فهرس الكتاب

فتح البارى لابن رجب - باب الصلاة على الحصير

باب
الصلاة على الحصير
وصلى جابر بن عبد الله وأبو سعيد في السفينة قياما.

وقال الحسن: تصلي قائما، ما لم تشق على صاحبك، تدور معها، وإلا
فقاعدا.

إنما افتتح هذا الباب بذكر الصلاة في السفينة؛ لأن المصلي في السفينة لا يمكنه الصلاة على التراب، ولا على وجه الأرض، وإنما يصلي على خشب السفينة، أو ما فوقه من البسط أو الحصير أو الأمتعة والأحمال التي فيها.

ولهذا المعنى - والله أعلم - روي عن مسروق ومحمد بن سيرين، أنهما كانا يحملان معهما في السفينة لبنة أو آجرة يسجدان عليها، والظاهر: أنهما فعلا ذلك لكراهتهما السجود على غير أجزاء الأرض، أو أن يكون اختارا السجود على اللبنة على الإيماء، كما اختار قوم من العلماء للمريض أن يسجد على وسادة ونحوها ولا يومئ.

وروى حماد بن زيد، عن أنس بن سيرين، أن أنس بن مالك صلى بهم في سفينة على بساط.
وقال حرب: قلت لأحمد في الصلاة في السفينة: يسجدون على الأحمال والثياب ونحو ذلك؟ فسهل فيه.

قال: وقال إسحاق: يصلي فيها قائما على البسط.

وروى ابن أبي شيبة: ثنا مروان بن معاوية، عن حميد، عن عبد الله ابن أبي عتبة مولى أنس، قال: سافرت مع أبي سعيد الخدري وأبي الدرداء وجابر بن عبد الله - قال حميد: وناس قد سماهم -، فكان إمامنا يصلي بنا في السفينة قائما، ونصلي خلفه قياما وولو شئنا لأرفينا وخرجنا.

ورواه الأثرم عن ابن أبي شيبة، وذكر أن أحمد احتج به.

وقد رواه عن حميد: معاذ بن معاذ وسفيان الثوري، وقال: أراه ذكر منهم: أبا هريرة.

وروى الأثرم: ثنا مسلم بن إبراهيم: ثنا عبد الله بن مروان، قال: سألت
الحسن، قلت: أسافر، فكيف الصلاة في السفينة؟ قال: قائما، ما لم يشق على أصحابك.
قلت: أنها عواقيل؟ قال: أدرها كما تدور، فإذا استقبلت القبلة فصله.

وأكثر العلماء على أن المصلي في السفينة يلزمه أن يصلي قائما إذا قدر على ذلك من غير ضرر، وهو قول مالك والثوري والشافعي وأحمد.
وقالت طائفة: لا يلزمه القيام، وله أن يصلي قاعدا بكل حال إذا كانت
سائرة، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه.

وروي عن أنس، أنه صلى بهم في السفينة قاعدا.

وعن مجاهد، قال: كنا مع جنادة بن أبي أمية في البحر، فكنا نصلي قعودا.

وهذه قضايا أعيان، يحتمل فعلوا ذلك للخوف على أنفسهم، أو لضرر يحصل لهم بالقيام.

وقد روي في هذا حديث مرفوع عن جعفر بن برقان، عن ميمون بن مهران، عن ابن عمر، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر جعفر بن أبي طالب وأصحابه أن يصلوا في السفينة قياما، إلا أن يخافوا الغرق.

وقد رواه عن جعفر بن برقان: عبد الله بن داود الخريبي، ولم يسمعه منه، بل قال: ثناه رجل من أهل الكوفة من ثقيف، عن جعفر بن برقان.

واختلف عليه بعد ذلك في إسناده.

فقيل: عنه، عن ابن عمر، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وقيل: عنه، عن ابن عباس، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وقيل: عنه، عن ابن عمر، عن جعفر بن أبي طالب.

ورواه حسين بن علوان، عن جعفر بن برقان، عن ميمون، عن ابن عباس، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وحسين، متروك الحديث.

ورواه - أيضا - أبو نعيم الفضل بن دكين: ثنا جعفر بن برقان، عن ميمون ابن مهران، عن ابن عمر، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

خرجه من طريقه الدارقطني والبيهقي.

وهذا منكر، وفي صحته عن أبي نعيم نظر.

وقد خرجه الدارقطني من رواية بشر بن فافا، عنه.

وهذا رجل لا يعرف حاله بالكلية، وقد وصفه بالجهالة جماعة، منهم عبد الحق الأشبيلي وابن الجوزي.

وخرجه الحاكم والبيهقي من طريق ابن أبي الحنين، عن أبي نعيم.

