فهرس الكتاب

فتح البارى لابن رجب - باب استئذان المرأة زوجها بالخروج إلى المسجد

باب
استئذان المراة زوجها بالخروج إلى المسجد
[ قــ :849 ... غــ :875 ]
- حدثنا مسدد: ثنا يزيد بن زريع، عن معمر، عن الزهري، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: ( ( إذا استأذنت امرأة أحدكم فلا يمنعها) ) .

قد تقدم هذا الحديث بأتم من هذا السياق.

وقد روي هذا المعنى عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من وجوه أخر:
خرَّجه الإمام أحمد وأبو داود من رواية محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: ( ( لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، ولكن ليخرجن وهن تفلات) ) .

خرَّجه الإمام أحمد من حديث زيد بن خالد الجهني وعائشة، وفي حديث عائشة أنها قالت: لو رأى حالهنَّ اليوم لمنعهن.

فهذه الأحاديث: تدل على أمرين:
أحدهما:
أن المرأة لا تخرج إلى المسجد بدون اذن زوجها، فإنه لو لم يكن له اذن في ذلك لأمرها أن تخرج أن اذن أو لم يأذن.
وخرج ابن أبي شيبة من حديث ابن عمر – مرفوعاً -: ( ( حق الزوج على زوجته لا تخرج من بيتها إلا بأذنه، فإن فعلت لعنتها ملائكة الله، وملائكة الرحمة، وملائكة الغضب، حتى تتوب أو تراجع) ) .

وفي إسناده: ليث بن أبي سليم، وقد اختلف عليه في إسناده.

وخرج البزار نحوه من حديث ابن عباسٍ.

وفي إسناده: حسين بن علي الرحبي، ويقال له: حنش، وهو ضعيف الحديث.

وخرج الترمذي وابن حبان في ( ( صحيحه) ) من حديث قتادة، عن مورق، عن أبي الأحوص، عن ابن مسعود، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: ( ( المرأة عورة، فاذا خرجت استشرفها الشيطان) ) .

زاد ابن حبان: ( ( وأقرب ما تكون من ربها إذا هي في قعر بيتها) ) .

وصَححه الترمذي.

وإسناده كلهم ثقات.

قال الدارقطني: رفعه صحيح من حديث قتادة، والصحيح عن أبي إسحاق وحميد بن هلال، أنهما روياه عن أبي الأحوص، عن عبد الله موقوفاً.

ولا نعلم خلافاً بين العلماء: أن المرأة لا تخرج إلى المسجد الإ بأذن زوجها، وهو قول ابن المبارك والشافعي ومالك وأحمد وغيرهم.

لكن من المتقدمين من كان يكتفي في اذن الزوج بعلمه بخروج المرأة من غير منع؛ كما قال بعض الفقهاء: إن العبد يصير مأذونا له في التجارة بعلم السيد بتصرفه في ماله من غير منعٍ.

فروى مالكٍ، عن يحيى بن سعيد، أن عاتكة بنت زيد كانت تستأذن زوجها عمر بن الخطاب إلى المسجد، فيسكت، فتقول: والله، لأخرجنَّ، إلا أن تمنعني، فلا يمنعها.

وروي عن ابن عمر، قال: كانت امرأة لعمر تشهد صلاة الصبح والعشاء في جماعة، فقيل لها: لم تخرجين وقد تعلمين أن عمر يكره ذلك ويغار؟ فقالت: ما يمنعه أن ينهاني؟ قالوا: يمنعه قول رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( لا تمنعوا إماء الله مساجد الله) ) .

خرَّجه البخاري من حديث عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر.

وخرَّجه الإمام أحمد من رواية سالم، عن عمر – منقطعاً.


والأمر الثاني:
أن الزوج منهيٌ عن منعها إذا استأذنته، وهذا لابد من تقييده بما إذا لم يخف فتنةً أو ضرراً.

وقد أنكر ابن عمر على ابنه لما قال له: والله، لمنمعهن، أشد الأنكار، وسبه، وقال له: تسمعني اقول: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وتقول: لنمنعهن؟! .
وقد تقدم من عمر عدم المنع.

وممن قال: لا يمنعن: ابن المبارك ومالك وغير واحد.

وحكي عن الشافعي، أن له المنع من ذلك وقاله القاضي أبو يعلى وغيره من أصحابنا.

وروى سعيد بن أبي هلال، عن محمد بن عبد الله بن قيس، أن رجالاً من أصحاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أتو رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقالوا: إن نساءنا استاذنونا في المسجد، فقال: ( ( احبسوهن) ) ، ثم إنهن عدن إلى أزواجهن، فعاد أزواجهن إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال:
( ( احبسوهن) ) ، ثم إنهن عدن إلى أزواجهن، فقالوا: يا رسول الله، قد استأذننا حتى إنا لنخرج.
قال: ( ( فإذا أرسلتموهن، فأرسلوهن تفلات) ) .

وهذا مرسلٌ غريب.

ومن هؤلاء من حمل قوله: ( ( لا تمنعوا إماء الله مساجد الله) ) على النهي عن منعهن من حجة الاسلام، وهو في غاية البعد، ورواية من روى تقييده بالليل تبطل ذلك.

ومنهم من حمله على الخروج للعيدين، وهو بعيد –أيضاً -؛ فان النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يكن من عادته صلاة العيدين في المسجد.

ومن أصحابنا من قال: يكره منعهن إذا لم يكن في خروجهن ضررٌ ولا فتنهٌ، فحملوا النهي على الكراهة.

وقال صاحب ( ( المغني) ) منهم: ظاهر الحديث يمنعه من منعها.

قلت: وهوظاهر ما روي عن عمر وابن عمر، كما تقدم.

وكذلك مذهب مالكٍ: لا يمنع النساء من الخروج إلى المسجد.

وبكل حال؛ فصلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد.

خرج الإمام أحمد وأبو داود من حديث حبيب بن أبي ثابت، عن ابن عمر، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: ( ( لا تمنعوا نساءكم المساجد، وبيوتهنَّ خيرٌ لهنَّ) ) .

وخرج الإمام أحمد وابن خزيمة وابن حبان في ( ( صحيحيهما) ) من حديث أم حميد –امرأة أبي حميد -، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لها: ( ( صلاتك في بيتك خيرٌ من صلاتك في حجرتك، وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك، وصلاتك في دارك خير من صلاتك في مسجد قومك، وصلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجدي) ) .

قال: فأمرت، فبني لها مسجد في أقصى شيء من بيتها واظلمه، فكانت تصلي فيه حتى لقيت الله عز وجل.
وخرج أبو داود معناه من حديث ابن مسعود.

والبيهقي معناه –أيضاً - من حديث عائشة.

وخرج الإمام أحمد والحاكم من حديث أم سلمة، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: ( ( خيرُ مساجد النساء قعر بيوتهن) ) .

وخرَّجه الطبراني من وجه أخر عن أم سلمة، بمعنى الأحاديث التي قبله.

وقد تقدم عن ابن مسعود، أن صلاتها في مسجد مكة والمدينة أفضل من صلاتها في بيتها.