فهرس الكتاب

فتح البارى لابن رجب - باب كلام الإمام والناس في خطبة العيد، وإذا سئل الإمام عن شيء وهو يخطب

باب
كلام الإمام والناس في خطبة العيد

فيه ثلاثة أحاديث.

الأول:
[ قــ :954 ... غــ :983 ]
- ثنا مسدد: ثنا أبو الأحوص: ثنا منصور، عن الشعبي، عن البراء بن عازب، قالَ: خطبنا رسول الله ?? - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم النحر بعد الصَّلاة، فقالَ: ( ( من صلى صلاتنا ونسك نسكنا فقد أصاب النسك، ومن نسك قبل الصلاة فتلك شاة لحم) ) .

فقام أبو بردة بن نيار، فقالَ: يا رسول الله، والله لقد نسكت قبل أن أخرج إلى الصلاة، وعرفت أن اليوم يوم أكل وشرب، فعجلت وأكلت وأطعمت أهلي وجيراني.
فقال رسول الله ? - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( تلك شاة لحم) ) .
قال: فإن عندي عناقا جذعة، هي خير من شاتي لحم، فهل تجزي عني؟ قالَ: ( ( نعم، ولن تجزي عن أحد بعدك) ) .

مقصود البخاري بهذا الحديث: الاستدلال على جواز أن يكلم الإمام أحدا من الناس أو يكلمه أحد، وهو يخطب للعيد.
وقد تقدم: أن الكلام في حالة خطبة العيد قد كرهه الحسن وعطاء، وأباحه الشافعي وغيره.

وروى الشافعي بإسناد ضعيف، عن عمر بن عبد العزيز، أنه كان يترك المساكين يطوفون يسألون الناس في المصلى في خطبته الأولى يوم الأضحى والفطر، فإذا خطب خطبته الأخيرة أمر بهم فأجلسوا.

قال الشافعي: وسواء الأولى والآخرة، أكره لهم المسألة، وإن فعلوا فلا شيء عليهم فيها، إلا ترك الفضل في الاستماع.

وعن أحمد - في تحريمه وإباحته - روايتان.

ويستثنى من ذلك – عنده -: كلام الإمام لمصلحة، وكلام من يكلمه لمصلحة، كما قال في خطبة الجمعة.

وهذا الذي في هذا الحديث من هذا الجنس، فلا يستدل به على إباحة الكلام مطلقا.



[ قــ :955 ... غــ :984 ]
- ثنا حامد بن عمر، عن حماد، عن أيوب، عن محمد، أن أنس بن مالك قالَ: إن رسول الله ? - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى يوم النحر، ثم خطب، فأمر من ذبح قبل الصلاة أن يعيد ذبحه، فقام رجل من الأنصار، فقالَ: يا رسول الله، جيران لي - إما قالَ: بهم
خصاصة، وإما قالَ: فقراء - وإني ذبحت قبل الصَّلاة، وعندي عناق لي أحب [إلي] من شاتي لحم، فرخص له فيها.

وهذا الحديث، كالذي قبله في الدلالة.




[ قــ :956 ... غــ :985 ]
- ثنا مسلم: ثنا شعبة، عن الأسود، عن جندب، قالَ: صلى النبي ? - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم النحر، ثم خطب، ثم ذبح، فقال: ( ( من ذبح قبل أن يصلي فليذبح أخرى مكانها، ومن لم يذبح فليذبح باسم الله) ) .

في الاستدلال بهذا الحديث على الكلام في خطبة العيد نظر؛ لوجهين:
أحدهما: أنه ليس فيهِ التصريح بأن ذَلِكَ كانَ في الخطبة فيحتمل أنه قاله قبلها، أو بعدها.
وقد وقع في رواية لمسلم في ( ( صحيحه) ) من هذا الحديث ما يدل على أنه قاله قبل الخطبة؛ فإنه قالَ: فلم يعد إن صلى وفرغ من صلاته سلم، فإذا هوَ يرى لحم أضاحي قد ذبحت قبل أن يفرغ من صلاته، فقالَ: ( ( من كانَ ذبح) ) – إلى آخره.