وزعم الحاكم أنه على شرط الشيخين، وما أبعده من ذلك، ولو كان مقاربا لشرط البخاري فضلا عن أن يكون على شرطه لذكره تعليقا، ولم يقتصر على ما روى عن الصحابة خاصة.

وقال البيهقي: هو حسن.
والله أعلم.
وقول الحسن: يدورون كلما دارت - يعني: أنهم يصلون إلى القبلة، فكلما انحرفت السفينة عن القبلة داروا معها.

وهذا مع القدرة، فإذا عجزوا عن ذلك للخوف على أنفسهم فإنه يكفيهم الاستقبال في أول الصلاة، نص عليه مالك وأحمد وغيرهما من الأئمة.
والله أعلم.

ثم قال البخاري - رحمه الله -:
[ قــ :376 ... غــ :380 ]
- ثنا عبد الله بن يوسف: أبنا مالك، عن إسحاق بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك، أن جدته مليكة دعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لطعام صنعته له، فأكل منه، ثم قال: ( ( قوموا فلأصلي لكم) ) .
قال أنس: فقمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبس، فنضحته بالماء، فقام رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وصففت أنا واليتيم وراءه، والعجوز من ورائنا، فصلى لنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ركعتين، ثم انصرف.

( ( مليكة) ) : قال كثير من الناس: هي جدة إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، قالوا: والضمير في قوله: ( ( أن جدته) ) إليه يعود، لا إلى أنس.

وقد روى هذا الحديث عبد الرزاق، عن مالك، وقال: يعني: جدة إسحاق.

وهذا تفسير من بعض رواة الحديث.

وقد ذكر ابن عبد البر وغيره: أنها هي أم سليم أم أنس بن مالك؛ فإن أبا طلحة تزوجها بعد أبي أنس، فولدت له عبد الله.

وقيل: بل مليكة أختها أم حرام زوجة عبادة، وسماها جدته لأنها أخت جدته، على حد قوله تعالى حاكيا عن بني يعقوب، أنهم قالوا لأبيهم: { نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ} [البقرة:133] ، فإن إسماعيل عمه، والعم صنو الأب.

وظاهر سياق الحديث: يدل على أن مليكة جدة أنس، وهذا هو الأظهر.
والله أعلم.

وروي صريحا من رواية مقدم بن يحيى، عن عمه القاسم، عن عبيد الله بن
عمر، عن إسحاق بن أبي طلحة، عن أنس، قال: أرسلت جدتي إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واسمها: مليكة -، فجاءنا، فحضرت الصلاة - وذكر الحديث.

خرجه أبو نعيم في ( ( تاريخ أصبهان) ) .

وقد ذكر ابن سعد: أن مليكة بنت مالك بن عدي بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار، هي أم حرام وسليم وأم سليم وأم حرام، أولاد ملحان.

فتبين بهذا أن مليكة جدة أنس حقيقة، ولا يمنع من هذا أنه لم يذكرها في أسماء الصحابيات كثير ممن جمع في أسماء الصحابة؛ لأن هذا الحديث الصحيح يشهد بذلك، والاعتماد عليه أقوى من الاعتماد على قول مثل ابن إسحاق والواقدي.

ويعضد صحة هذا: أن أحدا ممن يعتمد على قوله لم يسم أم سليم: مليكة، وقول أنس: ( ( فقمت إلى حصير لنا) ) يدل على أن هذا البيت كان بيت أم سليم أم
أنس.

وقد رواه ابن عيينة، عن إسحاق بن عبد الله مختصرا، وصرح فيه بأن العجوز التي صلت وراءهم هي أم سليم أم أنس، وهذا يدل على أنها هي التي دعت النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى طعامها.

وخرجه النسائي من طريق يحيى بن سعيد، عن إسحاق بن عبد الله، عن أنس، أن أم سليم سألت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يأتيها ويصلي في بيتها فتتخذه مصلى، فأتاها فعمدت إلى حصير فنضحته بماء، فصلى عليه وصلوا معه.

وقوله: ( ( قد اسود من طول ما لبس) ) يدل على أن لبس كل شيء بحسبه، فلبس الحصير هو بسطه واستعماله في الجلوس عليه.

واستدل بذلك من حرم الجلوس على الحرير وافتراشه؛ لأن افتراش فرش الحرير وبسطه لباس له، فيدخل في نصوص تحريم لباس الحرير.

وزعم ابن عبد البر: أن هذا يؤخذ منه أن من حلف لا يلبس ثوبا، وليس له نية ولا ليمينه سبب، فإنه يحنث بما يتوطأ ويبسط من الثياب؛ لأن ذلك يسمى لباسا.

وهذا الذي قاله فيه نظر؛ فإن اللبس المضاف إلى الثوب إنما يراد به اشتمال البدن أو بعضه به دون الجلوس عليه، بخلاف اللبس إذا أضيف إلى ما يجلس عليه ويفترش، أو أطلق ولم يضف إلى شيء، كما لو حلف لا يلبس شيئا.

