فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب إذا صلى قاعدا، ثم صح، أو وجد خفة، تمم ما بقي

(بابٌُ إذَا صَلَّى قاعِدا ثُمَّ صَحَّ أوْ وَجَدَ خِفَّةً تَمَّمَ مَا بَقِيَ)

أَي: هَذَا بابُُ يذكر فِيهِ إِذا صلى شخص قَاعِدا لأجل عَجزه عَن الْقيام ثمَّ صَحَّ فِي أثْنَاء صلَاته بِأَن حصلت لَهُ عَافِيَة أَو وجد خفَّة فِي مَرضه بِحَيْثُ إِنَّه قدر على الْقيام، تمم صلَاته وَلَا يسْتَأْنف فِي الْوَجْهَيْنِ، وَهَذِه التَّرْجَمَة بِهَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ أَعم، من أَن تكون فِي الْفَرِيضَة أَو النَّفْل، لَا كَمَا قَالَه الْبَعْض: إِن قَوْله: ثمَّ صَحَّ، يتَعَلَّق بالفريضة، وَقَوله: أَو وجد خفَّة يتَعَلَّق بالنافلة، لِأَن هَذِه دَعْوَى بِلَا برهَان، لِأَن الَّذِي حمله على هَذَا لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون لبَيَان أَن حكم الْفَرْض فِي هَذَا خلاف حكم النَّفْل، وَإِمَّا لأجل الْمُطَابقَة بَين التَّرْجَمَة وَبَين حَدِيثي الْبابُُ، فَإِن كَانَ الْوَجْه الأول فَلَيْسَ فِيهِ خلاف عِنْد الْجُمْهُور، مِنْهُم: أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو يُوسُف أَن الْمَرِيض إِذا صلى قَاعِدا ثمَّ صَحَّ أَو وجد قُوَّة مِقْدَار مَا يقوم بهَا على الْقيام فَإِنَّهُ يتم صلَاته قَائِما، خلافًا لمُحَمد بن الْحسن فَإِنَّهُ قَالَ: يسْتَأْنف صلَاته.
فَإِن قلت: أَلَيْسَ هَذَا بِنَاء الْقوي على الضَّعِيف؟ قلت: لَا، لِأَن تحريمته لم تَنْعَقِد للْقِيَام لعدم الْقُدْرَة عَلَيْهِ وَقت الشُّرُوع فِي الصَّلَاة، وَإِن كَانَ الْوَجْه الثَّانِي فَلَا يحْتَاج فِيهِ إِلَى التَّفْرِقَة لبَيَان وَجه الْمُطَابقَة بِأَن يُقَال: إِن الشق الثَّانِي من التَّرْجَمَة يُطَابق حَدِيث الْبابُُ، لِأَنَّهُ فِي النَّفْل، وَيُؤْخَذ مَا يتَعَلَّق بالشق الأول بِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ، وَهَذَا كُله تعسف، وَمَا أوقع الشُّرَّاح فِي هَذِه التعسفات إلاّ قَول ابْن بطال: إِن هَذِه التَّرْجَمَة تتَعَلَّق بالفريضة، وَحَدِيث عَائِشَة يتَعَلَّق بالنافلة، وَتَقْيِيد ابْن بطال الْمُطلق بِلَا دَلِيل تحكم، بل التَّرْجَمَة على عمومها، وَإِن كَانَ حَدِيث الْبابُُ فِي النَّفْل، لأَنا قد ذكرنَا غير مرّة أَن أدنى شَيْء يلائم بَين التَّرْجَمَة والْحَدِيث كَاف، بَيَان ذَلِك أَن الْقيام فِي حق المتنفل غير متأكد، وَله أَن يتْركهُ من غير عذر، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ مَا روته عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا: (أَنه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَ يُصَلِّي لَيْلًا طَويلا قَائِما وَلَيْلَة طَوِيلَة قَاعِدا) ، رَوَاهُ مُسلم وَالْأَرْبَعَة، وَفِي حق الْمَرِيض الْعَاجِز عَن الْقيام يكون كَذَلِك لِأَن تحريمته لَا تَنْعَقِد لذَلِك، كَمَا ذكرنَا، فَيكون المتنفل والمفترض الْعَاجِز سَوَاء فِي ذَلِك، فتتناولهما التَّرْجَمَة من هَذِه الْحَيْثِيَّة.

