فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب من طاف بالبيت إذا قدم مكة، قبل أن يرجع إلى بيته، ثم صلى ركعتين، ثم خرج إلى الصفا

( بابُُ مَنْ طافَ بِالْبَيْتِ إذَا قَدِمَ مَكَّةَ قَبْلَ أنْ يَرْجِعَ إلَى بَيْتِهِ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجَ إلَى الصَّفَا)

أَي: هَذَا بابُُ يذكر فِيهِ بَيَان من طَاف بِالْبَيْتِ ... إِلَى آخِره، وَكلمَة: من، مَوْصُولَة، وَمرَاده بِهَذِهِ التَّرْجَمَة بَيَان أَن: من قدم مَكَّة حَاجا أَو مُعْتَمِرًا أَن يطوف بِالْبَيْتِ ثمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ يخرج إِلَى الصَّفَا وَيسْعَى بَينه وَبَين الْمَرْوَة، فَإِن كَانَ مُعْتَمِرًا حل وَحلق، وَإِن كَانَ حَاجا ثَبت على إِحْرَامه حَتَّى يخرج إِلَى منى يَوْم التَّرويَة لعمل الْحَج،.

     وَقَالَ  ابْن بطال: غَرَضه بِهَذِهِ التَّرْجَمَة الرَّد على من زعم أَن الْمُعْتَمِر إِذا طَاف حل قبل أَن يسْعَى بَين الصَّفَا والمروة.
قلت: مَذْهَب ابْن عَبَّاس: أَن الْمُعْتَمِر يحل من عمرته بِالطّوافِ بِالْبَيْتِ، وَلَا يحْتَاج إِلَى السَّعْي بَين الصَّفَا والمروة، وَرُوِيَ عَنهُ أَنه قَالَ: الْعمرَة الطّواف، وَبِه قَالَ ابْن رَاهَوَيْه، فَأَرَادَ البُخَارِيّ رد هَذَا القَوْل، وَبَين أَن الْعمرَة هِيَ الطّواف بِالْبَيْتِ وَصَلَاة رَكْعَتَيْنِ بعده، ثمَّ الْخُرُوج إِلَى الصَّفَا للسعي بَينه وَبَين الْمَرْوَة، وَأَشَارَ بقوله: ( من طَاف بِالْبَيْتِ) إِلَى آخِره أَن صُورَة الْعمرَة هِيَ هَذَا، وَبَينهَا بِثَلَاثَة أَشْيَاء: أَولهَا: هُوَ قَوْله: ( من طَاف بِالْبَيْتِ إِذا قدم مَكَّة) ، فَعلم من هَذَا أَن من قدم مَكَّة وَدخل الْمَسْجِد لَا يشْتَغل بِشَيْء، بل يبْدَأ بِالطّوافِ ويقصد الْحجر الْأسود، وَهُوَ تَحِيَّة الْمَسْجِد الْحَرَام، ثمَّ الِابْتِدَاء بِالطّوافِ مُسْتَحبّ لكل أحد سَوَاء كَانَ محرما أَو غَيره، إلاَّ إِذا خَافَ فَوت الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة عَن وَقتهَا، أَو فَوتهَا مَعَ الْجَمَاعَة، وَإِن كَانَ الْوَقْت وَاسِعًا أَو كَانَ عَلَيْهِ مَكْتُوبَة فَائِتَة، فَإِنَّهُ يقدم هَذَا كُله على الطّواف، ثمَّ هَذَا الطّواف يُسمى طواف الْقدوم، وَهُوَ سنة، فَلَو تَركه صَحَّ حجه وَلَا شَيْء عَلَيْهِ إلاَّ فَوت الْفَضِيلَة.
وَفِي ( شرح الْمُهَذّب) : هَذَا هُوَ الْمَذْهَب، وَذكر جمَاعَة من الخراسانيين وَغَيرهم وُجُوبه فِي وَجه ضَعِيف شَاذ، وَيلْزم بِتَرْكِهِ دم.
الثَّانِي: هُوَ قَوْله: ( ثمَّ صلى رَكْعَتَيْنِ) ، لما فِي حَدِيث جَابر الطَّوِيل: ( لما فرغ من رَكْعَتي الطّواف رَجَعَ إِلَى الرُّكْن فاستلمه، ثمَّ خرج إِلَى الصَّفَا وَالسَّعْي بَينهمَا) .
الثَّالِث: هُوَ قَوْله: ( ثمَّ خرج إِلَى الصَّفَا) يَعْنِي للسعي بَينه وَبَين الْمَرْوَة.

