فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الصلاة في كسوف الشمس

(كِتَابُ الكُسُوفِ)
أَي: هَذِه أَبْوَاب فِي بَيَان أُمُور الْكُسُوف، وَفِي بعض النّسخ: كتاب الْكُسُوف، وَالْكتاب يجمع الْأَبْوَاب، وَأَصله: من كسفت حَاله أَي: تَغَيَّرت، وَهُوَ نُقْصَان الضَّوْء، وَالْأَشْهر فِي ألسن الْفُقَهَاء تَخْصِيص الْكُسُوف بالشمس والخسوف بالقمر، وَادّعى الْجَوْهَرِي أَنه الْأَفْصَح، وَقيل: هما يستعملان فيهمَا، وَبَوَّبَ لَهُ البُخَارِيّ بَابا كَمَا سَيَأْتِي.
وَقيل: الْكُسُوف للقمر والخسوف للشمس، وَهُوَ مَرْدُود.
وَقيل: الْكُسُوف أَوله، والخسوف آخِره،.

     وَقَالَ  اللَّيْث بن سعد: الخسوف فِي الْكل، والكسوف فِي الْبَعْض.
وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مستقصىً فِيمَا تقدم.


(بابُُ الصَّلاةِ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان مَشْرُوعِيَّة صَلَاة كسوف الشَّمْس، وَالْكَلَام فِيهِ على أَنْوَاع: الأول: أَنه لَا خلاف فِي مَشْرُوعِيَّة صَلَاة الْكُسُوف والخسوف، وأصل مشروعيتها بِالْكتاب وَالسّنة وَإِجْمَاع الْأمة.
أما الْكتاب فَقَوله تَعَالَى: { وَمَا نرسل بِالْآيَاتِ إلاّ تخويفا} (الْإِسْرَاء: 95) .
والكسوف آيَة من آيَات الله المخوفة، وَالله تَعَالَى يخوف عباده ليتركوا الْمعاصِي ويرجعوا إِلَى طَاعَة الله الَّتِي فِيهَا فوزهم.
وَأما السّنة فَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِذا رَأَيْتُمْ شَيْئا من هَذِه الأفزاع فافزعوا إِلَى الصَّلَاة) .
وَأما الْإِجْمَاع، فَإِن الْأمة قد اجْتمعت عَلَيْهَا من غير إِنْكَار اُحْدُ.
الثَّانِي: أَن سَبَب مشروعيتها هُوَ الْكُسُوف، فَإِنَّهَا تُضَاف إِلَيْهِ وتتكرر بتكرره.
الثَّالِث: أَن شَرط جَوَازهَا هُوَ مَا يشْتَرط بِسَائِر الصَّلَوَات.
الرَّابِع: أَنَّهَا سنة وَلَيْسَت بواجبة، وَهُوَ الْأَصَح.
.

     وَقَالَ  بعض مَشَايِخنَا: إِنَّهَا وَاجِبَة لِلْأَمْرِ بهَا.
وَنَصّ فِي (الْأَسْرَار) على وُجُوبهَا، وَصرح أَبُو عوَانَة أَيْضا بِوُجُوبِهَا، وَعَن مَالك أَنه: أجراها مجْرى الْجُمُعَة، وَقيل: إِنَّهَا فرض كِفَايَة واستبعد ذَلِك.
الْخَامِس: أَنَّهَا تصلى فِي الْمَسْجِد الْجَامِع أَو فِي مصلى الْعِيد.
السَّادِس: أَن وَقتهَا هُوَ الْوَقْت الَّذِي يسْتَحبّ فِيهِ سَائِر الصَّلَوَات دون الْأَوْقَات الْمَكْرُوهَة، وَبِه قَالَ مَالك.
.

     وَقَالَ  الشَّافِعِي: لَا يكره فِي الْأَوْقَات الْمَكْرُوهَة.
السَّابِع: فِي كمية عدد ركعاتها، فَعِنْدَ اللَّيْث بن سعد وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَأبي ثَوْر: صَلَاة الْكُسُوف رَكْعَتَانِ، فِي كل رَكْعَة ركوعان وسجودان، فَتكون الْجُمْلَة أَربع ركوعات وَأَرْبع سَجدَات فِي رَكْعَتَيْنِ، وَعند طَاوُوس وحبِيب بن أبي ثَابت وَعبد الْملك بن جريج: رَكْعَتَانِ فِي كل رَكْعَة أَربع ركوعات وسجدتان، فَتكون الْجُمْلَة ثَمَان ركوعات وَأَرْبع سَجدَات، ويحكى هَذَا عَن عَليّ وَابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.
وَعند قَتَادَة وَعَطَاء بن أبي رَبَاح وَإِسْحَاق وَابْن الْمُنْذر: رَكْعَتَانِ فِي كل رَكْعَة ثَلَاث ركوعات وسجدتان، فَتكون الْجُمْلَة سِتّ ركوعات وَأَرْبع سَجدَات، وَعند سعيد بن جُبَير وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه فِي رِوَايَة، وَمُحَمّد بن جرير الطَّبَرِيّ وَبَعض الشَّافِعِيَّة: لَا تَوْقِيت فِيهَا، بل يُطِيل أبدا وَيسْجد إِلَى أَن تنجلي الشَّمْس.
.

     وَقَالَ  عِيَاض:.

     وَقَالَ  بعض أهل الْعلم: إِنَّمَا ذَلِك بِحَسب مكث الْكُسُوف، فَمَا طَال مكثه زَاد تَكْرِير الرُّكُوع فِيهِ، وَمَا قصر اقْتصر فِيهِ، وَمَا توَسط اقتصد فِيهِ قَالَ: وَإِلَى هَذَا نحا الْخطابِيّ وَيحيى وَغَيرهمَا.
وَقد يعْتَرض عَلَيْهِ بِأَن طولهَا ودوامها لَا يعلم من أول الْحَال وَلَا من الرَّكْعَة الأولى، وَعند إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وسُفْيَان الثَّوْريّ وَأبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد هِيَ: رَكْعَتَانِ كَسَائِر صَلَاة التَّطَوُّع فِي كل رَكْعَة رُكُوع وَاحِد وسجدتان، ويروى ذَلِك عَن ابْن عمر وَأبي بكرَة وَسمرَة بن جُنْدُب وَعبد الله بن عَمْرو وَقبيصَة الْهِلَالِي والنعمان بن بشير وَعبد الرَّحْمَن ابْن سَمُرَة وَعبد الله بن الزبير، وَرَوَاهُ ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عَبَّاس.
وَفِي (الْمُحِيط) : عَن أبي حنيفَة: إِن شاؤا صلوها رَكْعَتَيْنِ وَإِن شاؤا أَرْبعا.
وَفِي (الْبَدَائِع) : وَإِن شاؤا أَكثر من ذَلِك، هَكَذَا رَوَاهُ الْحسن عَن أبي حنيفَة، وَعند الظَّاهِرِيَّة: يُصَلِّي لكسوف الشَّمْس خَاصَّة إِن كسفت من طُلُوعهَا إِلَى أَن يصلى الظّهْر رَكْعَتَيْنِ، وَإِن كسفت من بعد صَلَاة الظّهْر إِلَى أَخذهَا فِي الْغُرُوب صلى أَربع رَكْعَات كَصَلَاة الظّهْر، وَالْعصر وَفِي كسوف الْقَمَر خَاصَّة: إِن كسف بعد صَلَاة الْمغرب إِلَى أَن يُصَلِّي الْعشَاء الْآخِرَة صلى ثَلَاث رَكْعَات كَصَلَاة الْمغرب، وَإِن كسفت بعد صَلَاة الْعَتَمَة إِلَى الصُّبْح صلى أَرْبعا كَصَلَاة الْعَتَمَة، وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِحَدِيث النُّعْمَان بن بشير: (إِذا خسفت الشَّمْس وَالْقَمَر فصلوا كأحدث صَلَاة صليتموها) .