فجلس على حصير، أو حلف لا يلبس حصيرا فجلس عليه.

ولو تعلق الحنث بما يسمى لباسا بوجه ما، لكان ينبغي أن يحنث بمضاجعة زوجته وبدخول الليل عليه؛ قال تعالى: { هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنّ} [البقرة:187] وقال: { وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً} [النبأ:10] .

وكل ما لابس الإنسان من جوع أو خوف فهو لباس؛ قَالَ تعالى: { فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ} [النحل:112] .
ولا نعلم خلافا أنه لو حلف لا يجلس على بساط، فجلس على الأرض لم
يحنث، وقد سماها الله بساطا، وكذلك لو حلف لا يجلس تحت سقف فجلس تحت السماء، وقد سمى الله السماء سقفا، وكذلك لو حلف لا يجلس في ضوء سراج فجلس في ضوء الشمس.

فإن هذه الأسماء غير مستعملة في العرف، والأيمان إنما تنصرف إلى ما يتعارفه الناس في مخاطباتهم دون ما يصدق عليه الاسم بوجه ما في اللغة على وجه التجوز.
والله أعلم.

وإنما قال أصحابنا: لو حلف ليرين امرأته عارية لابسة أنه يبرأ برؤيتها في الليل عارية؛ لأن جمعه بين عريها ولبسها قرينة تدل على أنه لم يرد لبسها لثيابها؛ فإن ذلك لا يجتمع مع عريها.

وأما نضح الحصير: فاختلف في معناه:
فقيل: هو تطهير له، وإزالة لما يتوهم فيه من إصابة النجاسة له مع كثرة استعماله وطول عهده في بيته يتربى فيه أولاد صغار.

وعلى هذا؛ فقيل: أن النضح هو الغسل، وقيل: بل هو الرش.

وهذا يستدل به على تطهير ما شك في نجاسته بالنضح، وقد سبق ذكر ذلك في ( ( كتاب: الوضوء) ) ، وأن عمر وغيره فعلوه، وأن من الناس من خالف فيه، وقال: لا يزيده النضح إلا شراً.

وقيل: بل النضح هو تنظيف له من الوسخ، وتلين له.

وعلى هذا؛ فالمراد بالنضح فيه بالرش على ظاهر اللفظ.

وهو الأظهر.
والله أعلم.

ويشهد لذلك: ما خرجه مسلم من حديث أبي التياح، عن أنس، قال: كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أحسن الناس خلقا، فربما تحضر الصلاة وهو في بيتنا، قال: فيأمر بالبساط الذي تحته فيكنس، ثم ينضح، ثم يؤم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ونقوم خلفه، فيصلي بنا.
قال: وكان بساطهم من جريد النخل.

وخرج - أيضا - من رواية الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، قال: ثنا أبو سعيد الخدري، أنه دخل على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فوجده يصلي على حصير يسجد عليه.

وهذه الصلاة كانت تطوعا؛ يدل على ذَلكَ: ما خرجه مسلم من حديث
ثابت، عن أنس، قَالَ: دخل النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - علينا، وما هوَ إلا أنا وأمي وأم حرام خالتي، فقالَ: ( ( قوموا، فلأصلي بكم) ) ، في غير وقت الصلاة، فصلى بنا.

وخرجه أبو داود، وعنده: فصلى بنا ركعتين تطوعا.

وإنما خرجه البخاري في هذا الباب لأجل صلاة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على الحصير، وقد خرجه في موضع آخر من ( ( كتابه) ) هذا، ولفظه: فقام عليه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

يعني على الحصير الذي نضح.

وقد تبين برواية أبي التياح، عن أنس، أنه كان من جريد النخل، وقد سمي في بعض الروايات بساطا؛ لأنه يبسط.

وخرج أبو داود من رواية قتادة، عن أنس، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يزور أم سليم فتدركه الصلاة احيانا فيصلي على بساط لها، وهو حصير ننضحه بالماء.

وقد خرج البخاري - أيضا - في موضع آخر من ( ( كتابه) ) هذا من حديث أنس بن سيرين، عن أنس، أن رجلا من الأنصار قال: يا رسول الله، أني لا أستطيع الصلاة معك - وكان رجلا ضخما -، فصنع للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طعاما، فدعاه إلى منزله فبسط له
حصيرا، ونضح طرف الحصير، فصلى عليه ركعتين.

فدلت هذه الأحاديث على جواز الصَّلاة على الحصير.

وفي حديث أبي سعيد الذي خرجه مسلم التصريح بأنه سجد عليه.

وكذلك روى من حديث أنس.

