6169 حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ ، عَنْ أَنَسٍ ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ قَالَتْ عَائِشَةُ أَوْ بَعْضُ أَزْوَاجِهِ : إِنَّا لَنَكْرَهُ المَوْتَ ، قَالَ : لَيْسَ ذَاكِ ، وَلَكِنَّ المُؤْمِنَ إِذَا حَضَرَهُ المَوْتُ بُشِّرَ بِرِضْوَانِ اللَّهِ وَكَرَامَتِهِ ، فَلَيْسَ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ ، فَأَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ وَأَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ ، وَإِنَّ الكَافِرَ إِذَا حُضِرَ بُشِّرَ بِعَذَابِ اللَّهِ وَعُقُوبَتِهِ ، فَلَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَهَ إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ ، كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ وَكَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ اخْتَصَرَهُ أَبُو دَاوُدَ ، وَعَمْرٌو ، عَنْ شُعْبَةَ ، وَقَالَ سَعِيدٌ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ زُرَارَةَ ، عَنْ سَعْدٍ ، عَنْ عَائِشَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ |
6169 حدثنا حجاج ، حدثنا همام ، حدثنا قتادة ، عن أنس ، عن عبادة بن الصامت ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه قالت عائشة أو بعض أزواجه : إنا لنكره الموت ، قال : ليس ذاك ، ولكن المؤمن إذا حضره الموت بشر برضوان الله وكرامته ، فليس شيء أحب إليه مما أمامه ، فأحب لقاء الله وأحب الله لقاءه ، وإن الكافر إذا حضر بشر بعذاب الله وعقوبته ، فليس شيء أكره إليه مما أمامه ، كره لقاء الله وكره الله لقاءه اختصره أبو داود ، وعمرو ، عن شعبة ، وقال سعيد ، عن قتادة ، عن زرارة ، عن سعد ، عن عائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم |
Narrated 'Ubada bin As-Samit:
The Prophet (ﷺ) said, Who-ever loves to meet Allah, Allah (too) loves to meet him and who-ever hates to meet Allah, Allah (too) hates to meet him. `Aisha, or some of the wives of the Prophet (ﷺ) said, But we dislike death. He said: It is not like this, but it is meant that when the time of the death of a believer approaches, he receives the good news of Allah's pleasure with him and His blessings upon him, and so at that time nothing is dearer to him than what is in front of him. He therefore loves the meeting with Allah, and Allah (too) loves the meeting with him. But when the time of the death of a disbeliever approaches, he receives the evil news of Allah's torment and His Requital, whereupon nothing is more hateful to him than what is before him. Therefore, he hates the meeting with Allah, and Allah too, hates the meeting with him.
":"ہم سے حجاج نے بیان کیا ، کہا ہم سے ہمام نے ، کہا ہم سے قتادہ نے ان سے انس رضی اللہ عنہ نے اور ان سے حضرت عبادہ بن صامت رضی اللہ عنہ نے کہرسول اللہ صلی اللہ علیہ وسلم نے فرمایا جو شخص اللہ سے ملنے کو محبوب رکھتا ہے ، اللہ بھی اس سے ملنے کو محبوب رکھتا ہے اور جو اللہ سے ملنے کو پسند نہیں کرتا ہے اللہ بھی اس سے ملنے کو پسند نہیں کرتا ۔ اورعا ئشہ رضی اللہ عنہا یا آنحضرت صلی اللہ علیہ وسلم کی بعض ازواج نے عرض کیا کہ مرنا تو ہم بھی نہیں پسند کرتے ؟ آنحضرت صلی اللہ علیہ وسلم نے فرمایا کہ اللہ کے ملنے سے موت مراد نہیں ہے بلکہ بات یہ ہے کہ ایماندار آدمی کو جب موت آتی ہے جو اسے اللہ کی خوشنودی اور اس کے یہاں اس کی عزت کی خوشخبری دی جاتی ہے ۔ اس وقت مومن کو کوئی چیز اس سے زیادہ عزیز نہیں ہوتی جو اس کے آگے ( اللہ سے ملاقات اور اس کی رضا اور جنت کے حصول کے لئے ) ہوتی ہے ، اس لئے وہ اللہ سے ملاقات کا خواہشمند ہو جا تا ہے اور اللہ بھی اس کی ملاقات کو پسند کرتا ہے اور جب کا فر کی موت کا وقت قریب آتا ہے تو اسے اللہ کے عذاب اور اس کی سزا کی بشارت دی جاتی ہے ، اس وقت کوئی چیز اس کے دل میں اس سے زیادہ ناگوار نہیں ہوتی جو اس کے آگے ہوتی ہے ۔ وہ اللہ سے جاملنے کو ناپسند کرنے لگتا ہے ، پس اللہ بھی اس سے ملنے کو ناپسند کرتا ہے ۔ ابو دواؤد طیالسی اور عمرو بن مرزوق نے اس حدیث کو شعبہ سے مختصراً روایت کیا ہے اور سعید بن ابی عروبہ نے بیان کیا ، ان سے قتادہ نے ، ان سے زرارہ بن ابی اوفی نے ، ان سے سعد نے اور ان سے عائشہ رضی اللہ عنہا نے نبی کریم صلی اللہ علیہ وسلم سے روایت کیا ۔
شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث
[6507] .
قَوْلُهُ حَدَّثَنَا حجاج هُوَ بن الْمِنْهَالِ الْبَصْرِيُّ وَهُوَ مِنْ كِبَارِ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ وَقَدْ رَوَى عَنْ هَمَّامٍ أَيْضًا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمِصِّيصِيُّ لَكِنْ لَمْ يُدْرِكْهُ الْبُخَارِيُّ .
قَوْلُهُ عَنْ قَتَادَةَ لِهَمَّامٍ فِيهِ إِسْنَادٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْ عَفَّانَ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي ليلى حَدثنِي فلَان بن فُلَانٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكرالحديث بِطُولِهِ بِمَعْنَاهُ وَسَنَدُهُ قَوِيٌّ وَإِبْهَامُ الصَّحَابِيِّ لَا يَضُرُّ وَلَيْسَ ذَلِكَ اخْتِلَافًا عَلَى هَمَّامٍ فَقَدْ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْ عَفَّانَ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ قَتَادَةَ .
قَوْلُهُ عَنْ أَنَسٍ فِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ سَمِعْتُ أَنَسًا وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْمُعَلَّقَةِ .
قَوْلُهُ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَدْ رَوَاهُ حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالْبَزَّارُ مِنْ طَرِيقِهِ وَذَكَرَ الْبَزَّارُ أَنَّهُ تَفَرَّدَ بِهِ فَإِنْ أَرَادَ مُطْلَقًا وَرَدَتْ عَلَيْهِ رِوَايَةُ قَتَادَةَ وَإِنْ أَرَادَ بِقَيْدِ كَوْنِهِ جَعَلَهُ مِنْ مُسْنَدِ أَنَسٍ سَلِمَ .
قَوْلُهُ مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ لَيْسَ الشَّرْطُ سَبَبًا لِلْجَزَاءِ بَلِ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ وَلَكِنَّهُ عَلَى تَأْوِيلِ الْخَبَرِ أَيْ مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَخْبِرْهُ بِأَنَّ اللَّهَ أَحَبَّ لِقَاءَهُ وَكَذَا الْكَرَاهَةُ.
وَقَالَ غَيْرُهُ فِيمَا نَقَلَهُ بن عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ مَنْ هُنَا خَبَرِيَّةٌ وَلَيْسَتْ شَرْطِيَّةً فَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ سَبَبَ حُبِّ اللَّهِ لِقَاءَ الْعَبْدِ حُبُّ الْعَبْدِ لِقَاءَهُ وَلَا الْكَرَاهَةُ وَلَكِنَّهُ صِفَةُ حَالِ الطَّائِفَتَيْنِ فِي أَنْفُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَالتَّقْدِيرُ مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ فَهُوَ الَّذِي أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ وَكَذَا الْكَرَاهَةُ.
.
قُلْتُ وَلَا حَاجَةَ إِلَى دَعْوَى نَفْيِ الشَّرْطِيَّةِ فَسَيَأْتِي فِي التَّوْحِيدِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا أَحَبَّ عَبْدِي لقائي أَحْبَبْت لقاءه الحَدِيث فَيتَعَيَّن أَنَّ مَنْ فِي حَدِيثِ الْبَابِ شَرْطِيَّةٌ وَتَأْوِيلُهَا مَا سَبَقَ وَفِي قَوْلِهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ الْعُدُولُ عَنِ الضَّمِيرِ إِلَى الظَّاهِرِ تَفْخِيمًا وَتَعْظِيمًا وَدَفْعًا لِتَوَهُّمِ عَوْدِ الضَّمِيرِ عَلَى الْمَوْصُولِ لِئَلَّا يَتَّحِدَ فِي الصُّورَةِ الْمُبْتَدَأُ وَالْخَبَرُ فَفِيهِ إِصْلَاحُ اللَّفْظِ لِتَصْحِيحِ الْمَعْنَى وَأَيْضًا فَعَوْدُ الضَّمِيرِ عَلَى الْمُضَاف إِلَيْهِ قَلِيل وقرأت بِخَط بن الصَّائِغِ فِي شَرْحِ الْمَشَارِقِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِقَاءُ اللَّهِ مُضَافًا لِلْمَفْعُولِ فَأَقَامَهُ مَقَامَ الْفَاعِلِ وَلِقَاءَهُ إِمَّا مُضَافٌ لِلْمَفْعُولِ أَوْ لِلْفَاعِلِ الضَّمِيرِ أَوْ لِلْمَوْصُولِ لِأَنَّ الْجَوَابَ إِذَا كَانَ شَرْطًا فَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ فِيهِ ضَمِيرٌ نَعَمْ هُوَ مَوْجُودٌ هُنَا وَلَكِنْ تَقْدِيرًا .
