فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب فضل من تعار من الليل فصلى

(بابُُ فَضْلِ منْ تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّى)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان فضل من تعار، وتعار، بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَالْعين الْمُهْملَة وَبعد الْألف رَاء مُشَدّدَة، وَأَصله: تعارر، لِأَنَّهُ على وزن: تفَاعل، وَلما اجْتمعت الرآن ادغمت إِحْدَاهمَا فِي الْأُخْرَى.
.

     وَقَالَ  ابْن سَيّده: عر الظليم يعر عرارا، وعار معارة وعرارا: صَاح، والتعار: السهر والتقلب على الْفراش لَيْلًا مَعَ كَلَام.
وَفِي (الموعب) : يُقَال مِنْهُ: تعار يتعار، وَيُقَال: لَا يكون ذَلِك إلاَّ مَعَ كَلَام وَصَوت،.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: ظَاهر الحَدِيث أَن تعار: اسْتَيْقَظَ، لِأَنَّهُ قَالَ: (من تعار فَقَالَ) ، فعطف القَوْل بِالْفَاءِ على تعار، وَقيل: تعار تقلب فِي فرَاشه، وَلَا يكون إلاَّ يقظة مَعَ كَلَام يرفع بِهِ صَوته عِنْد انتباهه وتمطيه، وَقيل: الأنين عِنْد التمطي بأثر الانتباه، وَعَن ثَعْلَب: اخْتلف النَّاس فِي تعار، فَقَالَ قوم: انتبه،.

     وَقَالَ  قوم: تكلم،.

     وَقَالَ  قوم: علم،.

     وَقَالَ  بَعضهم: تمطى وَأَن.



[ قــ :1116 ... غــ :1154 ]
- حدَّثنا صَدَقَةُ بنُ الفَضْلِ قَالَ أخبرنَا الوَلِيدُ عنِ الأوزَاعِيِّ قَالَ حدَّثني عُمَيْرُ بنُ هانِىءٍ قَالَ حدَّثني جُنَادةُ بنُ أبِي أُمَيَّةَ قَالَ حدَّثني عُبَادَةُ بنُ الصَّامِتِ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ منْ تعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ فَقَالَ لَا إِلَه إلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ لَهُ المُلْكُ ولَهُ الحَمْدُ وَهْوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ الحَمْدُ لله وسُبْحَانَ الله وَلاَ إلاهَ إلاَّ الله وَالله أكْبَرُ ولاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إلاَّ بِالله ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي أوْ دَعَا اسْتُجِيبَ لَهُ فإنْ تَوَضَّأ قُبِلَتْ صَلاَتُهُ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، لِأَنَّهَا جُزْء مِنْهُ.
فَإِن قلت: لَيْسَ فِي الحَدِيث إِلَّا الْقبُول، والترجمة فِي فضل الصَّلَاة قلت: إِذا قبلت يثبت لَهَا الْفضل.

ذكر رِجَاله: وهم سِتَّة: الأول: صَدَقَة بن الْفضل أَبُو الْفضل الْمروزِي، مر فِي كتاب الْعلم.
الثَّانِي: الْوَلِيد بن مُسلم أَبُو الْعَبَّاس الْقرشِي الدِّمَشْقِي، مر فِي الصَّلَاة.
الثَّالِث: عبد الرَّحْمَن بن عَمْرو الْأَوْزَاعِيّ.
الرَّابِع: عُمَيْر، بِالتَّصْغِيرِ، ابْن هانىء، بالنُّون بَين الْألف والهمزة: الدِّمَشْقِي الْعَبْسِي، قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا عَليّ بن حجر، قَالَ: حَدثنَا مسلمة بن عَمْرو، قَالَ: كَانَ عُمَيْر بن هانىء يُصَلِّي كل يَوْم ألف سَجْدَة، ويسبح كل يَوْم مئة ألف تَسْبِيحَة، قتل سنة سبع وَعشْرين وَمِائَة.
الْخَامِس: جُنَادَة، بِضَم الْجِيم وَتَخْفِيف النُّون: ابْن أبي أُميَّة الْأَزْدِيّ ثمَّ الزهْرَانِي، وَيُقَال: الدوسي، أَبُو عبد الله الشَّامي، وَاسم أبي أُميَّة: كثير،.

