدل عليه الكتاب والسنة الصحيحة المشهورة.

قال الحافظ: لكن محل النزاع.
هل يقع بالسحر انقلاب عين؟ أو لا؟ فمن قال: إنه تخييل فقط منع ذلك، ومن قال: إن له حقيقة اختلفوا.
هل له تأثير فقط، بحيث يغير المزاج، فيكون نوعاً من الأمراض، أو ينتهي إلى الإحالة بحيث يصير الجماد حيواناً مثلاً وعكسه؟ فالذي عليه الجمهور هو الأول، وذهبت طائفة قليلة إلى الثاني، فإن كان بالنظر إلى القدرة الإلهية فمسلم -كما في عصا موسى عليه السلام- وإن كان بالنظر إلى الواقع فهو محل الخلاف، فإن كثيراً من يدعي ذلك لا يستطيع إقامة البرهان عليه، ونقل الخطابي أن قوماً أنكروا السحر مطلقاً، وكأنه عنى القائلين بأنه تخييل فقط، وذهب بعضهم إلى أن تأثير السحر لا يزيد على ما ذكر الله تعالى في قوله { { فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه } } [البقرة: 102] ( أي بالبغض والكره، عن طريق الوسوسة، وشياطين الإنس والجن بالوشاية ونحوها) لكون المقام مقام تهويل، فلو جاز أن يقع به أكثر من ذلك لذكره، قال المازري: والصحيح من جهة العقل أنه يجوز أن يقع به أكثر من ذلك، قال: والآية ليست نصاً في منع الزيادة، ولو قلنا إنها ظاهرة في ذلك، ثم قال: والفرق بين السحر والمعجزة، والكرامة أن السحر يكون بمعاناة أقوال وأفعال، حتى يتم للساحر ما يريد، والكرامة لا تحتاج إلى ذلك، بل إنما تقع غالباً اتفاقاً، وأما المعجزة فتمتاز عن الكرامة بالتحدي، ونقل إمام الحرمين الإجماع على أن السحر لا يظهر إلا من فاسق، وقال القرطبي: السحر حيل صناعية يتوصل إليها بالتعلم والاكتساب، غير أنها لدقتها لا يتوصل إليها إلا آحاد الناس، وأكثرها تخييلات بغير حقيقة، وإيهامات بغير ثبوت، فيعظم عند من لا يعرف ذلك.

قال النووي: عمل السحر حرام، وهو من الكبائر بالإجماع، وقد عده النبي صلى الله عليه وسلم من السبع الموبقات، ومنه ما يكون كفراً، ومنه ما لا يكون كفراً، بل معصية كبيرة، فإن كان فيه قول أو فعل يقتضي الكفر، فهو كفر، وإلا فلا، وأما تعلمه وتعليمه فحرام، فإن كان فيه ما يقتضي الكفر كفر، واستتيب منه، ولا يقتل، فإن تاب قبلت توبته، وإن لم يكن فيه ما يقتضي الكفر عزر، وعن مالك: الساحر كافر، يقتل بالسحر، ولا يستتاب، بل يتحتم قتله، كالزنديق.
قال عياض: وبقول مالك قال: أحمد وجماعة من الصحابة والتابعين.
اهـ

وقد أجاز بعض العلماء تعلم السحر لأحد أمرين، إما لتمييز ما فيه كفر عن غيره، وإما لإزالته عمن وقع فيه، فأما الأول فلا محذور فيه، إلا من جهة الاعتقاد، فإذا سلم الاعتقاد فمعرفة الشيء بمجرده لا تستلزم منعاً، كمن يعرف كيفية عبادة أهل الأوثان للأوثان، لأن كيفية ما يعمله الساحر إنما هي حكاية قول أو فعل، بخلاف تعاطيه والعمل به، وأما الثاني: فإن كان لا يتم -كما زعم بعضهم- إلا بنوع من أنواع الكفر أو الفسق فلا يحل أصلاً، وإلا جاز للمعنى المذكور.