[ قــ :1548 ... غــ :1614 ]
- حدَّثنا أصْبَغُ عنِ ابنِ وَهْبٍ قَالَ أَخْبرنِي عَمْرٌ وعنْ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ ذَكَرْتُ لِعُرْوَةَ.
قَالَ فأخْبَرَتْنِي عائِشَةُ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أَن أوَّلَ شَيءٍ بَدَأ بِهِ حِينَ قَدِمَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنَّهُ تَوَضَّ ثُمَّ طافَ ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةً ثُمَّ حَجَّ أبُو بَكْرٍ وعُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُمَا مِثْلَهُ ثُمَّ حَجَجْتُ مَعَ أبِي الزُّبَيْرِ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا فأوَّلُ شَيْءٍ بَدَأ بِهِ الطَّوَافُ ثُمَّ رَأيْتُ المُهاجِرِينَ وَالأنْصَارَ يَفْعَلُونَهُ وقَدْ أخْبَرَتْنِي أُمِّي أنَّها أهَلَّتْ هيَ وأُخْتُهَا والزُّبَيْرُ وفُلانٌ وفُلانٌ بِعُمْرَةٍ فلَمَّا مَسَحُوا الرُّكْنَ حَلُّوا.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( إِن أول شَيْء بَدَأَ بِهِ حِين قدم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه تَوَضَّأ ثمَّ طَاف) .

ذكر رِجَاله: وهم: سِتَّة: الأول: أصبغ ابْن الْفرج، وَقد مر عَن قريب، الثَّانِي: عبد الله بن وهب، وَقد تكَرر ذكره.
الثَّالِث: عَمْرو، بِفَتْح الْعين: ابْن الْحَارِث.
الرَّابِع: مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن أَبُو الْأسود النَّوْفَلِي الْمَعْرُوف بيتيم عُرْوَة.
الْخَامِس: عُرْوَة بن الزبير بن الْعَوام.
السَّادِس: أم الْمُؤمنِينَ عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع والإخبار بِصِيغَة الْإِخْبَار فِي موضِعين.
وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين.
وَفِيه: الذّكر.
وَفِيه: أَن الثَّلَاثَة الأول من الروَاة مصريون والإثنان الْآخرَانِ مدنيان.

