فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب ما يكره من ترك قيام الليل لمن كان يقومه

(بابُُ مَا يُكْرَهُ مِنْ تَرْكِ قِيَامِ اللَّيْلِ لِمَنْ كَانَ يَقُومُهُ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان كَرَاهَة ترك قيام اللَّيْل، وَهُوَ الصَّلَاة فِيهِ لمن كَانَ لَهُ عَادَة بِالْقيامِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يشْعر بِالْإِعْرَاضِ عَن الْعِبَادَة.



[ قــ :1114 ... غــ :1152 ]
- حدَّثنا عَبَّاسُ بنُ الحُسَيْنِ قَالَ حدَّثَنَا مُبَشِّرٌ عنِ الأَوْزَاعِيِّ ح وحدَّثني مُحَمَّدُ بنُ مُقَاتِلٍ أبُو الحَسَنِ قَالَ أخبرناعَبْدُ الله قَالَ أخبرنَا الأوْزَاعِيُّ قَالَ حدَّثني يَحْيَى بنُ أبِي كَثِيرٍ قَالَ حدَّثني أبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِ الرحْمانِ قَالَ حدَّثنِي عَبْدُ الله بنُ عَمْرِو بنِ العَاصِ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ قَالَ لي رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا عَبْدَ الله لَا تَكُنْ مِثْلَ فُلاَنٍ كانَ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة فِي قَوْله: (يَا عبد الله لَا تكن مثل فلَان.
.
) إِلَى آخِره.

ذكر رِجَاله: وهم ثَمَانِيَة: الأول: عَبَّاس، بِالْبَاء الْمُوَحدَة الْمُشَدّدَة وبالسين الْمُهْملَة: ابْن الْحُسَيْن، بِالتَّصْغِيرِ: أَبُو الْفضل الْبَغْدَادِيّ الْقَنْطَرِي، مَاتَ سنة أَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ.
الثَّانِي: مُبشر، بِلَفْظ إسم الْفَاعِل، ضد الْمُنْذر ابْن إِسْمَاعِيل الْحلَبِي، مَاتَ سنة مِائَتَيْنِ.
الثَّالِث: عبد الرَّحْمَن بن عَمْرو الْأَوْزَاعِيّ.
الرَّابِع: مُحَمَّد بن مقَاتل أَبُو الْحسن الْمروزِي المجاور بِمَكَّة.
الْخَامِس: عبد الله بن الْمُبَارك.
السَّادِس: يحيى بن أبي كثير.
السَّابِع: أَبُو سَلمَة ابْن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف.
الثَّامِن: عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: إسنادان أَحدهمَا عَن عَبَّاس وَالْآخر عَن مُحَمَّد بن مقَاتل.
وَفِيه: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين وبصيغة الْإِفْرَاد فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: الْإِخْبَار بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَاحِد.
وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد.
وَفِيه: فِي سِيَاق عبد الله التَّصْرِيح بِالْحَدِيثِ فِي جَمِيع الْإِسْنَاد فَحصل الْأَمْن من تَدْلِيس الْأَوْزَاعِيّ وَشَيْخه.
وَفِيه: القَوْل فِي سِتَّة مَوَاضِع.
وَفِيه: أَن شَيْخه عَبَّاس بغدادي، ومبشر حَلَبِيّ، وَالْأَوْزَاعِيّ شَامي، وَمُحَمّد بن مقَاتل وَشَيْخه عبد الله مروزيان وَيحيى بن أبي كثير يمامي وطائي، وَاسم أبي كثير: صَالح، وَقيل: دِينَار، وَقيل غير ذَلِك، وَأَبُو سَلمَة مدنِي.
وَفِيه: أَن البُخَارِيّ أخرج عَن عَبَّاس ابْن الْحُسَيْن هُنَا وَفِي الْجِهَاد فَقَط.
وَفِيه: أَن شَيْخه مُحَمَّد بن مقَاتل من أَفْرَاد البُخَارِيّ.