[ قــ :1006 ... غــ :1040 ]
- حدَّثنا عَمْرُو بنُ عَوْنٍ قَالَ حدَّثنا خالِدٌ عنْ يُونُسَ عنِ الحَسَنِ عنْ أبِي بَكْرَةَ قَالَ كُنَّا عنْدَ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فانْكَسَفَتِ الشَّمْسُ فقامَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَجُرُّ رِدَاءَهُ حتَّى دَخَلَ المَسْجِدَ فدَخَلْنَا فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ حَتَّى انْجَلَتِ الشَّمْسُ فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إنَّ الشَّمْسَ والقَمَرَ لاَ يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أحَدٍ فإذَا رَأيْتُمُوهُمَا فَصَلّوا وَادْعُوا حَتَّى يُكْشَفَ مَا بِكُمْ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَهِي صَلَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد كسوف الشَّمْس.

ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: عَمْرو، بِفَتْح الْعين: ابْن عون، مر فِي: بابُُ مَا جَاءَ فِي الْقبْلَة.
الثَّانِي: خَالِد بن عبد الله الطَّحَّان الوَاسِطِيّ.
الثَّالِث: يُونُس بن عبيد.
الرَّابِع: الْحسن الْبَصْرِيّ.
الْخَامِس: أَبُو بكرَة، نفيع بن الْحَارِث، وَقد تقدم.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين.
وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: أَن الْإِسْنَاد كُله بصريون غير خَالِد.
وَفِيه: أَن رِوَايَة الْحسن عَن أبي بكرَة مُتَّصِلَة عِنْد البُخَارِيّ، وَهُوَ من أَفْرَاد البُخَارِيّ،،.

     وَقَالَ  الدَّارَقُطْنِيّ: هُوَ مُرْسل،.

     وَقَالَ  أَبُو الْوَلِيد فِي (كتاب الْجرْح وَالتَّعْدِيل) : أخرج البُخَارِيّ حَدِيثا فِيهِ الْحسن: سَمِعت أَبَا بكرَة، فتأوله الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيره من الْحفاظ على أَنه: الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، لِأَن الْبَصْرِيّ لم يسمع عِنْدهم من أبي بكرَة، وَالصَّحِيح أَن الْحسن فِي هَذَا الحَدِيث هُوَ الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَكَذَا قَالَه الدَّاودِيّ فِيمَا ذكره ابْن بطال،
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي صَلَاة الْكُسُوف عَن قُتَيْبَة عَن حَمَّاد بن زيد وَعَن أبي معمر عَن عبد الْوَارِث وَفِي اللبَاس عَن مُحَمَّد عَن عبد الْأَعْلَى، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الصَّلَاة عَن عمرَان بن مُوسَى عَن عبد الْوَارِث نَحوه، وَفِي التَّفْسِير عَن عَمْرو بن عَليّ عَن يزِيد مقطعا وَعَن عَمْرو بن عَليّ وَمُحَمّد بن عبد الْأَعْلَى، كِلَاهُمَا عَن خَالِد وَفِيه وَفِي التَّفْسِير أَيْضا عَن قُتَيْبَة بِبَعْضِه وَعَن مُحَمَّد بن كَامِل.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (فانكسفت) يُقَال: كسفت الشَّمْس، بِفَتْح الْكَاف، وانكسفت بِمَعْنى، وَأنكر الْقَزاز: انكسفت، والْحَدِيث يرد عَلَيْهِ.
قَوْله: (يجر رِدَاءَهُ) ، جملَة وَقعت حَالا، وَزَاد فِي اللبَاس من وَجه آخر عَن يُونُس: مستعجلاً.
وللنسائي فِي رِوَايَة يزِيد ابْن زُرَيْع عَن يُونُس: من العجلة، قَوْله: (فَإِذا رأيتموها) ، بتوحيد الضَّمِير، وَفِي رِوَايَة كَرِيمَة: (فَإِذا رأيتموهما) ، بتثنية الضَّمِير، وَجه الأول أَن الضَّمِير يرجع إِلَى الكسفة الَّتِي يدل عَلَيْهَا قَوْله: (لَا يكسفان) .
أَو الْآيَة، لِأَن الكسفة آيَة من الْآيَات، وَوجه الثَّانِي ظَاهر، لِأَن الْمَذْكُور الشَّمْس وَالْقَمَر.

ذكر استنباط الْأَحْكَام: وَهُوَ على وُجُوه: الأول: اسْتدلَّ بِهِ أَصْحَابنَا على أَن صَلَاة الْكُسُوف رَكْعَتَانِ، لِأَنَّهُ مُصَرح فِيهِ بقوله: (فصلى ركعتينن) ، وَكَذَلِكَ روى جمَاعَة من الصَّحَابَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن صَلَاة الْكُسُوف رَكْعَتَانِ.
مِنْهُم: ابْن مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أخرج حَدِيثه ابْن خُزَيْمَة فِي (صَحِيحه) عَنهُ: (انكسفت الشَّمْس فَقَالَ النَّاس: إِنَّمَا انكسفت لمَوْت إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ السَّلَام، فَقَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فصلى رَكْعَتَيْنِ) .
وَمِنْهُم: عبد الرَّحْمَن بن سَمُرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أخرج حَدِيثه مُسلم: (انخسفت الشَّمْس فَانْطَلَقت، فَإِذا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَائِم يسبح وَيكبر وَيَدْعُو، حَتَّى انجلت الشَّمْس، وَقَرَأَ سورتين وَركع رَكْعَتَيْنِ) .
وَأخرجه الْحَاكِم، وَلَفظه: (وَقَرَأَ سورتين فِي رَكْعَتَيْنِ) .
.

     وَقَالَ : صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ.
، وَأخرجه النَّسَائِيّ وَلَفظه: (فصلى رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبع سَجدَات) .
وَمِنْهُم: سَمُرَة بن جُنْدُب، أخرج حَدِيثه الْأَرْبَعَة أَصْحَاب السّنَن، وَفِيه: (فصلى فَقَامَ بِنَا كأطول مَا قَامَ بِنَا فِي صَلَاة قطّ لَا نسْمع لَهُ صَوتا، قَالَ: ثمَّ ركع بِنَا كأطول مَا ركع بِنَا فِي صَلَاة قطّ لَا نسْمع لَهُ صَوتا، قَالَ: ثمَّ سجد بِنَا كأطول مَا سجد بِنَا فِي صَلَاة قطّ لَا نسْمع لَهُ صَوتا، قَالَ: ثمَّ فعل فِي الرَّكْعَة الْأُخْرَى مثل ذَلِك) .
.

     وَقَالَ  التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن صَحِيح.
وَمِنْهُم: النُّعْمَان بن بشير، أخرج حَدِيثه الطَّحَاوِيّ: حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الصَّيْرَفِي الْبَصْرِيّ قَالَ: حَدثنَا أَبُو الْوَلِيد، قَالَ: حَدثنَا شريك عَن عَاصِم الْأَحول عَن أبي قلَابَة عَن النُّعْمَان بن بشير، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: (أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُصَلِّي فِي كسوف الشَّمْس كَمَا تصلونَ رَكْعَة وسجدتين) .
.

     وَقَالَ  الْبَيْهَقِيّ: أَبُو قلَابَة لم يسمع من النُّعْمَان، والْحَدِيث مُرْسل قلت: صرح فِي (الْكَمَال) بِسَمَاعِهِ عَن النُّعْمَان،.

     وَقَالَ  ابْن حزم: أَبُو قلَابَة أدْرك النُّعْمَان وروى هَذَا الْخَبَر عَنهُ، وَصرح ابْن عبد الْبر بِصِحَّة هَذَا الحَدِيث،.

     وَقَالَ : من أحسن حَدِيث ذهب إِلَيْهِ الْكُوفِيُّونَ حَدِيث أبي قلَابَة عَن النُّعْمَان، وَأَبُو قلَابَة أحد الْأَعْلَام، واسْمه: عبد الله بن زيد الْجرْمِي، والْحَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ أَيْضا.
وَمِنْهُم: عبد الله بن عَمْرو ابْن الْعَاصِ، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، أخرج حَدِيثه الطَّحَاوِيّ: حَدثنَا ربيع الْمُؤَذّن، قَالَ: حَدثنَا أَسد، قَالَ: حَدثنَا حَمَّاد بن سَلمَة عَن عَطاء بن السَّائِب عَن أَبِيه عَن عبد الله بن عَمْرو،.

