6167 حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ يُوسُفَ ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ يَعْنِي إِصْبَعَيْنِ ، تَابَعَهُ إِسْرَائِيلُ ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ |
6167 حدثني يحيى بن يوسف ، أخبرنا أبو بكر ، عن أبي حصين ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : بعثت أنا والساعة كهاتين يعني إصبعين ، تابعه إسرائيل ، عن أبي حصين |
Narrated Abu Huraira:
The Prophet (ﷺ) said, I have been sent and the Hour (is at hand) as these two (fingers).
":"مجھ سے یحییٰ بن یوسف نے بیان کیا ، کہا ہم کو ابوبکر بن عیاش نے خبر دی ، انہیں ابو حصین نے ، انہیں ابوصالح نے ، انہیں حضرت ابوہریرہ رضی اللہ عنہ نےاور ان سے نبی کریم صلی اللہ علیہ وسلم نے فرمایا میں اور قیامت ان دوکی طرح بھیجے گئے ہیں ۔ آپ کی مراد دو انگلیوں سے تھی ۔ ابوبکر بن عیاش کے ساتھ اس حدیث کو اسرائیل نے بھی ابو حصین سے روایت کیا ہے ۔
شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث
[6505] حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ يُوسُفَ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ حَدَّثَنَا .
قَوْلُهُ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ فِي رِوَايَةِ غَيْرِ أَبِي ذَر أخبرنَا أَبُو بكر وَهُوَ بن عَيَّاشٍ .
قَوْلُهُ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ فِي رِوَايَةِ بن مَاجَهْ حَدَّثَنَا أَبُو حُصَيْنٍ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ أَوَّلَهُ وَأَبُو صَالِحٍ هُوَ ذَكْوَانُ وَالْإِسْنَادُ كُلُّهُ كُوفِيُّونَ .
قَوْلُهُ كَهَاتَيْنِ يَعْنِي أُصْبُعَيْنِ كَذَا فِي الْأَصْلِ وَوَقع عِنْد بن مَاجَهْ عَنْ هَنَّادِ بْنِ السَّرِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ وَجَمَعَ بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ عَنْ هَنَّادٍ بِلَفْظِ وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى بَدَلَ قَوْلِهِ يَعْنِي أُصْبُعَيْنِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ سُفْيَانَ عَنْ هَنَّادٍ بِلَفْظِ كَهَذِهِ مِنْ هَذِهِ يَعْنِي أُصْبُعَيْهِ وَلَهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ عَنِ الدَّوْرِيِّ وَأَشَارَ أَبُو بَكْرٍ بِأُصْبُعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالَّتِي تَلِيهَا وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ فِي رِوَايَةِ الطَّبَرِيِّ إِدْرَاجًا وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ ثَابِتَةٌ فِي الْمَرْفُوعِ لَكِنْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أُصْبُعَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشَارَ بِالْمُسَبِّحَةِ وَالَّتِي تَلِيهَا وَهُوَ يَقُولُ بعثت أَنا والساعة كهذه من هَذِه وَفِي رِوَايَةً لَهُ عَنْهُ وَجَمَعَ بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَالْمُرَادُ بِالسَّبَّابَةِ وَهِيَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ الْأُصْبُعَ الَّتِي بَيْنَ الْإِبْهَامِ وَالْوُسْطَى وَهِيَ الْمُرَادُ بِالْمُسَبِّحَةِ سُمِّيَتْ مُسَبِّحَةً لِأَنَّهَا يُشَارُ بِهَا عِنْدَ التَّسْبِيحِ وَتُحَرَّكُ فِي التَّشَهُّدِ عِنْدَ التَّهْلِيلِ إِشَارَةً إِلَى التَّوْحِيدِ وَسُمِّيَتْ سَبَّابَةً لِأَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا تَسَابُّوا أَشَارُوا بِهَا .
قَوْلُهُ تَابَعَهُ إِسْرَائِيلُ يَعْنِي بن يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ يَعْنِي بِالسَّنَدِ وَالْمَتْنِ وَقَدْ وَصَلَهُ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى عَنْ إِسْرَائِيلَ بِسَنَدِهِ قَالَ مِثْلَ رِوَايَةِ هَنَّادٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَقَدْ تَابَعَهُمَا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ قَالَ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ أَشَارَ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى اخْتِلَافِ أَلْفَاظِهِ إِلَى قِلَّةِ الْمُدَّةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّاعَةِ وَالتَّفَاوُتِ إِمَّا فِي الْمُجَاوَرَةِ وَإِمَّا فِي قَدْرِ مَا بَيْنَهُمَا وَيُعَضِّدُهُ .
قَوْلُهُ كَفَضْلِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْأُخْرَى.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ هَذَا الَّذِي يَتَّجِهُ أَنْ يُقَالَ وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ الْأَوَّلَ لَقَامَتِ السَّاعَةُ لاتصال إِحْدَى الاصبعين بِالْأُخْرَى قَالَ بن التِّينِ اخْتُلِفَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ كَهَاتَيْنِ فَقِيلَ كَمَا بَيْنَ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى فِي الطُّولِ وَقِيلَ الْمَعْنَى لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا نَبِيٌّ.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ حَاصِلُ الْحَدِيثِ تَقْرِيبُ أَمْرِ السَّاعَةِ وَسُرْعَةُ مَجِيئِهَا قَالَ وَعَلَى رِوَايَةِ النَّصْبِ يَكُونُ التَّشْبِيهُ وَقَعَ بِالِانْضِمَامِ وَعَلَى الرَّفْعِ وَقَعَ بِالتَّفَاوُتِ.
وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّ نِسْبَةَ تَقَدُّمِ الْبَعْثَةِالنَّبَوِيَّةِ عَلَى قِيَامِ السَّاعَةِ كَنِسْبَةِ فَضْلِ إِحْدَى الْأُصْبُعَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى وَقِيلَ الْمُرَادُ اسْتِمْرَارُ دَعَوْتِهِ لَا تَفْتَرِقُ إِحْدَاهُمَا عَنِ الْأُخْرَى كَمَا أَنَّ الْأُصْبُعَيْنِ لَا تَفْتَرِقُ إِحْدَاهُمَا عَنِ الْأُخْرَى وَرَجَّحَ الطِّيبِيُّ قَوْلَ الْبَيْضَاوِيِّ بِزِيَادَةِ الْمُسْتَوْرِدِ فِيهِ.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي التَّذْكِرَةِ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ تَقْرِيبُ أَمْرِ السَّاعَةِ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِحَدِيثِ الْبَابِ أَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّاعَةِ نَبِيٌّ كَمَا لَيْسَ بَيْنَ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى أُصْبُعٌ أُخْرَى وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ عِلْمُ وَقْتِهَا بِعَيْنِهِ لَكِنَّ سِيَاقَهُ يُفِيدُ قُرْبِهَا وَأَنَّ أَشْرَاطَهَا مُتَتَابِعَةٌ كَمَا قَالَ تَعَالَى فقد جَاءَ اشراطها قَالَ الضَّحَّاكُ أَوَّلُ أَشْرَاطِهَا بَعْثَةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْحِكْمَةُ فِي تَقَدُّمِ الْأَشْرَاطِ إِيقَاظُ الْغَافِلِينَ وَحَثُّهُمْ عَلَى التَّوْبَةِ وَالِاسْتِعْدَادِ.
وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ قِيلَ مَعْنَاهُ الْإِشَارَةُ إِلَى قُرْبِ الْمُجَاوَرَةِ وَقِيلَ إِلَى تَفَاوُتِ مَا بَيْنَهُمَا طُولًا وَعَلَى هَذَا فَالنَّظَرُ فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ إِلَى الْعَرْضِ وَقِيلَ الْمُرَادُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا وَاسِطَةٌ وَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّ اللَّهَ عِنْده علم السَّاعَة وَنَحْوُ ذَلِكَ لِأَنَّ عِلْمَ قُرْبِهَا لَا يَسْتَلْزِمُ عِلْمَ وَقْتِ مَجِيئِهَا مُعَيَّنًا وَقِيلَ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَ الْقِيَامَةِ شَيْءٌ هِيَ الَّتِي تَلِينِي كَمَا تَلِي السَّبَّابَةُ الْوُسْطَى وَعَلَى هَذَا فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ تَعَالَى عَنِ السَّاعَةِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ.
وَقَالَ عِيَاضٌ حَاوَلَ بَعْضُهُمْ فِي تَأْوِيلِهِ أَنَّ نِسْبَةَ مَا بَيْنَ الْأُصْبُعَيْنِ كَنِسْبَةِ مَا بَقِيَ مِنَ الدُّنْيَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا مَضَى وَأَنَّ جُمْلَتَهَا سَبْعَةُ آلَافِ سَنَةٍ وَاسْتَنَدَ إِلَى أَخْبَارٍ لَا تَصِحُّ وَذَكَرَ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي تَأْخِيرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ نِصْفَ يَوْمٍ وَفَسَّرَهُ بِخَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ فَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الَّذِي بَقِيَ نِصْفُ سُبُعٍ وَهُوَ قَرِيبٌ مِمَّا بَيْنَ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى فِي الطُّولِ قَالَ وَقَدْ ظَهَرَ عَدَمُ صِحَّةِ ذَلِكَ لِوُقُوعِ خِلَافِهُ وَمُجَاوَزَةِ هَذَا الْمِقْدَارِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ ثَابِتًا لَمْ يَقَعْ خِلَافُهُ.
.
قُلْتُ وَقَدِ انْضَافَ إِلَى ذَلِكَ مُنْذُ عَهْدِ عِيَاضٍ إِلَى هَذَا الْحِين ثَلَاثمِائَة سنة.
وَقَالَ بن الْعَرَبِيِّ قِيلَ الْوُسْطَى تَزِيدُ عَلَى السَّبَّابَةِ نِصْفَ سبعها وَكَذَلِكَ الْبَاقِي من الدُّنْيَا مِنَ الْبَعْثَةِ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ قَالَ وَهَذَا بَعِيدٌ وَلَا يُعْلَمُ مِقْدَارُ الدُّنْيَا فَكَيْفَ يَتَحَصَّلُ لَنَا نِصْفُ سُبُعِ أَمَدٍ مَجْهُولٍ فَالصَّوَابُ الْإِعْرَاضُ عَنْ ذَلِكَ.
.
قُلْتُ السَّابِقُ إِلَى ذَلِكَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ فَإِنَّهُ أَوْرَدَ فِي مُقَدّمَة تَارِيخه عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ الدُّنْيَا جُمُعَةٌ مِنْ جُمَعِ الْآخِرَةِ سَبْعَةُ آلَافِ سَنَةٍ وَقَدْ مَضَى سِتَّةُ آلَافِ وَمِائَةُ سَنَةٍ وَأَوْرَدَهُ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ يَعْقُوبَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْهُ وَيَحْيَى هُوَ أَبُو طَالِبٍ الْقَاصُّ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ الْبُخَارِيُّ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ وَشَيْخُهُ هُوَ فَقِيهُ الْكُوفَةِ وَفِيهِ مَقَالٌ ثُمَّ أَوْرَدَ الطَّبَرِيُّ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ قَالَ الدُّنْيَا سِتَّةُ آلَافِ سَنَةٍ وَعَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ مِثْلَهُ وَزَادَ أَنَّ الَّذِي مَضَى مِنْهَا خَمْسَةُ آلَافٍ وَسِتُّمِائَةِ سَنَةٍ ثُمَّ زَيَّفَهُمَا وَرَجَّحَ مَا جَاءَ عَن بن عَبَّاس ثمَّ أورد حَدِيث بن عُمَرَ الَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ مَرْفُوعًا مَا أَجَلُكُمْ فِي أَجَلِ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ إِلَّا مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى مَغْرِبِ الشَّمْسِ وَمِنْ طَرِيقِ مُغيرَة بن حَكِيم عَن بن عُمَرَ بِلَفْظِ مَا بَقِيَ لِأُمَّتِي مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا كَمِقْدَارِ إِذَا صَلَّيْتُ الْعَصْرَ وَمِنْ طَرِيقِ مُجَاهِد عَن بن عُمَرَ كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالشَّمْسُ عَلَى قُعَيْقِعَانٍ مُرْتَفِعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ فَقَالَ مَا أَعْمَارُكُمْ فِي أَعْمَارِ مَنْ مَضَى إِلَّا كَمَا بَقِيَ مِنْ هَذَا النَّهَارِ فِيمَا مَضَى مِنْهُ وَهُوَ عِنْدَ أَحْمَدَ أَيْضًا بِسَنَدٍ حَسَنٍ ثُمَّ أَوْرَدَ حَدِيثَ أَنَسٍ خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا وَقَدْ كَادَتِ الشَّمْسُ تَغِيبُ فَذَكَرَ نَحْوَ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ عَن بن عُمَرَ وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ بِمَعْنَاهُ قَالَ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ إِنَّ مِثْلَ مَا بَقِيَ مِنَ الدُّنْيَا فِيمَا مَضَى مِنْهَا كَبَقِيَّةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِيمَا مَضَى مِنْهُ وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ أَخْرَجَهُ أَيْضًا وَفِيهِ عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَحَدِيثُ أَنَسٍ أَخْرَجَهُ أَيْضًا وَفِيهِ مُوسَى بْنُ خَلَفٍ ثُمَّ جَمَعَ بَيْنَهُمَا بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ حَمَلَ قَوْلَهُ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ عَلَى مَا إِذَا صَلَّيْتَ فِيوَسَطٍ مِنْ وَقْتِهَا.
.
قُلْتُ وَهُوَ بَعِيدٌ مِنْ لفظ أنس وَأبي سعيد وَحَدِيث بن عُمَرَ صَحِيحٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَالصَّوَابُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ وَلَهُ مَحْمَلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّشْبِيهِ التَّقْرِيبُ وَلَا يُرَاد حَقِيقَة الْمِقْدَار فبه يَجْتَمِعُ مَعَ حَدِيثِ أَنَسٍ وَأَبِي سَعِيدٍ عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهِمَا وَالثَّانِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى ظَاهِرِهِ فَيقدم حَدِيث بن عُمَرَ لِصِحَّتِهِ وَيَكُونُ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ مُدَّةَ هَذِهِ الْأُمَّةِ قَدْرُ خُمُسِ النَّهَارِ تَقْرِيبًا ثُمَّ أَيَّدَ الطَّبَرِيُّ كَلَامَهُ بِحَدِيثِ الْبَابِ وَبِحَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَلَفْظُهُ وَاللَّهِ لَا تَعْجِزُ هَذِهِ الْأُمَّةُ مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ وَلَكِنْ رَجَّحَ الْبُخَارِيُّ وَقْفَهُ وَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ بِلَفْظِ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ لَا تَعْجِزَ أُمَّتِي عِنْدَ رَبِّهَا أَنْ يُؤَخِّرَهُمْ نِصْفَ يَوْمٍ قِيلَ لِسَعْدٍ كَمْ نِصْفُ يَوْمٍ قَالَ خَمْسُمِائَةِ سَنَةٍ وَرُوَاتُهُ مُوَثَّقُونَ إِلَّا أَنَّ فِيهَا انْقِطَاعًا قَالَ الطَّبَرِيُّ وَنِصْفُ الْيَوْمِ خَمْسُمِائَةِ سَنَةٍ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى وان يَوْمًا عِنْد رَبك كألف سنة فَإِذا انْضَمَّ إِلَى قَول بن عَبَّاسٍ إِنَّ الدُّنْيَا سَبْعَةُ آلَافِ سَنَةٍ تَوَافَقَتِ الْأَخْبَارُ فَيَكُونُ الْمَاضِي إِلَى وَقْتِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ سِتَّةَ آلَافِ سَنَةٍ وَخَمْسَمِائَةِ سَنَةٍ تَقْرِيبًا وَقَدْ أَوْرَدَ السُّهَيْلِيُّ كَلَامَ الطَّبَرِيِّ وَأَيَّدَهُ بِمَا وَقَعَ عِنْدَهُ فِي حَدِيثِ الْمُسْتَوْرِدِ وَأَكَّدَهُ بِحَدِيثِ زِمْلٍ رَفَعَهُ الدُّنْيَا سَبْعَةُ آلَافِ سَنَةٍ بُعِثْتُ فِي آخِرِهَا.
.
قُلْتُ وَهَذَا الْحَدِيثُ إِنَّمَا هُوَ عَنِ بن زمل وَسَنَده ضَعِيف جدا أخرجه بن السَّكَنِ فِي الصَّحَابَةِ.
وَقَالَ إِسْنَادُهُ مَجْهُولٌ وَلَيْسَ بِمَعْرُوف فِي الصَّحَابَة وبن قُتَيْبَةَ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ وَذَكَرَهُ فِي الصَّحَابَةِ أَيْضا بن مَنْدَهْ وَغَيْرُهُ وَسَمَّاهُ بَعْضُهُمْ عَبْدَ اللَّهِ وَبَعْضُهُمُ الضَّحَّاك وَقد أوردهُ بن الْجَوْزِيّ فِي الموضوعات.
وَقَالَ بن الْأَثِيرِ أَلْفَاظُهُ مَصْنُوعَةٌ ثُمَّ بَيَّنَ السُّهَيْلِيُّ أَنَّهُ لَيْسَ فِي حَدِيثِ نِصْفِ يَوْمٍ مَا يَنْفِي الزِّيَادَةَ عَلَى الْخَمْسِمِائَةِ قَالَ وَقَدْ جَاءَ بَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا رَوَاهُ جَعْفَرُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ بِلَفْظِ إِنْ أَحْسَنَتْ أُمَّتِي فَبَقَاؤُهَا يَوْمٌ مِنْ أَيَّامِ الْآخِرَةِ وَذَلِكَ أَلْفُ سَنَةٍ وَإِنْ أَسَاءَتْ فَنِصْفُ يَوْمٍ قَالَ وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ مَا يَقْطَعُ بِهِ عَلَى صِحَّةِ التَّأْوِيلِ الْمَاضِي بَلْ قَدْ قِيلَ فِي تَأْوِيلِهِ إِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّاعَةِ نَبِيٌّ مَعَ التَّقْرِيبِ لِمَجِيئِهَا ثُمَّ جَوَّزَ أَنْ يَكُونَ فِي عَدَدِ الْحُرُوفِ الَّتِي فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ مَعَ حذف المكرر مَا يُوَافق حَدِيث بن زِمْلٍ وَذَكَرَ أَنَّ عِدَّتَهَا تِسْعُمِائَةِ وَثَلَاثَةٌ.
.
قُلْتُ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى طَرِيقَةِ الْمَغَارِبَةِ فِي عَدِّ الْحُرُوفِ.
.
وَأَمَّا الْمَشَارِقَةُ فَيَنْقُصُ الْعَدَدُ عِنْدَهُمْ مِائَتَيْنِ وَعَشْرَةً فَإِنَّ السِّينَ عِنْدَ الْمَغَارِبَةِ بِثَلَاثِمِائَةِ وَالصَّادَ بِسِتِّينَ.
.
