فهرس الكتاب

فتح البارى لابن رجب - باب ما يقول إذا سمع المنادي

باب
ما يقول إذا سمع المنادي
فيه حديثان:
الحديث الأول:
[ قــ :595 ... غــ :611 ]
- حدثنا عبد الله بن يوسف: أبنا مالك، عن ابن شهاب، عن عطاء بن يزيد الليثي، عن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: " إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن".

هكذا روى هذا الحديث مالك في " الموطإ"، وكذا رواه الثقات من أصحابه عنه.

ورواه المغيرة بن سقلاب، عن مالك، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن عطاء بن يزيد، عن أبي سعيد.

وزيادة: " سعيد بن المسيب" لا تصح.

والمغيرة متروك.
وروي عن عمرو بن مرزوق، عن مالك، عن الزهري، عن أنس.

وهو وهم.
وقيل: إنه ممن رواه عن عمرو، وهو محمد بن عبد الرحيم الشماخي.

ورواه عبد المنعم بن بشير - وهو ضعيف جداً -، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر.
ولا يصح.

وتابع مالكا على روايته، عن الزهري، عن عطاء، عن أبي سعيد: معمر ويونس.

وقيل: وسفيان وإبراهيم بن سعد.
وخالفهم عبد الرحمن بن إسحاق، فرواه عن الزهري، عن سعيد، عن أبي هريرة.

وخرجه ابن ماجة من طريقه.

وقيل: عنه، عن الزهري، عن سعيد وأبي سلمة، عن أبي هريرة.

والصحيح: قول مالك ومن تابعه -: قاله أبو حاتم الرازي والترمذي وابن عدي والدارقطني.
ورواه حجاج بن نصير، عن عباد بن كثير، عن عقيل، عن الزهري، عن عطاء بن يزيد، عن [أبي] أيوب الأنصاري.

وهو وهم من حجاج أو عباد -: قاله الدارقطني.


قال:


[ قــ :595 ... غــ :61 ]
- ثنا معاذ بن فضالة: ثنا هشام، عن يحيى، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث، قال: حدثني عيسى بن طلحة، أنه سمع معاوية يوماً، فقال مثله، إلى قوله: ( وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) .



[ قــ :596 ... غــ :613 ]
- ثنا إسحاق: ثنا وهب بن جرير: ثنا هشام، عن يحيى - مثله.

قال يحيى: وحدثني بعض إخواننا، أنه لما قال: (حي على الصلاة) ، قال: (لا حول ولا قوة إلا بالله) ، وقال: هكذا سمعنا نبيكم - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول.

هكذا خرجه مختصراً.

وخرجه الإمام أحمد بتمامه، عن إسماعيل بن ابراهيم - هو: ابن علية - وأبي عامر العقدي، قالا: ثنا هشام، عن يحيى بن أبي كثير، عن محمد بن إبراهيم، عن عيسى بن طلحة - قال أبو عامر في حديثه: ثنا عيسى بن طلحة -، قال: دخلنا على معاوية، فنادى المنادي بالصلاة، فقال: (الله أكبر، الله اكبر) .
فقال معاوية: (الله أكبر، الله أكبر) ، فقال: (أشهد أن لا إله إلا الله) ، فقال معاوية: (وأنا أشهد) - قال أبو عامر في حديثه: (أن لا إله إلا الله) -، فقال: (أشهد أن محمداً رسول الله) ، فقال معاوية: (وأنا اشهد) - قال أبو عامر: (أن محمداً رسول الله) .

قال يحيى: ثنا رجل، أنه لما قال: (حي على الصلاة) قال: (لا حول ولا قوة إلا بالله) ، قال معاوية: هكذا سمعت نبيكم - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول.
وخرجه الإسماعيلي بنحوه من طريق ابن علية.