ذكر من أخرجه غَيره: أخرجه مُسلم فِي الصَّوْم عَن أَحْمد بن يُوسُف الْأَزْدِيّ عَن عَمْرو بن أبي سَلمَة بِهِ، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الصَّلَاة عَن سُوَيْد بن نصر عَن ابْن الْمُبَارك بِهِ، وَعَن الْحَارِث بن أَسد عَن بشر بن بكر عَن الْأَوْزَاعِيّ.
وَأخرجه ابْن مَاجَه عَن مُحَمَّد بن الصَّباح عَن الْوَلِيد بن مُسلم عَن الْأَوْزَاعِيّ.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (مثل فلَان) ، لم يدر من هُوَ، وَالظَّاهِر أَن الْإِبْهَام من أحد الروَاة.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَكَانَ إِبْهَام مثل هَذَا لقصد السّتْر عَلَيْهِ، وَيحْتَمل أَن يكون النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يقْصد شَيخا معينا، وَإِنَّمَا أَرَادَ تنفير عبد الله بن عَمْرو من الصَّنِيع الْمَذْكُور.
قلت: كل ذَلِك غير موجه.
أما قَوْله: السّتْر عَلَيْهِ، فَغير سديد، لِأَن قيام اللَّيْل لم يكن فرضا على فلَان الْمَذْكُور، فَلَا يكون بِتَرْكِهِ عَاصِيا حَتَّى يستر عَلَيْهِ.
وَأما قَوْله: وَيحْتَمل إِلَى آخِره، فأبعد من الأول على مَا لَا يخفى، لِأَن الشَّخْص إِذا لم يكن معينا كَيفَ ينفر غَيره من صَنِيعه؟ وَأما قَوْله: أَرَادَ تنفير عبد الله، فَكَانَ الْأَحْسَن فِيهِ أَن يُقَال: أَرَادَ ترغيب عبد الله فِي قيام اللَّيْل حَتَّى لَا يكون مثل من كَانَ قَائِما مِنْهُ ثمَّ تَركه.
قَوْله: (من اللَّيْل) ، وَلَيْسَ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين لفظ: من، مَوْجُودا، بل اللَّفْظ: كَانَ يقوم اللَّيْل، أَي: فِي اللَّيْل، وَالْمرَاد فِي جُزْء من أَجْزَائِهِ فَتكون: من، بِمَعْنى: فِي، نَحْو قَوْله تَعَالَى: { إِذا نُودي للصَّلَاة من يَوْم الْجُمُعَة} (الْجُمُعَة: 9) .
أَي: فِي يَوْم الْجُمُعَة.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: قَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: فِي هَذَا الحَدِيث دَلِيل على أَن قيام اللَّيْل لَيْسَ بِوَاجِب، إِذْ لَو كَانَ وَاجِبا لم يكتف لتاركه بِهَذَا الْقدر، بل كَانَ يذمه أبلغ الذَّم،.

     وَقَالَ  ابْن حبَان: فِيهِ جَوَاز ذكر الشَّخْص بِمَا فِيهِ من عيب إِذا قصد بذلك التحذير من صَنِيعه.
وَفِيه: اسْتِحْبابُُ الدَّوَام على مَا اعتاده الْمَرْء من الْخَيْر من غير تَفْرِيط.
وَفِيه: الْإِشَارَة إِلَى كَرَاهَة قطع الْعِبَادَة وَإِن لم تكن وَاجِبَة.

وَقَالَ هِشَامٌ حدَّثنا ابنُ أبي العِشْرِين قَالَ حدَّثنا الأوْزَاعِيُّ قَالَ حدَّثني يَحْيى عنْ عُمَرَ بنِ الحَكَمِ بنِ ثَوْبَانَ قَالَ حدَّثني أبُو سَلَمَةَ بِهاذا مِثْلَهُ

