فهرس الكتاب

فتح البارى لابن رجب - باب النوم قبل العشاء لمن غلب

باب
النوم قبل العشاء لمن غلب
خرج فيه حديثين:
الأول:
قال:
[ قــ :554 ... غــ :569 ]
- حدثنا أيوب بن سليمان بن بلال: حدثني أبو بكر، عن سليمان – هو ابن بلال -: ثنا صالح بن كيسان، قال: أخبرني ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة، قالت: أعتم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالعشاء حتى ناداه عمر: الصلاة، نام النساء والصبيان.
فخرج فقال: ( ما ينتظرها من أهل الأرض أحد غيركم) .

قال: ولا يصلى يومئذ إلا بالمدينة، قال: وكانوا يصلون فيما بين أن يغيب الشفق إلى ثلث الليل الأول.

( أبو بكر) هو عبد الحميد بن أبي أويس، وهذا الحديث من جملة نسخة تروى بهذا الإسناد، قد سبق بعضها.

وقوله: ( قال: ولا يصلى يومئذ إلا بالمدينة) قال: ( وكانوا يصلون) – إلى آخره.
الظاهر أنه مدرج من قول الزهري.
وقد خرج هذا الحديث مسلم بدون هذا الكلام في آخره من رواية يونس وعقيل، عن ابن شهاب، وزاد فيه: وذلك قبل أن يفشو الإسلام في الناس.

وقد خرجه البخاري قبل هذا من حديث عقيل كذلك.

وخرجه فيما يأتي في أواخر الصلاة في ( باب: وضوء الصبيان) : حدثنا أبو اليمان: أبنا شعيب، عن الزهري.

ثم قال: وقال عياش: ثنا عبد الأعلى: ثنا معمر، عن الزهري – فذكر هذا الحديث بمعناه.
وفيه: قال: ( إنه ليس أحد من أهل الأرض يصلي هذه الصلاة غيركم) .
ولم يكن يومئذ يصلي غير أهل المدينة.

ثم خرجه في الباب الذي يليه: ( باب: خروج النساء إلى المساجد) عن أبي اليمان، عن شعيب، وقال في حديثه: ولا يصلي يومئذ إلا بالمدينة، وكانوا يصلون العتمة فيما بين أن يغيب الشفق إلى ثلث الليل.

وخرجه النسائي من طريق شعيب، عن الزهري.

ومن طريق محمد بن حمير، عن ابن أبي عبلة، عن الزهري، به، وزاد فيه: ( ولم يكن يصلي يومئذ إلا بالمدينة) .
ثم قال: ( صلوها فيما بين أن يغيب الشفق إلى ثلث الليل) .

قال: ولفظه لمحمد بن حمير.
فجعله من قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهذا غير محفوظ؛ والظاهر أنه مدرج من قول الزهري.
والله أعلم.

وقد خرجه الطبراني في ( مسند إبراهيم بن [أبي] عبلة) من غير وجه، عن محمد بن حمير، وفيه: ( وكانوا يصلونها) ، وهذا يبين أنه مدرج.

وعند مسلم فيه زيادة اخرى مرسلة.
قال ابن شهاب: وذكر لي أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: ( ما كان لكم أن تنزروا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للصلاة) .
وذلك حين صاح عمر بن الخطاب.

وهذا يدل على أن في هذا الحديث ألفاظاً أرسلها الزهري، وكانت تلك عادته أنه يدرج في أحاديثه كلمات يرسلها أو يقولها من عنده.

وفي هذا ما يستدل به على وقت العشاء، وأنه من مغيب الشفق إلى ثلث الليل، وهذا القدر متفق على أنه وقت للعشاء، وأن المصلي فيه مصل للعشاء في وقتها، إلا ما حكاه ابن المنذر عن النخعي: أن وقت العشاء إلى ربع الليل، ونقله ابن منصور عن إسحاق.

واختلفوا: فيمن صلى بعد ذهاب ثلث الليل، وفيمن صلى قبل الشفق؟
فأمامن صلى بعد ثلث الليل فسيأتي الكلام عليه في موضعه من الكتاب – إن شاء الله.
وأماتقديم صلاة العشاء على مغيب الشفق:
فحكى طائفة من العلماء الإجماع على أن من صلى العشاء قبل مغيب الشفق فعليه الإعادة؛ لأنه مصل في غير الوقت، وحكي فيه خلاف شاذ.