وله طريق آخر عن معاوية:
خرجه البخاري في "الجمعة" في " كتابه" هذا من طريق ابن المبارك: أبنا أبو بكر بن عثمان بن سهل بن حنيف، [عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف] ، قال: سمعت معاوية بن أبي سفيان وهو جالس على المنبر أذن المؤذن، فقال: (الله أكبر، الله أكبر) ، فقال معاوية: (الله أكبر، الله أكبر) .
فقال: (أشهد ان لا إله إلا الله) ، فقال معاوية: (وأنا) ، فقال: (أشهد أن محمداً رسول الله) ، فقال معاوية: (وأنا) ، فلما قضى التاذين، قال: يأيها الناس، إني سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على هذه المجلس حين أذن المؤذن يقول كما سمعتم مقالتي.

وقد روي عن معاوية من طريق أخرى، وفي بعضها: انه قال عند: (حي على الصلاة) ، (وحي على الفلاح) : (لا حول ولا قوة إلا بالله) موافقة للرواية التي أرسلها يحيى بن أبي كثير.

فخرج الإمام أحمد والنسائي من رواية ابن جريج: أخبرني عمرو بن يحيى، أن عيسى بن عمر أخبره، عن عبد الله بن علقمة بن وقاص، عن علقمة بن وقاص، قال: إني عند معاوية إذ أذن مؤذنه، فقال معاوية كما قال المؤذن، حتى إذا قال: (حي على الصلاة) قال: (لا حول ولا قوة إلا بالله) ، فلما قال: (حي على الفلاح) قال: (لا حول ولا قوة إلا بالله) .
وقال بعد ذلك ما قال المؤذن، ثم قال: سمعت رسول لاله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول ذلك.

وخرجه الإمام أحمد بمعناه من رواية محمد عمرو بن علقمة، عن أبيه، عن جده، قال: كنا عند معاوية – فذكره بمعناه.

وروى عبد الوهاب بن الضحاك: ثنا إسماعيل بن عياش، عن مجمع بن جارية، عن أبي امامة بن سهل، قال: سمعت معاوية يقول: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول - إذا أذن المؤذن - مثل قوله، وإذا قال: (حي على الصلاة) قال: (لا حول ولا قوة إلا بالله) .

عبد الوهاب، متروك الحديث.
وإسماعيل، لا يحفظ حديث الحجازيين.

وقد رواه الإمام أحمد عن يعلى بن عبيد ويزيد بن هارون، كلاهما عن مجمع - بنحو سياق حديث أبي بكر بن عثمان الذي خرجه البخاري.

وخرجه - أيضا - عن وكيع، عن مجمع - مختصراً.

ورواه أبو نعيم في " كتاب الصلاة" عن مجمع – بنحو رواية يعلى ويزيد.

وليس في حديث أحد منهم: ذكر الحيعلة.

وفي رواية يعلى ويزيد وأبي نعيم: انه لما كبر المؤذن - اثنين - كبر - اثنين - ولما شهد انه لا اله الا الله – اثنين - شهد - اثنين -، ولما شهد ان محمد رسول الله - اثنين - شهد - اثنين.

وهذا يشعر بأن التكبير في اول الاذان مرتان.

وروي هذا المعنى عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من غير حديث معاوية:
فخرج مسلم في "صحيحه" من حديث عمارة بن غزية، عن خبيب بن عبد الرحمن بن يساف، عن حفص بن عاصم بن عمر، عن أبيه، عن جده عمر بن الخطاب، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ((إذا قال المؤذن: الله اكبر، الله اكبر، فقال احدكم، الله اكبر.
ثم قال: اشهد ان لا اله الا الله، فقال اشهد ان لا اله الا الله.
ثم قال: اشهد ان محمد رسول الله، قال: اشهد ان محمد رسول الله - ثم قال: حي الصلاة، قال: لاحول ولا قوة الا بالله.
ثم قال: حي عل الفلاح، قال: لا حول ولا قوة الا بالله.
ثم قال: الله اكبر الله اكبر، قال: الله اكبر الله اكبر.
ثم قال: لا الله الا الله، قال: لا اله الا الله من قلبه؛ دخل الجنة)) .