خرجه الإمام أحمد من رواية عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة، عن إسحاق بن عبد الله، عن أنس، قال: صلى بنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في بيت أم سليم على الحصير قديم قد تغير من القدم.
قال: ونضحه بشيء من الماء، فسجد عليه.

وأكثر أهل العلم على جواز الصلاة على الحصير والسجود عليه، وأن ذلك لا يكره إذا كان الحصير من جريد النخل أو نحوه مما ينبت من الأرض.
وممن روي عنه أنه صلى على الحصير: ابن عمر، وزيد بن ثابت، وجابر، وأبو ذر.

وقال النخعي: كانوا يصلون على الحصير والبوري.

وقال مجاهد: لا بأس بالصلاة على الأرض وما أنبتت.

ومذهب مالك: لا بأس أن يسجد على الخمرة والحصير وما تنبت الأرض، ويضع كفيه عليها.

والسجود على الأرض أفضل عنده، وعند كثير من العلماء.

وكان ابن مسعود لا يصلي على شيء إلا على الأرض.

وروي عن أبي بكر الصديق، أنه رأى قوما يصلون على بسط، فقال لهم: أفضوا إلى الأرض.

وفي إسناده نظر.

وروي عن ابن عمر، أنه كان يصلي على الخمرة ويسجد على الأرض.
ونحوه عن علي بن الحسين.

وقال النخعي في السجود على الحصير: الأرض أحب إلي.

وعنه، أنه قال: لا بأس أن يصلي الحصير، لكن لا يسجد عليهِ.

ونقل حرب، عن إسحاق، قال: مضت السنة من النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه صلى على الخمرة والبساط، وعلى الثوب الحائل بينه وبين الأرض.
قال: وأن سجد الرجل على الأرض فهو أحب إلي، وأن أفضى بجبهته ويديه إلى الأرض فهو أحب إلينا.

وأكثر صلاة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانت على الأرض، يدل على ذلك: أنه لما وكف المسجد وكان على عريش فصلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاة الصبح، وانصرف واثر الماء والطين على جبهته وأنفه.

وخرج أبو داود من رواية شريح بن هانئ، عن عائشة، قالت: لقد مطرنا مرة بالليل، فطرحنا للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نطعا، فكأني أنظر إلى ثقب فيه ينبع الماء منه، وما رأيته متقياً الأرض بشيء من ثيابه قط.

وخرجه الإمام أحمد، ولفظه: قالت: ما رأيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يتقي الأرض
بشيء، إلا مرة؛ فإنه أصابه مطر فجلس على طرف بناء، فكأني أنظر إلى الماء ينبع من ثقب كان فيه.

وخرجه ابن جرير والبيهقي وغيرهما، وعندهم: أن شريحا قَالَ: سالت عائشة عن صلاة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكرت الحديث.

وفي رواية لابن جرير: أن عائشة قالت: ما رأيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى على شيء قط، إلا أنه أصابنا مطر ذات ليلة، فاجتر نطعا، فصلى عليه.

وخرجه الطبراني، ولفظه: كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا صلى لا يضع تحت قدميه
شيئا، إلا إنا مطرنا يوما فوضع تحت قدميه نطعا.
وهذه الرواية من رواية قيس بن الربيع، عن المقدام بن شريح عن أبيه.

وخرج بقي بن مخلد في ( ( مسنده) ) من رواية يزيد بن المقدام بن شريح، عن
أبيه، عن جده، قال: قلت لعائشة: يا أم المؤمنين، إن أناسا يصلون على هذه الحصر، ولم أسمع الله يذكرها في القران، إلا في مكان واحد: { لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً} [الإسراء: 8] ، أفكان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي على الحصير؟ قالت: لم يكن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي على الحصير.

وهذا غريب جداً.

ويزيد بن المقدام، قال أبو حاتم: يكتب حديثه.

وخرج الإمام أحمد: ثنا عثمان بن عمر: ثنا يونس، عن الزهري، عن عروة، عن، عائشة، أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يصلي على خمرة، فقال: ( ( يا عائشة، ارفعي حصيرك، فقد خشيت أن يكون يفتن الناس) ) .

وهذا غريب جدا.

ولكنه اختلف فيه على يونس:
فرواه مفضل بن فضاله، عن يونس، عن الزهري، عن أنس، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يصلي على الخمرة، يسجد لها.

ورواه شبيب بن سعيد، عن يونس، عن الزهري - مرسلاً.

ورواه ابن وهب في ( ( مسنده) ) عن يونس، عن الزهري، قال: لم أزل اسمع أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى على الخمرة - وعن أنس بن مالك، قال: كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي على الخمرة ويسجد لها.
فرواه بالوجهين جميعاً.

وأما رواية عثمان بن عمر، عن يونس، فالظاهر أنها غير محفوظة، ولا تعرف تلك الزيادة إلا فيها.