فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب إثم مانع الزكاة

( بابُُ إثْمِ مانِعِ الزَّكَاةِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان إِثْم من منع زَكَاته، وروى الطَّبَرَانِيّ فِي ( المعجم الصَّغِير) من رِوَايَة سعد بن سِنَان عَن أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( مَانع الزَّكَاة يَوْم الْقِيَامَة فِي النَّار) ، وَسعد ضعفه النَّسَائِيّ، وَعَن أَحْمد أَنه ثِقَة، وروى النَّسَائِيّ من رِوَايَة الْحَارِث الْأَعْوَر عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ( لعن آكل الرِّبَا وموكله وكاتبه ومانع الصَّدَقَة) .

وَقَوْلُ الله تعَالى: { وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالفِضَّةَ ولاَ يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ الله فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ ألِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هاذا مَا كَنَزْتُمْ لأِنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} ( التَّوْبَة: 43، 53) .


وَقَول الله، بِالْجَرِّ عطفا على مَا قبله، وَالتَّقْدِير: وَفِي بَيَان قَول الله، عز وَجل، والمطابقة بَين التَّرْجَمَة وَالْآيَة أَن الْآيَة أَيْضا فِي بَيَان إِثْم مَانع الزَّكَاة، نزلت هَذِه الْآيَة فِي عَامَّة أهل الْكتاب وَالْمُسْلِمين، وَقيل: بل خَاصَّة بِأَهْل الْكتاب، وَقيل: بل هُوَ كَلَام مُسْتَأْنف فِي حق من لَا يُزكي من هَذِه الْأمة، قَالَه ابْن عَبَّاس وَالسُّديّ، وَأكْثر الْمُفَسّرين، وَسَيَجِيءُ فِي تَفْسِير هَذِه عَن البُخَارِيّ: حَدثنَا قُتَيْبَة حَدثنَا جرير عَن حُصَيْن عَن زيد بن وهب، قَالَ: مَرَرْت على أبي ذَر بالربذة فَقلت: مَا أنزلك هَذِه الأَرْض؟ فَقَالَ: كُنَّا بِالشَّام فَقَرَأت: { وَالَّذين يكنزون الذَّهَب وَالْفِضَّة} ( التَّوْبَة: 43) .
الْآيَة، فَقَالَ مُعَاوِيَة: مَا هَذَا فِينَا، مَا هَذَا إلاَّ فِي أهل الْكتاب.
قَالَ: قلت: إِنَّهَا لفينا وَفِيهِمْ، وَرَوَاهُ ابْن جرير، وَزَاد، فارتفع فِي ذَلِك القَوْل بيني وَبَينه، فَكتب إِلَى عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، يشكوني، فَكتب إِلَيّ عُثْمَان: أَن أقبل إِلَيْهِ.
قَالَ: فَأَقْبَلت، فَلَمَّا قدمت الْمَدِينَة ركبني النَّاس كَأَنَّهُمْ لم يروني يَوْمئِذٍ، فشكوت ذَلِك إِلَى عُثْمَان، فَقَالَ لي: تَنَح قَرِيبا.
فَقلت: وَالله لن أدع مَا كنت أَقُول.
وَكَانَ من مَذْهَب أبي ذَر تَحْرِيم إدخار مَا زَاد على نَفَقَة الْعِيَال، وَكَانَ يُفْتِي النَّاس بذلك ويحثهم عَلَيْهِ وَيَأْمُرهُمْ بِهِ ويغلظ فِي خِلَافه، فَنَهَاهُ مُعَاوِيَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَلم ينْتَه فخشي أَن يضرّهُ النَّاس فِي هَذَا، فَكتب يشكوه إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ عُثْمَان، وَأَن يأخذوه إِلَيْهِ، فاستقدمه عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، إِلَى الْمَدِينَة وأنزله بالربذة وَحده، وَبهَا مَاتَ فِي خلَافَة عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
قَوْله: { وَالَّذين يكنزون} ( التَّوْبَة: 43) .
قَالَ ابْن سَيّده: الْكَنْز اسْم لِلْمَالِ، وَلما يحرز فِيهِ، وَجمعه: كنوز، كنزه يكنزه كنزا واكتنزه، وكنز الشَّيْء فِي الْوِعَاء أَو الأَرْض يكنزه كنزا: غمزه فِي يَده.
وَفِي ( المغيث) : الْكَنْز اسْم لِلْمَالِ المدفون.
وَقيل: هُوَ الَّذِي لَا يدرى من كنزه،.

     وَقَالَ  الطَّبَرِيّ: هُوَ كل شَيْء مَجْمُوع بعضه إِلَى بعض فِي بطن الأَرْض كَانَ أَو ظهرهَا.
.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ: أَصله الضَّم وَالْجمع وَلَا يخْتَص ذَلِك بِالذَّهَب وَالْفِضَّة، أَلا يرى إِلَى قَوْله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( أَلا أخْبركُم بِخَير مَا يكنزه الْمَرْء؟ الْمَرْأَة الصَّالِحَة) .
أَي: يضمه لنَفسِهِ ويجمعه، وَاعْلَم أَن الْكَنْز الْمُسْتَحق عَلَيْهِ الْوَعيد كل مَال لم تُؤَد زَكَاته، وكل مَال أدّيت زَكَاته فَلَيْسَ بكنز، وَإِن كَانَ تَحت سبع أَرضين رَوَاهُ نَافِع عَن ابْن عمر، وروى نَحوه عَن ابْن عَبَّاس وَجَابِر وَأبي هُرَيْرَة مَوْقُوفا وَمَرْفُوعًا، وَعَن عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَي مَال أدّيت زَكَاته فَلَيْسَ بكنز، وَإِن كَانَ مَدْفُونا فِي الأَرْض، وَأي مَال لم تُؤَد زَكَاته فَهُوَ كنز يكوي بِهِ صَاحبه وَإِن كَانَ على وَجه الأَرْض.
.