     وَقَالَ  خَليفَة: إسمه مَالك، لَهُ ولأبيه صُحْبَة، وَيُقَال: لَا صُحْبَة لَهُ،.

     وَقَالَ  الْعجلِيّ: شَامي تَابِعِيّ ثِقَة من كبار التَّابِعين، سكن الْأُرْدُن.
قَالَ الْوَاقِدِيّ: مَاتَ سنة ثَمَانِينَ، وَكَذَا قَالَ خَليفَة.
السَّادِس: عبَادَة بن الصَّامِت، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وبصيغة الْإِفْرَاد فِي موضِعين.
وَفِيه: الْإِخْبَار بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَاحِد.
وَفِيه: القَوْل فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع.
وَفِيه: أَن رِجَاله كلهم شَامِيُّونَ، غير أَن شَيْخه مروزي.
وَفِيه: رِوَايَة الصَّحَابِيّ عَن الصَّحَابِيّ على قَول من يَقُول بِصُحْبَة جُنَادَة.
وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ على قَول من يَقُول: لَا صُحْبَة لجنادة.
وَفِيه: أَن شَيْخه من أَفْرَاده.

ذكر من أخرجه غَيره: أخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْأَدَب عَن عبد الرَّحْمَن بن إِبْرَاهِيم الدِّمَشْقِي.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة عَن مُحَمَّد بن مصفى.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الدَّعْوَات عَن مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز بن أبي رزمة.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الدُّعَاء عَن عبد الرَّحْمَن بن إِبْرَاهِيم الْمَذْكُور.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، لَهُ الْملك وَله الْحَمد وَهُوَ على كل شَيْء قدير) روى عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ فِيهِ: إِنَّه (خير مَا قلت أَنا والنبيون من قبلي) وروى عَنهُ أَبُو هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَنه قَالَ: (من قَالَ ذَلِك فِي يَوْم مائَة مرّة كَانَت لَهُ عدل عشر رِقَاب، وكتبت لَهُ مائَة حَسَنَة، ومحيت عَنهُ مائَة سَيِّئَة، وَكَانَت لَهُ حرْزا من الشَّيْطَان يَوْمه ذَلِك حَتَّى يُمْسِي وَلم يَأْتِ أحد بِأَفْضَل مِمَّا جَاءَ إلاَّ أحد عمل أَكثر من عمله ذَلِك) .
قَوْله: (الْحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَسُبْحَان الله) زَاد فِي رِوَايَة كَرِيمَة: (وَلَا إِلَه إِلَّا الله) ، وَكَذَا عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ، وَلم تخْتَلف الرِّوَايَات فِي البُخَارِيّ على تَقْدِيم الْحَمد على التَّسْبِيح، وَعند الْإِسْمَاعِيلِيّ على الْعَكْس، وَالظَّاهِر أَنه من تصرف الروَاة.
وَأخرج مَالك عَن سعيد بن الْمسيب أَنه قَالَ: (الْبَاقِيَات الصَّالِحَات) ، قَول العَبْد ذَلِك بِزِيَادَة: (لَا إِلَه إِلَّا الله) وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس: (هن) : (سُبْحَانَ الله، وَالْحَمْد لله، وَلَا إِلَه إِلَّا الله، وَالله أكبر) جعلهَا أَرْبعا.
قَوْله: (ثمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِر لي أَو دَعَا) كَذَا فِيهِ بِالشَّكِّ، وَيحْتَمل أَن تكون كلمة: أَو، للتنويع، وَلَكِن يعضد الْوَجْه الأول مَا عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ بِلَفْظ: (ثمَّ قَالَ: رب اغْفِر لي غفر لَهُ، أَو قَالَ: فَدَعَا اسْتُجِيبَ لَهُ) ، شكّ الْوَلِيد بن مُسلم.
قَوْله: (اسْتُجِيبَ لَهُ) كَذَا فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ بِزِيَادَة: لَهُ، وَلَيْسَ فِي رِوَايَة غَيره لفظ: لَهُ.
قَوْله: (فَإِن تَوَضَّأ قبل صلَاته تَقْدِيره فَإِن تَوَضَّأ وَصلى قبلت صلَاته، وَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَة أبي ذَر وَأبي الْوَقْت: (فَإِن تَوَضَّأ وَصلى) ، وَكَذَا عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ، وَزَاد فِي أَوله: (فَإِن هُوَ عزم فَقُمْ فَتَوَضَّأ وَصلى) ،.