وذهب بعض العلماء إلى كفر تعلم السحر، فالعمل به كفر من باب أولى، مستدلين بقوله تعالى { { وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر } } [البقرة: 102] وجملة { { يعلمون الناس السحر } } تعليلية، أي لأنهم يعلمون الناس السحر، ولا يكفر بتعليم الشيء إلا وذلك الشيء كفر، كما استدلوا بقوله تعالى على لسان الملكين { { إنما نحن فتنة فلا تكفر } } [البقرة: 102] فإن فيه إشارة إلى أن تعلم السحر كفر، فيكون العمل به كفراً، كما استدلوا بقوله تعالى { { ولا يفلح الساحر حيث أتى } } [طه: 69] ففيه نفي الفلاح عن الساحر، ونفي الفلاح وإن لم يكن نصاً في الكفر، لكنه كثر في القرآن إثبات الفلاح للمؤمن، ونفيه عن الكافر، فهو قرينة على كفر الساحر، وإذا كان السحر كفراً كان تعلمه كذلك.

والتحقيق أن السحر خداع، وغش، وغرس أوهام وأمراض نفسية، فتعلمه حرام والعمل به حرام ومن الكبائر، بل من أكبر الكبائر، لا خلاف في ذلك، ولكن الحكم بالكفر إذا لم تكن وسيلته كفراً في النفس منه شيء والله أعلم.

وأختم هذه الجولة بقول ابن القيم: من أنفع الأدوية، وأقوى مقاومة للسحر -الذي هو من تأثيرات الأرواح الخبيثة- الأدوية الإلهية- من الذكر والدعاء والقراءة، فالقلب إذا كان ممتلئاً من الله، معموراً بذكره كان ذلك من أعظم الأسباب المانعة من إصابة السحر له، قال: وسلطان السحر هو في القلوب الضعيفة، ولهذا غالب ما يؤثر، في النساء والصبيان والجهال.
اهـ والله أعلم.

قال الحافظ ابن حجر: وقصة هاروت وماروت جاءت بسند حسن، من حديث ابن عمر، في مسند أحمد، وأطنب الطبري في إيراد طرقها؛ بحيث يقضي بمجموعها على أن للقصة أصلاً، خلافاً لمن زعم بطلانها، كالقاضي عياض، ومن تبعه، ومحصلها أن الله ركب الشهوة في ملكين من الملائكة، اختباراً لهما، وأمرهما أن يحكما في الأرض فنزلا على صورة البشر، وحكما بالعدل مرة، ثم افتتنا بامرأة جميلة، فعوقبا بسبب ذلك، بأن حبسا في بئر ببابل، منكسين، وابتليا بالنطق بعلم السحر، فصار يقصدهما من يطلب ذلك، فلا ينطقان بحضرة أحد حتى يحذراه وينهياه، فإذا أصر تكلما بذلك، ليتعلم منهما ذلك، وهما قد عرفا ذلك، فيتعلم منهما ما قص الله عنهما.
اهـ

وموضوع حديث الباب السحر الذي وقع لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحصر الكلام في نقطتين أساسيتين:

النقطة الأولى: ما فعله لبيد بن الأعصم والنقطة الثانية: أثر هذا الفعل على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أما ما فعل لبيد من المشط والمشاطة وجف نخل ذكر وتمثال وأبر وخلافه فهذا شأنه، ومثله يقع من كثير من المشعوذين والدجالين، وكذا إخراجه من البئر، فهذا أمر عادي، ولا يحتاج إلى نفي أو تحقق أو تأويل أو توجيه، ولا ينبت بوقوعه حكم أو خلاف في الرأي والفقه.

والمشكلة الرئيسية في أثر هذا الفعل في رسول الله صلى الله عليه وسلم، وللعلماء في ذلك توجهان:

التوجه الأول: رد الحديث أو التوقف بشأنه، لأنه بظاهره يتعارض مع مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم يعبر المازري: عن هذا التوجه بقوله: أنكر بعض المبتدعة هذا الحديث، وزعموا أنه يحط منصب النبوة، ويشكك فيها، وكل ما أدى إلى ذلك فهو باطل، وزعموا أن تجويز ذلك يعدم الثقة بما شرعه الرسول صلى الله عليه وسلم من الشرائع، إذ يحتمل على هذا أن يخيل إليه أنه يرى جبريل، وليس هو ثم، وأنه يوحي إليه بشيء، ولم يوح إليه بشيء.