قَوْلُهُ وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ قَالَ الْمَازِرِيُّ مَنْ قَضَى اللَّهُ بِمَوْتِهِ لَا بُدَّ أَنْ يَمُوتَ وَإِنْ كَانَ كَارِهًا لِلِقَاءِ اللَّهِ وَلَوْ كَرِهَ اللَّهُ مَوْتَهُ لَمَا مَاتَ فَيُحْمَلُ الْحَدِيثُ عَلَى كَرَاهَتِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْغُفْرَانَ لَهُ وَإِرَادَتِهِ لِإِبْعَادِهِ مِنْ رَحْمَتِهِ.
.
قُلْتُ وَلَا اخْتِصَاصَ لِهَذَا الْبَحْثِ بِهَذَا الشِّقِّ فَإِنَّهُ يَأْتِي مِثْلُهُ فِي الشِّقِّ الْأَوَّلِ كَأَنْ يُقَالَ مَثَلًا مَنْ قَضَى اللَّهُ بِامْتِدَادِ حَيَاتِهِ لَا يَمُوتُ وَلَوْ كَانَ مُحِبًّا لِلْمَوْتِ إِلَخْ .
قَوْلُهُ قَالَتْ عَائِشَةُ أَوْ بَعْضُ أَزْوَاجِهِ كَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِالشَّكِّ وَجَزَمَ سَعْدُ بْنُ هِشَامٍ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ عَائِشَةَ بِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي قَالَتْ ذَلِكَ وَلَمْ يَتَرَدَّدْ وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَا تَظْهَرُ صَرِيحًا هَلْ هِيَ مِنْ كَلَامِ عُبَادَةَ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ سَمِعَ الْحَدِيثِ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَمِعَ مُرَاجَعَةَ عَائِشَةَ أَوْ مِنْ كَلَامِ أَنَسٍ بِأَنْ يَكُونَ حَضَرَ ذَلِكَ فَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ حُمَيْدٍ الَّتِي أَشَرْتُ إِلَيْهَا بِلَفْظِ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَيَكُونُ أَسْنَدَ الْقَوْلَ إِلَى جَمَاعَةٍ وَإِنْ كَانَ الْمُبَاشِرُ لَهُ وَاحِدًا وَهِيَ عَائِشَةُوَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى الَّتِي أَشَرْتُ إِلَيْهَا وَفِيهَا فَأَكَبَّ الْقَوْمُ يَبْكُونَ وَقَالُوا إِنَّا نَكْرَهُ الْمَوْتَ قَالَ لَيْسَ ذَلِكَ وَلِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوُ حَدِيثِ الْبَابِ وَفِيهِ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا مِنَّا مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَهُوَ يَكْرَهُ الْمَوْتَ فَقَالَ إِذَا كَانَ ذَلِكَ كُشِفَ لَهُ وَيَحْتَمِلُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ قَتَادَةَ أَرْسَلَهُ فِي رِوَايَةِ هَمَّامٍ وَوَصَلَهُ فِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْهُ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ عَائِشَةَ فَيَكُونُ فِي رِوَايَةِ هَمَّامٍ إِدْرَاجٌ وَهَذَا أَرْجَحُ فِي نَظَرِي فَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ هَدَّابِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ هَمَّامٍ مُقْتَصِرًا عَلَى أَصْلِ الْحَدِيثِ دُونَ قَوْلِهِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ إِلَخْ ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ مَوْصُولًا تَامًّا وَكَذَا أَخْرَجَهُ هُوَ وَأَحْمَدُ مِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ وَالنَّسَائِيِّ مِنْ رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ كِلَاهُمَا عَنْ قَتَادَةَ وَكَذَا جَاءَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ بِدُونِ الْمُرَاجَعَةِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ وَأَبُو يَعْلَى جَمِيعًا عَنْ هُدْبَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ هَمَّامٍ تَامًّا كَمَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ هَمَّامٍ وَهُدْبَةُ هُوَ هداب شيخ مُسْلِمٍ فَكَأَنَّ مُسْلِمًا حَذَفَ الزِّيَادَةَ عَمْدًا لِكَوْنِهَا مُرْسَلَةً مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَاكْتَفَى بِإِيرَادِهَا مَوْصُولَةً مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ وَقَدْ رَمَزَ الْبُخَارِيُّ إِلَى ذَلِكَ حَيْثُ عَلَّقَ رِوَايَةَ شُعْبَةَ بِقَوْلِهِ اخْتَصَرَهُ إِلَخْ وَكَذَا أَشَارَ إِلَى رِوَايَةِ سَعِيدٍ تَعْلِيقًا وَهَذَا مِنَ الْعِلَلِ الْخَفِيَّةِ جِدًّا .
قَوْلُهُ إِنَّا لَنَكْرَهُ الْمَوْتَ فِي رِوَايَةِ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ فَقَالَتْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَكَرَاهَةُ الْمَوْتِ فَكُلُّنَا نَكْرَهُ الْمَوْتَ .
قَوْلُهُ بُشِّرَ بِرِضْوَانِ اللَّهِ وَكَرَامَتِهِ فِي رِوَايَةِ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ بُشِّرَ بِرَحْمَةِ اللَّهِ وَرِضْوَانِهِ وَجَنَّتِهِ وَفِي حَدِيثِ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ وَلَكِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا حُضِرَ جَاءَهُ الْبَشِيرُ مِنَ اللَّهِ وَلَيْسَ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَدْ لَقِيَ اللَّهَ فَأَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى وَلَكِنَّهُ إِذَا حَضَرَ فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ فَإِذَا بُشِّرَ بِذَلِكَ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ وَاللَّهُ لِلِقَائِهِ أَحَبُّ .
قَوْلُهُ فَلَيْسَ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ أَيْ مَا يَسْتَقْبِلُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَدْ وَقَعَتْ هَذِهِ الْمُرَاجَعَةُ مِنْ عَائِشَةَ لِبَعْضِ التَّابِعِينَ فَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيّ من طَرِيق شُرَيْح بن هَانِيء قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ فَذَكَرَ أَصْلَ الْحَدِيثِ قَالَ فَأَتَيْتُ عَائِشَةَ فَقُلْتُ سَمِعْتُ حَدِيثًا إِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَقَدْ هَلَكْنَا فَذَكَرَهُ قَالَ وَلَيْسَ مِنَّا أَحَدٌ إِلَّا وَهُوَ يَكْرَهُ الْمَوْتَ فَقَالَتْ لَيْسَ بِالَّذِي تَذْهَبُ إِلَيْهِ وَلَكِنْ إِذَا شَخَصَ الْبَصَرُ بِفَتْحِ الشِّينِ وَالْخَاءِ الْمُعْجَمَتَيْنِ وَآخِرُهُ مُهْمَلَةٌ أَيْ فَتَحَ الْمُحْتَضَرُ عَيْنَيْهِ إِلَى فَوْقُ فَلَمْ يَطْرِفْ وَحَشْرَجَ الصَّدْرُ بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ بَعْدَهَا مُعْجَمَةٌ وَآخِرُهُ جِيمٌ أَيْ تَرَدَّدَتِ الرُّوحُ فِي الصَّدْرِ وَاقْشَعَرَّ الْجِلْدُ وَتَشَنَّجَتْ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالنُّونِ الثَّقِيلَةِ وَالْجِيمِ أَيْ تَقَبَّضَتْ وَهَذِهِ الْأُمُورُ هِيَ حَالَةُ الْمُحْتَضَرِ وَكَأَنَّ عَائِشَةَ أَخَذَتْهُ مِنْ مَعْنَى الْخَبَرِ الَّذِي رَوَاهُ عَنْهَا سَعْدُ بْنُ هِشَامٍ مَرْفُوعًا وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ أَيْضًا عَنْ شُرَيْحِ بن هَانِيء عَنْ عَائِشَةَ مِثْلَ رِوَايَتِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَادَ فِي آخِرِهِ وَالْمَوْتُ دُونَ لِقَاءِ اللَّهِ وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ مِنْ كَلَامِ عَائِشَةَ فِيمَا يَظْهَرُ لِي ذَكَرَتْهَا اسْتِنْبَاطًا مِمَّا تَقَدَّمَ وَعِنْدَ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ عَائِشَةَ مَرْفُوعا إِذا راد اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا قَيَّضَ لَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِعَامٍ مَلَكًا يُسَدِّدُهُ وَيُوَفِّقُهُ حَتَّى يُقَالَ مَاتَ بِخَيْرِ مَا كَانَ فَإِذَا حَضَرَ وَرَأَى ثَوَابَهُ اشْتَاقَتْ نَفْسُهُ فَذَلِكَ حِينَ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ وَأَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ شَرًّا قَيَّضَ لَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِعَامٍ شَيْطَانًا فَأَضَلَّهُ وَفَتَنَهُ حَتَّى يُقَالَ مَاتَ بِشَرِّ مَا كَانَ عَلَيْهِ فَإِذَا حُضِرَ وَرَأَى مَا أُعِدَّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ جَزِعَتْ نَفْسُهُ فَذَلِكَ حِينَ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ وَكَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ تَضَمَّنَ حَدِيثُ الْبَابِ مِنَ التَّفْسِيرِ مَا فِيهِ غُنْيَةٌ عَنْ غَيْرِهِ وَاللِّقَاءُ يَقَعُ عَلَى أَوْجُهٍ مِنْهَا الْمُعَايَنَةُ وَمِنْهَا الْبَعْثُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى الَّذين كذبُوا بلقاء الله وَمِنْهَا الْمَوْتُ كَقَوْلِهِ مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ الله فَإِن اجل اللهلآت وَقَولُهُ قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ ملاقيكم.
