فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب من صلى بالناس، فذكر حاجة فتخطاهم

( بابُُ مَنْ صَلَّى بِالنَّاسِ فَذَكَرَ حاجَةً فَتَخَطَّاهُمْ)

أَي: هَذَا بابُُ تَرْجَمته: من صلى بِالنَّاسِ.
.
إِلَى آخِره، أَشَارَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَة إِلَى أَن المُرَاد من الْمكْث فِي الْمصلى بعد السَّلَام فِي الْبابُُ الَّذِي قبله إِنَّمَا هُوَ إِذا لم تكن حَاجَة تَدْعُو إِلَى الْقيام عقيب السَّلَام على الْفَوْر، وَأما إِذا كَانَت حَاجَة تَدْعُو إِلَى الْقيام من غير مكث يتْرك الْمكْث كَمَا فعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَدِيث هَذَا الْبابُُ.



[ قــ :826 ... غــ :851 ]
- حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدٍ قَالَ حدَّثنا عِيسَى بنُ يُونُسَ عنْ عُمَرَ بنِ سَعِيدٍ قَالَ أَخْبرنِي ابنُ أبي مُلَيْكَةَ عنْ عُقْبَةَ قَالَ صَلَّيْتُ وَرَاءَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالمَدِينَةِ العَصْرَ فسَلَّمَ ثُمَّ قامَ مُسْرِعا فَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ إلَى بَعْضِ حُجَرِ نِسَائِهِ فَفَزعَ النَّاسُ منْ سُرْعَتِهِ فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ فَرَأى أنَّهُمْ عَجِبُوا مِنْ سُرْعَتِهِ فَقَالَ ذَكَرْتُ شَيْئا مِنْ تِبْرٍ عَنْدَنَا فَكَرِهْتُ أنْ يَحْبِسَنِي فَأَمَرْتُ بِقِسْمَتِهِ.


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( فتخطى رِقَاب النَّاس) .

ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: مُحَمَّد بن عبيد، بِضَم الْعين: ابْن مَيْمُون، وَهُوَ الْمَشْهُور بِمُحَمد بن أبي عباد، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة: الْقرشِي: الثَّانِي: عِيسَى بن يُونُس بن أبي إِسْحَاق السبيعِي أحد الْأَعْلَام، كَانَ يحجّ سنة ويغزو سنة، مَاتَ سنة سبع وَثَمَانِينَ وَمِائَة بِالْحَدَثِ، بِفَتْح الْحَاء وَالدَّال الْمُهْمَلَتَيْنِ وَفِي آخِره ثاء مُثَلّثَة: وَهِي ثغر بِنَاحِيَة الشَّام.
قلت: هُوَ بَلْدَة بِالْقربِ من مرعش.
الثَّالِث: عمر بن سعيد بن أبي حُسَيْن الْمَكِّيّ.
الرَّابِع: عبد الله بن أبي مليكَة، الْخَامِس: عقبَة بن الْحَارِث النَّوْفَلِي، وَهُوَ أَبُو سروعة، بِكَسْر السِّين وَفتحهَا، وَيُقَال بِالْفَتْح وَضم الرَّاء: أسلم قبل يَوْم الْفَتْح، وَهُوَ الَّذِي تولى قتل خبيب.

ذكر لطائف إِسْنَاده: وَفِيه: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين.
وَفِيه: الْإِخْبَار كَذَلِك فِي مَوضِع وَاحِد.
وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين.
وَفِيه: القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: أَن شيخ البُخَارِيّ من أَفْرَاده.
وَفِيه: ابْن أبي مليكَة عَن عقبَة، وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ فِي الزَّكَاة من رِوَايَة أبي عَاصِم: عَن عمر بن سعيد أَن عقبَة بن الْحَارِث حَدثهُ.
وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين كُوفِي ومكي.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الزَّكَاة وَفِي الاسْتِئْذَان عَن أبي عَاصِم النَّبِيل، وَفِي الصَّلَاة أَيْضا عَن إِسْحَاق بن مَنْصُور، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الصَّلَاة عَن أَحْمد بن بكار الْحَرَّانِي.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( فَسلم ثمَّ قَامَ) ، هَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْكشميهني وَفِي رِوَايَة غَيره: ( فَسلم فَقَامَ) .
قَوْله: ( مسرعا) ، نصب على الْحَال.
قَوْله: ( فتخطى) أَي: فَتَجَاوز، يُقَال: تخطيت رِقَاب النَّاس إِذا تجاوزت عَلَيْهِم، وَلَا يُقَال: تخطأت، بِالْهَمْزَةِ.
قَوْله: ( فَفَزعَ النَّاس) بِكَسْر الزَّاي أَي: خَافُوا، وَكَانَت تِلْكَ عَادَتهم إِذا رَأَوْا مِنْهُ غير مَا يعهدون خشيَة أَن ينزل فيهم شَيْء يسوؤهم.
قَوْله: ( ذكرت شَيْئا من تبر) ، فِي رِوَايَة روح عَن عمر بن سعيد فِي أَوَاخِر الصَّلَاة: ( ذكرت وَأَنا فِي الصَّلَاة) ، وَفِي رِوَايَة أبي عَاصِم: ( تبرا من الصَّدَقَة) ، والتبر، بِكَسْر التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة: مَا كَانَ من الذَّهَب غير مَضْرُوب.
.