وَأَمَّا الْمَشَارِقَةُ فَالسِّينُ عِنْدَهُمْ سِتُّونَ وَالصَّادُ تِسْعُونَ فَيَكُونُ الْمِقْدَارُ عِنْدَهُمْ سِتَّمِائَةٍ وَثَلَاثَةً وَتِسْعِينَ وَقَدْ مَضَتْ وَزِيَادَةٌ عَلَيْهَا مِائَةٌ وَخَمْسٌ وَأَرْبَعُونَ سَنَةً فَالْحَمْلُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ بَاطِل وَقد ثَبت عَن بن عَبَّاسٍ الزَّجْرُ عَنْ عَدِّ أَبِي جَادٍ وَالْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ السِّحْرِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِبَعِيدٍ فَإِنَّهُ لَا أَصْلَ لَهُ فِي الشَّرِيعَةِ وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ وَهُوَ مِنْ مَشَايِخِ السُّهَيْلِيِّ فِي فَوَائِدِ رِحْلَتِهِ مَا نَصُّهُ وَمَنَ الْبَاطِلِ الْحُرُوفُ الْمُقَطَّعَةُ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ وَقَدْ تَحَصَّلَ لِي فِيهَا عِشْرُونَ قَوْلًا وَأَزْيَدُ وَلَا أَعْرِفُ أَحَدًا يَحْكُمُ عَلَيْهَا بِعِلْمِ وَلَا يَصِلُ فِيهَا إِلَى فَهْمٍ إِلَّا أَنِّي أَقُولُ فَذَكَرَ مَا مُلَخَّصُهُ أَنَّهُ لَوْلَا أَنَّ الْعَرَبَ كَانُوا يَعْرِفُونَ أَنَّ لَهَا مَدْلُولًا مُتَدَاوَلًا بَيْنَهُمْ لَكَانُوا أَوَّلَ مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بل تَلا عَلَيْهِم ص وحم فصلت وَغَيْرَهُمَا فَلَمْ يُنْكِرُوا ذَلِكَ بَلْ صَرَّحُوا بِالتَّسْلِيمِ لَهُ فِي الْبَلَاغَةِ وَالْفَصَاحَةِ مَعَ تَشَوُّفِهِمْ إِلَى عَثْرَةٍ وَحِرْصِهِمْ عَلَى زَلَّةٍ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ أَمْرًا مَعْرُوفًا بَيْنَهُمْ لَا إِنْكَارَ فِيهِ قُلْتُ.
.
وَأَمَّا عَدُّ الْحُرُوفِ بِخُصُوصِهِ فَإِنَّمَا جَاءَ عَن بعض الْيَهُود كَمَا حَكَاهُ بن إِسْحَاقَ فِي السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ عَنْ أَبِي يَاسِرِ بْنِ أَخْطَبَ وَغَيْرِهِ أَنَّهُمْ حَمَلُوا الْحُرُوفَ الَّتِي فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ عَلَى هَذَا الْحِسَابِ وَاسْتَقْصَرُوا الْمُدَّةَ أَوَّلَ مَا نَزَلَ الم والر فَلَمَّا نَزَلَ بَعْدَ ذَلِكَ المص وَطسم وَغَيْرُ ذَلِكَ قَالُوا أَلْبَسْتَ عَلَيْنَا الْأَمْرَ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يكونذَلِكَ مُرَادًا فَلْيُحْمَلْ عَلَى جَمِيعِ الْحُرُوفِ الْوَارِدَةِ وَلَا يُحْذَفُ الْمُكَرَّرُ فَإِنَّهُ مَا مِنْ حَرْفٍ مِنْهَا إِلَّا وَلَهُ سِرٌّ يَخُصُّهُ أَوْ يُقْتَصَرُ عَلَى حَذْفِ الْمُكَرَّرِ مِنْ أَسْمَاءِ السُّوَرِ وَلَوْ تَكَرَّرَتِ الْحُرُوفُ فِيهَا فَإِنَّ السُّوَرَ الَّتِي ابْتُدِئَتْ بِذَلِكَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ سُورَةً وَعَدَدُ حُرُوفِ الْجَمِيعِ ثَمَانِيَةٌ وَسَبْعُونَ حَرْفًا وَهِيَ الم سِتَّةٌ حم سِتَّة آلر خَمْسَة طسم اثْنَتَانِ المص المر كهيعص حمعسق طه طس يس ص ق ن فَإِذَا حُذِفَ مَا كُرِّرَ مِنَ السُّوَرِ وَهِيَ خَمْسٌ مِنَ الم وَخَمْسٌ مِنْ حم وَأَرْبَعٌ مِنَ الر وَوَاحِدَةٌ مِنْ طسم بَقِيَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سُورَةً عَدَدُ حُرُوفِهَا ثَمَانِيَةٌ وَثَلَاثُونَ حَرْفًا فَإِذَا حُسِبَ عَدَدُهَا بِالْجُمَّلِ الْمَغْرِبِيِّ بَلَغَتْ أَلْفَيْنِ وَسِتَّمِائَةٍ وَأَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ.
.
وَأَمَّا بِالْجُمَّلِ الْمَشْرِقِيِّ فَتَبْلُغُ أَلْفًا وَسَبْعَمِائَةِ وَأَرْبَعَةً وَخَمْسِينَ وَلَمْ أَذْكُرْ ذَلِكَ لِيُعْتَمَدَ عَلَيْهِ إِلَّا لِأُبَيِّنَ أَنَّ الَّذِي جَنَحَ إِلَيْهِ السُّهَيْلِيُّ لَا يَنْبَغِي الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ لِشِدَّةِ التَّخَالُفِ فِيهِ وَفِي الْجُمْلَةِ فَأَقْوَى مَا يُعْتَمَدُ فِي ذَلِك عَلَيْهِ حَدِيث بن عُمَرَ الَّذِي أَشَرْتُ إِلَيْهِ قَبْلُ وَقَدْ أَخْرَجَ معمر فِي الْجَامِع عَن بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ مَعْمَرٌ وَبَلَغَنِي عَنْ عِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ قَالَ الدُّنْيَا مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا يَوْمٌ مِقْدَارُهُ خَمْسُونَ أَلْفَ سَنَةٍ لَا يَدْرِي كَمْ مَضَى وَلَا كَمْ بَقِيَ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ حَمَلَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْمَصَابِيحِ حَدِيثَ لَنْ تَعْجِزَ هَذِهِ الْأُمَّةُ أَنْ يُؤَخِّرَهَا نِصْفَ يَوْمٍ عَلَى حَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَزَيَّفَهُ الطِّيبِيُّ فَأَصَابَ.
.
وَأَمَّا زِيَادَةُ جَعْفَرٍ فَهِيَ مَوْضُوعَةٌ لِأَنَّهَا لَا تُعْرَفُ إِلَّا مِنْ جِهَتِهِ وَهُوَ مَشْهُورٌ بِوَضْعِ الْحَدِيثِ وَقَدْ كَذَّبَهُ الْأَئِمَّةُ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَسُقْ سَنَدَهُ بِذَلِكَ فَالْعَجَبُ مِنَ السُّهَيْلِي كَيْفَ سَكَتَ عَنْهُ مَعَ مَعْرِفَتِهِ بِحَالِهِ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ
( .
قَوْلُهُ بَابٌ كَذَا)
لِلْأَكْثَرِ بِغَيْرِ تَرْجَمَةٍ ولِلكُشْمِيهَنِيِّ بَابُ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا وَكَذَا هُوَ فِي نُسْخَةِ الصَّغَانِيِّ وَهُوَ مُنَاسِبٌ وَلَكِنَّ الْأَوَّلَ أَنْسَبُ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَالْفَصْلِ مِنَ الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ وَوَجْهُ تَعَلُّقِهِ بِهِ أَنَّ طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا إِنَّمَا يَقَعُ عِنْدَ إِشْرَافِ قِيَامِ السَّاعَةِ كَمَا سَأُقَرِّرُهُ .
قَوْلُهُ أَبُو الزِّنَادِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ هُوَ الْأَعْرَجُ وَصَرَّحَ بِهِ الطَّبَرَانِيِّ فِي مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ عَنْ أَبِي الْيَمَانِ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ .
قَوْلُهُ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا إِلَخْ هَذَا بَعْضُ حَدِيثٍ سَاقَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْفِتَنِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ بِتَمَامِهِ وَفِي أَوَّلِهِ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يقتتل فئتان عظيمتان الْحَدِيثَ وَذَكَرَ فِيهِ نَحْوَ عَشَرَةَ أَشْيَاءَ مِنْ هَذَا الْجِنْسَ ثُمَّ ذَكَرَ مَا فِي هَذَا الْبَابِ وَسَأَذْكُرُ شَرْحَهُ مُسْتَوْفًى هُنَاكَ وَأَقْتَصِرُ هُنَا عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ لِأَنَّهُ الْمُنَاسِبُ لِمَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ مِنْ قُرْبِ الْقِيَامَةِ خَاصَّةً وَعَامَّةً قَالَ الطِّيبِيُّ الْآيَاتُ أَمَارَاتٌ لِلسَّاعَةِ إِمَّا عَلَى قُرْبِهَا وَإِمَّا عَلَى حُصُولِهَا فَمِنِ الْأَوَّلِ الدَّجَّالُ وَنُزُولُ عِيسَى وَيَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَالْخَسْفُ وَمِنَ الثَّانِي الدُّخَانُ وَطُلُوعُ الشَّمْسِمِنْ مَغْرِبِهَا وَخُرُوجُ الدَّابَّةِ وَالنَّارُ الَّتِي تَحْشُرُ النَّاسَ وَحَدِيثُ الْبَابِ يُؤْذِنُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ جَعَلَ فِي طُلُوعِهَا مِنَ الْمُغْرِبِ غَايَةً لِعَدَمِ قِيَامِ السَّاعَةِ فَيَقْتَضِي أَنَّهَا إِذَا طَلَعَتْ كَذَلِكَ انْتَفَى عَدَمُ الْقِيَامِ فَثَبَتَ الْقِيَامُ .
قَوْلُهُ فَإِذَا طَلَعَتْ فَرَآهَا النَّاسُ آمَنُوا أَجْمَعُونَ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي التَّفْسِيرِ فَإِذَا رَآهَا النَّاسُ آمَنَ مَنْ عَلَيْهَا أَيْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ النَّاسِ .
قَوْلُهُ فَذَاكَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ فَذَلِكَ وَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَةِ أَبِي زُرْعَةَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي التَّفْسِيرِ أَيْضًا وَذَلِكَ بِالْوَاوِ قَوْله حِين لَا ينفع نفسا ايمانها الْآيَةَ كَذَا هُنَا وَفِي رِوَايَةِ أَبِي زُرْعَةَ ايمانها لم تكن آمَنت من قبل وَفِي رِوَايَةِ هَمَّامٍ إِيمَانُهَا ثُمَّ قَرَأَ الْآيَةَ قَالَ الطَّبَرِيُّ مَعْنَى الْآيَةِ لَا يَنْفَعُ كَافِرًا لَمْ يَكُنْ آمَنَ قَبْلَ الطُّلُوعِ إِيمَانٌ بَعْدَ الطُّلُوعِ وَلَا يَنْفَعُ مُؤْمِنًا لَمْ يَكُنْ عَمِلَ صَالِحًا قَبْلَ الطُّلُوعِ عَمَلٌ صَالِحٌ بَعْدَ الطُّلُوعِ لِأَنَّ حُكْمَ الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ حِينَئِذٍ حُكْمُ مَنْ آمَنَ أَوْ عَمِلَ عِنْدَ الْغَرْغَرَةِ وَذَلِكَ لَا يُفِيدُ شَيْئًا كَمَا قَالَ تَعَالَى فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بأسنا وَكَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ تُقْبَلُ تَوْبَةُ العَبْد مَا لم يبلغ الغرغرة.
وَقَالَ بن عَطِيَّةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَعْضِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى يَوْمَ يَأْتِي بعض آيَات رَبك طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنَ الْمُغْرِبِ وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ الْجُمْهُور وَأسْندَ الطَّبَرِيّ عَن بن مَسْعُودٍ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَعْضِ إِحْدَى ثَلَاثٍ هَذِهِ أَوْ خُرُوجِ الدَّابَّةِ أَوِ الدَّجَّالِ قَالَ وَفِيهِ نظر لَان نزُول عِيسَى بن مَرْيَمَ يُعْقِبُ خُرُوجَ الدَّجَّالِ وَعِيسَى لَا يَقْبَلُ إِلَّا الْإِيمَانَ فَانْتَفَى أَنْ يَكُونَ بِخُرُوجِ الدَّجَّالِ لَا يُقْبَلُ الْإِيمَانُ وَلَا التَّوْبَةُ.
.
قُلْتُ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ ثَلَاثٌ إِذَا خَرَجْنَ لَمْ يَنْفَعْ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا وَالدَّجَّالُ وَدَابَّةُ الْأَرْضِ قِيلَ فَلَعَلَّ حُصُولُ ذَلِكَ يَكُونُ مُتَتَابِعًا بِحَيْثُ تَبْقَى النِّسْبَةُ إِلَى الْأَوَّلِ مِنْهَا مَجَازِيَّةً وَهَذَا بَعِيدٌ لِأَنَّ مُدَّةَ لُبْثِ الدَّجَّالِ إِلَى أَن يقْتله عِيسَى ثمَّ لبس عِيسَى وَخُرُوجِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ كُلُّ ذَلِكَ سَابِقٌ عَلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنَ الْمُغْرِبِ فَالَّذِي يَتَرَجَّحُ مِنْ مَجْمُوعِ الْأَخْبَارِ أَنَّ خُرُوجَ الدَّجَّالِ أَوَّلُ الْآيَاتِ الْعِظَامِ الْمُؤْذِنَةِ بِتَغَيُّرِ الْأَحْوَالِ الْعَامَّةِ فِي مُعظم الأَرْض وَيَنْتَهِي ذَلِك بِمَوْت عِيسَى بن مَرْيَمَ وَأَنَّ طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنَ الْمُغْرِبِ هُوَ أَوَّلُ الْآيَاتِ الْعِظَامِ الْمُؤْذِنَةِ بِتَغَيُّرِ أَحْوَالِ الْعَالَمِ الْعَلَوِيِّ وَيَنْتَهِي ذَلِكَ بِقِيَامِ السَّاعَةِ وَلَعَلَّ خُرُوجَ الدَّابَّةِ يَقَعُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ الَّذِي تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ مِنَ الْمُغْرِبِ وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَفَعَهُ أَوَّلُ الْآيَاتِ طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا وَخُرُوجُ الدَّابَّةِ عَلَى النَّاسِ ضُحًى فَأَيُّهُمَا خَرَجَتْ قَبْلَ الْأُخْرَى فَالْأُخْرَى مِنْهَا قَرِيبٌ وَفِي الْحَدِيثِ قِصَّةٌ لِمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ أَوَّلُ الْآيَاتِ خُرُوجُ الدَّجَّالِ فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو.
.
قُلْتُ وَلِكَلَامِ مَرْوَانَ مَحْمَلٌ يُعْرَفُ مِمَّا ذَكَرْتُهُ قَالَ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ طُلُوعَ الشَّمْسِ يَسْبِقُ خُرُوجَ الدَّابَّةِ ثُمَّ تَخْرُجُ الدَّابَّةُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَوِ الَّذِي يَقْرُبُ مِنْهُ.
.
قُلْتُ وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنَ الْمُغْرِبِ يُغْلَقُ بَابُ التَّوْبَةِ فَتَخْرُجُ الدَّابَّةُ تُمَيِّزُ الْمُؤْمِنَ مِنَ الْكَافِرِ تَكْمِيلًا لِلْمَقْصُودِ مِنْ إِغْلَاقِ بَابِ التَّوْبَةِ وَأَوَّلُ الْآيَاتِ الْمُؤْذِنَةِ بِقِيَامِ السَّاعَةِ النَّارُ الَّتِي تَحْشُرُ النَّاسَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ فِي مَسَائِلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ فَفِيهِ.
.
وَأَمَّا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ فَنَارٌ تَحْشُرُ النَّاسَ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمُغْرِبِ وَسَيَأْتِي فِيهِ زِيَادَةٌ فِي بَابِ كَيْفَ الْحَشْرُ قَالَ بن عَطِيَّةَ وَغَيْرُهُ مَا حَاصِلُهُ مَعْنَى الْآيَةِ أَنَّ الْكَافِرَ لَا يَنْفَعُهُ إِيمَانُهُ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنَ الْمُغْرِبِ وَكَذَلِكَ الْعَاصِي لَا تَنْفَعُهُ تَوْبَتُهُ وَمَنْ لَمْ يَعْمَلْ صَالِحًا مِنْ قَبْلُ وَلَوْ كَانَ مُؤْمِنًا لَا يَنْفَعُهُ الْعَمَلُ بَعْدَ طُلُوعِهَا مِنَ الْمُغْرِبِ.
وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الْمَعْنَى لَا تَنْفَعُ تَوْبَةٌ بَعْدَ ذَلِكَ بَلْ يُخْتَمُ عَلَى عَمَلِ كُلِّ أَحَدٍ بِالْحَالَةِ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَاوَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ هَذَا أَوَّلُ ابْتِدَاءِ قِيَامِ السَّاعَةِ بِتَغَيُّرِ الْعَالِمِ الْعَلَوِيِّ فَإِذَا شُوهِدَ ذَلِكَ حَصَلَ الْإِيمَانُ الضَّرُورِيُّ بِالْمُعَايَنَةِ وَارْتَفَعَ الْإِيمَانُ بِالْغَيْبِ فَهُوَ كَالْإِيمَانِ عِنْدَ الْغَرْغَرَةِ وَهُوَ لَا يَنْفَعُ فَالْمُشَاهَدَةُ لِطُلُوعِ الشَّمْسِ مِنَ الْمُغْرِبِ مِثْلُهُ.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي التَّذْكِرَةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ هَذَا فَعَلَى هَذَا فَتَوْبَةُ مَنْ شَاهَدَ ذَلِكَ أَوْ كَانَ كَالْمَشَاهِدِ لَهُ مَرْدُودَةٌ فَلَوِ امْتَدَّتْ أَيَّامُ الدُّنْيَا بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى أَنْ يُنْسَى هَذَا الْأَمْرُ أَوْ يَنْقَطِعَ تَوَاتُرُهُ وَيَصِيرَ الْخَبَرُ عَنْهُ آحَادًا فَمَنْ أَسْلَمَ حِينَئِذٍ أَوْ تَابَ قُبِلَ مِنْهُ وَأَيَّدَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ يُكْسَيَانِ الضَّوْءَ بَعْدَ ذَلِكَ وَيَطْلُعَانِ وَيَغْرُبَانِ مِنَ الْمَشْرِقِ كَمَا كَانَا قَبْلَ ذَلِكَ قَالَ وَذَكَرَ أَبُو اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ إِنَّمَا لَا يُقْبَلُ الْإِيمَانُ وَالتَّوْبَةُ وَقْتَ الطُّلُوعِ لِأَنَّهُ يَكُونُ حِينَئِذٍ صَيْحَةٌ فَيَهْلِكُ بِهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ فَمَنْ أَسْلَمَ أَوْ تَابَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَمْ تُقْبَلْ تَوْبَتُهُ وَمَنْ تَابَ بَعْدَ ذَلِكَ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ قَالَ وَذَكَرَ الْمَيَانِشِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَفَعَهُ قَالَ تَبْقَى النَّاسُ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا عِشْرِينَ وَمِائَةَ سَنَةٍ.
.