     وَقَالَ  الثَّوْريّ عَن أبي حُصَيْن عَن أبي الضُّحَى عَن جعدة بن هُبَيْرَة عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: أَرْبَعَة آلَاف فَمَا دونهَا نَفَقَة فَمَا كَانَ أَكثر من ذَلِك فَهُوَ كنز، وَهَذَا غَرِيب.
وَقيل: هُوَ مَا فضل من المَال عَن حَاجَة صَاحبه إِلَيْهِ.
قَوْله: ( الذَّهَب وَالْفِضَّة) سمي الذَّهَب ذَهَبا لِأَنَّهُ يذهب وَلَا يبْقى، وَسميت الْفضة فضَّة لِأَنَّهَا تنفض أَي تَنْصَرِف، وحسبك دلَالَة على فنائهما.
قَوْله: { وَلَا يُنْفِقُونَهَا} ( التَّوْبَة: 43) .
قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: فَإِن قلت: لِمَ قيل: وَلَا يُنْفِقُونَهَا، وَقد ذكر شَيْئَانِ؟ قلت: ذَهَابًا بالضمير إِلَى الْمَعْنى دون اللَّفْظ، لِأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا جملَة وافية، وعدة كَثِيرَة ودنانير ودراهم.
وَقيل: ذهب بِهِ إِلَى الْكُنُوز، وَقيل: إِلَى الْأَمْوَال، وَقيل: مَعْنَاهُ وَلَا يُنْفِقُونَهَا وَالذَّهَب.
فَإِن قلت: لم خصا بِالذكر من بَين سَائِر الْأَمْوَال؟ قلت: لِأَنَّهُمَا قانون التمول وأثمان الْأَشْيَاء وَلَا يكنزهما إلاَّ من فضلا عَن حَاجته.
قَوْله: { يَوْم يحمى عَلَيْهَا} ( التَّوْبَة: 53) .
أَي: أذكر وَقت تدخل النَّار فيوقد عَلَيْهَا يَعْنِي أَن النَّار تحمى عَلَيْهَا فَلَمَّا حذفت النَّار قيل يحمى لانتقال اسناد الْفِعْل إِلَى عَلَيْهَا قَوْله: ( فتكوى بهَا) الكي: إلصاق الْحَار من الْحَدِيد أَو النَّار بالعضو حَتَّى يَحْتَرِق الْجلد.
قَوْله: ( جباههم) جمع جبهة، وَهِي مَا بَين الحاجبين إِلَى الناصية، والجنوب جمع جنب، والظهور جمع ظهر، خصت هَذِه الْمَوَاضِع دون غَيرهَا من الْبدن لِأَنَّهَا مجوفة يصل الْحر إِلَيْهَا بِسُرْعَة، وَيُقَال لِأَن الْغَنِيّ إِذا أقبل عَلَيْهِ الْفَقِير قبض جَبهته وزوى مَا بَين عَيْنَيْهِ وطوى كشحه، وَلِأَن الكي فِي الْوَجْه أبشع وَأشهر، وَفِي الظّهْر وَالْجنب آلم وأوجع، وَقيل: إِنَّمَا خص هَذِه الْمَوَاضِع ليَقَع ذَلِك على الْجِهَات الْأَرْبَع، وَيُقَال: إِذا جَاءَ الْفَقِير إِلَى الْغَنِيّ يواجهه بِوَجْهِهِ فيولي عَنهُ وَجهه ويلتفت إِلَى جنبه، ثمَّ يَدُور الْفَقِير فَيَجِيء إِلَى نَاحيَة حنبه ويلتفت الْغَنِيّ ويولي إِلَى ظَهره، فيجازى على هَذَا الْوَجْه، وَذكر مكي عَن عمر بن عبد الْعَزِيز وعراك بن مَالك أَن هَذِه الْآيَة مَنْسُوخَة بقوله تَعَالَى: { خُذ من أَمْوَالهم صَدَقَة} وَفِي الاستذكار روى الثَّوْريّ عَن ابْن انْعمْ عَن عمَارَة بن رَاشد قَرَأَ عمر رَضِي الله عَنهُ { وَالَّذين يكنزون} ( التَّوْبَة: 301) .
فَقَالَ مَا أَرَاهَا إلاَّ مَنْسُوخَة بقوله: { خُذ من أَمْوَالهم} ( التَّوْبَة: 301) .
.

     وَقَالَ  ابْن أبي حَاتِم: حَدثنَا أبي حَدثنَا حميد بن مَالك حَدثنَا يحيى بن يعلى الْمحَاربي حَدثنَا أبي حَدثنَا غيلَان بن جَامع الْمحَاربي عَن عُثْمَان بن أبي الْيَقظَان عَن جَعْفَر بن أياس عَن مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس: قَالَ: لما نزلت هَذِه الْآيَة: { وَالَّذين يكنزون الذَّهَب وَالْفِضَّة.
.
}
( التَّوْبَة: 43) .
الْآيَة، كبر ذَلِك على الْمُسلمين، وَقَالُوا: مَا يَسْتَطِيع أحد منا لوَلَده مَالا يبْقى بعده، فَقَالَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: أَنا أفرج عَنْكُم، فَانْطَلق عمر وَاتبعهُ ثَوْبَان، فَأتى النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: يَا نَبِي الله إِنَّه قد كبر على أَصْحَابك هَذِه الْآيَة، فَقَالَ نَبِي الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( إِن الله لم يفْرض الزَّكَاة إلاَّ ليطيب بهَا مَا بَقِي من أَمْوَالكُم، وَإِنَّمَا فرض الْمَوَارِيث من أَمْوَال تبقى بعدكم، قَالَ: فَكبر عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، ثمَّ قَالَ لَهُ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَلا أخْبرك بِخَير مَا يكنز الْمَرْء: الْمَرْأَة الصَّالِحَة الَّتِي إِذا نظر إِلَيْهِ سرت، وَإِذا أمرهَا أَطَاعَته، وَإِذا غَابَ عَنْهَا حفظته) .
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن مرْدَوَيْه من حَدِيث يعلى بن يعلى بِهِ، وَأخرجه الْحَاكِم،.

