فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الزيارة يوم النحر

( بابُُ الزِّيَارَةِ يَوْمَ النَّحْرِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان زِيَارَة الْحَج الْبَيْت لأجل الطّواف بِهِ يَوْم النَّحْر، وَالْمرَاد بِهِ طواف الزِّيَارَة الَّذِي هُوَ ركن من أَرْكَان الْحَج، وَسمي طواف الْإِفَاضَة أَيْضا.

وَقَالَ أبُو الزُّبَيْرِ عَنْ عائِشَةَ وابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم أخَّرَّ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الزِّيارَةَ إلَى اللَّيْلِ

أَبُو الزبير، بِضَم الزَّاي وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف: واسْمه مُحَمَّد بن مُسلم بن تدرس، بِلَفْظ الْمُخَاطب من الْمُضَارع من الدراسة، مر فِي: بابُُ من شكى إِمَامه، وَهَذَا تَعْلِيق وَصله التِّرْمِذِيّ عَن مُحَمَّد بن بشار حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن مهْدي حَدثنَا سُفْيَان عَن أبي الزبير عَن ابْن عَبَّاس وَعَائِشَة: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أخر طواف الزِّيَارَة إِلَى اللَّيْل، قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح، وَأخرجه أَبُو دَاوُد أَيْضا عَن مُحَمَّد بن بشار.
وَأخرجه النَّسَائِيّ عَن مُحَمَّد بن الْمثنى عَن ابْن مهْدي.
وَأخرجه ابْن مَاجَه عَن بكر بن خلف،.

     وَقَالَ  الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه: وَأَبُو الزبير سمع من ابْن عَبَّاس، وَفِي سَمَاعه عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا نظر، قَالَه البُخَارِيّ فَإِن قلت: هَذَا يُعَارض مَا رَوَاهُ ابْن عمر وَجَابِر وَعَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه طَاف يَوْم النَّحْر نَهَارا؟ وَالْحَدِيثَانِ عَن ابْن عمر وَجَابِر عِنْد مُسلم.
أما حَدِيث ابْن عمر فَإِنَّهُ أخرجه من طَرِيق عبد الرَّزَّاق عَن عبيد الله ابْن عمر عَن نَافِع عَن ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَفَاضَ يَوْم النَّحْر ثمَّ رَجَعَ فصلى الظّهْر بمنى، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ أَيْضا.
وَأما حَدِيث جَابر فَإِنَّهُ أخرجه من رِوَايَة جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن جَابر فِي الحَدِيث الطَّوِيل وَفِيه: ( ثمَّ ركب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَفَاضَ إِلَى الْبَيْت فصلى بِمَكَّة الظّهْر) الحَدِيث.
وَأما حَدِيث عَائِشَة فَأخْرجهُ أَبُو دَاوُد من طَرِيق ابْن إِسْحَاق عَن عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم عَن أَبِيه ( عَن عَائِشَة قَالَت: أَفَاضَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من آخر يَوْمه حِين صلى الظّهْر ثمَّ رَجَعَ إِلَى منى فَمَكثَ بهَا ليَالِي التَّشْرِيق) .

