فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الصدقة على موالي أزواج النبي صلى الله عليه وسلم

( بابُُ الصَّدَقَةِ عَلَى مَوَالِي أزْوَاجِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم الصَّدَقَة على موَالِي أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَي: على عتائقهن.
قيل: لم يترجم لِأَزْوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا موَالِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَنَّهُ لم يثبت عِنْده فِيهِ شَيْء؟ قلت: روى الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة وَصَححهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن حبَان وَغَيره عَن أبي رَافع مَرْفُوعا: ( إِنَّا لَا تحل لنا الصَّدَقَة وَأَن موَالِي الْقَوْم من أنفسهم) .
وَإِلَيْهِ ذهب أَبُو حنيفَة وَأحمد وَابْن الْمَاجشون الْمَالِكِي، وَهُوَ الصَّحِيح عِنْد الشَّافِعِيَّة،.

     وَقَالَ  غَيرهم: يجوز لَهُم لأَنهم لَيْسُوا مِنْهُم حَقِيقَة، فَإِذا كَانَ الْأَمر كَذَلِك مَا كَانَ يَنْبَغِي الإعتذار عَن البُخَارِيّ فِي تَركه التَّرْجَمَة لِأَزْوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا لمواليه بقوله لِأَنَّهُ لم يثبت عِنْده فِيهِ شَيْء لِأَن البُخَارِيّ لم يلْتَزم أَن يذكر كل صَحِيح عِنْده أَو عِنْد غَيره، وَقيل: إِنَّمَا أورد البُخَارِيّ هَذِه التَّرْجَمَة ليحقق أَن الْأزْوَاج لَا يدخلن وَلَا تحرم عَلَيْهِنَّ الصَّدَقَة، وَكَذَا قَالَ ابْن بطال: إِن الْأزْوَاج لَا يدخلن فِي ذَلِك بِاتِّفَاق الْفُقَهَاء، فَإِذا لم يدخلن هن فمواليهن أَحْرَى بِعَدَمِ الدُّخُول.
قلت: روى الْخلال من طَرِيق ابْن أبي مليكَة ( عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، قَالَت: إِنَّا آل مُحَمَّد لَا تحل لنا الصَّدَقَة) ، ذكره ابْن قدامَة،.

     وَقَالَ : هَذَا يدل على تَحْرِيمهَا، وَكَذَا رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة فِي ( مُصَنفه) حَدثنَا وَكِيع عَن شريك عَن ابْن أبي مليكَة أَن خَالِد بن سعيد بن الْعَاصِ أرسل إِلَى عَائِشَة شَيْئا من الصَّدَقَة، فَردته فَقَالَت: إِنَّا آل مُحَمَّد لَا تحل لنا الصَّدَقَة.



[ قــ :1433 ... غــ :1492 ]
- حدَّثنا سَعِيدُ بنُ عُفَيْرٍ قَالَ حدَّثنا ابنُ وَهْبٍ عنْ يُونُسَ عنِ ابنِ شِهَابٍ قَالَ حدَّثني عُبَيْدُ الله بنُ عَبْدِ الله عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.
قَالَ وَجَدَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَاة مَيِّتَةً أعْطَيْتها مَوْلاَةٌ لِمَيْمُونَةَ مِنَ الصَّدَقَةِ قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَلاَّ انْتَفَعْتُمْ بِجِلْدِهَا قَالُوا إنَّهَا مَيْتَةٌ قَالَ إنَّمَا حَرُمَ أكْلُهَا..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( أُعطيتها مولاة لميمونة من الصَّدَقَة) ، فَإِن مولاة مَيْمُونَة أُعطيت صَدَقَة فَلم يُنكر عَلَيْهَا، فَدلَّ على أَن موَالِي أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تحل لَهُم الصَّدَقَة، وَبِهَذَا علم أَن مُرَاد البُخَارِيّ من هَذِه التَّرْجَمَة التَّنْبِيه على ذَلِك، لَا مَا قَالَه الْإِسْمَاعِيلِيّ: هَذِه التَّرْجَمَة مُسْتَغْنى عَنْهَا، فَإِن تَسْمِيَة الْمولى لغير فَائِدَة، وَإِنَّمَا هُوَ لسوق الحَدِيث على وَجهه فَقَط.