     وَقَالَ : صَحِيح على شَرطهمَا وَلم يخرجَاهُ.
.

     وَقَالَ  أَبُو الْحسن بن الْحصار فِي كِتَابه ( النَّاسِخ والمنسوخ) : أَرَادَ من قَالَ بالنسخ أَن جمع المَال كَانَ محرما فِي أول الْإِسْلَام، فَلَمَّا فرضت الزَّكَاة جَازَ جمعه، وَاسْتدلَّ أَبُو بكر الرَّازِيّ من هَذِه الْآيَة على إِيجَاب الزَّكَاة فِي سَائِر الذَّهَب وَالْفِضَّة مصوغا أَو مَضْرُوبا أَو تبرا أَو غير ذَلِك، لعُمُوم اللَّفْظ.
قَالَ: وَيدل عَلَيْهِ أَيْضا على ضم الذَّهَب إِلَى الْفضة لإيجابه الْحق فيهمَا مجموعين، فَيدْخل تَحْتَهُ الْحلِيّ أَيْضا، وَهُوَ قَول أَصْحَابنَا.
قَالَ أَبُو حنيفَة: بِضَم الْقيمَة كالعروض، وَعِنْدَهُمَا بالأجزاء.



[ قــ :1348 ... غــ :1402 ]
- حدَّثنا الحَكَمُ بنُ نَافِعٍ قَالَ أخبرَنا شُعَيْبٌ قَالَ حدَّثنا أبُو الزِّنَادِ أنَّ عَبْدَ الرَّحْمانِ بنَ هُرْمُزَ الأعْرَجَ حَدَّثَهُ أنَّهُ سَمِعَ أبَا هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ يَقُولُ قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَأتِي الإبِلُ عَلَى صَاحِبِهَا عَلَى خَيْرِ مَا كانَتْ إذَا هُوَ لَمْ يُعْطِ فِيهَا حَقَّهَا تَطَؤُهُ بِأخْفَافِهَا وَتَأْتِي الغَنَمُ عَلَى صاحِبِهَا عَلى خَيْرِ مَا كانَتْ إذَا لَمْ يُعْطِ فِيهَا حَقَّهَا تَطَؤُهُ بِأظْلاَفِهَا وتَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا قَالَ ومِنْ حَقِّهَا أنْ تُحْلَبَ عَلَى المَاءِ قَالَ وَلاَ يَأْتِي أحَدُكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ بِشَاةٍ يَحْمِلُهَا عَلَى رَقَبَتِهِ لَهَا يُعَارٌ فَيقُولُ يَا مُحَمَّدُ فأقُولُ لاَ أمْلِكُ لَكَ شَيْئا قَدْ بَلَّغْتُ وَلاَ يَأتِي بِبَعِيرٍ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ لَهُ رُغَاءٌ فَيَقُولُ يَا مُحَمَّدُ فأقُولُ لاَ أمْلِكُ لَكَ شَيْئا قَدْ بَلَّغْتُ..
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه يخبر عَن مَانع الزَّكَاة مَا يعذب بِهِ، وَلَا يعذب أحد إلاَّ على ترك فرض من الْفَرَائِض، وَلَو لم يكن فِي مَنعه الزَّكَاة آثِما لما اسْتوْجبَ هَذِه الْعقُوبَة.

ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: الحكم، بِفتْحَتَيْنِ: ابْن نَافِع أَبُو الْيَمَان البهراني الْحِمصِي، وَقد تكَرر ذكره.
الثَّانِي: شُعَيْب بن أبي حَمْزَة الْحِمصِي.
الثَّالِث: أَبُو الزِّنَاد، بالزاي وَالنُّون: واسْمه عبد الله بن ذكْوَان.
الرَّابِع: عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز، وَقد تكَرر ذكره.
الْخَامِس: أَبُو هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع.
وَفِيه: الْإِخْبَار بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَاحِد.
وَفِيه: السماع.
وَفِيه: القَوْل فِي مَوضِع وَاحِد على صِيغَة الْمَاضِي، وَفِي مَوضِع على صِيغَة الْمُسْتَقْبل.
وَفِيه: أَن نصف السَّنَد حمصي وَنصفه مدنِي.