فَهَذِهِ الْأَحَادِيث تدل على أَنه طَاف طواف الزِّيَارَة يَوْم النَّحْر، وَحَدِيث الْبابُُ يدل على أَنه أَخّرهُ إِلَى اللَّيْل.
قلت: أُجِيب عَن هَذَا بِوُجُوه.
الأول: إِن الْأَحَادِيث الثَّلَاثَة يحمل على الْيَوْم الأول، وَحَدِيث الْبابُُ يحمل على بَقِيَّة الْأَيَّام.
الْوَجْه الثَّانِي: أَن حَدِيث الْبابُُ يحمل على أَنه أخر ذَلِك إِلَى مَا بعد الزَّوَال، فَكَانَ مَعْنَاهُ: أخر طواف الزِّيَارَة إِلَى الْعشي، وَأما الْحمل على مَا بعد الْغُرُوب فبعيد جدا لما ثَبت فِي الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة الْمَشْهُورَة من أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طَاف يَوْم النَّحْر نَهَارا وَشرب من سِقَايَة زَمْزَم.
الْوَجْه الثَّالِث: مَا ذكره ابْن حبَان من أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رمى جَمْرَة الْعقبَة وَنحر ثمَّ تطيب للزيارة ثمَّ أَفَاضَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ طواف الزِّيَارَة، ثمَّ رَجَعَ إِلَى منى فصلى الظّهْر بهَا وَالْعصر وَالْمغْرب وَالْعشَاء، ورقد رقدة بهَا، ثمَّ ركب إِلَى الْبَيْت ثَانِيًا وَطَاف بِهِ طَوافا آخر بِاللَّيْلِ.
فَإِن قلت: روى أَحْمد فِي ( مُسْنده) : عَن عَائِشَة وَابْن عمر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زار لَيْلًا؟ قلت: الظَّاهِر أَن المُرَاد مِنْهُ طواف الْوَدَاع أَو طواف زِيَارَة مَحْضَة، وَقد ورد حَدِيث رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يزور الْبَيْت كل لَيْلَة من ليَالِي منى فَإِن قلت: مَا تَقول فِي الحَدِيث الَّذِي أخرجه الْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة: أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أذن لأَصْحَابه فزاروا الْبَيْت يَوْم النَّحْر ظَهره، وزار رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ نِسَائِهِ لَيْلًا؟ قلت: هَذَا حَدِيث غَرِيب جدا، فَلَا يُعَارض الْأَحَادِيث الْمَذْكُورَة الْمَشْهُورَة.

ويُذْكَرْ عَنْ أبِي حَسَّانَ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ يَزُورُ البَيْتَ أيَّامَ مِنىً

أَبُو حسان: اسْمه مُسلم بن عبد الله الْعَدوي الْبَصْرِيّ الْمَشْهُور بالأجرد، وَيُقَال لَهُ: الْأَعْرَج أَيْضا، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله الْبَيْهَقِيّ عَن أبي الْحسن بن عَبْدَانِ: أَنبأَنَا أَحْمد بن عبيد الصفار حَدثنَا المعمري حَدثنَا ابْن عرْعرة قَالَ: دفع إِلَيْنَا معَاذ بن هِشَام كتابا قَالَ: سمعته من أبي وَلم يقرأه، قَالَ: فَكَانَ فِيهِ: عَن قَتَادَة عَن أبي حسان عَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يزور الْبَيْت كل لَيْلَة مَا دَامَ بمنى، قَالَ: وَمَا رَأَيْت أحدا واطأه عَلَيْهِ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ أَيْضا من طَرِيق قَتَادَة عَنهُ،.

     وَقَالَ  ابْن الْمَدِينِيّ فِي ( الْعِلَل) : روى قَتَادَة حَدِيثا غَرِيبا لَا نَحْفَظهُ عَن أحد من أَصْحَاب قَتَادَة إلاَّ من حَدِيث هِشَام، فنسخته من كتاب ابْنه معَاذ بن هِشَام، وَلم أسمعهُ مِنْهُ عَن أَبِيه عَن قَتَادَة: حَدثنِي أَبُو حسان عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يزور الْبَيْت كل لَيْلَة مَا أَقَامَ بمنى،.

     وَقَالَ  الْأَثْرَم: قلت لِأَحْمَد: تحفظ عَن قَتَادَة؟ فَذكر هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ: كتبوه من كتاب معَاذ، قلت: فَإِن هُنَا إنْسَانا يزْعم أَنه سَمعه من معَاذ، فَأنْكر ذَلِك وَأَشَارَ الْأَثْرَم بذلك إِلَى إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن عرْعرة، فَإِن من طَرِيقه أخرجه الطَّبَرَانِيّ بِهَذَا الْإِسْنَاد.
قلت: ولرواية أبي حسان هَذِه شَاهد مُرْسل أخرجه ابْن أبي شيبَة عَن ابْن أبي عُيَيْنَة: حَدثنَا ابْن طَاوُوس عَن أَبِيه أَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يفِيض كل لَيْلَة، يَعْنِي: ليَالِي منى.