وَقَالَ الحسَنُ إنْ شاءَ المَرِيضُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ قاعِدا ورَكْعَتَيْنِ قائِما

الْحسن هُوَ الْبَصْرِيّ، قَالَ بَعضهم: وَهَذَا الْأَثر وَصله ابْن أبي شيبَة بِمَعْنَاهُ قلت: الَّذِي ذكره ابْن أبي شيبَة لَيْسَ بِمَعْنَاهُ وَلَا قَرِيبا مِنْهُ لِأَنَّهُ قَالَ: حَدثنَا هشيم عَن مُغيرَة وَعَن يُونُس عَن الْحسن (أَنَّهُمَا قَالَا: يُصَلِّي الْمَرِيض على الْحَالة الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا) انْتهى.
وَمَعْنَاهُ: إِن كَانَ عَاجِزا عَن الْقيام يُصَلِّي قَاعِدا، وَإِن كَانَ عَاجِزا عَن الْقعُود يُصَلِّي على جنبه، كَمَا فِي الحَدِيث الَّذِي رُوِيَ عَن عمرَان، وحالته لَا تَخْلُو عَن ذَلِك، وَالَّذِي ذكره البُخَارِيّ عَنهُ هُوَ، أَن: يُصَلِّي الْمَرِيض إِن شَاءَ رَكْعَتَيْنِ قَاعِدا وَرَكْعَتَيْنِ قَائِما، فَالَّذِي يظْهر مِنْهُ أَنه إِذا صلى رَكْعَتَيْنِ قَاعِدا لعَجزه عَن الْقيام، ثمَّ قدر على الْقيام يُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَقِيَتَا قَائِما، وَلَا يسْتَأْنف صلَاته.
فَحِينَئِذٍ تظهر الْمُطَابقَة بَين التَّرْجَمَة وَبَين هَذَا الْأَثر.
.

     وَقَالَ  صَاحب (التَّلْوِيح) : هَذَا التَّعْلِيق، يَعْنِي الَّذِي ذكره عَن الْحسن، رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي (جَامعه) : عَن مُحَمَّد بن بشار حَدثنَا ابْن أبي عدي عَن أَشْعَث بن عبد الْملك عَن الْحسن: إِن شَاءَ الرجل صلى صَلَاة التَّطَوُّع قَائِما وجالسا ومضطجعا.
انْتهى.
قلت: هَذَا أَيْضا غير قريب مِمَّا ذكره البُخَارِيّ، وَلَا يخفى ذَلِك على المتأمل.