وَقَالَ بن الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ الْمُرَادُ بِلِقَاءِ اللَّهِ هُنَا الْمَصِيرُ إِلَى الدَّارِ الْآخِرَةِ وَطَلَبُ مَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَيْسَ الْغَرَضُ بِهِ الْمَوْتَ لِأَنَّ كُلًّا يَكْرَهُهُ فَمَنْ تَرَكَ الدُّنْيَا وَأَبْغَضَهَا أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ وَمَنْ آثَرَهَا وَرَكَنَ إِلَيْهَا كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَصِلُ إِلَيْهِ بِالْمَوْتِ وَقَوْلُ عَائِشَةَ وَالْمَوْتُ دُونَ لِقَاءِ اللَّهِ يُبَيِّنُ أَنَّ الْمَوْتَ غَيْرُ اللِّقَاءِ وَلَكِنَّهُ مُعْتَرِضٌ دُونَ الْغَرَضِ الْمَطْلُوبِ فَيَجِبُ أَنْ يَصْبِرَ عَلَيْهِ وَيَحْتَمِلَ مَشَاقَّهُ حَتَّى يَصِلَ إِلَى الْفَوْزِ بِاللِّقَاءِ قَالَ الطِّيبِيُّ يُرِيدُ أَنَّ قَوْلَ عَائِشَةَ إِنَّا لَنَكْرَهُ الْمَوْتَ يُوهِمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِلِقَاءِ اللَّهِ فِي الْحَدِيثِ الْمَوْتُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ لِقَاءَ اللَّهِ غَيْرُ الْمَوْتِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَالْمَوْتُ دُونَ لِقَاءِ اللَّهِ لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْمَوْتُ وَسِيلَةً إِلَى لِقَاءِ اللَّهِ عُبِّرَ عَنْهُ بِلِقَاءِ الله وَقد سبق بن الْأَثِيرِ إِلَى تَأْوِيلِ لِقَاءِ اللَّهِ بِغَيْرِ الْمَوْتِ الْإِمَامُ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ فَقَالَ لَيْسَ وَجْهُهُ عِنْدِي كَرَاهَةَ الْمَوْتِ وَشِدَّتَهُ لِأَنَّ هَذَا لَا يَكَادُ يَخْلُو عَنْهُ أَحَدٌ وَلَكِنَّ الْمَذْمُومَ مِنْ ذَلِكَ إِيثَارُ الدُّنْيَا وَالرُّكُونُ إِلَيْهَا وَكَرَاهِيَةُ أَنْ يَصِيرَ إِلَى اللَّهِ وَالدَّارِ الْآخِرَةِ قَالَ وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَابَ قَوْمًا بِحُبِّ الْحَيَاةِ فَقَالَ إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بهَا.
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَى مَحَبَّةِ الْعَبْدِ لِلِقَاءِ اللَّهِ إِيثَارُهُ الْآخِرَةَ عَلَى الدُّنْيَا فَلَا يُحِبُّ اسْتِمْرَارَ الْإِقَامَةِ فِيهَا بَلْ يَسْتَعِدُّ لِلِارْتِحَالِ عَنْهَا وَالْكَرَاهَةُ بِضِدِّ ذَلِكَ.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الْمَحَبَّةَ وَالْكَرَاهَةَ الَّتِي تُعْتَبَرُ شَرْعًا هِيَ الَّتِي تَقَعُ عِنْدَ النَّزْعِ فِي الْحَالَةِ الَّتِي لَا تقبل فِيهَا التَّوْبَة حَيْثُ ينْكَشف الْحَالُ لِلْمُحْتَضَرِ وَيَظْهَرُ لَهُ مَا هُوَ صَائِرٌ إِلَيْهِ .
قَوْلُهُ بُشِّرَ بِعَذَابِ اللَّهِ وَعُقُوبَتِهِ فِي رِوَايَةِ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ بُشِّرَ بِعَذَابِ اللَّهِ وَسَخَطِهِ وَفِي رِوَايَةِ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ وَإِنَّ الْكَافِرَ أَوِ الْفَاجِرَ إِذَا جَاءَهُ مَا هُوَ صَائِرٌ إِلَيْهِ مِنَ السُّوءِ أَوْ مَا يَلْقَى مِنَ الشَّرِّ إِلَخْ وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى نَحْوُ مَا مَضَى .
قَوْلُهُ اخْتَصَرَهُ أَبُو دَاوُدَ وَعَمْرٌو عَنْ شُعْبَةَ يَعْنِي عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ عَنْ عُبَادَةَ وَمَعْنَى اخْتِصَارِهِ أَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى أَصْلِ الْحَدِيثِ دُونَ قَوْلِهِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ إِلَخْ فَأَمَّا رِوَايَةُ أَبِي دَاوُدَ وَهُوَ الطَّيَالِسِيُّ فَوَصَلَهَا التِّرْمِذِيُّ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ غَيْلَانَ عَنْ أَبِي دَاوُدَ وَكَذَا وَقَعَ لَنَا بِعُلُوٍّ فِي مُسْنَدِ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ وَأما رِوَايَة عَمْرو وَهُوَ بن مَرْزُوقٍ فَوَصَلَهَا الطَّبَرَانِيُّ فِي الْمُعْجَمِ الْكَبِيرِ عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ الْكَجِّيِّ وَيُوسُفَ بْنِ يَعْقُوبَ الْقَاضِي كِلَاهُمَا عَنْ عَمْرِو بْنِ مَرْزُوقٍ وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ وَهُوَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ وَهُوَ غُنْدَرٌ .
قَوْلُهُ .
وَقَالَ سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ إِلَخْ وَصَلَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ خَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ وَمُحَمَّدِ بْنِ بَكْرٍ كِلَاهُمَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَكَذَا أخرجه احْمَد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وبن مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ وَوَقَعَ لَنَا بِعُلُوٍّ فِي كِتَابِ الْبَعْثِ لِابْنِ أَبِي دَاوُدَ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ الْبَدَاءَةُ بِأَهْلِ الْخَيْرِ فِي الذِّكْرِ لِشَرَفِهِمْ وَإِنْ كَانَ أَهْلُ الشَّرِّ أَكْثَرَ وَفِيهِ أَنَّ الْمُجَازَاةَ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ فَإِنَّهُ قَابَلَ الْمَحَبَّةَ بِالْمَحَبَّةِ وَالْكَرَاهَةَ بِالْكَرَاهَةِ وَفِيهِ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَرَوْنَ رَبَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ اللِّقَاءَ أَعَمُّ مِنَ الرُّؤْيَةِ وَيَحْتَمِلُ عَلَى بُعْدٍ أَنْ يَكُونَ فِي قَوْلِهِ لِقَاءَ اللَّهِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ لِقَاءَ ثَوَابِ اللَّهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَوَجْهُ الْبُعْدِ فِيهِ الْإِتْيَانُ بِمُقَابِلِهِ لِأَنَّ أَحَدًا مِنَ الْعُقَلَاءِ لَا يَكْرَهُ لِقَاءَ ثَوَابِ اللَّهِ بَلْ كُلُّ مَنْ يَكْرَهُ الْمَوْتَ إِنَّمَا يَكْرَهُهُ خَشْيَةَ أَنْ لَا يَلْقَى ثَوَابَ اللَّهِ إِمَّا لِإِبْطَائِهِ عَنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ بِالشُّغْلِ بِالتَّبَعَاتِ وَإِمَّا لِعَدَمِ دُخُولِهَا أَصْلًا كَالْكَافِرِ وَفِيهِ أَنَّ الْمُحْتَضَرَ إِذَا ظَهَرَتْ عَلَيْهِ عَلَامَاتُ السُّرُورِ كَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ بُشِّرَ بِالْخَيْرِ وَكَذَا بِالْعَكْسِ وَفِيهِ أَنَّ مَحَبَّةَ لِقَاءِ اللَّهِ لَا تَدْخُلُ فِي النَّهْيِ عَنْ تَمَنِّي الْمَوْتِ لِأَنَّهَا مُمْكِنَةٌ مَعَ عَدَمِ تَمَنِّي الْمَوْتِ كَأَنْ تَكُونَ الْمَحَبَّةُ حَاصِلَةً لَا يَفْتَرِقُ حَالُهُ فِيهَا بِحُصُولِ الْمَوْتِ وَلَا بِتَأَخُّرِهِ وَأَنَّ النَّهْيَ عَنْ تَمَنِّي الْمَوْتِ مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الْحَيَاةِ الْمُسْتَمِرَّةِوَأَمَّا عِنْدَ الِاحْتِضَارِ وَالْمُعَايَنَةِ فَلَا تَدْخُلُ تَحْتَ النَّهْيِ بَلْ هِيَ مُسْتَحَبَّةٌ وَفِيهِ أَنَّ فِي كَرَاهَةِ الْمَوْتِ فِي حَالِ الصِّحَّةِ تَفْصِيلًا فَمَنْ كَرِهَهُ إِيثَارًا لِلْحَيَاةِ عَلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ مِنْ نَعِيمِ الْآخِرَةِ كَانَ مَذْمُومًا وَمَنْ كَرِهَهُ خَشْيَةَ أَنْ يُفْضِيَ إِلَى الْمُؤَاخَذَةِ كَأَنْ يَكُونَ مُقَصِّرًا فِي الْعَمَلِ لَمْ يَسْتَعِدَّ لَهُ بِالْأُهْبَةِ بِأَنْ يَتَخَلَّصَ مِنَ التَّبَعَاتِ وَيَقُومَ بِأَمْرِ اللَّهِ كَمَا يَجِبُ فَهُوَ مَعْذُورٌ لَكِنْ يَنْبَغِي لِمَنْ وَجَدَ ذَلِكَ أَنْ يُبَادِرَ إِلَى أَخْذِ الْأُهْبَةِ حَتَّى إِذَا حَضَرَهُ الْمَوْتُ لَا يَكْرَهُهُ بَلْ يُحِبُّهُ لِمَا يَرْجُو بَعْدَهُ مِنْ لِقَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَفِيهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَرَاهُ فِي الدُّنْيَا أَحَدٌ مِنَ الْأَحْيَاءِ وَإِنَّمَا يَقَعُ ذَلِكَ لِلْمُؤْمِنِينَ بَعْدَ الْمَوْتِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ وَالْمَوْتُ دُونَ لِقَاءِ اللَّهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ اللِّقَاءَ أَعَمُّ مِنَ الرُّؤْيَةِ فَإِذَا انْتَفَى اللِّقَاءُ انْتَفَتِ الرُّؤْيَةُ وَقَدْ وَرَدَ بِأَصْرَحَ مِنْ هَذَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ وَفِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ لَنْ تَرَوْا رَبَّكُمْ حَتَّى تَمُوتُوا الْحَدِيثُ الثَّانِي حَدِيثُ أَبِي مُوسَى مِثْلُ حَدِيثِ عُبَادَةَ دُونَ قَوْلِهِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ إِلَخْ وَكَأَنَّهُ أَوْرَدَهُ اسْتِظْهَارًا لِصِحَّةِ الْحَدِيثِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا وَبَرِيدٌ بموحدة ثمَّ مُهْملَة هُوَ بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ الْحَدِيثُ الثَّالِثُ
( قَولُهُ بَابُ مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ)
هَكَذَا تَرْجَمَ بِالشِّقِّ الْأَوَّلِ مِنَ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ إِشَارَةً إِلَى بَقِيَّتِهِ عَلَى طَرِيقِ الِاكْتِفَاءِ قَالَ الْعُلَمَاءُ مَحَبَّةُ اللَّهِ لِعَبْدِهِ إِرَادَتُهُ الْخَيْرَ لَهُ وَهِدَايَتُهُ إِلَيْهِ وَإِنْعَامُهُ عَلَيْهِ وَكَرَاهَتُهُ لَهُ عَلَى الضِّدِّ مِنْ ذَلِكَ
[ قــ
:6169 ... غــ
:6507] .
قَوْلُهُ حَدَّثَنَا حجاج هُوَ بن الْمِنْهَالِ الْبَصْرِيُّ وَهُوَ مِنْ كِبَارِ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ وَقَدْ رَوَى عَنْ هَمَّامٍ أَيْضًا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمِصِّيصِيُّ لَكِنْ لَمْ يُدْرِكْهُ الْبُخَارِيُّ .
قَوْلُهُ عَنْ قَتَادَةَ لِهَمَّامٍ فِيهِ إِسْنَادٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْ عَفَّانَ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي ليلى حَدثنِي فلَان بن فُلَانٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكرالحديث بِطُولِهِ بِمَعْنَاهُ وَسَنَدُهُ قَوِيٌّ وَإِبْهَامُ الصَّحَابِيِّ لَا يَضُرُّ وَلَيْسَ ذَلِكَ اخْتِلَافًا عَلَى هَمَّامٍ فَقَدْ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْ عَفَّانَ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ قَتَادَةَ .
قَوْلُهُ عَنْ أَنَسٍ فِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ سَمِعْتُ أَنَسًا وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْمُعَلَّقَةِ .
قَوْلُهُ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَدْ رَوَاهُ حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالْبَزَّارُ مِنْ طَرِيقِهِ وَذَكَرَ الْبَزَّارُ أَنَّهُ تَفَرَّدَ بِهِ فَإِنْ أَرَادَ مُطْلَقًا وَرَدَتْ عَلَيْهِ رِوَايَةُ قَتَادَةَ وَإِنْ أَرَادَ بِقَيْدِ كَوْنِهِ جَعَلَهُ مِنْ مُسْنَدِ أَنَسٍ سَلِمَ .
قَوْلُهُ مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ لَيْسَ الشَّرْطُ سَبَبًا لِلْجَزَاءِ بَلِ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ وَلَكِنَّهُ عَلَى تَأْوِيلِ الْخَبَرِ أَيْ مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَخْبِرْهُ بِأَنَّ اللَّهَ أَحَبَّ لِقَاءَهُ وَكَذَا الْكَرَاهَةُ.
وَقَالَ غَيْرُهُ فِيمَا نَقَلَهُ بن عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ مَنْ هُنَا خَبَرِيَّةٌ وَلَيْسَتْ شَرْطِيَّةً فَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ سَبَبَ حُبِّ اللَّهِ لِقَاءَ الْعَبْدِ حُبُّ الْعَبْدِ لِقَاءَهُ وَلَا الْكَرَاهَةُ وَلَكِنَّهُ صِفَةُ حَالِ الطَّائِفَتَيْنِ فِي أَنْفُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَالتَّقْدِيرُ مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ فَهُوَ الَّذِي أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ وَكَذَا الْكَرَاهَةُ.
.
قُلْتُ وَلَا حَاجَةَ إِلَى دَعْوَى نَفْيِ الشَّرْطِيَّةِ فَسَيَأْتِي فِي التَّوْحِيدِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا أَحَبَّ عَبْدِي لقائي أَحْبَبْت لقاءه الحَدِيث فَيتَعَيَّن أَنَّ مَنْ فِي حَدِيثِ الْبَابِ شَرْطِيَّةٌ وَتَأْوِيلُهَا مَا سَبَقَ وَفِي قَوْلِهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ الْعُدُولُ عَنِ الضَّمِيرِ إِلَى الظَّاهِرِ تَفْخِيمًا وَتَعْظِيمًا وَدَفْعًا لِتَوَهُّمِ عَوْدِ الضَّمِيرِ عَلَى الْمَوْصُولِ لِئَلَّا يَتَّحِدَ فِي الصُّورَةِ الْمُبْتَدَأُ وَالْخَبَرُ فَفِيهِ إِصْلَاحُ اللَّفْظِ لِتَصْحِيحِ الْمَعْنَى وَأَيْضًا فَعَوْدُ الضَّمِيرِ عَلَى الْمُضَاف إِلَيْهِ قَلِيل وقرأت بِخَط بن الصَّائِغِ فِي شَرْحِ الْمَشَارِقِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِقَاءُ اللَّهِ مُضَافًا لِلْمَفْعُولِ فَأَقَامَهُ مَقَامَ الْفَاعِلِ وَلِقَاءَهُ إِمَّا مُضَافٌ لِلْمَفْعُولِ أَوْ لِلْفَاعِلِ الضَّمِيرِ أَوْ لِلْمَوْصُولِ لِأَنَّ الْجَوَابَ إِذَا كَانَ شَرْطًا فَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ فِيهِ ضَمِيرٌ نَعَمْ هُوَ مَوْجُودٌ هُنَا وَلَكِنْ تَقْدِيرًا .
قَوْلُهُ وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ قَالَ الْمَازِرِيُّ مَنْ قَضَى اللَّهُ بِمَوْتِهِ لَا بُدَّ أَنْ يَمُوتَ وَإِنْ كَانَ كَارِهًا لِلِقَاءِ اللَّهِ وَلَوْ كَرِهَ اللَّهُ مَوْتَهُ لَمَا مَاتَ فَيُحْمَلُ الْحَدِيثُ عَلَى كَرَاهَتِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْغُفْرَانَ لَهُ وَإِرَادَتِهِ لِإِبْعَادِهِ مِنْ رَحْمَتِهِ.
.
قُلْتُ وَلَا اخْتِصَاصَ لِهَذَا الْبَحْثِ بِهَذَا الشِّقِّ فَإِنَّهُ يَأْتِي مِثْلُهُ فِي الشِّقِّ الْأَوَّلِ كَأَنْ يُقَالَ مَثَلًا مَنْ قَضَى اللَّهُ بِامْتِدَادِ حَيَاتِهِ لَا يَمُوتُ وَلَوْ كَانَ مُحِبًّا لِلْمَوْتِ إِلَخْ .
