فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب مسح الحصا في الصلاة

( بابُُ مسح الْحَصَا فِي الصَّلَاة)
أَي هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم مسح الْحَصَاة فِي الصَّلَاة وَفِي بعض النّسخ مسح الْحَصَى وَلم يبين فِي التَّرْجَمَة حكمه هَل هُوَ مُبَاح أَو مَكْرُوه أَو غير جَائِز للِاخْتِلَاف الْوَاقِع فِيهِ

[ قــ :1163 ... غــ :1207]
- ( حَدثنَا أَبُو نعيم قَالَ حَدثنَا شَيبَان عَن يحيى عَن أبي سَلمَة قَالَ حَدثنِي معيقيب أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ فِي الرجل يُسَوِّي التُّرَاب حَيْثُ يسْجد قَالَ إِن كنت فَاعِلا فَوَاحِدَة) قيل لَا مُطَابقَة بَين الحَدِيث والترجمة لِأَن الْمَذْكُور فِي الحَدِيث التُّرَاب وَفِي التَّرْجَمَة الْحَصَى ( قلت) قَالَ الْكرْمَانِي الْغَالِب فِي التُّرَاب الْحَصَى فَيلْزم من تَسْوِيَة التُّرَاب مسح الْحَصَى ( قلت) فِيهِ نظر لِأَن الْحَصَى رُبمَا تكون غريقة فِي التُّرَاب عِنْد كَونهَا فِيهِ فَلَا يَقع عَلَيْهَا الْمسْح وَقيل ترْجم بالحصى وَفِي الحَدِيث التُّرَاب لينبه على إِلْحَاق الْحَصَى بِالتُّرَابِ فِي الِاقْتِصَار على التَّسْوِيَة مرّة وَقيل أَشَارَ بذلك إِلَى مَا ورد فِي بعض طرقه بِلَفْظ الْحَصَى كَمَا أخرجه مُسلم من طَرِيق وَكِيع عَن هِشَام الدستوَائي عَن يحيى بن أبي كثير عَن أبي سَلمَة " عَن معيقيب قَالَ ذكر النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْمسْح فِي الْمَسْجِد يَعْنِي الْحَصَى قَالَ إِن كنت لَا بُد فَاعِلا فَوَاحِدَة " وَفِي لفظ لَهُ فِي الرجل يُسَوِّي التُّرَاب حَيْثُ يسْجد قَالَ " إِن كنت فَاعِلا فَوَاحِدَة " وَقيل لما كَانَ فِي الحَدِيث يَعْنِي وَلَا يدْرِي أَهِي قَول الصَّحَابِيّ أَو غَيره عدل البُخَارِيّ إِلَى ذكر الرِّوَايَة الَّتِي فِيهَا التُّرَاب ( قلت) الْأَوْجه أَن يُقَال جَاءَ فِي الحَدِيث لفظ الْحَصَى وَلَفظ التُّرَاب فَأَشَارَ بالترجمة إِلَى الْحَصَى وَبِالْحَدِيثِ إِلَى التُّرَاب ليشْمل الِاثْنَيْنِ ( ذكر رِجَاله) وهم خَمْسَة.
الأول أَبُو نعيم بِضَم النُّون الْفضل بن دُكَيْن.
الثَّانِي شَيبَان بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة ابْن عبد الرَّحْمَن.
الثَّالِث يحيى بن أبي كثير.
الرَّابِع أَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف.
الْخَامِس معيقب بِضَم الْمِيم وَفتح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَكسر الْقَاف بعْدهَا بَاء مُوَحدَة ابْن أبي فَاطِمَة الدوسي حَلِيف بني عبد شمس أسلم قَدِيما كَانَ على خَاتم رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَاسْتَعْملهُ الشَّيْخَانِ على بَيت المَال وأصابه الجذام فَجمع لَهُ عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ الْأَطِبَّاء فعالجوه فَوقف الْمَرَض وَهُوَ الَّذِي سقط من يَده خَاتم النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَيَّام عُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي بِئْر أريس فَلم يُوجد فمذ سقط الْخَاتم اخْتلفت الْكَلِمَة وَتُوفِّي فِي آخر خلَافَة عُثْمَان وَقيل توفّي فِي سنة أَرْبَعِينَ فِي خلَافَة عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ ( ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع وَفِيه العنعنة فِي موضِعين وَفِيه أَن شَيْخه كُوفِي وشيبان بَصرِي سكن الْكُوفَة وَيحيى يمامي وَأَبُو سَلمَة مدنِي وَفِيه أَن معيقيبا لَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ إِلَّا هَذَا الحَدِيث فَقَط.