التوجه الثاني: عدم رد الحديث، وفهمه على وجه لا يؤدي إلى المحذور السابق، وهذه الوجوه:

أ- قبول ظاهر الحديث، ونفي الاحتمال الذي زعموه، لأنه احتمال قام الدليل على خلافه، يقول المازري: الدليل قد قام على صدق النبي صلى الله عليه وسلم فيما يبلغه عن الله تعالى، وعلى عصمته في التبليغ، والمعجزات شاهدات بتصديقه، فتجويز ما قام الدليل على خلافه باطل.

ب- قبول ظاهر الحديث، واستبعاد الاحتمال الذي زعموه، لأن قضية الحديث أمر دنيوي، والاحتمال الذي ذكروه أمر ديني، ولا يقاس الأمر الديني على الأمر الدنيوي، يقول المازري: ما يتعلق ببعض أمور الدنيا، التي لم يبعث لأجلها، ولا كانت الرسالة من أجلها، فهو في ذلك عرضة لما يعترض البشر، كالأمراض، فغير بعيد أن يخيل إليه في أمر من أمور الدنيا، ما لا حقيقة له، مع عصمته عن مثل ذلك في أمور الدين.
اهـ

ويحسن بنا هنا أن نستعرض ما قيل من احتمالات، في فهم أثر سحر لبيد في رسول الله صلى الله عليه وسلم الوارد في عبارات الحديث، ففي روايتنا الأولى يخيل إليه أنه يفعل الشيء وما يفعله في رواية للبخاري يخيل إليه أنه صنع شيئاً، ولم يصنعه وفي رواية أخرى له يخيل إليه أنه يفعل الشيء وما فعله وفي ثالثة له يخيل إليه أنه فعل الشيء وما فعله وفي رواية رابعة له حتى كان يرى أنه يأتي النساء، ولا يأتيهن.

ويوضح المازري الوجه السابق ذكره، فيقول: قال بعض الناس: إن المراد بالحديث أنه كان صلى الله عليه وسلم يخيل إليه أنه وطئ زوجاته، ولم يكن وطأهن، وهذا كثيراً ما يقع تخيله للإنسان في المنام، فلا يبعد أن يخيل إليه في اليقظة.

ج- قبول ظاهر الحديث، لكن هناك فرق بين تخيل ما ليس في الواقع واقعاً، وبين اعتقاد ما ليس في الواقع واقعاً، ولا يلزم من أنه كان يتخيل أنه فعل الشيء، ولم يكن فعله، أن يجزم بأنه فعله، وإنما يكون ذلك من جنس الخاطر، يخطر، ولا يثبت، ولا يرد على هذا الاحتمال الذي ذكروه، فالخواطر على قسمين: خواطر لا تستقر، وهي التي يطلق عليها الوسوسة، وهي المرادة بالتخيل هنا، وخواطر مستقرة، تصل إلى الظن والاعتقاد، وهي غير مرادة هنا، فقول عائشة في رواية عبد الرزاق حتى كاد ينكر بصره معناه أنه صار كالذي أنكر بصره، بحيث إنه إذا رأى الشيء يخيل إليه أنه على غير صفته، فإذا تأمله عرف حقيقته، ويؤكد هذا المراد أنه لم ينقل عنه في خبر من الأخبار أنه قال قولاً، فكان بخلاف ما أخبر به.

د- قال القاضي عياض: إن السحر إنما تسلط على جسده وظواهر جوارحه، لا على تمييزه وقلبه ومعتقده، وكل ما جاء في الروايات، من أنه يخيل إليه فعل شيء لم يفعله، ونحوه، فمحمول على التخيل بالبصر، لا لخلل تطرق إلى العقل، وليس في ذلك ما يدخل لبساً على الرسالة، ولا طعناً لأهل الضلالة.
اهـ وقال المهلب: ما ناله من ضرر السحر لا يدخل نقصاً على ما يتعلق بالتبليغ، بل هو من جنس ما كان يناله من ضرر سائر الأمراض، من ضعف عن الكلام، أو عجز عن بعض الفعل، واستدل ابن القصار على أن الذي أصابه كان من جنس المرض بقوله في آخر الحديث أما أنا فقد عافاني الله وفي رواية للبخاري فقد شفاني الله وعن عائشة عند البيهقي في الدلائل فكان يدور، ولا يدري ما وجعه وفي حديث ابن عباس عند ابن سعد مرض النبي صلى الله عليه وسلم، وأخذ عن النساء والطعام والشراب، فهبط عليه ملكان.