قَوْلُهُ قَالَتْ عَائِشَةُ أَوْ بَعْضُ أَزْوَاجِهِ كَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِالشَّكِّ وَجَزَمَ سَعْدُ بْنُ هِشَامٍ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ عَائِشَةَ بِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي قَالَتْ ذَلِكَ وَلَمْ يَتَرَدَّدْ وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَا تَظْهَرُ صَرِيحًا هَلْ هِيَ مِنْ كَلَامِ عُبَادَةَ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ سَمِعَ الْحَدِيثِ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَمِعَ مُرَاجَعَةَ عَائِشَةَ أَوْ مِنْ كَلَامِ أَنَسٍ بِأَنْ يَكُونَ حَضَرَ ذَلِكَ فَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ حُمَيْدٍ الَّتِي أَشَرْتُ إِلَيْهَا بِلَفْظِ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَيَكُونُ أَسْنَدَ الْقَوْلَ إِلَى جَمَاعَةٍ وَإِنْ كَانَ الْمُبَاشِرُ لَهُ وَاحِدًا وَهِيَ عَائِشَةُ
وَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى الَّتِي أَشَرْتُ إِلَيْهَا وَفِيهَا فَأَكَبَّ الْقَوْمُ يَبْكُونَ وَقَالُوا إِنَّا نَكْرَهُ الْمَوْتَ قَالَ لَيْسَ ذَلِكَ وَلِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوُ حَدِيثِ الْبَابِ وَفِيهِ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا مِنَّا مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَهُوَ يَكْرَهُ الْمَوْتَ فَقَالَ إِذَا كَانَ ذَلِكَ كُشِفَ لَهُ وَيَحْتَمِلُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ قَتَادَةَ أَرْسَلَهُ فِي رِوَايَةِ هَمَّامٍ وَوَصَلَهُ فِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْهُ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ عَائِشَةَ فَيَكُونُ فِي رِوَايَةِ هَمَّامٍ إِدْرَاجٌ وَهَذَا أَرْجَحُ فِي نَظَرِي فَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ هَدَّابِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ هَمَّامٍ مُقْتَصِرًا عَلَى أَصْلِ الْحَدِيثِ دُونَ قَوْلِهِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ إِلَخْ ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ مَوْصُولًا تَامًّا وَكَذَا أَخْرَجَهُ هُوَ وَأَحْمَدُ مِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ وَالنَّسَائِيِّ مِنْ رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ كِلَاهُمَا عَنْ قَتَادَةَ وَكَذَا جَاءَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ بِدُونِ الْمُرَاجَعَةِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ وَأَبُو يَعْلَى جَمِيعًا عَنْ هُدْبَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ هَمَّامٍ تَامًّا كَمَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ هَمَّامٍ وَهُدْبَةُ هُوَ هداب شيخ مُسْلِمٍ فَكَأَنَّ مُسْلِمًا حَذَفَ الزِّيَادَةَ عَمْدًا لِكَوْنِهَا مُرْسَلَةً مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَاكْتَفَى بِإِيرَادِهَا مَوْصُولَةً مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ وَقَدْ رَمَزَ الْبُخَارِيُّ إِلَى ذَلِكَ حَيْثُ عَلَّقَ رِوَايَةَ شُعْبَةَ بِقَوْلِهِ اخْتَصَرَهُ إِلَخْ وَكَذَا أَشَارَ إِلَى رِوَايَةِ سَعِيدٍ تَعْلِيقًا وَهَذَا مِنَ الْعِلَلِ الْخَفِيَّةِ جِدًّا .
قَوْلُهُ إِنَّا لَنَكْرَهُ الْمَوْتَ فِي رِوَايَةِ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ فَقَالَتْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَكَرَاهَةُ الْمَوْتِ فَكُلُّنَا نَكْرَهُ الْمَوْتَ .
قَوْلُهُ بُشِّرَ بِرِضْوَانِ اللَّهِ وَكَرَامَتِهِ فِي رِوَايَةِ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ بُشِّرَ بِرَحْمَةِ اللَّهِ وَرِضْوَانِهِ وَجَنَّتِهِ وَفِي حَدِيثِ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ وَلَكِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا حُضِرَ جَاءَهُ الْبَشِيرُ مِنَ اللَّهِ وَلَيْسَ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَدْ لَقِيَ اللَّهَ فَأَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى وَلَكِنَّهُ إِذَا حَضَرَ فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ فَإِذَا بُشِّرَ بِذَلِكَ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ وَاللَّهُ لِلِقَائِهِ أَحَبُّ .
قَوْلُهُ فَلَيْسَ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ أَيْ مَا يَسْتَقْبِلُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَدْ وَقَعَتْ هَذِهِ الْمُرَاجَعَةُ مِنْ عَائِشَةَ لِبَعْضِ التَّابِعِينَ فَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيّ من طَرِيق شُرَيْح بن هَانِيء قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ فَذَكَرَ أَصْلَ الْحَدِيثِ قَالَ فَأَتَيْتُ عَائِشَةَ فَقُلْتُ سَمِعْتُ حَدِيثًا إِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَقَدْ هَلَكْنَا فَذَكَرَهُ قَالَ وَلَيْسَ مِنَّا أَحَدٌ إِلَّا وَهُوَ يَكْرَهُ الْمَوْتَ فَقَالَتْ لَيْسَ بِالَّذِي تَذْهَبُ إِلَيْهِ وَلَكِنْ إِذَا شَخَصَ الْبَصَرُ بِفَتْحِ الشِّينِ وَالْخَاءِ الْمُعْجَمَتَيْنِ وَآخِرُهُ مُهْمَلَةٌ أَيْ فَتَحَ الْمُحْتَضَرُ عَيْنَيْهِ إِلَى فَوْقُ فَلَمْ يَطْرِفْ وَحَشْرَجَ الصَّدْرُ بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ بَعْدَهَا مُعْجَمَةٌ وَآخِرُهُ جِيمٌ أَيْ تَرَدَّدَتِ الرُّوحُ فِي الصَّدْرِ وَاقْشَعَرَّ الْجِلْدُ وَتَشَنَّجَتْ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالنُّونِ الثَّقِيلَةِ وَالْجِيمِ أَيْ تَقَبَّضَتْ وَهَذِهِ الْأُمُورُ هِيَ حَالَةُ الْمُحْتَضَرِ وَكَأَنَّ عَائِشَةَ أَخَذَتْهُ مِنْ مَعْنَى الْخَبَرِ الَّذِي رَوَاهُ عَنْهَا سَعْدُ بْنُ هِشَامٍ مَرْفُوعًا وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ أَيْضًا عَنْ شُرَيْحِ بن هَانِيء عَنْ عَائِشَةَ مِثْلَ رِوَايَتِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَادَ فِي آخِرِهِ وَالْمَوْتُ دُونَ لِقَاءِ اللَّهِ وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ مِنْ كَلَامِ عَائِشَةَ فِيمَا يَظْهَرُ لِي ذَكَرَتْهَا اسْتِنْبَاطًا مِمَّا تَقَدَّمَ وَعِنْدَ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ عَائِشَةَ مَرْفُوعا إِذا راد اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا قَيَّضَ لَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِعَامٍ مَلَكًا يُسَدِّدُهُ وَيُوَفِّقُهُ حَتَّى يُقَالَ مَاتَ بِخَيْرِ مَا كَانَ فَإِذَا حَضَرَ وَرَأَى ثَوَابَهُ اشْتَاقَتْ نَفْسُهُ فَذَلِكَ حِينَ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ وَأَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ شَرًّا قَيَّضَ لَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِعَامٍ شَيْطَانًا فَأَضَلَّهُ وَفَتَنَهُ حَتَّى يُقَالَ مَاتَ بِشَرِّ مَا كَانَ عَلَيْهِ فَإِذَا حُضِرَ وَرَأَى مَا أُعِدَّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ جَزِعَتْ نَفْسُهُ فَذَلِكَ حِينَ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ وَكَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ تَضَمَّنَ حَدِيثُ الْبَابِ مِنَ التَّفْسِيرِ مَا فِيهِ غُنْيَةٌ عَنْ غَيْرِهِ وَاللِّقَاءُ يَقَعُ عَلَى أَوْجُهٍ مِنْهَا الْمُعَايَنَةُ وَمِنْهَا الْبَعْثُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى الَّذين كذبُوا بلقاء الله وَمِنْهَا الْمَوْتُ كَقَوْلِهِ مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ الله فَإِن اجل الله
لآت وَقَولُهُ قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ ملاقيكم.
وَقَالَ بن الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ الْمُرَادُ بِلِقَاءِ اللَّهِ هُنَا الْمَصِيرُ إِلَى الدَّارِ الْآخِرَةِ وَطَلَبُ مَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَيْسَ الْغَرَضُ بِهِ الْمَوْتَ لِأَنَّ كُلًّا يَكْرَهُهُ فَمَنْ تَرَكَ الدُّنْيَا وَأَبْغَضَهَا أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ وَمَنْ آثَرَهَا وَرَكَنَ إِلَيْهَا كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَصِلُ إِلَيْهِ بِالْمَوْتِ وَقَوْلُ عَائِشَةَ وَالْمَوْتُ دُونَ لِقَاءِ اللَّهِ يُبَيِّنُ أَنَّ الْمَوْتَ غَيْرُ اللِّقَاءِ وَلَكِنَّهُ مُعْتَرِضٌ دُونَ الْغَرَضِ الْمَطْلُوبِ فَيَجِبُ أَنْ يَصْبِرَ عَلَيْهِ وَيَحْتَمِلَ مَشَاقَّهُ حَتَّى يَصِلَ إِلَى الْفَوْزِ بِاللِّقَاءِ قَالَ الطِّيبِيُّ يُرِيدُ أَنَّ قَوْلَ عَائِشَةَ إِنَّا لَنَكْرَهُ الْمَوْتَ يُوهِمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِلِقَاءِ اللَّهِ فِي الْحَدِيثِ الْمَوْتُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ لِقَاءَ اللَّهِ غَيْرُ الْمَوْتِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَالْمَوْتُ دُونَ لِقَاءِ اللَّهِ لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْمَوْتُ وَسِيلَةً إِلَى لِقَاءِ اللَّهِ عُبِّرَ عَنْهُ بِلِقَاءِ الله وَقد سبق بن الْأَثِيرِ إِلَى تَأْوِيلِ لِقَاءِ اللَّهِ بِغَيْرِ الْمَوْتِ الْإِمَامُ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ فَقَالَ لَيْسَ وَجْهُهُ عِنْدِي كَرَاهَةَ الْمَوْتِ وَشِدَّتَهُ لِأَنَّ هَذَا لَا يَكَادُ يَخْلُو عَنْهُ أَحَدٌ وَلَكِنَّ الْمَذْمُومَ مِنْ ذَلِكَ إِيثَارُ الدُّنْيَا وَالرُّكُونُ إِلَيْهَا وَكَرَاهِيَةُ أَنْ يَصِيرَ إِلَى اللَّهِ وَالدَّارِ الْآخِرَةِ قَالَ وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَابَ قَوْمًا بِحُبِّ الْحَيَاةِ فَقَالَ إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بهَا.