ذكر رِجَاله: وهم: سِتَّة: الأول: سعيد بن عفير، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَفتح الْفَاء، مر فِي بابُُ من يرد الله بِهِ خيرا.
الثَّانِي: عبد الله ابْن وهب.
الثَّالِث: يُونُس ين يزِيد.
الرَّابِع: مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ.
الْخَامِس: عبيد الله، بِضَم الْعين: ابْن عبد الله، بِفَتْح الْعين: ابْن عتبَة بن مَسْعُود أحد الْفُقَهَاء السَّبْعَة.
السَّادِس: عبد الله بن عَبَّاس.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع وَاحِد.
وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: أَن شَيْخه مَنْسُوب إِلَى جده لِأَنَّهُ سعيد بن كثير بن عفير وَأَنه وَابْن وهب مصريان، وَأَن يُونُس أيلي وَأَن ابْن شهَاب وَعبيد الله مدنيان،.

     وَقَالَ  أَبُو عمر: روى هَذَا الحَدِيث غير وَاحِد عَن مَالك عَن ابْن شهَاب عَن عبيد الله بن عبد الله عَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مُرْسلا، وَالصَّحِيح اتِّصَاله، كَذَا رَوَاهُ معمر وَيُونُس والزبيدي وَعقيل، كلهم عَن ابْن شهَاب عَن عبيد الله عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْبيُوع، وَفِي الذَّبَائِح عَن زُهَيْر بن حَرْب.
وَأخرجه مُسلم فِي الطَّهَارَة عَن أبي الطَّاهِر وحرملة، وَعَن الْحسن بن عَليّ وَعبد بن حميد وَعَن يحيى بن يحيى وَعَمْرو النَّاقِد.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي اللبَاس عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة وَمُحَمّد بن أَحْمد، وَعَن مُسَدّد.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الذَّبَائِح عَن مُحَمَّد بن مسلمة والْحَارث بن مِسْكين وَعَن عبد الْملك بن شُعَيْب وروى مُسلم من حَدِيث عَطاء: ( عَن ابْن عَبَّاس عَن مَيْمُونَة أخْبرته: أَن داجنا كَانَت لبَعض أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمَاتَتْ، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَلا أَخَذْتُم إهابها فاستمتعتم بِهِ؟) وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد: ( مر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِرِجَال من قُرَيْش يجرونَ شَاة، فَقَالَ: لَو أَخَذْتُم إهابها؟ قَالُوا: إِنَّهَا ميتَة.
قَالَ: يطهره المَاء والقرظ)
.
وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَد ( عَن ابْن عَبَّاس: مَاتَت شَاة لسودة بنت زَمعَة، فَقَالَت: يَا رَسُول الله مَاتَت فلَان، يَعْنِي الشَّاة، فَقَالَ: لَوْلَا أَخَذْتُم مسكها؟ فَقَالَت: تَأْخُذ مسك شَاة قد مَاتَت؟ فَقَالَ: إِنَّكُم لَا تطعمونه تنتفعون بِهِ.
قَالَ: فَأرْسلت إِلَيْهَا فسلخت مسكها فدبغته واتخذت مِنْهُ قربَة حَتَّى تخرقت عِنْدهَا)
.
وَعند البُخَارِيّ ( عَن سَوْدَة: مَاتَت لنا شَاة فدبغنا مسكها) الحَدِيث مَوْقُوف، وَعند مُسلم عَنهُ مَرْفُوعا ( إِذا دبغ الإهاب فقد طهر) ، وَفِي لفظ: ( دباغه طهوره) ، وَعند ابْن شاهين سُئِلَ عَن جُلُود الْميتَة فَقَالَ: طهورها دباغها، وَفِي لفظ مَرْفُوع: ( اسْتَمْتعُوا بجلود الْميتَة إِذا دبغت تُرَابا كَانَ أَو رَمَادا أَو ملحا أَو مَا كَانَ، بعد أَن يزِيد صَلَاحه) .
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: فِي إِسْنَاده مَعْرُوف بن حسان مُنكر الحَدِيث، وَفِي كتاب ابْن سعد: قَالَ مُحَمَّد بن الْأَشْعَث لعَائِشَة: أَلا نجْعَل لَك فروا تلبسيه فَإِنَّهُ أدفأ لَك؟ قَالَت: إِنِّي لأكْره جُلُود الْميتَة.
فَقَالَ: أَنا أقوم عَلَيْهِ وَلَا أجعله إلاَّ ذكيا، فَجعله لَهَا فَكَانَت تلبسه، رَوَاهُ معن ومطرف، قَالَا: حَدثنَا مَالك عَن نَافِع عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد بِهِ، وروى أَبُو دَاوُد بِسَنَد جيد من حَدِيث قَتَادَة عَن الْحسن عَن الجون بن قَتَادَة ( عَن سَلمَة بن المحبق أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مر بِبَيْت بفنائه قربَة معلقَة، فَاسْتَسْقَى فَقيل: إِنَّهَا ميتَة، فَقَالَ: زَكَاة الْأَدِيم دباغه) .
وَفِي رِوَايَة: فِي غَزْوَة تَبُوك.
.