هـ- وقال القاضي عياض: يحتمل أن يكون المراد بالتخيل المذكور أنه يظهر له من نشاطه ما ألفه من سابق عادته، من الاقتدار على الوطء، فإذا دنا من المرأة فتر عن ذلك، كما هو شأن المعقود.

وهذا فهم قريب من سابقه، باعتباره عجزاً جسدياً، ناشئاً من تغير المزاج فهو نوع من الأمراض، ومن المعروف عند أهل السنة أن الله تعالى خالق الأسباب والمسببات جميعاً، وقد شاءت إرادته أن يربط المسببات بأسبابها، وأن يخلق المرض في السليم إذا لاقى مريضاً، قال النووي: فلا يستنكر في العقل أن الله سبحانه وتعالى يخرق العادة، عند النطق بكلام ملفق، أو تركيب أجسام، أو المزج بين قوي، على ترتيب لا يعرفه إلا الساحر.
اهـ

المناقشة والتحقيق:

أولاً: جميع روايات هذا الحديث عن عائشة -رضي الله عنها-، فيما عدا رواية ابن عباس عند ابن سعد وهي ضعيفة جداً من حيث الإسناد، فضلاً عن أن مثل هذا الأمر لا يعلمه ابن عباس إلا من طريق مخبر له، إما عائشة وإما إحدى الزوجات وإما الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يسند إلى أي منهم، وكونه في هذه الرواية ممن ذهب لإخراج السحر في روايته لا يعطي شيئاً عن حال مرضه صلى الله عليه وسلم مع أزواجه.

وقد نتساءل: إذا كان التأثير في إتيان النساء، وعائشة رضي الله عنها حينئذ واحدة من سبع، لها ليلة من كل أسبوع، وقد استمرت الحالة أربعين يوماً أو ستة أشهر، فماذا كان الحال عند غيرها من نسائه صلى الله عليه وسلم؟ هل تخيل عندهن كما تخيل عندها؟ أم كان الحال خاصاً بها؟ وإذا كان الأول فلماذا لم يرد عن إحداهن مثل ما ورد عنها؟ وإذا كان الثاني احتمل أن يكون لحالة نفسية وتغير مزاجه منها لأمر من أمور الحياة، فهو انصراف يحدث كثيراً، ولا يرد عليه أي اعتراض بالتقصير في التبليغ ، وكذا لو كان انصرافاً عاماً عن جميع نسائه، وتخيلاً خاصاً بالعلاقة الزوجية، فلا يرد هذا الاعتراض، ويرد هذا الاعتراض من أساسه أنه لم يؤثر عن أحد من الصحابة، ولا عن أحد من أعدائه أنه رآه وقد خيل إليه في هذه المدة الطويلة أنه فعل الشيء ولم يفعله، ومثل هذا أمر لا يخفى ولا يكتم ممن يتلمسون له الهفوات، وحيث كان هذا التأثير مكنياً عنه في الحديث، بقولها يخيل إليه أنه يفعل الشيء وما فعله وليس محدداً مصرحاً بالأثر جاز أنها تقصد أمراً لا يضر، وأنه أمر عادي في تغير المزاج، ولهذا اختلف العلماء في تفسيره، سواء كان ناشئاً من تأثير السحر، أو كان مصادفة واتفاقاً مع وقت عمل لبيد ما عمل، فإنه لا يؤثر في الرسالة ولا في التبليغ.

