فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب فرض صدقة الفطر

( بابُُ فَرْض صَدَقَةِ الْفِطْرِ)

أَي: هَذَا بابُُ بَيَان فرض صَدَقَة الْفطر، وَفِي بعض النّسخ: هَذَا الْمِقْدَار مَوْجُود وَمَا قبله غير مَوْجُود إلاَّ فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي.

ورَأى أبُو العَالِيَةِ وعَطَاءٌ وابنُ سيرِينَ صَدَقَةَ الفِطْرِ فَرِيضَةً

أَبُو الْعَالِيَة من الْعُلُوّ على وزن: فاعلة اسْمه رفيع بن مهْرَان الريَاحي، بِالْيَاءِ آخر الْحُرُوف، وَعَطَاء بن أبي رَبَاح، وَابْن سِيرِين هُوَ مُحَمَّد بن سِيرِين.
قَوْله: وَرَأى، ويروى: وَرُوِيَ عَن أبي الْعَالِيَة، فتعليق أبي الْعَالِيَة وَابْن سِيرِين رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة فِي ( مُصَنفه) عَن وَكِيع عَن عَاصِم عَن أبي الْعَالِيَة وَابْن سِيرِين أَنَّهُمَا قَالَا: صَدَقَة الْفطر فَرِيضَة، وَتَعْلِيق عَطاء وَصله عبد الرَّزَّاق عَن ابْن جريج عَن عَطاء.

ثمَّ اعْلَم أَن الْعلمَاء اخْتلفُوا فِي صَدَقَة الْفطر: هَل هِيَ فرض أَو وَاجِبَة أَو سنة أَو فعل خير مَنْدُوب إِلَيْهِ، فَقَالَت طَائِفَة: هِيَ فرض وهم الثَّلَاثَة المذكورون هُنَا: الشَّافِعِي وَمَالك وَأحمد،.

     وَقَالَ  أَصْحَابنَا: هِيَ وَاجِبَة،.

     وَقَالَ ت طَائِفَة: هِيَ سنة، وَهُوَ قَول مَالك فِي رِوَايَة ذكرهَا صَاحب الذَّخِيرَة،.

     وَقَالَ  بَعضهم: هِيَ فعل خير قد كَانَت وَاجِبَة ثمَّ نسخت، وَاسْتَدَلُّوا على هَذَا بِحَدِيث قيس بن سعد بن عبَادَة: ( قَالَ: أمرنَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِصَدقَة الْفطر قبل أَن تنزل الزَّكَاة، فَلَمَّا نزلت لم يَأْمُرنَا وَلم ينهنا وَنحن نفعله) .
رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَالْحَاكِم فِي ( الْمُسْتَدْرك) من رِوَايَة أبي عمار الْهَمدَانِي عَن قيس، وَاسم أبي عمار عريب بن حميد، كُوفِي ثِقَة.
قَالَه أَحْمد وَابْن معِين، وَبِحَدِيث قيس بن سعد أَيْضا من وَجه آخر أخرجه الْحَاكِم من حَدِيث الْقَاسِم بن مخيمرة عَن عَمْرو بن شُرَحْبِيل ( عَن قيس بن سعد بن عبَادَة، قَالَ: كُنَّا نَصُوم عَاشُورَاء ونؤدي صَدَقَة الْفطر، فَلَمَّا نزلت رَمَضَان وَنزلت الزَّكَاة لم نؤمر بِهِ وَلم ننه عَنهُ، وَنحن نفعله) .
.

     وَقَالَ : صَحِيح على شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلم يخرجَاهُ.
.

     وَقَالَ  الْبَيْهَقِيّ: إِن هَذَا لَا يدل على سُقُوط فرضيتها، لِأَن نزُول فرض لَا يُوجب سُقُوط آخر، وَقد أجمع أهل الْعلم على وجوب زَكَاة الْفطر، وَإِن اخْتلفُوا فِي تَسْمِيَتهَا فرضا فَلَا يجوز تَركهَا، وَقد نقل ابْن الْمُنْذر الْإِجْمَاع على فَرضِيَّة صَدَقَة الْفطر.
قلت: فِيهِ نظر لما ذكرنَا من الِاخْتِلَاف فِيهَا.