     وَقَالَ : كسفت الشَّمْس على عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَامَ بِالنَّاسِ فَلم يكد يرفع ثمَّ رفع فَلم يكد يسْجد ثمَّ سجد فَلم يكد يرفع ثمَّ رفع، وَفعل فِي الثَّانِيَة مثل ذَلِك، فَرفع رَأسه وَقد امحصت الشَّمْس) .
وَأخرجه الْحَاكِم.

     وَقَالَ : صَحِيح وَلم يخرجَاهُ من أجل عَطاء بن السَّائِب.
قلت: قد أخرج البُخَارِيّ لعطاء هَذَا حَدِيثا مَقْرُونا بِأبي بشر،.

     وَقَالَ  أَيُّوب: هُوَ ثِقَة، وَأخرجه أَبُو دَاوُد أَيْضا وَأحمد فِي (مُسْنده) وَالْبَيْهَقِيّ فِي (سنَنه) .
وَمِنْهُم: قبيصَة الْهِلَالِي، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أخرج حَدِيثه أَبُو دَاوُد، قَالَ: (كسفت الشَّمْس على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَخرج فَزعًا يجر ثَوْبه وَأَنا مَعَه يَوْمئِذٍ بِالْمَدِينَةِ فصلى رَكْعَتَيْنِ) الحَدِيث، وَفِيه: (فَإِذا رأيتموها فصلوا كأحدث صَلَاة صليتموها من الْمَكْتُوبَة) .
وَأخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا وَأخرجه الطَّحَاوِيّ من طَرِيقين، فَفِي طَرِيقه الأولى: عَن قبيصَة البَجلِيّ، وَفِي الثَّانِيَة: عَن قبيصَة الْهِلَالِي وَغَيره، وكل مِنْهُمَا صَحَابِيّ على مَا ذكره الْبَعْض، وَذكر أَبُو الْقَاسِم الْبَغَوِيّ فِي (مُعْجم الصَّحَابَة) أَولا قبيصَة الْهِلَالِي فَقَالَ: سكن الْبَصْرَة وروى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَحَادِيث، ثمَّ ذكر قبيصَة آخر، فَقَالَ: قبيصَة يُقَال: إِنَّه البَجلِيّ، وَيُقَال: الْهِلَالِي: سكن الْبَصْرَة، وروى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَدِيثا.
حَدثنَا أَبُو الرّبيع الزهْرَانِي حَدثنَا عبد الْوَارِث حَدثنَا أَيُّوب عَن أبي قلَابَة عَن قبيصَة قَالَ: (انكسفت الشَّمْس على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنَادَى فِي النَّاس، فصلى بهم رَكْعَتَيْنِ، فَأطَال فيهمَا حَتَّى انجلت الشَّمْس، فَقَالَ: إِن هَذِه الْآيَة تخويف يخوف الله بهَا عباده فَإِذا رَأَيْتُمْ ذَلِك: فصلوا كأخف صَلَاة صليتموها من الْمَكْتُوبَة) .
.

     وَقَالَ  أَبُو نعيم: ذكر بعض الْمُتَأَخِّرين قبيصَة البَجلِيّ وَهُوَ عِنْدِي قبيصَة بن مُخَارق الْهِلَالِي، والبجلي وهم قلت: رِوَايَة الطَّحَاوِيّ وَكَلَام الْبَغَوِيّ يدلان على أَنَّهُمَا اثْنَان.
قَوْله: (كأحدث صَلَاة) ، يَعْنِي: كأقرب صَلَاة.
قَالَ بَعضهم: مَعْنَاهُ إِن آيَة من هَذِه الْآيَات إِذا وَقعت مثلا بعد الصُّبْح يصلى وَيكون فِي كل رَكْعَة ركوعان، وَإِن كَانَت بعد الْمغرب يكون فِي كل رَكْعَة ثَلَاث ركوعات، وَإِن كَانَت بعد الرّبَاعِيّة يكون فِي كل رَكْعَة أَربع ركوعات.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: مَعْنَاهُ أَن آيَة من هَذِه الْآيَات إِذا وَقعت عقيب صَلَاة جهرية يصلى ويجهر فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ، وَإِن وَقعت عقيب صَلَاة سَرِيَّة يصلى ويخافت فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ.
قلت: رِوَايَة الْبَغَوِيّ: كأخف صَلَاة، تدل على أَن المُرَاد كَمَا وَقع فِي صَلَاة من الْمَكْتُوبَة فِي الخفة، وَهِي صَلَاة الصُّبْح، وَأَرَادَ بِهِ أَنه يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ كَصَلَاة الصُّبْح بركوعين وَأَرْبع سَجدَات.
فَافْهَم.
وَمِنْهُم: عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أخرج حَدِيثه أَحْمد من رِوَايَة حَنش عَنهُ قَالَ: (كسفت الشَّمْس فصلى عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، للنَّاس فَقَرَأَ يس أَو نَحْوهَا، ثمَّ ركع نَحوا من قدر سُورَة، ثمَّ رفع رَأسه فَقَالَ: سمع الله لمن حَمده، ثمَّ سجد ثمَّ قَامَ إِلَى الرَّكْعَة الثَّانِيَة، فَفعل كَفِعْلِهِ فِي الرَّكْعَة الأولى، ثمَّ جلس يَدْعُو ويرغب حَتَّى انجلت الشَّمْس، ثمَّ حَدثهمْ أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَذَلِك فعل) .
وروى ابْن أبي شيبَة بِسَنَد صَحِيح (عَن السَّائِب بن مَالك، وَالِد عَطاء: أَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، صلى فِي كسوف الْقَمَر رَكْعَتَيْنِ) .
وَفِي (علل ابْن أبي حَاتِم) : السَّائِب لَيست لَهُ صُحْبَة، وَالصَّحِيح إرْسَاله، وَرَوَاهُ بَعضهم عَن أبي إِسْحَاق عَن السَّائِب بن مَالك عَن ابْن عمر عَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وروى ابْن أبي شيبَة أَيْضا بِسَنَد صَحِيح (عَن إِبْرَاهِيم: كَانُوا يَقُولُونَ: إِذا كَانَ ذَلِك فصلوا كصلاتكم حَتَّى تنجلي) .
وَحدثنَا وَكِيع حَدثنَا إِسْحَاق بن عُثْمَان الْكلابِي (عَن أبي أَيُّوب الهجري، قَالَ: انكسفت الشَّمْس بِالْبَصْرَةِ وَابْن عَبَّاس أَمِير عَلَيْهَا، فَقَامَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ فَقَرَأَ فَأطَال الْقِرَاءَة.
ثمَّ ركع فَأطَال الرُّكُوع، ثمَّ رفع رَأسه ثمَّ سجد، ثمَّ فعل مثل ذَلِك فِي الثَّانِيَة، فَلَمَّا فرغ قَالَ: هَكَذَا صَلَاة الْآيَات! قَالَ: فَقلت: بِأَيّ شَيْء قَرَأَ فيهمَا؟ قَالَ: بالبقرة وَآل عمرَان) .
وَحدثنَا وَكِيع عَن يزِيد بن إِبْرَاهِيم عَن الْحسن (أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى فِي كسوف رَكْعَتَيْنِ، فَقَرَأَ فِي إِحْدَاهمَا بِالنَّجْمِ) وَفِي (الْمحلى) أَخذ بِهَذَا طَائِفَة من السّلف، مِنْهُم عبد الله بن الزبير صلى فِي الْكُسُوف رَكْعَتَيْنِ كَسَائِر الصَّلَوَات.
فَإِن قيل: قد خطأه فِي ذَلِك أَخُوهُ عُرْوَة.
قُلْنَا: عُرْوَة أَحَق بالْخَطَأ من عبد الله الصاحب الَّذِي عمل بِعلم، وَعُرْوَة أنكر مَا لم يعلم، وَذهب ابْن حزم إِلَى الْعَمَل بِمَا صَحَّ من الْأَحَادِيث فِيهَا، ونحا نَحوه ابْن عبد الْبر، فَقَالَ: وَإِنَّمَا يصير كل عَالم إِلَى مَا روى عَن شُيُوخه، وَرَأى عَلَيْهِ أهل بَلَده، وَقد يجوز أَن يكون ذَلِك اخْتِلَاف إِبَاحَة وتوسعة.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَبِه قَالَ ابْن رَاهَوَيْه وَابْن خُزَيْمَة وَأَبُو بكر بن إِسْحَاق والخطابي، وَاسْتَحْسنهُ ابْن الْمُنْذر،.

