فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب: كيف كان بدء الرمل

( بابٌُ كَيفَ كانَ بَدْءُ الرَّمَلِ)

أَي: هَذَا بابُُ يذكر فِيهِ كَيْفيَّة ابْتِدَاء مَشْرُوعِيَّة الرمل فِي الطّواف، والرمل، بِفَتْح الرَّاء وَالْمِيم: هُوَ سرعَة الْمَشْي مَعَ تقَارب فِي الخطوة.
وَفِي ( الْمُحكم) : رمل يرمل رملاً ورملاً: إِذا مَشى دون الْعَدو.
قَالَ الْقَزاز: هُوَ الْعَدو الشَّديد.
وَفِي الجمهرة: شَبيه بالهرولة وَفِي ( الصِّحَاح) : هُوَ الهرولة، وَفِي ( المغيث) هُوَ الخبب، وَقيل: هُوَ أَن يهز مَنْكِبه وَلَا يسْرع الْعَدو، وَفِي ( كتاب المسالك) لِابْنِ الْعَرَبِيّ: هُوَ مَأْخُوذ من التحرك، وَهُوَ أَن يُحَرك الْمَاشِي مَنْكِبَيْه لشدَّة الْحَرَكَة فِي مَشْيه.



[ قــ :1537 ... غــ :1602 ]
- حدَّثنا سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ قَالَ حدَّثنا حَمَّادٌ هُوَ ابنُ زَيْدٍ عنْ أيُّوبَ عَنْ سَعيدِ بنِ جُبَيْرٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ قَدِمَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأصْحَابُهُ فَقَالَ المُشْرِكُونَ إنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيْكُم وقَدْ وهَنَهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ فأمَرَهُمُ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنْ يَرْمُلُوا الأشْوَاطَ الثَّلاثَةَ وأنْ يَمْشُوا مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ ولَمْ يَمْنَعْهُ أنْ يأمُرَهُمْ أنْ يَرْمُلُوا الأشْوَاطَ كُلَّهَا إِلَّا الإبْقَاءُ عَلَيْهِمْ.

( الحَدِيث 2061 طرفه فِي: 6524) .

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الْمَذْكُور فِيهِ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر القادمين مَعَه إِلَى مَكَّة أَن يرملوا، وَكَانَ هَذَا هُوَ ابْتِدَاء مَشْرُوعِيَّة الرمل، وَرِجَاله قد تكرروا.