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَى مَحَبَّةِ الْعَبْدِ لِلِقَاءِ اللَّهِ إِيثَارُهُ الْآخِرَةَ عَلَى الدُّنْيَا فَلَا يُحِبُّ اسْتِمْرَارَ الْإِقَامَةِ فِيهَا بَلْ يَسْتَعِدُّ لِلِارْتِحَالِ عَنْهَا وَالْكَرَاهَةُ بِضِدِّ ذَلِكَ.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الْمَحَبَّةَ وَالْكَرَاهَةَ الَّتِي تُعْتَبَرُ شَرْعًا هِيَ الَّتِي تَقَعُ عِنْدَ النَّزْعِ فِي الْحَالَةِ الَّتِي لَا تقبل فِيهَا التَّوْبَة حَيْثُ ينْكَشف الْحَالُ لِلْمُحْتَضَرِ وَيَظْهَرُ لَهُ مَا هُوَ صَائِرٌ إِلَيْهِ .
قَوْلُهُ بُشِّرَ بِعَذَابِ اللَّهِ وَعُقُوبَتِهِ فِي رِوَايَةِ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ بُشِّرَ بِعَذَابِ اللَّهِ وَسَخَطِهِ وَفِي رِوَايَةِ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ وَإِنَّ الْكَافِرَ أَوِ الْفَاجِرَ إِذَا جَاءَهُ مَا هُوَ صَائِرٌ إِلَيْهِ مِنَ السُّوءِ أَوْ مَا يَلْقَى مِنَ الشَّرِّ إِلَخْ وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى نَحْوُ مَا مَضَى .
قَوْلُهُ اخْتَصَرَهُ أَبُو دَاوُدَ وَعَمْرٌو عَنْ شُعْبَةَ يَعْنِي عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ عَنْ عُبَادَةَ وَمَعْنَى اخْتِصَارِهِ أَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى أَصْلِ الْحَدِيثِ دُونَ قَوْلِهِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ إِلَخْ فَأَمَّا رِوَايَةُ أَبِي دَاوُدَ وَهُوَ الطَّيَالِسِيُّ فَوَصَلَهَا التِّرْمِذِيُّ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ غَيْلَانَ عَنْ أَبِي دَاوُدَ وَكَذَا وَقَعَ لَنَا بِعُلُوٍّ فِي مُسْنَدِ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ وَأما رِوَايَة عَمْرو وَهُوَ بن مَرْزُوقٍ فَوَصَلَهَا الطَّبَرَانِيُّ فِي الْمُعْجَمِ الْكَبِيرِ عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ الْكَجِّيِّ وَيُوسُفَ بْنِ يَعْقُوبَ الْقَاضِي كِلَاهُمَا عَنْ عَمْرِو بْنِ مَرْزُوقٍ وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ وَهُوَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ وَهُوَ غُنْدَرٌ .
قَوْلُهُ .
وَقَالَ سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ إِلَخْ وَصَلَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ خَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ وَمُحَمَّدِ بْنِ بَكْرٍ كِلَاهُمَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَكَذَا أخرجه احْمَد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وبن مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ وَوَقَعَ لَنَا بِعُلُوٍّ فِي كِتَابِ الْبَعْثِ لِابْنِ أَبِي دَاوُدَ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ الْبَدَاءَةُ بِأَهْلِ الْخَيْرِ فِي الذِّكْرِ لِشَرَفِهِمْ وَإِنْ كَانَ أَهْلُ الشَّرِّ أَكْثَرَ وَفِيهِ أَنَّ الْمُجَازَاةَ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ فَإِنَّهُ قَابَلَ الْمَحَبَّةَ بِالْمَحَبَّةِ وَالْكَرَاهَةَ بِالْكَرَاهَةِ وَفِيهِ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَرَوْنَ رَبَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ اللِّقَاءَ أَعَمُّ مِنَ الرُّؤْيَةِ وَيَحْتَمِلُ عَلَى بُعْدٍ أَنْ يَكُونَ فِي قَوْلِهِ لِقَاءَ اللَّهِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ لِقَاءَ ثَوَابِ اللَّهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَوَجْهُ الْبُعْدِ فِيهِ الْإِتْيَانُ بِمُقَابِلِهِ لِأَنَّ أَحَدًا مِنَ الْعُقَلَاءِ لَا يَكْرَهُ لِقَاءَ ثَوَابِ اللَّهِ بَلْ كُلُّ مَنْ يَكْرَهُ الْمَوْتَ إِنَّمَا يَكْرَهُهُ خَشْيَةَ أَنْ لَا يَلْقَى ثَوَابَ اللَّهِ إِمَّا لِإِبْطَائِهِ عَنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ بِالشُّغْلِ بِالتَّبَعَاتِ وَإِمَّا لِعَدَمِ دُخُولِهَا أَصْلًا كَالْكَافِرِ وَفِيهِ أَنَّ الْمُحْتَضَرَ إِذَا ظَهَرَتْ عَلَيْهِ عَلَامَاتُ السُّرُورِ كَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ بُشِّرَ بِالْخَيْرِ وَكَذَا بِالْعَكْسِ وَفِيهِ أَنَّ مَحَبَّةَ لِقَاءِ اللَّهِ لَا تَدْخُلُ فِي النَّهْيِ عَنْ تَمَنِّي الْمَوْتِ لِأَنَّهَا مُمْكِنَةٌ مَعَ عَدَمِ تَمَنِّي الْمَوْتِ كَأَنْ تَكُونَ الْمَحَبَّةُ حَاصِلَةً لَا يَفْتَرِقُ حَالُهُ فِيهَا بِحُصُولِ الْمَوْتِ وَلَا بِتَأَخُّرِهِ وَأَنَّ النَّهْيَ عَنْ تَمَنِّي الْمَوْتِ مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الْحَيَاةِ الْمُسْتَمِرَّةِ
وَأَمَّا عِنْدَ الِاحْتِضَارِ وَالْمُعَايَنَةِ فَلَا تَدْخُلُ تَحْتَ النَّهْيِ بَلْ هِيَ مُسْتَحَبَّةٌ وَفِيهِ أَنَّ فِي كَرَاهَةِ الْمَوْتِ فِي حَالِ الصِّحَّةِ تَفْصِيلًا فَمَنْ كَرِهَهُ إِيثَارًا لِلْحَيَاةِ عَلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ مِنْ نَعِيمِ الْآخِرَةِ كَانَ مَذْمُومًا وَمَنْ كَرِهَهُ خَشْيَةَ أَنْ يُفْضِيَ إِلَى الْمُؤَاخَذَةِ كَأَنْ يَكُونَ مُقَصِّرًا فِي الْعَمَلِ لَمْ يَسْتَعِدَّ لَهُ بِالْأُهْبَةِ بِأَنْ يَتَخَلَّصَ مِنَ التَّبَعَاتِ وَيَقُومَ بِأَمْرِ اللَّهِ كَمَا يَجِبُ فَهُوَ مَعْذُورٌ لَكِنْ يَنْبَغِي لِمَنْ وَجَدَ ذَلِكَ أَنْ يُبَادِرَ إِلَى أَخْذِ الْأُهْبَةِ حَتَّى إِذَا حَضَرَهُ الْمَوْتُ لَا يَكْرَهُهُ بَلْ يُحِبُّهُ لِمَا يَرْجُو بَعْدَهُ مِنْ لِقَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَفِيهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَرَاهُ فِي الدُّنْيَا أَحَدٌ مِنَ الْأَحْيَاءِ وَإِنَّمَا يَقَعُ ذَلِكَ لِلْمُؤْمِنِينَ بَعْدَ الْمَوْتِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ وَالْمَوْتُ دُونَ لِقَاءِ اللَّهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ اللِّقَاءَ أَعَمُّ مِنَ الرُّؤْيَةِ فَإِذَا انْتَفَى اللِّقَاءُ انْتَفَتِ الرُّؤْيَةُ وَقَدْ وَرَدَ بِأَصْرَحَ مِنْ هَذَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ وَفِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ لَنْ تَرَوْا رَبَّكُمْ حَتَّى تَمُوتُوا الْحَدِيثُ الثَّانِي حَدِيثُ أَبِي مُوسَى مِثْلُ حَدِيثِ عُبَادَةَ دُونَ قَوْلِهِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ إِلَخْ وَكَأَنَّهُ أَوْرَدَهُ اسْتِظْهَارًا لِصِحَّةِ الْحَدِيثِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا وَبَرِيدٌ بموحدة ثمَّ مُهْملَة هُوَ بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ الْحَدِيثُ الثَّالِثُ
هذا ( باب) بالتنوين يذكر فيه قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه) .