     وَقَالَ  ابْن قدامَة: مُقْتَضى مَذْهَب أَحْمد أَنه يجوز أَن تصلى صَلَاة الْكُسُوف على كل صفة،.

     وَقَالَ  ابْن عبد الْبر: إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى صَلَاة الْكُسُوف مرَارًا، فَحكى كل مَا رأى، وَكلهمْ صَادِق كَالنُّجُومِ، من اقْتدى بهم اهْتَدَى، وَذهب الْبَيْهَقِيّ إِلَى أَن الْأَحَادِيث المروية فِي هَذَا الْبابُُ كلهَا ترجع إِلَى صَلَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي كسوف الشَّمْس يَوْم مَاتَ إِبْرَاهِيم.
وَقد روى فِي حَدِيث كل وَاحِد مِنْهُم مَا يدل على ذَلِك، وَالَّذِي ذهب إِلَيْهِ أُولَئِكَ الْأَئِمَّة توفيق بَين الْأَحَادِيث، وَإِذا عمل بِمَا قَالَه الْبَيْهَقِيّ حصل بَينهَا خلاف يلْزم مِنْهُ سُقُوط بَعْضهَا وإطراحه، وَإِنَّمَا يدل على وَهن قَوْله مَا روته عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، عِنْد النَّسَائِيّ بِسَنَد صَحِيح: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى فِي كسوف فِي صفة زَمْزَم يَعْنِي بِمَكَّة، وَأكْثر الْأَحَادِيث كَانَت بِالْمَدِينَةِ، فَدلَّ ذَلِك على التَّعَدُّد، وَكَانَت وَفَاة إِبْرَاهِيم يَوْم الثُّلَاثَاء لعشر خلون من شهر ربيع الأول سنة عشر، وَدفن بِالبَقِيعِ، وَالْحَاصِل فِي ذَلِك أَن أَصْحَابنَا تعلقوا بِأَحَادِيث من ذَكَرْنَاهُمْ من الصَّحَابَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، ورأوها أولى من رِوَايَة غَيرهم، نَحْو حَدِيث عَائِشَة وَابْن عَبَّاس وَغَيرهمَا، لموافقتها الْقيَاس فِي أَبْوَاب الصَّلَاة،
وَقد نَص فِي حَدِيث أبي بكرَة على رَكْعَتَيْنِ صَرِيحًا.
بقوله: (فصلى رَكْعَتَيْنِ) ، وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ: (كَمَا تصلونَ) ، وَحمل ابْن حبَان وَالْبَيْهَقِيّ على أَن الْمَعْنى: كَمَا تصلونَ فِي الْكُسُوف، بعيد وَظَاهر الْكَلَام يردهُ.
فَإِن قلت: خَاطب أَبُو بكرَة بذلك أهل الْبَصْرَة، وَقد كَانَ ابْن عَبَّاس علمهمْ أَن صَلَاة الْكُسُوف رَكْعَتَانِ، فِي كل رَكْعَة ركوعان.
قلت: حَدِيث أبي بكرَة إِخْبَار عَن الَّذِي شَاهده من صَلَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَيْسَ فِيهِ خطاب أصلا، وَلَئِن سلمنَا أَنه خَاطب بذلك من الْخَارِج، فَلَيْسَ مَعْنَاهُ كَمَا حمله ابْن حبَان وَالْبَيْهَقِيّ، لِأَن الْمَعْنى: كَمَا كَانَت عبادتكم فِيمَا إِذا صليتم رَكْعَتَيْنِ بركوعين وَأَرْبع سَجدَات، على مَا تقرر شَأْن الصَّلَوَات على هَذَا.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَظهر أَن رِوَايَة أبي بكرَة مجملة وَرِوَايَة جَابر: أَن فِي كل رَكْعَة ركوعين، مبينَة، فالأخذ بالمبين أولى قلت: لَيْت شعري أَيْن الْإِجْمَال فِي حَدِيث أبي بكرَة؟ هَل هُوَ إِجْمَال لغَوِيّ أَو إِجْمَال اصطلاحي؟ وَلَيْسَ هَهُنَا أثر من ذَلِك؟ وَلَو قَالَ هَذَا الْقَائِل: الْأَخْذ بِحَدِيث جَابر أولى لِأَن فِيهِ زِيَادَة، وَالْأَخْذ بِالزِّيَادَةِ فِي رِوَايَات الثِّقَات أولى وأجدر.
فَنَقُول: وَإِن كَانَ الْأَمر هَذَا، وَلَكِن الْأَخْذ بِمَا يُوَافق الْأُصُول أولى.
وأعجب من هَذَا أَن هَذَا الْقَائِل ادّعى اتِّحَاد الْقِصَّة، وَقد أبطلنا ذَلِك عَن قريب.

الثَّانِي من الْوُجُوه: الِاسْتِدْلَال بقوله: (حَتَّى انجلت) ، على إطالة الصَّلَاة، حَتَّى يَقع الانجلاء، وَلَا تكون الإطالة إلاّ بتكرار الرَّكْعَات والركوعات وَعدم قطعهَا إِلَى الانجلاء، وَأجَاب الطَّحَاوِيّ عَن ذَلِك بِأَنَّهُ قد قَالَ فِي بعض الْأَحَادِيث: (فصلوا وَادعوا حَتَّى ينْكَشف) .
ثمَّ روى بِإِسْنَادِهِ، حَدِيثا عَن عبد الله بن عمر، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِن الشَّمْس وَالْقَمَر آيتان من آيَات الله تَعَالَى لَا ينكسفان لمَوْت أحد أرَاهُ قَالَ: وَلَا لِحَيَاتِهِ فَإِذا رَأَيْتُمْ مثل ذَلِك فَعَلَيْكُم بِذكر الله وَالصَّلَاة) .
فَدلَّ ذَلِك على أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يرد مِنْهُم مُجَرّد الصَّلَاة، بل أَرَادَ مِنْهُم مَا يَتَقَرَّبُون بِهِ إِلَى الله تَعَالَى من الصَّلَاة وَالدُّعَاء وَالِاسْتِغْفَار وَغير ذَلِك، نَحْو: الصَّدَقَة والعتاقة.
.

     وَقَالَ  بَعضهم بعد أَن نقل بعض كَلَام الطَّحَاوِيّ فِي هَذَا: وَقَررهُ ابْن دَقِيق الْعِيد بِأَنَّهُ جعل الْغَايَة لمجموع الْأَمريْنِ، وَلَا يلْزم من ذَلِك أَن يكون غَايَة لكل مِنْهُمَا على انْفِرَاده.
فَجَاز أَن يكون الدُّعَاء ممتدا إِلَى غَايَة الانجلاء بعد الصَّلَاة، فَيصير غَايَة للمجموع وَلَا يلْزم مِنْهُ تَطْوِيل الصَّلَاة وَلَا تكريرها.
قلت: فِي الحَدِيث أَعنِي حَدِيث أبي بكرَة: (فصلوا وَادعوا حَتَّى ينْكَشف مَا بكم) ، فقد ذكر الصَّلَاة وَالدُّعَاء بواو الْجمع، فَاقْتضى أَن يجمع بَينهمَا إِلَى وَقت الانجلاء قبل الْخُرُوج من الصَّلَاة، وَذَلِكَ لَا يكون إلاّ بإطالة الرُّكُوع وَالسُّجُود بِالذكر فيهمَا وبإطالة الْقِرَاءَة أما إطالة الرُّكُوع والسجزد فقد وَردت فِي حَدِيث عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، فِي رِوَايَة مُسلم: (مَا ركعت رُكُوعًا قطّ وَلَا سجدت سجودا قطّ كَانَ أطول مِنْهُ) .
وَفِي رِوَايَة البُخَارِيّ أَيْضا: (ثمَّ سجد سجودا طَويلا) .
.