قُلْتُ رَفْعُ هَذَا لَا يَثْبُتُ وَقَدْ أَخْرَجَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي تَفْسِيرِهِ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مَوْقُوفًا وَقَدْ وَرَدَ عَنْهُ مَا يُعَارِضُهُ فَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَنُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَفَعَهُ الْآيَاتُ خَرَزَاتٌ مَنْظُومَاتٌ فِي سِلْكٍ إِذَا انْقَطَعَ السِّلْكُ تَبِعَ بَعْضُهَا بَعْضًا وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَفَعَهُ إِذَا طَلَعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا خَرَّ إِبْلِيسُ سَاجِدًا يُنَادِي إِلَهِي مُرْنِي أَنْ أَسْجُدَ لِمَنْ شِئْتَ الْحَدِيثَ وَأَخْرَجَ نُعَيْمٌ نَحْوَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْحسن وَقَتَادَة بأسانيد مُخْتَلفَة وَعند بن عَسَاكِرَ مِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ الْغِفَارِيِّ رَفَعَهُ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ عَشْرُ آيَاتٍ كَالنَّظْمِ فِي الْخَيْطِ إِذَا سَقَطَ مِنْهَا وَاحِدةٌ تَوَالَتْ وَعَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ بَيْنَ أَوَّلِ الْآيَاتِ وَآخِرِهَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ يَتَتَابَعْنَ كَتَتَابُعِ الْخَرَزَاتِ فِي النِّظَامِ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بِأَنَّ الْمُدَّةَ وَلَوْ كَانَتْ كَمَا قَالَ عِشْرِينَ وَمِائَةَ سَنَةٍ لَكِنَّهَا تَمُرُّ مُرُورًا سَرِيعًا كَمِقْدَارِ مُرُورِ عِشْرِينَ وَمِائَةِ شَهْرٍ مِنْ قَبْلِ ذَلِكَ أَوْ دُونَ ذَلِكَ كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أُبَيِّ هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَكُونَ السَّنَةُ كَالشَّهْرِ الْحَدِيثَ وَفِيهِ وَالْيَوْمُ كَاحْتِرَاقِ السَّعَفَةِ.
.
وَأَمَّا حَدِيثُ عِمْرَانَ فَلَا أَصْلَ لَهُ وَقَدْ سَبَقَهُ إِلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ فَقَالَ فِي بَابِ خُرُوجِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ فَصْلٌ ذَكَرَ الْحَلِيمِيُّ أَنَّ أَوَّلَ الْآيَاتِ الدَّجَّالُ ثُمَّ نُزُولُ عِيسَى لِأَنَّ طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنَ الْمُغْرِبِ لَوْ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ عِيسَى لَمْ يَنْفَعِ الْكُفَّارَ إِيمَانُهُمْ فِي زَمَانِهِ وَلَكِنَّهُ يَنْفَعُهُمْ إِذْ لَوْ لَمْ يَنْفَعْهُمْ لَمَا صَارَ الدِّينُ وَاحِدًا بِإِسْلَامِ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهُوَ كَلَامٌ صَحِيحٌ لَوْ لَمْ يُعَارِضِ الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ الْمَذْكُورَ أَنَّ أَوَّلَ الْآيَاتِ طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنَ الْمَغْرِبِ وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو طُلُوعُ الشَّمْسِ أَوْ خُرُوجُ الدَّابَّةِ وَفِي حَدِيثِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ الْجَزْمُ بِهِمَا وَبِالدَّجَّالِ فِي عَدَمِ نَفْعِ الْإِيمَانِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ إِنْ كَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ أَنَّ طُلُوعَ الشَّمْسِ سَابِقٌ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ نَفْيَ النَّفْعِ عَنْ أَنْفُسِ الْقَرْنِ الَّذِينَ شَاهَدُوا ذَلِكَ فَإِذَا انْقَرَضُوا وَتَطَاوَلَ الزَّمَانُ وَعَادَ بَعْضُهُمْ إِلَى الْكُفْرِ عَادَ تَكْلِيفُهُ الْإِيمَانَ بِالْغَيْبِ وَكَذَا فِي قِصَّةِ الدَّجَّالِ لَا يَنْفَعُ إِيمَانُ مَنْ آمَنَ بِعِيسَى عِنْدَ مُشَاهَدَةِ الدَّجَّالِ وَيَنْفَعُهُ بَعْدَ انْقِرَاضِهِ وَإِنْ كَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ طُلُوعَ الشَّمْسِ بَعْدَ نُزُولِ عِيسَى احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْآيَاتِ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو آيَاتٍ أُخْرَى غَيْرَ الدَّجَّالِ وَنُزُولِ عِيسَى إِذْ لَيْسَ فِي الْخَبَرِ نَصٌّ عَلَى أَنَّهُ يَتَقَدَّمُ عِيسَى.
.
قُلْتُ وَهَذَا الثَّانِي هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَالْأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ تُخَالِفُهُ فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ مَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَمَفْهُومُهُ أَنَّ مَنْ تَابَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ تُقْبَلْ وَلِأَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ رَفَعَهُ لَا تَزَالُ تُقْبَلُ التَّوْبَةُ حَتَّىتطلع الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا وَسَنَدُهُ جَيِّدٌ وَلِلطَّبَرَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ نَحْوُهُ وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالطَّبَرِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكِ بْنِ يُخَامِرَ بِضَمِّ التَّحْتَانِيَّةِ بَعْدَهَا خَاءٌ مُعْجَمَةٌ وَبِكَسْرِ الْمِيمِ وَعَنْ مُعَاوِيَةَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَفَعُوهُ لَا تَزَالُ التَّوْبَةُ مَقْبُولَةً حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا فَإِذَا طَلَعَتْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبٍ بِمَا فِيهِ وَكَفَى النَّاسَ الْعَمَلَ وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالدَّارِمِيُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي تَفْسِيرِهِ كُلُّهُمْ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ رَفَعَهُ لَا تَنْقَطِعُ التَّوْبَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الشعْثَاء عَن بن مَسْعُودٍ مَوْقُوفًا التَّوْبَةُ مَفْرُوضَةٌ مَا لَمْ تَطْلُعِ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا وَفِي حَدِيثِ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ بِالْمَغْرِبِ بَابًا مَفْتُوحًا لِلتَّوْبَةِ مَسِيرَةَ سَبْعِينَ سَنَةً لَا يُغْلَقُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ نَحْوِهِ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ.
وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيح وَأخرجه أَيْضا النَّسَائِيّ وبن ماجة وَصَححهُ بن خُزَيْمَة وبن حبَان وَفِي حَدِيث بن عَبَّاس نَحوه عِنْد بن مَرْدَوَيْهِ وَفِيهِ فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا رُدَّ الْمِصْرَاعَانِ فَيَلْتَئِمُ مَا بَيْنَهُمَا فَإِذَا أُغْلِقَ ذَلِكَ الْبَابُ لَمْ تُقْبَلْ بَعْدَ ذَلِكَ تَوْبَةٌ وَلَا تَنْفَعُ حَسَنَةٌ إِلَّا مَنْ كَانَ يَعْمَلُ الْخَيْرَ قَبْلَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَجْرِي لَهُمْ مَا كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ وَفِيهِ فَقَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ فَكَيْفَ بِالشَّمْسِ وَالنَّاسِ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ تُكْسَى الشَّمْسُ الضَّوْءَ وَتَطْلُعُ كَمَا كَانَتْ تَطْلُعُ وَتُقْبِلُ النَّاسُ عَلَى الدُّنْيَا فَلَوْ نَتَجَ رَجُلٌ مُهْرًا لَمْ يَرْكَبْهُ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عِنْدَ نُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ فِي كِتَابِ الْفِتَنِ وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ وَهْبِ بْنِ جَابِرٍ الْخَيْوَانِيِّ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ قَالَ كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَذَكَرَ قِصَّةً قَالَ ثُمَّ أَنْشَأَ يُحَدِّثُنَا قَالَ إِنَّ الشَّمْسَ إِذَا غَرَبَتْ سَلَّمَتْ وَسَجَدَتْ وَاسْتَأْذَنَتْ فِي الطُّلُوعِ فَيُؤْذَنُ لَهَا حَتَّى إِذَا كَانَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَلَا يُؤْذَنُ لَهَا وَتُحْبَسُ مَا شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ يُقَالُ لَهَا اطْلُعِي مِنْ حَيْثُ غَرَبْتِ قَالَ فَمِنْ يَوْمِئِذٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ كَذَلِكَ وَمِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى وَزَادَ فِيهَا قِصَّةَ الْمُتَهَجِّدِينَ وَأَنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ يَسْتَنْكِرُونَ بُطْءَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَأَخْرَجَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ تَأْتِي لَيْلَةُ قَدْرٍ ثَلَاثَ لَيَالٍ لَا يَعْرِفُهَا إِلَّا الْمُتَهَجِّدُونَ يَقُومُ فَيَقْرَأُ حِزْبَهُ ثُمَّ يَنَامُ ثُمَّ يَقُومُ فَيَقْرَأُ ثُمَّ يَنَامُ ثُمَّ يَقُومُ فَعِنْدَهَا يَمُوجُ النَّاسُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ حَتَّى إِذَا صَلَّوُا الْفَجْرَ وَجَلَسُوا فَإِذَا هُمْ بِالشَّمْسِ قَدْ طَلَعَتْ مِنْ مَغْرِبِهَا فَيَضِجُّ النَّاسُ ضَجَّةً وَاحِدَةً حَتَّى إِذَا تَوَسَّطَتِ السَّمَاءَ رَجَعَتْ وَعِنْدَ الْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث والنشور من حَدِيث بن مَسْعُودٍ نَحْوُهُ فَيُنَادِي الرَّجُلُ جَارَهُ يَا فُلَانُ مَا شَأْنُ اللَّيْلَةِ لَقَدْ نِمْتُ حَتَّى شَبِعْتُ وَصَلَّيْتُ حَتَّى أُعْيِيتُ وَعِنْدَ نُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ لَا يَلْبَثُونَ بَعْدَ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ إِلَّا قَلِيلًا حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبهَا فَيُنَادِيهِمْ مُنَادٍ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ قُبِلَ مِنْكُمْ وَيَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا قَدْ أُغْلِقَ عَنْكُمْ بَابُ التَّوْبَةِ وَجَفَّتِ الْأَقْلَامُ وَطُوِيَتِ الصُّحُفُ وَمِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ شُرَيْحٍ وَكَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ مِنَ الْمَغْرِبِ يُطْبَعُ عَلَى الْقُلُوبِ بِمَا فِيهَا وَتَرْتَفِعُ الْحَفَظَةُ وَتُؤْمَرُ الْمَلَائِكَةُ أَنْ لَا يَكْتُبُوا عَمَلًا وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَالطَّبَرِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ مِنْ طَرِيقِ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَائِشَةَ إِذَا خَرَجَتْ أَوَّلُ الْآيَاتِ طُرِحَتِ الْأَقْلَامُ وَطُوِيَتِ الصُّحُفُ وَخَلَصَتِ الْحَفَظَةُ وَشَهِدَتِ الْأَجْسَادُ عَلَى الْأَعْمَالِ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ مَوْقُوفًا فَحُكْمُهُ الرَّفْعُ وَمِنْ طَرِيقِ الْعَوْفِيِّ عَن بن عَبَّاس نَحوه وَمن طَرِيق بن مَسْعُودٍ قَالَ الْآيَةُ الَّتِي يُخْتَمُ بِهَا الْأَعْمَالُ طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا فَهَذِهِ آثَارٌ يَشُدُّ بَعْضُهَا بَعْضًا مُتَّفِقَةٌ عَلَى أَنَّ الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ مِنَ الْمَغْرِبِ أُغْلِقَ بَابُ التَّوْبَةِ وَلَمْ يُفْتَحْ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ بِيَوْمِ الطُّلُوعِ بَلْ يَمْتَدُّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَيُؤْخَذُ مِنْهَا أَنَّ طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا أَوَّلُ الْإِنْذَارِ بِقِيَامِ السَّاعَةِ وَفِي ذَلِكَ رَدٌّعَلَى أَصْحَابِ الْهَيْئَةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ أَنَّ الشَّمْسَ وَغَيْرَهَا مِنَ الْفَلَكِيَّاتِ بَسِيطَةٌ لَا يَخْتَلِفُ مُقْتَضَيَاتُهَا وَلَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهَا تَغْيِيرُ مَا هِيَ عَلَيْهِ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ وَقَوَاعِدُهُمْ مَنْقُوضَةٌ وَمُقَدِّمَاتُهُمْ مَمْنُوعَةٌ وَعَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِهَا فَلَا امْتِنَاعَ مِنِ انْطِبَاقِ مِنْطِقَةِ الْبُرُوجِ الَّتِي هِيَ مُعَدَّلُ النَّهَارِ بِحَيْثُ يَصِيرُ الْمَشْرِقُ مَغْرِبًا وَبِالْعَكْسِ وَاسْتَدَلَّ صَاحِبُ الْكَشَّافِ بِهَذِهِ الْآيَةِ لِلْمُعْتَزِلَةِ فَقَالَ .
قَوْلُهُ لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ من قبل صِفَةٌ لِقولِهِ نَفْسًا وَقَولُهُ أَوْ كَسَبَتْ فِي ايمانها خيرا عطف على آمَنت وَالْمعْنَى أَنَّ أَشْرَاطَ السَّاعَةِ إِذَا جَاءَتْ وَهِيَ آيَاتٌ مُلْجِئَةٌ لِلْإِيمَانِ ذَهَبَ أَوَانُ التَّكْلِيفِ عِنْدَهَا فَلَمْ يَنْفَعِ الْإِيمَانُ حِينَئِذٍ مِنْ غَيْرِ مُقَدِّمَةِ إِيمَانِهَا قَبْلَ ظُهُورِ الْآيَاتِ أَوْ مُقَدِّمَةِ إِيمَانِهَا مِنْ غَيْرِ تَقْدِيمِ عَمَلٍ صَالِحٍ فَلَمْ يُفَرِّقْ كَمَا تَرَى بَيْنَ النَّفْسِ الْكَافِرَةِ وَبَيْنَ النَّفْسِ الَّتِي آمَنَتْ فِي وَقْتِهِ وَلَمْ تَكْتَسِبْ خَيْرًا لِيُعْلَمَ ان قَوْله الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات جَمْعٌ بَيْنَ قَرِينَتَيْنِ لَا يَنْبَغِي أَنْ تَنْفَكَّ إِحْدَاهُمَا عَنِ الْأُخْرَى حَتَّى يَفُوزَ صَاحِبُهَا وَيَسْعَدَ وَإِلَّا فَالشِّقْوَةُ وَالْهَلَاكُ قَالَ الشِّهَابُ السَّمِينُ قَدْ أَجَابَ النَّاسُ بِأَنَّ الْمَعْنَى فِي الْآيَةِ أَنَّهُ إِذَا أَتَى بَعْضُ الْآيَاتِ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا كَافِرَةً إِيمَانُهَا الَّذِي أَوْقَعَتْهُ إِذْ ذَاكَ وَلَا يَنْفَعُ نَفْسًا سَبْقُ إِيمَانِهَا وَلَمْ تَكْسِبْ فِيهِ خَيْرًا فَقَدْ عَلَّقَ نَفْيَ نَفْعِ الْإِيمَانِ بِأَحَدِ وَصْفَيْنِ إِمَّا نَفْيُ سَبْقِ الْإِيمَانِ فَقَطْ وَإِمَّا سَبْقُهُ مَعَ نَفْيِ كَسْبِ الْخَيْرِ وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ يَنْفَعُ الْإِيمَانُ السَّابِقُ وَحْدَهُ وَكَذَا السَّابِقُ وَمَعَهُ الْخَيْرُ وَمَفْهُومُ الصِّفَةِ قَوِيٌّ فَيُسْتَدَلُّ بِالْآيَةِ لِمَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَيَكُونُ فِيهِ قَلْبُ دَلِيلِ الْمُعْتَزِلَةِ دَلِيلا عَلَيْهِم وَأجَاب بن الْمُنِيرِ فِي الِانْتِصَافِ فَقَالَ هَذَا الْكَلَامُ مِنَ الْبَلَاغَةِ يُلَقَّبُ اللَّفَّ وَأَصْلُهُ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُنَفْسًا لَمْ تَكُنْ مُؤْمِنَةً قَبْلَ إِيمَانِهَا بَعْدُ وَلَا نَفْسًا لَمْ تَكْسِبْ خَيْرًا قَبْلَ مَا تكتسبه من الْخَيْر بعد فلف الْكَلَامَيْنِ فَجَعَلَهُمَا كَلَامًا وَاحِدًا إِيجَازًا وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَظْهَرُ أَنَّهَا لَا تُخَالِفُ مَذْهَبَ أَهْلِ الْحَقِّ فَلَا يَنْفَعُ بَعْدَ ظُهُورِ الْآيَاتِ اكْتِسَابُ الْخَيْرِ وَلَوْ نَفَعَ الْإِيمَانُ الْمُتَقَدِّمُ مِنَ الْخُلُودِ فَهِيَ بِالرَّدِّ عَلَى مَذْهَبِهِ أَوْلَى مِنْ أَنْ تَدُلَّ لَهُ.
وَقَالَ بن الْحَاجِبِ فِي أَمَالِيهِ الْإِيمَانُ قَبْلَ مَجِيءِ الْآيَةِ نَافِعٌ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَمَلٌ صَالِحٌ غَيْرُهُ وَمعنى الْآيَة لَا ينفع نفسا ايمانها ولاكسبها الْعَمَلَ الصَّالِحَ لَمْ يَكُنِ الْإِيمَانُ قَبْلَ الْآيَةِ أَوْ لَمْ يَكُنِ الْعَمَلُ مَعَ الْإِيمَانِ قَبْلَهَا فَاخْتُصِرَ لِلْعِلْمِ وَنَقَلَ الطِّيبِيُّ كَلَامَ الْأَئِمَّةِ فِي ذَلِك ثمَّ قَالَ الْمُعْتَمد مَا قَالَ بن الْمُنِير وبن الْحَاجِبِ وَبَسَطَهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا خَاطَبَ الْمُعَانِدِينَ بَقَوْلِهِ تَعَالَى وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبعُوهُ الْآيَةَ عَلَّلَ الْإِنْزَالَ بِقَوْلِهِ أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا انْزِلْ الْكتاب إِلَخْ إِزَالَةً لِلْعُذْرِ وَإِلْزَامًا لِلْحُجَّةِ وَعَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ تَبْكِيتًا لَهُمْ وَتَقْرِيرًا لِمَا سَبَقَ مِنْ طَلَبِ الِاتِّبَاعِ ثُمَّ قَالَ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ الْآيَةَ أَيْ أَنَّهُ أَنْزَلَ هَذَا الْكِتَابَ الْمُنِيرَ كَاشِفًا لِكُلِّ رَيْبٍ وَهَادِيًا إِلَى الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ وَرَحْمَةً مِنَ اللَّهِ لِلْخَلْقِ لِيَجْعَلُوهُ زَادًا لِمَعَادِهِمْ فِيمَا يُقَدِّمُونَهُ مِنَ الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ فَجَعَلُوا شُكْرَ النِّعْمَةِ أَنْ كَذَّبُوا بِهَا وَمُنِعُوا مِنَ الِانْتِفَاع بهَا ثمَّ قَالَ هَل ينظرُونَ الْآيَةَ أَيْ مَا يَنْتَظِرُ هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ الدُّنْيَا بِنُزُولِ الْمَلَائِكَةِ بِالْعِقَابِ الَّذِي يَسْتَأْصِلُ شَأْفَتَهُمْ كَمَا جَرَى لِمَنْ مَضَى مِنَ الْأُمَمِ قَبْلَهُمْ أَوْ يَأْتِيَهِمْ عَذَابُ الْآخِرَةِ بِوُجُودِ بَعْضِ قَوَارِعِهَا فَحِينَئِذٍ تَفُوتُ تِلْكَ الْفُرْصَةُ السَّابِقَةُ فَلَا يَنْفَعُهُمْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ يَنْفَعُهُمْ مِنْ قَبْلُ مِنَ الْإِيمَانِ وَكَذَا الْعَمَلُ الصَّالِحُ مَعَ الْإِيمَانِ فَكَأَنَّهُ قِيلَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا وَلَا كَسْبُهَا الْعَمَلَ الصَّالِحَ فِي إِيمَانِهَا حِينَئِذٍ إِذَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا مِنْ قَبْلُ فَفِي الْآيَةِ لَفٌّ لَكِنْ حُذِفَتْ إِحْدَى الْقَرِينَتَيْنِ بِإِعَانَةِ النَّشْرِ وَنَظِيرُهُ .
قَوْلُهُ تَعَالَى وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ ويستكبر فسيحشرهم إِلَيْهِ جَمِيعًا قَالَ فَهَذَا الَّذِي عناه بن الْمُنِيرِ بِقَوْلِهِ إِنَّ هَذَا الْكَلَامَ فِي الْبَلَاغَةِ يُقَالُ لَهُ اللَّفُّ وَالْمَعْنَى يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا لَمْ تَكُنْ مُؤْمِنَةً مِنْ قَبْلِ ذَلِكَ إِيمَانُهَا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَلَا يَنْفَعُ نَفْسًا كَانَتْ مُؤْمِنَةً لَكِنْ لَمْ تَعْمَلْ فِي إِيمَانِهَا عَمَلًا صَالِحًا قَبْلَ ذَلِكَ مَا تَعْمَلُهُ مِنَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَظْهَرُ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ فَلَا يَنْفَعُ بَعْدَ ظُهُورِ الْآيَةِ اكْتِسَابُ الْخَيْرِ أَيْ لِإِغْلَاقِ بَابِ التَّوْبَةِ وَرَفْعِ الصُّحُفِ وَالْحَفَظَةِ وَإِنْ كَانَ مَا سَبَقَ قَبْلَ ظُهُورِ الْآيَةِ مِنَ الْإِيمَانِ يَنْفَعُ صَاحِبَهُ فِي الْجُمْلَةِ ثُمَّ قَالَ الطِّيبِيُّ وَقَدْ ظَفِرْتُ بِفَضْلِ اللَّهِ بَعْدَ هَذَا التَّقْرِيرِ عَلَى آيَةٍ أُخْرَى تُشْبِهُ هَذِهِ الْآيَةَ وَتُنَاسِبُ هَذَا التَّقْرِيرَ مَعْنًى وَلَفْظًا مِنْ غَيْرِ إِفْرَاطٍ وَلَا تَفْرِيطٍ وَهِيَ .
قَوْلُهُ تَعَالَى وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خسروا أنفسهم الْآيَةَ فَإِنَّهُ يَظْهَرُ مِنْهُ أَنَّ الْإِيمَانَ الْمُجَرَّدَ قَبْلَ كَشْفِ قَوَارِعِ السَّاعَةِ نَافِعٌ وَأَنَّ الْإِيمَانَ الْمُقَارَنَ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ أَنْفَعُ.
.
وَأَمَّا بَعْدَ حُصُولِهَا فَلَا يَنْفَعُ شَيْءٌ أَصْلًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى مُلَخَّصًا .
قَوْلُهُ وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدِ انْصَرَفَ الرَّجُلُ بِلَبَنِ لِقْحَتِهِ بِكَسْرِ اللَّامِ وَسُكُونِ الْقَافِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ هِيَ ذَاتُ الدَّرِّ مِنَ النُّوقِ .
قَوْلُهُ يُلِيطُ حَوْضَهُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَيُقَالُ أَلَاطَ حَوْضَهُ إِذَا مَدَرَهُ أَيْ جَمَعَ حِجَارَةً فَصَيَّرَهَا كَالْحَوْضِ ثُمَّ سَدَّ مَا بَيْنَهَا مِنَ الْفُرَجِ بِالْمَدَرِ وَنَحْوِهِ لِيَنْحَبِسَ الْمَاءُ هَذَا أَصْلُهُ وَقَدْ يَكُونُ لِلْحَوْضِ خُرُوقٌ فَيَسُدُّهَا بِالْمَدَرِ قَبْلَ أَنْ يَمْلَأَهُ وَفِي كُلِّ ذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْقِيَامَةَ تقوم بَغْتَة كَمَا قَالَ الله تَعَالَى لَا تَأْتيكُمْ الا بَغْتَةالنَّبَوِيَّةِ عَلَى قِيَامِ السَّاعَةِ كَنِسْبَةِ فَضْلِ إِحْدَى الْأُصْبُعَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى وَقِيلَ الْمُرَادُ اسْتِمْرَارُ دَعَوْتِهِ لَا تَفْتَرِقُ إِحْدَاهُمَا عَنِ الْأُخْرَى كَمَا أَنَّ الْأُصْبُعَيْنِ لَا تَفْتَرِقُ إِحْدَاهُمَا عَنِ الْأُخْرَى وَرَجَّحَ الطِّيبِيُّ قَوْلَ الْبَيْضَاوِيِّ بِزِيَادَةِ الْمُسْتَوْرِدِ فِيهِ.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي التَّذْكِرَةِ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ تَقْرِيبُ أَمْرِ السَّاعَةِ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِحَدِيثِ الْبَابِ أَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّاعَةِ نَبِيٌّ كَمَا لَيْسَ بَيْنَ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى أُصْبُعٌ أُخْرَى وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ عِلْمُ وَقْتِهَا بِعَيْنِهِ لَكِنَّ سِيَاقَهُ يُفِيدُ قُرْبِهَا وَأَنَّ أَشْرَاطَهَا مُتَتَابِعَةٌ كَمَا قَالَ تَعَالَى فقد جَاءَ اشراطها قَالَ الضَّحَّاكُ أَوَّلُ أَشْرَاطِهَا بَعْثَةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْحِكْمَةُ فِي تَقَدُّمِ الْأَشْرَاطِ إِيقَاظُ الْغَافِلِينَ وَحَثُّهُمْ عَلَى التَّوْبَةِ وَالِاسْتِعْدَادِ.
وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ قِيلَ مَعْنَاهُ الْإِشَارَةُ إِلَى قُرْبِ الْمُجَاوَرَةِ وَقِيلَ إِلَى تَفَاوُتِ مَا بَيْنَهُمَا طُولًا وَعَلَى هَذَا فَالنَّظَرُ فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ إِلَى الْعَرْضِ وَقِيلَ الْمُرَادُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا وَاسِطَةٌ وَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّ اللَّهَ عِنْده علم السَّاعَة وَنَحْوُ ذَلِكَ لِأَنَّ عِلْمَ قُرْبِهَا لَا يَسْتَلْزِمُ عِلْمَ وَقْتِ مَجِيئِهَا مُعَيَّنًا وَقِيلَ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَ الْقِيَامَةِ شَيْءٌ هِيَ الَّتِي تَلِينِي كَمَا تَلِي السَّبَّابَةُ الْوُسْطَى وَعَلَى هَذَا فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ تَعَالَى عَنِ السَّاعَةِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ.
وَقَالَ عِيَاضٌ حَاوَلَ بَعْضُهُمْ فِي تَأْوِيلِهِ أَنَّ نِسْبَةَ مَا بَيْنَ الْأُصْبُعَيْنِ كَنِسْبَةِ مَا بَقِيَ مِنَ الدُّنْيَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا مَضَى وَأَنَّ جُمْلَتَهَا سَبْعَةُ آلَافِ سَنَةٍ وَاسْتَنَدَ إِلَى أَخْبَارٍ لَا تَصِحُّ وَذَكَرَ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي تَأْخِيرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ نِصْفَ يَوْمٍ وَفَسَّرَهُ بِخَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ فَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الَّذِي بَقِيَ نِصْفُ سُبُعٍ وَهُوَ قَرِيبٌ مِمَّا بَيْنَ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى فِي الطُّولِ قَالَ وَقَدْ ظَهَرَ عَدَمُ صِحَّةِ ذَلِكَ لِوُقُوعِ خِلَافِهُ وَمُجَاوَزَةِ هَذَا الْمِقْدَارِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ ثَابِتًا لَمْ يَقَعْ خِلَافُهُ.
.
قُلْتُ وَقَدِ انْضَافَ إِلَى ذَلِكَ مُنْذُ عَهْدِ عِيَاضٍ إِلَى هَذَا الْحِين ثَلَاثمِائَة سنة.
وَقَالَ بن الْعَرَبِيِّ قِيلَ الْوُسْطَى تَزِيدُ عَلَى السَّبَّابَةِ نِصْفَ سبعها وَكَذَلِكَ الْبَاقِي من الدُّنْيَا مِنَ الْبَعْثَةِ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ قَالَ وَهَذَا بَعِيدٌ وَلَا يُعْلَمُ مِقْدَارُ الدُّنْيَا فَكَيْفَ يَتَحَصَّلُ لَنَا نِصْفُ سُبُعِ أَمَدٍ مَجْهُولٍ فَالصَّوَابُ الْإِعْرَاضُ عَنْ ذَلِكَ.
.
قُلْتُ السَّابِقُ إِلَى ذَلِكَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ فَإِنَّهُ أَوْرَدَ فِي مُقَدّمَة تَارِيخه عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ الدُّنْيَا جُمُعَةٌ مِنْ جُمَعِ الْآخِرَةِ سَبْعَةُ آلَافِ سَنَةٍ وَقَدْ مَضَى سِتَّةُ آلَافِ وَمِائَةُ سَنَةٍ وَأَوْرَدَهُ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ يَعْقُوبَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْهُ وَيَحْيَى هُوَ أَبُو طَالِبٍ الْقَاصُّ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ الْبُخَارِيُّ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ وَشَيْخُهُ هُوَ فَقِيهُ الْكُوفَةِ وَفِيهِ مَقَالٌ ثُمَّ أَوْرَدَ الطَّبَرِيُّ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ قَالَ الدُّنْيَا سِتَّةُ آلَافِ سَنَةٍ وَعَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ مِثْلَهُ وَزَادَ أَنَّ الَّذِي مَضَى مِنْهَا خَمْسَةُ آلَافٍ وَسِتُّمِائَةِ سَنَةٍ ثُمَّ زَيَّفَهُمَا وَرَجَّحَ مَا جَاءَ عَن بن عَبَّاس ثمَّ أورد حَدِيث بن عُمَرَ الَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ مَرْفُوعًا مَا أَجَلُكُمْ فِي أَجَلِ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ إِلَّا مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى مَغْرِبِ الشَّمْسِ وَمِنْ طَرِيقِ مُغيرَة بن حَكِيم عَن بن عُمَرَ بِلَفْظِ مَا بَقِيَ لِأُمَّتِي مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا كَمِقْدَارِ إِذَا صَلَّيْتُ الْعَصْرَ وَمِنْ طَرِيقِ مُجَاهِد عَن بن عُمَرَ كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالشَّمْسُ عَلَى قُعَيْقِعَانٍ مُرْتَفِعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ فَقَالَ مَا أَعْمَارُكُمْ فِي أَعْمَارِ مَنْ مَضَى إِلَّا كَمَا بَقِيَ مِنْ هَذَا النَّهَارِ فِيمَا مَضَى مِنْهُ وَهُوَ عِنْدَ أَحْمَدَ أَيْضًا بِسَنَدٍ حَسَنٍ ثُمَّ أَوْرَدَ حَدِيثَ أَنَسٍ خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا وَقَدْ كَادَتِ الشَّمْسُ تَغِيبُ فَذَكَرَ نَحْوَ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ عَن بن عُمَرَ وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ بِمَعْنَاهُ قَالَ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ إِنَّ مِثْلَ مَا بَقِيَ مِنَ الدُّنْيَا فِيمَا مَضَى مِنْهَا كَبَقِيَّةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِيمَا مَضَى مِنْهُ وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ أَخْرَجَهُ أَيْضًا وَفِيهِ عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَحَدِيثُ أَنَسٍ أَخْرَجَهُ أَيْضًا وَفِيهِ مُوسَى بْنُ خَلَفٍ ثُمَّ جَمَعَ بَيْنَهُمَا بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ حَمَلَ قَوْلَهُ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ عَلَى مَا إِذَا صَلَّيْتَ فِيوَسَطٍ مِنْ وَقْتِهَا.
.
قُلْتُ وَهُوَ بَعِيدٌ مِنْ لفظ أنس وَأبي سعيد وَحَدِيث بن عُمَرَ صَحِيحٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَالصَّوَابُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ وَلَهُ مَحْمَلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّشْبِيهِ التَّقْرِيبُ وَلَا يُرَاد حَقِيقَة الْمِقْدَار فبه يَجْتَمِعُ مَعَ حَدِيثِ أَنَسٍ وَأَبِي سَعِيدٍ عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهِمَا وَالثَّانِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى ظَاهِرِهِ فَيقدم حَدِيث بن عُمَرَ لِصِحَّتِهِ وَيَكُونُ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ مُدَّةَ هَذِهِ الْأُمَّةِ قَدْرُ خُمُسِ النَّهَارِ تَقْرِيبًا ثُمَّ أَيَّدَ الطَّبَرِيُّ كَلَامَهُ بِحَدِيثِ الْبَابِ وَبِحَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَلَفْظُهُ وَاللَّهِ لَا تَعْجِزُ هَذِهِ الْأُمَّةُ مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ وَلَكِنْ رَجَّحَ الْبُخَارِيُّ وَقْفَهُ وَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ بِلَفْظِ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ لَا تَعْجِزَ أُمَّتِي عِنْدَ رَبِّهَا أَنْ يُؤَخِّرَهُمْ نِصْفَ يَوْمٍ قِيلَ لِسَعْدٍ كَمْ نِصْفُ يَوْمٍ قَالَ خَمْسُمِائَةِ سَنَةٍ وَرُوَاتُهُ مُوَثَّقُونَ إِلَّا أَنَّ فِيهَا انْقِطَاعًا قَالَ الطَّبَرِيُّ وَنِصْفُ الْيَوْمِ خَمْسُمِائَةِ سَنَةٍ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى وان يَوْمًا عِنْد رَبك كألف سنة فَإِذا انْضَمَّ إِلَى قَول بن عَبَّاسٍ إِنَّ الدُّنْيَا سَبْعَةُ آلَافِ سَنَةٍ تَوَافَقَتِ الْأَخْبَارُ فَيَكُونُ الْمَاضِي إِلَى وَقْتِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ سِتَّةَ آلَافِ سَنَةٍ وَخَمْسَمِائَةِ سَنَةٍ تَقْرِيبًا وَقَدْ أَوْرَدَ السُّهَيْلِيُّ كَلَامَ الطَّبَرِيِّ وَأَيَّدَهُ بِمَا وَقَعَ عِنْدَهُ فِي حَدِيثِ الْمُسْتَوْرِدِ وَأَكَّدَهُ بِحَدِيثِ زِمْلٍ رَفَعَهُ الدُّنْيَا سَبْعَةُ آلَافِ سَنَةٍ بُعِثْتُ فِي آخِرِهَا.
.
قُلْتُ وَهَذَا الْحَدِيثُ إِنَّمَا هُوَ عَنِ بن زمل وَسَنَده ضَعِيف جدا أخرجه بن السَّكَنِ فِي الصَّحَابَةِ.
وَقَالَ إِسْنَادُهُ مَجْهُولٌ وَلَيْسَ بِمَعْرُوف فِي الصَّحَابَة وبن قُتَيْبَةَ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ وَذَكَرَهُ فِي الصَّحَابَةِ أَيْضا بن مَنْدَهْ وَغَيْرُهُ وَسَمَّاهُ بَعْضُهُمْ عَبْدَ اللَّهِ وَبَعْضُهُمُ الضَّحَّاك وَقد أوردهُ بن الْجَوْزِيّ فِي الموضوعات.
وَقَالَ بن الْأَثِيرِ أَلْفَاظُهُ مَصْنُوعَةٌ ثُمَّ بَيَّنَ السُّهَيْلِيُّ أَنَّهُ لَيْسَ فِي حَدِيثِ نِصْفِ يَوْمٍ مَا يَنْفِي الزِّيَادَةَ عَلَى الْخَمْسِمِائَةِ قَالَ وَقَدْ جَاءَ بَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا رَوَاهُ جَعْفَرُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ بِلَفْظِ إِنْ أَحْسَنَتْ أُمَّتِي فَبَقَاؤُهَا يَوْمٌ مِنْ أَيَّامِ الْآخِرَةِ وَذَلِكَ أَلْفُ سَنَةٍ وَإِنْ أَسَاءَتْ فَنِصْفُ يَوْمٍ قَالَ وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ مَا يَقْطَعُ بِهِ عَلَى صِحَّةِ التَّأْوِيلِ الْمَاضِي بَلْ قَدْ قِيلَ فِي تَأْوِيلِهِ إِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّاعَةِ نَبِيٌّ مَعَ التَّقْرِيبِ لِمَجِيئِهَا ثُمَّ جَوَّزَ أَنْ يَكُونَ فِي عَدَدِ الْحُرُوفِ الَّتِي فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ مَعَ حذف المكرر مَا يُوَافق حَدِيث بن زِمْلٍ وَذَكَرَ أَنَّ عِدَّتَهَا تِسْعُمِائَةِ وَثَلَاثَةٌ.
.
قُلْتُ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى طَرِيقَةِ الْمَغَارِبَةِ فِي عَدِّ الْحُرُوفِ.
.
وَأَمَّا الْمَشَارِقَةُ فَيَنْقُصُ الْعَدَدُ عِنْدَهُمْ مِائَتَيْنِ وَعَشْرَةً فَإِنَّ السِّينَ عِنْدَ الْمَغَارِبَةِ بِثَلَاثِمِائَةِ وَالصَّادَ بِسِتِّينَ.
.