     وَقَالَ  الْحَاكِم: صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ، وَعند أَحْمد بِسَنَد جيد ( عَن جَابر: كُنَّا نصيب مَعَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي مغانمنا من الْمُشْركين الأسقية والأوعية فنقسمها وَكلهَا ميتَة) .
وروى الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث أم سَلمَة: أَنَّهَا مَاتَت لَهَا شَاة، فَقَالَ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَفلا انتفعتم بإهابها؟ فَقَالُوا: إِنَّهَا ميتَة.
فَقَالَ: إِن دباغتها يحل كَمَا يحل الْخمر الْملح.
قَالَ: تفرد بِهِ الْفرج بن فضَالة وَهُوَ ضَعِيف، وَرَوَاهُ أَيْضا من حَدِيث يُوسُف بن السّفر، قَالَ: وَهُوَ مَتْرُوك، وَمن حَدِيث أبي قيس الأودي عَن هزيل بن شُرَحْبِيل عَن أم سَلمَة أَو زَيْنَب أَو غَيرهمَا من أَزوَاج النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( إِن مَيْمُونَة مَاتَت لَهَا شَاة) الحَدِيث.

فَإِن قلت: جَاءَت أَحَادِيث تخَالف الْأَحَادِيث الْمَذْكُورَة.
مِنْهَا: حَدِيث رَوَاهُ أَحْمد فِي ( مُسْنده) من حَدِيث حبيب بن أبي ثَابت عَن رجل عَن أم سلمَان الأشجعية أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَاهَا وَهِي فِي قبَّة، فَقَالَ: مَا أحسن هَذِه إِن لم يكن فِيهَا ميتَة؟ قَالَت: فَجعلت أتتبعها.
وَمِنْهَا: حَدِيث رَوَاهُ ابْن حبَان فِي ( صَحِيحه) عَن عبد الله بن عكيم، قَالَ: ( كتب إِلَيْنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل مَوته بِشَهْر: أَن لَا تنتفعوا من الْميتَة بإهاب وَلَا عصب) ، ثمَّ قَالَ: ذكر الْبَيَان بِأَن ابْن عكيم شهد قِرَاءَة كتاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأَرْض جُهَيْنَة، ثمَّ ذكر عَنهُ، قَالَ: قرىء علينا كتاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلما رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده قَالَ: مَا أصلح إِسْنَاده.
وَمِنْهَا: حَدِيث رَوَاهُ أَبُو حَفْص بن شاهين من حَدِيث ابْن عمر: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى أَن ينْتَفع من الْميتَة بعصب أَو إهَاب.
وَمِنْهَا: حَدِيث جَابر رَوَاهُ ابْن شاهين أَيْضا من حَدِيث أبي الزبير عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: ( لَا ينْتَفع من الْميتَة بِشَيْء) وَرَوَاهُ ابْن جرير الطَّبَرِيّ أَيْضا.
وَمِنْهَا: حَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ: أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن جُلُود السبَاع أَن تفترش.

قلت: حَدِيث أم سلمَان مَحْمُول على أَنه لم يكن مدبوغا.
وَحَدِيث ابْن عكيم مَعْلُول بِأُمُور ثَلَاثَة: الأول: أَنه مُضْطَرب سندا ومتنا وَقد بَيناهُ فِي شرحنا للهداية.
وَالثَّانِي: الِاخْتِلَاف فِي صحبته، فَقَالَ الْبَيْهَقِيّ وَغَيره لَا صُحْبَة لَهُ.
وَالثَّالِث: أَنه روى عَنهُ أَنه سمع من النَّاس الداخلين عَلَيْهِ وهم مَجْهُولُونَ، وَلَئِن صَحَّ فَلَا يُقَاوم حَدِيث ابْن عَبَّاس.
وَحَدِيث ابْن عمر أَن عَامَّة من فِي إِسْنَاده مَجْهُولُونَ.
وَحَدِيث جَابر فِي إِسْنَاده زَمعَة وَهُوَ مِمَّن لَا يعْتَمد على نَقله.
وَأما النَّهْي عَن جُلُود السبَاع فقد قيل: إِنَّهَا كَانَت تسْتَعْمل قبل الدّباغ.
.