     وَقَالَ  أَيْضا (فصلى بأطول قيام وركوع وَسُجُود) .
وَأما إطالة الْقِرَاءَة فَفِي حَدِيث عَائِشَة: (فَأطَال الْقِرَاءَة) ، وَفِي حَدِيث ابْن عَبَّاس: (فَقَامَ قيَاما طَويلا قدر نَحْو سُورَة الْبَقَرَة) ، وَلَا يشك أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يكن فِي طول قِيَامه ساكتا، بل كَانَ مشتغلاً بِالْقِرَاءَةِ وبالدعاء، وَإِذا مد الدُّعَاء بعد خُرُوجه من الصَّلَاة لَا يكون جَامعا بَين الصَّلَاة وَالدُّعَاء فِي وَقت وَاحِد، لِأَن خُرُوجه من الصَّلَاة يكون قَاطعا للْجمع، وَلَا شكّ أَن الْوَاو تدل على الْجمع، وَقد وَقع فِي رِوَايَة النَّسَائِيّ من حَدِيث النُّعْمَان بن بشير، قَالَ: (كسفت الشَّمْس على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجعل يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ وَيسْأل عَنْهَا حَتَّى انجلت) .
فَهَذَا يدل على أَن إطالته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَت بتعداد الرَّكْعَات،.

     وَقَالَ  بَعضهم: يحْتَمل أَن يكون معنى قَوْله: (رَكْعَتَيْنِ) أَي: ركوعين وَأَن يكون السُّؤَال وَقع بِالْإِشَارَةِ فَلَا يلْزم التّكْرَار قلت: مُرَاد هَذَا الْقَائِل الرَّد على الْحَنَفِيَّة فِي قَوْلهم أَن صَلَاة الْكُسُوف كَسَائِر الصَّلَوَات بِلَا تكْرَار الرُّكُوع، لما ذكرنَا وَجه ذَلِك، وَلَا يساعده مَا يذكرهُ لِأَن تَأْوِيله: رَكْعَتَيْنِ بركوعين، تَأْوِيل فَاسد بِاحْتِمَال غير ناشيء عَن دَلِيل، وَهُوَ مَرْدُود.
فَإِن قلت: فعلى مَا ذكرت فقد دلّ الحَدِيث على أَنه يُصَلِّي للكسوف رَكْعَتَانِ بعد رَكْعَتَيْنِ، وَيُزَاد أَيْضا إِلَى وَقت الانجلاء، فَأنْتم مَا تَقولُونَ بِهِ؟ قلت: لَا نسلم ذَلِك، وَقد روى الْحسن عَن أبي حنيفَة: إِن شاؤا صلوا رَكْعَتَيْنِ، وَإِن شاؤا صلوا أَرْبعا، وَإِن شاؤا صلوا أَكثر من ذَلِك، ذكره فِي (الْمُحِيط) وَغَيره، فَدلَّ ذَلِك على أَن الصَّلَاة إِن كَانَت بِرَكْعَتَيْنِ يطول ذَلِك بِالْقِرَاءَةِ وَالدُّعَاء فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود إِلَى وَقت الانجلاء، وَإِن كَانَت أَكثر من رَكْعَتَيْنِ فالتطويل يكون بتكرار الرَّكْعَات دون الركوعات، وَقَول الْقَائِل الْمَذْكُور، وَإِن يكون السُّؤَال وَقع بِالْإِشَارَةِ؟ قلت: يرد هَذَا مَا أخرجه عبد الرَّزَّاق بِإِسْنَاد صَحِيح عَن أبي قلَابَة أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كلما ركع رَكْعَة أرسل رجلا لينْظر: هَل انجلت؟ قلت: فَهَذَا يدل على أَن السُّؤَال فِي حَدِيث النُّعْمَان كَانَ بِالْإِرْسَال لَا بِالْإِشَارَةِ، وَأَنه كلما كَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ على الْعَادة يُرْسل رجلا يكْشف عَن الانجلاء.
فَإِن قلت: قَوْله: (ركع رَكْعَة) ، يدل على تكْرَار الرُّكُوع قلت: لَا نسلم ذَلِك، بل المُرَاد كلما ركع رَكْعَتَيْنِ من بابُُ إِطْلَاق الْجُزْء على الْكل، وَهُوَ كثير فَلَا يقدر الْمُعْتَرض على رده.

الثَّالِث: فِي هَذَا الحَدِيث إبِْطَال مَا كَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يعتقدونه من تَأْثِير الْكَوَاكِب فِي الأَرْض،.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة يَعْتَقِدُونَ أَن الْكُسُوف يُوجب حُدُوث تغير فِي الأَرْض من موت أَو ضَرَر، فَأعْلم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه اعْتِقَاد بَاطِل، وَأَن الشَّمْس وَالْقَمَر خلقان مسخران لله تَعَالَى، لَيْسَ لَهما سُلْطَان فِي غَيرهمَا وَلَا قدرَة على الدّفع عَن أَنفسهمَا.

الرَّابِع: فِيهِ مَا كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْهِ من الشَّفَقَة على أمته وَشدَّة الْخَوْف من آيَة الله تَعَالَى، عز وَجل.
الْخَامِس: فِيهِ مَا يدل على أَن جر الثَّوْب لَا يذم إلاّ من قصد بِهِ الْخُيَلَاء، كَمَا صرح بذلك فِي غير هَذَا الحَدِيث.
السَّادِس: فِيهِ الْمُبَادرَة إِلَى طَاعَة الله تَعَالَى، أَلا ترى أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَيفَ قَامَ، وَهُوَ يجر رِدَاءَهُ مشتغلاً بِمَا نزل؟ السَّابِع: قَالُوا: وَفِيه دلَالَة على أَنه يجمع فِي خُسُوف الْقَمَر كَمَا يجمع فِي كسوف الشَّمْس، وَبِه قَالَ الشَّافِعِي وَأحمد وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر وَأهل الحَدِيث، وَذهب أَبُو حنيفَة وَأحمد وَمَالك إِلَى أَن: لَيْسَ فِي خُسُوف الْقَمَر جمَاعَة.
قلت: أَبُو حنيفَة لم ينف الْجَمَاعَة فِيهِ، وَإِنَّمَا قَالَ: الْجَمَاعَة فِيهِ غير سنة، بل هِيَ جَائِزَة وَذَلِكَ لتعذر اجْتِمَاع النَّاس من أَطْرَاف الْبَلَد بِاللَّيْلِ، وَكَيف وَقد ورد قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (أفضل صَلَاة الْمَرْء فِي بَيته إِلَّا الْمَكْتُوبَة) ؟.

     وَقَالَ  مَالك: لم يبلغنَا، وَلَا أهل بلدنا، أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جمع لكسوف الْقَمَر، وَلَا نقل عَن أحد من الْأَئِمَّة بعده أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جمع فِيهِ.
وَنقل ابْن قدامَة فِي (الْمُغنِي) عَن مَالك: لَيْسَ فِي كسوف الْقَمَر سنة وَلَا صَلَاة،.

     وَقَالَ  الْمُهلب: يُمكن أَن يكون تَركه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَالله أعلم، رَحْمَة للْمُؤْمِنين لِئَلَّا تَخْلُو بُيُوتهم بِاللَّيْلِ فيخطفهم النَّاس وَيَسْرِقُونَ، يدل على ذَلِك قَوْله: صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأم سَلمَة لَيْلَة نزُول التَّوْبَة على كَعْب بن مَالك وصاحبيه: (قلت لَهُ: أَلا أبشِّر النَّاس؟ فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أخْشَى أَن يخطفهم النَّاس) .
وَفِي حَدِيث آخر: (أخْشَى أَن يمْنَع النَّاس نومهم) .
.