وعمارة بن غزية، ثقة ولم يخرج له البخاري.
وقد روي نحوه من حديث عاصم بن عبيد الله العمري، عن علي بن حسين، عن أبي رافع، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أنه كان إذا سمع [المؤذن] قال مثل ما يقول حتى إذا بلغ: ((حي على الصلاة، حي على الفلاح)) قال: ((لا حول ولا قوة إلا بالله)) .

خرجه الإمام أحمد والنسائي في "اليوم والليلة".

وعاصم هذا، ضعفوه، وقد اختلف عليه في إسناده.

وروي نحوه من حديث أنس بن مالك، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

خرجه ابن عدي، وقال: هو منكر، وإسناده لا يصح.

واجابه المؤذن مستحبة عند الجمهور العلماء، وليست واجبة.

وكان الحسن كثيراً يسمع المؤذن وهو يتحدث فلا يقطع حديثه ولا يجيبه، وكذلك إسحاق بن راهويه.

ونص أحمد على ان الاجابة غير واجبة.

وحكى الطحاوي عن وقم انهم واجبوا اجابته.
والظاهر: انه قول بعض الظاهرية.
وحكي عن بعض الحنفية - أيضا.

وروي عن ابن مسعود، انه قال: من الجفاء ان لا يقول مثل ما يقول المؤذن.

وقد روي مرفوعاً من وجوه ضعيفة.

واختلف العلماء: هل يجيب المؤذن، فيقول كقوله في جميع ما يقول، ام لا؟
فقالت طائفة: يقول مثل ما يقول سواء في جميع اذانه؛ لظاهر حديث أبي سعيد.

وفي "صحيح مسلم" من حديث عبد الله بن عمرو، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: ((إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول)) .

وقد روي عن طائفة من السلف، انهم قالوا: يقول مثل قول المؤذن، ولم يستثنوا، منهم: النخعي:
وروي عن أبي عمر، انه كان يقول مثل ما يقول المؤذن.

وهو ظاهر قول الخرقي من أصحابنا.

وقالت طائفة: يقول كقوله، الا في قوله: (حي على الصلاة، حي على الفلاح) ، فانه يقول: (لا حول ولا قوة الا بالله) .

وهذا مروي عن الحسن، وهو منصوص عن أحمد، والشافعي، وهو قول طائفة من الحنفية والمالكية.

وهؤلاء؛ جعلوا حديث أبي سعيد وما في معناه عاماً، وحديث عمر ومعاوية وما في معناهما خاصة، فتقضي على النصوص العامة.

ومن الحنفية من قال: يقول عند قوله: (حي على الصلاة) : (لا حول ولا قوة الا بالله) .
وعند: (حي على الفلاح) : (ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن) .

وقالت طائفة: هو مخير بين ان يقول مثل قول المؤذن في الحيعلة، وبين ان يقول: "لا حول ولا قوة الا بالله"، وجمعوا بين الاحاديث بذلك، وهذا قول أبي بكر الاثرم ومحمد بن جرير الطبري.

وقالت طائفة: بل يجمع بين ان يقول مثل قول المؤذن، وبين قوله: "لا حول ولا قوة الا بالله".

وهذا قول بعض أصحابنا، وهو ضعيف؛ لان الجمع لم يرد.

وكان بعض شيوخنا يقول: يجمع بين الاحاديث في هذا بأن من سمع المؤذن وهو في المسجد قال مثل قوله، فإن سمعه خارج المسجد قال: "لا حول ولا قوة بالا بالله"؛ لانه يحتاج إلى سعي فيستعين بالله عليه.

وقالت طائفة: يجيب المؤذن إلى اخر الشهادتين، ولا يجيبه فيما زاد على ذلك، وهو رواية عن مالك.

وفي "تهذيب المدونة": انه يجيبه إلى قوله: "اشهد ان محمداً رسول الله"، وان اتم الاذان معه فلا بأس.

وظاهره: انه يتمه معه بلفظ الاذان.

وهؤلاء؛ قد يحتجون ببعض روايات حديث معاوية التي فيها الاجابة إلى الشهادتين، ولكن قد روي عنه عن وجوه: اجابته في تمام الاذان.