هِشَام: هُوَ ابْن عمار الدِّمَشْقِي الْحَافِظ، خطيب دمشق، مَاتَ سنة خمس وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ، وَهُوَ من أَفْرَاد البُخَارِيّ، وَاسم ابْن أبي الْعشْرين: عبد الحميد بن حبيب ضد الْعَدو كَاتب الْأَوْزَاعِيّ، كنيته أَبُو سعيد الدِّمَشْقِي ثمَّ الْبَيْرُوتِي، وَقد تكلم فِيهِ غير وَاحِد.
وَيحيى هُوَ ابْن أبي كثير الْمَذْكُور فِي السَّنَد الأول، وَعمر بن الحكم، بِفَتْح الْكَاف: ابْن ثَوْبَان، بِفَتْح الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَسُكُون الْوَاو وبالباء الْمُوَحدَة وبالنون: الْحِجَازِي الْمدنِي مَاتَ سنة سبع عشرَة وَمِائَة، وَهَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ عَن ابْن أبي حسان وَمُحَمّد بن مُحَمَّد، قَالَا: حَدثنَا هِشَام بن عمار حَدثنَا عبد الحميد بن أبي الْعشْرين حَدثنَا الْأَوْزَاعِيّ فَذكره،.

     وَقَالَ  صَاحب (التَّوْضِيح) : ومتابعة هِشَام أسندها الْإِسْمَاعِيلِيّ.
قلت: لَيْسَ هَذَا بمتابعة، وَإِنَّمَا هُوَ تَعْلِيق كَمَا ذَكرْنَاهُ، وَفَائِدَته التَّنْبِيه على أَن زِيَادَة عمر بن الحكم بن ثَوْبَان بن يحيى وَأبي سَلمَة من الْمَزِيد فِي مُتَّصِل الْأَسَانِيد لِأَن يحيى قد صرح بِسَمَاعِهِ من أبي سَلمَة وَلَو كَانَ بَينهمَا وَاسِطَة لم يُصَرح بِالتَّحْدِيثِ.
قَوْله: (بِهَذَا مثله) ، هَذَا رِوَايَة كَرِيمَة والأصيلي، وَفِي رِوَايَة غَيرهمَا: بِهَذَا، فَقَط.

وَتَابَعَهُ عَمْرُو بنُ أبِي سَلَمَةَ عنِ الأَوْزَاعِيِّ

أَي: تَابع ابْن أبي الْعشْرين على زِيَادَة عمر بن الحكم عَمْرو بن أبي سَلمَة، بِفَتْح اللَّام: أَبُو حَفْص الشَّامي، توفّي سنة ثِنْتَيْ عشرَة وَمِائَتَيْنِ، وَوصل هَذِه الْمُتَابَعَة مُسلم عَن أَحْمد بن يُوسُف بن مُحَمَّد الْأَزْدِيّ، قَالَ: حَدثنَا عَمْرو بن أبي سَلمَة عَن الْأَوْزَاعِيّ قِرَاءَة، قَالَ: حَدثنَا يحيى بن أبي كثير عَن ابْن الحكم بن ثَوْبَان، قَالَ: حَدثنِي أَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن عَن عبد الله ابْن عَمْرو بن الْعَاصِ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (يَا عبد الله لَا تكن مثل فلَان، كَانَ يقوم اللَّيْل، فَترك قيام اللَّيْل.
<

( بابٌُ)

هَكَذَا وَقع لفظ: بابُُ، بِغَيْر تَرْجَمَة، وَهُوَ بِمَنْزِلَة الْفَصْل من الْبابُُ الَّذِي قبله، وَقد جرت عَادَة المصنفين أَن يكتبوا بابُُا فِي حكم من الْأَحْكَام ثمَّ يكتبوا عَقِيبه فصل فيريدوا بِهِ انْفِصَال هَذَا الحكم عَمَّا قبله، وَلكنه مُتَعَلق بِهِ فِي نفس الْأَمر.



[ قــ :1115 ... غــ :1153 ]
- حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله قَالَ حدَّثنا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍ وعنْ أبِي العَبَّاسِ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ الله بنَ عَمْرٍ وَرَضي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ قَالَ لي النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ألَمْ أُخْبَرْ أنَّكَ تَقُومُ اللَّيْلَ وَتَصُومُ النَّهَارَ.