[ قــ :1443 ... غــ :1503 ]
- حدَّثنا يَحْيَى بنُ مُحَمَّدِ بنِ السَّكَنِ قَالَ حدَّثنا محَمَّدُ بنُ جَهْضَمٍ قَالَ حدَّثنا إسْمَاعِيلُ بنُ جَعْفَرٍ عنْ عُمَرَ بنِ نَافِعٍ عنْ أبِيهِ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.
قَالَ فَرَضَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زَكاةَ الفِطْرِ صَاعا مِنْ تَمْرٍ أوْ صَاعا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى العَبْدِ وَالحُرِّ وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى وَالصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ مِنَ المُسْلِمِينَ وَأمَرَ بِهَا أنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إلَى الصَّلاَةِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( فرض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) .

ذكر رِجَاله: وهم: سِتَّة: الأول: يحيى بن مُحَمَّد بن السكن، بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَفتح الْكَاف وَفِي آخِره نون: ابْن حبيب أَبُو عبيد الله الْبَزَّار، بالزاي ثمَّ بالراء: الْقرشِي.
الثَّانِي: مُحَمَّد بن جَهْضَم، بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْهَاء وَفتح الضَّاد الْمُعْجَمَة: ابْن عبد الله أَبُو جَعْفَر الثَّقَفِيّ.
الثَّالِث: إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر بن كثير أَبُو إِبْرَاهِيم الْأنْصَارِيّ.
الرَّابِع: عمر بن نَافِع، مولى عبد الله بن عمر.
الْخَامِس: أَبوهُ نَافِع.
السَّادِس: عبد الله بن عمر بن الْخطاب.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: القَوْل فِي مَوضِع وَاحِد.
وَفِيه: أَن شَيْخه من أَفْرَاده وَأَنه مُحَمَّد بن جَهْضَم بصريان وَمُحَمّد هَذَا يمامي ثمَّ خراساني، ثمَّ سكن الْبَصْرَة فعد من أَهلهَا، وَعمر وَأَبوهُ مدنيان، وَفِيه: رِوَايَة الابْن عَن أَبِيه.
وَفِيه: أَن عمر لَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الحَدِيث وَآخر فِي النَّهْي عَن الْفَزع.
وَفِيه: أَن شَيْخه مَذْكُور باسم أَبِيه وَاسم جده.

ذكر من أخرجه غَيره أخرجه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ عَن يحيى بن مُحَمَّد شيخ البُخَارِيّ.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا قُتَيْبَة حَدثنَا حَمَّاد بن زيد عَن أَيُّوب عَن نَافِع ( عَن ابْن عمر: قَالَ: فرض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَدَقَة الْفطر على الذّكر وَالْأُنْثَى وَالْحر والمملوك صَاعا من تمر أَو صَاعا من شعير.
قَالَ: فَعدل النَّاس إِلَى نصف صَاع من بر)
،.

     وَقَالَ : هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح.
.

     وَقَالَ  أَيْضا: حَدثنَا إِسْحَاق بن مُوسَى الْأنْصَارِيّ حَدثنَا معن عَن مَالك عَن نَافِع ( عَن عبد الله ابْن عمر: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فرض زَكَاة الْفطر من رَمَضَان صَاعا من تمر أَو صاعآ من شعير على كل حر أَو عبد، ذكر أَو أُنْثَى من الْمُسلمين) .