وروي من حديث الحكم بن ظهير، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله، ان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اجاب المؤذن إلى الشهادتين، ثم سكت.

ذكره ابو بكر الاثرم، وقال: هو حديث واه.

يشير إلى ان الحكم بن ظهير ضعيف جداً.

وروى ابو نعيم في "كتاب الصلاة": ثنا ابن عيينة، عن عمرو، عن أبي جعفر، قال: كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا سمع المنادي يقول (اشهد ان لا اله الا الله) قال: (وانا) .
وإذا قال: (اشهد ان محمد رسول الله) قال: (وانا) ، ثم سكت.

وهذا مرسل.
وحكى ابن عبد البر عن قوم، انهم راوا اجابة المؤذن الحيعلتين خاصة.

وعن قوم.
انهم راوا اجابته في الشهادتين خاصة، دون ما قبلهما وبعدهما.

وروى ابن أبي شيبة بإسناده، عن قتادة، ان عثمان كان إذا سمع المؤذن يؤذن يقول كما يقول، في الشتهد والتكبير كله، فإذا قال: "حي على الصلاة" قال: ما شاء الله، لا حول ولا قوة الا بالله.
فإذا قال: ((قد قامت الصلاة)) قال: مرحبا بالقائلين عدلاً، وبالصلاة مرحباً واهلاً.
ثم ينهض إلى الصلاة.

وبإسناده عن مجاهد، انه كان إذا قال المؤذن: (حي على الصلاة) قال: المستعان الله.
[فاذا] قال: (حي على الفلاح) قال: لا حول ولا قوة الا بالله.

وفي "مسند الامام أحمد" عن علي بن أبي طالب، انه كان إذا سمع المؤذن يؤذن قال كما يقول، فإذا قال: "اشهد ان لا الله الا الله، واشهد ان محمداً رسول الله" قال علي: اشهد ان لا اله الا الله، واشهد ان محمداً رسول الله.

وخرج ابن السني بإسناد لايصح، عن معاوية، قال: كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا سمع المؤذن قال: (حي على الفلاح) قال: (اللهم اجعلنا مفلحين) .

وذكر ابن جرير بإسناده، عن سعيد بن جبير، انه كان إذا سمع المؤذن يقول: "حي على الصلاة" يقول: سمعنا واطعنا.

ولا فرق في استحباب اجابة المؤذن بين النساء والرجال، هذا ظاهر اطلاق العلماء، وظواهر الاحاديث؛ فان خطاب الذكور يدخل في الاناث تبعاً في كثير من العمومات، وهو قول أصحاب الامام أحمد وغيرهم ممن تكلم في اصول الفقه.

وقد روي التصريح باجابة النساء المؤذن من حديث عائشة وميمونة، وإسنادهما لا يصح.

وقد خرج ابن جرير الطبري حديث ميمونة، وفيه ان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: " وللرجال الضعفان من الاجر" – يعني: في الاجابة.

وذكر ابن جرير، عن بعض اهل الحديث، انه قال: لا يحتاج بهذا الحديث ذو علم بالاثار ومعرفة الرجال.

والامر كما قال؛ فإن إسناده ضعيف جداً.

وقد خرج ابو الشيخ الاصبهاني في "كتاب ثواب الاعمال" معناه – أيضا - من حديث ابن المنكدر - مرسلاً.

وهذا قد يشعر بأن النساء في ثواب الاعمال نصف اجر الرجال.
ويشهد له: ما خرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره" من حديث الاشعث بن إسحاق، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير، عن أبي عباس، في قوله: { وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النساء: 3] الاية، قال: اتت امرأة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقالت: يا نبي الله، للذكر مثل حظ الانثيين، وشهادة امراتين بشهادة الرجل، أفنحن في العمل هكذا، ان عملت امراة حسنة كتب لها نصف حسنة، فانزل الله هذه الاية { وَلا تَتَمَنَّوْا} ، فانه عدل مني، وانا صنعته.