     وَقَالَ  ابْن شاهين: هَذِه الْأَحَادِيث لَا يُمكن ادِّعَاء نسخ شَيْء مِنْهَا بِالْآخرِ.
فَإِن قلت: حَدِيث ابْن عكيم قبل الْوَفَاة بِشَهْر؟ قلت: يُمكن أَن يُقَال: يجوز أَن يكون الْأَمر قبل أَن يَمُوت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بجمعة، وَالْأولَى هُنَا هُوَ الْأَخْذ بِالْحَدِيثين جَمِيعًا وَهُوَ أَن يحمل الْمَنْع على مَا قبل الدّباغ وَالْأَخْبَار بِالطَّهَارَةِ بعده على أَن الإهاب فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( إيما إهَاب دبغ فقد طهر) ، اسْم للجلد الَّذِي لم يدبغ، فَبعد الدّباغ لَا يُسمى إهابا، وَإِنَّمَا يُسمى أديما أَو جلدا أَو جرابا.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( مولاة) ، أَي: عتيقة وارتفاعها على أَنَّهَا مفعول مَا لم يسم فَاعله للإعطاء، ومَيْمُونَة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ولميمونة صفة لمولاة.
قَوْله: ( من الصَّدَقَة) ، يتَعَلَّق بأعطيت أَو صفة لشاة.
قَوْله: ( إِنَّمَا حرم أكلهَا) اتّفق معمر وَمَالك وَيُونُس على قَوْله: ( إِنَّمَا حرم أكلهَا) ، إِلَّا أَن معمرا قَالَ: لَحمهَا وَلم يذكر وَاحِد مِنْهُم زِيَادَة دباغ أَهلهَا طهورها وَكَانَ ابْن عُيَيْنَة يَقُول: لم أسمع أحدا يَقُول: ( إِنَّمَا حرم أكلهَا) إلاَّ الزُّهْرِيّ، وَاتفقَ الزبيدِيّ وَعقيل وَسليمَان بن كثير وَالْأَوْزَاعِيّ على ذكر الدّباغ فِي هَذَا الحَدِيث عَن الزُّهْرِيّ، وَكَانَ ابْن عُيَيْنَة مرّة يذكرهُ وَمرَّة لَا يذكرهُ،.