وقد تقدم عن عبد الكريم، عن مجاهد، أنه قال: لأن أصلي صلاة العشاء وحدي قبل أن يغيب الشفق أحب إلي من أن أنام ثم أدركها مع الإمام.

خرجه أبو نعيم في ( كتاب الصلاة) له.

وعبد الكريم، هو أبو أمية، ضعيف جداً، مع أن البخاري حسن الرأي فيه.

وقال حرب: سئل أحمد عن الرجل يصلي المغرب قبل أن يغيب الشفق؟ قال: لا أدري.

وروى الإمام أحمد: ثنا عبد الله بن الحارث المخزومي: ثنا ثور بن يزيد، عن سليمان بن موسى، عن عطاء بن أبي رباح، عن جابر، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكر حديث صلاة جبريل به في اليومين، وقال في الأول: ( ثم صلى العشاء قبل غيبوبة الشفق) .

قال البيهقي: هذا مخالف لسائر الروايات.
وقد خرجه النسائي عن عبيد الله بن سعيد، عن المخزومي به، وقال في الأول: ( والعشاء حين غاب الشفق) .

وقد يحمل الشفق في هذا الحديث – على تقدير كونه محفوظاً -، وفي كلام مجاهد وأحمد على البياض، أو يكون مجاهد يرى أن وقت العشاء يدخل بدخول وقت المغرب.

وقد اختلف العلماء في الشفق الذي يدخل به وقت العشاء: هل هو البياض، أو الحمرة؟
فقال طائفة: هو الحمرة، وهو قول ابن عمر، وأبي هريرة، وابن عباس.

وروي عن عمر وعلي وعبادة بن الصامت وشداد بن أوس وقول كثير من التابعين، ومذهب الثوري والأوزاعي والحسن بن حي ومالك والشافعي وإسحاق وأبي يوسف ومحمد وأبي ثور.

ورواه عتيق بن يعقوب، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر – مرفوعاً.

خرجه الدارقطني وغيره.

ورفعه وهم.

وقال البيهقي في ( كتاب المعرفة) : لا يصح فيه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شيء.

وفي ( صحيح ابن خزيمة) في حديث عبد الله بن عمرو المرفوع: ( ووقت المغرب إلى أن تذهب حمرة الشفق) .

وقد أعلت هذه اللفظة بتفرد محمد بن يزيد الواسطي بها عن سائر أصحاب شعبة.

وقال طائفة: الشفق البياض الباقي بعد الحمرة.

وروي عن عمر بن عبد العزيز، وقو قول أبي حنيفة، وزفر، والمزني، وروي – أيضا - عن الثوري والأوزاعي.

وأماالإمام أحمد فالمشهور عند القاضي أبي يعلي ومن بعده من أصحابه أن مذهبه أن الشفق الحمرة حضراً وسفراً.

وقد نص أحمد في رواية الأثرم فيمن صلى العشاء في الحضر قبل مغيب البياض: يجزئه، ولكن أحب إلي أن لا يصلي في الحضر حتى يغيب البياض.

ونقل عنه جمهور أصحابه: أن الشفق في الحضر البياض، وفي السفر الحمرة وهو الذي ذكره الخرقي في ( كتابه) ، قال: لأن في الحضر قد تنزل الحمرة فيواريها الجدران، فيظن أنها قد غابت، فإذا غاب البياض فقد تيقن.

وحمل القاضي ومن بعده هذا على مجرد الاحتياط والاستحباب دون الوجوب.

ومن الأصحاب من حكى رواية أخرى عن أحمد: أن الشفق البياض في السفر والحضر، ولا يكاد يثبت عنه.

وقال ابن أبي موسى: لم يختلف قول أحمد: أن الشفق الحمرة في السفر، واختلف قوله في الحضر على روايتين.

ونقل ابن منصور في ( مسائله) ، قال: قلت لأحمد: ما الشفق؟ قال: في الحضر البياض، وفي السفر أرجو أن يكون الحمرة؛ لأن في السفر يجمع بين الصلاتين جد به السير أو لم يجد، فإذا جمع بينهما فلا يبالي متى صلاها.