وبإسناده عن السدي في هذه الاية، قال: قال الرجال: نريد ان يكون لنا من الاجر الضعف على اجر النساء كما لنا في السهام سهمان ونريد ان يكون من الأجر اجران.
وقالت النساء: نريد ان يكون لنا اجر مثل اجر الرجال الشهداء، فانا لا نستطيع ان نقاتل، ولو كتب علينا القتال لقاتلنا.
فأبي الله ذلك، ولكن قال لهن: "سلوا الله من فضله يرزقكم الاعمال، وهو خير لكم".

وروي قتادة هذا المعنى - أيضا.

وهذا كله يشعر بان النساء لهن نصف اجر الرجال في الاعمال كلها.

وقد يخص ذلك بما لا يشرع مشاركة النساء للرجال في الاعمال، او ما يجوز لهن مشاركتهم فيها، [والاوصى] ترك المشاركة، كصلاة الجماعة.

واجاب المؤذن؛ فانه داع إلى الصلاة في الجماعة.

وقد روي في حديث غريب، خرجه ابو نعيم في "تاريخ اصبهان": ان صلاة المرأة وحدها تضاعف على صلاتها في الجماعة ببضع وعشرون درجة.

وفي إسناده مقال.

وربما يأتي ذكره بلفظه في موضع اخر - ان شاء الله.

وهل يشرع للمؤذن نفسه ان يجيب نفسه بين كلمات الاذان؟
ذكر أصحابنا ان يشرع له ذلك.

وروي عن الامام أحمد انه كان إذا اذن يفعل ذلك.

واستدلوا بعموم قوله: "إذا سمعتم المؤذن فقولوا كما يقول".
والمؤذن يسمع نفسه، فيكون مأمور بالاجابة.

وقاسوه على تأمين الامام على قراءة الفاتحة مع المأمومين.

وفي هذا نظر؛ فان تامين الامام وردت به نصوص.

وقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((إذا سمعتم المؤذن)) ، ظاهره: يدل على التفريق بين السامع والمؤذن، فلا يدخل المؤذن، كما قال أصحابنا في النهي عن الكلام لمن يسمع الامام وهو يخطب، انه لا يشمل الامام، بل له الكلام.

وكذا قال في الايمان ونحوها، لو قال: من دخل داري.
او خاطب غيره، فقال: من دخل دارك، وعلق على ذلك طلاقاً او غيره: لم يدخل هو في عموم اليمين في الصورة [الاولى] ، ولا المخاطب في الصورة الثانية.

وللمسألة نظائر كثيرة، في بعضها اختلاف، قد ذكرناها في كتاب "القواعد في الفقه".

واستحب أحمد للمؤذن ان يبسط يديه ويدعو عنه قوله: "حي على الصلاة".
قال: اريت يزيد بن هارون يفعله، وهو حسن.

يعني: لما ورد من استحبابه للدعاء عن الاذان، وفيه احاديث كثيرة مرفوعة، وموقوفة.

وقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول المؤذن" يدخل فيه الاذان والاقامة؛ لان كلا منهما نداء إلى الصلاة، صدر من المؤذن.

وقد اختلف العلماء: هل يشرع الاجابة في الاقامة؟ على قولين:
احدهما: انه يشرع ذلك، وهو قول القاضي أبي يعلى واكثر أصحابنا، وهو ظاهر مذهب الشافعي.

وفي "سنن أبي داود" من رواية محمد بن ثابت العبدي: ثنا رجل من اهل الشام، عن شهر بن حوشب، عن أبي امامة - او عن بعض أصحاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ان بلالا اخذ في الاقامة، فلما ان قال: "قد قامت الصلاة" قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اقامها الله وادامها"، وقال في سائر الاقامة كنحو حديث عمر في الاذان.
وفي هذا [الإسناد] ضعف.

والقول الثاني: انه لايسرع الاجابة فيها، الا في كلمة الاقامة خاصة، وهو وجه للشافعية.

وقد نقل المروذي عن الامام أحمد، انه كان إذا اخذ المؤذن في الاقامة رفع يديه ودعا.

