هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
58 حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ ، عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلاَقَةَ ، قَالَ : سَمِعْتُ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ ، يَقُولُ يَوْمَ مَاتَ المُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ ، قَامَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ، وَقَالَ : عَلَيْكُمْ بِاتِّقَاءِ اللَّهِ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وَالوَقَارِ ، وَالسَّكِينَةِ ، حَتَّى يَأْتِيَكُمْ أَمِيرٌ ، فَإِنَّمَا يَأْتِيكُمُ الآنَ . ثُمَّ قَالَ : اسْتَعْفُوا لِأَمِيرِكُمْ ، فَإِنَّهُ كَانَ يُحِبُّ العَفْوَ ، ثُمَّ قَالَ : أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنِّي أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ : أُبَايِعُكَ عَلَى الإِسْلاَمِ فَشَرَطَ عَلَيَّ : وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ فَبَايَعْتُهُ عَلَى هَذَا ، وَرَبِّ هَذَا المَسْجِدِ إِنِّي لَنَاصِحٌ لَكُمْ ، ثُمَّ اسْتَغْفَرَ وَنَزَلَ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
58 حدثنا أبو النعمان ، قال : حدثنا أبو عوانة ، عن زياد بن علاقة ، قال : سمعت جرير بن عبد الله ، يقول يوم مات المغيرة بن شعبة ، قام فحمد الله وأثنى عليه ، وقال : عليكم باتقاء الله وحده لا شريك له ، والوقار ، والسكينة ، حتى يأتيكم أمير ، فإنما يأتيكم الآن . ثم قال : استعفوا لأميركم ، فإنه كان يحب العفو ، ثم قال : أما بعد ، فإني أتيت النبي صلى الله عليه وسلم قلت : أبايعك على الإسلام فشرط علي : والنصح لكل مسلم فبايعته على هذا ، ورب هذا المسجد إني لناصح لكم ، ثم استغفر ونزل
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،  عن جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ ، يَقُولُ يَوْمَ مَاتَ المُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ ، قَامَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ، وَقَالَ : عَلَيْكُمْ بِاتِّقَاءِ اللَّهِ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وَالوَقَارِ ، وَالسَّكِينَةِ ، حَتَّى يَأْتِيَكُمْ أَمِيرٌ ، فَإِنَّمَا يَأْتِيكُمُ الآنَ . ثُمَّ قَالَ : اسْتَعْفُوا لِأَمِيرِكُمْ ، فَإِنَّهُ كَانَ يُحِبُّ العَفْوَ ، ثُمَّ قَالَ : أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنِّي أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ : أُبَايِعُكَ عَلَى الإِسْلاَمِ فَشَرَطَ عَلَيَّ : وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ فَبَايَعْتُهُ عَلَى هَذَا ، وَرَبِّ هَذَا المَسْجِدِ إِنِّي لَنَاصِحٌ لَكُمْ ، ثُمَّ اسْتَغْفَرَ وَنَزَلَ .

Narrated Ziyad bin'Ilaqa:

I heard Jarir bin 'Abdullah (Praising Allah). On the day when Al-Mughira bin Shu'ba died, he (Jarir) got up (on the pulpit) and thanked and praised Allah and said, Be afraid of Allah alone Who has none along with Him to be worshipped.(You should) be calm and quiet till the (new) chief comes to you and he will come to you soon. Ask Allah's forgiveness for your (late) chief because he himself loved to forgive others. Jarir added, Amma badu (now then), I went to the Prophet and said, 'I give my pledge of allegiance to you for Islam. The Prophet (ﷺ) conditioned (my pledge) for me to be sincere and true to every Muslim so I gave my pledge to him for this. By the Lord of this mosque! I am sincere and true to you (Muslims). Then Jarir asked for Allah's forgiveness and came down (from the pulpit).

0058 Ziyâd ben Ilâqa dit : Le jour de la mort d’al-Mughira ben chu’ba (le gouverneur d’al-Kûfa), Jarir ben Abd-ul-Lâh se leva, loua et glorifia Dieu… Je l’entendis dire : « Vous devez craindre Dieu, sans rien Lui associé, et être calmes jusqu’à l’arrivée d’un nouveau gouverneur. D’ailleurs celui-ci ne tardera pas à venir. quant à votre gouverneur qui vient de rendre l’âme, demandez-lui le pardon de dieu; lui-même aimait pardonner… » Après cela, il ajouta : « Cela dit, sachez qu’une fois j’étais venu voir le Prophète et lui avais dit : « Je te prête serment d’allégeance sur l’islam. » Et lui d’exiger, en plus, que je sois loyal envers tout musulmans. En effet, je lui avais prêté serment sur cela… Par le Seigneur de cette mosquée ! je suis loyal envers vous » Et il implora enfin le pardon de Dieu avant de s’asseoir (ou avant de descendre du minbar).

":"ہم سے ابونعمان نے بیان کیا ، کہا ہم سے ابوعوانہ نے بیان کیا ، انھوں نے زیاد سے ، انھوں نے علاقہ سے ، کہا میں نے جریر بن عبداللہ سے سناجس دن مغیرہ بن شعبہ ( حاکم کوفہ ) کا انتقال ہوا تو وہ خطبہ کے لیے کھڑے ہوئے اور اللہ کی تعریف اور خوبی بیان کی اور کہا تم کو اکیلے اللہ کا ڈر رکھنا چاہیے اس کا کوئی شریک نہیں اور تحمل اور اطمینان سے رہنا چاہیے اس وقت تک کہ کوئی دوسرا حاکم تمہارے اوپر آئے اور وہ ابھی آنے والا ہے ۔ پھر فرمایا کہ اپنے مرنے والے حاکم کے لیے دعائے مغفرت کرو کیونکہ وہ ( مغیرہ ) بھی معافی کو پسند کرتا تھا پھر کہا کہ اس کے بعد تم کو معلوم ہونا چاہیے کہ میں ایک دفعہ آنحضرت صلی اللہ علیہ وسلم کے پاس آیا اور میں نے عرض کیا کہ میں آپ سے اسلام پر بیعت کرتا ہوں آپ صلی اللہ علیہ وسلم نے مجھ سے ہر مسلمان کی خیرخواہی کے لیے شرط کی ، پس میں نے اس شرط پر آپ سے بیعت کر لی ( پس ) اس مسجد کے رب کی قسم کہ میں تمہارا خیرخواہ ہوں پھر استغفار کیا اور منبر سے اتر آئے ۔

0058 Ziyâd ben Ilâqa dit : Le jour de la mort d’al-Mughira ben chu’ba (le gouverneur d’al-Kûfa), Jarir ben Abd-ul-Lâh se leva, loua et glorifia Dieu… Je l’entendis dire : « Vous devez craindre Dieu, sans rien Lui associé, et être calmes jusqu’à l’arrivée d’un nouveau gouverneur. D’ailleurs celui-ci ne tardera pas à venir. quant à votre gouverneur qui vient de rendre l’âme, demandez-lui le pardon de dieu; lui-même aimait pardonner… » Après cela, il ajouta : « Cela dit, sachez qu’une fois j’étais venu voir le Prophète et lui avais dit : « Je te prête serment d’allégeance sur l’islam. » Et lui d’exiger, en plus, que je sois loyal envers tout musulmans. En effet, je lui avais prêté serment sur cela… Par le Seigneur de cette mosquée ! je suis loyal envers vous » Et il implora enfin le pardon de Dieu avant de s’asseoir (ou avant de descendre du minbar).

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [58] .

     قَوْلُهُ  سَمِعْتُ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْمَسْمُوعُ مِنْ جَرِيرٍ حَمْدَ اللَّهِ وَالثَّنَاءَ عَلَيْهِ فَالتَّقْدِيرُ سَمِعْتُ جَرِيرًا حَمِدَ اللَّهَ وَالْبَاقِي شَرْحٌ لِلْكَيْفِيَّةِ .

     قَوْلُهُ  يَوْمَ مَاتَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ كَانَ الْمُغِيرَةُ وَالِيًا عَلَى الْكُوفَةِ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ وَكَانَتْ وَفَاتُهُ سَنَةَ خَمْسِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ وَاسْتَنَابَ عِنْدَ مَوْتِهِ ابْنَهُ عُرْوَةَ وَقِيلَ اسْتَنَابَ جرير الْمَذْكُورَ وَلِهَذَا خَطَبَ الْخُطْبَةَ الْمَذْكُورَةَ حَكَى ذَلِكَ الْعَلَائِيُّ فِي أَخْبَارِ زِيَادٍ وَالْوَقَارُ بِالْفَتْحِ الرَّزَانَةُ وَالسَّكِينَةُ السُّكُونُ وَإِنَّمَا أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ مُقَدِّمًا لِتَقْوَى اللَّهِ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ وَفَاةَ الْأُمَرَاءِ تُؤَدِّي إِلَى الِاضْطِرَابِ وَالْفِتْنَةِ وَلَا سِيَّمَا مَا كَانَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْكُوفَةِ إِذْ ذَاكَ مِنْ مُخَالَفَةِ وُلَاةِ الْأُمُورِ .

     قَوْلُهُ  حَتَّى يَأْتِيَكُمْ أَمِيرٌ أَيْ بَدَلَ الْأَمِيرِ الَّذِي مَاتَ وَمَفْهُومُ الْغَايَةِ هُنَا وَهُوَ أَن الْمَأْمُور بِهِ ينتهى بمجيء مَفْهُومُ الْمُوَافَقَةِ .

     قَوْلُهُ  الْآنَ أَرَادَ بِهِ تَقْرِيبَ الْمُدَّةِ تَسْهِيلًا عَلَيْهِمْ وَكَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ مُعَاوِيَةَ لَمَّا بَلَغَهُ مَوْتُ الْمُغِيرَةِ كَتَبَ إِلَى نَائِبِهِ عَلَى الْبَصْرَةِ وَهُوَ زِيَادٌ أَنْ يَسِيرَ إِلَى الْكُوفَةِ أَمِيرًا عَلَيْهَا .

     قَوْلُهُ  اسْتَعْفُوا لِأَمِيرِكُمْ أَيِ اطْلُبُوا لَهُ الْعَفْوَ مِنَ اللَّهِ كَذَا فِي مُعظم الرِّوَايَات بِالْعينِ الْمُهْملَة وَفِي رِوَايَة بن عَسَاكِر اسْتَغْفرُوا بغين مُعْجمَة وَزِيَادَة رَآهُ وَهِيَ رِوَايَةُ الْإِسْمَاعِيلِيِّ فِي الْمُسْتَخْرَجِ .

     قَوْلُهُ  فَإِنَّهُ كَانَ يُحِبُّ الْعَفْوَ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْجَزَاءَ يَقَعُ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ .

     قَوْلُهُ .

.

قُلْتُ أُبَايِعُكَ تَرَكَ أَدَاةَ الْعَطْفِ إِمَّا لِأَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ أَتَيْتُ أَوِ اسْتِئْنَافٌ .