أخرجه مُسلم فِي الْحَج عَن هَارُون بن سعيد الْأَيْلِي على مَا نذكرهُ الْآن.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( ذكرت لعروة) أَي: ذكرت لعروة مَا قيل فِي حكم القادم إِلَى مَكَّة، وَحذف البُخَارِيّ صُورَة السُّؤَال وَجَوَابه، وَاقْتصر على الْمَرْفُوع مِنْهُ، وَقد ذكره مُسلم مكملاً فَقَالَ: حَدثنِي هَارُون بن سعيد الْأَيْلِي قَالَ: حَدثنَا ابْن وهب قَالَ: أَخْبرنِي عَمْرو، وَهُوَ ابْن الْحَارِث، ( عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن: أَن رجلا من أهل الْعرَاق قَالَ لَهُ: سل لي عُرْوَة بن الزبير عَن رجل يهل بِالْحَجِّ، فَإِذا طَاف بِالْبَيْتِ أيحلّ أَو لَا؟ فَإِن قَالَ لَك: لَا يحل، فَقل لَهُ: إِن رجلا يَقُول فِي ذَلِك فَسَأَلته فَقَالَ: لَا يحل من أهلَّ بِالْحَجِّ إلاَّ بِالْحَجِّ.
قلت: فَإِن رجلا كَانَ يَقُول ذَلِك، قَالَ: بئس مَا قَالَ، فتصداني الرجل فَسَأَلَنِي، فَحَدَّثته، فَقَالَ: قل لَهُ فَإِن رجلا كَانَ يخبر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد فعل ذَلِك، وَمَا شَأْن أَسمَاء وَالزُّبَيْر فعلا ذَلِك؟ قَالَ: فَجِئْته فَذكرت لَهُ ذَلِك، فَقَالَ: من هَذَا؟ فَقلت: لَا أَدْرِي.
قَالَ: فَمَا باله لَا يأتيني نَفسه يسألني؟ أَظُنهُ عراقيا؟ قلت: لَا أَدْرِي.
قَالَ: فَإِنَّهُ قد كذب، قد حج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأخبرتني عَائِشَة أَن أول شَيْء بَدَأَ بِهِ حِين قدم مَكَّة أَنه تَوَضَّأ ثمَّ طَاف بِالْبَيْتِ، ثمَّ حج أَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَكَانَ أول شَيْء بَدَأَ بِهِ الطّواف بِالْبَيْتِ، ثمَّ لم يكن غَيره، ثمَّ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، مثل ذَلِك، ثمَّ حج عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فرأيته أول شَيْء بَدَأَ بِهِ الطّواف بِالْبَيْتِ، ثمَّ لم يكن غَيره، ثمَّ مُعَاوِيَة وَعبد الله بن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، ثمَّ حججْت مَعَ أبي الزبير بن الْعَوام، فَكَانَ أول شَيْء بَدَأَ بِهِ الطّواف بِالْبَيْتِ، ثمَّ لم يكن غَيره، ثمَّ رَأَيْت الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار يَفْعَلُونَ ذَلِك، ثمَّ لم يكن غَيره، ثمَّ آخر من رَأَيْت فعل ذَلِك ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، ثمّ لم ينقضها بِعُمْرَة، وَهَذَا ابْن عمر عِنْدهم، أَفلا يسألونه؟ وَلَا أحد مِمَّن مضى كَانُوا يبدأون بِشَيْء حِين يضعون أَقْدَامهم أول من الطّواف بِالْبَيْتِ، ثمَّ لَا يحلونَ، وَقد رَأَيْت أُمِّي وخالتي حِين تقدمان لَا تبتدآن بِشَيْء أول من الْبَيْت تطوفان بِهِ، ثمَّ لَا تحلان، وَقد أَخْبَرتنِي أُمِّي أَنَّهَا أَقبلت هِيَ وَأُخْتهَا وَالزُّبَيْر وَفُلَان وَفُلَان بِعُمْرَة قطّ، فَلَمَّا مسحوا الرُّكْن حلوا، وَقد كذب فِيمَا ذكر من ذَلِك)
.
وَإِنَّمَا سقت هَذَا بِتَمَامِهِ لِأَنَّهُ كالشرح لحَدِيث البُخَارِيّ، ونشرح حَدِيث مُسلم ليظْهر لَك المُرَاد من حَدِيث البُخَارِيّ الَّذِي اقْتصر مِنْهُ على الْمَرْفُوع.

قَوْله: ( إِن رجلا) ، مُبْهَم لم يدر.
قَوْله: ( أَيحلُّ؟) الْهمزَة للاستفهام على سَبِيل الاستخبار.
قَوْله: ( فتصداني) ، أَي: تعرض لي، هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيع النّسخ بالنُّون، وَالْأَشْهر فِي اللُّغَة: تصدى لي، بِاللَّامِ.
قَوْله: ( ثمَّ لم يكن غَيره هَكَذَا) ، هُوَ فِي جَمِيع النّسخ بالغين الْمُعْجَمَة وَالْيَاء آخر الْحُرُوف، قَالَ عِيَاض: هُوَ تَصْحِيف، وَصَوَابه، ثمَّ لم تكن عمْرَة، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وبالميم، وَكَانَ السَّائِل لعروة إِنَّمَا سَأَلَهُ عَن فسخ الْحَج إِلَى الْعمرَة على مَذْهَب من يرى، وَاحْتج بِأَمْر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهُم بذلك فِي حجَّة الْوَدَاع، فَأعلمهُ عُرْوَة أَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لم يفعل ذَلِك بِنَفسِهِ وَلَا من جَاءَ بعده،.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: لَيْسَ هُوَ كَمَا قَالَ، بل هُوَ صَحِيح فِي الرِّوَايَة صَحِيح الْمَعْنى لِأَن قَوْله: ( غَيره) ، يتَنَاوَل الْعمرَة وَغَيرهَا وَيكون تَقْدِير الْكَلَام: ثمَّ حج أَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَكَانَ أول شَيْء بَدَأَ بِهِ الطّواف بِالْبَيْتِ، ثمَّ لم يكن غَيره أَي: غير الْحَج، وَلم يفسخه إِلَى غَيره لَا عمْرَة وَلَا قرَان.
قَوْله: ( ثمَّ حججْت مَعَ أبي الزبير بن الْعَوام) ، أَي: مَعَ وَالِدي، وَهُوَ الزبير.
وَقَوله: ( الزبير) بدل من أبي، قَالَه النَّوَوِيّ، وَالْأَظْهَر أَنه عطف بَيَان.
قَوْله: ( فَلَمَّا مسحوا الرُّكْن) أَي: الْحجر الْأسود ( حلوا) أَي: صَارُوا حَلَالا.
قَالَ النَّوَوِيّ: المُرَاد بالماسحين من سوى عَائِشَة، وإلاَّ فعائشة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، لم تمسح الرُّكْن قبل الْوُقُوف بِعَرَفَات فِي حجَّة الْوَدَاع، بل كَانَت قارنة، ومنعها الْحيض من الطّواف قبل يَوْم النَّحْر.