     وَقَالَ  تَعَالَى: { وَمن رَحمته جعل لكم اللَّيْل وَالنَّهَار لتسكنوا فِيهِ} (الْقَصَص: 37) .
فَجعل السّكُون فِي اللَّيْل من النعم الَّتِي عَددهَا الله تَعَالَى على عباده، وَقد سمى ذَلِك رَحْمَة، وَقد قَالَ ابْن الْقصار: خُسُوف الْقَمَر يتَّفق لَيْلًا فَيشق الِاجْتِمَاع لَهُ، وَرُبمَا أدْرك النَّاس نياما فيثقل عَلَيْهِم الْخُرُوج لَهَا، وَلَا يَنْبَغِي أَن يُقَاس على كسوف الشَّمْس، لِأَنَّهُ يدْرك النَّاس مستيقظين متصرفين، وَلَا يشق اجْتِمَاعهم كالعيدين وَالْجُمُعَة وَالِاسْتِسْقَاء.
فَإِن قلت: رُوِيَ عَن الْحسن الْبَصْرِيّ، قَالَ: خسف الْقَمَر وَابْن عَبَّاس بِالْبَصْرَةِ، فصلى بِنَا رَكْعَتَيْنِ فِي كل رَكْعَة رَكْعَتَانِ، فَلَمَّا فرغ خَطَبنَا:.

     وَقَالَ : صليت بكم كَمَا رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي بِنَا.
رَوَاهُ الشَّافِعِي فِي (مُسْنده) وَذكره ابْن التِّين بِلَفْظ: (أَنه صلى فِي خُسُوف الْقَمَر ثمَّ خطب،.

     وَقَالَ : يَا أَيهَا النَّاس إِنِّي لم ابتدع هَذِه الصَّلَاة بِدعَة، وَإِنَّمَا فعلت كَمَا رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فعل) .
وَقد علمنَا أَنه صلاهَا فِي جمَاعَة لقَوْله: (خطب) لِأَن الْمُنْفَرد لَا يخْطب، وروى الدَّارَقُطْنِيّ عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة: (أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُصَلِّي فِي خُسُوف الشَّمْس أَربع رَكْعَات وَأَرْبع سَجدَات وَيقْرَأ فِي الأولى بالعنكبوت أَو الرّوم وَفِي الثَّانِيَة بيس) .
قلت: أما رِوَايَة الْحسن فرواها الشَّافِعِي عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد وَهُوَ ضَعِيف، وَقَول الْحسن: خَطَبنَا، لَا يَصح، فَإِن الْحسن لم يكن بِالْبَصْرَةِ لما كَانَ ابْن عَبَّاس بهَا.
وَقيل: إِن هَذَا من تدليساته.
وَأما حَدِيث عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، فمستغرب.
فَإِن قلت: روى الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا من طَرِيق حبيب: (عَن طَاوُوس عَن ابْن عَبَّاس: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى كسوف الشَّمْس وَالْقَمَر ثَمَان رَكْعَات فِي أَربع سَجدَات) .
قلت: فِي إِسْنَاده نظر، والْحَدِيث فِي مُسلم وَلَيْسَ فِيهِ ذكر: الْقَمَر، وَالْعجب من شَيخنَا زين الدّين الْعِرَاقِيّ، رَحمَه الله، يَقُول: لم تثبت صلَاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لخسوف الْقَمَر بِإِسْنَاد مُتَّصِل، ثمَّ ذكر حَدِيث عَائِشَة وَحَدِيث ابْن عَبَّاس اللَّذين رَوَاهُمَا الدَّارَقُطْنِيّ،.

     وَقَالَ : وَرِجَال إسنادهما ثِقَات، وَلَكِن كَون رجالهما ثِقَات لَا يسْتَلْزم اتِّصَال الْإِسْنَاد.
وَلَا نفي المدرج ,.

الأسئلة والأجوبة مِنْهَا مَا قيل: مَا الْحِكْمَة فِي الْكُسُوف؟ وَالْجَوَاب:: مَا قَالَه أَبُو الْفرج: فِيهِ سبع فَوَائِد.
الأول: ظُهُور التَّصَرُّف فِي الشَّمْس وَالْقَمَر.
الثَّانِي: تَبْيِين قبح شَأْن من يعبدهما.
الثَّالِث: إزعاج الْقُلُوب الساكنة بالغفلة عَن مسكن الذهول.
الرَّابِع: ليرى النَّاس نموذج مَا سيجري فِي الْقِيَامَة من قَوْله: { وَجمع الشَّمْس وَالْقَمَر} (الْقِيَامَة: 9) .
الْخَامِس: أَنَّهُمَا يوجدان على حَال التَّمام فيركسان، ثمَّ يلطف بهما فيعادان إِلَى مَا كَانَا عَلَيْهِ، فيشار بذلك إِلَى خوف الْمَكْر ورجاء الْعَفو.
السَّادِس: أَن يفعل بهما صُورَة عِقَاب لمن لَا ذَنْب لَهُ.
السَّابِع: أَن الصَّلَوَات المفروضات عِنْد كثير من الْخلق عَادَة لَا انزعاج لَهُم فِيهَا وَلَا وجود هَيْبَة، فَأتى بِهَذِهِ الْآيَة وسنت لَهما الصَّلَاة ليفعلوا صَلَاة على انزعاج وهيبة.

وَمِنْهَا مَا قيل: أَلَيْسَ فِي رُؤْيَة الْأَهِلّة وحدوث الْحر وَالْبرد وكل مَا جرت الْعَادة بحدوثه من آيَات الله تَعَالَى فَمَا معنى قَوْله فِي الكسوفين: (أَنَّهُمَا آيتان) ؟ وَأجِيب: بِأَن: هَذِه الْحَوَادِث آيَات دَالَّة على وجوده، عز وَجل، وَقدرته.
وَخص الكسوفين لإخباره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ربه عز وَجل أَن الْقِيَامَة تقوم وهما منكوسان وذاهبا النُّور، فَلَمَّا أعلمهم بذلك أَمرهم عِنْد رُؤْيَة الْكُسُوف بِالصَّلَاةِ وَالتَّوْبَة خوفًا من أَن يكون الْكُسُوف لقِيَام السَّاعَة ليعتدوا لَهَا.
.

     وَقَالَ  الْمُهلب: يحْتَمل أَن يكون هَذَا قبل أَن يُعلمهُ الله تَعَالَى بأشراط السَّاعَة.