[ قــ :1658 ... غــ :1732 ]
- وقالَ لَنا أبُو نُعَيْمِ قَالَ حدَّثنا سُفْيانُ عَنْ عُبَيْدِ الله عَن نافِعٍ عنِ ابنِ عُمرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أنَّهُ طافَ طَوَافا واحِدا ثُمَّ يَقِيلُ ثُمَّ يأتِي مِنىً يَعْنِي يَوْمَ النَّحْرِ ورفَعَهْ عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أخبرنَا عُبَيْدُ الله.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( ثمَّ يَأْتِي منى يَوْم النَّحْر) ، وَمُقْتَضَاهُ أَن يكون خرج مِنْهَا إِلَى مَكَّة لأجل الطّواف قبل ذَلِك.
وَأَبُو نعيم هُوَ الْفضل بن دُكَيْن، ودكين لقب عَمْرو بن حَمَّاد وَالِد الْفضل الْقرشِي التَّيْمِيّ الْكُوفِي الْأَحول، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَعبيد الله بن عمر بن حَفْص بن عَاصِم بن عمر بن الْخطاب الْعمريّ.

قَوْله: ( وَرَفعه قَالَ) أَي: أَبُو نعيم، رفع الحَدِيث الْمَذْكُور عبد الرَّزَّاق إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَوصل التَّعْلِيق الْمَذْكُور مُسلم: أَنبأَنَا مُحَمَّد بن رَافع عَن عبد الرَّزَّاق عَن عبيد الله عَن نَافِع عَن ابْن عمر: أَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَفَاضَ يَوْم النَّحْر ثمَّ رَجَعَ فصلى الظّهْر بمنى، وَيذكر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فعله، وَهَذَا صَرِيح أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى الظّهْر يَوْم النَّحْر بمنى.
وَفِي ( الصَّحِيح) أَيْضا من حَدِيث جَابر: فصلى يَوْم النَّحْر بِمَكَّة الظّهْر، قَالَ ابْن حزم: وَكَذَا قالته عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، قَالَ أَبُو مُحَمَّد: وَهَذَا هُوَ الْفَصْل الَّذِي أشكل علينا الْفَصْل فِيهِ لصِحَّة الطّرق فِي كل ذَلِك، وَلَا شكّ فِي أَن أحد الْخَبَرَيْنِ وهم، وَلَا نَدْرِي أَيهمَا هُوَ.
انْتهى.
قلت: الْأَحَادِيث كلهَا صَحِيحَة وَلَا شَيْء من وهم فِي ذَلِك أصلا، وَذَلِكَ لِأَن رُجُوعه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِلَى منى، فِي وَقت الظّهْر مُمكن، لِأَن النَّهَار كَانَ طَويلا.
وَإِن كَانَ قد صدر مِنْهُ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي صدر هَذَا النَّهَار، وَأَحَادِيث عَائِشَة لَيست ناصة أَنه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، صلى الظّهْر بِمَكَّة، بل مُحْتَملَة أَن كَانَ الْمَحْفُوظ فِي الرِّوَايَة حَتَّى صلى الظّهْر، وَإِن كَانَت الرِّوَايَة: حِين صلى الظّهْر، وَهُوَ الْأَشْبَه، فَإِن ذَلِك على أَنه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، صلى الظّهْر بمنى، قبل أَن يذهب إِلَى الْبَيْت، وَهُوَ مُحْتَمل، وَالله أعلم.
.