وَأَمَّا الْمَشَارِقَةُ فَالسِّينُ عِنْدَهُمْ سِتُّونَ وَالصَّادُ تِسْعُونَ فَيَكُونُ الْمِقْدَارُ عِنْدَهُمْ سِتَّمِائَةٍ وَثَلَاثَةً وَتِسْعِينَ وَقَدْ مَضَتْ وَزِيَادَةٌ عَلَيْهَا مِائَةٌ وَخَمْسٌ وَأَرْبَعُونَ سَنَةً فَالْحَمْلُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ بَاطِل وَقد ثَبت عَن بن عَبَّاسٍ الزَّجْرُ عَنْ عَدِّ أَبِي جَادٍ وَالْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ السِّحْرِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِبَعِيدٍ فَإِنَّهُ لَا أَصْلَ لَهُ فِي الشَّرِيعَةِ وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ وَهُوَ مِنْ مَشَايِخِ السُّهَيْلِيِّ فِي فَوَائِدِ رِحْلَتِهِ مَا نَصُّهُ وَمَنَ الْبَاطِلِ الْحُرُوفُ الْمُقَطَّعَةُ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ وَقَدْ تَحَصَّلَ لِي فِيهَا عِشْرُونَ قَوْلًا وَأَزْيَدُ وَلَا أَعْرِفُ أَحَدًا يَحْكُمُ عَلَيْهَا بِعِلْمِ وَلَا يَصِلُ فِيهَا إِلَى فَهْمٍ إِلَّا أَنِّي أَقُولُ فَذَكَرَ مَا مُلَخَّصُهُ أَنَّهُ لَوْلَا أَنَّ الْعَرَبَ كَانُوا يَعْرِفُونَ أَنَّ لَهَا مَدْلُولًا مُتَدَاوَلًا بَيْنَهُمْ لَكَانُوا أَوَّلَ مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بل تَلا عَلَيْهِم ص وحم فصلت وَغَيْرَهُمَا فَلَمْ يُنْكِرُوا ذَلِكَ بَلْ صَرَّحُوا بِالتَّسْلِيمِ لَهُ فِي الْبَلَاغَةِ وَالْفَصَاحَةِ مَعَ تَشَوُّفِهِمْ إِلَى عَثْرَةٍ وَحِرْصِهِمْ عَلَى زَلَّةٍ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ أَمْرًا مَعْرُوفًا بَيْنَهُمْ لَا إِنْكَارَ فِيهِ قُلْتُ.
.
وَأَمَّا عَدُّ الْحُرُوفِ بِخُصُوصِهِ فَإِنَّمَا جَاءَ عَن بعض الْيَهُود كَمَا حَكَاهُ بن إِسْحَاقَ فِي السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ عَنْ أَبِي يَاسِرِ بْنِ أَخْطَبَ وَغَيْرِهِ أَنَّهُمْ حَمَلُوا الْحُرُوفَ الَّتِي فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ عَلَى هَذَا الْحِسَابِ وَاسْتَقْصَرُوا الْمُدَّةَ أَوَّلَ مَا نَزَلَ الم والر فَلَمَّا نَزَلَ بَعْدَ ذَلِكَ المص وَطسم وَغَيْرُ ذَلِكَ قَالُوا أَلْبَسْتَ عَلَيْنَا الْأَمْرَ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يكونذَلِكَ مُرَادًا فَلْيُحْمَلْ عَلَى جَمِيعِ الْحُرُوفِ الْوَارِدَةِ وَلَا يُحْذَفُ الْمُكَرَّرُ فَإِنَّهُ مَا مِنْ حَرْفٍ مِنْهَا إِلَّا وَلَهُ سِرٌّ يَخُصُّهُ أَوْ يُقْتَصَرُ عَلَى حَذْفِ الْمُكَرَّرِ مِنْ أَسْمَاءِ السُّوَرِ وَلَوْ تَكَرَّرَتِ الْحُرُوفُ فِيهَا فَإِنَّ السُّوَرَ الَّتِي ابْتُدِئَتْ بِذَلِكَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ سُورَةً وَعَدَدُ حُرُوفِ الْجَمِيعِ ثَمَانِيَةٌ وَسَبْعُونَ حَرْفًا وَهِيَ الم سِتَّةٌ حم سِتَّة آلر خَمْسَة طسم اثْنَتَانِ المص المر كهيعص حمعسق طه طس يس ص ق ن فَإِذَا حُذِفَ مَا كُرِّرَ مِنَ السُّوَرِ وَهِيَ خَمْسٌ مِنَ الم وَخَمْسٌ مِنْ حم وَأَرْبَعٌ مِنَ الر وَوَاحِدَةٌ مِنْ طسم بَقِيَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سُورَةً عَدَدُ حُرُوفِهَا ثَمَانِيَةٌ وَثَلَاثُونَ حَرْفًا فَإِذَا حُسِبَ عَدَدُهَا بِالْجُمَّلِ الْمَغْرِبِيِّ بَلَغَتْ أَلْفَيْنِ وَسِتَّمِائَةٍ وَأَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ.
.
وَأَمَّا بِالْجُمَّلِ الْمَشْرِقِيِّ فَتَبْلُغُ أَلْفًا وَسَبْعَمِائَةِ وَأَرْبَعَةً وَخَمْسِينَ وَلَمْ أَذْكُرْ ذَلِكَ لِيُعْتَمَدَ عَلَيْهِ إِلَّا لِأُبَيِّنَ أَنَّ الَّذِي جَنَحَ إِلَيْهِ السُّهَيْلِيُّ لَا يَنْبَغِي الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ لِشِدَّةِ التَّخَالُفِ فِيهِ وَفِي الْجُمْلَةِ فَأَقْوَى مَا يُعْتَمَدُ فِي ذَلِك عَلَيْهِ حَدِيث بن عُمَرَ الَّذِي أَشَرْتُ إِلَيْهِ قَبْلُ وَقَدْ أَخْرَجَ معمر فِي الْجَامِع عَن بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ مَعْمَرٌ وَبَلَغَنِي عَنْ عِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ قَالَ الدُّنْيَا مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا يَوْمٌ مِقْدَارُهُ خَمْسُونَ أَلْفَ سَنَةٍ لَا يَدْرِي كَمْ مَضَى وَلَا كَمْ بَقِيَ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ حَمَلَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْمَصَابِيحِ حَدِيثَ لَنْ تَعْجِزَ هَذِهِ الْأُمَّةُ أَنْ يُؤَخِّرَهَا نِصْفَ يَوْمٍ عَلَى حَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَزَيَّفَهُ الطِّيبِيُّ فَأَصَابَ.
.
وَأَمَّا زِيَادَةُ جَعْفَرٍ فَهِيَ مَوْضُوعَةٌ لِأَنَّهَا لَا تُعْرَفُ إِلَّا مِنْ جِهَتِهِ وَهُوَ مَشْهُورٌ بِوَضْعِ الْحَدِيثِ وَقَدْ كَذَّبَهُ الْأَئِمَّةُ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَسُقْ سَنَدَهُ بِذَلِكَ فَالْعَجَبُ مِنَ السُّهَيْلِي كَيْفَ سَكَتَ عَنْهُ مَعَ مَعْرِفَتِهِ بِحَالِهِ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ
( .
قَوْلُهُ بَابٌ كَذَا)
لِلْأَكْثَرِ بِغَيْرِ تَرْجَمَةٍ ولِلكُشْمِيهَنِيِّ بَابُ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا وَكَذَا هُوَ فِي نُسْخَةِ الصَّغَانِيِّ وَهُوَ مُنَاسِبٌ وَلَكِنَّ الْأَوَّلَ أَنْسَبُ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَالْفَصْلِ مِنَ الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ وَوَجْهُ تَعَلُّقِهِ بِهِ أَنَّ طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا إِنَّمَا يَقَعُ عِنْدَ إِشْرَافِ قِيَامِ السَّاعَةِ كَمَا سَأُقَرِّرُهُ .
قَوْلُهُ أَبُو الزِّنَادِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ هُوَ الْأَعْرَجُ وَصَرَّحَ بِهِ الطَّبَرَانِيِّ فِي مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ عَنْ أَبِي الْيَمَانِ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ .
قَوْلُهُ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا إِلَخْ هَذَا بَعْضُ حَدِيثٍ سَاقَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْفِتَنِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ بِتَمَامِهِ وَفِي أَوَّلِهِ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يقتتل فئتان عظيمتان الْحَدِيثَ وَذَكَرَ فِيهِ نَحْوَ عَشَرَةَ أَشْيَاءَ مِنْ هَذَا الْجِنْسَ ثُمَّ ذَكَرَ مَا فِي هَذَا الْبَابِ وَسَأَذْكُرُ شَرْحَهُ مُسْتَوْفًى هُنَاكَ وَأَقْتَصِرُ هُنَا عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ لِأَنَّهُ الْمُنَاسِبُ لِمَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ مِنْ قُرْبِ الْقِيَامَةِ خَاصَّةً وَعَامَّةً قَالَ الطِّيبِيُّ الْآيَاتُ أَمَارَاتٌ لِلسَّاعَةِ إِمَّا عَلَى قُرْبِهَا وَإِمَّا عَلَى حُصُولِهَا فَمِنِ الْأَوَّلِ الدَّجَّالُ وَنُزُولُ عِيسَى وَيَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَالْخَسْفُ وَمِنَ الثَّانِي الدُّخَانُ وَطُلُوعُ الشَّمْسِمِنْ مَغْرِبِهَا وَخُرُوجُ الدَّابَّةِ وَالنَّارُ الَّتِي تَحْشُرُ النَّاسَ وَحَدِيثُ الْبَابِ يُؤْذِنُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ جَعَلَ فِي طُلُوعِهَا مِنَ الْمُغْرِبِ غَايَةً لِعَدَمِ قِيَامِ السَّاعَةِ فَيَقْتَضِي أَنَّهَا إِذَا طَلَعَتْ كَذَلِكَ انْتَفَى عَدَمُ الْقِيَامِ فَثَبَتَ الْقِيَامُ .
قَوْلُهُ فَإِذَا طَلَعَتْ فَرَآهَا النَّاسُ آمَنُوا أَجْمَعُونَ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي التَّفْسِيرِ فَإِذَا رَآهَا النَّاسُ آمَنَ مَنْ عَلَيْهَا أَيْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ النَّاسِ .
قَوْلُهُ فَذَاكَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ فَذَلِكَ وَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَةِ أَبِي زُرْعَةَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي التَّفْسِيرِ أَيْضًا وَذَلِكَ بِالْوَاوِ قَوْله حِين لَا ينفع نفسا ايمانها الْآيَةَ كَذَا هُنَا وَفِي رِوَايَةِ أَبِي زُرْعَةَ ايمانها لم تكن آمَنت من قبل وَفِي رِوَايَةِ هَمَّامٍ إِيمَانُهَا ثُمَّ قَرَأَ الْآيَةَ قَالَ الطَّبَرِيُّ مَعْنَى الْآيَةِ لَا يَنْفَعُ كَافِرًا لَمْ يَكُنْ آمَنَ قَبْلَ الطُّلُوعِ إِيمَانٌ بَعْدَ الطُّلُوعِ وَلَا يَنْفَعُ مُؤْمِنًا لَمْ يَكُنْ عَمِلَ صَالِحًا قَبْلَ الطُّلُوعِ عَمَلٌ صَالِحٌ بَعْدَ الطُّلُوعِ لِأَنَّ حُكْمَ الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ حِينَئِذٍ حُكْمُ مَنْ آمَنَ أَوْ عَمِلَ عِنْدَ الْغَرْغَرَةِ وَذَلِكَ لَا يُفِيدُ شَيْئًا كَمَا قَالَ تَعَالَى فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بأسنا وَكَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ تُقْبَلُ تَوْبَةُ العَبْد مَا لم يبلغ الغرغرة.
وَقَالَ بن عَطِيَّةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَعْضِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى يَوْمَ يَأْتِي بعض آيَات رَبك طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنَ الْمُغْرِبِ وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ الْجُمْهُور وَأسْندَ الطَّبَرِيّ عَن بن مَسْعُودٍ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَعْضِ إِحْدَى ثَلَاثٍ هَذِهِ أَوْ خُرُوجِ الدَّابَّةِ أَوِ الدَّجَّالِ قَالَ وَفِيهِ نظر لَان نزُول عِيسَى بن مَرْيَمَ يُعْقِبُ خُرُوجَ الدَّجَّالِ وَعِيسَى لَا يَقْبَلُ إِلَّا الْإِيمَانَ فَانْتَفَى أَنْ يَكُونَ بِخُرُوجِ الدَّجَّالِ لَا يُقْبَلُ الْإِيمَانُ وَلَا التَّوْبَةُ.
.
قُلْتُ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ ثَلَاثٌ إِذَا خَرَجْنَ لَمْ يَنْفَعْ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا وَالدَّجَّالُ وَدَابَّةُ الْأَرْضِ قِيلَ فَلَعَلَّ حُصُولُ ذَلِكَ يَكُونُ مُتَتَابِعًا بِحَيْثُ تَبْقَى النِّسْبَةُ إِلَى الْأَوَّلِ مِنْهَا مَجَازِيَّةً وَهَذَا بَعِيدٌ لِأَنَّ مُدَّةَ لُبْثِ الدَّجَّالِ إِلَى أَن يقْتله عِيسَى ثمَّ لبس عِيسَى وَخُرُوجِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ كُلُّ ذَلِكَ سَابِقٌ عَلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنَ الْمُغْرِبِ فَالَّذِي يَتَرَجَّحُ مِنْ مَجْمُوعِ الْأَخْبَارِ أَنَّ خُرُوجَ الدَّجَّالِ أَوَّلُ الْآيَاتِ الْعِظَامِ الْمُؤْذِنَةِ بِتَغَيُّرِ الْأَحْوَالِ الْعَامَّةِ فِي مُعظم الأَرْض وَيَنْتَهِي ذَلِك بِمَوْت عِيسَى بن مَرْيَمَ وَأَنَّ طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنَ الْمُغْرِبِ هُوَ أَوَّلُ الْآيَاتِ الْعِظَامِ الْمُؤْذِنَةِ بِتَغَيُّرِ أَحْوَالِ الْعَالَمِ الْعَلَوِيِّ وَيَنْتَهِي ذَلِكَ بِقِيَامِ السَّاعَةِ وَلَعَلَّ خُرُوجَ الدَّابَّةِ يَقَعُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ الَّذِي تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ مِنَ الْمُغْرِبِ وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَفَعَهُ أَوَّلُ الْآيَاتِ طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا وَخُرُوجُ الدَّابَّةِ عَلَى النَّاسِ ضُحًى فَأَيُّهُمَا خَرَجَتْ قَبْلَ الْأُخْرَى فَالْأُخْرَى مِنْهَا قَرِيبٌ وَفِي الْحَدِيثِ قِصَّةٌ لِمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ أَوَّلُ الْآيَاتِ خُرُوجُ الدَّجَّالِ فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو.
.
قُلْتُ وَلِكَلَامِ مَرْوَانَ مَحْمَلٌ يُعْرَفُ مِمَّا ذَكَرْتُهُ قَالَ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ طُلُوعَ الشَّمْسِ يَسْبِقُ خُرُوجَ الدَّابَّةِ ثُمَّ تَخْرُجُ الدَّابَّةُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَوِ الَّذِي يَقْرُبُ مِنْهُ.
.
قُلْتُ وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنَ الْمُغْرِبِ يُغْلَقُ بَابُ التَّوْبَةِ فَتَخْرُجُ الدَّابَّةُ تُمَيِّزُ الْمُؤْمِنَ مِنَ الْكَافِرِ تَكْمِيلًا لِلْمَقْصُودِ مِنْ إِغْلَاقِ بَابِ التَّوْبَةِ وَأَوَّلُ الْآيَاتِ الْمُؤْذِنَةِ بِقِيَامِ السَّاعَةِ النَّارُ الَّتِي تَحْشُرُ النَّاسَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ فِي مَسَائِلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ فَفِيهِ.
.
وَأَمَّا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ فَنَارٌ تَحْشُرُ النَّاسَ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمُغْرِبِ وَسَيَأْتِي فِيهِ زِيَادَةٌ فِي بَابِ كَيْفَ الْحَشْرُ قَالَ بن عَطِيَّةَ وَغَيْرُهُ مَا حَاصِلُهُ مَعْنَى الْآيَةِ أَنَّ الْكَافِرَ لَا يَنْفَعُهُ إِيمَانُهُ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنَ الْمُغْرِبِ وَكَذَلِكَ الْعَاصِي لَا تَنْفَعُهُ تَوْبَتُهُ وَمَنْ لَمْ يَعْمَلْ صَالِحًا مِنْ قَبْلُ وَلَوْ كَانَ مُؤْمِنًا لَا يَنْفَعُهُ الْعَمَلُ بَعْدَ طُلُوعِهَا مِنَ الْمُغْرِبِ.
وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الْمَعْنَى لَا تَنْفَعُ تَوْبَةٌ بَعْدَ ذَلِكَ بَلْ يُخْتَمُ عَلَى عَمَلِ كُلِّ أَحَدٍ بِالْحَالَةِ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَاوَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ هَذَا أَوَّلُ ابْتِدَاءِ قِيَامِ السَّاعَةِ بِتَغَيُّرِ الْعَالِمِ الْعَلَوِيِّ فَإِذَا شُوهِدَ ذَلِكَ حَصَلَ الْإِيمَانُ الضَّرُورِيُّ بِالْمُعَايَنَةِ وَارْتَفَعَ الْإِيمَانُ بِالْغَيْبِ فَهُوَ كَالْإِيمَانِ عِنْدَ الْغَرْغَرَةِ وَهُوَ لَا يَنْفَعُ فَالْمُشَاهَدَةُ لِطُلُوعِ الشَّمْسِ مِنَ الْمُغْرِبِ مِثْلُهُ.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي التَّذْكِرَةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ هَذَا فَعَلَى هَذَا فَتَوْبَةُ مَنْ شَاهَدَ ذَلِكَ أَوْ كَانَ كَالْمَشَاهِدِ لَهُ مَرْدُودَةٌ فَلَوِ امْتَدَّتْ أَيَّامُ الدُّنْيَا بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى أَنْ يُنْسَى هَذَا الْأَمْرُ أَوْ يَنْقَطِعَ تَوَاتُرُهُ وَيَصِيرَ الْخَبَرُ عَنْهُ آحَادًا فَمَنْ أَسْلَمَ حِينَئِذٍ أَوْ تَابَ قُبِلَ مِنْهُ وَأَيَّدَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ يُكْسَيَانِ الضَّوْءَ بَعْدَ ذَلِكَ وَيَطْلُعَانِ وَيَغْرُبَانِ مِنَ الْمَشْرِقِ كَمَا كَانَا قَبْلَ ذَلِكَ قَالَ وَذَكَرَ أَبُو اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ إِنَّمَا لَا يُقْبَلُ الْإِيمَانُ وَالتَّوْبَةُ وَقْتَ الطُّلُوعِ لِأَنَّهُ يَكُونُ حِينَئِذٍ صَيْحَةٌ فَيَهْلِكُ بِهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ فَمَنْ أَسْلَمَ أَوْ تَابَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَمْ تُقْبَلْ تَوْبَتُهُ وَمَنْ تَابَ بَعْدَ ذَلِكَ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ قَالَ وَذَكَرَ الْمَيَانِشِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَفَعَهُ قَالَ تَبْقَى النَّاسُ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا عِشْرِينَ وَمِائَةَ سَنَةٍ.
.