     وَقَالَ : حَدِيث حسن صَحِيح.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( فرض رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) قَالَ أَبُو عمر: قَوْله: ( فرض) ، يحْتَمل وَجْهَيْن أَحدهمَا وَهُوَ الْأَظْهر: فرض بِمَعْنى أوجب، وَالْآخر: فرض بِمَعْنى قدر.
كَمَا تَقول: فرض القَاضِي نَفَقَة الْيَتِيم أَي: قدرهَا، وَالَّذِي أذهب إِلَيْهِ أَن لَا يزَال قَوْله: ( فرض) عَن معنى الْإِيجَاب إلاَّ بِدَلِيل الْإِجْمَاع، وَذَلِكَ مَعْدُوم، فَإِن القَوْل بِأَنَّهَا غير وَاجِبَة شذوذ أَو فِي معنى الشذوذ.
.

     وَقَالَ  أَصْحَابنَا: بِأَنَّهَا وَاجِبَة على حَقِيقَتهَا الاصطلاحية، وَهِي أَن تكون بَين الْفَرْض وَالسّنة.
.

     وَقَالَ  الشَّافِعِي: فرض بِنَاء على أَصله أَنه لَا فرق بَين الْوَاجِب وَالْفَرِيضَة.
.

     وَقَالَ  تَاج الشَّرِيعَة من أَصْحَابنَا: هِيَ وَاجِبَة حَتَّى لَا يكفر جاحدها، وَهُوَ الْفرق بَين الْفَرِيضَة وَالْوَاجِب.
.

     وَقَالَ  ابْن دَقِيق الْعِيد: أصل معنى الْفَرْض فِي اللُّغَة التَّقْدِير، وَلَكِن نقل فِي عرف الشَّرْع إِلَى الْوُجُوب، فالحمل عَلَيْهِ أولى، يَعْنِي: من الْحمل على مَعْنَاهُ الْأَصْلِيّ، وَقد ذكرنَا أَن بَعضهم ذَهَبُوا إِلَى أَنه سنة لأَنهم قَالُوا: معنى فرض فِي الْأَحَادِيث الَّتِي وَردت قدر، وَحَمَلُوهُ على مَعْنَاهُ الْأَصْلِيّ.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: الْمَفْهُوم من لفظ: فرض، بِحَسب عرف الشَّرْع: الْوُجُوب، وَلَا يجوز للراوي أَن يعبر بِالْفَرْضِ عَن الْمَنْدُوب مَعَ علمه بِالْفرقِ بَينهمَا.
قلت: يرد عَلَيْهِم أَنهم لم يفرقُوا بَين الْفَرْض وَالْوَاجِب مَعَ علمهمْ بِالْفرقِ بَينهمَا بِحَسب اللُّغَة.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: وَهُوَ على وُجُوه:
الأول: أَن صَدَقَة الْفطر من التَّمْر وَالشعِير صَاع، وَمذهب دَاوُد وَمن تبعه أَنه: لَا يجوز إلاَّ من التَّمْر وَالشعِير، وَلَا يجزىء عِنْده قَمح وَلَا دقيقه وَلَا دَقِيق شعير وَلَا سويق وَلَا خبز وَلَا زبيب وَلَا غير ذَلِك، وَاحْتج فِي ذَلِك بِهَذَا الحَدِيث، قَالَ: لِأَنَّهُ ذكر فِيهِ ابْن عمر التَّمْر وَالشعِير وَلم يذكر غَيرهمَا.
.

     وَقَالَ  أَبُو عمر: أجمع الْعلمَاء على أَن الشّعير وَالتَّمْر لَا يجزىء من أَحدهمَا إلاَّ صَاع كَامِل أَرْبَعَة أَمْدَاد.

الثَّانِي: قَوْله: ( على العَبْد) تعلق بِهِ دَاوُد فِي وُجُوبهَا على العَبْد وَأَن السَّيِّد يجب عَلَيْهِ أَن يُمكنهُ من كسبها كَمَا يُمكنهُ من صَلَاة الْفَرْض، وَمذهب الْجَمَاعَة وُجُوبهَا على السَّيِّد حَتَّى لَو كَانَ للتِّجَارَة، وَهُوَ مَذْهَب مَالك وَاللَّيْث وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ وَإِسْحَاق وَابْن الْمُنْذر.
.