قُلْتُ إنِّي أفْعلُ ذالِكَ قَالَ فإنَّكَ إذَا فَعَلْتَ ذالِكَ هَجَمَتْ عَيْنُكَ وَنَفِهَتْ نَفْسُكَ وَإنَّ لِنَفْسِكَ حقَّا وَلأِهْلِكَ حَقّا فَصُمْ وَأفْطِرْ وَقُمْ ونَمْ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَهُوَ أمره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالصَّوْمِ والإفطار وَالْقِيَام وَالنَّوْم، وَلَا شكّ أَنه يَقْتَضِي ترك التَّشْدِيد فِي ذَلِك.

ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: عَليّ بن عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن الْمَدِينِيّ.
الثَّانِي: سُفْيَان بن عُيَيْنَة.
الثَّالِث: عَمْرو بن دِينَار.
الرَّابِع: أَبُو الْعَبَّاس اسْمه السَّائِب، بِالسِّين الْمُهْملَة: ابْن فروخ، بِفَتْح الْفَاء وَضم الرَّاء الْمُشَدّدَة وبالخاء الْمُعْجَمَة: الشَّاعِر الْأَعْمَى.
الْخَامِس: عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين.
وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين.
وَفِيه: السماع.
وَفِيه: القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: أَن شَيْخه من أَفْرَاده.
وَفِيه: أَن سُفْيَان وعمرا وَأَبا الْعَبَّاس مكيون، وَفِيه: عَمْرو عَن أبي الْعَبَّاس، وَفِي رِوَايَة الْحميدِي، فِي ( مُسْنده) : عَن سُفْيَان حَدثنَا عَمْرو سَمِعت أَبَا الْعَبَّاس.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الصَّوْم عَن عَمْرو بن عَليّ وَفِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، عَن خَلاد بن يحيى.
وَأخرجه مُسلم فِي الصَّوْم عَن أبي بكر بن أبي شيبَة عَن سُفْيَان نَحْو حَدِيث عَليّ وَعَن مُحَمَّد بن رَافع عَن عبد الرَّزَّاق وَعَن مُحَمَّد بن حَاتِم وَعَن عبيد الله بن معَاذ وَعَن أبي كريب.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن هناد عَن وَكِيع وَفِي بعض النّسخ عَن قُتَيْبَة بدل هناد.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن عَليّ بن الْحسن الدرهمي وَعَن مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى وَعَن إِبْرَاهِيم بن الْحسن وَعَن مُحَمَّد بن عبيد الله وَعَن مُحَمَّد بن بشار وَعَن أَحْمد بن إِبْرَاهِيم.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن عَليّ بن مُحَمَّد بالقصة.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( ألم أخبر؟) الْهمزَة للاستفهام، وَلكنه خرج من الِاسْتِفْهَام الْحَقِيقِيّ، فَمَعْنَاه هُنَا حمل الْمُخَاطب على الْإِقْرَار بِأَمْر قد اسْتَقر عِنْده ثُبُوته.
وَقَوله: ( أُخبر) على صِيغَة الْمَجْهُول لنَفس الْمُتَكَلّم وَحده.
قَوْله: ( أَنَّك) بِفَتْح الْهمزَة لِأَنَّهُ مفعول ثَان للإخبار.
قَوْله: ( اللَّيْل) مَنْصُوب على الظَّرْفِيَّة، وَكَذَلِكَ: النَّهَار.
قَوْله: ( هجمت) ، بِفَتْح الْجِيم أَي: غارت أَو ضعف بصرها لِكَثْرَة السهر.
قَوْله: ( ونفهت) ، بِفَتْح النُّون وَكسر الْفَاء أَي: كلت وأعيت، وَقَيده الشَّيْخ قطب الدّين بِفَتْح الْفَاء، وَحكى الْإِسْمَاعِيلِيّ أَن أَبَا يعلى رَوَاهُ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق بدل النُّون،.