وهذا تعليل آخر بجواز الجمع بين الصلاتين، وهو يدل على جواز جمع التقديم مع التفريق بين الصلاتين، وعلى أنه لا يشترط للجمع نية الجمع، وقد سبق التنبيه على ذلك.

ومقصود البخاري بتخريج هذا الحديث في هذا الباب: أن من نام قبل صلاة العشاء مغلوباً على ذلك من غير تعمد له فإنه لا يدخل في النهي، لأن النهي إنما هو عن تعمد ذلك، فأمامن لم يتعمده فلا يتوجه إليه النهي.


قال:


[ قــ :555 ... غــ :570 ]
- حدثنا محمود: ثنا عبد الرزاق: أبنا ابن جريج: أخبرني نافع: ثنا عبد الله بن عمر، أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شغل عنها ليلة، فأخرها حتى رقدنا في المسجد، ثم استيقظنا، ثم رقدنا، ثم استيقظنا، ثم خرج علينا النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثم قال: ( ليس أحد من أهل الأرض ينتظر الصلاة غيركم) .

وكان ابن عمر لا يبالي أقدمها أم أخرها، إذا كان لا يخشى أن يغلبه النوم عن وقتها، وقد كان يرقد قبلها.



[ قــ :555 ... غــ :571 ]
- قال ابن جريج: قلت لعطاء، فقال: سمعت ابن عباس يقول: أعتم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليلة بالعشاء حتى رقد الناس، واستيقظوا، ورقدوا واستيقظوا، فقام عمر بن الخطاب، فقال: الصلاة.

قال عطاء: قال ابن عباس: فخرج رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كأني أنظر إليه الآن يقطر رأسَهُ ماءً، واضعاً يده على رأسه، فقال: ( لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يصلوها هكذا) .

فاستثبت عطاء: كيف وضع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يده على رأسه كما أنبأه ابن عباس.
؟ فبدد لي عطاء بين أصابعه شيئاً من تبديد، ثم وضع أطراف أصابعه على قرن الرأس، ثم ضمها يمر بها كذلك على الرأس حتى مست إبهامه طرف الأذن مما يلي الوجه على الصدغ وناحية اللحية، لا يقصر ولا يبطش إلا كذلك، وقال: ( لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يصلوها كذلك) .

في حديث ابن عمر أن تأخيرها ليلتئذ كان لشغل شغل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عنها، ولم يكن عمداً.

وفي رواية لمسلم عنه، قال: مكثنا ذات ليلة ننتظر رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لصلاة العشاء الآخرة، فخرج إلينا حين ذهب ثلث الليل أو بعده قليلاً، فلا ندري أشيء شغله في أهله أو غير ذلك؟ – وذكر بقية الحديث.

وخرجه الإمام أحمد من رواية فليح، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخر ليلة العشاء حتى رقدنا، ثم استيقظنا، ثم رقدنا، ثم استيقظنا، وإنما حبسنا لوفدٍ جاءه، ثم خرج – فذكر الحديث.

وخرج – أيضا – من رواية الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، قال: جهز رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جيشاً ليلة حتى ذهب نصف الليل أو بلغ ذلك، ثم خرج، فقال: ( قد صلى الناس ورقدوا وأنتم تنتظرون هذه الصلاة، أماإنكم لم تزالوا في صلاة ما انتظرتموها) .
وقوله: ( حتى رقدنا في المسجد ثم استيقظنا، ثم رقدنا ثم استيقظنا) .
إدخال البخاري له في هذا الباب يدل على أنه يرى أن رقود من رقد إنما كان عن غلبة لم يكن تعمداً وقد كان الصحابة ينامون عن غلبة في انتظار الصلوات.

وقد خرج البخاري فيما بعد حديث عبد العزيز بن صهيب، عن أنس، قال: أقيمت الصلاة والنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يناجي رجلاً في جانب المسجد فما قام إلى الصلاة حتى نام القوم.

وفي ( صحيح مسلم) عن حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، قال: أقيمت صلاة العشاء فقال رجل: لي حاجة، فقام النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يناجيه حتى نام القوم – أو بعض القوم – ثم صلوا.

فحاصل ما ذهب إليه البخاري، وبوب عليه: أنه يكره النوم قبل العشاء إلا لمن غلب، وهو قريب من قول من قال: يكره النوم قبلها مطلقاً كما سبق؛ فإن النوم المغلوب عليه لا يوصف بالكراهة.