     وَقَالَ  عَطاء وَالنَّخَعِيّ وَالثَّوْري والحنفيون: إِذا كَانَ للتِّجَارَة لَا تلْزمهُ فطرته، وَأما الْمكَاتب فالجمهور أَنَّهَا لَا تجب عَلَيْهِ، وَعَن مَالك قَولَانِ: يُخرجهَا عَن نَفسه، وَقيل: سَيّده، وَلَا تجب على السَّيِّد عِنْد أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد،.

     وَقَالَ  مَيْمُون بن مهْرَان وَعَطَاء وَأَبُو ثَوْر: يُؤَدِّي عَنهُ سَيّده، وَاسْتدلَّ لمن قَالَ: لَا تجب على السَّيِّد بِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث إِبْرَاهِيم بن طهْمَان عَن مُوسَى بن عقبَة عَن نَافِع عَن ابْن عمر أَنه كَانَ يُؤَدِّي زَكَاة الْفطر عَن كل مَمْلُوك لَهُ فِي أرضه وَأَرْض غَيره، وَعَن كل إِنْسَان يعوله من صَغِير وكبير، وَعَن رَقِيق امْرَأَته وَكَانَ لَهُ مكَاتب بِالْمَدِينَةِ فَكَانَ لَا يُؤَدِّي عَنهُ.
.

     وَقَالَ  الْبَيْهَقِيّ: وَفِي رِوَايَة الثَّوْريّ عَن مُوسَى: كَانَ لِابْنِ عمر مكاتبان فَلَا يُعْطي عَنْهُمَا الزَّكَاة يَوْم الْفطر، وَرَوَاهُ ابْن أبي شيبَة عَن حَفْص عَن الضَّحَّاك بن عُثْمَان عَن نَافِع.

الثَّالِث: قَوْله: ( وَالْأُنْثَى) ظَاهره وُجُوبهَا على الْمَرْأَة، سَوَاء كَانَ لَهَا زوج أَو لَا، وَأما الْمَرْأَة الْمُزَوجَة فَلَا تجب فطرتها على زَوجهَا عِنْد أبي حنيفَة وَالثَّوْري وَابْن الْمُنْذر وَمَالك.
.

     وَقَالَ  الشَّافِعِي وَمَالك فِي ( الصَّحِيح) وَإِسْحَاق: تلْزم على الزَّوْج، مستدلين بقول ابْن عمر: ( أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِصَدقَة الْفطر عَن الصَّغِير وَالْكَبِير مِمَّن تمونون) .
.

     وَقَالَ  الْبَيْهَقِيّ: إِسْنَاده غير قوي.

الرَّابِع: قَوْله: ( وَالصَّغِير) ، جُمْهُور الْعلمَاء على وُجُوبهَا على الصَّغِير وَإِن كَانَ يَتِيما، قَالَ ابْن بزيزة:.

     وَقَالَ  مُحَمَّد بن الْحسن وَزفر: لَا يجب على الْيَتِيم زَكَاة الْفطر كَانَ لَهُ مَال أَو لم يكن، فَإِن أخرجهَا عَنهُ وَصِيّه ضمن، قَالَ: وأصل مَذْهَب مَالك وجوب الزَّكَاة على الْيَتِيم مُطلقًا، وَذكر صَاحب ( الْهِدَايَة) : يخرج عَن أَوْلَاده الصغار فَإِن كَانَ لَهُم مَال أدّى من مَالهم عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف خلافًا لمُحَمد،.