ذكر من أخرجه غَيره: أخرجه مُسلم عَن سُوَيْد بن سعيد، قَالَ: حَدثنَا حَفْص بن ميسرَة الصَّنْعَانِيّ عَن زيد بن أسلم أَن أَبَا صَالح ذكْوَان أخبرهُ أَنه سمع أَبَا هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، يَقُول: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( مَا من صَاحب ذهب وَلَا فضَّة لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقّهَا إلاَّ إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة صفحت لَهُ صَفَائِح من نَار فأحمى عَلَيْهَا فيكوى بهَا جنبه وجبينه، وظهره كلما بردت أُعِيدَت لَهُ فِي يَوْم كَانَ مقدراه خمسين ألف سنة حَتَّى يقْضى بَين الْعباد، فَيرى سَبيله إِمَّا إِلَى الْجنَّة وَإِمَّا إِلَى النَّار.
قيل: يَا رَسُول الله فالإبل؟ قَالَ: وَلَا صَاحب إبل لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقّهَا، وَمن حَقّهَا حلبها يَوْم وُرُودهَا إلاَّ إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة نطح بهَا بقاع قرقر أوفر مَا كَانَت لَا يفقد مِنْهَا فصيلاً وَاحِدًا تطؤه بأخفافها وتعضه بأفواهها كلما مر عَلَيْهِ أولاها رد عَلَيْهِ أخراها فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره خمسين ألف سنة، حَتَّى يقْضى بَين الْعباد فَيرى سَبيله إِمَّا إِلَى الْجنَّة وَإِمَّا إِلَى النَّار.
قيل: يَا رَسُول الله، فالبقر وَالْغنم؟ قَالَ: وَلَا صَاحب بقر وَلَا غنم لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقّهَا إلاَّ إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة نطح بهَا بقاع قرقر لَا يفقد مِنْهَا شَيْئا لَيْسَ فِيهَا عقصاء وَلَا جلحاء وَلَا عضباء تنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها كلما مر عَلَيْهِ أولاها رد عَلَيْهِ أخراها فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره خمسين ألف سنة حَتَّى يقْضِي بَين الْعباد فَيرى سَبيله إِمَّا إِلَى الْجنَّة وَإِمَّا إِلَى النَّار.
.
)
الحَدِيث بِطُولِهِ، وَأخرجه أَبُو دَاوُد رَحمَه الله تَعَالَى، مُخْتَصرا، وَكَذَلِكَ النَّسَائِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَفِي الْبابُُ عَن جَابر أَيْضا أخرجه مُسلم مُنْفَردا من رِوَايَة أبي الزبير أَنه سمع جَابر بن عبد الله يَقُول: إِنَّه سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: ( مَا من صَاحب إبل لَا يفعل فِيهَا حَقّهَا إلاَّ جَاءَت يَوْم الْقِيَامَة أَكثر مَا كَانَت وَقعد لَهَا بقاع قرقر تستن عَلَيْهِ بقوائمها وأخفافها، وَلَا صَاحب بقر لَا يفعل فِيهَا حَقّهَا إلاَّ جَاءَت يَوْم الْقِيَامَة أَكثر مَا كَانَت وَقعد لَهَا بقاع قرقر تنطحه بقرونها وتطؤه بقوائمها، وَلَا صَاحب غنم لَا يفعل فِيهَا حَقّهَا إلاَّ جَاءَت يَوْم الْقِيَامَة أَكثر مَا كَانَت وَقعد لَهَا بقاع قرقر تنطحه وتطؤه بأظلافها لَيْسَ فِيهَا جماء وَلَا منكسر قرنها.
.
)
الحَدِيث، وَعَن عبد الله بن الزبير أخرجه الطَّبَرَانِيّ عَنهُ: أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: ( مَا من صَاحب إبل إلاَّ يُؤْتى بِهِ يَوْم الْقِيَامَة إِذا لم يكن يُؤَدِّي حَقّهَا فتمشي عَلَيْهِ بقاع تطؤه بأخفافها وَيُؤْتى بِصَاحِب الْبَقر إِذا لم يكن يُؤَدِّي حَقّهَا فتمشي عَلَيْهِ بقاع تطؤه بأظلافها وتنطحه بقرونها، وَيُؤْتى بِصَاحِب الْغنم إِذا لم يكن يُؤَدِّي حَقّهَا فتمشي عَلَيْهِ بقاع فتنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها لَيْسَ فِيهَا جماء وَلَا مَكْسُورَة الْقرن، وَيُؤْتى بِصَاحِب الْكَنْز فيمثل لَهُ شُجَاع أَقرع فَلَا يجد شَيْئا فَيدْخل يَده فِي فِيهِ) .
وَفِي إِسْنَاده أَبُو حُذَيْفَة، فَإِن كَانَ هُوَ صَاحب كتاب الْمُنْتَقى فَهُوَ مَتْرُوك، واسْمه إِسْحَاق بن بشير.
قَوْله: ( تَأتي الْإِبِل) الْإِبِل اسْم الْجمع وَهُوَ مؤنث وَكَذَلِكَ الْغنم، قَوْله: ( على صَاحبهَا) قَالَ بِلَفْظ: على، بَيَانا لاستعلائها وتسلطها عَلَيْهِ.
قَوْله: ( على خير مَا كَانَت) ، يَعْنِي: فِي الْقُوَّة وَالسمن ليَكُون أَشد لفعلها، وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ عَن أبي ذَر: ( إلاَّ جَاءَت يَوْم الْقِيَامَة أعظم مَا كاكنت وأسمنه) ، أَي: أعظم مَا كَانَت عِنْد الَّذِي منع زَكَاتهَا، لِأَنَّهَا قد تكون عِنْده على حالات مرّة هزيلة وَمرَّة سَمِينَة وَمرَّة صَغِيرَة وَمرَّة كَبِيرَة، فَأخْبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنَّهَا تَأتي على أعظم أحوالها عِنْد صَاحبهَا، وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد: ( إلاَّ جَاءَت يَوْم الْقِيَامَة أوفر مَا كَانَت) ، أَي: أحسن مَا كَانَت من السّمن وَصَلَاح الْحَال.
قَوْله: ( فتطؤه بأخفافها) ، سَقَطت الْوَاو من: تطؤ، عِنْد بعض النَّحْوِيين لشذوذ هَذَا الْفِعْل من بَين نَظَائِره فِي التَّعَدِّي، لِأَن الْفِعْل إِذا كَانَ فاؤه: واوا، وَكَانَ على: فعل، بِكَسْر الْعين كَانَ غير مُتَعَدٍّ غير هَذَا الْحَرْف، وَآخر وَهُوَ: وسع، فَلَمَّا شذا دون نظائرهما أعطيا هَذَا الحكم وَقيل: إِن أَصله: توطىء، بِكَسْر الطَّاء فَسَقَطت لوقوعها بَين يَاء وكسرة، ثمَّ فتحت الطَّاء لأجل الْهمزَة، و: الأخفاف، جمع: خف الْبَعِير، والخف من الْإِبِل بِمَنْزِلَة الظلْف للغنم والقدم للآدمي والحافر للحمار والبغل وَالْفرس، والظلف للبقر وَالْغنم والظبا وكل حافر منشق منقسم فَهُوَ ظلف، وَقد استعير الظلْف للْفرس.
قَوْله: ( وتنطحه) قَالَ شَيخنَا زين الدّين، رَحمَه الله: الْمَشْهُور فِي الرِّوَايَة: تنطحه، بِكَسْر الطَّاء وَفِيه لُغَتَانِ حَكَاهُمَا الْجَوْهَرِي: الْفَتْح وَالْكَسْر، فالكسر هُوَ الْأَصَح وماضيه مخفف وَقد يشدد وَلَا يخْتَص بالكبش كَمَا ادَّعَاهُ ابْن بل يسْتَعْمل فِي الثور وَغَيره.
قَوْله: ( وَمن حَقّهَا أَن تحلب على المَاء) أَي لتسقي أَلْبَانهَا أَبنَاء السَّبِيل وَالْمَسَاكِين الَّذين ينزلون على المَاء، وَلِأَن فِيهِ الرِّفْق على الْمَاشِيَة لِأَنَّهُ أَهْون لَهَا وأوسع عَلَيْهَا.
.