[ قــ :1080 ... غــ :1118 ]
- حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا مالِكٌ عنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ عَنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ أمِّ المُؤْمِنِينَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أنَّهَا أخْبَرَتْهُ أنَّهَا لَمْ تَرَ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي صَلاَةَ اللَّيْلِ قاعِدا قَط حَتَّى أسَنَّ فَكَانَ يَقْرأ قاعِدا حَتَّى إذَا أرَادَ أنْ يَرْكَعَ قامَ فَقَرَأَ نَحْوا مِنْ ثَلاَثِينَ آيَةً أوْ أرْبَعِينَ آيَةً ثُمَّ رَكَعَ..
وَجه الْمُطَابقَة بَين التَّرْجَمَة، والْحَدِيث قد ذَكرْنَاهُ، والْحَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد: حَدثنَا أَحْمد بن عبد الله بن يُونُس حَدثنَا زُهَيْر حَدثنَا هِشَام بن عُرْوَة عَن عُرْوَة (عَن عَائِشَة قَالَت: مَا رَأَيْت رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يقْرَأ فِي شَيْء من صَلَاة اللَّيْل جَالِسا قطّ، حَتَّى دخل فِي السن، فَكَانَ يجلس فَيقْرَأ حَتَّى إِذا بَقِي أَرْبَعُونَ أَو ثَلَاثُونَ آيَة قَامَ فقرأها ثمَّ سجد) .
وَقد رُوِيَ عَن عَائِشَة: صَلَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَالِسا فِي التَّطَوُّع جمَاعَة آخَرُونَ من التَّابِعين.
مِنْهُم: الْأسود بن يزِيد، أخرج حَدِيثه النَّسَائِيّ من رِوَايَة عمر بن أبي زَائِدَة عَن أبي إِسْحَاق عَن الْأسود (عَن عَائِشَة، قَالَت: مَا كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يمْتَنع من وَجْهي وَهُوَ صَائِم، وَمَا مَاتَ حَتَّى كَانَ أَكثر صلَاته قَاعِدا) .
وروى مُسلم من رِوَايَة عبد الله بن عُرْوَة عَن أَبِيه (عَن عَائِشَة قَالَت: لما بدن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَثقل كَانَ أَكثر صلَاته جَالِسا) .
وَمِنْهُم: عَلْقَمَة بن وَقاص، أخرج حَدِيثه مُسلم بِلَفْظ: قلت لعَائِشَة: كَيفَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يصنع فِي الرَّكْعَتَيْنِ وَهُوَ جَالس؟ قَالَت: كَانَ يقْرَأ فيهمَا، فَإِذا أَرَادَ أَن يرْكَع قَامَ فَرَكَعَ) .
وَمِنْهُم: عمْرَة، أخرج حَدِيثهَا مُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه من رِوَايَة أبي بكر بن مُحَمَّد عَن عمر (عَن عَائِشَة قَالَت: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ وَهُوَ قَاعد، فَإِذا أَرَادَ أَن يرْكَع قَامَ قدر مَا يقْرَأ الْإِنْسَان أَرْبَعِينَ آيَة) .
قَوْله: (صَلَاة اللَّيْل) ، قيدت عَائِشَة بهَا لتخرج الْفَرِيضَة.
قَوْله: (حَتَّى أسن) أَي: حَتَّى دخل فِي السن،.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: إِنَّمَا قيدت بقولِهَا: (حَتَّى أسن) ليعلم إِنَّه إِنَّمَا فعل ذَلِك إبْقَاء على نَفسه ليستديم الصَّلَاة، وأفادت أَنه كَانَ يديم الْقيام، وَإنَّهُ كَانَ لَا يجلس عَمَّا يطيقه من ذَلِك.
قَوْله: (أَو أَرْبَعِينَ) يحْتَمل أَن يكون هَذَا شكا من الرَّاوِي، وَأَن عَائِشَة قَالَت أحد الْأَمريْنِ: وَيحْتَمل أَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، ذكرت الْأَمريْنِ مَعًا من الثَّلَاثِينَ وَالْأَرْبَعِينَ بِحَسب وُقُوع ذَلِك مِنْهُ، مرّة كَذَا وَمرَّة كَذَا، أَو بِحَسب طول الْآيَات وقصرها.

وَمن فَوَائِد هَذَا الحَدِيث: جَوَاز الرَّكْعَة الْوَاحِدَة بَعْضهَا من قيام وَبَعضهَا من قعُود، وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَعَامة الْعلمَاء، وَسَوَاء فِي ذَلِك: قَامَ ثمَّ قعد أَو قعد ثمَّ قَامَ، وَمنعه بعض السّلف وَهُوَ غلط، وَلَو نوى الْقيام ثمَّ أَرَادَ أَن يجلس جَازَ عِنْد الْجُمْهُور، وَجوزهُ من الْمَالِكِيَّة: ابْن الْقَاسِم، وَمنعه أَشهب.
وَمِنْهَا: تَطْوِيل الْقِرَاءَة فِي صَلَاة اللَّيْل، وَالأَصَح عِنْد الشَّافِعِيَّة أَن تَطْوِيل الْقيام أفضل من تَكْثِير الرُّكُوع وَالسُّجُود مَعَ تَقْصِير الْقِرَاءَة، وَكَذَا عندنَا: تَطْوِيل الْقِرَاءَة أفضل من كَثْرَة الرُّكُوع وَالسُّجُود،.

