فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب ما يجوز من التسبيح والحمد في الصلاة للرجال

( بابُُ مَا يجوز من التَّسْبِيح وَالْحَمْد فِي الصَّلَاة للرِّجَال)
أَي هَذَا بابُُ فِي بَيَان مَا يجوز من قَول سُبْحَانَ الله وَقَول الْحَمد لله فِي أثْنَاء الصَّلَاة للرِّجَال إِذا نابهم شَيْء فِيهَا نَحْو مَا إِذا رأى الْمُصَلِّي أَن إِمَامه يفعل شَيْئا فِي غير مَحَله يَقُول سُبْحَانَ الله ليسمع الإِمَام ذَلِك وَيرجع إِلَى الصَّوَاب وَإِنَّمَا قيد ذَلِك بِالرِّجَالِ لِأَن النِّسَاء إِذا نابهن شَيْء فِي الصَّلَاة يصفقن لقَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " التَّسْبِيح للرِّجَال والتصفيق للنِّسَاء " على مَا يَأْتِي بعد بابُُ مُفردا وَيدخل فِي هَذَا مَا إِذا فتح على إِمَامه لَا تفْسد صلَاته

[ قــ :1158 ... غــ :1201]
- ( حَدثنَا عبد الله بن مسلمة قَالَ حَدثنَا عبد الْعَزِيز بن أبي حَازِم عَن أَبِيه عَن سهل رَضِي الله عَنهُ قَالَ خرج النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يصلح بَين بني عَمْرو بن عَوْف وحانت الصَّلَاة فجَاء بِلَال أَبَا بكر رَضِي الله عَنْهُمَا فَقَالَ حبس النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فتؤم النَّاس قَالَ نعم إِن شِئْتُم فَأَقَامَ بِلَال الصَّلَاة فَتقدم أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ فصلى فجَاء النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يمشي فِي الصُّفُوف يشقها شقا حَتَّى قَامَ فِي الصَّفّ الأول فَأخذ النَّاس بالتصفيح قَالَ سهل هَل تَدْرُونَ مَا التصفيح هُوَ التصفيق وَكَانَ أَبُو بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ لَا يلْتَفت فِي صلَاته فَلَمَّا أَكْثرُوا الْتفت فَإِذا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الصَّفّ فَأَشَارَ إِلَيْهِ مَكَانك فَرفع أَبُو بكر يَدَيْهِ فَحَمدَ الله ثمَّ رَجَعَ الْقَهْقَرَى وَرَاءه وَتقدم النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فصلى) مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَنه ذكر هَذَا الحَدِيث بِتَمَامِهِ فِي بابُُ من دخل ليؤم النَّاس فجَاء الإِمَام الأول وَفِيه " من نابه شَيْء فِي الصَّلَاة فليسبح فَإِنَّهُ إِذا سبح الْتفت إِلَيْهِ وَإِنَّمَا التصفيق للنِّسَاء " وَذكر هَذِه التَّرْجَمَة هَهُنَا على هَذَا الْوَجْه اكْتِفَاء بِمَا ذكر هُنَاكَ لِأَن الحَدِيث وَاحِد على أَنه ذكره فِي سَبْعَة مَوَاضِع مترجما فِي كل مَوضِع بِمَا يُنَاسِبه وَقد ذَكرْنَاهُ هُنَاكَ مستقصى وَالشَّارِح هَهُنَا على قسمَيْنِ مِنْهُم من لم يتَعَرَّض قطّ لوجه هَذِه التَّرْجَمَة وَلَا لوجه مناسبتها للْحَدِيث مِنْهُم صَاحب التَّلْوِيح والتوضيح وَمِنْهُم من ذكر شَيْئا لَا يُسَاوِي سَمَاعه مِنْهُم الْكرْمَانِي فَإِنَّهُ قَالَ ( فَإِن قلت) ذكر فِي التَّرْجَمَة لفظ التَّسْبِيح والْحَدِيث لَا يدل عَلَيْهِ ( قلت) علم من الْحَمد بِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ إِلَى آخِره وَلم يذكر شَيْئا تَحْتَهُ طائل وَمِنْهُم من قَالَ أَرَادَ إِلْحَاق التَّسْبِيح بِالْحَمْد لجامع الذّكر لِأَن الَّذِي فِي الحَدِيث الَّذِي سَاقه ذكر التَّحْمِيد دون التَّسْبِيح وَاعْتَرضهُ بَعضهم.

     وَقَالَ  بل الحَدِيث مُشْتَمل عَلَيْهِمَا لكنه سَاقه هُنَا مُخْتَصرا وَقد تقدم فِي بابُُ من دخل ليؤم النَّاس فِي أَبْوَاب الْإِمَامَة انْتهى ( قلت) هَؤُلَاءِ كَأَنَّهُمْ فَهموا أَن المُرَاد من التَّرْجَمَة جَوَاز التَّسْبِيح وَالْحَمْد فِي الصَّلَاة مُطلقًا وَلَيْسَ كَذَلِك فَإِن مُرَاده الْإِتْيَان بِلَفْظ التَّسْبِيح لمن نابه شَيْء وَهُوَ فِي الصَّلَاة بِدَلِيل قَيده للرِّجَال فَإِنَّهُ ترْجم هَهُنَا بقوله بابُُ مَا يجوز إِلَى آخِره وَفِيه قيد بقوله للرِّجَال ثمَّ ترْجم للنِّسَاء بِبابُُ آخر وَهُوَ قَوْله بابُُ التصفيق للنِّسَاء وَلَو كَانَ مُرَاده من التَّرْجَمَة الْإِطْلَاق فِي ذَلِك لما قَيده بقوله للرِّجَال فَإِن التَّسْبِيح وَالْحَمْد وَنَحْوهمَا لأمر نابه فِي الصَّلَاة يجوز للرِّجَال وَالنِّسَاء مَا لم يَقع جَوَابا لشَيْء آخر وَأما قَوْله فِي التَّرْجَمَة وَالْحَمْد فللتنبيه على أَن الَّذِي ينوبه شَيْء وَهُوَ فِي الصَّلَاة إِذا حمد الله عوض سُبْحَانَ الله فَإِنَّهُ يجوز لِأَن الْغَرَض من ذَلِك التَّنْبِيه على عرُوض أَمر لَا مُجَرّد التَّسْبِيح وَالْحَمْد لِأَن مُجَرّد التَّسْبِيح وَالْحَمْد وَنَحْوهمَا لَا يضر صَلَاة الْمُصَلِّي إِذا لم يَقع جَوَابا.