وروي عنه، انه كان يدعو، فإذا قال المؤذن: "لا اله الا الله" قال: لا اله الا الله الحق المبين.

وظاهر هذا: ان الدعاء حينئذ افضل من الاجابة.

وتأوله القاضي على انه انما كان يدعو إذا فرغ من الاقامة.

وهذا مخالف لقوله: ((إذا اخذ المؤذن في الاقامة)) .

ولو سمع المؤذن وهو يصلي، فهل يجيبه، ام لا؟
هذا قد ينبني على اصل، وهو: ان العام في الاشخاص: هل هو عام في الاحوال، ام لا؟ وفيه اختلاف، قد اشرنا اليه في غير موضع.

ويدل على عمومه في الاحوال: انكار النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على من دعاه فلم يجبه حتى حتى سلم، وقوله لم: ((الم يقل الله)) : { اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إذا دَعَاكُمْ} )) [الانفال:4] ".

وقد اختلف العلماء في اجابة المؤذن في الصلاة على ثلاثة اقوال:
احدها: انه لا يستحب اجابته في الصلاة بحال؛ لقول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((ان في الصلاة لشغلا)) .

وهذا ظاهر مذهب الشافعي.

وهو قول أصحابنا، قالوا: وقد نص أحمد على ان من دخل المسجد فأذن المؤذن، فانه لا يصلي تحية المسجد حتى يجيب المؤذن.

وهذا يدل على انه لا يجيبه في الصلاة.

وهو - أيضا - قول الحنفية وسحنون من المالكية.

الثاني: أنه يستحب انه يجيبه في الفريضة والنافلة، وهو قول ابن وهب من أصحاب مالك.

والثالث: يستحب ان يجيبه في النفل دون الفرض، وهو المنصوص عن مالك.

نقله عنه ابن القاسم، وقال: يقع في نفسي انه اريد بالحديث: وقال: "يقول مثل ما يقول": التكبير والتشهد.

وكذا قال الليث، الا انه قال: ويقول: "لا حول ولا قوة الا بالله" إذا قال "حي على الصلاة، حي على الفلاح".

وفي "تهذيب المدونة" للبرداعي المالكي: ومن سمع المؤذن فليقل كقوله، وان كان في نافلة، إلى قوله: "اشهد ان لا اله الا الله، واشهد ان محمداً رسول الله"، وان اتم الاذان معه فلا باس.

ولعل اتمامه مختص بغير المصلي، او بما إذا اجابه في الحيعلة بالحوقلة، كما قال الليث.
انه إذا اجابه بذلك لم تبطل صلاته.
فريضة كانت او نافلة عند جمهور العلماء.

وهو قول مالك والشافعي وأصحابنا.

ويخرج من قول أحمد في العاطس في الصلاة: يحمد الله في نفسه -: نقله عنه جماعة.

ونقل صالح بن أحمد، عن أبيه، قال: إذا رفع صوته به يعيد الصلاة؛ لانه ليس من شأن الصلاة، الا ان لا يجهر به، وان قال في نفسه فلا شيء عليه.

وهذا يحتمل انه اراد إذا تلفظ به بطلت صلاته.

وحكى الطحاوي عن أبي يوسف، انه لاتبطل صلاته إذا اجاب المؤذن في الصلاة بالتكبير والتشهد عنه أبي يوسف، وتبطل عند أبي حنيفة ومحمد إذا اراد به الاذان، كما لو خاطب أنسانا في صلاته بلا اله الا الله، فان صلاته عنده تفسد.

وهو احدى الروايتين عن أحمد.

وقد فرق بينهما أصحابنا، بأن هذا قصد خطاب ادمي، بخلاف المجيب للاذان، فانه انما قصد ذكر الله عز وجل.

وقد نقل مهنا، عن أحمد [فيمن] ذكر في صلاته كيسا ذهب له، فقال: انا لله وانا اليه راجعون، فقال أحمد: يعيد صلاته.

وهذا يدل على انه إذا اتى في صلاته بذكر غير مشروع فيها انها تبطل.