     وَقَالَ  ابْن بطال: وعد الله تَعَالَى على لِسَان نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَن من اسْتَيْقَظَ من نَومه لهجا لِسَانه بتوحيد الله والإذعان لَهُ بِالْملكِ وَالِاعْتِرَاف بنعمته يحمده عَلَيْهَا وينزهه عَمَّا لَا يَلِيق بِهِ بتسبيحه والخضوع لَهُ بِالتَّكْبِيرِ وَالتَّسْلِيم لَهُ بِالْعَجزِ عَن الْقُدْرَة إِلَّا بعونه أَنه إِذا دَعَاهُ أَجَابَهُ، وَإِذا صلى قبلت صلَاته، فَيَنْبَغِي لمن بلغه هَذَا الحَدِيث أَن يغتنم بِهِ الْعَمَل ويخلص نِيَّته لرَبه تَعَالَى.





[ قــ :1117 ... غــ :1155 ]
- حدَّثنا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ قَالَ حدَّثنا اللَّيْثُ عنْ يُونُسَ عنِ ابنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبرنِي الهَيْثَمُ ابنُ أبي سِنَانٍ أَنه سَمِعَ أبَا هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ وَهْوَ يَقُصُّ فِي قَصَصِهِ وَهْوَ يَذْكُرُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إنَّ أخَا لَكُمْ لاَ يَقُولُ الرَّفَثَ يَعْنِي بِذالِكَ عَبْدَ الله بنَ رَوَاحَةَ
( وَفِينَا رَسُولُ الله يَتْلُو كِتَابَهُ ... إذَا انْشَقَّ مَعْرُوفٌ مِنَ الفَجْرِ ساطِعٌ)

( أرَانَا الهُداي بَعْدَ العَماى فَقُلُوبُنَا ... بِهِ مُوقِنَاتٌ أنَّ مَا قَالَ واقعُ)

( يَبِيتُ يُجَافِي جَنْبَهُ عنْ فِرَاشِهِ ... إذَا اسْتَثْقَلَتْ بِالمُشْرِكِينَ المَضَاجِعُ)

( الحَدِيث 5511 طرفه فِي: 1516) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله:
( ( يبيت يُجَافِي جنبه عَن فرَاشه) )

لِأَن مجافاة جنبه عَن الْفراش وَهُوَ إبعاده عَنهُ بِسَبَب التعار، وَكَانَ ذَلِك إِمَّا للصَّلَاة وَإِمَّا للذّكر وَقِرَاءَة الْقُرْآن.