     وَقَالَ  أَبُو يُوسُف: إِن كَانَ لَهُ ورد من اللَّيْل فَالْأَفْضَل أَن يكثر عدد الرَّكْعَات، وإلاّ فطول الْقيام أفضل،.

     وَقَالَ  مُحَمَّد: كَثْرَة الرُّكُوع وَالسُّجُود أفضل لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (عَلَيْك بِكَثْرَة السُّجُود) .
وَمِنْهَا: جَوَاز صَلَاة النَّافِلَة قَاعِدا مَعَ الْقُدْرَة على الْقيام، وَهُوَ مجمع عَلَيْهِ.





[ قــ :1081 ... غــ :1119 ]
- حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا مالِكٌ عنْ عَبْدِ الله بنِ يَزِيدَ وَأبِي النضْرِ مَوْلَى عُمعرَ بنِ عُبَيْدِ الله عنْ أبِي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ الراحْمانِ عنْ عائِشَةَ أمِّ المُؤْمِنِينَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ يُصَلِّي جالِسا فَيَقْرَأ وَهْوَ جالِسٌ فإذَا بَقِيَ مِنْ قِرَاءَتِهِ نَحْوٌ مِنْ ثَلاَثِينَ أوْ أرْبَعِينَ آيَة قامَ فَقَرَأهَا وَهْوَ قائِمٌ ثُمَّ رَكَعَ ثُمَّ سَجَدَ يَفْعَلُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ ذالِكَ فإذَا قضَى صَلاَتَهُ نَظَرَ فإنْ كُنْتُ يَقْظَى تَحَدَّثَ مَعِي وَإنْ كُنْتُ نائِمةً اضْطَجَعَ..
هَذَا طَرِيق آخر من حَدِيث عَائِشَة وَعبد الله بن يزِيد من الزِّيَادَة المَخْزُومِي الْمدنِي الْأَعْوَر، وَأَبُو النَّضر، بِفَتْح النُّون وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة: اسْمه سَالم بن أبي أُميَّة الْقرشِي التَّيْمِيّ الْمدنِي، مولى عمر بن عبيد الله بن معمر التَّيْمِيّ، مر فِي بابُُ الْمسْح على الْخُفَّيْنِ.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن يحيى بن يحيى.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن القعْنبِي، كِلَاهُمَا عَن مَالك، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن إِسْحَاق بن مُوسَى الْأنْصَارِيّ عَن معن عَن مَالك عَن أبي النَّضر وَحده بِهِ،.

     وَقَالَ : حسن صَحِيح، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن سَلمَة الْمرَادِي الْمصْرِيّ عَن عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم عَن مَالك بِهِ.
.

     وَقَالَ  التِّرْمِذِيّ: عَن أَحْمد وَإِسْحَاق من أَن حَدِيثي عَائِشَة مَعْمُول بهما، وَهُوَ قَول الْجُمْهُور وَبَقِيَّة الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة وَغَيرهم خلافًا لمن منع الِانْتِقَال من الْقيام إِلَى الْقعُود عِنْد عدم الضَّرُورَة لذَلِك، وَهُوَ غلط، كَمَا تقدم وروى التِّرْمِذِيّ أَيْضا.