     وَقَالَ  ابْن بطال: يُرِيد حق الْكَرم والمواساة وشريف الأخلاف، لَا أَن ذَلِك فرض.
.

     وَقَالَ  أَيْضا: كَانَت عَادَة الْعَرَب التَّصَدُّق بِاللَّبنِ على المَاء.
فَكَانَ الضُّعَفَاء يرصدون ذَلِك مِنْهُم.
قَالَ: وَالْحق حقان فرض عين وَغَيره، فالحلب من الْحُقُوق الَّتِي هِيَ من مَكَارِم الْأَخْلَاق.
.

     وَقَالَ  إِسْمَاعِيل القَاضِي: الْحق المفترض هُوَ الْمَوْصُوف الْمَحْدُود، وَقد تحدث أُمُور لَا تحد فَتجب فِيهَا الْمُوَاسَاة للضَّرُورَة الَّتِي تنزل من ضيف مُضْطَر أَو جَائِع أَو عَار أَو ميت لَيْسَ لَهُ من يواريه، فَيجب حِينَئِذٍ على من يُمكنهُ الْمُوَاسَاة الَّتِي تَزُول بهَا هَذِه الضرورات.
قَالَ ابْن التِّين: وَقيل: كَانَ هَذَا قبل فرض الزَّكَاة، وَفِي ( التَّلْوِيح) : وَفِي: بابُُ الشّرْب، من كتاب البُخَارِيّ من روى: يجلب، بِالْجِيم أَرَادَ يجلب لموْضِع سقيها فيأتيها الْمُصدق، قَالَ: وَلَو كَانَ كَمَا قَالَ لقَالَ: أَن يجلب إِلَى المَاء، وَلم يقل: على المَاء.
انْتهى.
قلت: رَأْي الْكُوفِيّين أَن حُرُوف الْجَرّ يَنُوب بَعْضهَا عَن بعض، وَيجوز أَن يكون: على، بِمَعْنى: إِلَى.
وَفِي ( الْمطَالع) : ذكر الدَّاودِيّ أَنه يرْوى: يجلب، بِالْجِيم وَفَسرهُ بالجلب إِلَى الْمُصدق.
قَوْله: ( لَهَا يعار) ، بِضَم الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالعين الْمُهْملَة، كَذَا فِي هَذِه الرِّوَايَة.
.

     وَقَالَ  فِي ( الْمطَالع) : فِي بابُُ منع الزَّكَاة: لَهَا ثعار، بالثاء الْمُثَلَّثَة عِنْد أبي أَحْمد، وَعند أبي زيد: تعار أَو يعار على الشَّك، وَعند غَيرهمَا بالغين الْمُعْجَمَة.
وَفِي: بابُُ الْغلُول: شَاة لَهَا ثُغَاء أَو يعار، والثغاء للضأن واليعار للمعز.
وَفِي ( الْمُحكم) : اليعار صَوت الْغنم، وَقيل: صَوت الْمعز، وَقيل: هُوَ الشَّديد من أصوات الشَّاء يعرت تَيْعر وتيعر، الْفَتْح عَن كرَاع.
.

     وَقَالَ  الْقَزاز: اليعار لَيْسَ بِشَيْء إِنَّمَا هُوَ الثغاء، وَهُوَ صَوت الشَّاة، وَيجوز أَن يكون كتب الْحَرْف بِالْهَمْزَةِ أَمَام الْألف فظنت رَاء.
.

     وَقَالَ  صَاحب ( الْأَفْعَال) : اليعور الشَّاة الَّتِي تبول على محلبها فَيفْسد اللَّبن.
قَوْله: ( لَا أملك لَك) أَي: للتَّخْفِيف عَنْك، وَقد بلغت إِلَيْك حكم الله.
قَوْله: ( بِبَعِير) الْبَعِير بقع على الذّكر وَالْأُنْثَى من الْإِبِل، وَيجمع على أَبْعِرَة وبعران.
قَوْله: ( رُغَاء) أَي: للبعير رُغَاء، بِضَم الرَّاء وبالغين الْمُعْجَمَة، والرغاء لِلْإِبِلِ خَاصَّة، وَبابُُ الْأَصْوَات يَجِيء فِي الْغَالِب على: فعال، كالبكاء، وعَلى: فعيل كالصهيل، وعَلى: فعللة كالحمحمة.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: مَا يدل على وجوب الزَّكَاة فِي الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم، وَأما كَيْفيَّة مقدارها فِي كل صنف فَفِي أَحَادِيث أُخْرَى.
وَفِيه: مَا اسْتدلَّ بَعضهم أَن الْحق غير الزَّكَاة بَاقٍ فِي ألبان الْمَاشِيَة وأثمار الْأَشْجَار للقراء وَأَبْنَاء السَّبِيل.
وَقَالُوا: قد عَابَ الله تَعَالَى قوما أخفوا جذاذهم فِي قَوْله: { ليصرمنها مصبحين} ( الْقَلَم: 71) .
أَرَادوا: أَن لَا يُصِيب الْمُسلمين مِنْهَا شَيْء وَقيل فِي قَوْله تَعَالَى: { وَآتوا حَقه يَوْم حَصَاده} ( الْأَنْعَام: 141) .
نَحوا من هَذَا، وَأَنه بَاقٍ مَعَ الزَّكَاة، ويحكى هَذَا عَن الشّعبِيّ وَالْحسن وَعَطَاء وطاووس وَعَن أبي هُرَيْرَة: حق الْإِبِل أَن تنحر السمينة وتمنح العزيزة ويفقد الظّهْر وتطرق الْفَحْل وتسقى اللَّبن، وَمذهب أَكثر الْعلمَاء أَن هَذَا على النّدب والمواساة.
وَفِيه: مَا يدل على أَن الله تَعَالَى يبْعَث الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم الَّتِي منعت زَكَاتهَا بِعَينهَا ليعذب بهَا مانعها، كَمَا صرح بِهِ فِي الحَدِيث.
وَأما المَال الَّذِي لَيْسَ بحيوان الَّذِي منع فِيهِ الزَّكَاة فَإِنَّهُ يمثل لَهُ يَوْم الْقِيَامَة شجاعا أَقرع، على مَا يَجِيء عَن قريب، وَيحْتَمل أَن عين مَاله يَنْقَلِب ثعبانا يعذب بِهِ صَاحبه وَلَا يُنكر قلب الْأَعْيَان فِي الْآخِرَة.