ذكر رِجَاله: وهم سِتَّة: الأول: يحيى بن بكير هُوَ يحيى ابْن عبد الله بن بكير أَبُو زَكَرِيَّا.
الثَّانِي: اللَّيْث بن سعد.
الثَّالِث: يُونُس بن يزِيد.
الرَّابِع: مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ.
الْخَامِس: الْهَيْثَم، بِفَتْح الْهَاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَفِي آخِره مِيم: ابْن أبي سِنَان، بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة وبالنونين بَينهمَا ألف.
السَّادِس: أَبُو هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين.
وَفِيه: السماع.
وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين.
وَفِيه: أَن يحيى وَاللَّيْث مصريان وَيُونُس أيلي وَابْن شهَاب والهيثم مدنيان.
وَفِيه: أَن شَيْخه مَذْكُور بنسبته إِلَى جده.
وَفِيه: أَن الْهَيْثَم من أَفْرَاده.
وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْأَدَب عَن اصبغ بن الْفرج.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( وَهُوَ يقص) ، جملَة إسمية وَقعت حَالا، أَي: الْهَيْثَم سمع أَبَا هُرَيْرَة حَال كَونه يقص، من قصّ يقص قصا وقصصا، بِفَتْح الْقَاف، والقص فِي اللُّغَة: الْبَيَان، والقاص هُوَ الَّذِي يذكر الْأَخْبَار والحكايات.
قَوْله: ( فِي قصصه) ، بِكَسْر الْقَاف جمع: قصَّة، وَيجوز الْفَتْح، وَالْمعْنَى: سمع الْهَيْثَم أَبَا هُرَيْرَة وَهُوَ يقص فِي جملَة قصصه أَي: مواعظه، الَّتِي كَانَ يذكر بهَا أَصْحَابه، وَيتَعَلَّق الْجَار وَالْمَجْرُور بقوله: ( سمع) .
قَوْله: ( وَهُوَ يذكر) ، جملَة حَالية أَيْضا أَي: وَالْحَال أَن أَبَا هُرَيْرَة يذكر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: ( إِن أَخا لكم) الْقَائِل لهَذَا هُوَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَالْمعْنَى: أَن الْهَيْثَم سمع أَبَا هُرَيْرَة يَقُول وَهُوَ يعظ، وانجر كَلَامه إِلَى أَن ذكر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَذكر مَا قَالَه من قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( إِن أَخا لكم لَا يَقُول الرَّفَث) ، أَي: الْبَاطِل من القَوْل وَالْفُحْش، إِنَّمَا قَالَ ذَلِك حِين أنْشد عبد الرَّحْمَن بن رَوَاحَة الإبيات الْمَذْكُورَة، فَدلَّ ذَلِك أَن حسن الشّعْر مَحْمُود كحسن الْكَلَام، فَظهر من ذَلِك أَن قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( لِأَن يمتلىء جَوف أحدكُم قَيْحا حَتَّى يرِيه خير لَهُ من أَن يمتلىء شعرًا) إِنَّمَا يُرَاد بِهِ الشّعْر الَّذِي فِيهِ الْبَاطِل والهجو من القَوْل لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد نفى عَن ابْن رَوَاحَة بقوله هَذِه الأبيات قَول الرَّفَث، فَإِذا لم يكن من الرَّفَث فَهُوَ فِي حيّز الْحق، وَالْحق مَرْغُوب فِيهِ مأجور عَلَيْهِ صَاحبه،.