ثمَّ جِئْنَا إِلَى شرح حَدِيث البُخَارِيّ.
فَقَوله: ( بَدَأَ) وَقَوله: ( قدم) تنَازعا فِي الْعَمَل.
قَوْله: ( ثمَّ لم تكن عمْرَة) ، قَالَ عِيَاض: كَانَ السَّائِل لعروة إِنَّمَا سَأَلَهُ عَن فسخ الْحَج إِلَى الْعمرَة على مَذْهَب من رأى ذَلِك، فَأعلمهُ عُرْوَة أَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لم يفعل ذَلِك بِنَفسِهِ، وَلَا من جَاءَ بعده، وَفِي إِعْرَاب: عمْرَة، وَجْهَان: الرّفْع على أَن: كَانَ، تَامَّة وَيكون مَعْنَاهُ: ثمَّ لم تحصل عمْرَة، وَالنّصب على أَن: كَانَ، نَاقِصَة وَيكون مَعْنَاهُ: ثمَّ لم تكن تِلْكَ الفعلة عمْرَة، وَقد ذكرنَا أَنه وَقع فِي رِوَايَة مُسلم: غَيره، بدل: عمْرَة، وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ آنِفا.
قَوْله: ( مثله) أَي: مثل حج النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: ( ثمَّ حججْت مَعَ أبي الزبير) أَي: حجَّة مصاحبة مَعَ أبي، أَي: مَعَ وَالِدي وَهُوَ الزبير بن الْعَوام.
وَقَوله: ( الزبير) ، بدل من أبي أَو عطف بَيَان، وَهَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة مُسلم، وَقد ذَكرنَاهَا آنِفا، وَوَقع فِي رِوَايَة الْكشميهني: ( ثمَّ حججْت مَعَ ابْن الزبير) يَعْنِي: أَخَاهُ عبد الله بن الزبير، قَالَ عِيَاض: وَهُوَ تَصْحِيف، وَجه ذَلِك أَنه وَقع فِي طَرِيق آخر فِي الحَدِيث على مَا يَأْتِي: مَعَ أبي الزبير بن الْعَوام، وَفِيه بعد ذكر أبي بكر وَعمر ذكر عُثْمَان ثمَّ مُعَاوِيَة وَعبد الله بن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، قَالَ: ثمَّ حججْت مَعَ أبي الزبير، فَذكره، وَقد عرف أَن قتل الزبير كَانَ قبل موت مُعَاوِيَة وَابْن عمر، وَكَانَ قتل الزبير ابْن الْعَوام يَوْم الْجمل فِي جمادي الأولى سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ، وقبره بوادي السبَاع نَاحيَة الْبَصْرَة، وَكَانَ موت مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان فِي رَجَب سنة تسع وَخمسين، وَمَوْت عبد الله بن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا كَانَ سنة ثَلَاث وَسبعين.
.