     وَقَالَ : إِنَّه ضَعِيف، وَزَاد الدَّاودِيّ بعد قَوْله: ( هجمت عَيْنك وَنحل جسمك ونفهت نَفسك) .
قَوْله: ( وَإِن لنَفسك حَقًا) يَعْنِي: مَا يحْتَاج إِلَيْهِ من الضرورات البشرية مِمَّا أَبَاحَهُ الله إِلَى الْإِنْسَان من الْأكل وَالشرب والراحة الَّتِي يقوم بهَا بدنه لتَكون أعون على عبَادَة ربه.
قَوْله: ( ولأهلك حَقًا) يَعْنِي من النّظر لَهُم فِيمَا لَا بُد لَهُم من أُمُور الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، وَالْمرَاد من الْأَهْل الزَّوْجَة أَو أَعم من ذَلِك مِمَّن تلْزمهُ نَفَقَته، وَسَيَأْتِي فِي الصّيام زِيَادَة فِيهِ من وَجه آخر نَحْو قَوْله: ( وَإِن لعينك عَلَيْك حَقًا) .
وَفِي رِوَايَة: ( فَإِن لزورك عَلَيْك حَقًا) ، المُرَاد من الزُّور: الضَّيْف.
قَوْله: ( حَقًا) فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِالنّصب لِأَنَّهُ اسْم: ( إِن) ، وَخَبره مقدم عَلَيْهِ، وَهُوَ رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة كَرِيمَة بِالرَّفْع فيهمَا، وَوَجهه أَن يكون: ( حق) ، مَرْفُوعا على الِابْتِدَاء.
وَقَوله: ( لنَفسك) مقدما خَبره، وَالْجُمْلَة خبر إِن، وَاسم إِن ضمير الشَّأْن محذوفا، تَقْدِيره: إِن الشَّأْن لنَفسك حق، وَنَظِيره قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( إِن من أَشد النَّاس عذَابا يَوْم الْقيام المصورون) ، الأَصْل إِنَّه أَي: إِن الشَّأْن.
قَوْله: ( فَصم وَأفْطر) أَي: إِذا كَانَ الْأَمر كَذَلِك فَصم فِي بعض الْأَيَّام وَأفْطر فِي بَعْضهَا، وَكَانَ هَذَا إِشَارَة إِلَى صَوْم دَاوُد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: ( وقم) : بِضَم الْقَاف أَمر من: قَامَ بِاللَّيْلِ.
لأجل الْعِبَادَة أَي: فِي بعض اللَّيْل، أَو فِي بعض اللَّيَالِي.
قَوْله: ( ونم) ، بِفَتْح النُّون أَمر من النّوم أَي: فِي بعض اللَّيْل، وَهَذَا كُله أَمر ندب وإرشاد.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: جَوَاز تحديث الْمَرْء بِمَا عزم عَلَيْهِ من فعل الْخَيْر.
وَفِيه: تفقد الإِمَام أُمُور رَعيته كلياتها وجرئياتها، وتعليمهم مَا يصلحهم.
وَفِيه: تَعْلِيل الحكم لمن فِيهِ أَهْلِيَّة ذَلِك.
وَفِيه: أَن الأولى فِي الْعِبَادَات تَقْدِيم الْوَاجِبَات على المندوبات.
وَفِيه: أَن من تكلّف الزِّيَادَة وَتحمل الْمَشَقَّة على مَا طبع عَلَيْهِ يَقع لَهُ الْخلَل فِي الْغَالِب، وَرُبمَا يغلب ويعجز.
وَفِيه: الحض على مُلَازمَة الْعِبَادَة من غير تحمل الْمَشَقَّة المؤدية إِلَى التّرْك، لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ كراهيته التَّشْدِيد لعبد الله بن عَمْرو على نَفسه حض على الاقتصاد فِي الْعِبَادَة، كَأَنَّهُ قَالَ لَهُ: إجمع بَين المصلحتين فَلَا تتْرك حق الْعِبَادَة وَلَا الْمَنْدُوب بِالْكُلِّيَّةِ، وَلَا تضيع حق نَفسك وَأهْلك وزورك.