     وَقَالَ  ابْن بزيزة: قَالَ الْحسن: هِيَ على الْأَب فَإِن أَعْطَاهَا من مَال الابْن ضمن.
قَالَ: وَهل يجب إخْرَاجهَا عَن الْجَنِين أم لَا؟ فالجمهور أَنَّهَا غير وَاجِبَة عَلَيْهِ.
قَالَ: وَمن شواذ الْأَقْوَال أَنَّهَا تخرج عَن الْجَنِين، روينَا ذَلِك عَن عُثْمَان بن عَفَّان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَسليمَان بن يسَار.
وَفِي ( المُصَنّف) : حَدثنَا عبد الْوَهَّاب الثَّقَفِيّ عَن أَيُّوب عَن أبي قلَابَة قَالَ: كَانُوا يُعْطون حَتَّى عَن الْحمل.
قَالَ ابْن بزيزة: قَالَ قوم من سلف الْعلمَاء: إِذا أكمل الْجَنِين فِي بطن أمه مائَة وَعشْرين يَوْمًا قبل انصداع الْفجْر من لَيْلَة الْفطر وَجب إِخْرَاج زَكَاة الْفطر عَنهُ كَأَنَّهُ اعْتمد على حَدِيث ابْن مَسْعُود: ( إِن خلق أحدكُم يجمع فِي بطن أمه أَرْبَعِينَ صباحا) الحَدِيث.

الْخَامِس: قَوْله: ( من الْمُسلمين) : تكلم الْعلمَاء فِيهِ، قَالَ الشَّيْخ فِي ( الإِمَام) : وَقد اشتهرت هَذِه اللَّفْظَة من رِوَايَة مَالك حَتَّى قيل: إِنَّه تفرد بهَا.
قَالَ أَبُو قلَابَة: عبد الْملك بن مُحَمَّد لَيْسَ أحد يَقُول فِيهِ من الْمُسلمين غير مَالك،.

     وَقَالَ  التِّرْمِذِيّ بعد تَخْرِيجه لَهُ: زَاد مَالك ( من الْمُسلمين) ، وَقد رَوَاهُ غير وَاحِد عَن نَافِع عَن ابْن عمر وَلم يَقُولُوا فِيهِ: من الْمُسلمين، وتبعهما على ذَلِك القَوْل جمَاعَة.
قَالَ الشَّيْخ: وَلَيْسَ بِصَحِيح، فقد تَابع مَالِكًا هَذِه اللَّفْظَة من الثِّقَات سَبْعَة، وهم: عمر بن نَافِع رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي هَذَا الْبابُُ، وَالضَّحَّاك بن عُثْمَان رَوَاهُ مُسلم عَنهُ عَن نَافِع ( عَن ابْن عمر: فرض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زَكَاة الْفطر من رَمَضَان على كل نفس من الْمُسلمين.
.
)
الحَدِيث، والمعلى بن أَسد رَوَاهُ ابْن حبَان فِي ( صَحِيحه) عَنهُ عَن نَافِع ( عَن ابْن عمر قَالَ: أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زَكَاة الْفطر صَاعا من تمر أَو صَاعا من شعير عَن كل مُسلم) الحَدِيث، وَعبد الله بن عمر رَوَاهُ الْحَاكِم فِي ( مُسْتَدْركه) عَنهُ عَن نَافِع ( عَن ابْن عمر: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فرض زَكَاة الْفطر صَاعا من تمر أَو صَاعا من بر على كل حر أَو عبد ذكر أَو أُنْثَى من الْمُسلمين، وَصَححهُ) ، وَكثير بن فرقد رَوَاهُ الْحَاكِم أَيْضا عَنهُ عَن نَافِع ( عَن ابْن عمر: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فرض زَكَاة الْفطر) لحَدِيث وَفِيه: ( من الْمُسلمين) وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيّ فِي ( مُشكل الْآثَار) وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي ( سنَنه) ، وَعبيد الله بن عمر الْعمريّ أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ عَنهُ عَن ابْن عمر نَحوه سَوَاء، وَيُونُس بن يزِيد رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ فِي ( مشكله) عَنهُ أَن نَافِعًا أخبرهُ قَالَ: ( قَالَ عبد الله بن عمر: فرض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على النَّاس زَكَاة الْفطر من رَمَضَان صَاعا من تمر أَو صَاعا من شعير على كل إِنْسَان ذكر أَو أُنْثَى حرا أَو عبدا من الْمُسلمين) ، وَبِهَذَا احْتج مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَأَبُو ثَوْر على أَنه لَا تجب صَدَقَة الْفطر على أحد من عَبده الْكَافِر، وَهُوَ قَول سعيد بن الْمسيب وَالْحسن.