     وَقَالَ : حَدثنَا أَحْمد بن منيع أخبرنَا خَالِد وَهُوَ الْحذاء عَن عبد الله ابْن شَقِيق (عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، قَالَ: سَأَلتهَا عَن صَلَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن تطوعه؟ قَالَت: كَانَ يُصَلِّي لَيْلًا طَويلا قَائِما وليلاً طَويلا قَاعِدا، فَإِذا قَرَأَ وَهُوَ قَائِم ركع وَسجد وَهُوَ قَائِم، وَإِذا قَرَأَ وَهُوَ جَالس ركع وَسجد وَهُوَ جَالس) .
قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح.
وَأخرجه بَقِيَّة السِّتَّة خلا البُخَارِيّ، فَرَوَاهُ مُسلم عَن يحيى بن يحيى وَأَبُو دَاوُد عَن أَحْمد بن حَنْبَل، وَفِي بعض النّسخ عَن أَحْمد بن منيع كِلَاهُمَا عَن هشيم، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن مُسَدّد وَالنَّسَائِيّ عَن أبي الْأَشْعَث، كِلَاهُمَا عَن يزِيد بن زُرَيْع عَن خَالِد الْحذاء، وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من رِوَايَة حميد الطَّوِيل، وروى التِّرْمِذِيّ أَيْضا من حَدِيث حَفْصَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، قَالَ: حَدثنَا الْأنْصَارِيّ حَدثنَا معن حَدثنَا مَالك بن أنس عَن ابْن شهَاب عَن السَّائِب بن يزِيد عَن الْمطلب بن أبي ودَاعَة السَّهْمِي (عَن حَفْصَة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنَّهَا قَالَت: مَا رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى فِي سبحته قَاعِدا حَتَّى كَانَ قبل وَفَاته بعام، فَإِنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فِي سبحته قَاعِدا وَيقْرَأ بالسورة ويرتلها حَتَّى تكون أطول من أطول مِنْهَا) .
.

     وَقَالَ : حَدِيث حسن صَحِيح.
فَإِن قلت: بَين حَدِيثي حَفْصَة وَعَائِشَة مُنَافَاة ظَاهرا؟ قلت: لَا، لِأَن قَول عَائِشَة: كَانَ يُصَلِّي جَالِسا، لَا يلْزم مِنْهُ أَن يكون صلى جَالِسا قبل وَفَاته بِأَكْثَرَ من عَام، فَإِن كَانَ لَا يَقْتَضِي الدَّوَام بل وَلَا التّكْرَار على أحد قولي الْأُصُولِيِّينَ، وعَلى تَقْدِير أَن يكون صلى فِي تطوعه جَالِسا قبل وَفَاته بِأَكْثَرَ من عَام فَلَا يُنَافِي حَدِيث حَفْصَة، لِأَنَّهَا إِنَّمَا نفت رؤيتها، لَا وُقُوع ذَلِك جملَة وَفِي الْبابُُ عَن أم سَلمَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، أخرج حَدِيثهَا النَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه من رِوَايَة أبي إِسْحَاق السبيعِي (عَن أبي سَلمَة عَن أم سَلمَة قَالَت: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ، مَا مَاتَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى كَانَ أَكثر صلَاته قَاعِدا إلاّ الْمَكْتُوبَة) .
وَعَن أنس أخرج حَدِيثه أَبُو يعلى قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن بكار حَدثنَا حَفْص بن عمر قَاضِي حلب حَدثنَا مُخْتَار بن فلفل (عَن أنس بن مَالك، أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى على الأَرْض فِي الْمَكْتُوبَة قَاعِدا، وَقعد فِي التَّسْبِيح فِي الأَرْض فَأَوْمأ إِيمَاء) وَحَفْص بن عمر ضَعِيف، وَعَن جَابر ابْن سَمُرَة أخرج حَدِيثه مُسلم من رِوَايَة حسن بن صَالح عَن سماك بن حَرْب (عَن جَابر بن سَمُرَة: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يمت حَتَّى صلى قَاعِدا) .
قَالَ شَيخنَا زين الدّين: هَكَذَا أدخلهُ غير وَاحِد من المصنفين فِي: بابُُ الرُّخْصَة فِي صَلَاة التَّطَوُّع جَالِسا، وَلَيْسَ صَرِيحًا فِي ذَلِك، فَلَعَلَّ جَابِرا أخبر عَن صلَاته وَهُوَ قَاعد للمرض، وَعَن عبد الله بن الشخير أخرج حَدِيثه الطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) من رِوَايَة زيد بن الْحبابُ عَن شَدَّاد بن سعيد عَن غيلَان بن جرير (عَن مطرف بن عبد الله بن الشخير عَن أَبِيه قَالَ: أتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يُصَلِّي قَائِما وَقَاعِدا وَهُوَ يقْرَأ { أَلْهَاكُم التكاثر} حَتَّى خَتمهَا.

لَيست الْبَسْمَلَة مَذْكُور فِي رِوَايَة أبي ذَر.