     وَقَالَ  ابْن التِّين وَلَيْسَ فِي الصَّحَابَة أحد أَجْذم غَيره ( ذكر من أخرجه غَيره) أخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن أبي مُوسَى عَن يحيى الْقطَّان وَعَن أبي بكر أبي وَكِيع وَعَن عبيد الله بن عمر القواريري وَعَن أبي بكر عَن الْحسن بن مُوسَى عَن شَيبَان بِهِ وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم عَن هِشَام وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن الْحسن بن الحريث وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن سُوَيْد بن نصر وَأخرجه ابْن ماجة فِيهِ عَن دُحَيْم وَمُحَمّد بن الصَّباح ( ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " عَن أبي سَلمَة " وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ من طَرِيق الْأَوْزَاعِيّ عَن يحيى حَدثنِي أَبُو سَلمَة قَوْله " فِي الرجل " أَي فِي شَأْن الرجل وَذكر الرجل لِأَنَّهُ الْغَالِب وَإِلَّا فَالْحكم جَار فِي الذّكر وَالْأُنْثَى من الْمُكَلّفين قَوْله " يُسَوِّي التُّرَاب " جملَة حَالية من الرجل قَوْله " حَيْثُ يسْجد " يَعْنِي فِي الْمَكَان الَّذِي يسْجد فِيهِ قَوْله " قَالَ " أَي الرَّسُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَوْله " إِن كنت فَاعِلا " أَي مسويا للتراب وَلَفظ الْفِعْل أَعم الْأَفْعَال وَلِهَذَا اسْتعْمل لفظ فاعلون فِي مَوضِع مؤدون فِي قَوْله تَعَالَى { وَالَّذين هم لِلزَّكَاةِ فاعلون} قَوْله " فَوَاحِدَة " بِالنّصب على إِضْمَار الناصب تَقْدِيره فامسح وَاحِدَة وَيجوز أَن تكون مَنْصُوبَة على أَنَّهَا صفة لمصدر مَحْذُوف وَالتَّقْدِير إِن كنت فَاعِلا فافعل فعلة وَاحِدَة يَعْنِي مرّة وَاحِدَة وَكَذَا فِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ " إِن كنت فَاعِلا فَمرَّة وَاحِدَة " وَيجوز رَفعهَا على الِابْتِدَاء وَخَبره مَحْذُوف أَي ففعلة وَاحِدَة تَكْفِي وَيجوز أَن تكون خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي الْمَشْرُوع فعلة وَاحِدَة ( ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ) فِيهِ الرُّخْصَة بمسح الْحَصَى فِي الصَّلَاة مرّة وَاحِدَة وَمِمَّنْ رخص بِهِ فِيهَا أَبُو ذَر وَأَبُو هُرَيْرَة وَحُذَيْفَة وَكَانَ ابْن مَسْعُود وَابْن عمر يفعلانه فِي الصَّلَاة وَبِه قَالَ من التَّابِعين إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَأَبُو صَالح وَحكى الْخطابِيّ فِي المعالم كَرَاهَته عَن كثير من الْعلمَاء وَمِمَّنْ كرهه من الصَّحَابَة عمر بن الْخطاب وَجَابِر وَمن التَّابِعين الْحسن الْبَصْرِيّ وَجُمْهُور الْعلمَاء بعدهمْ وَحكى النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم اتِّفَاق الْعلمَاء على كَرَاهَته لِأَنَّهُ يُنَافِي التَّوَاضُع وَلِأَنَّهُ يشغل الْمُصَلِّي ( قلت) فِي حكايته الِاتِّفَاق نظر فَإِن مَالِكًا لم ير بِهِ بَأْسا وَكَانَ يَفْعَله فِي الصَّلَاة وَفِي التَّلْوِيح رُوِيَ عَن جمَاعَة من السّلف أَنهم كَانُوا يمسحون الْحَصَى لموْضِع سجودهم مرّة وَاحِدَة وكرهوا مَا زَاد عَلَيْهَا وَذهب أهل الظَّاهِر إِلَى تَحْرِيم مَا زَاد على الْمرة الْوَاحِدَة.

     وَقَالَ  ابْن حزم فرض عَلَيْهِ أَن لَا يمسح الْحَصَى وَمَا يسْجد عَلَيْهِ إِلَّا مرّة وَاحِدَة وَتركهَا أفضل لَكِن يُسَوِّي مَوضِع سُجُوده قبل دُخُوله فِي الصَّلَاة وَأخرجه التِّرْمِذِيّ عَن أبي ذَر عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ " إِذا قَامَ أحدكُم إِلَى الصَّلَاة فَلَا يمسح الْحَصَى فَإِن الرَّحْمَة تواجهه " وَرَوَاهُ أَيْضا بَقِيَّة الْأَرْبَعَة.

     وَقَالَ  التِّرْمِذِيّ حَدِيث أبي ذَر حَدِيث حسن وتعليل النَّهْي عَن مسح الْحَصَى بِكَوْن الرَّحْمَة تواجهه يدل على أَن النَّهْي حكمته أَن لَا يشْتَغل خاطره بِشَيْء يلهيه عَن الرَّحْمَة المواجهة لَهُ فيفوته حَظه وَفِي معنى مسح الْحَصَى مسح الْجَبْهَة من التُّرَاب والطين والحصى فِي الصَّلَاة وَرَوَاهُ ابْن أبي شيبَة فِي مُصَنفه عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ " مَا أحب أَن لي حمر النعم وَأَنِّي مسحت مَكَان جبيني من الْحَصَى إِلَّا أَن يغلبني فامسح مسحة " وَفِي حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ الْمُتَّفق عَلَيْهِ " أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - انْصَرف عَن الصَّلَاة وعَلى جَبهته أثر المَاء والطين من صَبِيحَة إِحْدَى وَعشْرين " قَالَ القَاضِي عِيَاض وَكره السّلف مسح الْجَبْهَة فِي الصَّلَاة وَقبل الِانْصِرَاف يَعْنِي من الْمَسْجِد مِمَّا يتَعَلَّق بهَا من تُرَاب وَنَحْوه وَحكى ابْن عبد الْبر عَن سعيد بن جُبَير وَالشعْبِيّ وَالْحسن الْبَصْرِيّ أَنهم كَانُوا يكْرهُونَ أَن يمسح الرجل جَبهته قبل أَن ينْصَرف وَيَقُولُونَ هُوَ من الْجفَاء.

     وَقَالَ  ابْن مَسْعُود أَربع من الْجفَاء أَن تصلي إِلَى غير ستْرَة أَو تمسح جبهتك قبل أَن تَنْصَرِف أَو تبول قَائِما أَو تسمع الْمُنَادِي ثمَّ لَا تجيبه