     وَقَالَ  محب الدّين الطَّبَرِيّ: الْجمع بَين الرِّوَايَات كلهَا مُمكن، إِذْ يحْتَمل أَن يكون صلَّى مُنْفَردا فِي أحد الْمَوْضِعَيْنِ، ثمَّ مَعَ جمَاعَة فِي الآخر، أَو صلى بِأَصْحَابِهِ بمنى، ثمَّ أَفَاضَ فَوجدَ قوما لم يصلوا فصلى بهم، ثمَّ لما رَجَعَ إِلَى منى، وجد قوما آخَرين فصلى بهم لِأَنَّهُ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لَا يتقدمه أحد فِي الصَّلَاة، أَو كرر الصَّلَاة بِمَكَّة وَمنى ليتبين جَوَاز الْأَمريْنِ فِي هَذَا الْيَوْم توسعة على الْأمة، وَيجوز أَن يكون أذن فِي الصَّلَاة فِي أحد الْمَوْضِعَيْنِ فنسبت إِلَيْهِ.
فَإِن قلت: كَيفَ الْجمع بَين حَدِيث الْبابُُ وَبَين الحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث أم سَلمَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: ( إِن هَذَا الْيَوْم أرخص الله تَعَالَى لكم إِذا رميتم الْجَمْرَة أَن تحلوا يَعْنِي: من كل شَيْء حرمتم إلاَّ النِّسَاء، فَإِذا أمسيتم قبل أَن تطوفوا صرتم حرما كهيئتكم قبل أَن ترموا الْجَمْرَة حَتَّى تطوفوا بِهِ) فَفِي هَذَا الحَدِيث إِن من أخَّر طواف الْإِفَاضَة حَتَّى أَمْسَى عَاد محرما كَمَا كَانَ قبل رمي الْجَمْرَة، يحرم عَلَيْهِ لبس الْمخيط وَغَيره من مُحرمَات الْإِحْرَام.
قلت: حَدِيث أم سَلمَة هَذَا شَاذ، أَجمعُوا على ترك الْعَمَل بِهِ.
.

     وَقَالَ  الْمُحب الطَّبَرِيّ: وَهَذَا حكم لَا أعلم أحدا قَالَ بِهِ، وَإِذا كَانَ كَذَلِك فَهُوَ مَنْسُوخ وَالْإِجْمَاع، وَإِن كَانَ لَا ينْسَخ، فَهُوَ يدل على وجود نَاسخ وَإِن لم يظْهر، وَالله أعلم.





[ قــ :1659 ... غــ :1733 ]
- حدَّثنا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ قَالَ حدَّثنا اللَّيْثُ عَنْ جَعْفَر بنِ رَبِيعَةَ عَنِ الأعْرَجِ قَالَ حدَّثني أبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِ الرَّحْمانِ أنَّ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قالَتْ حَجَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأفَضْنا يَوْمَ النَّحْرِ فَحَاضَتْ صَفِيَّةُ فأرَادَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهَا مَا يُرِيدُ الرَّجُلُ مِنْ أهْلِهِ فَقُلْتُ يَا رسولَ الله أنَّهَا حائِضٌ قَالَ حَابَسَتُنا هِي قالُوا يَا رَسولَ الله أفَاضَتْ يَوْمَ النَّحْرِ قَالَ اخْرُجُوا..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( فأفضنا يَوْم النَّحْر) ، لِأَن مَعْنَاهُ: طفنا طواف الْإِفَاضَة يَوْم النَّحْر.