     قَوْلُهُ  وَالنُّصْحِ بِالْخَفْضِ عَطْفًا عَلَى الْإِسْلَامِ وَيَجُوزُ نَصْبُهُ عَطْفًا عَلَى مُقَدَّرِ أَيْ شَرَطَ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالنَّصِيحَةِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى كَمَالِ شَفَقَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

     قَوْلُهُ  عَلَى هَذَا أَيْ عَلَى مَا ذُكِرَ .

     قَوْلُهُ  وَرَبِّ هَذَا الْمَسْجِدِ مُشْعِرٌ بِأَنَّ خُطْبَتَهُ كَانَتْ فِي الْمَسْجِدِوَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَشَارَ إِلَى جِهَةِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ الطَّبَرَانِيِّ بِلَفْظِ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ وَذَكَرَ ذَلِكَ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى شَرَفِ الْمُقْسَمِ بِهِ لِيَكُونَ أَدْعَى لِلْقَبُولِ .

     قَوْلُهُ  لَنَاصِحٌ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ وَفَّى بِمَا بَايَعَ عَلَيْهِ الرَّسُولُ وَأَنَّ كَلَامَهُ خَالِصٌ عَنِ الْغَرَضِ .

     قَوْلُهُ  وَنَزَلَ مُشْعِرٌ بِأَنَّهُ خَطَبَ عَلَى الْمِنْبَرِ أَوِ الْمُرَادُ قَعَدَ لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ قَوْلِهِ قَامَ فَحَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى فَائِدَةٌ التَّقْيِيدُ بِالْمُسْلِمِ لِلْأَغْلَبِ وَإِلَّا فَالنُّصْحُ لِلْكَافِرِ مُعْتَبَرٌ بِأَنْ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَيُشَارُ عَلَيْهِ بِالصَّوَابِ إِذَا اسْتَشَارَ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي البيع على بَيْعه وَنَحْوِ ذَلِكَ فَجَزَمَ أَحْمَدُ أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَصُّ بِالْمُسْلِمِينَ وَاحْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ فَائِدَةٌ أُخْرَى خَتَمَ الْبُخَارِيُّ كِتَابَ الْإِيمَانِ بِبَابِ النَّصِيحَةِ مُشِيرًا إِلَى أَنَّهُ عَمِلَ بِمُقْتَضَاهُ فِي الْإِرْشَادِ إِلَى الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ دُونَ السَّقِيمِ ثُمَّ خَتَمَهُ بِخُطْبَةِ جَرِيرٍ الْمُتَضَمِّنَةِ لِشَرْحِ حَالِهِ فِي تَصْنِيفِهِ فَأَوْمَأَ بِقَوْلِهِ فَإِنَّمَا يَأْتِيكُمُ الْآنَ إِلَى وُجُوبِ التَّمَسُّكِ بِالشَّرَائِعِ حَتَّى يَأْتِيَ مَنْ يُقِيمُهَا إِذْ لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مَنْصُورَةً وَهُمْ فُقَهَاءُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَبِقَوْلِهِ اسْتَعْفُوا لِأَمِيرِكُمْ إِلَى طَلَبِ الدُّعَاءِ لَهُ لِعَمَلِهِ الْفَاضِلِ ثُمَّ خَتَمَ بِقَوْلِ اسْتَغْفَرَ وَنَزَلَ فَأَشْعَرَ بِخَتْمِ الْبَابِ ثُمَّ عَقَّبَهُ بِكِتَابِ الْعِلْمِ لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ النَّصِيحَةِ أَنَّ مُعْظَمَهَا يَقَعُ بِالتَّعَلُّمِ وَالتَّعْلِيمِ خَاتِمَةٌ اشْتَمَلَ كِتَابُ الْإِيمَانِ وَمُقَدِّمَتُهُ مِنْ بَدْءِ الْوَحْيِ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ على أحد وَثَمَانِينَ حَدِيثًا بِالْمُكَرَّرِ مِنْهَا فِي بَدْءِ الْوَحْيِ خَمْسَةَ عَشَرَ وَفِي الْإِيمَانِ سِتَّةٌ وَسِتُّونَ الْمُكَرَّرُ مِنْهَا ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ مِنْهَا فِي الْمُتَابَعَاتِ بِصِيغَةِ الْمُتَابَعَةِ أَوِ التَّعْلِيقِ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ ثَمَانِيَةٌ وَفِي الْإِيمَانِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَمِنَ الْمَوْصُولِ الْمُكَرَّرِ ثَمَانِيَةٌ وَمِنَ التَّعْلِيقِ الَّذِي لَمْ يُوصَلْ فِي مَكَانٍ آخَرَ ثَلَاثَةٌ وَبَقِيَّةُ ذَلِكَ وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ حَدِيثًا مَوْصُولَةٌ بِغَيْرِ تَكْرِيرٍ وَقَدْ وَافَقَهُ مُسْلِمٌ عَلَى تَخْرِيجِهَا إِلَّا سَبْعَةً وَهِيَ الشَّعْبِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فِي الْمُسْلِمِ وَالْمُهَاجِرِ وَالْأَعْرَجُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي حُبِّ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبن أَبِي صَعْصَعَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ فِي الْفِرَارِ مِنَ الْفِتَنِ وَأَنَسٌ عَنْ عُبَادَةَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَسَعِيدٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الدِّينِ يُسْرٌ وَالْأَحْنَفُ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ فِي الْقَاتِلِ وَالْمَقْتُولِ وَهِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ فِي أَنَا أَعْلَمُكُمْ بِاللَّهِ وَجَمِيعُ مَا فِيهِ مِنَ الْمَوْقُوفَاتِ عَلَى الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ أَثَرًا معلقَة غير أثر بن النَّاطُورِ فَهُوَ مَوْصُولٌ وَكَذَا خُطْبَةُ جَرِيرٍ الَّتِي ختم بهَا كتاب الْإِيمَان وَالله أعلم بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم .

     قَوْلُهُ  كِتَابُ الْعِلْمِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ بَابُ فَضْلِ الْعِلْمِ هَكَذَا فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ وَكَرِيمَةَ وَغَيْرِهِمَا وَفِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ تَقْدِيمُ الْبَسْمَلَةِ وَقَدْ قَدَّمْنَا تَوْجِيهَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي لَفْظُ بَابٍ وَلَا فِي رِوَايَةِ رَفِيقِهِ لَفْظُ كِتَابِ الْعِلْمِ فَائِدَةٌ قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ بَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِالنَّظَرِ فِي فَضْلِ الْعِلْمِ قَبْلَ النَّظَرِ فِي حَقِيقَتِهِ وَذَلِكَ لِاعْتِقَادِهِ أَنَّهُ فِي نِهَايَةِ الْوُضُوحِ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى تَعْرِيفٍ أَوْ لِأَنَّ النَّظَرَ فِي حَقَائِقِ الْأَشْيَاءِلَيْسَ مِنْ فَنِّ الْكِتَابِ وَكُلُّ مِنَ الْقَدْرَيْنِ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْبُخَارِيَّ لَمْ يَضَعْ كِتَابَةً لِحُدُودِ الْحَقَائِقِ وَتَصَوُّرِهَا بَلْ هُوَ جَارٍ عَلَى أَسَالِيبِ الْعَرَب الْقَدِيمَة فأنهم يبدؤون بِفَضِيلَةِ الْمَطْلُوبِ لِلتَّشْوِيقِ إِلَيْهِ إِذَا كَانَتْ حَقِيقَتُهُ مكشوفة مَعْلُومَة وَقد أنكر بن الْعَرَبِيِّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ عَلَى مَنْ تَصَدَّى لِتَعْرِيفِ الْعِلْمِ.

     وَقَالَ  هُوَ أَبْيَنُ مِنْ أَنْ يُبَيَّنَ.

.

قُلْتُ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْغَزَالِيِّ وَشَيْخِهِ الْإِمَامِ أَنَّ الْعِلْمَ لَا يُحَدُّ لِوُضُوحِهِ أَوْ لِعُسْرِهِ .

     قَوْلُهُ  وَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ضَبَطْنَاهُ فِي الْأُصُولِ بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى كِتَابٍ أَوْ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ .

     قَوْلُهُ  يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذين أُوتُوا الْعلم دَرَجَات قِيلَ فِي تَفْسِيرِهَا يَرْفَعِ اللَّهُ الْمُؤْمِنَ الْعَالِمَ عَلَى الْمُؤْمِنِ غَيْرِ الْعَالِمِ وَرِفْعَةُ الدَّرَجَاتِ تَدُلُّ عَلَى الْفَضْلِ إِذِ الْمُرَادُ بِهِ كَثْرَةُ الثَّوَابِ وَبِهَا تَرْتَفِعُ الدَّرَجَاتُ وَرِفْعَتُهَا تَشْمَلُ الْمَعْنَوِيَّةَ فِي الدُّنْيَا بِعُلُوِّ الْمَنْزِلَةِ وَحُسْنِ الصِّيتِ وَالْحِسِّيَّةَ فِي الْآخِرَةِ بِعُلُوِّ الْمَنْزِلَةِ فِي الْجَنَّةِ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ نَافِعِ بْنِ عَبْدِ الْحَارِثِ الْخُزَاعِيِّ وَكَانَ عَامِلَ عُمَرَ عَلَى مَكَّةَ أَنَّهُ لَقِيَهُ بِعُسْفَانَ فَقَالَ لَهُ مَنِ اسْتَخْلَفْتَ فَقَالَ اسْتَخْلَفْتُ بن أَبْزَى مَوْلًى لَنَا فَقَالَ عُمَرُ اسْتَخْلَفْتَ مَوْلًى قَالَ إِنَّهُ قَارِئٌ لِكِتَابِ اللَّهِ عَالِمٌ بِالْفَرَائِضِ فَقَالَ عُمَرُ أَمَا إِنَّ نَبِيَّكُمْ قَدْ قَالَ إِنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ فِي قَوْله تَعَالَى نرفع دَرَجَات من نشَاء قَالَ بِالْعِلْمِ .