قُلْتُ رَفْعُ هَذَا لَا يَثْبُتُ وَقَدْ أَخْرَجَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي تَفْسِيرِهِ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مَوْقُوفًا وَقَدْ وَرَدَ عَنْهُ مَا يُعَارِضُهُ فَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَنُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَفَعَهُ الْآيَاتُ خَرَزَاتٌ مَنْظُومَاتٌ فِي سِلْكٍ إِذَا انْقَطَعَ السِّلْكُ تَبِعَ بَعْضُهَا بَعْضًا وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَفَعَهُ إِذَا طَلَعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا خَرَّ إِبْلِيسُ سَاجِدًا يُنَادِي إِلَهِي مُرْنِي أَنْ أَسْجُدَ لِمَنْ شِئْتَ الْحَدِيثَ وَأَخْرَجَ نُعَيْمٌ نَحْوَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْحسن وَقَتَادَة بأسانيد مُخْتَلفَة وَعند بن عَسَاكِرَ مِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ الْغِفَارِيِّ رَفَعَهُ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ عَشْرُ آيَاتٍ كَالنَّظْمِ فِي الْخَيْطِ إِذَا سَقَطَ مِنْهَا وَاحِدةٌ تَوَالَتْ وَعَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ بَيْنَ أَوَّلِ الْآيَاتِ وَآخِرِهَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ يَتَتَابَعْنَ كَتَتَابُعِ الْخَرَزَاتِ فِي النِّظَامِ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بِأَنَّ الْمُدَّةَ وَلَوْ كَانَتْ كَمَا قَالَ عِشْرِينَ وَمِائَةَ سَنَةٍ لَكِنَّهَا تَمُرُّ مُرُورًا سَرِيعًا كَمِقْدَارِ مُرُورِ عِشْرِينَ وَمِائَةِ شَهْرٍ مِنْ قَبْلِ ذَلِكَ أَوْ دُونَ ذَلِكَ كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أُبَيِّ هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَكُونَ السَّنَةُ كَالشَّهْرِ الْحَدِيثَ وَفِيهِ وَالْيَوْمُ كَاحْتِرَاقِ السَّعَفَةِ.
.
وَأَمَّا حَدِيثُ عِمْرَانَ فَلَا أَصْلَ لَهُ وَقَدْ سَبَقَهُ إِلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ فَقَالَ فِي بَابِ خُرُوجِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ فَصْلٌ ذَكَرَ الْحَلِيمِيُّ أَنَّ أَوَّلَ الْآيَاتِ الدَّجَّالُ ثُمَّ نُزُولُ عِيسَى لِأَنَّ طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنَ الْمُغْرِبِ لَوْ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ عِيسَى لَمْ يَنْفَعِ الْكُفَّارَ إِيمَانُهُمْ فِي زَمَانِهِ وَلَكِنَّهُ يَنْفَعُهُمْ إِذْ لَوْ لَمْ يَنْفَعْهُمْ لَمَا صَارَ الدِّينُ وَاحِدًا بِإِسْلَامِ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهُوَ كَلَامٌ صَحِيحٌ لَوْ لَمْ يُعَارِضِ الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ الْمَذْكُورَ أَنَّ أَوَّلَ الْآيَاتِ طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنَ الْمَغْرِبِ وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو طُلُوعُ الشَّمْسِ أَوْ خُرُوجُ الدَّابَّةِ وَفِي حَدِيثِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ الْجَزْمُ بِهِمَا وَبِالدَّجَّالِ فِي عَدَمِ نَفْعِ الْإِيمَانِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ إِنْ كَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ أَنَّ طُلُوعَ الشَّمْسِ سَابِقٌ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ نَفْيَ النَّفْعِ عَنْ أَنْفُسِ الْقَرْنِ الَّذِينَ شَاهَدُوا ذَلِكَ فَإِذَا انْقَرَضُوا وَتَطَاوَلَ الزَّمَانُ وَعَادَ بَعْضُهُمْ إِلَى الْكُفْرِ عَادَ تَكْلِيفُهُ الْإِيمَانَ بِالْغَيْبِ وَكَذَا فِي قِصَّةِ الدَّجَّالِ لَا يَنْفَعُ إِيمَانُ مَنْ آمَنَ بِعِيسَى عِنْدَ مُشَاهَدَةِ الدَّجَّالِ وَيَنْفَعُهُ بَعْدَ انْقِرَاضِهِ وَإِنْ كَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ طُلُوعَ الشَّمْسِ بَعْدَ نُزُولِ عِيسَى احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْآيَاتِ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو آيَاتٍ أُخْرَى غَيْرَ الدَّجَّالِ وَنُزُولِ عِيسَى إِذْ لَيْسَ فِي الْخَبَرِ نَصٌّ عَلَى أَنَّهُ يَتَقَدَّمُ عِيسَى.
.
قُلْتُ وَهَذَا الثَّانِي هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَالْأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ تُخَالِفُهُ فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ مَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَمَفْهُومُهُ أَنَّ مَنْ تَابَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ تُقْبَلْ وَلِأَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ رَفَعَهُ لَا تَزَالُ تُقْبَلُ التَّوْبَةُ حَتَّىتطلع الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا وَسَنَدُهُ جَيِّدٌ وَلِلطَّبَرَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ نَحْوُهُ وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالطَّبَرِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكِ بْنِ يُخَامِرَ بِضَمِّ التَّحْتَانِيَّةِ بَعْدَهَا خَاءٌ مُعْجَمَةٌ وَبِكَسْرِ الْمِيمِ وَعَنْ مُعَاوِيَةَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَفَعُوهُ لَا تَزَالُ التَّوْبَةُ مَقْبُولَةً حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا فَإِذَا طَلَعَتْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبٍ بِمَا فِيهِ وَكَفَى النَّاسَ الْعَمَلَ وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالدَّارِمِيُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي تَفْسِيرِهِ كُلُّهُمْ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ رَفَعَهُ لَا تَنْقَطِعُ التَّوْبَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الشعْثَاء عَن بن مَسْعُودٍ مَوْقُوفًا التَّوْبَةُ مَفْرُوضَةٌ مَا لَمْ تَطْلُعِ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا وَفِي حَدِيثِ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ بِالْمَغْرِبِ بَابًا مَفْتُوحًا لِلتَّوْبَةِ مَسِيرَةَ سَبْعِينَ سَنَةً لَا يُغْلَقُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ نَحْوِهِ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ.
وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيح وَأخرجه أَيْضا النَّسَائِيّ وبن ماجة وَصَححهُ بن خُزَيْمَة وبن حبَان وَفِي حَدِيث بن عَبَّاس نَحوه عِنْد بن مَرْدَوَيْهِ وَفِيهِ فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا رُدَّ الْمِصْرَاعَانِ فَيَلْتَئِمُ مَا بَيْنَهُمَا فَإِذَا أُغْلِقَ ذَلِكَ الْبَابُ لَمْ تُقْبَلْ بَعْدَ ذَلِكَ تَوْبَةٌ وَلَا تَنْفَعُ حَسَنَةٌ إِلَّا مَنْ كَانَ يَعْمَلُ الْخَيْرَ قَبْلَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَجْرِي لَهُمْ مَا كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ وَفِيهِ فَقَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ فَكَيْفَ بِالشَّمْسِ وَالنَّاسِ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ تُكْسَى الشَّمْسُ الضَّوْءَ وَتَطْلُعُ كَمَا كَانَتْ تَطْلُعُ وَتُقْبِلُ النَّاسُ عَلَى الدُّنْيَا فَلَوْ نَتَجَ رَجُلٌ مُهْرًا لَمْ يَرْكَبْهُ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عِنْدَ نُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ فِي كِتَابِ الْفِتَنِ وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ وَهْبِ بْنِ جَابِرٍ الْخَيْوَانِيِّ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ قَالَ كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَذَكَرَ قِصَّةً قَالَ ثُمَّ أَنْشَأَ يُحَدِّثُنَا قَالَ إِنَّ الشَّمْسَ إِذَا غَرَبَتْ سَلَّمَتْ وَسَجَدَتْ وَاسْتَأْذَنَتْ فِي الطُّلُوعِ فَيُؤْذَنُ لَهَا حَتَّى إِذَا كَانَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَلَا يُؤْذَنُ لَهَا وَتُحْبَسُ مَا شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ يُقَالُ لَهَا اطْلُعِي مِنْ حَيْثُ غَرَبْتِ قَالَ فَمِنْ يَوْمِئِذٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ كَذَلِكَ وَمِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى وَزَادَ فِيهَا قِصَّةَ الْمُتَهَجِّدِينَ وَأَنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ يَسْتَنْكِرُونَ بُطْءَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَأَخْرَجَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ تَأْتِي لَيْلَةُ قَدْرٍ ثَلَاثَ لَيَالٍ لَا يَعْرِفُهَا إِلَّا الْمُتَهَجِّدُونَ يَقُومُ فَيَقْرَأُ حِزْبَهُ ثُمَّ يَنَامُ ثُمَّ يَقُومُ فَيَقْرَأُ ثُمَّ يَنَامُ ثُمَّ يَقُومُ فَعِنْدَهَا يَمُوجُ النَّاسُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ حَتَّى إِذَا صَلَّوُا الْفَجْرَ وَجَلَسُوا فَإِذَا هُمْ بِالشَّمْسِ قَدْ طَلَعَتْ مِنْ مَغْرِبِهَا فَيَضِجُّ النَّاسُ ضَجَّةً وَاحِدَةً حَتَّى إِذَا تَوَسَّطَتِ السَّمَاءَ رَجَعَتْ وَعِنْدَ الْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث والنشور من حَدِيث بن مَسْعُودٍ نَحْوُهُ فَيُنَادِي الرَّجُلُ جَارَهُ يَا فُلَانُ مَا شَأْنُ اللَّيْلَةِ لَقَدْ نِمْتُ حَتَّى شَبِعْتُ وَصَلَّيْتُ حَتَّى أُعْيِيتُ وَعِنْدَ نُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ لَا يَلْبَثُونَ بَعْدَ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ إِلَّا قَلِيلًا حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبهَا فَيُنَادِيهِمْ مُنَادٍ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ قُبِلَ مِنْكُمْ وَيَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا قَدْ أُغْلِقَ عَنْكُمْ بَابُ التَّوْبَةِ وَجَفَّتِ الْأَقْلَامُ وَطُوِيَتِ الصُّحُفُ وَمِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ شُرَيْحٍ وَكَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ مِنَ الْمَغْرِبِ يُطْبَعُ عَلَى الْقُلُوبِ بِمَا فِيهَا وَتَرْتَفِعُ الْحَفَظَةُ وَتُؤْمَرُ الْمَلَائِكَةُ أَنْ لَا يَكْتُبُوا عَمَلًا وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَالطَّبَرِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ مِنْ طَرِيقِ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَائِشَةَ إِذَا خَرَجَتْ أَوَّلُ الْآيَاتِ طُرِحَتِ الْأَقْلَامُ وَطُوِيَتِ الصُّحُفُ وَخَلَصَتِ الْحَفَظَةُ وَشَهِدَتِ الْأَجْسَادُ عَلَى الْأَعْمَالِ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ مَوْقُوفًا فَحُكْمُهُ الرَّفْعُ وَمِنْ طَرِيقِ الْعَوْفِيِّ عَن بن عَبَّاس نَحوه وَمن طَرِيق بن مَسْعُودٍ قَالَ الْآيَةُ الَّتِي يُخْتَمُ بِهَا الْأَعْمَالُ طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا فَهَذِهِ آثَارٌ يَشُدُّ بَعْضُهَا بَعْضًا مُتَّفِقَةٌ عَلَى أَنَّ الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ مِنَ الْمَغْرِبِ أُغْلِقَ بَابُ التَّوْبَةِ وَلَمْ يُفْتَحْ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ بِيَوْمِ الطُّلُوعِ بَلْ يَمْتَدُّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَيُؤْخَذُ مِنْهَا أَنَّ طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا أَوَّلُ الْإِنْذَارِ بِقِيَامِ السَّاعَةِ وَفِي ذَلِكَ رَدٌّعَلَى أَصْحَابِ الْهَيْئَةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ أَنَّ الشَّمْسَ وَغَيْرَهَا مِنَ الْفَلَكِيَّاتِ بَسِيطَةٌ لَا يَخْتَلِفُ مُقْتَضَيَاتُهَا وَلَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهَا تَغْيِيرُ مَا هِيَ عَلَيْهِ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ وَقَوَاعِدُهُمْ مَنْقُوضَةٌ وَمُقَدِّمَاتُهُمْ مَمْنُوعَةٌ وَعَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِهَا فَلَا امْتِنَاعَ مِنِ انْطِبَاقِ مِنْطِقَةِ الْبُرُوجِ الَّتِي هِيَ مُعَدَّلُ النَّهَارِ بِحَيْثُ يَصِيرُ الْمَشْرِقُ مَغْرِبًا وَبِالْعَكْسِ وَاسْتَدَلَّ صَاحِبُ الْكَشَّافِ بِهَذِهِ الْآيَةِ لِلْمُعْتَزِلَةِ فَقَالَ .
قَوْلُهُ لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ من قبل صِفَةٌ لِقولِهِ نَفْسًا وَقَولُهُ أَوْ كَسَبَتْ فِي ايمانها خيرا عطف على آمَنت وَالْمعْنَى أَنَّ أَشْرَاطَ السَّاعَةِ إِذَا جَاءَتْ وَهِيَ آيَاتٌ مُلْجِئَةٌ لِلْإِيمَانِ ذَهَبَ أَوَانُ التَّكْلِيفِ عِنْدَهَا فَلَمْ يَنْفَعِ الْإِيمَانُ حِينَئِذٍ مِنْ غَيْرِ مُقَدِّمَةِ إِيمَانِهَا قَبْلَ ظُهُورِ الْآيَاتِ أَوْ مُقَدِّمَةِ إِيمَانِهَا مِنْ غَيْرِ تَقْدِيمِ عَمَلٍ صَالِحٍ فَلَمْ يُفَرِّقْ كَمَا تَرَى بَيْنَ النَّفْسِ الْكَافِرَةِ وَبَيْنَ النَّفْسِ الَّتِي آمَنَتْ فِي وَقْتِهِ وَلَمْ تَكْتَسِبْ خَيْرًا لِيُعْلَمَ ان قَوْله الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات جَمْعٌ بَيْنَ قَرِينَتَيْنِ لَا يَنْبَغِي أَنْ تَنْفَكَّ إِحْدَاهُمَا عَنِ الْأُخْرَى حَتَّى يَفُوزَ صَاحِبُهَا وَيَسْعَدَ وَإِلَّا فَالشِّقْوَةُ وَالْهَلَاكُ قَالَ الشِّهَابُ السَّمِينُ قَدْ أَجَابَ النَّاسُ بِأَنَّ الْمَعْنَى فِي الْآيَةِ أَنَّهُ إِذَا أَتَى بَعْضُ الْآيَاتِ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا كَافِرَةً إِيمَانُهَا الَّذِي أَوْقَعَتْهُ إِذْ ذَاكَ وَلَا يَنْفَعُ نَفْسًا سَبْقُ إِيمَانِهَا وَلَمْ تَكْسِبْ فِيهِ خَيْرًا فَقَدْ عَلَّقَ نَفْيَ نَفْعِ الْإِيمَانِ بِأَحَدِ وَصْفَيْنِ إِمَّا نَفْيُ سَبْقِ الْإِيمَانِ فَقَطْ وَإِمَّا سَبْقُهُ مَعَ نَفْيِ كَسْبِ الْخَيْرِ وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ يَنْفَعُ الْإِيمَانُ السَّابِقُ وَحْدَهُ وَكَذَا السَّابِقُ وَمَعَهُ الْخَيْرُ وَمَفْهُومُ الصِّفَةِ قَوِيٌّ فَيُسْتَدَلُّ بِالْآيَةِ لِمَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَيَكُونُ فِيهِ قَلْبُ دَلِيلِ الْمُعْتَزِلَةِ دَلِيلا عَلَيْهِم وَأجَاب بن الْمُنِيرِ فِي الِانْتِصَافِ فَقَالَ هَذَا الْكَلَامُ مِنَ الْبَلَاغَةِ يُلَقَّبُ اللَّفَّ وَأَصْلُهُ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُنَفْسًا لَمْ تَكُنْ مُؤْمِنَةً قَبْلَ إِيمَانِهَا بَعْدُ وَلَا نَفْسًا لَمْ تَكْسِبْ خَيْرًا قَبْلَ مَا تكتسبه من الْخَيْر بعد فلف الْكَلَامَيْنِ فَجَعَلَهُمَا كَلَامًا وَاحِدًا إِيجَازًا وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَظْهَرُ أَنَّهَا لَا تُخَالِفُ مَذْهَبَ أَهْلِ الْحَقِّ فَلَا يَنْفَعُ بَعْدَ ظُهُورِ الْآيَاتِ اكْتِسَابُ الْخَيْرِ وَلَوْ نَفَعَ الْإِيمَانُ الْمُتَقَدِّمُ مِنَ الْخُلُودِ فَهِيَ بِالرَّدِّ عَلَى مَذْهَبِهِ أَوْلَى مِنْ أَنْ تَدُلَّ لَهُ.
وَقَالَ بن الْحَاجِبِ فِي أَمَالِيهِ الْإِيمَانُ قَبْلَ مَجِيءِ الْآيَةِ نَافِعٌ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَمَلٌ صَالِحٌ غَيْرُهُ وَمعنى الْآيَة لَا ينفع نفسا ايمانها ولاكسبها الْعَمَلَ الصَّالِحَ لَمْ يَكُنِ الْإِيمَانُ قَبْلَ الْآيَةِ أَوْ لَمْ يَكُنِ الْعَمَلُ مَعَ الْإِيمَانِ قَبْلَهَا فَاخْتُصِرَ لِلْعِلْمِ وَنَقَلَ الطِّيبِيُّ كَلَامَ الْأَئِمَّةِ فِي ذَلِك ثمَّ قَالَ الْمُعْتَمد مَا قَالَ بن الْمُنِير وبن الْحَاجِبِ وَبَسَطَهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا خَاطَبَ الْمُعَانِدِينَ بَقَوْلِهِ تَعَالَى وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبعُوهُ الْآيَةَ عَلَّلَ الْإِنْزَالَ بِقَوْلِهِ أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا انْزِلْ الْكتاب إِلَخْ إِزَالَةً لِلْعُذْرِ وَإِلْزَامًا لِلْحُجَّةِ وَعَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ تَبْكِيتًا لَهُمْ وَتَقْرِيرًا لِمَا سَبَقَ مِنْ طَلَبِ الِاتِّبَاعِ ثُمَّ قَالَ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ الْآيَةَ أَيْ أَنَّهُ أَنْزَلَ هَذَا الْكِتَابَ الْمُنِيرَ كَاشِفًا لِكُلِّ رَيْبٍ وَهَادِيًا إِلَى الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ وَرَحْمَةً مِنَ اللَّهِ لِلْخَلْقِ لِيَجْعَلُوهُ زَادًا لِمَعَادِهِمْ فِيمَا يُقَدِّمُونَهُ مِنَ الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ فَجَعَلُوا شُكْرَ النِّعْمَةِ أَنْ كَذَّبُوا بِهَا وَمُنِعُوا مِنَ الِانْتِفَاع بهَا ثمَّ قَالَ هَل ينظرُونَ الْآيَةَ أَيْ مَا يَنْتَظِرُ هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ الدُّنْيَا بِنُزُولِ الْمَلَائِكَةِ بِالْعِقَابِ الَّذِي يَسْتَأْصِلُ شَأْفَتَهُمْ كَمَا جَرَى لِمَنْ مَضَى مِنَ الْأُمَمِ قَبْلَهُمْ أَوْ يَأْتِيَهِمْ عَذَابُ الْآخِرَةِ بِوُجُودِ بَعْضِ قَوَارِعِهَا فَحِينَئِذٍ تَفُوتُ تِلْكَ الْفُرْصَةُ السَّابِقَةُ فَلَا يَنْفَعُهُمْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ يَنْفَعُهُمْ مِنْ قَبْلُ مِنَ الْإِيمَانِ وَكَذَا الْعَمَلُ الصَّالِحُ مَعَ الْإِيمَانِ فَكَأَنَّهُ قِيلَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا وَلَا كَسْبُهَا الْعَمَلَ الصَّالِحَ فِي إِيمَانِهَا حِينَئِذٍ إِذَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا مِنْ قَبْلُ فَفِي الْآيَةِ لَفٌّ لَكِنْ حُذِفَتْ إِحْدَى الْقَرِينَتَيْنِ بِإِعَانَةِ النَّشْرِ وَنَظِيرُهُ .