[ قــ :1349 ... غــ :1403 ]
- حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله قَالَ حدَّثنا هاشِمُ بنُ القَاسِمْ قَالَ حدَّثنا عَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ عَبْدِ الله بنِ دِينَارِ عنْ أبِيهِ عنْ أبِي صالِحٍ السَّمَّانِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ.
قَالَ قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَنْ آتاهُ الله مَالا فَلَمْ يُؤَدِّ زَكاتَهُ مُثِّلَ لَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ شُجَاعا أقْرَعَ لَهُ زَبِيبَتَانِ يُطَوَّقُهُ ثُمَّ يَأخ بِلِهْزِمَتَيْهِ يَعْنِي شِدْقَيْهِ ثُمَّ يَقُولُ أنَا مالُكَ أنَا كَنْزُكَ ثُمَّ تَلاَ { وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ} ( آل عمرَان: 081) .
الْآيَة..

مطابقته للتَّرْجَمَة مثل مَا ذكرنَا فِي مُطَابقَة الحَدِيث الأول.

ذكر رِجَاله: وهم سِتَّة: الأول: عَليّ بن عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن الْمَدِينِيّ، تكَرر ذكره.
الثَّانِي: هَاشم بن الْقَاسِم أَبُو النَّضر التَّمِيمِي، وَيُقَال اللَّيْثِيّ الْكِنَانِي.
قَالَ الْوَاقِدِيّ: مَاتَ بِبَغْدَاد يَوْم الْأَرْبَعَاء غرَّة ذِي الْقعدَة سنة سبع وَثَمَانِينَ، مر فِي: بابُُ وضع المَاء عِنْد الْخَلَاء.
الثَّالِث: عبد الرَّحْمَن بن عبد الله مر فِي: بابُُ الَّذِي يغسل بِهِ شعر الْإِنْسَان.
الرَّابِع: أَبوهُ عبد الله بن دِينَار مولى عبد الله بن عمر بن الْخطاب مر فِي: بابُُ أُمُور الْإِيمَان.
الْخَامِس: أَبُو صَالح واسْمه ذكْوَان الزيات.
السَّادِس: أَبُو هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: أَن شَيْخه من أَفْرَاده وَأَنه بَصرِي وَأَن هاشما خراساني سكن بَغْدَاد وَعبد الرَّحْمَن وأباه وَأَبا صَالح مدنيون.
وَفِيه: رِوَايَة الإبن عَن أَبِيه وَجعل أَبُو الْعَبَّاس الطرقي هَذَا الحَدِيث وَالَّذِي قبله حَدِيثا وَاحِدًا، وَرَوَاهُ مَالك فِي ( موطئِهِ) : عَن عبد الله بن دِينَار عَن أبي صَالح فَوَقفهُ على أبي هُرَيْرَة.
.

     وَقَالَ  أَبُو عمر: وَرَوَاهُ عبد الْعَزِيز بن أبي سَلمَة عِنْد النَّسَائِيّ عَن عبد الله بن دِينَار سَأَلَ عَن ابْن عمر عَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: وَهُوَ عِنْدِي خطأ، وَالْمَحْفُوظ حَدِيث أبي هُرَيْرَة.
.

     وَقَالَ  أَبُو عمر: حَدِيث عبد الْعَزِيز خطأ بيّن فِي الْإِسْنَاد لِأَنَّهُ لَو كَانَ عِنْده عبد الله بن دِينَار عَن ابْن عمر مَا رَوَاهُ عَن أبي هُرَيْرَة أبدا، وَرِوَايَة مَالك وَعبد الرَّحْمَن ابْن عبد الله فِيهِ هِيَ الصَّحِيحَة، وَهُوَ مَرْفُوع صَحِيح، وَعند التِّرْمِذِيّ من حَدِيث ابْن مَسْعُود مثله،.

     وَقَالَ : حسن صَحِيح، وَعند مُسلم من حَدِيث أبي الزبير عَن جَابر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: ( مَا من صَاحب إبل) الحَدِيث، وَقد ذَكرْنَاهُ عَن قريب.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّفْسِير عَن عبد الله بن مُنِير عَن أبي النَّضر.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الزَّكَاة عَن الْفضل بن سهل عَن الْحسن بن مُوسَى الأشيب عَن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن دِينَار عَن أَبِيه، وروى النَّسَائِيّ أَيْضا من حَدِيث عبد الله بن دِينَار عَن ابْن عمر، قَالَ: ( قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الَّذِي لَا يُؤَدِّي زَكَاة مَاله يخيل إِلَيْهِ مَاله يَوْم الْقِيَامَة شجاعا أَقرع لَهُ زَبِيبَتَانِ، قَالَ: فَيلْزمهُ أَو يطوقه، قَالَ: فَيَقُول: أَنا كَنْزك أَنا كَنْزك) .