     قَوْلُهُ  وَقَولُهُ عَزَّ وَجَلَّ رَبِّ زِدْنِي علما وَاضِحُ الدَّلَالَةِ فِي فَضْلِ الْعِلْمِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَأْمُرْ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِطَلَبِ الِازْدِيَادِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا مِنَ الْعِلْمِ وَالْمُرَادُ بِالْعِلْمِ الْعِلْمُ الشَّرْعِيُّ الَّذِي يُفِيدُ مَعْرِفَةَ مَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ مِنْ أَمْرِ دينه فِي عِبَادَاتِهِ وَمُعَامَلَاتِهِ وَالْعِلْمُ بِاللَّهِ وَصِفَاتِهِ وَمَا يَجِبُ لَهُ مِنَ الْقِيَامِ بِأَمْرِهِ وَتَنْزِيهِهِ عَنِ النَّقَائِصِ وَمَدَارُ ذَلِكَ عَلَى التَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَقَدْ ضَرَبَ هَذَا الْجَامِعُ الصَّحِيحُ فِي كُلٍّ مِنَ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ بِنَصِيبٍ فَرَضِيَ اللَّهُ عَنْ مُصَنِّفِهِ وَأَعَانَنَا عَلَى مَا تَصَدَّيْنَا لَهُ مِنْ تَوْضِيحِهِ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ فَإِنْ قِيلَ لِمَ لَمْ يُورِدِ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْبَابِ شَيْئًا مِنَ الْحَدِيثِ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ اكْتَفَى بِالْآيَتَيْنِ الْكَرِيمَتَيْنِ وَإِمَّا بَيَّضَ لَهُ لِيُلْحِقَ فِيهِ مَا يُنَاسِبُهُ فَلَمْ يَتَيَسَّرْ وَإِمَّا أَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ بن عُمَرَ الْآتِي بَعْدَ بَابِ رَفْعِ الْعِلْمِ وَيَكُونُ وَضْعُهُ هُنَاكَ مِنْ تَصَرُّفِ بَعْضِ الرُّوَاةِ وَفِيهِ نَظَرٌ عَلَى مَا سَنُبَيِّنُهُ هُنَاكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَنَقَلَ الْكِرْمَانِيُّ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الشَّامِ أَنَّ الْبُخَارِيَّ بَوَّبَ الْأَبْوَابَ وَتَرْجَمَ التَّرَاجِمَ وَكَتَبَ الْأَحَادِيثَ وَرُبَّمَا بَيَّضَ لِبَعْضِهَا لِيُلْحِقَهُ وَعَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِرَاقِ أَنَّهُ تَعَمَّدَ بَعْدَ التَّرْجَمَةِ عَدَمَ إِيرَادِ الْحَدِيثِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ شَيْءٌ عِنْدَهُ عَلَى شَرْطِهِ.

.

قُلْتُ وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ هَذَا مَحَلُّهُ حَيْثُ لايورد فِيهِ آيَةً أَوْ أَثَرًا أَمَّا إِذَا أَوْرَدَ آيَةً أَوْ أَثَرًا فَهُوَ إِشَارَةٌ مِنْهُ إِلَى مَا وَرَدَ فِي تَفْسِيرِ تِلْكَ الْآيَةِ وَأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ شَيْءٌ عَلَى شَرْطِهِ وَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ كَافٍ فِي الْبَابِ وَإِلَى أَنَّ الْأَثَرَ الْوَارِدَ فِي ذَلِكَ يَقْوَى بِهِ طَرِيقُ الْمَرْفُوعِ وَإِنْ لَمْ يَصِلْ فِي الْقُوَّةِ إِلَى شَرْطِهِ وَالْأَحَادِيثُ فِي فَضْلِ الْعِلْمِ كَثِيرَةٌ صَحَّحَ مُسْلِمٌ مِنْهَا حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ مَنِ الْتَمَسَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ وَلَمْ يُخَرِّجْهُ الْبُخَارِيُّ لِأَنَّهُ اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى الْأَعْمَشِ وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي صَالِحٍ فِيهِ وَاسِطَةٌ وَالله أعلم( قَولُهُ بَابُ مَنْ سُئِلَ عِلْمًا وَهُوَ مُشْتَغِلٌ) مُحَصَّلُهُ التَّنْبِيهُ عَلَى أَدَبِ الْعَالِمِ وَالْمُتَعَلِّمِ أَمَّا الْعَالِمُ فَلِمَا تَضَمَّنَهُ مِنْ تَرْكِ زَجْرِ السَّائِلِ بل أدبه بالاعراض عَنهُ أَو لَا حَتَّى اسْتَوْفَى مَا كَانَ فِيهِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى جَوَابِهِ فَرَفَقَ بِهِ لِأَنَّهُ مِنْ الْأَعْرَابِ وهم جُفَاة وَفِيه الْعِنَايَة بِجَوَاب سُؤَالِ السَّائِلِ وَلَوْ لَمْ يَكُنِ السُّؤَالُ مُتَعَيِّنًا وَلَا الْجَوَابُ.