وفي حديث عائشة المتقدم ما يدل على ذلك، وأنه إنما نام النساء والصبيان لضعفهم وقلة ضبط نفوسهم عن النوم دون الرجال.

وقد ذهب قوم من العلماء إلى جواز تعمد النوم قبلها، كما في رواية البخاري، أن ابن عمر كان يرقد قبلها
وروى أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، أنه كان ينام قبل العشاء ويوكل من أهله من يوقظه.
وروى زفر بن الحارث أنه نام عند عائشة – يعني: قبل العشاء – فذهب بعض أهلها يوقظه، فقال: دعوه؛ فإنه في وقت ما بينه وبين نصف الليل.

وقال أبو حصين، عن أصحاب ابن مسعود، أنهم كانوا ينامون قبل العشاء.
وقال: وكان الأسود ينام بين المغرب والعشاء في رمضان.

وقال حجاج: قلت لعطاء: إن أناساً يقولون: من نام قبل العشاء، فلا نامت عليه؟ فقال: بئس ما قالوا.

وروي – أيضا – عن علي وخباب وأبي وائل وعروة وسعيد بن جبير، وابن سيرين وغيرهم.

وقال الحاكم: كانوا يفعلون ذلك.

وروى الإمام أحمد في ( المسند) : ثنا يحيى بن سعيد الأموي، حدثنا ابن أبي ليلى، عن ابن الأصبهاني، عن جدةٍ له – وكانت سرية لعلي -، قالت: قال علي: كنت رجلاً نئوماً، وكنت إذا صليت المغرب وعلي ثيأبي نمت – ثم قال يحيى بن سعيد: فأنام -، فسألت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن ذلك، فرخص لي.

وروي موقوفاً، وهو أشبه.

رواه أبو بكر الحنفي، عن سفيان، عن ابن أبي ليلى، عن عبد الله بن عبد الله، عن جده، عن علي، أنه كان يتعشى ثم يلتف في ثيابه، فينام قبل أن يصلي العشاء.

ذكره ابن أبي حاتم، وقال: سألت أبي عنه؟ فقال: هو عبد الله بن عبد الله الرازي، عن جدته أسيلة، عن علي، وغلط من قال: عن جده.

وروى أبو نعيم في ( كتاب الصلاة) : ثنا إسرائيل، عن حجاج، عن عبد الله ابن عبد الله، عن جدته – وكانت تحت رجل من أصحاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أنه كان ينام قبل العشاء، فإذا قام كان أنشط له.

وروي – مرفوعاً – من وجه آخر، رويناه من طريق سوار بن مصعب، عن المنهال، عن أبي عبد الله – أبو عبد الله -، عن علي، قال: قلت: يا رسول الله إني رجل نئوم، وقد نهيت عن النوم قبل العشاء، وعن السمر بعدها؟ فقال: ( إن يوقظك فلا بأس) .

سوار، متروك الحديث، ورفعه لا يثبت.

ونص أحمد على جواز النوم قبل العشاء -: نقله عنه حنبل.

وقال عبد الله: سألت أبي عن الحديث الذي نهى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن النوم قبل العشاء الآخرة؟ فقال: كان ابن عمر ينام قبل العشاء ويوكل من يوقظه من نومه.

وهذا هو المذهب عند القاضي أبي يعلي وأصحابه.

وحكى الترمذي في ( جامعة) عن بعضهم، أنه رخص في النوم قبل العشاء في رمضان خاصة.

وهذا مأخوذ مما روى إبراهيم، عن الأسود، أنه كان ينام في رمضان ما بين المغرب والعشاء، ولعل من خص ذلك برمضان رأى أن قيام ليله يستحب من أول الليل بخلاف سائر الشهور؛ فإن المستحب فيها التهجد بعد هجعة بعد صلاة العشاء.

وذكر عبد الرزاق بإسناده، عن الحسن، قال: كان الناس يقومون في رمضان، فيصلون العشاء إذا ذهب ربع الليل، وينصرفون وعليهم ربع.

وهذا يدل على أنهم كانوا يؤخرون العشاء إلى آخر وقتها المختار ثم يقومون عقيب ذلك.
ومن فعل هذا فإنه يحتاج أن ينام قبل صلاة العشاء لينشط للقيام.