قَوْلُهُ تَعَالَى وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ ويستكبر فسيحشرهم إِلَيْهِ جَمِيعًا قَالَ فَهَذَا الَّذِي عناه بن الْمُنِيرِ بِقَوْلِهِ إِنَّ هَذَا الْكَلَامَ فِي الْبَلَاغَةِ يُقَالُ لَهُ اللَّفُّ وَالْمَعْنَى يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا لَمْ تَكُنْ مُؤْمِنَةً مِنْ قَبْلِ ذَلِكَ إِيمَانُهَا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَلَا يَنْفَعُ نَفْسًا كَانَتْ مُؤْمِنَةً لَكِنْ لَمْ تَعْمَلْ فِي إِيمَانِهَا عَمَلًا صَالِحًا قَبْلَ ذَلِكَ مَا تَعْمَلُهُ مِنَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَظْهَرُ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ فَلَا يَنْفَعُ بَعْدَ ظُهُورِ الْآيَةِ اكْتِسَابُ الْخَيْرِ أَيْ لِإِغْلَاقِ بَابِ التَّوْبَةِ وَرَفْعِ الصُّحُفِ وَالْحَفَظَةِ وَإِنْ كَانَ مَا سَبَقَ قَبْلَ ظُهُورِ الْآيَةِ مِنَ الْإِيمَانِ يَنْفَعُ صَاحِبَهُ فِي الْجُمْلَةِ ثُمَّ قَالَ الطِّيبِيُّ وَقَدْ ظَفِرْتُ بِفَضْلِ اللَّهِ بَعْدَ هَذَا التَّقْرِيرِ عَلَى آيَةٍ أُخْرَى تُشْبِهُ هَذِهِ الْآيَةَ وَتُنَاسِبُ هَذَا التَّقْرِيرَ مَعْنًى وَلَفْظًا مِنْ غَيْرِ إِفْرَاطٍ وَلَا تَفْرِيطٍ وَهِيَ .
قَوْلُهُ تَعَالَى وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خسروا أنفسهم الْآيَةَ فَإِنَّهُ يَظْهَرُ مِنْهُ أَنَّ الْإِيمَانَ الْمُجَرَّدَ قَبْلَ كَشْفِ قَوَارِعِ السَّاعَةِ نَافِعٌ وَأَنَّ الْإِيمَانَ الْمُقَارَنَ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ أَنْفَعُ.
.
وَأَمَّا بَعْدَ حُصُولِهَا فَلَا يَنْفَعُ شَيْءٌ أَصْلًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى مُلَخَّصًا .
قَوْلُهُ وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدِ انْصَرَفَ الرَّجُلُ بِلَبَنِ لِقْحَتِهِ بِكَسْرِ اللَّامِ وَسُكُونِ الْقَافِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ هِيَ ذَاتُ الدَّرِّ مِنَ النُّوقِ .
قَوْلُهُ يُلِيطُ حَوْضَهُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَيُقَالُ أَلَاطَ حَوْضَهُ إِذَا مَدَرَهُ أَيْ جَمَعَ حِجَارَةً فَصَيَّرَهَا كَالْحَوْضِ ثُمَّ سَدَّ مَا بَيْنَهَا مِنَ الْفُرَجِ بِالْمَدَرِ وَنَحْوِهِ لِيَنْحَبِسَ الْمَاءُ هَذَا أَصْلُهُ وَقَدْ يَكُونُ لِلْحَوْضِ خُرُوقٌ فَيَسُدُّهَا بِالْمَدَرِ قَبْلَ أَنْ يَمْلَأَهُ وَفِي كُلِّ ذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْقِيَامَةَ تقوم بَغْتَة كَمَا قَالَ الله تَعَالَى لَا تَأْتيكُمْ الا بَغْتَةعَلَيْهِ
[ قــ
:6167 ... غــ
:6505] حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ يُوسُفَ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ حَدَّثَنَا .
قَوْلُهُ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ فِي رِوَايَةِ غَيْرِ أَبِي ذَر أخبرنَا أَبُو بكر وَهُوَ بن عَيَّاشٍ .
قَوْلُهُ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ فِي رِوَايَةِ بن مَاجَهْ حَدَّثَنَا أَبُو حُصَيْنٍ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ أَوَّلَهُ وَأَبُو صَالِحٍ هُوَ ذَكْوَانُ وَالْإِسْنَادُ كُلُّهُ كُوفِيُّونَ .
قَوْلُهُ كَهَاتَيْنِ يَعْنِي أُصْبُعَيْنِ كَذَا فِي الْأَصْلِ وَوَقع عِنْد بن مَاجَهْ عَنْ هَنَّادِ بْنِ السَّرِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ وَجَمَعَ بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ عَنْ هَنَّادٍ بِلَفْظِ وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى بَدَلَ قَوْلِهِ يَعْنِي أُصْبُعَيْنِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ سُفْيَانَ عَنْ هَنَّادٍ بِلَفْظِ كَهَذِهِ مِنْ هَذِهِ يَعْنِي أُصْبُعَيْهِ وَلَهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ عَنِ الدَّوْرِيِّ وَأَشَارَ أَبُو بَكْرٍ بِأُصْبُعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالَّتِي تَلِيهَا وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ فِي رِوَايَةِ الطَّبَرِيِّ إِدْرَاجًا وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ ثَابِتَةٌ فِي الْمَرْفُوعِ لَكِنْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أُصْبُعَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشَارَ بِالْمُسَبِّحَةِ وَالَّتِي تَلِيهَا وَهُوَ يَقُولُ بعثت أَنا والساعة كهذه من هَذِه وَفِي رِوَايَةً لَهُ عَنْهُ وَجَمَعَ بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَالْمُرَادُ بِالسَّبَّابَةِ وَهِيَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ الْأُصْبُعَ الَّتِي بَيْنَ الْإِبْهَامِ وَالْوُسْطَى وَهِيَ الْمُرَادُ بِالْمُسَبِّحَةِ سُمِّيَتْ مُسَبِّحَةً لِأَنَّهَا يُشَارُ بِهَا عِنْدَ التَّسْبِيحِ وَتُحَرَّكُ فِي التَّشَهُّدِ عِنْدَ التَّهْلِيلِ إِشَارَةً إِلَى التَّوْحِيدِ وَسُمِّيَتْ سَبَّابَةً لِأَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا تَسَابُّوا أَشَارُوا بِهَا .
قَوْلُهُ تَابَعَهُ إِسْرَائِيلُ يَعْنِي بن يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ يَعْنِي بِالسَّنَدِ وَالْمَتْنِ وَقَدْ وَصَلَهُ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى عَنْ إِسْرَائِيلَ بِسَنَدِهِ قَالَ مِثْلَ رِوَايَةِ هَنَّادٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَقَدْ تَابَعَهُمَا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ قَالَ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ أَشَارَ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى اخْتِلَافِ أَلْفَاظِهِ إِلَى قِلَّةِ الْمُدَّةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّاعَةِ وَالتَّفَاوُتِ إِمَّا فِي الْمُجَاوَرَةِ وَإِمَّا فِي قَدْرِ مَا بَيْنَهُمَا وَيُعَضِّدُهُ .
قَوْلُهُ كَفَضْلِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْأُخْرَى.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ هَذَا الَّذِي يَتَّجِهُ أَنْ يُقَالَ وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ الْأَوَّلَ لَقَامَتِ السَّاعَةُ لاتصال إِحْدَى الاصبعين بِالْأُخْرَى قَالَ بن التِّينِ اخْتُلِفَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ كَهَاتَيْنِ فَقِيلَ كَمَا بَيْنَ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى فِي الطُّولِ وَقِيلَ الْمَعْنَى لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا نَبِيٌّ.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ حَاصِلُ الْحَدِيثِ تَقْرِيبُ أَمْرِ السَّاعَةِ وَسُرْعَةُ مَجِيئِهَا قَالَ وَعَلَى رِوَايَةِ النَّصْبِ يَكُونُ التَّشْبِيهُ وَقَعَ بِالِانْضِمَامِ وَعَلَى الرَّفْعِ وَقَعَ بِالتَّفَاوُتِ.
وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّ نِسْبَةَ تَقَدُّمِ الْبَعْثَةِ
النَّبَوِيَّةِ عَلَى قِيَامِ السَّاعَةِ كَنِسْبَةِ فَضْلِ إِحْدَى الْأُصْبُعَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى وَقِيلَ الْمُرَادُ اسْتِمْرَارُ دَعَوْتِهِ لَا تَفْتَرِقُ إِحْدَاهُمَا عَنِ الْأُخْرَى كَمَا أَنَّ الْأُصْبُعَيْنِ لَا تَفْتَرِقُ إِحْدَاهُمَا عَنِ الْأُخْرَى وَرَجَّحَ الطِّيبِيُّ قَوْلَ الْبَيْضَاوِيِّ بِزِيَادَةِ الْمُسْتَوْرِدِ فِيهِ.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي التَّذْكِرَةِ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ تَقْرِيبُ أَمْرِ السَّاعَةِ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِحَدِيثِ الْبَابِ أَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّاعَةِ نَبِيٌّ كَمَا لَيْسَ بَيْنَ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى أُصْبُعٌ أُخْرَى وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ عِلْمُ وَقْتِهَا بِعَيْنِهِ لَكِنَّ سِيَاقَهُ يُفِيدُ قُرْبِهَا وَأَنَّ أَشْرَاطَهَا مُتَتَابِعَةٌ كَمَا قَالَ تَعَالَى فقد جَاءَ اشراطها قَالَ الضَّحَّاكُ أَوَّلُ أَشْرَاطِهَا بَعْثَةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْحِكْمَةُ فِي تَقَدُّمِ الْأَشْرَاطِ إِيقَاظُ الْغَافِلِينَ وَحَثُّهُمْ عَلَى التَّوْبَةِ وَالِاسْتِعْدَادِ.
وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ قِيلَ مَعْنَاهُ الْإِشَارَةُ إِلَى قُرْبِ الْمُجَاوَرَةِ وَقِيلَ إِلَى تَفَاوُتِ مَا بَيْنَهُمَا طُولًا وَعَلَى هَذَا فَالنَّظَرُ فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ إِلَى الْعَرْضِ وَقِيلَ الْمُرَادُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا وَاسِطَةٌ وَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّ اللَّهَ عِنْده علم السَّاعَة وَنَحْوُ ذَلِكَ لِأَنَّ عِلْمَ قُرْبِهَا لَا يَسْتَلْزِمُ عِلْمَ وَقْتِ مَجِيئِهَا مُعَيَّنًا وَقِيلَ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَ الْقِيَامَةِ شَيْءٌ هِيَ الَّتِي تَلِينِي كَمَا تَلِي السَّبَّابَةُ الْوُسْطَى وَعَلَى هَذَا فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ تَعَالَى عَنِ السَّاعَةِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ.
وَقَالَ عِيَاضٌ حَاوَلَ بَعْضُهُمْ فِي تَأْوِيلِهِ أَنَّ نِسْبَةَ مَا بَيْنَ الْأُصْبُعَيْنِ كَنِسْبَةِ مَا بَقِيَ مِنَ الدُّنْيَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا مَضَى وَأَنَّ جُمْلَتَهَا سَبْعَةُ آلَافِ سَنَةٍ وَاسْتَنَدَ إِلَى أَخْبَارٍ لَا تَصِحُّ وَذَكَرَ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي تَأْخِيرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ نِصْفَ يَوْمٍ وَفَسَّرَهُ بِخَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ فَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الَّذِي بَقِيَ نِصْفُ سُبُعٍ وَهُوَ قَرِيبٌ مِمَّا بَيْنَ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى فِي الطُّولِ قَالَ وَقَدْ ظَهَرَ عَدَمُ صِحَّةِ ذَلِكَ لِوُقُوعِ خِلَافِهُ وَمُجَاوَزَةِ هَذَا الْمِقْدَارِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ ثَابِتًا لَمْ يَقَعْ خِلَافُهُ.
.
قُلْتُ وَقَدِ انْضَافَ إِلَى ذَلِكَ مُنْذُ عَهْدِ عِيَاضٍ إِلَى هَذَا الْحِين ثَلَاثمِائَة سنة.
وَقَالَ بن الْعَرَبِيِّ قِيلَ الْوُسْطَى تَزِيدُ عَلَى السَّبَّابَةِ نِصْفَ سبعها وَكَذَلِكَ الْبَاقِي من الدُّنْيَا مِنَ الْبَعْثَةِ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ قَالَ وَهَذَا بَعِيدٌ وَلَا يُعْلَمُ مِقْدَارُ الدُّنْيَا فَكَيْفَ يَتَحَصَّلُ لَنَا نِصْفُ سُبُعِ أَمَدٍ مَجْهُولٍ فَالصَّوَابُ الْإِعْرَاضُ عَنْ ذَلِكَ.
.
قُلْتُ السَّابِقُ إِلَى ذَلِكَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ فَإِنَّهُ أَوْرَدَ فِي مُقَدّمَة تَارِيخه عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ الدُّنْيَا جُمُعَةٌ مِنْ جُمَعِ الْآخِرَةِ سَبْعَةُ آلَافِ سَنَةٍ وَقَدْ مَضَى سِتَّةُ آلَافِ وَمِائَةُ سَنَةٍ وَأَوْرَدَهُ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ يَعْقُوبَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْهُ وَيَحْيَى هُوَ أَبُو طَالِبٍ الْقَاصُّ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ الْبُخَارِيُّ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ وَشَيْخُهُ هُوَ فَقِيهُ الْكُوفَةِ وَفِيهِ مَقَالٌ ثُمَّ أَوْرَدَ الطَّبَرِيُّ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ قَالَ الدُّنْيَا سِتَّةُ آلَافِ سَنَةٍ وَعَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ مِثْلَهُ وَزَادَ أَنَّ الَّذِي مَضَى مِنْهَا خَمْسَةُ آلَافٍ وَسِتُّمِائَةِ سَنَةٍ ثُمَّ زَيَّفَهُمَا وَرَجَّحَ مَا جَاءَ عَن بن عَبَّاس ثمَّ أورد حَدِيث بن عُمَرَ الَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ مَرْفُوعًا مَا أَجَلُكُمْ فِي أَجَلِ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ إِلَّا مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى مَغْرِبِ الشَّمْسِ وَمِنْ طَرِيقِ مُغيرَة بن حَكِيم عَن بن عُمَرَ بِلَفْظِ مَا بَقِيَ لِأُمَّتِي مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا كَمِقْدَارِ إِذَا صَلَّيْتُ الْعَصْرَ وَمِنْ طَرِيقِ مُجَاهِد عَن بن عُمَرَ كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالشَّمْسُ عَلَى قُعَيْقِعَانٍ مُرْتَفِعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ فَقَالَ مَا أَعْمَارُكُمْ فِي أَعْمَارِ مَنْ مَضَى إِلَّا كَمَا بَقِيَ مِنْ هَذَا النَّهَارِ فِيمَا مَضَى مِنْهُ وَهُوَ عِنْدَ أَحْمَدَ أَيْضًا بِسَنَدٍ حَسَنٍ ثُمَّ أَوْرَدَ حَدِيثَ أَنَسٍ خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا وَقَدْ كَادَتِ الشَّمْسُ تَغِيبُ فَذَكَرَ نَحْوَ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ عَن بن عُمَرَ وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ بِمَعْنَاهُ قَالَ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ إِنَّ مِثْلَ مَا بَقِيَ مِنَ الدُّنْيَا فِيمَا مَضَى مِنْهَا كَبَقِيَّةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِيمَا مَضَى مِنْهُ وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ أَخْرَجَهُ أَيْضًا وَفِيهِ عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَحَدِيثُ أَنَسٍ أَخْرَجَهُ أَيْضًا وَفِيهِ مُوسَى بْنُ خَلَفٍ ثُمَّ جَمَعَ بَيْنَهُمَا بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ حَمَلَ قَوْلَهُ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ عَلَى مَا إِذَا صَلَّيْتَ فِي
وَسَطٍ مِنْ وَقْتِهَا.
.
قُلْتُ وَهُوَ بَعِيدٌ مِنْ لفظ أنس وَأبي سعيد وَحَدِيث بن عُمَرَ صَحِيحٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَالصَّوَابُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ وَلَهُ مَحْمَلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّشْبِيهِ التَّقْرِيبُ وَلَا يُرَاد حَقِيقَة الْمِقْدَار فبه يَجْتَمِعُ مَعَ حَدِيثِ أَنَسٍ وَأَبِي سَعِيدٍ عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهِمَا وَالثَّانِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى ظَاهِرِهِ فَيقدم حَدِيث بن عُمَرَ لِصِحَّتِهِ وَيَكُونُ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ مُدَّةَ هَذِهِ الْأُمَّةِ قَدْرُ خُمُسِ النَّهَارِ تَقْرِيبًا ثُمَّ أَيَّدَ الطَّبَرِيُّ كَلَامَهُ بِحَدِيثِ الْبَابِ وَبِحَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَلَفْظُهُ وَاللَّهِ لَا تَعْجِزُ هَذِهِ الْأُمَّةُ مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ وَلَكِنْ رَجَّحَ الْبُخَارِيُّ وَقْفَهُ وَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ بِلَفْظِ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ لَا تَعْجِزَ أُمَّتِي عِنْدَ رَبِّهَا أَنْ يُؤَخِّرَهُمْ نِصْفَ يَوْمٍ قِيلَ لِسَعْدٍ كَمْ نِصْفُ يَوْمٍ قَالَ خَمْسُمِائَةِ سَنَةٍ وَرُوَاتُهُ مُوَثَّقُونَ إِلَّا أَنَّ فِيهَا انْقِطَاعًا قَالَ الطَّبَرِيُّ وَنِصْفُ الْيَوْمِ خَمْسُمِائَةِ سَنَةٍ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى وان يَوْمًا عِنْد رَبك كألف سنة فَإِذا انْضَمَّ إِلَى قَول بن عَبَّاسٍ إِنَّ الدُّنْيَا سَبْعَةُ آلَافِ سَنَةٍ تَوَافَقَتِ الْأَخْبَارُ فَيَكُونُ الْمَاضِي إِلَى وَقْتِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ سِتَّةَ آلَافِ سَنَةٍ وَخَمْسَمِائَةِ سَنَةٍ تَقْرِيبًا وَقَدْ أَوْرَدَ السُّهَيْلِيُّ كَلَامَ الطَّبَرِيِّ وَأَيَّدَهُ بِمَا وَقَعَ عِنْدَهُ فِي حَدِيثِ الْمُسْتَوْرِدِ وَأَكَّدَهُ بِحَدِيثِ زِمْلٍ رَفَعَهُ الدُّنْيَا سَبْعَةُ آلَافِ سَنَةٍ بُعِثْتُ فِي آخِرِهَا.