.
وَأَمَّا الْمُتَعَلِّمُ فَلِمَا تَضَمَّنَهُ مِنْ أَدَبِ السَّائِلِ أَنْ لَا يَسْأَلَ الْعَالِمَ وَهُوَ مُشْتَغِلٌ بِغَيْرِهِ لِأَنَّ حَقَّ الْأَوَّلِ مُقَدَّمٌ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَخْذُ الدُّرُوسِ عَلَى السَّبْقِ وَكَذَلِكَ الْفَتَاوَى وَالْحُكُومَاتِ وَنَحْوُهَا وَفِيهِ مُرَاجَعَةُ الْعَالِمِ إِذَا لَمْ يَفْهَمْ مَا يُجِيبُ بِهِ حَتَّى يَتَّضِحَ لِقَوْلِهِ كَيفَ اضاعتها وَبَوَّبَ عَلَيْهِ بن حِبَّانَ إِبَاحَةَ إِعْفَاءِ الْمَسْئُولِ عَنِ الْإِجَابَةِ عَلَى الْفَوْرِ وَلَكِنَّ سِيَاقَ الْقِصَّةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْعِلْمَ سُؤَالٌ وَجَوَابٌ وَمِنْ ثَمَّ قِيلَ حُسْنُ السُّؤَالِ نِصْفُ الْعِلْمِ وَقَدْ أَخَذَ بِظَاهِرِ هَذِهِ الْقِصَّةِ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمَا فِي الْخُطْبَةِ فَقَالُوا لَا نَقْطَعُ الْخُطْبَةَ لِسُؤَالِ سَائِلٍ بَلْ إِذَا فَرَغَ نُجِيُبُهُ وَفَصَلَ الْجُمْهُورُ بَيْنَ أَنْ يَقَعَ ذَلِكَ فِي أَثْنَاءِ وَاجِبَاتِهَا فَيُؤَخِّرُ الْجَوَابُ أَوْ فِي غَيْرِ الْوَاجِبَاتِ فَيُجِيبُ وَالْأَوْلَى حِينَئِذٍ التَّفْصِيلُ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُهْتَمُّ بِهِ فِي أَمْرِ الدِّينِ وَلَا سِيَّمَا إِنِ اخْتَصَّ بِالسَّائِلِ فَيُسْتَحَبُّ إِجَابَتُهُ ثُمَّ يُتِمُّ الْخُطْبَةَ وَكَذَا بَيْنَ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَيُؤَخَّرُ وَكَذَا قَدْ يَقَعُ فِي أَثْنَاءِ الْوَاجِبِ مَا يَقْتَضِي تَقْدِيمَ الْجَوَابِ لَكِنْ إِذَا أَجَابَ اسْتَأْنَفَ عَلَى الْأَصَحِّ وَيُؤْخَذُ ذَلِكَ كُلُّهُ مِنِ اخْتِلَافِ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ السُّؤَالُ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي لَيْسَتْ مَعْرِفَتُهَا عَلَى الْفَوْرِ مُهِمَّةً فَيُؤَخَّرُ كَمَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَلَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ تَرْكُ السُّؤَالِ عَنْ ذَلِكَ أَوْلَى وَقَدْ وَقَعَ نَظِيرُهُ فِي الَّذِي سَأَلَ عَنِ السَّاعَةِ وَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الصَّلَاةِ قَالَ أَيْنَ السَّائِلُ فَأَجَابَهُ أَخْرَجَاهُ وَإِنْ كَانَ السَّائِلُ بِهِ ضَرُورَةٌ نَاجِزَةٌ فَتُقَدَّمَ إِجَابَتُهُ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي رِفَاعَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَخْطُبُ رَجُلٌ غَرِيبٌ لَا يَدْرِي دِينَهُ جَاءَ يَسْأَلُ عَنْ دِينِهِ فَتَرَكَ خُطْبَتَهُ وَأَتَى بِكُرْسِيٍّ فَقَعَدَ عَلَيْهِ فَجَعَلَ يُعَلِّمُهُ ثُمَّ أَتَى خُطْبَتَهُ فَأَتَمَّ آخِرَهَا وَكَمَا فِي حَدِيثِ سَمُرَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ أَنَّ أَعْرَابِيًّا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الضَّبِّ وَكَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي قصَّة سَالم لَمَّا دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ فَقَالَ لَهُ أَصَلَّيْتَ رَكْعَتَيْنِ الْحَدِيثَ وَسَيَأْتِي فِي الْجُمُعَةِ وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ كَانَتِ الصَّلَاةُ تُقَامُ فَيَعْرِضُ الرَّجُلُ فَيُحَدِّثُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى رُبَّمَا نَعَسَ بَعْضُ الْقَوْمِ ثُمَّ يَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ وُقُوعُ ذَلِكَ بَيْنَ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [58] حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلاَقَةَ قَالَ: سَمِعْتُ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ يَوْمَ مَاتَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، قَامَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ: عَلَيْكُمْ بِاتِّقَاءِ اللَّهِ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَالْوَقَارِ وَالسَّكِينَةِ، حَتَّى يَأْتِيَكُمْ أَمِيرٌ، فَإِنَّمَا يَأْتِيكُمُ الآنَ، ثُمَّ قَالَ: اسْتَعْفُوا لأَمِيرِكُمْ، فَإِنَّهُ كَانَ يُحِبُّ الْعَفْوَ.
ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قُلْتُ: أُبَايِعُكَ عَلَى الإِسْلاَمِ.
فَشَرَطَ عَلَىَّ "وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ".
فَبَايَعْتُهُ عَلَى هَذَا، وَرَبِّ هَذَا الْمَسْجِدِ إِنِّي لَنَاصِحٌ لَكُمْ.
ثُمَّ اسْتَغْفَرَ وَنَزَلَ.
وبه قال: ( حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي بفتح السين الأولى نسبة إلى سدوس بن شيبان البصري المعروف بعارم بمهملتين المختلط بأخرة المتوفى بالبصرة سنة أربع عشرة ومائتين ( قال: حدّثنا أبو عوانة) بفتح العين والنون الوضاح اليشكري ( عن زياد بن علاقة) بكسر العين المهملة وبالقاف ابن مالك الثعلبي بالمثلثة والمهملة الكوفي المتوفى سنة خمس وعشرين ومائة.
( قال: سمعت جرير بن عبد الله) البجلي الأحمسي الصحابي المشهور، المتوفى سنة إحدى وخمسين، وله في البخاري عشرة أحاديث أي سمعت كلامه، فالمسموع هو الصوت والحروف فلما حذف هذا وقع ما بعده تفسيرًا له وهو قوله ( يقول) قال البيضاوي في تفسير قوله تعالى: { إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ} [آل عمران: 193] أوقع الفعل على المسمع وحذف المسموع لدلالة وصفه عليه وفيه مبالغة ليست في إيقاعه على نفس المسموع ( يوم) بالنصب على الظرفية أضيف إلى قوله: ( مات المغيرة بن شعبة) سنة خمسين من الهجرة وكان واليًا على الكوفة فى خلافة معاوية واستناب عند موته ولده عروة، وقيل استناب جريرًا ولذا خطب وقد: ( قام فحمد الله) أي أثنى عليه بالجميل عقب قيامه وجملة قام لا محل لها من الأعراب لأنها استئنافية ( وأثنى عليه) ذكره بالخير أو الأوّل وصف بالتحلّي بالكمال، والثاني وصف بالتخلي عن النقائص، وحينئذ فالأولى إشارة إلى الصفات الوجودية، والثانية إلى الصفات العدمية أي التنزيهات ( وقال: عليكم باتقاء الله) أي الزموه ( وحده) أي حال كونه منفردًا ( لا شريك له والوقار) أي الرزانة وهو بفتح الواو والجر عطفًا على اتّقاء أي وعليكم بالوقار ( والسكينة) أي السكون ( حتى يأتيكم أمير) بدل أميركم المغيرة المتوفى ( فإنما يأتيكم الأن) بالنصب على الظرفية أي المدة القريبة من الآن فيكون الأمير زيادًا إذ ولاّه معاوية بعد وفاة المغيرة الكوفة، أو المراد الآن حقيقة فيكون الأمير جريرًا بنفسه لما روي أن المغيرة استخلف جريرًا على الكوفة عند موته، وإنما أمرهم بما ذكره مقدمًا لتقوى الله تعالى، لأن لغالب أن وفاة الأمراء تؤدي إلى الاضطراب والفتنة سيما ما كان عليه أهل الكوفة إذ ذاك من مخالفة ولاة الأمور، ومفهوم الغاية من حتى هنا وهو أن المأمور به وهو الاتقاء ينتهي بمجيء الأمير ليس مرادًا، بل يلزم عند مجيء الأمير بطريق الأولى وشرط اعتبار مفهوم المخالفة أن لا يعارضه مفهوم الموافقة.
( ثم قال) جرير ( استعفوا) بالعين المهملة أي اطلبوا العفو ( لأميركم) المتوفى من الله تعالى ( فإنه) أي الأمير والفاء للتعليل ( كان يحب العفو) عن ذنوب الناس فالجزاء من جنس العمل، وفي رواية أبي الوقت وابن عساكر: استغفروا لأميركم بغين معجمة وزيادة راء ( ثم قال أما بعد) بالبناء على الضم ظرف زمان حذف منه المضاف إليه ونوى معناه وفيه معنى الشرط تلزم الفاء في تاليه والتقدير أما بعد كلامي هذا ( فإني أتيت النيي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قلت) لم يأت بأداة العطف لأنه بدل اشتمال من أتيت أو استئناف وفي رواية أبي الوقت فقلت له: يا رسول الله ( أبايعك على الإسلام.
فشرط)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( علي) بتشديد الياء أي الإسلام ( والنصح) بالجر عطفًا على قوله الإسلام وبالنصب عطفًا على المقدر أي شرط عليّ الإسلام وشرط النصح ( لكل مسلم) وكذا لكل ذمي بدعائه إلى الإسلام إرشاده إلى الصواب إذا استشار فالتقييد بالمسلم من حيث الأغلب، ( فبايعته على هذا) المذكور من الإسلام والنصح، ( وربّ هذا المسجد) أي مسجد الكوفة إن كانت خطبته ثم أو أشار به إلى المسجد الحرام، ويؤيده ما في رواية الطبراني بلفظ: ورب الكعبة تنبيهًا على شرف المقسم به ليكون أقرب إلى القلوب ( إني لناصح لكم) فيه إشارة إلى أنه وفى بما بايع به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأن كلامه عارٍ عن الأغراض الفاسدة، والجملة جواب القسم مؤكد بأن واللام والجملة الاسمية، ( ثم استغفر) الله ( ونزل) عن المنبر أو قعد من قيامه لأنه خطب قائمًا كما مرَّ.
وهذا الحديث من الرباعيات، ورواته ما بين كوفي وبصري وواسطي مع التحديث والسماع والعنعنة، وأخرجه المؤلف أيضًا في الشروط، ومسلم في الإيمان، والنسائي في البيعة والسير والشروط، والله أعلم.
بسم الله الرحمن الرحيم 3 - كتاب العلم أي بيان ما يتعلق به، وقدم على لاحقه لأن على العلم مدار كل شيء والعلم مصدر علمت أعلم علمًا وحدّه صفة توجب تمييزًا لا يحتمل النقيض في الأمور المعنوية، واحترزوا بقولهم لا يحتمل النقيض عن مثل الظن، وبقولهم في الأمور المعنوية عن إدراك الحواس لأن إدراكها في الأمور الظاهرة المحسوسة.
وقال بعضهم: لا يحدّ لعسر تحديده.
وقال الإمام فخر الدين: لأنه ضروري إذ لو لم يكن ضروريًّا لزم الدور.
( بسم الله الرحمن الرحيم) كذا في رواية الأصيلي وكريمة، وفي رواية أبي ذر وغيره ثبوتها قبل كتاب.
1 - باب فَضْلِ الْعِلْمِ، وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى { يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} وَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: { رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} ( باب فضل العلم) وكلا كتاب العلم وباب فضل العلم ثابت عند ابن عساكر، ( وقول الله تعالى) وفي رواية أبي ذر عز وجل، وقول بالجر عطفًا على المضاف إليه في قوله باب فضل العلم على رواية من أثبت الباب أو على العلم فى قوله كتاب العلم على رواية من حذفه، وقال الحافظ ابن حجر: ضبطناه في الأصول بالرفع على الاستئناف، وتعقبه العيني فقال: إن أراد بالاستئناف الجواب عن السؤال فإذا لا يصح لأنه ليس في الكلام ما يقتضي هذا، وإن أراد ابتداء الكلام فذا أيضًا لا يصح لأنه على تقدير الرفع لا يتأتى الكلام، لأن قوله وقول الله ليس بكلام فإذا رفع لا يخلو إما أن يكون رفعه بالفاعلية أو بالابتداء وكلّ منهما لا يصح، أما الأوّل فواضح، وأما الثاني فلعدم الخبر.
فإن قلت: الخبر محذوف! قلت: حذف الخبر لا يخلو إما أن يكون جوازًا أو وجوبًا، فالأوّل فيما إذا قامت قرينة كوقوعه في جواب الاستفهام عن المخبر به أو بعد إذا الفجائية أو يكون الخبر فعل قول وليس شيء من ذلك هاهنا، والثاني فيما إذا التزم في موضعه غيره وليس هذا أيضًا كذلك، فتعين بطلان دعوى الرفع.
( يرفع) برفع يرفع في الفرع والتلاوة بالكسر للساكنين وأصلحها في اليونينية بكشط الرفع وإثبات الكسر { الله الذين آمنوا منكم} بالنصر وحسن الذكر في الدنيا وإيوائكم غرف الجنان في الآخرة { والذين أُوتوا العلم درجات} نصب بالكسر مفعول يرفع أي، ويرفع العلماء منكم خاصة درجات بما جمعوا من العلم والعمل.
قال ابن عباس: درجات العلماء فوق المؤمنين بسبعمائة درجة ما بين الدرجتين خمسمائة عام { وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير} [المجادلة: 11] تهديد لمن لم يمتثل الأمر أو استكرهه.
( وقوله عز وجل: رب) وللأصيلي: وقل رب وَقُلْ رَبِّ { زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114] أي سله الزيادة منه، واكتفى المصنف في بيان فضيلة العلم بهاتين الآيتين، لأن القرآن العظيم أعظم الأدلة أو لأنّه لم يقع له حديث من هذا النوع على شرطه أو اخترمته المنيّة قبل أن يلحق بالباب حديثًا يناسبه لأنه كتب الأبواب والتراجم، ثم كان يلحق فيها ما يناسبها من الحديث على شرطه فلم يقع له شيء من ذلك، ولو لم يكن من فضيلة العلم إلا آية { شَهِدَ اللَّهُ} [آل عمران: 18] فبدأ الله تعالى بنفسه وثنى بملائكته وثلث بأهل العلم وناهيك بهذا شرفًا، والعلماء ورثة الأنبيباء كما ثبت في الحديث، وإذا كان لا رتبة فوق النبوّة فلا شرف فوق شرف الوراثة لتلك الرتبة، وغاية العلم العمل لأنه ثمرته وفائدة العمر وزاد الآخرة فمن ظفر به سعد ومن فاته خسر، فإذًا العلم أفضل من العمل به لأن شرفه بشرف معلومه، والعمل بلا علم لا يسمى عملاً بل هو ردّ وباطل، وينقسم العلم بانقسام المعلومات وهي لا تحصى.
فمنها: الظاهر والمراد به العلم الشرعي المقيد بما يلزم المكلف في أمر دينه عبادة ومعاملة وهو يدور على التفسير والفقه والحديث، وقد عدّ الشيخ عز الدين بن عبد السلام تعلم النحو وحفظ غريب الكتاب والسُّنَّة وتدوين أصول الفقه من البدع الواجبة.
ومنها: علم الباطن وهو نوعان.
الأوّل: علم المعاملة، وهو فرض عين في فتوى علماء الآخرة فالمعرض عنه هالك بسطوةمالك الملوك في الآخرة، كما أن المعرض عن الأعمال الظاهرة هالك بسيف سلاطين الدنيا بحكم فتوى فقهاء الدنيا، وحقيقته النظر في تصفية القلب وتهذيب النفس باتّقاء الأخلاق الذميمة التي ذمّها الشارع كالرياء والعجب والغش وحب العلو والثناء والفخر والطمع، ليتصف بالأخلاق الحميدة المحمدية كالإخلاص والشكر والصبر والزهد والتقوى والقناعة، ليصلح عند أحكامه ذلك لعلمه بعلمه ليرث ما لم يعلم، فعلمه بلا عمل وسيلة بلا غاية وعكسه جناية وإتقانهما بلا ورع كلفة بلا أجرة، فأهم الأمور زهد واستقامة لينتفع بعلمه ومحمله، وسأشير إلى نبذة منثورة في هذا الكتاب من مقاصد هذا النوع إن شاء الله تعالى بألطف إشارة، وأعبر عن مهماته الشريفة بأرشق عبارة جميعًا لفرائد الفوائد.
وأما النوع الثاني: فهو علم المكاشفة وهو نور يظهر في القلب عند تزكيته فتظهر به المعاني المجملة فتحصل له المعرفة بالله تعالى وأسمائه وصفاته وكتبه ورسله؛ وتنكشف له الأستار عن مخبآت الأسرار فافهم.
وسلم تسلم، ولا تكن من المنكرين تهلك مع الهالكين.
قال بعض العارفين: من لم يكن له من هذا العلم شيء أخشى عليه سوء الخاتمة وأدنى النصيب منه التصديق به وتسليمه لأهله، والله تعالى أعلم.
2 - باب مَنْ سُئِلَ عِلْمًا وَهُوَ مُشْتَغِلٌ فِي حَدِيثِهِ فَأَتَمَّ الْحَدِيثَ ثُمَّ أَجَابَ السَّائِلَ ( باب من سئل) بضم السين وكسر الهمزة ( علمًا) بالنصب مفعول ثانٍ ( وهو مشتغل في حديثه) جملة وقعت حالاً من الضمير، ( فأتم الحديث ثم أجاب السائل) عطفه بثم لتراخيه.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [58] حدّثنا أبُو النُّعْمانِ قَالَ حَدثنَا أبُو عَوَانَةَ عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلاقَةَ قَالَ سَمِعْتُ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ يَوْمَ مَاتَ المُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ قَامَ فَحمِدَ اللَّهَ وأثْنَى عَلَيْهِ وقالَ عَلَيْكُمْ بِإِتّقَاءِ اللَّهِ وحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ والوَقَارِ والسَّكِينَةِ حَتَّى يأْتِيَكُمُ أميرٌ فإِنَّماَ يأْتِيكُمْ الآْنَ ثُمَّ قالَ اسْتَعْفُوا لامِيركُمْ فإِنَّهُ كانَ يُحِبُّ العَفْوَ ثُمَّ قالَ أمّا بَعْدُ فإِنِّي أتَيْتُ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

.