     وَقَالَ  ابْن دُرَيْد: التبر هُوَ الذَّهَب كُله، وَقيل: هُوَ من الذَّهَب وَالْفِضَّة وَجَمِيع جَوَاهِر الأَرْض مَا استخرج من الْمَعْدن قبل أَن يصاغ وَيسْتَعْمل.
وَقيل: هُوَ الذَّهَب المكسور، ذكره ابْن سَيّده.
وَفِي كتاب ( الِاشْتِقَاق) لأبي بكر بن السراج: أمْلى علينا ثَعْلَب عَن الْفراء عَن الْكسَائي، فَقَالَ: هَذَا تبر، لِلذَّهَبِ المكسور وَالْفِضَّة الْمَكْسُورَة، وَلكُل مَا كَانَ مكسورا من الصفر والنحاس وَالْحَدِيد، وَإِنَّمَا سمي: ذهب الْمَعْدن تبرا، لِأَنَّهُ هُنَاكَ بِمَنْزِلَة التبرة، وَهِي عروق تكون بَين ظَهْري الأَرْض مثل النورة وفيهَا صلابة، وَزعم أَصْحَاب الْمَعْدن: أَن الذَّهَب فِي الْمَعْدن بِهَذِهِ الْمنزلَة، كَذَا حُكيَ عَن الْأَصْمَعِي والمبرد.
.

     وَقَالَ  الْقَزاز: وَقيل: يُسمى تبرا من التبير، وَهُوَ الْهَلَاك والتبار، فَكَأَنَّهُ قيل لَهُ ذَلِك لافتراقه فِي أَيدي النَّاس وتبديده عِنْدهم.
وَقيل: سمي بذلك لِأَن صَاحبه يلْحقهُ من التَّغْرِير مَا يُوجب هَلَاكه، وَقيل: هُوَ فعل من التبار وَهُوَ الْهَلَاك.
وَفِي ( الصِّحَاح) : لَا يُقَال تبرٌ إلاّ لِلذَّهَبِ، وَبَعْضهمْ يَقُول لِلْفِضَّةِ أَيْضا.
قَوْله: ( يحبسني) أَي: يشغلني التفكر فِيهِ عَن التَّوَجُّه والإقبال على الله تَعَالَى.
قَوْله: ( فَأمرت بقسمته) فِي رِوَايَة أبي عَاصِم: ( فقسمته) .

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: إِبَاحَة التخطي رِقَاب النَّاس من أجل الضَّرُورَة الَّتِي لَا غنى للنَّاس عَنْهَا، كرعاف وحرقة بَوْل أَو غَائِط وَمَا أشبه ذَلِك.
وَفِيه: السرعة للْحَاجة المهمة.
وَفِيه: أَن التفكر فِي الصَّلَاة فِي أَمر لَا يتَعَلَّق بهَا لَا يُفْسِدهَا وَلَا ينقص من كمالها.
وَفِيه: جَوَاز الِاسْتِنَابَة مَعَ الْقُدْرَة على الْمُبَاشرَة.
وَفِيه: أَن من حبس صَدَقَة الْمُسلمين من وَصِيَّة أَو زَكَاة أَو شبههما يخَاف عَلَيْهِ أَن يحبس فِي الْقِيَامَة لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( فَكرِهت أَن يحبسني) ، يَعْنِي: فِي الْآخِرَة وَمِنْه قَالَ ابْن بطال: إِن تَأْخِير الصَّدَقَة يحبس صَاحبهَا يَوْم الْقِيَامَة.
وَفِيه: أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَ لَا يملك شَيْئا من الْأَمْوَال غير الرباع، قَالَه الدَّاودِيّ.