وَمِنْهَا مَا قيل: مَا الْكُسُوف؟ وَأجِيب: بِأَنَّهُ تغير يخلقه الله تَعَالَى فيهمَا لأمر يشاؤه وَلَا يدْرِي مَا هُوَ، أَو يكون تخويفا للاعتبار بهما مَعَ عظم خلقهما، وكونهما عرضة للحوادث، فَكيف بِابْن آدم الضَّعِيف الْخلق؟ وَقيل: يحْتَمل أَن يكون الخسوف فيهمَا عِنْد تجلي الله سُبْحَانَهُ لَهما، وَفِي حَدِيث قبيصَة الْهِلَالِي عِنْد أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ الْإِشَارَة إِلَى ذَلِك، فَقَالَ فِيهِ: (أَن الشَّمْس وَالْقَمَر لَا يخسفان لمَوْت أحد، ولكنهما خلقان من خلقه فَإِن الله عز وَجل يحدث فِي خلقه مَا يَشَاء، وَإِن الله عز وَجل إِذا تجلى لشَيْء من خلقه خشع لَهُ) الحَدِيث: وَيُؤَيِّدهُ قَوْله تَعَالَى: { فَلَمَّا تجلى ربه للجبل جعله دكا} (الْأَعْرَاف: 341) .
وَلأَهل الْحساب فِيهِ كَلَام كثير، أَكْثَره خباط.
يَقُولُونَ: أما كسوف الشَّمْس فَإِن الْقَمَر يحول بَينهَا وَبَين النّظر، وَأما كسوف الْقَمَر فَإِن الشَّمْس تخلع نورها عَلَيْهِ، فَإِذا وَقع فِي ظلّ الأَرْض لم يكن لَهُ نور بِحَسب مَا تكون لَهُ الْمُقَابلَة، وَيكون الدُّخُول فِي ظلّ الأَرْض يكون الْكُسُوف من كل أَو بعض.
قَالُوا: وَهَذَا أَمر يدل عَلَيْهِ الْحساب وَيصدق فِيهِ الْبُرْهَان، ورد عَلَيْهِم بِأَنَّهُم قَالُوا بالبرهان: إِن الشَّمْس أَضْعَاف الْقَمَر فِي الجرمية بِالْعقلِ، فَكيف يحجب الصَّغِير الْكَبِير إِذا قابله وَلَا يَأْخُذ مِنْهُ عشرَة؟ وَأَيْضًا إِن الشَّمْس إِذا كَانَت تعطيه نورها، فَكيف يحجب نورها ونوره من نورها؟ هَذَا خباط، وَأَيْضًا: قُلْتُمْ: إِن الشَّمْس أكبر من الأَرْض بتسعين ضعفا أَو نَحْوهَا، وقلتم: إِن الْقَمَر أكبر مِنْهَا بِأَقَلّ من ذَلِك، فَكيف يَقع الْأَعْظَم فِي ظلّ الْأَصْغَر، وَكَيف تحجب الأَرْض نور الشَّمْس، وَهِي فِي زَاوِيَة مِنْهَا.
وَأَيْضًا فالشمس لَهَا فلك ومجرى، وَلَا خلاف أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا مَحْدُود وَمَعْلُوم لَا يعدو مجْرَاه، كل يَوْم إِلَى مثله من الْعَام، فيجتمعان ويتقابلان، فَلَو كَانَ الْكُسُوف لوُقُوعه فِي ظلّ الأَرْض فِي وَقت لَكَانَ ذَلِك الْوَقْت محدودا مَعْلُوما، لِأَن المجرى مِنْهُمَا مَحْدُود مَعْلُوم، فَلَمَّا كَانَ تَأتي الْأَوْقَات الْمُخْتَلفَة والجري وَاحِدًا والحساب وَاحِدًا علم قطعا فَسَاد قَوْلهم.





[ قــ :1007 ... غــ :1041 ]
- حدَّثنا شِهَابُ بنُ عَبَّادٍ قَالَ حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ حُمَيْدٍ عنِ اسمَاعِيلَ عنْ قَيْسٍ قَالَ سَمِعْتُ أبَا مَسْعُودٍ يَقُولُ قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إنَّ الشمْسَ والقَمَرَ لاَ يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أحَدٍ مِنَ النَّاسِ ولاكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آياتِ الله فإذَا رَأيْتُمُوهُمَا فَقُومُوا فَصلُّوا.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.

ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: شهَاب بن عباد، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة: الْعَبْدي الْكُوفِي، من شُيُوخ مُسلم أَيْضا.
وَلَهُم شيخ آخر يُقَال لَهُ: شهَاب بن عباد الْعَبْدي، لكنه بَصرِي، وَهُوَ أقدم من الْكُوفِي فِي طبقَة شُيُوخ شُيُوخه، روى لَهُ البُخَارِيّ وَحده فِي ( الْأَدَب الْمُفْرد) .
الثَّانِي: إِبْرَاهِيم بن حميد، بِضَم الْحَاء: الرواسِي، بِضَم الرَّاء وبالسين الْمُهْملَة: الْكُوفِي، مَاتَ سنة ثَمَان وَسبعين وَمِائَة.
الثَّالِث: إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد، وَقد مر.
الرَّابِع: قيس بن أبي حَازِم، وَقد مر.
الْخَامِس: أَبُو مَسْعُود عقبَة بن عَمْرو بن ثَعْلَبَة الْأنْصَارِيّ الخزرجي البدري، لِأَنَّهُ من مَاء بدر وَلم يشْهد بَدْرًا وَسكن الْكُوفَة، مَاتَ أَيَّام عَليّ بن أبي طَالب.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين.
وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين.
وَفِيه: القَوْل فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع.
وَفِيه: إِن رُوَاته كلهم كوفيون.
وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْكُسُوف عَن مُسَدّد عَن يحيى وَفِي بَدْء الْخلق عَن أبي مُوسَى عَن يحيى، وَأخرجه مُسلم فِي الخسوف عَن يحيى بن يحيى وَعَن عبيد الله بن معَاذ وَعَن يحيى بن حبيب وَعَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَعَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَعَن ابْن أبي عمر.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم.
وَأخرجه ابْن مَاجَه عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( آيتان) أَي: علامتان من آيَات الله الدَّالَّة على وحدانيته وعظيم قدرته أَو: آيتان على تخويف عباده من بأسه وسطوته، وَيُؤَيِّدهُ قَوْله تَعَالَى: { وَمَا نرسل بِالْآيَاتِ إلاّ تخويفا} أَو آيتان لقرب الْقِيَامَة أَو لعذاب الله تَعَالَى، أَو لِكَوْنِهِمَا مسخرين لقدرة الله وَتَحْت حكمه، وأصل آيَة: أويه، بِالتَّحْرِيكِ، قلبت الْوَاو ألفا لتحركها وانفتاح مَا قبلهَا،.

     وَقَالَ  سِيبَوَيْهٍ: مَوضِع الْعين من الْآيَة: وَاو، لِأَن مَا كَانَ مَوضِع الْعين وَاللَّام: يَاء، أَكثر مِمَّا مَوضِع الْعين وَاللَّام فِيهِ ياءان، وَالنِّسْبَة إِلَيْهِ: أووي، قَالَ الْفراء: هِيَ من الْفِعْل فاعلة، وَإِنَّمَا ذهب مِنْهُ اللَّام، وَلَو جَاءَت تَامَّة لجاءت آيية، وَلكنهَا خففت، وَجمع الْآيَة: آي وأيائي وآيات.
قَوْله: ( فَإِذا رأيتموهما) ، بتثنية الضَّمِير رِوَايَة الْكشميهني، وَكَذَا فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ، وَفِي رِوَايَة غَيرهمَا: ( فَإِذا رأيتموها) ، بتوحيد الضَّمِير الَّذِي يرجع إِلَى الْآيَة الَّتِي يدل عَلَيْهَا، قَوْله: ( آيتان) ، أَو الْآيَات، وَالْمعْنَى على الأول: إِذا رَأَيْتُمْ كسوف كل مِنْهُمَا، لِاسْتِحَالَة وُقُوع ذَلِك فيهمَا مَعًا فِي حَالَة وَاحِدَة عَادَة، وَإِن كَانَ جَائِزا فِي الْقُدْرَة الإلهية.
قَوْله: ( فَقومُوا فصلوا) : أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي هَذَا الحَدِيث بِالصَّلَاةِ، قَالَ أَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ: ذكر سِتَّة أَشْيَاء عَامَّة وخاصة، اذْكروا الله ادعوا كبروا صلوا تصدقوا أعتقوا، أما ذكر الله فَفِي ( الصَّحِيحَيْنِ) من حَدِيث ابْن عَبَّاس: ( فَإِذا رَأَيْتُمْ ذَلِك فاذكروا الله) ، وَأما التَّكْبِير فَفِي حَدِيث عَائِشَة فِي ( الصَّحِيح) ( فَإِذا رَأَيْتُمْ ذَلِك فَادعوا الله عز وَجل وَكَبرُوا) .
وَأما الصَّلَاة فَفِي الحَدِيث الْمَذْكُور، وَأما الصَّدَقَة فَفِي حَدِيث عَائِشَة الْمَذْكُور.
وَفِيه: ( وتصدقوا) ، وأماالعتق فَفِي البُخَارِيّ من حَدِيث أَسمَاء بنت أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، قَالَت: أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالعتاقة فِي صَلَاة الْكُسُوف.
وَقَوله: ( صلوا) مُجمل وَبَينه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِفِعْلِهِ فِي الْأَحَادِيث الْمَذْكُورَة.