قُلْتُ أُبَايِعُكَ عَلَى الإِسْلاَمِ فَشَرَطَ عَلَيَّ والنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ فَبَايَعْتُهُ عَلَى هَذَا ورَبِّ هَذَا المَسْجِدِ إنِّي لَنَاصِحٌ لَكُمْ ثُمَّ اسْتَغْفَرَ وَنَزَلَ.. هَذَا الحَدِيث يدل على بعض التَّرْجَمَة المستلزم للْبَعْض الآخر، إِذْ النصح لِأَخِيهِ الْمُسلم لكَونه مُسلما إِنَّمَا هُوَ فرع الْإِيمَان بِاللَّه وَرَسُوله.
بَيَان رِجَاله: وهم أَرْبَعَة.
الأول: أَبُو النُّعْمَان مُحَمَّد بن الْفضل، السدُوسِي الْبَصْرِيّ، الْمَعْرُوف بعارم، بمهملتين، وَهُوَ لقب رَدِيء، لِأَن العارم: الشرير الْمُفْسد.
يُقَال: عرم يعرم عرامة، بِالْفَتْح، وَصبي عَارِم أَي: شرير بَين العرام، بِالضَّمِّ.
وَكَانَ رَحمَه الله بَعيدا مِنْهُ، لَكِن لزمَه هَذَا اللقب فاشتهر بِهِ، سمع ابْن الْمُبَارك وخلائق، وروى عَنهُ البُخَارِيّ وَغَيره من الْأَعْلَام، قَالَ أَبُو حَاتِم: إِذا حَدثَك عَارِم فاختم عَلَيْهِ..
     وَقَالَ  عبد الرَّحْمَن: سَمِعت أبي يَقُول: اخْتَلَط أَبُو النُّعْمَان فِي آخر عمره وَزَالَ عقله، فَمن سمع مِنْهُ قبل الِاخْتِلَاط فسماعه صَحِيح.
وَكتب عَنهُ قبل الِاخْتِلَاط سنة أَربع عشرَة وَمِائَتَيْنِ، وروى عَنهُ مُسلم بِوَاسِطَة، وَالْأَرْبَعَة كَذَلِك، مَاتَ سنة أَربع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ بِالْبَصْرَةِ.
الثَّانِي: أَبُو عوَانَة، بِالْفَتْح، واسْمه الوضاح الْيَشْكُرِي، وَقد تقدم.
الثَّالِث: زِيَاد بن علاقَة، بِكَسْر الْعين الْمُهْملَة وبالقاف، ابْن مَالك الثَّعْلَبِيّ، بالثاء الْمُثَلَّثَة، الْكُوفِي، أَبُو مَالك، سمع جَرِيرًا وَعَمه قُطْبَة بن مَالك وَغَيرهمَا من الصَّحَابَة، وَغَيرهم.
وَعنهُ جماعات من التَّابِعين مِنْهُم الْأَعْمَش، وَكَانَ يخضب بِالسَّوَادِ.
قَالَ يحيى بن معِين: ثِقَة، مَاتَ سنة خمس وَعشْرين وَمِائَة.
الرَّابِع: جرير رَضِي الله عَنهُ.
بَيَان الْأَنْسَاب: السدُوسِي: بِفَتْح السِّين الأولى: نِسْبَة إِلَى سدوس، اسْم قَبيلَة..
     وَقَالَ  الرشاطي: السدُوسِي، فِي بكر بن وَائِل، وَفِي تَمِيم.
فَالَّذِي فِي بكر بن وَائِل: سدوس بن شَيبَان بن ذهل بن ثَعْلَبَة بن عكابة بن صَعب بن عَليّ بن بكر بن وَائِل، مِنْهُم من الصَّحَابَة قُطْبَة بن قَتَادَة، وَالَّذِي فِي تَمِيم: سدوس بن دارم بن مَالك بن حَنْظَلَة بن مَالك بن زيد مَنَاة، وَأعلم أَن كل سدوسي فِي الْعَرَب بِفَتْح السِّين إلاَّ سدوس بن أصمع بن أبي بن عبيد بن ربيعَة بن نصر بن سعد بن نَبهَان بن طي،.

     وَقَالَ  ابْن دُرَيْد: السدوس: الطيلسان.
الثَّعْلَبِيّ: بالثاء الْمُثَلَّثَة فِي غطفان: ثَعْلَبَة بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان، وَفِي أَسد بن خُزَيْمَة: ثَعْلَبَة بن دودان بن أَسد بن خُزَيْمَة.
بَيَان لطائف إِسْنَاده: مِنْهَا: أَن فِيهِ التحديث والعنعنة وَالسَّمَاع.
وَمِنْهَا: أَن رُوَاته مَا بَين كُوفِي وبصري وواسطي.
وَمِنْهَا: أَنه من رباعيات البُخَارِيّ.
بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ هَهُنَا كَمَا ترى، وَأخرجه فِي الشُّرُوط عَن أبي نعيم عَن الثَّوْريّ، وَأخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن أبي بكر بن شيبَة وَزُهَيْر بن حَرْب وَمُحَمّد بن عبد الله بن نمير، ثَلَاثَتهمْ عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن الثَّوْريّ بِهِ.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْبيعَة، وَفِي السّير عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن يزِيد المَقْبُري، عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة، وَفِي الشُّرُوط عَن مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى عَن خَالِد عَن شُعْبَة عَنهُ نَحوه.
التَّرْكِيب أَن يكون مجروراً، عطفا على الْمُضَاف إِلَيْهِ فِي قَوْله: بَاب فضل الْعلم، على تَقْدِير: وجود الْبَاب، أَو على الْعلم فِي قَوْله: كتاب الْعلم، على تَقْدِير عدم وجوده..
     وَقَالَ  بَعضهم: ضبطناه فِي الْأُصُول بِالرَّفْع على الِاسْتِئْنَاف.
قلت: إِن أَرَادَ بالاستئناف الْجَواب على السُّؤَال فَذا لَا يَصح، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْكَلَام مَا يَقْتَضِي هَذَا، وَإِن أَرَادَ الِابْتِدَاء الْكَلَام، فَذا أَيْضا لَا يَصح، لِأَنَّهُ على تَقْدِير الرّفْع لَا يَتَأَتَّى الْكَلَام، لِأَن قَوْله: وَقَول الله، لَيْسَ بِكَلَام، فَإِذا رفع لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون رَفعه بالفاعلية، أَو بِالِابْتِدَاءِ، وكل مِنْهُمَا لَا يَصح، أما الأول فَظَاهر، وَأما الثَّانِي فلعدم الْخَبَر.
فَإِن قلت: الْخَبَر مَحْذُوف.
قلت: حذف الْخَبَر لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون جَوَازًا أَو وجوبا.
فَالْأول: فِيمَا إِذا قَامَت قرينَة، وَهِي وُقُوعه فِي جَوَاب الِاسْتِفْهَام عَن الْمخبر بِهِ، أَو بعد إِذا المفاجأة، أَو يكون الْخَبَر قبل قَول وَلَيْسَ شَيْء من ذَلِك هَهُنَا.
وَالثَّانِي: إِذا الْتزم فِي مَوْضِعه غَيره، وَلَيْسَ هَذَا أَيْضا كَذَلِك، فَتعين بطلَان دَعْوَى الرّفْع.
2 - ( بَاب مَنْ سُئِلَ عِلْماً وَهوَ مُشْتَغِلٌ فِي حَدِيثِهِ فَأتَمَّ الحَدِيثَ ثُمَّ أجابَ السَّائِلَ.
)
الْكَلَام فِيهِ على وَجْهَيْن: الأول: أَن بَاب، مَرْفُوع لِأَنَّهُ خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف مُضَاف إِلَى قَوْله: من سُئِلَ، وَمن، مَوْصُولَة.
قَوْله: سُئِلَ، على صِيغَة الْمَجْهُول، جملَة من الْفِعْل وَالْمَفْعُول النَّائِب عَن الْفَاعِل وَقعت صلَة لَهَا.
وَقَوله: علما، نصب لِأَنَّهُ مفعول ثَان، وَقَوله: وَهُوَ مشتغل فِي حَدِيثه، جملَة وَقعت حَالا عَن الضَّمِير الَّذِي فِي: سُئِلَ، وَذكر قَوْله: فَأَتمَّ، بِالْفَاءِ وَقَوله: ثمَّ أجَاب، بِكَلِمَة: ثمَّ، لِأَن إتْمَام الحَدِيث حصل عقيب الِاشْتِغَال بِهِ.
وَالْجَوَاب بعد الْفَرَاغ مِنْهُ.
الثَّانِي: وَجه الْمُنَاسبَة بَين الْبَابَيْنِ على تَقْدِير وجود الْبَاب السَّابِق فِي بعض النّسخ، من حَيْثُ إِن الْبَاب الأول، وَإِن كَانَ الْمَذْكُور فِيهِ فضل الْعلم، وَلَكِن المُرَاد التَّنْبِيه على فضل الْعلمَاء، كَمَا حققنا الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ، وَهَذَا الْبَاب فِيهِ حَال الْعَالم المسؤول مِنْهُ عَن مَسْأَلَة معضلة، وَلَا يسْأَل عَن الْمسَائِل المعضلات إِلَّا الْعلمَاء الْفُضَلَاء الْعَامِلُونَ الداخلون فِي قَوْله تَعَالَى: { يرفع الله الَّذين آمنُوا مِنْكُم وَالَّذين أُوتُوا الْعلم دَرَجَات} ( المجادلة: 11) .
وَأما على تَقْدِير عدم الْبَاب السَّابِق فِي النّسخ، فالابتداء بِهَذَا الْبَاب الْإِشَارَة إِلَى مَا قيل من أَن الْعلم سُؤال وَجَوَاب، وَالسُّؤَال نصف الْعلم، فتميز هَذَا الْبَاب عَن بَقِيَّة الْأَبْوَاب الَّتِي تضمنها كتاب الْعلم، فَاسْتحقَّ بذلك التصدير على بَقِيَّة الْأَبْوَاب.
فَافْهَم.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [ قــ :58 ... غــ :58] .

     قَوْلُهُ  سَمِعْتُ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْمَسْمُوعُ مِنْ جَرِيرٍ حَمْدَ اللَّهِ وَالثَّنَاءَ عَلَيْهِ فَالتَّقْدِيرُ سَمِعْتُ جَرِيرًا حَمِدَ اللَّهَ وَالْبَاقِي شَرْحٌ لِلْكَيْفِيَّةِ .