[ قــ
:6169 ... غــ
: 6507 ]
- حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ، أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ»، قَالَتْ عَائِشَةُ: أَوْ بَعْضُ أَزْوَاجِهِ إِنَّا لَنَكْرَهُ الْمَوْتَ، قَالَ: «لَيْسَ ذَاكَ، وَلَكِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا حَضَرَهُ الْمَوْتُ بُشِّرَ بِرِضْوَانِ اللَّهِ وَكَرَامَتِهِ، فَلَيْسَ شَىْءٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ، فَأَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ وَأَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا حُضِرَ بُشِّرَ بِعَذَابِ اللَّهِ وَعُقُوبَتِهِ، فَلَيْسَ شَىْءٌ أَكْرَهَ إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ وَكَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ».
اخْتَصَرَهُ أَبُو دَاوُدَ وَعَمْرٌو، عَنْ شُعْبَةَ،.
وَقَالَ سَعِيدٌ: عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ سَعْدٍ، عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وبه قال: ( حدّثنا حجاج) بفتح الحاء المهملة والجيم المشددة وبعد الألف جيم أخرى ابن المنهال قال: ( حدّثنا همام) بفتح الهاء والميم المشددة ابن يحيى قال: ( حدّثنا قتادة) بن دعامة ( عن أنس) هو ابن مالك الصحابي -رضي الله عنه- ( عن عبادة بن الصامت) -رضي الله عنه- ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه ( قال) :
( من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه) قال الخطابي: محبة اللقاء إيثار العبد الآخرة على الدنيا ولا يحب طول القيام فيها لكن يستعد للارتحال عنها واللقاء على وجوه منها: الرؤية، ومنها البعث كقوله تعالى: { قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله} [الأنعام: 31]
أي بالبعث ومنها الموت كقوله: { من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت} [العنكبوت: 5] اهـ.
وقال ابن الأثير: المراد باللقاء المصير إلى الدار الآخرة وطلب ما عند الله وليس الغرض به الموت لأن كلاًّ يكرهه فمن ترك الدنيا وأبغضها أحب لقاء الله ومن آثرها وركن إليها كره لقاء الله ومحبة الله لقاء عبده إرادة الخير له وإنعامه عليه.
وقال في الكواكب: فإن قلت: الشرط ليس سببًا للجزاء بل الأمر بالعكس، قلت: مثله يؤوّل بالإخبار أي من أحب لقاء الله أخبره الله بأن الله أحب لقاءه وكذلك الكراهة.
وقال في الفتح: وفي قوله أحب الله لقاءه العدول عن الضمير إلى الظاهر تفخيمًا وتعظيمًا ودفعًا لتوهم عود الضمير على الموصول لئلا يتحد في الصورة المبتدأ والخبر ففيه إصلاح اللفظ لتصحيح المعنى، وأيضًا فعود الضمير على المضاف إليه قليل، وقال ابن الصائغ في شرح المشارق: يحتمل أن يكون لقاء الله مضافًا للمفعول فأقامه مقام الفاعل ولقاءه إما مضاف للمفعول والفاعل الضمير أو للموصوف لأن الجواب إذا كان شرطًا فالأولى أن يكون فيه ضمير نعم هو موجود هنا ولكن تقديرًا.
( قالت عائشة أو بعض أزواجه:) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ورضي الله عنهنّ بأو للشك وجزم سعد بن هشام في روايته عن عائشة بأنها هي التي قالت ذلك ولم يتردّد ( إنا لنكره الموت) ظاهره أن المراد بلقاء الله في الحديث الموت وليس كذلك لأن لقاء الله غير الموت يدل عليه قوله في الرواية الأخرى والموت دون لقاء الله، لكن لما كان الموت وسيلة إلى لقاء الله عبرّ عنه بلقاء الله لأنه لا يصل إليه إلا بالموت.
قال حسان بن الأسود: الموت جسر يوصل الحبيب إلى حبيبه ( قال) عليه الصلاة والسلام: ( ليس ذاك) بغير لام مع كسر الكاف ولأبي ذر ذلك ( ولكن المؤمن) بتشديد نون لكن ولأبي ذر ولكن المؤمن بالتخفيف ورفع المؤمن ( إذا حضره الموت بشّر برضوان الله) عز وجل ( وكرامته) بضم الموحدة وكسر الشين المعجمة المشددة ( فليس شيء أحب إليه مما أمامه) بفتح الهمزة أي مما يستقبله بعد الموت ( فأحب لقاء الله) عز وجل ( وأحب الله لقاءه) .
وفي حديث حميد عن أنس المروي عند أحمد والنسائي والبزار: ولكن المؤمن إذا حضر جاءه البشير من الله وليس شيء أحب إليه من أن يكون قد لقي الله فأحب الله لقاءه.
وفي رواية عبد الرَّحمن بن أبي ليلى حدثني فلان ابن فلان أنه سمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الحديث.
وفيه: "ولكنه إذا حضر فإما أن يكون من المقربين فروح وريحان وجنة نعيم فإذا بشر بذلك أحب لقاء الله والله للقائه أحب" رواه أحمد بسند قوي وإبهام الصحابي لا يضر.
( وإن الكافر إذا حضر بشر) بضم أولهما وكسر ثانيهما ( بعذاب الله وعقوبته فليس شيء أكره إليه مما أمامه) مما يستقبل ( كره) بكسر الراء ولأبي ذر فكره ( لقاء الله) عز وجل ( وكره الله) عز وجل ( لقاءه) .
وفي حديث عائشة عند عبد بن حميد مرفوعًا: "إذا أراد الله بعبد خيرًا قيّض الله قبل موته بعام ملكًا يسدده ويوفقه حتى يقال مات بخير ما كان فإذا حضر ورأى ثوابه اشتاقت نفسه فذلك حين أحب لقاء الله وأحب الله لقاءه، وإذا أراد الله بعبد شرًّا
قيّض الله له قبل موته بعام شيطانًا فأضلّه وفتنه حتى يقال مات بشرّ ما كان عليه فإذا حضر ورأى ما أعدّ الله له من العذاب جزعت نفسه فذلك حين كره لقاء الله وكره الله لقاءه".
وحديث الباب أخرجه مسلم في الدعوات والترمذي في الزهد والجنائز والنسائي فيها.
( اختصره) أي الحديث ( أبو داود) سليمان الطيالسي مما أخرجه الترمذي موصولاً عن محمود بن غيلان عنه ( وعمرو) بفتح العين ابن مرزوق مما أخرجه الطبراني في الكبير موصولاً عن أبي مسلم الكجي ويوسف بن يعقوب القاضي كلاهما عن عمرو ( عن شعبة) بن الحجاج حيث اقتصر على أصل الحديث ولم يقل فقالت عائشة الخ ...
( وقال سعيد) بكسر العين ابن أبي عروبة مما وصله مسلم ( عن قتادة) بن دعامة ( عن زرارة) بضم الزاي وتكرير الراء بينهما ألف آخره هاء تأنيث ابن أبي أوفى العامري ( عن سعد) بسكون العين ابن هشام الأنصاري ابن عمر أنس بن مالك ( عن عائشة) -رضي الله عنها- ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) .
( بابٌُ مَنْ أحَبَّ لِقَاءَ الله أحَبَّ الله لِقاءَهُ)
أَي: هَذَا بابُُ فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( من أحب) الخ هَذَا جُزْء من الحَدِيث الأول فِي الْبابُُ،.
وَقَالَ الْخطابِيّ: محبَّة اللِّقَاء إِيثَار العَبْد الْآخِرَة على الدُّنْيَا، فَلَا يحب طول الْقيام فِيهَا لَكِن يستعد للارتحال عَنْهَا، وكراهته ضد ذَلِك، ومحبة الله لِقَاء عَبده إِرَادَة الْخَيْر لَهُ وهدايته إِلَيْهِ، وكراهته ضد ذَلِك.
[ قــ
:6169 ... غــ
:6507 ]
- حدّثنا حَجَّاجٌ حَدثنَا هَمَّامٌ حَدثنَا قَتادَةُ عنْ أنَسٍ عنْ عُبادَةَ بنِ الصَّامِتِ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ( مَنْ أحَبَّ لِقاءَ الله أحَبَّ الله لِقاءَهُ ومَنْ كَرِهَ لِقاءَ الله كَرِهَ الله لِقاءَهُ) قالَتْ عائِشَةُ أوْ بَعْضُ أزْواجِهِ: إِنَّا لَنَكْرَهُ المَوْتَ قَالَ: ( لَيْسَ ذاكِ ولاكِنَّ المُؤْمِنَ إِذا حَضَرَهُ المَوْتُ بُشِّرَ بِرِضْوَانِ الله وكَرامَتِهِ فَلَيْسَ شَيْءٌ أحَبَّ إلَيْهِ مِمَّا أمامَهُ، فأحَبَّ لِقاءَ الله وأحَبَّ الله لِقاءَهُ، وإنَّ
الكافِرَ إِذا حُضِرَ بُشِّرَ بِعَذَابِ الله وَعُقُوبَتِهِ، فَلَيْسَ شَيْءٌ أكْرَهَ إلَيْهِ مِمَّا أمامَهُ، كَرِهَ لِقاءَ الله وكَرِهَ الله لِقَاءَهُ) .