[ قــ :1008 ... غــ :104 ]
- حدَّثنا أصْبَغُ قَالَ أَخْبرنِي ابنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبرنِي عَمْرٌ وعنْ عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ القَاسِمِ حدَّثَهُ عنْ أبِيهِ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أنَّهُ كانَ يُخْبِرُ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنَّ الشَّمْسَ والقَمَرَ لاَ يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أحَدٍ وَلا لِحَيَاتِهِ وَلاكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ الله فإذَا رَأيْتُمُوهما فَصَلّوا.

( الحَدِيث 401 طرفه فِي: 103) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.

ذكر رِجَاله: وهم سِتَّة: الأول: أصبغ، بِفَتْح الْهمزَة: ابْن الْفرج أَبُو عبد الله الْمصْرِيّ.
الثَّانِي: عبد الله ابْن وهب الْمصْرِيّ.
الثَّالِث: عَمْرو بن الْحَارِث الْمصْرِيّ.
الرَّابِع: عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.
الْخَامِس: أَبوهُ الْقَاسِم.
السَّادِس: عبد الله بن عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع.
وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع.
وَفِيه: الْإِخْبَار بِصِيغَة الْإِفْرَاد فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: العنعنة فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع.
وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين.
وَفِيه: من الروَاة الثَّلَاثَة الأول مصريون والبقية مدنيون.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي بَدْء الْخلق عَن يحيى بن سُلَيْمَان.
وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن هَارُون بن سعيد الْأَيْلِي.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن سَلمَة.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( لَا يخسفان) ، بِفَتْح أَوله وَيجوز الضَّم، وَحكى ابْن الصّلاح مَنعه وَلم يبين وَجه الْمَنْع.
قَوْله: ( وَلَا لِحَيَاتِهِ) أَي: وَلَا يخسفان لحياة أحد.
فَإِن قلت: الحَدِيث ورد فِي حق من ظن أَن ذَلِك لمَوْت إِبْرَاهِيم ابْن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد روى ابْن خُزَيْمَة وَالْبَزَّار من طَرِيق نَافِع ( عَن ابْن عمر قَالَ: خسفت الشَّمْس يَوْم مَاتَ إِبْرَاهِيم) ، الحَدِيث فَإِذا كَانَ السِّيَاق إِنَّمَا هُوَ فِي موت إِبْرَاهِيم فَمَا فَائِدَة قَوْله: ( وَلَا لِحَيَاتِهِ) إِذا لم يقل أحد بِأَن الانكساف لحياة أحد؟ قلت: فَائِدَته دفع توهم من يَقُول: لَا يلْزم من نفي كَونه سَببا للفقدان أَن لَا يكون سَببا للإيجاد، فعمم الشَّارِع النَّفْي أَي لَيْسَ سَببه لَا الْمَوْت وَلَا الْحَيَاة، بل سَببه قدرَة الله تَعَالَى.





[ قــ :1009 ... غــ :1043 ]
- حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حدَّثنا هاشِمُ بنُ القاسِمِ قَالَ حدَّثنا شَيْبَانُ بنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ زِيادِ بنِ عِلاَقَةَ عنِ المُغِيرَةِ بنِ شُعْبَةَ قَالَ كسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمَ ماتَ إبْرَاهِيمُ فقالَ الناسُ كَسَفَتِ الشَّمْسُ لِمَوْتِ إبْرَاهِيمَ فقالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إنَّ الشَّمْسَ والقَمَرَ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أحدٍ ولاَ لِحَيَاتِهِ فَإِذا رَأيْتُمْ فَصَلُّوا وَادْعُوا الله عَزَّ وَجَلَّ.

( 3401 طرفان فِي: 0601، 9916) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.

ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الله أَبُو جَعْفَر البُخَارِيّ الْمَعْرُوف بالمسندي.
الثَّانِي: هَاشم بن الْقَاسِم أَبُو النَّضر اللَّيْثِيّ الْكِنَانِي، خراساني سكن بَغْدَاد وَتُوفِّي بهَا غرَّة ذِي الْقعدَة سنة سبع وَمِائَتَيْنِ.
الثَّالِث: شَيبَان بن مُعَاوِيَة النَّحْوِيّ، مر فِي كتاب الْعلم.
الرَّابِع: زِيَاد، بِكَسْر الزَّاي وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف: ابْن علاقَة، بِكَسْر الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف اللَّام وبالقاف، مر فِي آخر كتاب الْإِيمَان.
الْخَامِس: الْمُغيرَة بن شُعْبَة.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين.
وَفِيه: القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: أَن شيخ البُخَارِيّ من أَفْرَاده.
وَفِيه: أَن أحد رُوَاته بخاري ويلقب بالمسندي لِأَنَّهُ كَانَ وَقت الطّلب يتتبع الْأَحَادِيث المسندة وَلَا يرغب فِي المقاطيع والمراسيل.
وَالثَّانِي: خراساني بغدادي، وَالثَّالِث بَصرِي كُوفِي، وَالرَّابِع كُوفِي.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي ( الْأَدَب) عَن أبي الْوَلِيد الطَّيَالِسِيّ عَن زَائِدَة.
وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن أبي بكر وَمُحَمّد بن عبد الله بن نمير.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( يَوْم مَاتَ إِبْرَاهِيم) يَعْنِي ابْن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَذكر جُمْهُور أهل السّير أَنه مَاتَ فِي السّنة الْعَاشِرَة من الْهِجْرَة، قيل: فِي ربيع الأول، وَقيل: فِي رَمَضَان.
وَقيل: فِي ذِي الْحجَّة، وَالْأَكْثَر على أَنَّهَا وَقعت فِي عَاشر الشَّهْر، وَقيل: فِي رابعه، وَقيل: فِي رَابِع عشره، وَلَا يَصح شَيْء مِنْهَا على قَول ذِي الْحجَّة لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذْ ذَاك بِمَكَّة فِي الْحَج، وَقد ثَبت أَنه شهد وَفَاته وَكَانَ بِالْمَدِينَةِ بِلَا خلاف فلعلها كَانَت فِي آخر الشَّهْر.
فَإِن قلت: الْكُسُوف فِي الشَّمْس إِنَّمَا يكون فِي الثَّامِن وَالْعِشْرين أَو التَّاسِع وَالْعِشْرين من آخر الشَّهْر الْعَرَبِيّ، فَكيف تكون وَفَاته فِي الْعَاشِر؟ قلت: هَذَا التَّارِيخ يَحْكِي عَن الْوَاقِدِيّ، وَهُوَ ذكر ذَلِك بِغَيْر إِسْنَاد، فقد تكلمُوا فِيمَا يسْندهُ الْوَاقِدِيّ، فَكيف فِيمَا يُرْسِلهُ؟.

     وَقَالَ  الْبَيْهَقِيّ: فِي بابُُ مَا يحول على جَوَاز الِاجْتِمَاع للعيد وللخسوف لجَوَاز وُقُوع الخسوف فِي الْعَاشِر، ثمَّ رُوِيَ عَن الْوَاقِدِيّ مَا ذَكرْنَاهُ عَن تَارِيخ وَفَاة إِبْرَاهِيم.
.

     وَقَالَ  الذَّهَبِيّ، فِي ( مُخْتَصر السّنَن) : لم يَقع ذَلِك وَلنْ يَقع، وَالله قَادر على كل شَيْء، لَكِن امْتنَاع وُقُوع ذَلِك كامتناع رُؤْيَة الْهلَال لَيْلَة الثَّامِن وَالْعِشْرين من الشَّهْر، وَأم إِبْرَاهِيم مَارِيَة الْقبْطِيَّة، ولد فِي ذِي الْحجَّة سنة ثَمَان، وَتُوفِّي وعمره ثَمَانِيَة عشر شهرا، هَذَا هُوَ الْأَشْهر.
وَقيل: سِتَّة عشر شهرا.
وَقيل: سَبْعَة عشر شهرا وَثَمَانِية أَيَّام.
وَقيل: سنة وَعشرَة أشهر وَسِتَّة أَيَّام، وَدفن بِالبَقِيعِ.
قَوْله: ( فَإِذا رَأَيْتُمْ) ، مَفْعُوله مَحْذُوف تَقْدِيره إِذا رَأَيْتُمْ شَيْئا من ذَلِك، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: فَإِذا رَأَيْتُمْ ذَلِك.