     قَوْلُهُ  يَوْمَ مَاتَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ كَانَ الْمُغِيرَةُ وَالِيًا عَلَى الْكُوفَةِ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ وَكَانَتْ وَفَاتُهُ سَنَةَ خَمْسِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ وَاسْتَنَابَ عِنْدَ مَوْتِهِ ابْنَهُ عُرْوَةَ وَقِيلَ اسْتَنَابَ جرير الْمَذْكُورَ وَلِهَذَا خَطَبَ الْخُطْبَةَ الْمَذْكُورَةَ حَكَى ذَلِكَ الْعَلَائِيُّ فِي أَخْبَارِ زِيَادٍ وَالْوَقَارُ بِالْفَتْحِ الرَّزَانَةُ وَالسَّكِينَةُ السُّكُونُ وَإِنَّمَا أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ مُقَدِّمًا لِتَقْوَى اللَّهِ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ وَفَاةَ الْأُمَرَاءِ تُؤَدِّي إِلَى الِاضْطِرَابِ وَالْفِتْنَةِ وَلَا سِيَّمَا مَا كَانَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْكُوفَةِ إِذْ ذَاكَ مِنْ مُخَالَفَةِ وُلَاةِ الْأُمُورِ .

     قَوْلُهُ  حَتَّى يَأْتِيَكُمْ أَمِيرٌ أَيْ بَدَلَ الْأَمِيرِ الَّذِي مَاتَ وَمَفْهُومُ الْغَايَةِ هُنَا وَهُوَ أَن الْمَأْمُور بِهِ ينتهى بمجيء مَفْهُومُ الْمُوَافَقَةِ .

     قَوْلُهُ  الْآنَ أَرَادَ بِهِ تَقْرِيبَ الْمُدَّةِ تَسْهِيلًا عَلَيْهِمْ وَكَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ مُعَاوِيَةَ لَمَّا بَلَغَهُ مَوْتُ الْمُغِيرَةِ كَتَبَ إِلَى نَائِبِهِ عَلَى الْبَصْرَةِ وَهُوَ زِيَادٌ أَنْ يَسِيرَ إِلَى الْكُوفَةِ أَمِيرًا عَلَيْهَا .

     قَوْلُهُ  اسْتَعْفُوا لِأَمِيرِكُمْ أَيِ اطْلُبُوا لَهُ الْعَفْوَ مِنَ اللَّهِ كَذَا فِي مُعظم الرِّوَايَات بِالْعينِ الْمُهْملَة وَفِي رِوَايَة بن عَسَاكِر اسْتَغْفرُوا بغين مُعْجمَة وَزِيَادَة رَآهُ وَهِيَ رِوَايَةُ الْإِسْمَاعِيلِيِّ فِي الْمُسْتَخْرَجِ .

     قَوْلُهُ  فَإِنَّهُ كَانَ يُحِبُّ الْعَفْوَ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْجَزَاءَ يَقَعُ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ .

     قَوْلُهُ .

.

قُلْتُ أُبَايِعُكَ تَرَكَ أَدَاةَ الْعَطْفِ إِمَّا لِأَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ أَتَيْتُ أَوِ اسْتِئْنَافٌ .

     قَوْلُهُ  وَالنُّصْحِ بِالْخَفْضِ عَطْفًا عَلَى الْإِسْلَامِ وَيَجُوزُ نَصْبُهُ عَطْفًا عَلَى مُقَدَّرِ أَيْ شَرَطَ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالنَّصِيحَةِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى كَمَالِ شَفَقَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

     قَوْلُهُ  عَلَى هَذَا أَيْ عَلَى مَا ذُكِرَ .

     قَوْلُهُ  وَرَبِّ هَذَا الْمَسْجِدِ مُشْعِرٌ بِأَنَّ خُطْبَتَهُ كَانَتْ فِي الْمَسْجِدِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَشَارَ إِلَى جِهَةِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ الطَّبَرَانِيِّ بِلَفْظِ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ وَذَكَرَ ذَلِكَ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى شَرَفِ الْمُقْسَمِ بِهِ لِيَكُونَ أَدْعَى لِلْقَبُولِ .

     قَوْلُهُ  لَنَاصِحٌ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ وَفَّى بِمَا بَايَعَ عَلَيْهِ الرَّسُولُ وَأَنَّ كَلَامَهُ خَالِصٌ عَنِ الْغَرَضِ .

     قَوْلُهُ  وَنَزَلَ مُشْعِرٌ بِأَنَّهُ خَطَبَ عَلَى الْمِنْبَرِ أَوِ الْمُرَادُ قَعَدَ لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ قَوْلِهِ قَامَ فَحَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى فَائِدَةٌ التَّقْيِيدُ بِالْمُسْلِمِ لِلْأَغْلَبِ وَإِلَّا فَالنُّصْحُ لِلْكَافِرِ مُعْتَبَرٌ بِأَنْ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَيُشَارُ عَلَيْهِ بِالصَّوَابِ إِذَا اسْتَشَارَ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي البيع على بَيْعه وَنَحْوِ ذَلِكَ فَجَزَمَ أَحْمَدُ أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَصُّ بِالْمُسْلِمِينَ وَاحْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ فَائِدَةٌ أُخْرَى خَتَمَ الْبُخَارِيُّ كِتَابَ الْإِيمَانِ بِبَابِ النَّصِيحَةِ مُشِيرًا إِلَى أَنَّهُ عَمِلَ بِمُقْتَضَاهُ فِي الْإِرْشَادِ إِلَى الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ دُونَ السَّقِيمِ ثُمَّ خَتَمَهُ بِخُطْبَةِ جَرِيرٍ الْمُتَضَمِّنَةِ لِشَرْحِ حَالِهِ فِي تَصْنِيفِهِ فَأَوْمَأَ بِقَوْلِهِ فَإِنَّمَا يَأْتِيكُمُ الْآنَ إِلَى وُجُوبِ التَّمَسُّكِ بِالشَّرَائِعِ حَتَّى يَأْتِيَ مَنْ يُقِيمُهَا إِذْ لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مَنْصُورَةً وَهُمْ فُقَهَاءُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَبِقَوْلِهِ اسْتَعْفُوا لِأَمِيرِكُمْ إِلَى طَلَبِ الدُّعَاءِ لَهُ لِعَمَلِهِ الْفَاضِلِ ثُمَّ خَتَمَ بِقَوْلِ اسْتَغْفَرَ وَنَزَلَ فَأَشْعَرَ بِخَتْمِ الْبَابِ ثُمَّ عَقَّبَهُ بِكِتَابِ الْعِلْمِ لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ النَّصِيحَةِ أَنَّ مُعْظَمَهَا يَقَعُ بِالتَّعَلُّمِ وَالتَّعْلِيمِ خَاتِمَةٌ اشْتَمَلَ كِتَابُ الْإِيمَانِ وَمُقَدِّمَتُهُ مِنْ بَدْءِ الْوَحْيِ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ على أحد وَثَمَانِينَ حَدِيثًا بِالْمُكَرَّرِ مِنْهَا فِي بَدْءِ الْوَحْيِ خَمْسَةَ عَشَرَ وَفِي الْإِيمَانِ سِتَّةٌ وَسِتُّونَ الْمُكَرَّرُ مِنْهَا ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ مِنْهَا فِي الْمُتَابَعَاتِ بِصِيغَةِ الْمُتَابَعَةِ أَوِ التَّعْلِيقِ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ ثَمَانِيَةٌ وَفِي الْإِيمَانِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَمِنَ الْمَوْصُولِ الْمُكَرَّرِ ثَمَانِيَةٌ وَمِنَ التَّعْلِيقِ الَّذِي لَمْ يُوصَلْ فِي مَكَانٍ آخَرَ ثَلَاثَةٌ وَبَقِيَّةُ ذَلِكَ وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ حَدِيثًا مَوْصُولَةٌ بِغَيْرِ تَكْرِيرٍ وَقَدْ وَافَقَهُ مُسْلِمٌ عَلَى تَخْرِيجِهَا إِلَّا سَبْعَةً وَهِيَ الشَّعْبِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فِي الْمُسْلِمِ وَالْمُهَاجِرِ وَالْأَعْرَجُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي حُبِّ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبن أَبِي صَعْصَعَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ فِي الْفِرَارِ مِنَ الْفِتَنِ وَأَنَسٌ عَنْ عُبَادَةَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَسَعِيدٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الدِّينِ يُسْرٌ وَالْأَحْنَفُ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ فِي الْقَاتِلِ وَالْمَقْتُولِ وَهِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ فِي أَنَا أَعْلَمُكُمْ بِاللَّهِ وَجَمِيعُ مَا فِيهِ مِنَ الْمَوْقُوفَاتِ عَلَى الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ أَثَرًا معلقَة غير أثر بن النَّاطُورِ فَهُوَ مَوْصُولٌ وَكَذَا خُطْبَةُ جَرِيرٍ الَّتِي ختم بهَا كتاب الْإِيمَان وَالله أعلم.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
[ قــ :58 ... غــ : 58 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلاَقَةَ قَالَ: سَمِعْتُ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ يَوْمَ مَاتَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، قَامَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ.

     وَقَالَ : عَلَيْكُمْ بِاتِّقَاءِ اللَّهِ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَالْوَقَارِ وَالسَّكِينَةِ، حَتَّى يَأْتِيَكُمْ أَمِيرٌ، فَإِنَّمَا يَأْتِيكُمُ الآنَ، ثُمَّ قَالَ: اسْتَعْفُوا لأَمِيرِكُمْ، فَإِنَّهُ كَانَ يُحِبُّ الْعَفْوَ.
ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قُلْتُ: أُبَايِعُكَ عَلَى الإِسْلاَمِ.
فَشَرَطَ عَلَىَّ "وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ".
فَبَايَعْتُهُ عَلَى هَذَا، وَرَبِّ هَذَا الْمَسْجِدِ إِنِّي لَنَاصِحٌ لَكُمْ.
ثُمَّ اسْتَغْفَرَ وَنَزَلَ.

وبه قال: ( حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي بفتح السين الأولى نسبة إلى سدوس بن شيبان البصري المعروف بعارم بمهملتين المختلط بأخرة المتوفى بالبصرة سنة أربع عشرة ومائتين ( قال: حدّثنا أبو عوانة) بفتح العين والنون الوضاح اليشكري ( عن زياد بن علاقة) بكسر العين المهملة وبالقاف ابن مالك الثعلبي بالمثلثة والمهملة الكوفي المتوفى سنة خمس وعشرين ومائة.