.
قُلْتُ وَهَذَا الْحَدِيثُ إِنَّمَا هُوَ عَنِ بن زمل وَسَنَده ضَعِيف جدا أخرجه بن السَّكَنِ فِي الصَّحَابَةِ.
وَقَالَ إِسْنَادُهُ مَجْهُولٌ وَلَيْسَ بِمَعْرُوف فِي الصَّحَابَة وبن قُتَيْبَةَ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ وَذَكَرَهُ فِي الصَّحَابَةِ أَيْضا بن مَنْدَهْ وَغَيْرُهُ وَسَمَّاهُ بَعْضُهُمْ عَبْدَ اللَّهِ وَبَعْضُهُمُ الضَّحَّاك وَقد أوردهُ بن الْجَوْزِيّ فِي الموضوعات.
وَقَالَ بن الْأَثِيرِ أَلْفَاظُهُ مَصْنُوعَةٌ ثُمَّ بَيَّنَ السُّهَيْلِيُّ أَنَّهُ لَيْسَ فِي حَدِيثِ نِصْفِ يَوْمٍ مَا يَنْفِي الزِّيَادَةَ عَلَى الْخَمْسِمِائَةِ قَالَ وَقَدْ جَاءَ بَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا رَوَاهُ جَعْفَرُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ بِلَفْظِ إِنْ أَحْسَنَتْ أُمَّتِي فَبَقَاؤُهَا يَوْمٌ مِنْ أَيَّامِ الْآخِرَةِ وَذَلِكَ أَلْفُ سَنَةٍ وَإِنْ أَسَاءَتْ فَنِصْفُ يَوْمٍ قَالَ وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ مَا يَقْطَعُ بِهِ عَلَى صِحَّةِ التَّأْوِيلِ الْمَاضِي بَلْ قَدْ قِيلَ فِي تَأْوِيلِهِ إِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّاعَةِ نَبِيٌّ مَعَ التَّقْرِيبِ لِمَجِيئِهَا ثُمَّ جَوَّزَ أَنْ يَكُونَ فِي عَدَدِ الْحُرُوفِ الَّتِي فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ مَعَ حذف المكرر مَا يُوَافق حَدِيث بن زِمْلٍ وَذَكَرَ أَنَّ عِدَّتَهَا تِسْعُمِائَةِ وَثَلَاثَةٌ.
.
قُلْتُ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى طَرِيقَةِ الْمَغَارِبَةِ فِي عَدِّ الْحُرُوفِ.
.
وَأَمَّا الْمَشَارِقَةُ فَيَنْقُصُ الْعَدَدُ عِنْدَهُمْ مِائَتَيْنِ وَعَشْرَةً فَإِنَّ السِّينَ عِنْدَ الْمَغَارِبَةِ بِثَلَاثِمِائَةِ وَالصَّادَ بِسِتِّينَ.
.
وَأَمَّا الْمَشَارِقَةُ فَالسِّينُ عِنْدَهُمْ سِتُّونَ وَالصَّادُ تِسْعُونَ فَيَكُونُ الْمِقْدَارُ عِنْدَهُمْ سِتَّمِائَةٍ وَثَلَاثَةً وَتِسْعِينَ وَقَدْ مَضَتْ وَزِيَادَةٌ عَلَيْهَا مِائَةٌ وَخَمْسٌ وَأَرْبَعُونَ سَنَةً فَالْحَمْلُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ بَاطِل وَقد ثَبت عَن بن عَبَّاسٍ الزَّجْرُ عَنْ عَدِّ أَبِي جَادٍ وَالْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ السِّحْرِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِبَعِيدٍ فَإِنَّهُ لَا أَصْلَ لَهُ فِي الشَّرِيعَةِ وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ وَهُوَ مِنْ مَشَايِخِ السُّهَيْلِيِّ فِي فَوَائِدِ رِحْلَتِهِ مَا نَصُّهُ وَمَنَ الْبَاطِلِ الْحُرُوفُ الْمُقَطَّعَةُ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ وَقَدْ تَحَصَّلَ لِي فِيهَا عِشْرُونَ قَوْلًا وَأَزْيَدُ وَلَا أَعْرِفُ أَحَدًا يَحْكُمُ عَلَيْهَا بِعِلْمِ وَلَا يَصِلُ فِيهَا إِلَى فَهْمٍ إِلَّا أَنِّي أَقُولُ فَذَكَرَ مَا مُلَخَّصُهُ أَنَّهُ لَوْلَا أَنَّ الْعَرَبَ كَانُوا يَعْرِفُونَ أَنَّ لَهَا مَدْلُولًا مُتَدَاوَلًا بَيْنَهُمْ لَكَانُوا أَوَّلَ مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بل تَلا عَلَيْهِم ص وحم فصلت وَغَيْرَهُمَا فَلَمْ يُنْكِرُوا ذَلِكَ بَلْ صَرَّحُوا بِالتَّسْلِيمِ لَهُ فِي الْبَلَاغَةِ وَالْفَصَاحَةِ مَعَ تَشَوُّفِهِمْ إِلَى عَثْرَةٍ وَحِرْصِهِمْ عَلَى زَلَّةٍ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ أَمْرًا مَعْرُوفًا بَيْنَهُمْ لَا إِنْكَارَ فِيهِ قُلْتُ.
.
وَأَمَّا عَدُّ الْحُرُوفِ بِخُصُوصِهِ فَإِنَّمَا جَاءَ عَن بعض الْيَهُود كَمَا حَكَاهُ بن إِسْحَاقَ فِي السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ عَنْ أَبِي يَاسِرِ بْنِ أَخْطَبَ وَغَيْرِهِ أَنَّهُمْ حَمَلُوا الْحُرُوفَ الَّتِي فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ عَلَى هَذَا الْحِسَابِ وَاسْتَقْصَرُوا الْمُدَّةَ أَوَّلَ مَا نَزَلَ الم والر فَلَمَّا نَزَلَ بَعْدَ ذَلِكَ المص وَطسم وَغَيْرُ ذَلِكَ قَالُوا أَلْبَسْتَ عَلَيْنَا الْأَمْرَ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يكون
ذَلِكَ مُرَادًا فَلْيُحْمَلْ عَلَى جَمِيعِ الْحُرُوفِ الْوَارِدَةِ وَلَا يُحْذَفُ الْمُكَرَّرُ فَإِنَّهُ مَا مِنْ حَرْفٍ مِنْهَا إِلَّا وَلَهُ سِرٌّ يَخُصُّهُ أَوْ يُقْتَصَرُ عَلَى حَذْفِ الْمُكَرَّرِ مِنْ أَسْمَاءِ السُّوَرِ وَلَوْ تَكَرَّرَتِ الْحُرُوفُ فِيهَا فَإِنَّ السُّوَرَ الَّتِي ابْتُدِئَتْ بِذَلِكَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ سُورَةً وَعَدَدُ حُرُوفِ الْجَمِيعِ ثَمَانِيَةٌ وَسَبْعُونَ حَرْفًا وَهِيَ الم سِتَّةٌ حم سِتَّة آلر خَمْسَة طسم اثْنَتَانِ المص المر كهيعص حمعسق طه طس يس ص ق ن فَإِذَا حُذِفَ مَا كُرِّرَ مِنَ السُّوَرِ وَهِيَ خَمْسٌ مِنَ الم وَخَمْسٌ مِنْ حم وَأَرْبَعٌ مِنَ الر وَوَاحِدَةٌ مِنْ طسم بَقِيَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سُورَةً عَدَدُ حُرُوفِهَا ثَمَانِيَةٌ وَثَلَاثُونَ حَرْفًا فَإِذَا حُسِبَ عَدَدُهَا بِالْجُمَّلِ الْمَغْرِبِيِّ بَلَغَتْ أَلْفَيْنِ وَسِتَّمِائَةٍ وَأَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ.
.
وَأَمَّا بِالْجُمَّلِ الْمَشْرِقِيِّ فَتَبْلُغُ أَلْفًا وَسَبْعَمِائَةِ وَأَرْبَعَةً وَخَمْسِينَ وَلَمْ أَذْكُرْ ذَلِكَ لِيُعْتَمَدَ عَلَيْهِ إِلَّا لِأُبَيِّنَ أَنَّ الَّذِي جَنَحَ إِلَيْهِ السُّهَيْلِيُّ لَا يَنْبَغِي الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ لِشِدَّةِ التَّخَالُفِ فِيهِ وَفِي الْجُمْلَةِ فَأَقْوَى مَا يُعْتَمَدُ فِي ذَلِك عَلَيْهِ حَدِيث بن عُمَرَ الَّذِي أَشَرْتُ إِلَيْهِ قَبْلُ وَقَدْ أَخْرَجَ معمر فِي الْجَامِع عَن بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ مَعْمَرٌ وَبَلَغَنِي عَنْ عِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ قَالَ الدُّنْيَا مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا يَوْمٌ مِقْدَارُهُ خَمْسُونَ أَلْفَ سَنَةٍ لَا يَدْرِي كَمْ مَضَى وَلَا كَمْ بَقِيَ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ حَمَلَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْمَصَابِيحِ حَدِيثَ لَنْ تَعْجِزَ هَذِهِ الْأُمَّةُ أَنْ يُؤَخِّرَهَا نِصْفَ يَوْمٍ عَلَى حَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَزَيَّفَهُ الطِّيبِيُّ فَأَصَابَ.
.
وَأَمَّا زِيَادَةُ جَعْفَرٍ فَهِيَ مَوْضُوعَةٌ لِأَنَّهَا لَا تُعْرَفُ إِلَّا مِنْ جِهَتِهِ وَهُوَ مَشْهُورٌ بِوَضْعِ الْحَدِيثِ وَقَدْ كَذَّبَهُ الْأَئِمَّةُ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَسُقْ سَنَدَهُ بِذَلِكَ فَالْعَجَبُ مِنَ السُّهَيْلِي كَيْفَ سَكَتَ عَنْهُ مَعَ مَعْرِفَتِهِ بِحَالِهِ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ
[ قــ
:6167 ... غــ
: 6505 ]
- حَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ، عَنْ أَبِى حَصِينٍ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ»، يَعْنِى إِصْبَعَيْنِ.
تَابَعَهُ إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِى حَصِينٍ.
وبه قال: ( حدثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا ( يحيى بن يوسف) أبو زكريا الزمي قال: ( أخبرنا) ولأبي ذر حدّثنا ( أبو بكر) هو ابن عياش بالتحتية المشددة آخره شين معجمة ( عن أبي حصين) بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين عثمان بن عاصم ( عن أبي صالح) ذكوان الزيات ( عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه ( قال) :
( بعثت أنا والساعة) بالرفع في اليونينية ( كهاتين يعني إصبعين) وعند الطبراني عن هناد بن السري عن أبي بكر بن عياش وأشار بالسبابة والوسطى بدل قوله يعني إصبعين ( تابعه) أي تابع أبا بكر ( إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي ( عن أبي حصين) يعني سندًا ومتنًا وقد وصلها الإسماعيلي.
قال الكرماني: قيل هو إشارة إلى قرب المجاورة، وقيل إلى تقارب ما بينهما طولاً وفضل الوسطى على السبابة لأنها أطول منها بشيء يسير، فالوجه الأول بالنظر إلى العرض، والثاني بالنظر إلى الطول، وقيل أي ليس بينه وبين الساعة نبي غيره مع التقريب لحينها اهـ.
والذي يتجه القول بأنه إشارة إلى قرب ما بينهما ولو كان المراد قرب المجاورة لقامت الساعة لاتصال إحدى الإصبعين بالأخرى.
قال السفاقسي: قيل قوله كما بين السبابة والوسطى أي في الطول وقال في المفهم على رواية نصب والساعة يكون التشبيه وقع بالانضمام وعلى الرفع بالتفاوت، وفي تذكرة القرطبي المعنى تقريب أمر الساعة قال: ولا منافاة بينه وبين قوله في الحديث الآخر "ما المسؤول عنها بأعلم من السائل" فإن المراد بحديث الباب أنه ليس بينه وبينها نبي كما ليس بين السبابة والوسطى إصبع أخرى ولا يلزم منه علم وقتها بعينه.
نعم سياقه يفيد قربها وأن أشراطها متتابعة.
وقال الضحاك: أول أشراطها بعثة محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقد قيل إن نسبة ما بين الأصبعين كنسبة ما بقي من الدنيا إلى ما مضى وأن جملتها سبعة آلاف سنة كما قال ابن جرير في مقدمة تاريخه عن ابن عباس من طريق يحيى بن يعقوب عن حماد بن أبي سليمان عن سعيد بن
جبير عنه: الدنيا جمعة من جمع الآخرة سبعة آلاف سنة بالموحدة بعدها عين مهملة وقد مضى ستة آلاف ومائة سنة ويحيى هو القاضي الأنصاري.
قال البخاري: منكر الحديث وشيخه هو فقيه الكوفة وفيه مقال، وفي حديث أبي داود: والله لا يعجز هذه الأمة من نصف يوم ورواته ثقات لكن رجح البخاري وقفه، وعند أبي داود أيضًا مرفوعًا لأرجو أن لا يعجز أمتي عند ربها أن يؤخرهم نصف يوم، وفسره بخمسمائة سنة، فيؤخذ من ذلك أن الذي بقي نصف سبع وهو قريب ما بين السبابة والوسطى في الطول، لكن الحديث وإن كان رواته موثقين إلا أن فيه انقطاعًا وقد ظهر عدم صحة ذلك على ما لا يخفى لوقوع خلافه ومجاوزة هذا المقدار ولو كان ذلك ثابتًا لم يقع خلافه.
وقال ابن العربي: قيل الوسطى تزيد على السبابة نصف سبعها وكذلك الباقي من الدنيا من البعثة إلى قيام الساعة وهذا بعيد ولا يعلم مقدار الدنيا فكيف يتحصل لنا سبع أمد مجهول.
وفي الصحيحين من حديث ابن عمر مرفوعًا: أجلكم في أجل من كان قبلكم من صلاة العصر إلى مغرب الشمس، وعند أحمد بسند حسن من طريق مجاهد عن ابن عمر كنا عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والشمس على قعيقان مرتفعة بعد العصر فقال: "ما أعماركم في أعمار من مضى إلا كما بقي من هذا النهار فيما مضى منه".
قال في الفتح: وحديث ابن عمر صحيح متفق عليه فالصواب الاعتماد عليه وله محملان.
أحدهما: أن المراد بالتشبيه
التقريب ولا يراد حقيقة المقدار فيه، والثاني أن يحمل على ظاهره فيكون فيه دلالة على أن مدة هذه الأمة قدر خمس النهار تقريبًا.
وقال صاحب الكشف: إن الذي دلت عليه الآثار أن مدة هذه الأمة تزيد على ألف سنة ولا تبلغ الزيادة عليها خمسمائة سنة، وذلك أنه ورد من طرق أن مدة الدنيا سبعة آلاف سنة وأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بعث في آخر الألف السادسة، وورد أن الدجال يخرج على رأس مائة وينزل عيسى عليه السلام فيقتله ثم يمكث في الأرض أربعين سنة وأن الناس يمكثون بعد طلوع الشمس من مغربها مائة وعشرين سنة وأن بين النفختين أربعين سنة فهذه المائتا سنة لا بدّ منها والباقي الآن من الألف سنة وسنتان، وإلى الآن لم تطلع الشمس من مغربها ولا خرج الدجال الذي خروجه قبل طلوع الشمس بعدّة سنين، ولا ظهر المهدي الذي ظهوره قبل الدجال بسبع سنين ولا وقعت الأشراط التي قبل ظهور المهدي، ولا بقي يمكن خروج الدجال عن قرب لأنه إنما يخرج عند رأس مائة وقبله مقدمات تكون في سنين كثيرة فأقل ما يكون أنه يجوز خروجه على رأس الألف إن لم يتأخر إلى مائة بعدها، وإن اتفق خروجه على رأس الألف مكثت الدنيا بعده أكثر من نحو مائتي سنة المائتين المشار إليهما والباقي ما بين خروج الدجال وطلوع الشمس من مغربها، ولا ندري كم هو، وإن تأخر الدجال عن رأس الألف إلى مائة أخرى كانت المدة أكثر، ولا يمكن أن تكون المدة ألفًا وخمسمائة أصلاً، واستدلّ بأحاديث ضعيفة على عادته قال: إنه اعتمد عليها في أن مدة الدنيا سبعة آلاف سنة، وأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعث في آخر الألف السادسة منها: حديث الضحاك بن زمل الجهني قال: رأيت رؤيا فقصصتها على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الحديث وفيه: فإذا أنا بك يا رسول الله على منبر
فيه سبع درجات وأنت في أعلاها درجة فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أما المنبر الذي رأيت فيه سبع درجات وأنا في أعلاها درجة فالدنيا سبعة آلاف وأنا في آخرها ألفًا رواه البيهقي في دلائله، فقوله وأنا في آخرها ألفًا أي معظم المدة في الألف السابعة ليطابق أن بعثته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في أواخر الألف السادسة ولو كان بعث أول الألف السابعة كانت الأشراط الكبرى كالدجال وجدت قبل اليوم بأكثر من مائة سنة لتقوم الساعة عند تمام الألف ولم يوجد شيء من ذلك فدلّ على أن الباقي من الألف السابعة أكثر من ثلاثمائة سنة اهـ.
قلت: قال الحافظ ابن حجر: إن سند هذا الحديث ضعيف جدًّا، وأخرجه ابن السكن في الصحابة وقال: إسناده مجهول وليس ابن زمل بمعروف في الصحابة وابن قتيبة في غريب الحديث، وأورده ابن الجوزي في الموضوعات وقال ابن الأثير: ألفاظه مصنوعة، وقد أخبر معمر في الجامع عن ابن نجيح عن مجاهد قال معمر: وبلغني عن عكرمة في قوله تعالى: { في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة} [المعارج: 4] قال: الدنيا من أولها إلى آخرها يوم كان مقداره خمسين ألف سنة لا يدري كم مضى ولا كم بقي إلا الله تعالى.
( تنبيه) :
وأما ما اشتهر على الألسنة من أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يمكث في قبره ألف سنة فباطل لا أصل له كما صرح به الشيخ عبد العزيز الديريني في الدرر الملتقطة في المسائل المختلطة لكنه قال: إنه مما نقل عن علماء أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وكعب الأحبار اهـ.
ولا يصح ذلك بل كل ما ورد فيه تحديد إما أن يكون لا أصل له أو لا يثبت.
وقال الحافظ عماد الدين بن كثير في البداية بعد أن ذكر حديث: ألا أن مثل آجالكم في آجال الأمم قبلكم كما بين صلاة العصر إلى مغرب الشمس هذا يدل على أن ما بقي بالنسبة إلى ما مضى كالشيء اليسير لكن لا يعلم مقدار ما مضى إلا الله عز وجل ولم يجيء فيه تحديد يصح سنده عن المعصوم حتى يصار إليه ويعلم نسبة ما بقي بالنسبة إليه، ولكنه قليل جدًّا بالنسبة إلى الماضي، وتعيين وقت الساعة لم يأت به حديث صحيح
بل الآيات والأحاديث دالة على أن علم ذلك مما استأثر الله به دون أحد من خلقه، وقد قال تعالى: { قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو} [الأعراف: 187] وقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "ما المسؤول عنها بأعلم من السائل" فالخوض في ذلك لا يجدي نفعًا ولا يأتي بطائل والله الموفق.