     وَقَالَ  مُحَمَّد بن يحيى النَّيْسَابُورِي: لست أعْتَمد فِي هَذَا الحَدِيث على ابْن عُيَيْنَة لاضطرابه فِيهِ، وَأما ذكر الدّباغ فَلَا يُوجد إلاَّ عَن يحيى بن أَيُّوب عَن عقيل، وَمن رِوَايَة بَقِيَّة عَن الزبيدِيّ، وَيحيى وَبَقِيَّة ليسَا بالقويين، وَلم يذكر مَالك وَلَا يُونُس الدّباغ، وَهُوَ الصَّحِيح فِي حَدِيث الزُّهْرِيّ، وَبِه كَانَ يُفْتِي، وَأما من غير رِوَايَة الزُّهْرِيّ فَصَحِيح مَحْفُوظ عَن ابْن عَبَّاس،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: كَيفَ طابق الْجَواب السُّؤَال يَعْنِي فِي قَوْله: ( إِنَّمَا هُوَ حرَام أكلهَا) قلت: الْأكل غَالب فِي اللَّحْم، فَكَأَنَّهُ قَالَ: اللَّحْم حرَام لَا الْجلد.
قلت: لَو اطلع الْكرْمَانِي على مَا ذكرنَا الْآن لما احْتَاجَ إِلَى هَذَا السُّؤَال وَلَا إِلَى الْجَواب.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: احتجت بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُور جمَاعَة كَثِيرَة من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ على أَن جلد الْميتَة يطهر بالدباغ، فَمِمَّنْ قَالَ ذَلِك ابْن مَسْعُود وَابْن الْمسيب وَعَطَاء بن أبي رَبَاح وَالْحسن وَالشعْبِيّ وَالنَّخَعِيّ وَسَالم وَابْن جُبَير وَقَتَادَة وَالضَّحَّاك وَيحيى الْأنْصَارِيّ وَاللَّيْث وَالْأَوْزَاعِيّ وَالثَّوْري وَعبد الله بن الْمُبَارك وَأَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَالشَّافِعِيّ وَأَصْحَابه وَإِسْحَاق.
وَفِيه: دَلِيل على بطلَان قَول من قَالَ: إِن الْجلد من الْميتَة لَا ينْتَفع بِهِ بعد الدّباغ، وَبَطل أَيْضا قَول من قَالَ إِن جلد الْميتَة وَإِن لم يدبغ يسْتَمْتع بِهِ وَينْتَفع بِهِ، وَهُوَ قَول مَرْوِيّ عَن ابْن شهَاب وَاللَّيْث بن سعد، وَهُوَ مَشْهُور عَنْهُمَا على أَنه قد روى عَنْهُمَا خِلَافه، قَالَ معمر: وَكَانَ الزُّهْرِيّ يُنكر الدّباغ، وَيَقُول: مستمتع بِهِ على كل حَال، قَالَ أَبُو عبد الله الْمروزِي: مَا علمت أحدا قَالَ ذَلِك قبل الزُّهْرِيّ، وَكَانَ الزُّهْرِيّ يذهب إِلَى ظَاهر الحَدِيث فِي قَوْله: ( إِنَّمَا حرَام أكلهَا) ، قَالَ الطَّحَاوِيّ: قَالَ اللَّيْث: لَا بَأْس بِبيع جُلُود الْميتَة قبل الدّباغ لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أذن فِي الِانْتِفَاع بهَا، وَالْبيع من الِانْتِفَاع، قَالَ أَبُو جَعْفَر: لم يُحكَ عَن أحدِ من الْفُقَهَاء جَوَاز بيع جلد الْميتَة قبل الدّباغ إلاَّ عَن اللَّيْث.
قَالَ ابْن عمر: يَعْنِي من الْفُقَهَاء أَئِمَّة الْفَتْوَى بالأمصار بعد التَّابِعين، لِأَن ابْن شهَاب ذَاك عَنهُ صَحِيح، وَقد ذكر ابْن عبد الحكم عَن مَالك مَا يشبه مَذْهَب ابْن شهَاب فِي ذَلِك، قَالَ: من اشْترى جلد ميتَة فدبغه فَقَطعه نعالاً فَلَا يَبِيعهُ حَتَّى ييبس، فَهَذَا يدل على أَن مذْهبه يجوز بيع جلد الْميتَة قبل الدّباغ وَبعده، وَهُوَ ظَاهر مَذْهَب مَالك وَغَيره.
وَفِي ( التَّوْضِيح) : ومجموع مَا ذكر فِي دباغ جلد الْميتَة وطهارتها سَبْعَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَنه يطهر بِهِ جَمِيع جُلُود الْميتَة إلاَّ الْكَلْب وَالْخِنْزِير، وَالْفرع ظَاهرا وَبَاطنا، وَيسْتَعْمل فِي الْيَابِس والمائع، وَسَوَاء مَأْكُول اللَّحْم وَغَيره، وَبِه قَالَ عَليّ وَابْن مَسْعُود وَهُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي.
ثَانِيهَا: لَا يطهر مِنْهَا شَيْء بِهِ، رُوِيَ عَن جمَاعَة من السّلف، قيل: مِنْهُم عمر بن الْخطاب وَابْنه عبد الله وَعَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَهِي أشهر الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد، وَرِوَايَة عَن مَالك.
ثَالِثهَا: يطهر بِهِ جلد مَأْكُول اللَّحْم دون غَيره، وَهُوَ مَذْهَب الْأَوْزَاعِيّ وَابْن الْمُبَارك وَأبي ثَوْر، رَابِعهَا: يطهر جَمِيعهَا إلاَّ الْخِنْزِير، وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة.
خَامِسهَا: يطهر الْجَمِيع إلاَّ أَنه يطهر ظَاهره دون بَاطِنه وَيسْتَعْمل فِي اليابسات دون الْمَائِعَات، وَيصلى عَلَيْهِ لَا فِيهِ، وَهُوَ مَشْهُور مَذْهَب مَالك، رَحمَه الله تَعَالَى، فِيمَا حَكَاهُ عَنهُ أَصْحَابه.
سادسها: يطهر الْجَمِيع وَالْكَلب وَالْخِنْزِير ظَاهرا وَبَاطنا، وَهُوَ مَذْهَب دَاوُد وَأهل الظَّاهِر، وَحكي عَن أبي يُوسُف.
سابعها: أَنه ينْتَفع بجلود الْميتَة وَإِن لم تدبغ، وَيجوز اسْتِعْمَالهَا فِي الْمَائِعَات واليابسات، وَهُوَ وَجه شَاذ لبَعض الشَّافِعِيَّة.