( قال: سمعت جرير بن عبد الله) البجلي الأحمسي الصحابي المشهور، المتوفى سنة إحدى وخمسين، وله في البخاري عشرة أحاديث أي سمعت كلامه، فالمسموع هو الصوت والحروف فلما حذف هذا وقع ما بعده تفسيرًا له وهو قوله ( يقول) قال البيضاوي في تفسير قوله تعالى: { إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ} [آل عمران: 193] أوقع الفعل على المسمع وحذف المسموع لدلالة وصفه عليه وفيه مبالغة ليست في إيقاعه على نفس المسموع ( يوم) بالنصب على الظرفية أضيف إلى قوله: ( مات المغيرة بن شعبة) سنة خمسين من الهجرة وكان واليًا على الكوفة فى خلافة معاوية واستناب عند موته ولده عروة، وقيل استناب جريرًا ولذا خطب وقد:
( قام فحمد الله) أي أثنى عليه بالجميل عقب قيامه وجملة قام لا محل لها من الأعراب لأنها استئنافية ( وأثنى عليه) ذكره بالخير أو الأوّل وصف بالتحلّي بالكمال، والثاني وصف بالتخلي عن النقائص، وحينئذ فالأولى إشارة إلى الصفات الوجودية، والثانية إلى الصفات العدمية أي التنزيهات ( وقال: عليكم باتقاء الله) أي الزموه ( وحده) أي حال كونه منفردًا ( لا شريك له والوقار) أي الرزانة وهو بفتح الواو والجر عطفًا على اتّقاء أي وعليكم بالوقار ( والسكينة) أي السكون ( حتى يأتيكم أمير) بدل أميركم المغيرة المتوفى ( فإنما يأتيكم الأن) بالنصب على الظرفية أي المدة القريبة من الآن فيكون الأمير زيادًا إذ ولاّه معاوية بعد وفاة المغيرة الكوفة، أو المراد الآن حقيقة فيكون الأمير جريرًا بنفسه
لما روي أن المغيرة استخلف جريرًا على الكوفة عند موته، وإنما أمرهم بما ذكره مقدمًا لتقوى الله تعالى، لأن لغالب أن وفاة الأمراء تؤدي إلى الاضطراب والفتنة سيما ما كان عليه أهل الكوفة إذ

ذاك من مخالفة ولاة الأمور، ومفهوم الغاية من حتى هنا وهو أن المأمور به وهو الاتقاء ينتهي بمجيء الأمير ليس مرادًا، بل يلزم عند مجيء الأمير بطريق الأولى وشرط اعتبار مفهوم المخالفة أن لا يعارضه مفهوم الموافقة.

( ثم قال) جرير ( استعفوا) بالعين المهملة أي اطلبوا العفو ( لأميركم) المتوفى من الله تعالى ( فإنه) أي الأمير والفاء للتعليل ( كان يحب العفو) عن ذنوب الناس فالجزاء من جنس العمل، وفي رواية أبي الوقت وابن عساكر: استغفروا لأميركم بغين معجمة وزيادة راء ( ثم قال أما بعد) بالبناء على الضم ظرف زمان حذف منه المضاف إليه ونوى معناه وفيه معنى الشرط تلزم الفاء في تاليه والتقدير أما بعد كلامي هذا ( فإني أتيت النيي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قلت) لم يأت بأداة العطف لأنه بدل اشتمال من أتيت أو استئناف وفي رواية أبي الوقت فقلت له: يا رسول الله ( أبايعك على الإسلام.
فشرط)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( علي) بتشديد الياء أي الإسلام ( والنصح) بالجر عطفًا على قوله الإسلام وبالنصب عطفًا على المقدر أي شرط عليّ الإسلام وشرط النصح ( لكل مسلم) وكذا لكل ذمي بدعائه إلى الإسلام إرشاده إلى الصواب إذا استشار فالتقييد بالمسلم من حيث الأغلب، ( فبايعته على هذا) المذكور من الإسلام والنصح، ( وربّ هذا المسجد) أي مسجد الكوفة إن كانت خطبته ثم أو أشار به إلى المسجد الحرام، ويؤيده ما في رواية الطبراني بلفظ: ورب الكعبة تنبيهًا على شرف المقسم به ليكون أقرب إلى القلوب ( إني لناصح لكم) فيه إشارة إلى أنه وفى بما بايع به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأن كلامه عارٍ عن الأغراض الفاسدة، والجملة جواب القسم مؤكد بأن واللام والجملة الاسمية، ( ثم استغفر) الله ( ونزل) عن المنبر أو قعد من قيامه لأنه خطب قائمًا كما مرَّ.
وهذا الحديث من الرباعيات، ورواته ما بين كوفي وبصري وواسطي مع التحديث والسماع والعنعنة، وأخرجه المؤلف أيضًا في الشروط، ومسلم في الإيمان، والنسائي في البيعة والسير والشروط، والله أعلم.


هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
[ قــ :58 ... غــ :58 ]
- حدّثنا أبُو النُّعْمانِ قَالَ حَدثنَا أبُو عَوَانَةَ عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلاقَةَ قَالَ سَمِعْتُ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ يَوْمَ مَاتَ المُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ قَامَ فَحمِدَ اللَّهَ وأثْنَى عَلَيْهِ وقالَ عَلَيْكُمْ بِإِتّقَاءِ اللَّهِ وحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ والوَقَارِ والسَّكِينَةِ حَتَّى يأْتِيَكُمُ أميرٌ فإِنَّماَ يأْتِيكُمْ الآْنَ ثُمَّ قالَ اسْتَعْفُوا لامِيركُمْ فإِنَّهُ كانَ يُحِبُّ العَفْوَ ثُمَّ قالَ أمّا بَعْدُ فإِنِّي أتَيْتُ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

.

قُلْتُ أُبَايِعُكَ عَلَى الإِسْلاَمِ فَشَرَطَ عَلَيَّ والنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ فَبَايَعْتُهُ عَلَى هَذَا ورَبِّ هَذَا المَسْجِدِ إنِّي لَنَاصِحٌ لَكُمْ ثُمَّ اسْتَغْفَرَ وَنَزَلَ..
هَذَا الحَدِيث يدل على بعض التَّرْجَمَة المستلزم للْبَعْض الآخر، إِذْ النصح لِأَخِيهِ الْمُسلم لكَونه مُسلما إِنَّمَا هُوَ فرع الْإِيمَان بِاللَّه وَرَسُوله.

بَيَان رِجَاله: وهم أَرْبَعَة.
الأول: أَبُو النُّعْمَان مُحَمَّد بن الْفضل، السدُوسِي الْبَصْرِيّ، الْمَعْرُوف بعارم، بمهملتين، وَهُوَ لقب رَدِيء، لِأَن العارم: الشرير الْمُفْسد.
يُقَال: عرم يعرم عرامة، بِالْفَتْح، وَصبي عَارِم أَي: شرير بَين العرام، بِالضَّمِّ.
وَكَانَ رَحمَه الله بَعيدا مِنْهُ، لَكِن لزمَه هَذَا اللقب فاشتهر بِهِ، سمع ابْن الْمُبَارك وخلائق، وروى عَنهُ البُخَارِيّ وَغَيره من الْأَعْلَام، قَالَ أَبُو حَاتِم: إِذا حَدثَك عَارِم فاختم عَلَيْهِ..
     وَقَالَ  عبد الرَّحْمَن: سَمِعت أبي يَقُول: اخْتَلَط أَبُو النُّعْمَان فِي آخر عمره وَزَالَ عقله، فَمن سمع مِنْهُ قبل الِاخْتِلَاط فسماعه صَحِيح.
وَكتب عَنهُ قبل الِاخْتِلَاط سنة أَربع عشرَة وَمِائَتَيْنِ، وروى عَنهُ مُسلم بِوَاسِطَة، وَالْأَرْبَعَة كَذَلِك، مَاتَ سنة أَربع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ بِالْبَصْرَةِ.
الثَّانِي: أَبُو عوَانَة، بِالْفَتْح، واسْمه الوضاح الْيَشْكُرِي، وَقد تقدم.
الثَّالِث: زِيَاد بن علاقَة، بِكَسْر الْعين الْمُهْملَة وبالقاف، ابْن مَالك الثَّعْلَبِيّ، بالثاء الْمُثَلَّثَة، الْكُوفِي، أَبُو مَالك، سمع جَرِيرًا وَعَمه قُطْبَة بن مَالك وَغَيرهمَا من الصَّحَابَة، وَغَيرهم.
وَعنهُ جماعات من التَّابِعين مِنْهُم الْأَعْمَش، وَكَانَ يخضب بِالسَّوَادِ.
قَالَ يحيى بن معِين: ثِقَة، مَاتَ سنة خمس وَعشْرين وَمِائَة.
الرَّابِع: جرير رَضِي الله عَنهُ.

بَيَان الْأَنْسَاب: السدُوسِي: بِفَتْح السِّين الأولى: نِسْبَة إِلَى سدوس، اسْم قَبيلَة..
     وَقَالَ  الرشاطي: السدُوسِي، فِي بكر بن وَائِل، وَفِي تَمِيم.
فَالَّذِي فِي بكر بن وَائِل: سدوس بن شَيبَان بن ذهل بن ثَعْلَبَة بن عكابة بن صَعب بن عَليّ بن بكر بن وَائِل، مِنْهُم من الصَّحَابَة قُطْبَة بن قَتَادَة، وَالَّذِي فِي تَمِيم: سدوس بن دارم بن مَالك بن حَنْظَلَة بن مَالك بن زيد مَنَاة، وَأعلم أَن كل سدوسي فِي الْعَرَب بِفَتْح السِّين إلاَّ سدوس بن أصمع بن أبي بن عبيد بن ربيعَة بن نصر بن سعد بن نَبهَان بن طي،.

     وَقَالَ  ابْن دُرَيْد: السدوس: الطيلسان.
الثَّعْلَبِيّ: بالثاء الْمُثَلَّثَة فِي غطفان: ثَعْلَبَة بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان، وَفِي أَسد بن خُزَيْمَة: ثَعْلَبَة بن دودان بن أَسد بن خُزَيْمَة.

بَيَان لطائف إِسْنَاده: مِنْهَا: أَن فِيهِ التحديث والعنعنة وَالسَّمَاع.
وَمِنْهَا: أَن رُوَاته مَا بَين كُوفِي وبصري وواسطي.
وَمِنْهَا: أَنه من رباعيات البُخَارِيّ.

بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ هَهُنَا كَمَا ترى، وَأخرجه فِي الشُّرُوط عَن أبي نعيم عَن الثَّوْريّ، وَأخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن أبي بكر بن شيبَة وَزُهَيْر بن حَرْب وَمُحَمّد بن عبد الله بن نمير، ثَلَاثَتهمْ عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن الثَّوْريّ بِهِ.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْبيعَة، وَفِي السّير عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن يزِيد المَقْبُري، عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة، وَفِي الشُّرُوط عَن مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى عَن خَالِد عَن شُعْبَة عَنهُ نَحوه.
بَيَان اللُّغَات: قَوْله ( وَالْوَقار) ، بِفَتْح الْوَاو، الرزانة، ( والسكينة) ، السّكُون.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: السكينَة: الْوَدَاع، وَالْوَقار، قَوْله ( استعفوا) ، من الاستعفاء، وَهُوَ طلب الْعَفو، وَالْمعْنَى: اطْلُبُوا لَهُ الْعَفو من الله.
كَذَا هُوَ فِي أَكثر الرِّوَايَات، بِالْعينِ الْمُهْملَة وَالْوَاو فِي آخِره، وَفِي رِوَايَة ابْن عَسَاكِر: ( اسْتَغْفرُوا) ، بغين مُعْجمَة وَرَاء، من الاسْتِغْفَار، وَهِي رِوَايَة الْأصيلِيّ فِي ( الْمُسْتَخْرج) .