     وَقَالَ  الثَّوْريّ وَأَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه عَلَيْهِ أَن يُؤَدِّي صَدَقَة الْفطر من عَبده الْكَافِر.

وَهُوَ قَول عَطاء وَمُجاهد وَسَعِيد بن جُبَير وَعمر بن عبد الْعَزِيز وَالنَّخَعِيّ، وَرُوِيَ ذَلِك عَن أبي هُرَيْرَة وَابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( أَدّوا صَدَقَة الْفطر عَن كل صَغِير وكبير وَذكر أَو أُنْثَى يَهُودِيّ أَو نَصْرَانِيّ، حر أَو مَمْلُوك، نصف صَاع من بر أَو صَاعا من تمر أَو شعير) .
فَإِن قلت: قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لم يسند هَذَا الحَدِيث غير سَلام الطَّوِيل وَهُوَ مَتْرُوك، وَرَوَاهُ ابْن الْجَوْزِيّ فِي ( الموضوعات) .

     وَقَالَ :.

     وَقَالَ  زِيَادَة الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ فِيهِ مَوْضُوعَة انْفَرد بهَا سَلام الطَّوِيل وَكَأَنَّهُ تعمدها وَاغْلُظْ فِيهِ القَوْل عَن النَّسَائِيّ وَابْن حبَان جازف ابْن الْجَوْزِيّ فِي مقَالَته من غير دَلِيل، وَقد أخرج الطَّحَاوِيّ فِي ( مشكله) مَا يُؤَيّد هَذَا: عَن ابْن الْمُبَارك عَن ابْن لَهِيعَة عَن عبيد الله بن أبي جَعْفَر عَن الْأَعْرَج ( عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: كَانَ يخرج صَدَقَة الْفطر عَن كل إِنْسَان يعول من صَغِير وكبير حر أَو عبد وَلَو كَانَ نَصْرَانِيّا مدّين من قَمح أَو صَاعا من تمر) .
وَحَدِيث ابْن لَهِيعَة يصلح للمتابعة، سِيمَا رِوَايَة ابْن الْمُبَارك عَنهُ وَلم يتْركهُ أحد، وَيُؤَيِّدهُ أَيْضا مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ: عَن عُثْمَان بن عبد الرَّحْمَن عَن نَافِع ( عَن ابْن عمر: أَنه كَانَ يخرج صَدَقَة الْفطر عَن كل حر وَعبد صَغِير وكبير ذكر أَو أُنْثَى كَافِرًا أَو مُسلم) الحَدِيث.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: وَعُثْمَان هَذَا هُوَ الْوَقَّاصِ، وَهُوَ مَتْرُوك.
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي ( مُصَنفه) عَن ابْن عَبَّاس ( قَالَ: يخرج الرجل زَكَاة الْفطر عَن كل مَمْلُوك لَهُ وَإِن كَانَ يَهُودِيّا أَو نَصْرَانِيّا) وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي ( مُصَنفه) : عَن إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش عَن عمر بن مهَاجر عَن عمر بن عبد الْعَزِيز، قَالَ: سمعته يَقُول: يُؤَدِّي الرجل الْمُسلم عَن مَمْلُوكه النَّصْرَانِي صَدَقَة الْفطر، حَدثنَا عبد الله ابْن دَاوُد عَن الْأَوْزَاعِيّ، قَالَ: بَلغنِي عَن ابْن عمر أَنه كَانَ يُعْطي عَن مَمْلُوكه النَّصْرَانِي صَدَقَة الْفطر، وروى عَن إِبْرَاهِيم مثله، وَالْجَوَاب عَن قَوْله: ( من الْمُسلمين) أَن مَعْنَاهُ من يلْزمه إِخْرَاج الزَّكَاة عَن نَفسه وَعَن غَيره، وَلَا يكون إلاَّ مُسلما.