ثانياً: هذا الحديث مضطرب في أحداثه اضطراباً يجعل الجمع بينها عسيراً أو تمحلاً، ففي بعض روايته أنه صلى الله عليه وسلم أرسل إلى البئر من يخرج آلة السحر، وفي بعضها أنه صلى الله عليه وسلم أتاها بنفسه ومعه بعض أصحابه، وفي بعضها أن الذي استخرجه جبير بن إياس، وفي بعضها أن الذي استخرجه قيس بن محصن الزرقي، وفي بعض الروايات أن الملكين أتياه في اليقظة، وفي بعضها في المنام، وفي بعضها بين اليقظة والمنام، وفي بعض الروايات قالت عائشة بعد أن استخرج السحر أفلا استخرجته؟ قال: لا وفي بعضها أفلا أحرقته؟ قال: لا أي إنه لم يخرج ولم يحرق.

ثم ماذا حصل مع لبيد بن الأعصم؟ أقتل؟ أم عفي عنه؟ في رواية فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم، فاعترف، فعفا عنه، وفي رواية فما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك اليهودي شيئاً مما صنع، ولا رآه في وجهه وفي رواية فقال له: ما حملك على هذا؟ قال: حب الدنانير وفي رواية فقتله روايات ضعيفة، لا تمثل حقيقة مع أن القتل أو عدم القتل، في مثل هذه الحالة لا يخفى ولا يكتم.

هذا الاضطراب يجعل الاستدلال بعبارة من عباراته محل نظر.

ثالثاً: موضوع السحر، وسحر رسول الله صلى الله عليه وسلم موضوع عقيدة، وليس موضوع حكم فرعي وليس موضوع وعظ وترغيب وترهيب، وأحاديث الآحاد لا يجب العمل بها في العقائد حتى ولو لم تكن مضطربة.

رابعاً: الاحتمالات الكثيرة في هذا الحديث تجعله غير صالح للاستدلال على تأثير السحر، عملاً بقاعدة: الدليل إذا تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال.

والذي أميل إليه، وأدين الله عليه التوقف بشأن هذا الحديث، أو رده لما ذكرنا من المحاذير.
والله أعلم.

ويؤخذ من الحديث:

1- من قوله دعا..ثم دعا، ثم دعا استحباب الدعاء عند حصول الأمور المكروهة.

2- وتكرير الدعاء.

3- وحسن الالتجاء إلى الله تعالى.

4- ومن كراهته صلى الله عليه وسلم شراً، ترك المصلحة لخوف مفسدة أعظم منها.

5- ومن استخراجه السحر من البئر جواز استخراج السحر.

6- وجواز ذهاب المسحور إلى الساحر، ليفك عنه السحر كذا قيل.
وقد ذكر البخاري: قال قتادة قلت لسعيد بن المسيب: رجل به طب -أو يؤخذ عن امرأته- أيحل عنه؟ أو ينشر؟ قال: لا بأس به، إنما يريدون به الإصلاح، فأما ما ينفع فلم ينه عنه.
اهـ أي كان سعيد بن المسيب لا يرى بأساً، إذا كان بالرجل سحر، أن يمشي إلى من يطلق عنه، وكان يرى أن ذلك صلاح، ومثل ذلك عن أحمد، فقد سئل عمن يطلق السحر عن المسحور؟ فقال: لا بأس به.
وكان الحسن البصري يكره ذلك، ويقول: لا يعلم ذلك إلا ساحر، ولا يجوز إتيان الساحر، لحديث من مشي إلى ساحر أو كاهن، فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم وقال الطبري: نهيه صلى الله عليه وسلم عن إتيان الساحر، إنما هو على التصديق له فيما يقول، فأما إذا أتاه لغير ذلك، وهو عالم به، وبحاله، فليس من المنهي عنه، ولا عن إتيانه.
اهـ وفي هذا القول نظر، لأن هذا القول يصح فيمن أتاه لزراعة أو لبيع أو شراء أو غير ذلك، مما لا علاقة له بالسحر، أما من أتاه ليحل سحراً، فقد أتاه مصدقاً أنه ساحر، وأنه قادر على حل السحر، فهو مصدق له في قوله هذا وفي فعله.