     وَقَالَ  بَعضهم لَيْسَ فِي سِيَاق الحَدِيث مَا يشْعر بِأَن ذَلِك من قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بل هُوَ ظَاهر أَنه كَلَام أبي هُرَيْرَة قلت: الَّذِي يسْتَخْرج المُرَاد من معنى التَّرْكِيب على وفْق مَا يَقْتَضِيهِ من حَيْثُ الْإِعْرَاب يعلم أَن الْقَائِل هُوَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأَبُو هُرَيْرَة ناقل لَهُ، وَأَنه مدح من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِابْنِ رَوَاحَة، وَبَيَان: أَن من الشّعْر مَا هُوَ حسن وَإِن كل الشّعْر لَيْسَ بمذموم.
قَوْله: ( يَعْنِي بذلك) يَعْنِي: يُرِيد بقوله: ( إِن أَخا لكم عبد الله ابْن رَوَاحَة) ، وَقَائِل هَذَا التَّفْسِير يحْتَمل أَن يكون الْهَيْثَم، وَيحْتَمل أَن يكون الزُّهْرِيّ، وَالْأول أوجه، وَعبد الله بن رَوَاحَة، بِفَتْح الرَّاء وَتَخْفِيف الْوَاو وَفتح الْحَاء الْمُهْملَة: ابْن ثَعْلَبَة بن امرىء الْقَيْس بن عَمْرو الْأنْصَارِيّ الخزرجي، من بني الْحَارِث، يكنى أَبَا مُحَمَّد، وَيُقَال: أَبَا رَوَاحَة، وَيُقَال: أَبَا عَمْرو، وَكَانَ بَقِيَّة بني الْحَارِث من الْخَزْرَج، شهد بَدْرًا وأحدا وَسَائِر الْمشَاهد مَعَ رَسُول لله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إلاَّ الْفَتْح وَمَا بعده لِأَنَّهُ قتل قبله، وَهُوَ أحد الْأُمَرَاء فِي غَزْوَة مُؤْتَة، وَكَانَ سنة ثَمَان من الْهِجْرَة، وَاسْتشْهدَ فِيهَا.
قَوْله: ( وَفينَا رَسُول الله.
.
)
إِلَى آخِره، بَيَان لما قَالَه عبد الله بن رَوَاحَة، وَالْمَذْكُور هُنَا ثَلَاثَة أَبْيَات، وَهِي من الطَّوِيل، وأجزاؤه ثَمَانِيَة: وَهِي: فعولن مفاعيلن.
.
إِلَى آخِره.
( وَفينَا) أَي: بَيْننَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: ( يَتْلُو كِتَابه) أَرَادَ بِهِ الْقُرْآن، وَالْجُمْلَة حَالية.
قَوْله: ( إِذا انْشَقَّ) ، كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة أبي الْوَقْت: ( كَمَا انْشَقَّ) .
قَوْله: ( مَعْرُوف) فَاعل ( انْشَقَّ) .
قَوْله: ( سَاطِع) صفة: لمعروف ( وَمن الْفجْر) بَيَان لَهُ، وَهُوَ من سَطَعَ الصُّبْح إِذا ارْتَفع، وَكَذَا سطعت الرَّائِحَة وَالْغُبَار، وَأَرَادَ بِهِ أَنه يَتْلُو كتاب الله وَقت انْشِقَاق الْوَقْت الساطع من الْفجْر.
قَوْله: ( الْهدى) مفعول ثَان.
( لأرانا) .
قَوْله: ( بعد الْعَمى) ، أَي: بعد الضَّلَالَة، وَلَفظ الْعَمى مستعار مِنْهَا.
قَوْله: ( بِهِ) أَي: بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: ( يُجَافِي) أَي: يباعد، وَهِي جملَة حَالية، ومجافاته جنبه عَن الْفراش كِنَايَة عَن صلَاته بِاللَّيْلِ.
قَوْله: ( إِذا استثقلت) أَي: حِين استثقلت بالمشركين ( الْمضَاجِع) جمع مَضْجَع، وَكَأَنَّهُ لمح بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { تَتَجَافَى جنُوبهم عَن الْمضَاجِع يدعونَ رَبهم خوفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفقُونَ} ( السَّجْدَة: 61) .
قَوْله: ( تَتَجَافَى) ( السَّجْدَة: 61) .
أَي: ترْتَفع وتتنحى { عَن الْمضَاجِع} ( السَّجْدَة: 61) .
عَن الْفرش ومواضع النّوم { يدعونَ رَبهم} ( السَّجْدَة: 61) .
أَي: داعين رَبهم عابدين لَهُ لأجل خوفهم من سخطه وطمعهم فِي رَحمته.
.

     وَقَالَ  ابْن عَبَّاس: { تَتَجَافَى جنُوبهم} ( السَّجْدَة: 61) .
لذكر الله كلما استيقظوا ذكرُوا الله إِمَّا فِي الصَّلَاة وَإِمَّا فِي قيام أَو قعُود وعَلى جنُوبهم فهم لَا يزالون يذكرُونَ الله، وَعَن مَالك بن دِينَار: سَأَلت أنسا عَن قَوْله تَعَالَى: { تَتَجَافَى جنُوبهم} ( السَّجْدَة:) .
فَقَالَ أنس: كَانَ أنَاس من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يصلونَ من صَلَاة الْمغرب إِلَى صَلَاة الْعشَاء الْآخِرَة، فَأنْزل الله تَعَالَى { تَتَجَافَى جنُوبهم عَن الْمضَاجِع} ( السَّجْدَة: 61) .
وَعَن أبي الدَّرْدَاء وَالضَّحَّاك أَنَّهَا صَلَاة الْعشَاء وَالصُّبْح فِي جمَاعَة.
قَوْله: { يُنْفقُونَ} ( السَّجْدَة: 61) .
أَي: يتصدقون، وَقيل: يزكون.

