فهرس الكتاب

فتح البارى لابن رجب - باب من خافت القراءة في الظهر والعصر

باب
من خافت القراءة في الظهر والعصر
[ قــ :756 ... غــ :777 ]
- حدثنا قتيبة: ثنا جرير، عن الأعمش، عن عمارة بن عمير، عن أبي معمر، قال: قلنا لخباب: أكان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقرأ في الظهر والعصر؟ قال نعم.
قلنا: من أين علمت؟ قال: باضطراب لحيته.

قد تقدم هذا الحديث من طريق عن الأعمش.

ومقصود بهذا الباب: أن قراءة الظهر والعصر تكون سراً، وهذا مما لا اختلاف فيه بين المسلمين علماً وعملاً، متداولا من أصحاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وإلى الآن.

والمخافته سنة كالجهر.
وأوجب ذلك ابن أبي ليلى وقليل من الناس، وهو وجه للمالكية.

ولأصحابنا: أنه تبطل الصلاة بتركه عمداً.

وخرج الطبراني وابن عدي من طريق أبي الرحال البصري، عن النضر ابن أنس، عن أبيه، أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى بهم الظهر بالهاجرة، فرفع صوته، فقرأ { وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} ، { وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} فقال أبي بن كعب: يارسول الله، أمرت في هذه الصلاة بشيء؟ قال: ((لا، ولكني أردت أن أوقت لكم صلاتكم)) .

أبو الرحال، اسمه: خالد بن محمد، قال البخاري: منكر الحديث وأخرجه العقيلي من طريقه.

وقال: لا يتابع عليه.
قال: والصحيح من الرواية عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أنه لم يكن يجهر في صلاة النهار بالقراءة إلا في الجمعة.

وخرجه النسائي من رواية عبد الله بن عبيد، قال: سمعت أبا بكر بن النضر يقول: كنا عند أنس، فصلى بهم الظهر، فلما فرغ قال: إني صليت مع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الظهر، فقرأ لنا بهاتين السورتين في الركعتين بـ { ) سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} و { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} .
وخرجه أبو بكر بن أبي داود في ((كتاب الصلاة)) ، وعنده: أن أنسا أسمعهم قراءته في الركعتين الأوليين، فلما قضى صلاته أقبل عليهم، وقال: عمداً أسمعتكم قراءة هاتين السورتين، أني صليت مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الظهر فقرأ بهاتين السورتين.

وخرج الطبراني من حديث قتادة، عن شهر بن حوشب، عن عبد الرحمن بن غنم، عن أبي مالك الأشعري، أنه صلى بهم صلاة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ فصلى الظهر فقرأ بفاتحة الكتاب وسورة، يسمع من يليه – وذكر الحديث.

وشهر بن حوشب، مختلف فيه.

وقد رواه عبد الحميد بن بهرام، عن شهر بن حوشب، وذكر في حديثه: أنه أسر القراءة.

خرجه الإمام أحمد من طريقه.

وهو أصح، وعبد الحميد أحفظ لحديث شهر بن حوشب بخصوصه من غيره.

ولو صح شيء من ذلك لحمل على أنه جهر لإرادة تعليم القراءة وقدرها وروي هذا المعنى عن أنس وخباب بن الأرت.

ولهذا المعنى روي عن عمر الجهر بالاستفتاح، عن ابن عباس الجهر بقراءة الفاتحة في صلاة الجنازة.

وأما الجهر بالتطوع في النهار؛ فإن كانَ في صلاة جماعة ويطول فيهِ القراءة كصلاة الكسوف، فإنه يجهر فيهِ بالقراءة، وستأتي المسألة في مواضع آخر – إن شاء الله تعالى -.

وكذا لو صلى الكسوف وحده جهر فيها -: نص عليه أحمد.

وأما غير ذلك من التطوع فالأكثرون على أنه لا يجهر فيها بالقراءة.

قالَ أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود: قراءة النهار عجماء.
وقال الحسن: صلاة النهار عجماء.

أي: لا تسمع فيها قراءة.

وكثير من العلماء جعله حديثاً مرفوعاً، منهم: ابن عبد البر وابن الجوزي، ولا أصل لذلك.

وحكى عن أبي حامد الإسفراييني، سأل الدارقطني عنه فقال: لا أعرف صحيحاً ولا فاسداً.

وروى أبو عبيد في كتابه ((غريب الحديث)) حدثنا إبراهيم بن سعد، عن
أبيه، عن أبي سلمة، قال: سمع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عبد الله بن حذافة يقرأ في المسجد، يجهر يالقراءة في صلاة النهار، فقال: ((يابن حذافة سمع الله ولا تسمعنا)) .

وقد رواه بعضهم، فجعله: عن أبي سلمة، عن أبي هريرة – موصولا وإرساله أصح -: قاله الدارقطني وغيره.

وروى وكيع، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، قال: قالوا: يارسول الله، إن هاهنا قوم يجهرون بالقرآن بالنهار؟ فقال: ((ارموهم بالبعر)) .

مراسل يحيى بن أبي كثير ضعيفة.
وقد رواه يوسف بن يزيد الدمشقي، عن الأوزاعي، عن يحيى، عن أبي سلمة، عن بريدة، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فوصله.

وهو خطأ لا أصل له -: قاله صالح بن محمد الحافظ وغيره.

ويوسف هذا، ضعيف.

وروي موصولا من وجوه أخر، لا تصح.

وروي ابن أبي شيبة بإسناده، عن سعيد بن جبير، عن ابن عمر، أنه سمع رجلا يجهر بالقراءة نهاراً، فدعاه فقال: إن صلاة النهار لا يجهر فيها فأسر قراءتك.

ورخصت طائفة في الجهر في التطوع بالنهار إذا لم يؤذ أحداً، وهو قول النخعي والثوري وإسحاق، وروي – أيضاً – عن خالد بن معدان وسعيد بن جبير.

وقال بشر بن حرب: رأيت ابن عمر يصلي بالنهار، فكان يسمعنا قراءته وبشر بن حرب، تكلموا فيه.

ولأصحابنا وجه: أنه لابأس به.