7- وجواز النشرة، والنشرة ذكر وأدعية وطلاسم وأفعال، يقصد بها حل السحر عن المسحور وفي وصفها صور، أنقل منها عن الحافظ ابن حجر، قال: أخرج عبد الرزاق من طريق الشعبي، قال: لا بأس بالنشرة العربية، التي إذا وطئت لا تضره، وهي أن يخرج الإنسان في موضع عضاه -العضاه بالهاء في آخره مع كسر العين، كل شجر له شوك، صغر أو كبر -فيأخذ عن يمينه، وعن شماله، من كل -أي من كل شجرة فرعاً أو ورقاً- ثم يدقه، ويقرأ فيه، ثم يغتسل به وذكر ابن بطال أن في كتب وهب بن منبه أن يأخذ سبع ورقات من سدر أخضر، فيدقه بين حجرين، ثم يضربه بالماء، ويقرأ فيه آية الكرسي، ثم يحسو منه ثلاث حسوات، ثم يغتسل به، فإنه يذهب عنه كل ما به.

وفي كتاب الطب النبوي للمستغفري.
قال حماد بن شاكر: إن المبتلى بعدم القدرة على مجامعة أهله يأخذ حزمة قضبان، وفأساً ذا قطارين، ويضعه في وسط تلك الحزمة، ثم يؤجج ناراً في تلك الحزمة، حتى إذا حمي الفأس استخرجه من النار، وبال عليه، فإنه يبرأ وتحل عقده، وأما النشرة فإنه يجمع أيام الربيع ما قدر عليه من ورد المفازة، وورد البساتين، ثم يلقيها في إناء نظيف، ويجعل فيها ماء عذباً، ثم يغلي ذلك الورد في الماء غلياً يسيراً، ثم يمهل، حتى إذا فتر الماء، أفاضه عليه، فإنه يبرأ بإذن الله.
اهـ

وفي اعتقادي أن هذه أمور شعوذة لا أصل لها، تستساغ عند البسطاء والجهلاء، وقد يقع لهم الشفاء بالإيحاء، والله أعلم.

8- وقد فرع العلماء على السحر وتأثيره خلافاً حول حد الساحر، وقد استدل بحديث الباب من يقول: إن الساحر لا يقتل حداً، إذا كان له عهد، قال ابن بطال: لا يقتل ساحر أهل الكتاب عند مالك والزهري، إلا أن يقتل بسحره، فيقتل، وهو قول أبي حنيفة والشافعي، وعن مالك: إن أدخل بسحره ضرراً على مسلم لم يعاهد عليه، نقض العهد بذلك، فيحل قتله، وإنما لم يقتل النبي صلى الله عليه وسلم لبيد بن الأعصم، لأنه كان لا ينتقم لنفسه، ولأنه خشي إذا قتله أن تثور بذلك فتنة بين المسلمين وبين حلفائه من الأنصار، وهو من نمط ما راعاه من ترك قتل المنافقين، سواء كان لبيد يهودياً أو منافقاً على ما مضى من الاختلاف فيه، قال ابن بطال: وعند مالك أن حكم الساحر -أي المسلم- حكم الزنديق، أي فهو بسحره كافر، فلا تقبل توبته، ويقتل حداً، إذا ثبت عليه ذلك -أي بالإقرار أو بالبينة- وبه قال أحمد، وقال الشافعي: لا يقتل إلا إن اعترف أنه قتل بسحره، فيقتل به، فإن اعترف أن سحره قد يقتل، وقد لا يقتل، وأنه سحره، وأنه مات، لم يجب عليه القصاص، ووجبت الدية في ماله، لا على عاقلته، ولا يتصور القتل بالسحر بالبينة، وادعى أبو بكر الرازي في الأحكام أن الشافعي تفرد بقوله: إن الساحر يقتل قصاصاً إذا اعترف أنه قتله بسحره.
والله أعلم.

9- وقد ترجم البخاري لهذا الحديث بباب: هل يعفى عن الذمي إذا سحر؟ وقد احتج الزهري بهذا الحديث على أنه يعفى عنه، وقال ابن بطال: لا حجة للزهري فيه، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن ينتقم لنفسه، ولأن السحر لم يضره في شيء من أمور الوحي ولا في بدنه، وإنما كان اعتراه شيء من التخيل.

والله أعلم