تابَعَهُ عُقَيْلٌ
أَي: تَابع يُونُس عقيل، بِضَم الْعين: ابْن خَالِد الْأَيْلِي، وَفِي رِوَايَة ابْن شهَاب: عَن الْهَيْثَم، وَرِوَايَة عقيل هَذِه أخرجهَا الطَّبَرَانِيّ فِي ( الْكَبِير) من طَرِيق سَلامَة بن روح عَن عَمه عقيل بن خَالِد عَن ابْن شهَاب، فَذكر مثل رِوَايَة يُونُس.

وَقَالَ الزُّبَيْدِيُّ أَخْبرنِي الزُّهْرِيُّ عنْ سَعِيدٍ وَالأعْرَجِ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ
الزبيدِيّ، بِضَم الزَّاي وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَكسر الدَّال الْمُهْملَة: هُوَ مُحَمَّد بن الْوَلِيد الْحِمصِي.
وَالزهْرِيّ: هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم.
وَسَعِيد هُوَ ابْن الْمسيب.
والأعرج هُوَ عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز.

وَأَشَارَ البُخَارِيّ بِهَذَا إِلَى أَن فِي الْإِسْنَاد الْمَذْكُور اخْتِلَافا عَن الزُّهْرِيّ فَإِن يُونُس وعقيلاً اتفقَا على أَن شيخ الزُّهْرِيّ فِيهِ هُوَ الْهَيْثَم ابْن أبي سِنَان وَخَالَفَهُمَا الزبيدِيّ حَيْثُ جعل شيخ الزُّهْرِيّ فِيهِ سعيد بن الْمسيب وَعبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز، فَالطَّرِيقَانِ صَحِيحَانِ، لِأَن كلهم حفاظ ثِقَات، وَلَكِن الطَّرِيق الأول أرجح لمتابعة عقيل ليونس، بِخِلَاف طَرِيق الزبيدِيّ.

قَوْله: ( وَقَالَ الزبيدِيّ) مُعَلّق، وَصله البُخَارِيّ فِي ( التَّارِيخ الصَّغِير) وَالطَّبَرَانِيّ فِي ( الْكَبِير) أَيْضا من طَرِيق عبد الله بن سَالم الْحِمصِي عَنهُ، وَلَفظه ( أَن أَبَا هُرَيْرَة كَانَ يَقُول فِي قصصه: إِن أَخَاكُم كَانَ يَقُول شعرًا لَيْسَ بالرفث، وَهُوَ عبد الله بن رَوَاحَة.
.
)
فَذكر الأبيات، قَالَ بَعضهم: هُوَ يبين أَن قَوْله فِي الرِّوَايَة الأولى من كَلَام أبي هُرَيْرَة مَوْقُوفا بِخِلَاف مَا جزم بِهِ ابْن بطال.
قلت: يحْتَمل أَن أَبَا هُرَيْرَة لما كَانَ فِي أثْنَاء وعظه أجْرى ذكر مَا قَالَه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مدح عبد الله بن رَوَاحَة، وَلكنه طوى إِسْنَاده إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَثِيرًا مَا كَانَت الصَّحَابَة يَفْعَلُونَ هَكَذَا، فَمثل هَذَا، وَإِن كَانَ مَوْقُوفا فِي الصُّورَة، فَفِي الْحَقِيقَة هُوَ مَوْصُول.