     وَقَالَ  الْوَاقِدِيّ: سنة أَربع وَسبعين، وَكَانَت وفاتخ بِمَكَّة المشرفة.
قَوْله: ( وأخبرتني أُمِّي) ، وَهِي: أَسمَاء بنت أبي بكر الصّديق، وَأُخْتهَا عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.
فَإِن قلت: لم تطف عَائِشَة فِي تِلْكَ الْحجَّة لأجل حَيْضهَا، فَمَا وَجه ذكرهَا هُنَا؟ قلت: يحمل على أَنه أَرَادَ حجَّة أُخْرَى غير حجَّة الْوَدَاع، وَقد حجت عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا بعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كثيرا.
قَوْله: ( فَلَمَّا مسحوا الرُّكْن) ، أَي: الْحجر الْأسود، ومسحه يكون فِي أول الطّواف، وَلَكِن لَا يحصل التَّحَلُّل بِمُجَرَّد الْمسْح فِي أول الطّواف، فَلَا بُد من التَّقْدِير، وَتَقْدِيره: فَلَمَّا مسحوا الرُّكْن وَأَتمُّوا طوافهم وسعيهم وحلقوا حلوا، وحذفت هَذِه المقدرات للْعلم بهَا لظهورها، وَقد أَجمعُوا على أَنه لَا يتَحَلَّل قبل تَمام الطّواف.

تمّ مَذْهَب الْجُمْهُور أَنه لَا بُد أَيْضا من السَّعْي بعده ثمَّ الْحلق أَو التَّقْصِير،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: لَا حَاجَة إِلَى التَّأْوِيل، إِذْ مسح الرُّكْن كِنَايَة عَن الطّواف، سِيمَا وَالْمسح يكون أَيْضا فِي الأطواف السَّبْعَة، فَالْمُرَاد: لما فرغوا من الطّواف حلوا، وَأما السَّعْي وَالْحلق فهما عِنْد بعض الْعلمَاء ليسَا بركنين.
انْتهى.
قلت: لَا بُد من التَّأْوِيل لِأَن الْكَلَام على مَذْهَب الْجُمْهُور، كَمَا ذَكرْنَاهُ، وَأَرَادَ بقوله: عِنْد بعض الْعلمَاء مَا ذهب إِلَيْهِ ابْن عَبَّاس وَابْن رَاهَوَيْه من أَن الْمُعْتَمِر يتَحَلَّل بعد الطّواف، فَلَا حَاجَة إِلَى السَّعْي، وَقد ردوا عَلَيْهِمَا ذَلِك،.

     وَقَالَ  ابْن التِّين قَوْله: ( فَلَمَّا مسحوا حلوا) يُرِيد ركن الْمَرْوَة، وَأما ركن الْبَيْت فَلَا يحل بمسحه حَتَّى يسْعَى بَين الصَّفَا والمروة،.

     وَقَالَ  بَعضهم، وَهُوَ متعقب بِرِوَايَة أبي الْأسود عَن عبد الله مولى أَسمَاء: ( عَن أَسمَاء قَالَت: اعْتَمَرت أَنا وَعَائِشَة وَالزُّبَيْر، وَفُلَان وَفُلَان، فَلَمَّا مسحنا الْبَيْت أَحللنَا) وَسَيَأْتِي هَذَا فِي أَبْوَاب الْعمرَة.
انْتهى.
قلت: يقدر هُنَا أَيْضا مَا قدر فِي قَوْله: ( فَلَمَّا مسحوا الرُّكْن حلوا) فَلَا اعْتِرَاض حِينَئِذٍ.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: مطلوبية الْوضُوء للطَّواف، وَاخْتلفُوا هَل هُوَ وَاجِب أَو شَرط؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَيْسَ بِشَرْط، فَلَو طَاف على غير وضوء صَحَّ طَوَافه، فَإِن كَانَ ذَلِك للقدوم فَعَلَيهِ صَدَقَة، وَأَن كَانَ طواف الزِّيَارَة فَعَلَيهِ شَاة،.