وَأما العَبْد فَلَا يلْزمه فِي نَفسه زَكَاة الْفطر، وَإِنَّمَا يلْزم مَوْلَاهُ الْمُسلم عَنهُ.
وَجَوَاب آخر: مَا قَالَه ابْن بزيزة، وَهُوَ: إِن قَوْله: ( من الْمُسلمين) زِيَادَة مضطربة من غير شكّ من جِهَة الْإِسْنَاد، وَالْمعْنَى: لِأَن ابْن عمر رَاوِيه كَانَ من مذْهبه إِخْرَاج الزَّكَاة عَن العَبْد الْكَافِر، والراوي إِذا خَالف مَا رَوَاهُ كَانَ تضعيفا لروايته.
وَجَوَاب آخر: أَن فِي صَدَقَة الْفطر نصان: أَحدهمَا: جعل الرَّأْس الْمُطلق سَببا، وَهُوَ الرِّوَايَة الَّتِي لَيْسَ فِيهَا: من الْمُسلمين.
وَالْآخر: جعل الرَّأْس الْمُسلم سَببا، وَلَا تنَافِي فِي الْأَسْبابُُ كَمَا عرف كالملك يبث بِالشِّرَاءِ وَالْهِبَة وَالْوَصِيَّة وَالصَّدَََقَة وَالْإِرْث فَإِذا امْتنعت المزاجمة وَجب الْجمع بإجراء كل وَاحِد من الْمُطلق والمقيد على سنَنه من غير حمل أَحدهمَا على الآخر، فَيجب أَدَاء صَدَقَة الْفطر عَن العَبْد الْكَافِر بِالنَّصِّ الْمُطلق وَعَن الْمُسلم بالمقيد.
فَإِن قلت: إِذا لم يحمل الْمُطلق على الْمُقَيد أدّى إِلَى إِلْغَاء الْمُقَيد، فَإِن حكمه يفهم من الْمُطلق، فَإِن حكم العَبْد الْمُسلم يُسْتَفَاد من إِطْلَاق إسم العَبْد فَلم يبْق لذكر الْمُقَيد فَائِدَة؟ قلت: لَيْسَ كَذَلِك، بل فِيهِ فَوَائِد، وَهِي: أَن يكون الْمُقَيد دَلِيلا على الِاسْتِحْبابُُ وَالْفضل، أَو على أَنه عَزِيمَة وَالْمُطلق رخصَة، أَو على أَنه أهم وأشرف حَيْثُ نَص عَلَيْهِ بعد دُخُوله تَحت الِاسْم الْمُطلق، كتخصيص صَلَاة الْوُسْطَى وَجِبْرِيل وَمِيكَائِيل، عَلَيْهِمَا السَّلَام، فِي مُطلق الصَّلَوَات، ودخولهما فِي مُطلق اسْم الْمَلَائِكَة، وَقد أمكن الْعَمَل بهما.
وَاحْتِمَال الْفَائِدَة قَائِم لَا يجوز إبِْطَال صفة الْإِطْلَاق.

السَّادِس: قَوْله: ( وَأمر بهَا أَن تُؤَدّى قبل خُرُوج النَّاس إِلَى الصَّلَاة) ، وَهَذَا أَمر اسْتِحْبابُُ، وَهُوَ قَول ابْن عمر وَابْن عَبَّاس وَعَطَاء بن أبي رَبَاح وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَالقَاسِم وَأبي نَضرة وَعِكْرِمَة وَالضَّحَّاك وَالْحكم بن عُيَيْنَة ومُوسَى بن وردان وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَإِسْحَاق وَأهل الْكُوفَة، وَلم يحك فِيهِ خلاف، وَحكى الْخطابِيّ الْإِجْمَاع فِيهِ،.

     وَقَالَ  ابْن حزم: الْأَمر فِيهِ للْوُجُوب فَيحرم تَأْخِيرهَا عَن ذَلِك الْوَقْت.