[ قــ :1118 ... غــ :1156 ]
- حدَّثنا أبُو النُّعْمَانِ قَالَ حدَّثنا حَمادُ بنُ زَيْدٍ عنْ أيُّوبَ عنْ نَافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ رَأيْتُ عَلَى عَهْدِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كأنَّ بِيَدِي قِطْعَةَ إسْتَبْرَقٍ فكأنِّي لَا أرِيدِ مَكانا مِنَ الجَنَّةِ إلاَّ طارَتْ إلَيْهِ وَرَأيْتُ كأنَّ اثنَيْنِ أتَيَانِي أرَادَا أنْ يَذْهَبَا بِي إلَى النَّارَ فتَلَقَّاهُمَا مَلَكٌ فقالَ لَمْ تُرَعْ خَلِّيَا عَنْهُ.
فقَصَّتْ حَفْصَةُ عَلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إحْدَى رُؤْيَايَ فَقالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ الله لَوْ كانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ.
وكانُ عبد الله رَضِي الله عَنهُ يُصَلِّي من اللَّيْل لاَ يَزَالُونَ يَقُصُّونَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الرُّؤيَا أنَّهَا فِي اللَّيْلَةِ السَّابِعَةِ مِنَ العَشْرِ الأوَاخِرِ فَقالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أرَى رُؤيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَتْ فِي العَشْرِ الأوَاخِرِ فَمَنْ كانَ مُتَحَرِّيهَا فَلْيَتَحَرَّهَا مِنَ العَشْرِ الأوَاخِرِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: ( فَكَانَ عبد الله يُصَلِّي من اللَّيْل) ، وَكَانَت صلَاته غَالِبا بعد أَن تعار من اللَّيْل، فَهَذَا عين التَّرْجَمَة.

وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، وَأَبُو النُّعْمَان مُحَمَّد بن الْفضل السدُوسِي وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّعْبِير عَن مُعلى بن أَسد عَن وهيب.
وَأخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن خلف بن هِشَام وَأبي الرّبيع الزهْرَانِي وَأبي كَامِل الجحدري، ثَلَاثَتهمْ عَن حَمَّاد، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي المناقب عَن أَحْمد بن منيع عَن إِسْمَاعِيل بن علية.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ وَفِي الرُّؤْيَا عَن مُحَمَّد بن يحيى عَن أَحْمد بن عبد الله وَعَن الْحَارِث بن عُمَيْر، أربعتهم عَنهُ بِهِ.
قَوْله: ( استبرق) ، بِفَتْح الْهمزَة، وَهُوَ الديباج الغليظ فَارسي مُعرب.
قَوْله: ( طارت إِلَيْهِ) وَفِي التَّعْبِير بِلَفْظ: ( إلاَّ طارت بِي إِلَيْهِ) ، قَوْله: ( كَأَن اثْنَيْنِ) ، بِكَسْر الْهمزَة وَسُكُون الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَفتح النُّون، ويروى: ( كَأَن آتيين) على صِيغَة اسْم الْفَاعِل للتثنية من الْإِتْيَان.
قَوْله: ( يذهبا بِي) من الإذهاب من بابُُ الإفعال، ويروى من الذّهاب مُتَعَدٍّ بِحرف الْجَرّ، وَالْفرق بَينهمَا أَنه لَا بُد فِي الثَّانِي من المصاحبة.
قَوْله: ( لم ترع) مَجْهُول مضارع الروع، أَي: لَا يكون بك خوف.
قَوْله: ( رُؤْيَايَ) اسْم جنس مُضَاف إِلَى يَاء الْمُتَكَلّم، ويروى مثنى مُضَاف إِلَيْهِ مدغم.
قَوْله: ( فَكَانَ عبد الله يُصَلِّي من اللَّيْل) كَلَام نَافِع.
قَوْله: ( وَكَانُوا) ، أَي: الصَّحَابَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.
قَوْله: ( إِنَّهَا) أَي: لَيْلَة الْقدر.
قَوْله: ( قد تواطت) هَكَذَا فِي جَمِيع النّسخ، وَأَصله مَهْمُوز أَي: تواطأت، على وزن: تفاعلت، لكنه سهل، وَفِي أصل الدمياطي: تواطأت، بِالْهَمْز وَمَعْنَاهُ: توافقت.
قَوْله: ( فليتحرها فِي الْعشْر الْأَوَاخِر) ، هَكَذَا رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: ( من الْعشْر الْأَوَاخِر) .