قد ذكرنَا أَن التَّرْجَمَة جُزْء الحَدِيث فَلَا مُطَابقَة أوضح من هَذَا.
وحجاج هُوَ ابْن الْمنْهَال الْبَصْرِيّ، وَهُوَ من كبار شُيُوخ البُخَارِيّ مَاتَ سنة سبع عشرَة وَمِائَتَيْنِ، وَهَمَّام هُوَ ابْن يحيى، وَفِيه رِوَايَة الصَّحَابِيّ عَن الصَّحَابِيّ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الدَّعْوَات عَن هدبة بن خَالِد وَغَيره.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الزّهْد عَن مَحْمُود بن غيلَان وَفِي الْجَنَائِز عَن أبي الْأَشْعَث أَحْمد بن الْمُقدم.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْجَنَائِز عَن أبي الْأَشْعَث.
قَوْله: ( من أحب لِقَاء الله أحب الله لقاءه) قَالَ الْكرْمَانِي: لَيْسَ الشَّرْط سَببا للجزاء بل الْأَمر بِالْعَكْسِ، ثمَّ قَالَ: مثله يؤول بالأخبار أَي: من أحب لِقَاء الله أخبرهُ الله بِأَن الله أحب لقاءه، وَكَذَلِكَ الْكَرَاهَة.
انْتهى.
وَقيل: من، خبرية وَلَيْسَت بشرطية، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ: أَن سَبَب حب الله لِقَاء العَبْد حب لِقَائِه وَلَا الْكَرَاهَة، وَلكنه صفة حَال الطَّائِفَتَيْنِ فِي أنفسهم وَعند رَبهم، وَالتَّقْدِير: من أحب لِقَاء الله فَهُوَ الَّذِي أحب الله لقاءه، وَكَذَا الْكَرَاهَة.
انْتهى.
قلت: حَدِيث أبي هُرَيْرَة الَّذِي يَأْتِي فِي التَّوْحِيد مَرْفُوع، قَالَ الله تَعَالَى: ( إِذا أحب عَبدِي لقائي أَحْبَبْت لقاءه) يدل على أَن: من، شَرْطِيَّة فَلَا وَجه لنفيها..
وَقَالَ النَّوَوِيّ: الْكَرَاهَة الْمُعْتَبرَة هِيَ الَّتِي تكون، عِنْد النزع فِي حَالَة لَا تقبل التَّوْبَة، فحينئذٍ يكْشف لكل إِنْسَان مَا هُوَ صائر إِلَيْهِ، فَأهل السَّعَادَة يحبونَ الْمَوْت ولقاء الله لينتقلوا إِلَى مَا أعد الله لَهُم.
وَيُحب الله لقاءهم ليجزل لَهُم الْعَطاء والكرامة، وَأهل الشقاوة يكرهونه لما علمُوا من سوء مَا ينتقلون إِلَيْهِ وَيكرهُ الله لقاءهم أَي: يبعدهم عَن رَحمته وَلَا يُرِيد لَهُم الْخَيْر.
وَقَالَ الْخطابِيّ: اللِّقَاء على وُجُوه.
مِنْهَا: الرُّؤْيَة وَمِنْهَا: الْبَعْث كَقَوْلِه تَعَالَى: { قد خسر الَّذين كذبُوا بلقاء الله} ( الْأَنْعَام: 13 وَيُونُس: 54) أَي: بِالْبَعْثِ: وَمِنْهَا: الْمَوْت كَقَوْلِه: من كَانَ يَرْجُو لِقَاء الله فَإِن أجل الله لآت،.
وَقَالَ ابْن الْأَثِير فِي ( النِّهَايَة) : المُرَاد بلقاء الله هُنَا الْمصير إِلَى الدَّار الْآخِرَة وَطلب مَا عِنْد الله، وَلَيْسَ الْغَرَض بِهِ الْمَوْت، لِأَن كلا يكرههُ، فَمن ترك الدُّنْيَا وأبغضها أحب لِقَاء الله، وَمن آثرها وركن إِلَيْهَا كره لِقَاء الله لِأَنَّهُ إِنَّمَا يصل إِلَيْهِ بِالْمَوْتِ.
قَوْله: ( أَو بعض أَزوَاجه) كَذَا فِي هَذِه الرِّوَايَة بِالشَّكِّ، وَجزم سعيد بن هِشَام فِي رِوَايَته عَن عَائِشَة بِأَنَّهَا هِيَ قَالَت ذَلِك وَلم يتَرَدَّد فِيهِ.
قلت: روى مُسلم هَذَا الحَدِيث عَن هداب ابْن خَالِد عَن همام مُقْتَصرا على أصل الحَدِيث وَلم يذكر فِي هَذِه الرِّوَايَة هَذِه الزِّيَادَة أعنى قَوْله: ( قَالَت عَائِشَة أَو بعض أَزوَاجه) إِلَى آخِره، ثمَّ أخرجه من رِوَايَة سعيد بن أبي عرُوبَة مَوْصُولا فَكَأَن مُسلما حذف الزِّيَادَة عمدا لكَونهَا مُرْسلَة من هَذَا الْوَجْه، وَاكْتفى بإيرادها مَوْصُولَة من طَرِيق سعيد بن أبي عرُوبَة، وَقد أَشَارَ البُخَارِيّ إِلَى ذَلِك حَيْثُ علق رِوَايَة شُعْبَة بقوله: اخْتَصَرَهُ ... إِلَى آخِره على مَا يَأْتِي، وَكَذَا أَشَارَ إِلَى رِوَايَة سعيد بن أبي عرُوبَة تَعْلِيقا، وَهَذَا من الْعِلَل الْخفية جدا.
فَإِن قلت: هَذِه الزِّيَادَة لَا تظهر صَرِيحًا: هَل هِيَ من كَلَام عبَادَة على معنى أَنه سمع الحَدِيث من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَسمع مُرَاجعَة عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، أَو من كَلَام أنس على معنى أَنه حضر ذَلِك، أَو من كَلَام قَتَادَة أرْسلهُ فِي رِوَايَة همام وَوَصله فِي رِوَايَة سعيد بن أبي عرُوبَة، فَيكون فِي رِوَايَة همام إدراج.
قلت: هَذِه الِاحْتِمَالَات لَا ترد، فَلذَلِك قَالَ البُخَارِيّ عقيب الحَدِيث الْمَذْكُور: اخْتَصَرَهُ أَبُو دَاوُد ... إِلَى آخِره، وَهَذَا من صَنِيعه العجيب.
قَوْله: ( مِمَّا أَمَامه) بِفَتْح الْهمزَة أَي: مِمَّا قدامه من اسْتِقْبَال الْمَوْت،.
وَقَالَ الْكرْمَانِي: مِمَّا أَمَامه متناول للْمَوْت أَيْضا ثمَّ قَالَ: فَإِن قلت: قد نَفَاهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خُصُوصا وأثبته عُمُوما فَمَا وَجهه؟ .
قلت: نفى الْكَرَاهَة الَّتِي هِيَ حَال الصِّحَّة وَقبل الِاطِّلَاع على حَاله، وَأثبت الَّتِي هِيَ فِي حَال النزع وَبعد الإطلاع على حَاله، فَلَا مُنَافَاة.
قَوْله: ( حضر) على صِيغَة الْمَجْهُول وَكَذَلِكَ قَوْله: ( بشر) ، قَوْله: ( كره لِقَاء الله) ويروى: فكره، بِالْفَاءِ.
اخْتَصَرَهُ أبُو دَاوُدَ وعَمْرٌ وعنْ شُعْبَةَ
وَقَالَ سَعِيدٌ: عنْ قَتادَةَ عنْ زُرارَةَ عنْ سَعْدٍ عنْ عائِشَةَ عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَي: اختصر الحَدِيث الْمَذْكُور أَبُو دَاوُد سُلَيْمَان الطَّيَالِسِيّ، وَعَمْرو بن مَرْزُوق الْبَاهِلِيّ، فرواية أبي دَاوُد أخرجهَا التِّرْمِذِيّ عَن مَحْمُود بن غيلَان عَن أبي دَاوُد بِلَفْظ أبي مُوسَى الَّذِي يَأْتِي هُنَا من غير زِيَادَة لَا نُقْصَان، وَرِوَايَة عَمْرو بن مَرْزُوق أخرجهَا
الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير عَن أبي مُسلم الْكشِّي، ويوسف بن يَعْقُوب القَاضِي قَالَا: حَدثنَا عَمْرو بن مَرْزُوق حَدثنَا شُعْبَة ... فَذكره مثل لفظ أبي دَاوُد سَوَاء.
قَوْله:.
وَقَالَ سعيد، يَعْنِي ابْن أبي عرُوبَة عَن قَتَادَة عَن زُرَارَة بن أبي أوفى العامري: كَانَ يؤم الصَّلَاة فَقَرَأَ فِيهَا: { فَإِذا نقر فِي الناقور} ( المدثر: 8) فشهق فَمَاتَ سنة ثَلَاث وَتِسْعين، وَهُوَ يروي عَن سعد بن هِشَام الْأنْصَارِيّ ابْن عَم أنس بن مَالك رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قتل بِأَرْض مكران.
وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله مُسلم عَن مُحَمَّد بن عبد الله: حَدثنَا خَالِد وَحدثنَا ابْن بشار وَحدثنَا مُحَمَّد بن بكر كِلَاهُمَا عَن سعيد بِهِ.