     وَقَالَ  صَاحب التَّوْضِيح وَفِيه يَعْنِي فِي هَذَا الحَدِيث أَن التَّسْبِيح جَائِز للرِّجَال وَالنِّسَاء عِنْدَمَا ينزل بهم من حَاجَة إِلَّا يرى أَن النَّاس أَكْثرُوا بالتصفيق لأبي بكر ليتأخر للنَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَبِهَذَا قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ أَن من سبح فِي صلَاته لشَيْء ينوبه أَو أَشَارَ إِلَى إِنْسَان فَإِنَّهُ لَا يقطع صلَاته وَخَالف فِي ذَلِك أَبُو حنيفَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ ( قلت) لَا نسلم أَن أَبَا حنيفَة خَالف فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي خَالف فَإِن مَذْهَب أبي حنيفَة أَنه إِذا سبح أَو حمد جَوَابا لإِنْسَان فَإِنَّهُ يقطع لِأَنَّهُ يكون كلَاما وَأما إِذا وَقع شَيْء من ذَلِك لغير جَوَاب فَلَا يضر ذَلِك لِأَن الصَّلَاة هِيَ التَّسْبِيح وَالتَّكْبِير وَقِرَاءَة الْقُرْآن كَمَا ثَبت ذَلِك فِي الصَّحِيح ثمَّ أَنهم فَهموا أَن حمد أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَهُوَ فِي الصَّلَاة إِنَّمَا كَانَ لأمر نابه وَهُوَ فِي الصَّلَاة وَلَيْسَ كَذَلِك فَإِنَّهُ حمد الله على مَا أَمر بِهِ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَقد صرح بِهِ فِي الحَدِيث فِي بابُُ من دخل ليؤم النَّاس حَيْثُ قَالَ فَلَمَّا أَكثر النَّاس التصفيق فَرَأى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَأَشَارَ إِلَيْهِ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن امْكُث مَكَانك فَرفع أَبُو بكر يَدَيْهِ فَحَمدَ الله على مَا أمره رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من ذَلِك على أَن ابْن الْجَوْزِيّ ادّعى أَنه أَشَارَ بالشكر وَالْحَمْد بِيَدِهِ وَلم يتَكَلَّم ثمَّ إِن البُخَارِيّ روى حَدِيث هَذَا الْبابُُ عَن عبد الله بن مسلمة بِفَتْح الْمِيم وَاللَّام ابْن قعنب التَّيْمِيّ الْحَارِثِيّ وَقد تقدم غير مرّة عَن عبد الْعَزِيز بن أبي حَازِم وَاسم أبي حَازِم بالزاي سَلمَة بن دِينَار الْمَدِينِيّ عَن أَبِيه سَلمَة عَن سهل بن سعد السَّاعِدِيّ الْأنْصَارِيّ وَأخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك عَن أبي حَازِم بن دِينَار عَن سهل بن سعد وَقد تكلمنا هُنَاكَ على مَا يتَعَلَّق بِهِ من الْأَنْوَاع فلنذكر هُنَا مَا هُوَ المهم وَإِن وَقع فِيهِ بعض التّكْرَار فَإِنَّهُ لَا يضر لبعد الْمسَافَة قَوْله " يصلح " حَال منتظرة قَوْله " وحانت الصَّلَاة " أَي حضرت وحلت قَوْله " حبس النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أَي تَأَخّر هُنَاكَ لأجل الصُّلْح قَوْله " يمشي " حَال أَيْضا وَكَذَلِكَ قَوْله " يشقها " أَي حَال يشق الصُّفُوف قَوْله " فَقَالَ سهل " وَهُوَ سهل بن سعد الْمَذْكُور قَوْله " هُوَ التصفيق " تَفْسِير لقَوْله " مَا التصفيح وَاحْتج بِهِ بَعضهم على أَن التصفيح والتصفيق بِمَعْنى وَاحِد وَبِه صرح الْخطابِيّ والجوهري وَأَبُو عَليّ القالي وَآخَرُونَ حَتَّى ادّعى ابْن حزم نفي الْخلاف فِي ذَلِك وَلَيْسَ كَذَلِك فَإِن القَاضِي عِيَاض حكى أَنه بِالْحَاء الضَّرْب بِظَاهِر إِحْدَى الْيَدَيْنِ على الْأُخْرَى وبالقاف بباطنها على بَاطِن الْأُخْرَى وَقيل بِالْحَاء الضَّرْب بأصبعين للإنذار والتنبيه وبالقاف بجميعها للهو واللعب وَأغْرب الدَّاودِيّ فَزعم أَن الصَّحَابَة ضربوا بأكفهم على أَفْخَاذهم قَالَ القَاضِي عِيَاض كَأَنَّهُ أَخذه من حَدِيث مُعَاوِيَة بن الحكم الَّذِي أخرجه مُسلم فَفِيهِ " وَجعلُوا يضْربُونَ بِأَيْدِيهِم على أَفْخَاذهم "