فهرس الكتاب

فتح البارى لابن رجب - باب المضمضة والاستنشاق في الجنابة

بَابُ
الْمَضْمَضَةِ وَالاِستْنْشاقِ في الْجَنَابةِ
[ قــ :255 ... غــ :259 ]
- حدثنا عمر بن حفص: ثنا أبي: حدثني الأعمش: حدثني سالم، عن كريب، عن ابن عباس، قالَ: ثنا ميمونة، قالت: صببت للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غسلاً، فأفرغ يمينه على يساره فغسلهما، ثم غسل فرجه، ثم قالَ بيده على الأرض فمسحها بالتراب، ثم غسلها، ثم تمضمض واستنشق، ثم غسل وجهه، وأفاض على رأسه، ثم تنحى فغسل قدميه، ثم أتي بمنديل، فلم ينفض بها.

المضمضمة والاستنشاق في غسل الجنابة، مذكور في حديث ميمونة، وفي حديث عائشة - أيضاً -، كما سبق -، أنه مضمض ثلاثاً، واستنشق ثلاثاً.

وقد أشرنا - فيما تقدم - إلى الاختلاف في وجوب المضمضة والاستنشاق في غسل الجنابة.

فمن أوجبهما في الوضوء، أو أوجب الاستنشاق وحده في الوضوء، فإيجابه لهُ في غسل الجنابة أولى، إلا رواية رويت عن الإمام أحمد، أنها في الوضوء أوكد؛ الأمر بالاستنشاق في الوضوء، دون الغسل.
وهذا؛ بعيد؛ فإن الغسل غسل مواضع الوضوء، وزيادة، فما وجب في الوضوء، فهوَ واجب في الغسل بطريق الأولى.

وأما من لم يوجب المضمضة والاستنشاق في الوضوء، فاختلفوا في إيجابهما في غسل الجنابة:
فأوجبهما الكوفيون، منهم: الشعبي والنخعي وأبو حنيفة وأصحابه وسفيان.

وقال مالك والشافعي: هما مسنونان في الوضوء والغسل سواء.

واستدل من أوجبهما في الغسل بأن غسل الجنابة يجب إيصال الماء إلى ما تحت الشعر الكثيف، مع استتاره بالشعر، فإيجاب إيصال الماء فيهِ إلى باطن الفم والأنف، مع ظهوره، أولى بالوجوب.

وروى وكيع، عن أبي حنيفة، عن عثمان بن راشد، عن عائشة بنت عجرد، قالت: سألت ابن عباس عن الجنب يغتسل، فينسى المضمضة والاستنشاق حتى يصلي؟ قالَ: يتمضمض ويستنشق ويعيد الصلاة.

وخرجه الدارقطني من طريق سفيان، عن عثمان، عن عائشة، عن ابن عباس، ... قالَ: يعيد في الجنابة، ولا يعيد في الوضوء.

وعائشة بنت عجرد، قيل: إنها غير معروفة.
وأنكر الشافعي وأحمد وغيرهما من الأئمة التفرقة بين الغسل والوضوء في المضمضة والاستنشاق.

وقالوا: ما وجب غسله من الوجه في الوضوء، وجب في الغسل، وما لا فلا.

وفرقوا بين باطن الفم، والأنف، وما تحت الشعور، بأن ما تحت الشعور ستره
[طارىء] ، بخلاف باطن الفم والأنف، فإن سترهما بأصل الخلقة.

وأما غسل باطن العين في الجنابة، فكان ابن عمر يفعله.

وفي وجوبه عن أحمد روايتان، وأصحهما: لا يجب؛ لمشقته، وخوف الضرر
منه.