وَأعَاد البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث فِي الْمَغَازِي عَن سُلَيْمَان بن حَرْب أَيْضا.
وَأخرجه مُسلم فِي الْحَج أَيْضا عَن أبي الرّبيع الزهْرَانِي.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن مُسَدّد.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان لوبن.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( قدم رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأَصْحَابه) أَي: مَكَّة.
قَوْله: ( فَقَالَ الْمُشْركُونَ إِنَّه يقدم عَلَيْكُم) بِفَتْح الدَّال، وَالضَّمِير فِي: أَنه، يرجع إِلَى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَفِي: وهنهم، لأَصْحَابه، وَله وَجه آخر يَأْتِي بَيَانه عَن قريب، وَفِي لفظ مُسلم: ( فَقَالَ الْمُشْركُونَ: هَؤُلَاءِ الَّذين زعمتم أَن الْحمى وهنتهم، هَؤُلَاءِ أجلد من كَذَا وَكَذَا) .
وَفِي لفظ للْبُخَارِيّ: ( وَالْمُشْرِكُونَ من جبل قعيقعان) ، وَفِي لفظ لمُسلم: ( وَكَانُوا يحسدونه) ، وَفِي لفظ: ( وَكَانَ أهل مَكَّة قوما حسدا) ، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: ( يقدم عَلَيْكُم قوم عُرَاة، فَأطلع الله نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على مَا قَالُوا، فَأَمرهمْ أَن يرملوا وَأَن يمشوا) .
وَفِي رِوَايَة ابْن مَاجَه: ( قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأَصْحَابه حِين أَرَادوا دُخُول مَكَّة فِي عمرته بعد الْحُدَيْبِيَة: إِن قومكم غَدا سيرونكم، فليرونكم جلدا.
فَلَمَّا دخلُوا الْمَسْجِد الْحَرَام استلموا الرُّكْن ورملوا وَهُوَ مَعَهم)
، وللطبراني عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: من شَاءَ فليرمل وَمن شَاءَ فَلَا يرمل، إِنَّمَا أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالرمل ليرى الْمُشْركُونَ قوته، وَفِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ فِي ( تهذيبه) : لما اعْتَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بلغه أَن أهل مَكَّة يَقُولُونَ: إِن بِأَصْحَابِهِ هزالًا.
فَقَالَ لَهُم حِين قدم: شدوا مآزركم وأعضادكم، وارملوا حَتَّى يَقُول قومكم: إِن بكم قُوَّة، قَالَ ثمَّ حج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم يرمل، قَالُوا: وَإِنَّمَا رمل فِي عمْرَة الْعقبَة، وَفِي إِسْنَاده حجاج بن أَرْطَاة، وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد: أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه اعتمروا من جعرانة، يَعْنِي فِي عمْرَة الْقَضَاء، فرملوا بِالْبَيْتِ وَجعلُوا أرديتهم تَحت آباطهم، ثمَّ قدموها على عواتقهم الْيُسْرَى، وَفِي لفظ: ( كَانُوا إِذا بلغُوا الرُّكْن الْيَمَانِيّ وتغيبوا من قُرَيْش مَشوا، ثمَّ إِذا اطلعوا عَلَيْهِم يرملون، تَقول قُرَيْش: كَأَنَّهُمْ الغزلان) .
قَوْله: ( قد وهنهم) ويروى ( وَقد وهنهم) بواو الْعَطف، وحرف التَّقْرِيب، وَالْجُمْلَة حَالية، وَهَذَا بِحرف الْعَطف وبحذفها رِوَايَة ابْن السكن.
.

     وَقَالَ  ابْن قرقول: رِوَايَة الكافة بِالْفَاءِ، وَهُوَ الصَّوَاب يَعْنِي: وَفد بِمَعْنى الْجَمَاعَة القادمين، فعلى هَذَا يكون ارتفاعه على أَنه فَاعل.
قَوْله: ( يقدم) ، وَيكون قَوْله وهنهم فِي مَحل الرّفْع لِأَنَّهَا تكون صفة لوفد، وعَلى هَذَا يكون الضَّمِير فِي قَوْله ( إِنَّه يقدم) ، ضمير الشان، وعَلى رِوَايَة ابْن السكن: يرجع إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا ذكرنَا عَن قريب، ويروى: وهنهم، بِالتَّشْدِيدِ من التوهين.
وَقَوله: ( حمى يثرب) بِالرَّفْع فَاعله، والوهن الضعْف، يُقَال: وَهن يهن مثل: وعد، ووهن ورم، والواهن الضَّعِيف فِي قوته لَا بَطش عِنْده، وَعَن صَاحب ( الْعين) : الوهن الضعْف فِي الْعَمَل وَالْأَمر، وَكَذَلِكَ فِي الْعظم، وهَنَ الشَّيْء وأوهنه، والوهن بِفَتْح الْهَاء لُغَة فِي الوهن بالتسكين، وَرجل واهن فِي الْأَمر وَالْعَمَل، وموهون فِي الْعظم وَالْبدن، وَعَن ابْن دُرَيْد: وَهن يوهن.
قَوْله: ( يثرب) اسْم مَدِينَة الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْجَاهِلِيَّة.
قَوْله: ( أَن يرملوا) ، بِضَم الْمِيم أَي: وَأَن يرملوا، و: أَن، مَصْدَرِيَّة، وَالتَّقْدِير: يَأْمُرهُم بالرمل.
قَوْله: ( الأشواط) جمع شوط، بِفَتْح الشين وَهُوَ الطلق، وَهُوَ مَأْخُوذ من قَوْلهم: جرى الْفرس شوطا إِذا بلغ مجْرَاه، ثمَّ عَاد، فَكل من أَتَى موضعا ثمَّ انْصَرف عَنهُ فَهُوَ شوط، وَالْمرَاد هَهُنَا: الطوفة حول الْكَعْبَة، وانتصاب الأشواط على الظّرْف.
قَوْله: ( وَأَن يمشوا) ، عطف على قَوْله: ( أَن يرملوا) .
قَوْله: ( مَا بَين الرُّكْنَيْنِ) أَي: اليمانيين.
قَوْله: ( إلاَّ الْإِبْقَاء) ، بِكَسْر الْهمزَة وبالباء الْمُوَحدَة وَالْقَاف، وَهُوَ الرِّفْق والشفقة، أَي: لم يمنعهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أَمرهم بالرمل فِي الْكل إلاَّ الرِّفْق بهم،.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ: روينَاهُ بِالرَّفْع على أَنه فَاعل يمنعهُم، وَيجوز النصب على أَن يكون مَفْعُولا من أَجله.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: الرمل فِي الطّواف.
وَاخْتلف الْعلمَاء فِيهِ: هَل هُوَ سنة من سنَن الْحَج لَا يجوز تَركهَا؟ أَو لَيْسَ بِسنة لِأَنَّهُ كَانَ لعِلَّة وَقد زَالَت، فَمن شَاءَ فعله اخْتِيَارا؟ فَروِيَ عَن عمر وَابْن مَسْعُود وَابْن عمر: أَنه سنة، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد.
.