بَيَان الْإِعْرَاب: قَوْله ( سَمِعت) .
جملَة من الْفِعْل وَالْفَاعِل.
وَجَرِير بن عبد الله مَفْعُوله، وَفِيه تَقْدِير لَا يَصح الْكَلَام، إِلَّا بِهِ، لِأَن جَرِيرًا ذَات، والمسموع هُوَ الصَّوْت والحروف، وَهُوَ: سَمِعت قَول جرير بن عبد الله أَو نَحوه، فَلَمَّا حذف هَذَا وَقع مَا بعده تَفْسِيرا لَهُ، وَهُوَ قَوْله: يَقُول.
وَيَوْم نصب على الظَّرْفِيَّة أضيف إِلَى الْجُمْلَة، أَعنِي: قَوْله: مَاتَ الْمُغيرَة بن شُعْبَة.
قَوْله ( قَامَ) جملَة استئنافية لَا مَحل لَهَا من الْإِعْرَاب.
قَوْله ( فَحَمدَ الله) عطف عَلَيْهِ، أَي: عقيب قِيَامه حمد الله تَعَالَى.
قَوْله ( عَلَيْكُم) اسْم من أَسمَاء الْأَفْعَال مَعْنَاهُ: الزموا اتقاء الله.
قَوْله ( وَحده) ، نصب على الحالية، وَإِن كَانَ معرفَة لِأَنَّهُ مؤول إِمَّا بِأَنَّهُ فِي معنى وَاحِدًا، وَإِمَّا بِأَنَّهُ مصدر: وحد يحد وحداً، نَحْو وعد يعد وَعدا.
قَوْله ( لَا شريك لَهُ) ، جملَة تؤكد معنى: وَحده.
قَوْله ( وَالْوَقار) بِالْجَرِّ عطف على: باتقاء الله، أَي: وَعَلَيْكُم بالوقار والسكون.
قَوْله ( حَتَّى يأتيكم أَمِير) .
كلمة: حَتَّى، هَذِه للغاية، و: يأتيكم، مَنْصُوب بِأَن الْمقدرَة بعد حَتَّى.
فَإِن قلت: هَذَا يَقْتَضِي أَن لَا يكون بعد إتْيَان الْأَمِير الاتقاء وَالْوَقار والسكون، لِأَن حكم مَا بعد: حَتَّى، الَّتِي للغاية خلاف مَا قبل.
قلت: قَالَ الْكرْمَانِي: لَا نسلم أَن حكمه خلاف مَا قبله، سلمنَا لكنه غَايَة لِلْأَمْرِ بالاتقاء لَا للأمور الثَّلَاثَة، أَو غَايَة للوقار والسكون لَا للاتقاء، أَو غَايَة للثَّلَاثَة.
وَبعد الْغَايَة، يَعْنِي عِنْد إتْيَان الْأَمِير يلْزم ذَلِك بِالطَّرِيقِ الأولى، وَهَذَا مَبْنِيّ على قَاعِدَة أصولية وَهِي: إِن شَرط اعْتِبَار مَفْهُوم الْمُخَالفَة فقدان مَفْهُوم الْمُوَافقَة، وَإِذا اجْتمعَا يقدم الْمَفْهُوم الْمُوَافق على الْمُخَالف.
قلت: مَفْهُوم الْمُوَافقَة مَا كَانَ حكم الْمَسْكُوت عَنهُ مُوَافقا لحكم الْمَنْطُوق بِهِ، كمفهوم تَحْرِيم الضَّرْب للْوَالِدين، من تنصيص تَحْرِيم التأفيف لَهما، وَمَفْهُوم الْمُخَالفَة مَا كَانَ حكم الْمَسْكُوت عَنهُ مُخَالفا لحكم الْمَنْطُوق، كفهم نفي الزَّكَاة عَن العلوفة بتنصيصه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على وجوب الزَّكَاة فِي الْغنم السَّائِمَة.
قَوْله ( فَإِنَّمَا يأتيكم) أَي: الْأَمِير، وَكلمَة: إِنَّمَا، من أَدَاة الْحصْر.
قَوْله ( الْآن) ، نصب على الظّرْف.
قَوْله ( فَإِنَّهُ) الْفَاء: فِيهِ للتَّعْلِيل.
وَقَوله ( كَانَ يحب الْعَفو) ، جملَة فِي مَحل الرّفْع على أَنَّهَا خبر إِن.
قَوْله ( أما بعد) ، كلمة: أما، فِيهَا معنى الشَّرْط، فَلذَلِك كَانَت الْفَاء لَازِمَة لَهَا، و: بعد، من الظروف الزمانية، وَكَثِيرًا مَا يحذف مِنْهُ الْمُضَاف إِلَيْهِ ويبنى على الضَّم، وَيُسمى غَايَة.
وَهَهُنَا قد حذف، فَلذَلِك بني على الضَّم، وَالْأَصْل: أما بعد الْحَمد لله وَالثنَاء عَلَيْهِ، أَو التَّقْدِير: أما بعد كَلَامي هَذَا، فَإِنِّي أتيت: قَوْله ( قلت) جملَة من الْفِعْل وَالْفَاعِل بدل من قَوْله ( أتيت) فَلذَلِك ترك العاطف حَيْثُ لم يقل: وَقلت، أَو: هِيَ اسْتِئْنَاف.
وَقَوله: فَشرط على بتَشْديد الْيَاء فِي: على، على الصَّحِيح من الرِّوَايَات، وَالْمَفْعُول مَحْذُوف تَقْدِيره: فَشرط على الْإِسْلَام.
قَوْله ( والنصح) بِالْجَرِّ لِأَنَّهُ عطف على الْإِسْلَام، أَي: وعَلى النصح لكل مُسلم، وَيجوز فِيهِ النصب عطفا على مفعول شَرط مُقَدّر تَقْدِيره: وَشرط النصح لكل مُسلم.
قَوْله ( على) هَذَا إِشَارَة إِلَى الْمَذْكُور من الْإِسْلَام والنصح كليهمَا.
قَوْله ( وَرب هَذَا الْمَسْجِد) الْوَاو فِيهِ للقسم، وَأَشَارَ بِهِ إِلَى مَسْجِد الْكُوفَة.
قَوْله ( إِنِّي لناصح) جَوَاب الْقسم، وأكده بِأَن وَاللَّام وَالْجُمْلَة الإسمية.
قَوْله ( وَنزل) أَي: عَن الْمِنْبَر، أَو مَعْنَاهُ: قعد، لِأَنَّهُ فِي مُقَابلَة: قَامَ.
فَافْهَم.

بَيَان الْمعَانِي: قَوْله ( يَوْم مَاتَ الْمُغيرَة) .
كَانَت وَفَاته سنة خمسين من الْهِجْرَة، وَكَانَ والياً على الْكُوفَة فِي خلَافَة مُعَاوِيَة، واستناب عِنْد مَوته ابْنه عَرَفَة.
وَقيل: استناب جَرِيرًا الْمَذْكُور، وَلِهَذَا خطب الْخطْبَة الْمَذْكُورَة.
قَوْله ( فَحَمدَ الله) .
أَي اثنى عَلَيْهِ بالجميل، وَأثْنى عَلَيْهِ أَي: ذكره بِالْخَيرِ، وَيحْتَمل أَن يُرَاد بِالْحَمْد وَصفه متحلياً بالكمالات، وبالثناء وَصفه متخلياً عَن النقائص، فَالْأول إِشَارَة إِلَى الصِّفَات الوجودية، وَالثَّانِي: إِلَى الصِّفَات العدمية: أَي التنزيهات.
قَوْله ( حَتَّى يأتيكم أَمِير) أَي: بدل هَذَا الْأَمِير الَّذِي مَاتَ، وَهُوَ الْمُغيرَة.
فَإِن قلت: لم نصحهمْ بالحلم والسكون؟ قلت: لِأَن الْغَالِب أَن وَفَاة الْأُمَرَاء تُؤدِّي إِلَى الْفِتْنَة وَالِاضْطِرَاب بَين النَّاس، والهرج والمرج، وَأما ذكره الاتقاء فَلِأَنَّهُ ملاك الْأَمر وَرَأس كل خير، وَأَشَارَ بِهِ إِلَى مَا يتَعَلَّق بمصالح الدّين، وبالوقار والسكينة إِلَى مَا يتَعَلَّق بمصالح الدُّنْيَا.
وَقَوله ( فَإِنَّمَا يأتيكم الْآن) إِمَّا أَن يُرَاد بِهِ حَقِيقَته، فَيكون ذَلِك الْأَمِير جَرِيرًا بِنَفسِهِ.
لما روى أَن الْمُغيرَة اسْتخْلف جَرِيرًا على الْكُوفَة عِنْد مَوته على مَا ذكرنَا، أَو يُرِيد بِهِ الْمدَّة الْقَرِيبَة من الْآن فَيكون ذَلِك الْأَمِير زياداً، إِذْ ولاه مُعَاوِيَة بعد وَفَاة الْمُغيرَة الْكُوفَة.
قَوْله ( استعفوا) أَي: اسألوا الله تَعَالَى لأميركم الْعَفو فَإِنَّهُ كَانَ يحب الْعَفو عَن ذنُوب النَّاس، إِذْ يُعَامل بالشخص كَمَا هُوَ يُعَامل بِالنَّاسِ، وَفِي الْمثل السائر: كَمَا تدين تدان، وَقيل: كَمَا تكيل تكال..
     وَقَالَ  ابْن بطال: جعل الْوَسِيلَة إِلَى عَفْو الله بِالدُّعَاءِ بأغلب خلال الْخَيْر عَلَيْهِ، وَمَا كَانَ يُحِبهُ فِي حَيَاته، وَكَذَلِكَ يجزى كل أحد يَوْم الْقِيَامَة بِأَحْسَن أخلاقه وأعماله.
قَوْله ( وَرب هَذَا الْمَسْجِد) يشْعر بِأَن خطبَته كَانَت فِي الْمَسْجِد الْحَرَام، وَيجوز أَن تكون إِشَارَة إِلَى جِهَة الْمَسْجِد، وَيدل عَلَيْهِ رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ بِلَفْظ: وَرب الْكَعْبَة، ذكر ذَلِك للتّنْبِيه على شرف الْمقسم بِهِ، ليَكُون أدعى للقبول.
قَوْله ( إِنِّي لنا صَحَّ) فِيهِ إِشَارَة إِلَى أَنه وَفِي بِمَا بَايع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأَن كَلَامه صَادِق خَالص عَن الْأَغْرَاض الْفَاسِدَة.
فَإِن قلت: النصح للْكَافِرِ يَصح بِأَن يدعى إِلَى الْإِسْلَام ويشار عَلَيْهِ بِالصَّوَابِ إِذا اسْتَشَارَ فَلِمَ، قَيده بقوله ( لكل مُسلم) ، وَبِقَوْلِهِ: ( لكم) ؟ قلت: هَذَا التَّقْيِيد من حَيْثُ الْأَغْلَب فَقَط.
فَافْهَم.