[ قــ :1434 ... غــ :1493 ]
- حدَّثنا آدَمُ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ قَالَ حدَّثنا الحَكَمُ عنْ إبْرَاهِيمَ عنِ الأسْوَدِ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أنَّها أرادَتْ أنْ تَشْتَرِيَ بَرِيرَةَ لِلْعِتْقِ وأرَادَ مَوَالِيهَا إنْ يَشْتَرِطُوا وَلاءَهَا فذَكَرَتْ عائِشَةُ لِلنَّيِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهَا النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اشْتَرِيهَا فإنَّما الوَلاءُ لِمَنْ أعْتَقَ قالَتْ وأُتِيَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِلَحْمٍ فَقُلْتُ هاذا مَا تُصُدِّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ فقالَ هُوَ صَدَقَةٌ ولَنَا هَدِيَّةٌ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( هَذَا مَا تصدق بِهِ على بَرِيرَة) إِلَى آخِره، والترجمة فِي الصَّدَقَة على موَالِي أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وبريرة من جملَة مواليات عَائِشَة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَتصدق عَلَيْهَا بِصَدقَة فَأخْبر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنَّهَا كَانَت لَهَا صَدَقَة وَلَهُم هَدِيَّة، لِأَنَّهَا تحولت عَن معنى الصَّدَقَة بِملك الْمُتَصَدّق عَلَيْهِ بهَا، وانتقلت إِلَى معنى الْهَدِيَّة الْحَلَال لرَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد ذكر الحَدِيث فِي أَوَائِل كتاب الصَّلَاة فِي: بابُُ ذكر البيع وَالشِّرَاء على الْمِنْبَر فِي الْمَسْجِد رَوَاهُ عَن عَليّ بن عبد الله عَن سُفْيَان عَن يحيى عَن عمْرَة عَن يحيى عَن عَائِشَة، قَالَت: أتتها بَرِيرَة ... الحَدِيث، غير أَنه لم يذكر فِيهِ قَوْله: قَالَت عَائِشَة، وَأتي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ... إِلَى آخِره، وَهنا رَوَاهُ عَن آدم بن أبي إِيَاس عَن شُعْبَة عَن ابْن الْحجَّاج عَن الحكم بِفتْحَتَيْنِ ابْن عتبَة عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ عَن الْأسود بن يزِيد عَن عَائِشَة.

وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي كَفَّارَة الْإِيمَان عَن سُلَيْمَان بن حَرْب، وَفِي الطَّلَاق عَن عبد الله بن رَجَاء وَفِيه أَيْضا عَن آدم وَفِي الْفَرَائِض عَن حَفْص بن عمر.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الزَّكَاة عَن عَمْرو بن يزِيد وَفِي الصَّلَاة عَن عَمْرو بن عَليّ وَفِي الْفَرَائِض عَن بِنِدَاء عَن غنْدر، الْكل عَن شُعْبَة.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( بَرِيرَة) ، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَكسر الرَّاء الأولى.
قَوْله: ( مواليها) أَي: ساداتها، وَكَانَت لعتبة بن أبي لَهب،.