واستدل من لم يكره النوم قبل العشاء إذا كان له من يوقظه بأن الذي يخشى من النوم قبل العشاء هو خوف فوات وقتها المختار، أو فوات الصلاة مع الجماعة وهذا يزول إذا كان له من يوقظه للوقت أو للجماعة.
ويدل على ذلك: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما عرس من آخر الليل وأراد النوم وخشي أن تفوته الصلاة قال: ( من يكلؤنا الليلة لا نرقد عن صلاة الصبح؟) قال بلال: أنا، فنام هو وبقية أصحابه وجلس بلال يرقب لهم الصبح، حتى غلبته عيناه، فدل على أن النوم قبل الصلاة وإن قرب وقتها إذا وكل من يوقظه غير مكروه.

وفي ذلك دليل على جواز إيقاظ النائم للصلاة المكتوبة، ولا سيما إذا ضاق وقتها، وقد تقدم أن ابن عمر كان ينام قبل العشاء ويوكل من يوقظه، وأن أحمد استدل به.

وهذا يدل على أن أحمد يرى إيقاظ النائم للصلاة المكتوبة مطلقاً، وصرح به بعض أصحابنا، وهو قول الشافعية وغيرهم.

وقال الشافعية: إنه يستحب، لاسيما إن ضاق الوقت.

واستدلوا بقوله تعالى: { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: ] ، وبأن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يوقظ عائشة لتوتر.

وبما روى أبو داود من حديث أبي بكرة، قال: خرجت مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لصلاة الصبح، فكان لا يمر برجل إلا ناداه بالصلاة، أو حركه برجله.

ويدل عليه – أيضا - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يطرق علياً وفاطمة بالليل، ويوقظهما للصلاة.

وورد الحث على إيقاظ أحد الزوجين الآخر بالليل للصلاة.

فإذا استحب إيقاظ النائم لصلاة التطوع، فالفرض أولى.

وكان عمر وعلي – رضي الله عنهما - إذا خرجا لصلاة الصبح أيقظا الناس للصلاة.
وقد روي ذلك في خبر مقتل عمر وعلي – رضي الله عنهما.

وقد خرج البخاري في ( التيمم) حديث عمران بن حصين في نوم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الصلاة بطوله، وفيه: وكان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا نام لم نوقظه حتى يكون هو يستيقظ، لأنا لا ندري ما يحديث له في نومه – وذكر الحديث.

وهذا يفهم منه أنهم كان يوقظ بعضهم بعضاً للصلاة؛ فإن هذا المعنى غير موجود في حق أحد غير النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وقد ذهب بعض المتأخرين من أصحابنا إلى أنه لا يوقظ النائم للصلاة إلا عند تضايق الوقت، وبعضهم إلى أنه لا يوقظه بحال لأنه غير مكلف، ويلزمه أن لا يذكر الناسي بالصلاة؛ فإنه معفو عنه – أيضا.

ومن أصحابنا من حكى هذا الاختلاف في لزوم إيقاظه وعدم لزومه، وهذا أشبه.
وكان سفيان الثوري ينهى عن إيقاظ أحد من أعوان الظلمة للصلاة، لما يخشى من تسلطه على الناس بالظلم.

وهذا يدل على أنه يرى إيقاظ من لا يخشى منه الأذى للصلاة.
والله أعلم.

وحمل أبن خزيمة حديث النهي عن النوم قبل الصلاة على ما إذا عجلت الصلاة في أول وقتها، والجواز على ما إذا أخرت إلى آخر وقتها وطال تأخيرها؛ لأن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما خرج إليهم ليلة تأخيرها وقد ناموا لم ينكر عليهم النوم حينئذ.

ويشبه هذا قول الليث بن سعد، قال: إنما معنى قول عمر: فلا نامت عينه: من نام قبل ثلث الليل.

وفي حديث ابن عباس الذي خرجه البخاري هاهنا زيادة خرجها مسلم، وهي: قال ابن جريج: قلت لعطاء: كم ذكر لك أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخرها ليلتئذ؟ قال: لا أدري.

وفيه – أيضا - قول عطاء: في وقت استحباب صلاة العشاء.

وقد ذكرنا مذهبه في ذلك فيما مضى.