     وَقَالَ  آخَرُونَ: لَيْسَ بِسنة، فَمن شَاءَ فعله وَمن شَاءَ تَركه، روى ذَلِك عَن جمَاعَة من التَّابِعين مِنْهُم طَاوُوس وَعَطَاء وَالْحسن وَالقَاسِم وَسَالم، وَرُوِيَ ذَلِك عَن ابْن عَبَّاس وَجُمْهُور الْعلمَاء، على أَن الرمل من الْحجر إِلَى الْحجر، وَفِي ( التَّوْضِيح) : ثمَّ الْجُمْهُور على أَنه يستوعب الْبَيْت بالرمل، وَفِي قَول: لَا يرمل بَين الرُّكْنَيْنِ اليمانيين، وَالْمَرْأَة لَا ترمل بِالْإِجْمَاع لِأَنَّهُ يقْدَح فِي السّتْر وَلَيْسَت من أهل الْجلد وَلَا تهرول أَيْضا بَين الصَّفَا والمروة فِي السَّعْي، وَرَوَاهُ الشَّافِعِي عَن ابْن عمر وَعَائِشَة وَجَمَاعَة، فَإِن ترك الرمل فِي الطّواف والهرولة فِي السَّعْي بَين الصَّفَا والمروة، ثمَّ ذكر وَهُوَ قريب، فَمرَّة قَالَ مَالك: يُعِيد، وَمرَّة قَالَ: لَا يُعِيد، وَبِه قَالَ ابْن الْقَاسِم، وَاخْتلف أَيْضا هَل عَلَيْهِ دم أم لَا.
وَفِيه: جَوَاز تَسْمِيَة الطوفة شوطا.
وَنقل عَن الشَّافِعِي كَرَاهَته.
وَفِي ( الْأُم) : قَالَ الشَّافِعِي: لَا يُقَال شوط وَلَا دور، وَعَن مُجَاهِد: لَا تَقولُوا شوطا وَلَا شوطين، وَلَكِن قُولُوا: دورا اودورين.
وَفِيه: مَا يُؤْخَذ جَوَاز إِظْهَار الْقُوَّة بالعدة وَالسِّلَاح وَنَحْو ذَلِك للْكفَّار إرهابا لَهُم، وَلَا يعد ذَلِك من الرِّيَاء.
وَفِيه: جَوَاز المعاريض بِالْفِعْلِ، كَمَا يجوز بالْقَوْل، وَرُبمَا يكون بِالْفِعْلِ أولى.