     وَقَالَ  أَبُو عمر: كَانَت مولاة لبَعض بني هِلَال فكاتبوها ثمَّ باعوها من عَائِشَة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: الْمولى جَاءَ بِمَعْنى الْمُعْتق والعتيق والناصر وَابْن الْعم وَالْجَار والحليف لَا بِمَعْنى السَّيِّد؟ قلت: جَاءَ أَيْضا بِمَعْنى الْمولى والمتصرف فِي الْأَمر.
انْتهى.
قلت: لَا وَجه لهَذَا السُّؤَال، لِأَن لفظ الْمولى مُشْتَرك بَين الْمولى الْأَعْلَى وَالْمولى الْأَسْفَل، وبريرة مولاة سفلى ومواليها موَالِي عليا.
قَوْله: ( اشتريها) أَي: بِمَا يُرِيدُونَ، أَي: من الِاشْتِرَاط بِكَوْن الْوَلَاء لَهُم.
قَوْله: ( تصدق) ، بِلَفْظ الْمَجْهُول، قَالَ الْكرْمَانِي: وَالْفرق بَين الصَّدَقَة وَالْهِبَة أَن الصَّدَقَة هبة لثواب الْآخِرَة، والهدية هبة تنقل إِلَى الْمُتَّهب إِكْرَاما لَهُ قلت: الصَّدَقَة قد تكون هبة، وَالْهِبَة قد تكون صَدَقَة، وَإِن الصَّدَقَة على الْغَنِيّ هبة، وَالْهِبَة للْفَقِير صَدَقَة.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: احْتج بِهِ بعض الْمَالِكِيَّة على أَن عَائِشَة اشترتها شِرَاء فَاسِدا فأنفذ الشَّارِع عتقهَا، وَمَعْلُوم أَن شَرط الْوَلَاء لغير الْمُعْتق يُوجب فَسَاد العقد، ثمَّ أنفذ الشَّارِع الْعتْق.
قلت: الَّذِي كَانَ من أهل بَرِيرَة فِي هَذَا الحَدِيث لم يكن شرطا فِي بيع، لَكِن فِي أَدَاء عَائِشَة إِلَيْهِم عَن بَرِيرَة، وهم توَلّوا عقد تِلْكَ الْكِتَابَة، وَلم يتَقَدَّم ذَلِك الْأَدَاء من عَائِشَة ملك، فَذكرت ذَلِك لرَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: لَا يمنعك ذَلِك مِنْهَا، أَي: لَا تَرْجِعِي بِهَذَا الْمَعْنى عَمَّا كنت نَوَيْت عتاقها من الثَّوَاب، اشتريها فأعتقيها فَإِنَّمَا الْوَلَاء لمن أعتق، وَكَانَ ذَلِك الشِّرَاء هُنَا ابْتِدَاء من رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لَيْسَ مَا كَانَ قبل ذَلِك بَين عَائِشَة وَبَين أهل بَرِيرَة فِي شَيْء، وَفِي ( التَّوْضِيح) : وَاسْتدلَّ بِهِ بعض أَصْحَاب أبي حنيفَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، على أَنَّهَا ملكت بِالْقَبْضِ ملكا تَاما، وَهُوَ بعيد لِأَنَّهُ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي هَذَا الحَدِيث وَغَيره أَمر عَائِشَة بِالشِّرَاءِ وَلم يكن ليأمر بفاسد.
قلت: جَوَاب هَذَا يفهم مِمَّا قبله مِمَّا ذكرنَا على أَن بعض أَصْحَابنَا قَالُوا: إِنَّهَا خصت بذلك كَمَا خص غَيرهَا بخصائص قيل: هَذَا بعيد، لِأَن ذَلِك لَو وَقع لنقل.
قلت: قَالَ النَّوَوِيّ: هَذَا من خَصَائِص عَائِشَة وَلَا عُمُوم لَهَا.
فَإِن قلت: فِيهِ صُورَة المخادعة؟ قلت: لم يكن هَذَا إلاَّ للزجر والتوبيخ، لِأَنَّهُ كَانَ بيَّن لَهُم حكم الْوَلَاء، وَأَن هَذَا الشَّرْط لَا يحل، فَلَمَّا ألحوا فِي اشْتِرَاطه وَمُخَالفَة الْأَمر، قَالَ لعَائِشَة هَذَا بِمَعْنى: لَا تبالي سَوَاء شرطته أم لَا، فَإِنَّهُ شَرط بَاطِل لِأَنَّهُ قد سبق بَيَان ذَلِك لَهُم وَلَيْسَ لفظ: اشترطي، هُنَا للْإِبَاحَة، وَقد تكلمنا فِي هَذَا الحَدِيث فِي: بابُُ ذكر البيع وَالشِّرَاء على الْمِنْبَر فِي الْمَسْجِد، فِي أَوَائِل كتاب الصَّلَاة، واستقصينا الْكَلَام فِيهِ.