     وَقَالَ  مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: هُوَ شَرط.
وَفِيه: أَن أول شَيْء يَفْعَله دَاخل الْحرم الِابْتِدَاء بِالطّوافِ للقدوم، وَاسْتثنى الشَّافِعِي من هَذَا الْمَرْأَة الجميلة والشريفة الَّتِي لَا تبرز للرِّجَال، فَيُسْتَحَب لَهَا تَأْخِير الطّواف وَدخُول الْمَسْجِد إِلَى اللَّيْل، لِأَنَّهُ أستر لَهَا وَأسلم من الْفِتْنَة.
.

     وَقَالَ  ابْن الْمُنْذر: سنّ الشَّارِع للقادمين المحرمين بِالْحَجِّ تَعْجِيل الطّواف وَالسَّعْي بَين الصَّفَا والمروة عِنْد دُخُولهمْ، وَفعل هُوَ ذَلِك على مَا روته عَائِشَة، وَأمر من حل من أَصْحَابه أَن يحرموا إِذا انْطَلقُوا إِلَى منى، وَأما من أحرم من مَكَّة من أَهلهَا أَو غَيرهم فهم يؤخرون طوافهم وسعيهم إِلَى يَوْم النَّحْر، بِخِلَاف القادمين التَّفْرِيق السّنة بَين الْفَرِيقَيْنِ، وَكَانَ ابْن عَبَّاس يَقُول: يَا أهل مَكَّة إِنَّمَا طوافكم بِالْبَيْتِ وَبَين الصَّفَا والمروة يَوْم النَّحْر.


حَدثنَا ابراهيم بن الْمُنْذر قَالَ حَدثنَا أَبُو ضَمرَة أنس قَالَ حَدثنَا مُوسَى بن عقبَة عَن نَافِع عَن عبد الله بن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا طَاف فِي الْحَج أَو الْعمرَة أول مَا يقدم يسْعَى ثَلَاثَة أطواف وَمَشى أَرْبَعَة ثمَّ سجد سَجْدَتَيْنِ ثمَّ يطوف بَين الصَّفَا والمروة
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( أول مَا يقدم يسْعَى.
.
)
إِلَى آخِره، وَأَبُو ضَمرَة بِفَتْح الضَّاد الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْمِيم هُوَ أنس بن عِيَاض.
.

قَوْله: ( أول) ، نصب على أَنه ظرف، وَالْعَامِل فِيهِ: يسْعَى.
قَوْله: ( أَرْبَعَة) أَي: أَرْبَعَة أطواف.
قَوْله: ( سَجْدَتَيْنِ) أَي: رَكْعَتَيْنِ للطَّواف، وَهُوَ من إِطْلَاق الْجُزْء وَإِرَادَة الْكل.





[ قــ :1550 ... غــ :1617 ]
- حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ المُنْذِرِ قَالَ حدَّثنا أنَسُ بنُ عِيَاضٍ عنْ عُبَيْدِ الله عنْ نَافِعٍ عَنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ إذَا طافَ بِالْبَيْتِ الطَّوَافَ الأول يَخُبُّ ثَلاثَةَ أطْوَافٍ ويَمْشِي أرْبَعَةً وأنَّهُ كانَ يَسْعَى بَطْنَ المَسِيلِ إذَا طافَ بَيْنَ الصَّفَا والمَرْوَةِ..
هَذَا وَجه آخر فِي حَدِيث ابْن عمر الْمَذْكُور، كِلَاهُمَا من رِوَايَة نَافِع عَن ابْن عمر، لَكِن الأول: عَن مُوسَى بن عقبَة عَن نَافِع، وَالثَّانِي: عَن عبيد الله بن عمر عَن نَافِع، والراوي عَنْهُمَا وَاحِد وَهُوَ أنس عَن عِيَاض.

قَوْله: ( الطّواف الأول) ، يُرِيد بِهِ طَوافا بعده سمي احْتِرَازًا عَن مثل طواف الْوَدَاع.
قَوْله: ( يخب) ، بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة أَي: يرمل.
قَوْله: ( يسْعَى) أَي: بعد وَقَوله: ( بطن المسيل) ، مَنْصُوب على الظّرْف، والمسيل بالوادي الَّذِي بَين الصَّفَا والمروة، وَهُوَ قدر مَعْرُوف، وَذَلِكَ قبل الْوُصُول إِلَى الْميل الأخضرين اللَّذين أَحدهمَا بِفنَاء الْمَسْجِد، وَالْآخر بدار الْعَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.