وكذلك روي جعفر بن محمد، عن أحمد، في الرجل يقول قبل ان يتم الصلاة: اللهم انت السلام ومنك السلام؛ فليس هذا من شأن الصلاة [ ... ] الصلاة.

وروي عنه ابو طالب، انه قال: لا باس بذلك قبل السلام وبعده.

وان اجاب المؤذن في قوله "حي على الصلاة، حي على الفلاح"، بمثل قوله بطلت صلاته عند جمهور العلماء.

وقالت طائفة: لا تبطل صلاته بذلك – أيضا.

وحكاه ابن خويز منداد، عن مالك، وانه يكون بذلك مسيئاً، وصلاته تامة.
وكره ان يقول في الفريضة - مثل ما يقول المؤذن، فان قال ذلك في الفريضة لم تبطل – أيضا -، ولكن الكراهة في الفريضة اشد.

وكلام صاحب "تهذيب المدونة" ظاهرة موافقة ذلك، الا انه قال: لاباس وهذا يدل على انه يكره، الا ان يختص ذلك بغير المصلي.

وقد ورد حديث يستدل به على ان الاذان والاقامة لا [يبطلان] الصلاة.

فروي الليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب، ان سويد بن قيس اخبره، عن معاوية بن حديج، انه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى يوماً، فسلم وقد بقيت من الصلاة ركعة، فأدركه رجل، فقال: نسيت من الصلاة ركعة، فرجع فدخل المسجد، وامر بلالا فأقام، فصلى للناس ركعة، فأخبرت بذلك الناس، فقالوا لي: تعرف الرجل؟ فقلت: لا، الا ان اراه.
فمر بي، فقلت: هو هذا.

فقالوا: هذا طلحة بن عبيد الله.
خرجه الامام أحمد وابو داود والنسائي.

وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحهما"، وعندهما: انه سلم في ركعتين من صلاة المغرب.

والحاكم، وقال: صحيح الإسناد.

وسويد هذا، وثقة النسائي وابن حبان.
ومعاوية بن حديج، اثبت البخاري وغيره له صحبة، وانكر هـ الامام أحمد في رواية الاثرم، فيكون حديثه هذا مرسلاً عنده.

فهذا يدل على [أنَّ] اقامة الصلاة لا يبطلها، وفيها الحيعلتان، ويزيد على الاذان بقوله: "قد قامت الصلاة" – أيضا -؛ ولهذا بني على ما مضى من صلاته هو ومن صلى معه.

وهذا قد يبنى على اصول مالك وأحمد – في رواية عنه - على قوليهما: ان كلام العامد في الصلاة لمصلحة الصلاة لا يبطل الصلاة.
ويأتي ذكر هذا في موضع اخر - ان شاء الله.

وإذا قلنا: لا يجيب المؤذن في الصلاة: فهل يتابع إذا فرغ منها؟
قال طائفة من الشافعية: يجيبه إذا سلم، فان طال الفصل، فهو كترك سجود السهو.

وكذلك قال طائفة منهم في المتخلي والمجامع إذا سمع الاذان: انه إذا فرغ تابعه.

وقال بعضهم: وإذا لم يتابعه حتى فرغ عمداً، فالظاهر انه يتدارك على القرب، ولا يتدارك بعد طول الفصل.

والافضل ان يتابعه على كل جملة عقب فراغ المؤذن منها من غير تأخير، كما دل عليه حديث معاوية.

ومن زعم من المتاخرين: انه يجوز الاجابة حتى يفرغ ثم يجيبه، وزعم انه لا يسمى مؤذناً حتى يفرغ من اذانه -: فقد ابطل، وقال ما خالف به الاولين والاخرين.
وفي تسميته مؤذناً بعد فراغ اذانه - حقيقة اختلاف – أيضا - فأنه ينقضي الفعل الذي اشتق منه الاسم، ولو سابق المؤذن في بعض الكلمات.

ففي "تهذيب المدونة" للمالكية: إذا عجل قبل المؤذن بالقول فلا بأس والله اعلم.