فهرس الكتاب

فتح البارى لابن رجب - باب غسل المذي والوضوء منه

بَابُ
غَسْلِ الْمَذْيِ، والْوُضُوءِ مِنْهُ
[ قــ :265 ... غــ :269 ]
- حدثنا أبو الوليد: ثنا زائدة، عن أبي حصين، عن أبي عبد الرحمان، عن علي، قالَ: كنت رجلاً مذاء، فأمرت رجلاً أن يسأل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لمكان ابنته -، فسأله فقالَ: ((توضأ، واغسل ذكرك)) .

وقد خرجه البخاري - فيما سبق - في آخر ((العلم)) - مختصراً -، من حديث محمد ابن الحنفية، عن أبيه علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - في باب: من استحي، فأمر غيره أن يسأل)) .

وقد استنبط البخاري منه - ها هنا - حكمين:
أحدهما:
غسل المذي؛ لقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((اغسل ذكرك)) .

وقد اختلف العلماء في معنى الأمر بغسل الذكر من المذي: هل المراد غسل ما أصاب الذكر منه كالبول، أو غسل جميع الذكر؟
وفيه: قولان، وهما روايتان عن مالك والإمام أحمد.

وحكي عنه رواية ثالثة، بوجوب غسل الذكر كله مع الأنثيين.

وقد روي في حديث علي، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالَ: ((يغسل ذكره وأنثييه
ويتوضأ)) ، من وجوه قد تكلم فيها.

واختار هذه الرواية أبو بكر عبد العزيز بن جعفر من أصحابنا، وذكر أن الحديث صح بذلك.

ولو استجمر منه بحجر أجزأه كالبول -: ذكره اصحابنا.

وهذا - على قولنا: يجب غسل ما أصحاب الذكر منه - ظاهر.

فأما إن قلنا يجب غسل الذكر جميعه، أو الذكر مع الأنثيين، فلا ينبغي أن يجزىء منه الاستجمار.

وعنده الشافعية: أن المذي: هل يجزيء فيهِ الاستجمار؟ فيهِ قولان:
بناء على أن الخارج النادر: هل يجزيء الاستجمار كالمعتاد؟ ، على قولين للشافعي، أصحهما: الجواز.

لكنهم لا يوجبون زيادة على غسل ما أصاب الذكر منه، وهو قول أبي حنيفة وغيره.

وقال سعيد بن جبير - في المذي -: يغسل الحشفة منه ثلاثاً.

فأما إن أصاب المذي غير الفرج من البدن أو الثوب، فالجمهور على أنه نجس يجب غسله كالبول.

وعن أحمد رواية: أنه يعفى عن يسيره كالدم.

وعنه رواية ثالثة: أن نجاسته مخففة، يجزىء نضحه بالماء، كبول الغلام الذي لم يأكل الطعام؛ لعموم البلوى به، ومشقة الاحتراز منه.

وفيه حديث، من رواية سهل بن حنيف، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أنه سئل عما أصاب الثوب من المذي؟ قالَ: ((تأخذ كفا من ماء فتنضح به حيث ترى أنه أصابك)) .

خرجه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي.

وقال: حسن صحيح، ولا نعرفه إلا من حديث ابن إسحاق.

وقال الإمام أحمد - في رواية الأثرم -: لا اعلم شيئاً يخالفه.

ونقل عنه غيره، أنه قالَ: لم يروه إلا ابن إسحاق، وأنا أتيهيبه.

وقال - مرة -: إن كانَ ثابتاً أجزأه النضح.

وعن أحمد رواية: أن المذي طاهر كالمني.

وهي اختيار أبي حفص البرمكي من أصحابنا، أوجب مع ذَلِكَ نضحه تعبداً.

ومن الأصحاب من قالَ: إذا قلنا بطهارته، لم يجب غسل ما أصاب الثوب منه.

وهل يجب الاستنجاء منه؟ على وجهين، كالمني.

وهذا بعيد، وهو مخالف للأمر بغسله.

والحكم الثاني:
وجوب الوضوء منه.

وقد أجمع العلماء على أن المذي يوجب الوضوء، ما لم يكن سلساً دائماً؛ فإنه يصير حينئذ كسلس البول، ودم الاستحاضة.

ومالك لا يوجب الوضوء منه حينئذ.

وخالفه جمهور العلماء.

وأما إذا خرج على الوجه المعتاد، فإنه يوجب الوضوء باتفاقهم، لا يوجب الغسل - أيضاً - بالاتفاق.

وقد حكي عن ابن عمر فيهِ اختلاف.

والصحيح عنه، كقول جمهور العلماء، أنه يكفي منه الوضوء.

وقد روي عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أنه قالَ - في المذي -: ((توضأ، وانضح فرجك)) .

خرجه مسلم وغيره.

فمن العلماء من حمل نضح الفرج على غسله، بما في اللفظ الآخر:
((توضأ واغسل ذكرك)) .

ومنهم من حمله على نضح الفرج بعد الضوء منه؛ لتفتير الشهوة، ودفع الوسواس.

وقد ورد في رواية التصريح بهذا المعنى، لكن في إسناده ضعف.

وعلى هذا؛ فالأمر بالنضح محمول على الاستحباب.