ولكن رواه غير واحد، عن شعبة، فذكروا فيهِ: أنه قاله في خطبته.
أن هذا لم يكن خطابا لأحد معين، ولا في الحديث أن أحدا قام إليه فخاطبه، كما في حديث البراء وحديث أنس المتقدمين.

وحينئذ؛ فيكون ذكره لهذا في الخطبة من جملة تعليم أحكام الأضاحي، ولا شك في أن الإمام لهُ أن يعلم الناس في خطبة عيد النحر أحكام الأضاحي، وما يحتاجونه إلى معرفته منها.

وحديث البراء وأنس يدلان على ذلك – أيضاً.

وهذا كله مستحب، وقد نص عليه الشافعي وأصحابنا.

وقالوا - أيضاً - يسن للإمام أن يعلم الناس في خطبة عيد الفطر حكم إخراج الفطرة.

وقد روي عن ابن عباس، أنه خطب بالبصرة يوم الفطر، فعلم الناس صدقة الفطر.

خرجه ابن شاهين في ( ( كتاب العيدين) ) .

وفي إسناده: ضعف.

والصحيح: ما روى الحسن، قالَ: خطب ابن عباس في آخر رمضان على منبر البصرة، فقالَ: أخرجوا صدقة صومكم.
فكأن الناس لم يعلموا، فقال: من هاهنا من أهل المدينة؟ قوموا إلى إخوانكم فعلموهم - وذكر بقية الحديث.

خرجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي.

والحسن، لم يسمع من ابن عباس، ولم يكن بالبصرة يوم خطب ابن عباس.

وخرج الإمام أحمد وأبو داود، من رواية الزهري، قال: قال عبد الله بن ثعلبة بن صعير: خطب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الناس قبل الفطر بيومين، فقال: ( ( ادوا صاعاً من بر) ) –الحديث.

وفي إسناده: اختلاف كثير على الزهري.

واختلف في عبد الله بن ثعلبة: هل له صحبة، أم لا؟
وقد روى عبد الله ابن الإمام أحمد في ( ( مسائله) ) بإسناده، عن الزهري عن ابن المسيب: كانَ النَّبيّ ?? - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخطب قبل الفطر بيومين، ويأمرهم بأداء زكاة الفطر، فيخرجونها قبل الصَّلاة.

وروى الواقدي بأسانيد له متعددة، عن عائشة وابن عمر وأبي سعيد حديثاً طويلاً، فيه: أن النبي ? - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يخطب قبل الفطر بيومين، فيأمر بإخراج صدقة الفطر قبل أن يغدو إلى المصلى.

دكره، عنه محمد بن سعد.
وذكر ابن سعد، عنه –أيضاً -: ثنا عمرو بن عثمان بن هانئ، قال: سمعت عمر بن عبد العزيز بخناصرة، وهوخليفة، خطب الناس قبل يوم الفطر بيوم، وذلك يوم الجمعة، فذكر الزكاة فحض عليها، وقال:
على كل انسان صاع تمراً ومدان من حنطة.
وقال: انه لا صلاة لمن لازكاة له، ثم قسمها يوم الفطر.

ويدل على أن الإمام إنما يعلم الناس حكم صدقة الفطر قبل يوم الفطر:
حديث ابن عمر، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بزكاة الفطر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة.

وقد خرجه البخاري في موضع آخر.

وفيه: دليل واضح على انه كان يامر بذلك قبل يوم الفطر، والافكيف كان يأمر بعد الصلاة بأن تؤدى قبل الصلاة؟
وبقية ما دل عليهِ هذه الأحاديث، من الذبح قبل الصَّلاة، ومن الأمر لمن ذبح قبلها بالاعادة، ومن أحكام الجذع من الضأن والمعز موضعه غيرهذا، ويأتي فيهِ – إن شاء الله سبحانه وتعالى.