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( من أَتَاهُ الله تَعَالَى) ، بِمد الْهمزَة أَي: من أعطَاهُ الله.
قَوْله: ( مثل لَهُ) ، أَي: صور لَهُ مَاله الَّذِي لم يؤد زَكَاته شجاعا، أَو ضمن: مثل، معنى التصيير أَي: صير مَاله على صُورَة شُجَاع،.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير وَمثل، يتَعَدَّى إِلَى مفعولين تَقول: مثلت الشمع فرسا فَإِذا بني لما لم يسم فَاعله تعدى إِلَى مفعول وَاحِد، فَلِذَا قَالَ: مثل لَهُ شجاعا أَقرع.
قلت: التَّحْقِيق فِيهِ أَن قَوْله: مثل، على صِيغَة الْمَجْهُول الضَّمِير الَّذِي فِيهِ يرجع إِلَى قَوْله: ( مَالا) ، وَقد نَاب عَن الْمَفْعُول الأول.
وَقَوله: ( شجاعا) مَنْصُوب على أَنه مفعول ثَان.
.

     وَقَالَ  الطَّيِّبِيّ: ( شجاعا) نصب يجْرِي مجْرى الْمَفْعُول الثَّانِي، أَي: صور مَاله شجاعا.
.

     وَقَالَ  ابْن قرقول: وبالرفع ضبطناه، وَهِي رِوَايَة الطرابلسي فِي ( الْمُوَطَّأ) وَلغيره شجاعا كَأَنَّهُ مفعول ثَان.
.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير فِي ( شرح الْمسند) : وَفِي رِوَايَة الشَّافِعِي: شُجَاع، بِالرَّفْع لِأَنَّهُ الَّذِي أقيم مقَام الْفَاعِل الأول: لمثل، لِأَنَّهُ أخلاه من الضَّمِير وَجعل لَهُ مَفْعُولا وَاحِدًا، وَلَا يكون الشجاع كِنَايَة عَن المَال الَّذِي لم تُؤَد زَكَاته وَإِنَّمَا هُوَ حَقِيقَة حَيَّة يخلق مَاله حَيَّة تفعل بِهِ ذَلِك، يعضد ذَلِك أَنه لم يذكر فِي رِوَايَته مَاله بِخِلَاف مَا فِي رِوَايَة البُخَارِيّ قلت: وللبخاري أَيْضا رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَة لَفْظَة: مَاله، مَذْكُورَة، وَفِي رِوَايَة غير مَذْكُورَة، والشجاع: الْحَيَّة، وسمى أَقرع لِأَنَّهُ يقرع السم ويجمعه فِي رَأسه حَتَّى تتمعط مِنْهُ فَرْوَة رَأسه، وَفِي ( جَامع) الْقَزاز: لَيْسَ على رُؤُوس الْحَيَّات شعر، وَلَكِن لَعَلَّه يذهب جلد رَأسه.
وَفِي ( الموعب) : الشجاع ضرب من الْحَيَّات، وَالْجمع: الشجعان، وَثَلَاثَة أشجعة.
وَفِي ( التَّهْذِيب) : هُوَ الْحَيَّة الذّكر،.

     وَقَالَ  اللحياني: يُقَال للحية شُجَاع وشجاع وشجعان وَيُقَال للحية أَيْضا أَشْجَع.

     وَقَالَ  شمر فِي ( كتاب الْحَيَّات) : الشجاع ضرب من الْحَيَّات لطيف دَقِيق، وَهُوَ كَمَا زَعَمُوا أجرؤها.
وَفِي ( الْمُحكم) شجعان بِالْكَسْرِ أَكثر.
وَفِي ( البارع) لأبي عَليّ القالي: شجعة، بِفَتْح الشين وَالْجِيم: إِذا كَانَ طَويلا ملتويا.
وَفِي ( الاستذكار) : وَقيل: الشجاع الثعبان، وَقيل: الْحَيَّة، وَقيل: هُوَ الَّذِي يواثب الْفَارِس والراجل وَيقوم على ذَنبه، وَرُبمَا بلغ وَجه الْفَارِس وَيكون فِي الصحارى، والأقرع الَّذِي فِي رَأسه بَيَاض.
وَقيل: كلما كثر سمه ابيض رَأسه،.

     وَقَالَ  ابْن خالويه: لَيْسَ فِي كَلَام الْعَرَب اسْم الْحَيَّات وصفاتها إلاَّ مَا كتبته فِي هَذَا الْبابُُ، فَذكر أَرْبَعَة وَثَمَانِينَ اسْما.
قَوْله: ( زَبِيبَتَانِ) ، بِفَتْح الزَّاي وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة الأولى: الزّبد فِي الشدقين إِذا غضب، يُقَال: تكلم فلَان حَتَّى زبد شدقاه، أَي: خرج الزّبد عَلَيْهِمَا.
.

     وَقَالَ  أَبُو الْمعَانِي فِي ( الْمُنْتَهى) : الزبيبتان الزبدتان فِي الشدقين، وَمِنْه الْحَيَّة ذُو الزبيبتين وهما النكتتان السوداوان فَوق عَيْنَيْهِ، وَقيل: هما نقطتان تكتنفان فاها.
.

     وَقَالَ  الدَّاودِيّ: هما نابان يخرجَانِ من فِيهَا، وَأنكر بَعضهم هَذَا،.

     وَقَالَ : هَذَا لَا يُوجد.
وَيُقَال: الْحَيَّة ذُو الزبيبتين أَخبث مَا يكون من الْحَيَّات.
.

     وَقَالَ  أَبُو عمر: هما عَلَامَات الْحَيَّة الذّكر المؤذي.
.

     وَقَالَ  ابْن حبيب عَن مطرف: لَهُ زَبِيبَتَانِ فِي خلقه بِمَنْزِلَة زنمتى العنز.
وَفِي ( المسالك) لِابْنِ الْعَرَبِيّ: سُئِلَ مَالك عَن الزبيبتين؟ فَقَالَ: أراهما شنشنتين تَكُونَانِ على رَأسه مثل القرنين.
قَوْله: ( يطوقه) ، بِفَتْح الْوَاو: يَجْعَل طوقا فِي عُنُقه.
وَفِي رِوَايَة: ( وَحَتَّى يطوقه) ، وَفِي ( التَّلْوِيح) : قَالَ أَبُو السعادات: يجوز أَن تكون الْوَاو أَي: مَفْتُوحَة يَعْنِي: حَتَّى يطوقه الله تَعَالَى فِي عُنُقه، كَأَنَّهُ قيل: يَجْعَل لَهُ طوقا.
.

