فهرس الكتاب

فتح البارى لابن رجب - باب قول الله تعالى: {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله} [الجمعة: 10]

باب قول الله عز وجل: ( فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض) [الجمعة: 10] الآية
[ قــ :910 ... غــ :938 ]
- حدثنا سعيد بن أبي مريم: ثنا أبو غسان: حدثني أبو حازم، عن سهل ابن سعد، قال: كانت فينا امرأة تجعل على أربعاء في مزرعة لها سلقا، فكانت إذا كان يوم الجمعة تنزع أصول السلف، فتجعله في قدر، ثم تجعل عليه قبضة من شعير تطحنها، فتكون أصول السلق عرقه، وكنا ننصرف من صلاة الجمعة فنسلم عليها، فتقرب ذلك الطعام إلينا، فنلعقه، فكنا نتمنى يوم الجمعة لطعامها ذلك.



[ قــ :910 ... غــ :939 ]
- حدثنا عبد الله بن مسلمة: نا ابن أبي حازم، عن أبيه، عن سهل بن سعد - بهذا، وقال: ما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة.

المقصود من هذا الحديث ها هنا: أن الصحابة لم يكونوا يجلسون بعد صلاة الجمعة في المسجد إلى العصر لانتظار الصلاة - كما ورد في الحديث المرفوع أنه يعدل [عمرة] وقد خرجه البيهقي بإسناد ضعيف، وقد سبق ذكره - وإنما كانوا يخرجون من المسجد ينتشرون في الأرض، فمنهم من كان ينصرف لتجارة، ومنهم من كان يزور أصحابه وإخوانه، وكانوا يجتمعون على ضيافة هذه المرأة.

وقد ذهب بعضهم إلى [أن] الأمر بالانتشار بعد الصلاة للاستحباب، كان عراك بن مالك إذا خرج من المسجد يوم الجمعة [قال] : اللهم، أجبت دعوتك، وقضيت فريضتك، وانتشرت كما أمرتني، فارزقني من فضلك، وأنت خير الرازقين.

خرجه ابن أبي حاتم وغيره.

وهذا يدل على أنه رأى قوله تعالى: ( فانتشروا في الأرض) [الجمعة: 10] أمرا على ظاهره.

وخرج - أيضا - بإسناده، عن عمران بن قيس، قال: من باع واشترى يوم الجمعة بارك الله له سبعين مرة.

قال بعض رواته: وذهب بعد صلاة الجمعة؛ لهذه الآية.

وذهب الأكثرون إلى أنه ليس بأمر حقيقة، وإنما هو إذن وإباحة، حيث كان بعد النهي عن البيع، فهو إطلاق من محظور، فيفيد الإباحة خاصة.

وكذا قال عطاء ومجاهد والضحاك ومقاتل بن حيان وابن زيد وغيرهم.

وروى أبو بكر عبد العزيز بن جعفر في " كتاب الشافي " بإسناد لا يصح، عن أنس - مرفوعا - في قوله تعالى: ( فانتشروا في الأرض) ، قال: " ليس بطلب دنيا، ولكن عيادة مريض، وتشييع جنازة، وزيارة أخ في الله ".

وفي حديث سهل: دليل على زيارة الرجال للمرأة، وإجابتهم لدعوتها، وعلى استحباب الضيافة يوم الجمعة خصوصا لفقراء المسلمين، فإطعام الفقراء فيه حسن مرغب فيه.

وفيه: أن فرح الفقير بوجود ما يأكل وتمنيه لذلك غير قادح في فقره، ولا مناف لصبره، بل ولا لرضاه.

وفي الحديث ألفاظ تستغرب:
ف " الأربعاء ": جداول الماء في الأرض، واحدها: " ربيع ".

وقوله: " فيكون أصول السلق عرقه " - وفي رواية: " عراقه " -، وهو بالعين المهملة والقاف، والعرق والعراق: اللحم.

والمعنى: أن أصول السلق تصير في هذا الطعام كاللحم لما يطبخ باللحم من الأطعمة.

ورواه بعضهم: " غرفه " - بالغين المعجمة والفاء -، وفسر ب " المرقة "؛ فإنها تغرف باليد.

وهذا بعيد؛ فإن أصول السلق لا تصير بغرف.

وقوله: " فنعلقه " أي: نلحسه، وهذا يدل على أنه كان قد ثخن.

وقيل: الفرق بين اللحس واللعق: أن اللحس يختص بالأصبع، واللعق يكون بالأصبع وبآلة يلعق بها كالملعقة.