     وَقَالَ  الطَّيِّبِيّ: وَهُوَ تَشْبِيه لذكر الْمُشبه والمشبه بِهِ، كَأَنَّهُ قيل: يَجعله كالطوق فِي عُنُقه.
قلت: الضَّمِير الَّذِي فِيهِ مَفْعُوله الأول وَالضَّمِير البارز مَفْعُوله الثَّانِي وَهُوَ يرجع إِلَى: من، فِي قَوْله: ( من آتَاهُ الله مَالا) ، وَالضَّمِير الْمُسْتَتر يرجع إِلَى الشجاع.
وَفِي ( التَّلْوِيح) : الْهَاء، عَائِدَة إِلَى الطوق لَا إِلَى المطوق وَفِيه مَا فِيهِ.
قَوْله: ( بِلِهْزِمَتَيْهِ) ، بِكَسْر اللَّام وَسُكُون الْهَاء وَكسر الزَّاي تَثْنِيَة لهزمة، قَالَ ابْن سَيّده: اللهزمتان: مضيغتان فِي أصل الحنك، وَقيل: هما مضيغتان فِي منحنى اللحيين أَسْفَل من الْأُذُنَيْنِ، وهما مُعظم اللحيين، وَقيل: هما تَحت الْأُذُنَيْنِ من أَعلَى اللحيين والخدين، وَقيل: هما مُجْتَمع اللَّحْم بَين الماضغ وَالْأُذن من اللحي، زَاد صَاحب ( الموعب) : لهزمتان، يُقَال: شنشنان، وَيُقَال، للْفرس الموسوم على ذَلِك الْمَكَان: ملهوز، وَفِي ( الْجَامِع) : هِيَ لحم الْخَدين اللَّذين يَتَحَرَّك إِذا أكل الْإِنْسَان، وَالْجمع: اللهازم، وَفِي ( الجمهرة) : لهزمه إِذا ضرب لهزمته،.

     وَقَالَ  ابْن الْعَرَبِيّ: هما الماضغتان اللَّتَان بَين الْأذن والفم.
قَوْله: ( يَعْنِي شدقيه) ، بِكَسْر الشين هَذَا التَّفْسِير فِي الحَدِيث أَي جَانِبي الْفَم.
قَوْله: ( ثمَّ يَقُول) الشجاع المصور من المَال: ( أَنا مَالك أَنا كَنْزك) يُخَاطب بِهِ صَاحب المَال لمزيد الغصة والهم، لِأَنَّهُ شَرّ أَتَاهُ من حَيْثُ كَانَ يَرْجُو فِيهِ خيرا، وَفِيه نوع تهكم.
قَوْله: ( ثمَّ تَلا) أَي: قَرَأَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَوْله تَعَالَى: { وَلَا يَحسبن الَّذين يَبْخلُونَ} ( آل عمرَان: 081) .
الْآيَة، وتلاوته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذِه تدل على أَنَّهَا نزلت فِي مَانع الزَّكَاة، وَقيل: إِن المُرَاد بهَا الْيَهُود لأَنهم بخلوا، وَالْمعْنَى سيطوقون الْإِثْم، وَتَأَول مَسْرُوق أَنَّهَا نزلت فِيمَن لَهُ مَال فَيمْنَع قرَابَته صلته فيطوق حَيَّة كَمَا سلف، وَأكْثر الْعلمَاء على أَن ذَلِك فِي الزَّكَاة الْمَفْرُوضَة، وَقيل: فِي الْأَحْبَار الَّذين كتموا صفة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: دلَالَة على فَرضِيَّة الزَّكَاة لِأَن الْوَعيد الشَّديد يدل على ذَلِك.
وَفِيه: مَا يدل على قلب الْأَعْيَان وَذَلِكَ فِي قدرَة الله تَعَالَى هَين لَا يُنكر.
وَفِيه: أَن لفظ: مَالا، بِعُمُومِهِ يتَنَاوَل الذَّهَب وَالْفِضَّة وَغَيرهمَا من الْأَمْوَال الزكوية،.

     وَقَالَ  الْمُهلب: لم ينْقل عَن الشَّارِع زَكَاة الذَّهَب من طَرِيق الْخَبَر، كَمَا نقل عَنهُ زَكَاة الْفضة.
قلت: صَحَّ من حَدِيث أبي بكر بن مُحَمَّد ابْن عَمْرو بن حزم عَن أَبِيه عَن جده عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَنه كتب إِلَى أهل الْيمن بِكِتَاب فِيهِ الْفَرَائِض وَالسّنَن والديات مطولا، وَفِيه: ( وَفِي كل أَرْبَعِينَ دِينَارا دِينَار) ، رَوَاهُ ابْن حبَان وَالْحَاكِم فِي صَحِيحَيْهِمَا، وَكَانَ صرف الدِّينَار عشرَة دَرَاهِم فَعدل الْمُسلمُونَ بِخمْس أوراق من الْفضة عشْرين مِثْقَالا، وجعلوه زَكَاة نِصَاب الذَّهَب، وتواتر الْعَمَل بِهِ، وَعَلِيهِ جُمْهُور الْعلمَاء: أَن الذَّهَب إِذا كَانَ عشْرين مِثْقَالا وَقيمتهَا مِائَتَا دِرْهَم فِيهَا نصف دِينَار إلاَّ مَا رُوِيَ عَن الْحسن أَنه لَيْسَ فِيمَا دون أَرْبَعِينَ دِينَارا زَكَاة، وَهُوَ شَاذ لَا يعرج عَلَيْهِ وَذَهَبت طَائِفَة إلاَّ أَن الذَّهَب إِذا بلغت قِيمَته مِائَتي دِرْهَم فَفِيهِ زَكَاة وَإِن كَانَ أقل من عشْرين مِثْقَالا، وَهُوَ قَول عَطاء وطاووس وَالزهْرِيّ، فَجعلُوا الْفضة أصلا فِي الزَّكَاة.