ذكر رِجَاله: وهم سِتَّة: الأول: يحيى بن بكير، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة، وَهُوَ يحيى بن عبد الله بن بكير.
الثَّانِي: اللَّيْث بن سعد.
الثَّالِث: جَعْفَر بن ربيعَة ابْن شُرَحْبِيل بن حَسَنَة الْقرشِي.
الرَّابِع: الْأَعْرَج واسْمه عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز.
الْخَامِس: أَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن ابْن عَوْف.
السَّادِس: أم الْمُؤمنِينَ، عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع.
وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين.
وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين.
وَفِيه: أَن الثَّلَاثَة الأول من الروَاة مصريون والاثنان مدنيان.
وَفِيه: أَن شَيْخه مَذْكُور بنسبته إِلَى جده، وَاللَّيْث مَذْكُور مُجَردا وَعبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز مَذْكُور بلقبه.

والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا فِي الْحَج عَن عبد الْملك بن شُعَيْب بن اللَّيْث بن سعد عَن أَبِيه عَن جده بِهِ.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( فأفضنا) ، من الْإِفَاضَة أَي: طفنا طواف الْإِفَاضَة.
قَوْله: ( صَفِيَّة) هِيَ بنت حييّ بن أَخطب أم الْمُؤمنِينَ.
قَوْله: ( فَأَرَادَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهَا) أَي: من صَفِيَّة: ( مَا يُرِيد الرجل من أَهله) أَي: من زَوجته، وَهَذَا كِنَايَة عَن إِرَادَة الْجِمَاع، وَهَذَا من محَاسِن مُرَاعَاة عَائِشَة طرق كَلَامهَا حَيْثُ لم تصرح باسم من أَسمَاء الْجِمَاع.
قَوْله: ( حابستنا هِيَ) جملَة إسمية فَقَوله: ( هِيَ) مُبْتَدأ، و ( حابستنا) خَبره، وَلَا يجوز الْعَكْس إلاَّ أَن يُقَال: الْهمزَة مقدرَة قبل: حابستنا، فَيجوز الْأَمر أَن حِينَئِذٍ لِأَن كلمة: هِيَ، وَإِن كَانَت مضمرة لَكِنَّهَا ظَاهِرَة.
قَوْله: ( قَالَ: اخْرُجُوا) أَي: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما سمع مِنْهُم أَنهم قَالُوا أفاضت صَفِيَّة يَوْم النَّحْر: أخرجُوا، وَكَانَ ظن أَنَّهَا لم تطف طواف الزِّيَارَة فتحبسهم إِلَى أَن تطهر فَتَطُوف طواف الزِّيَارَة، فَلَمَّا قَالُوا: إِنَّهَا أفاضت يَوْم النَّحْر قَالَ لَهُم: أخرجُوا يَعْنِي: إرحلوا، وَرخّص لَهَا فِي ترك طواف الْوَدَاع لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِب على قَول أَكثر الْعلمَاء إلاَّ خلافًا شاذا يرْوى عَن بعض السّلف أَنَّهَا لَا تنفر حَتَّى تودع، والْحَدِيث حجَّة عَلَيْهِ.
وَفِي ( شرح الْمُهَذّب) : إِذا ترك طواف الْوَدَاع لزمَه دم، هَذَا هُوَ الصَّحِيح عِنْد الشَّافِعِي، وَبِه قَالَ أَكثر الْعلمَاء، فَهُوَ وَاجِب.
.

     وَقَالَ  مَالك وَدَاوُد وَابْن الْمُنْذر: هُوَ سنة لَا شَيْء فِي تَركه، وَعَن مُجَاهِد رِوَايَتَانِ كالمذهبين.

وَمن فَوَائِد هَذَا الحَدِيث مَا قَالَه الْقُرْطُبِيّ، قَوْله: ( حابستنا هِيَ) دَلِيل أَن الكري يحبس على الَّتِي حَاضَت وَلم تطف طواف الْإِفَاضَة حَتَّى تطهر، وَهُوَ قَول مَالك،.

     وَقَالَ  الشَّافِعِي: لَا يحبس عَلَيْهَا كري، ولتكر حملهَا أَو يحمل مَكَانهَا غَيرهَا، وَهَذَا كُله فِي الْأَمْن وَوُجُود ذِي الْمحرم، وَأما مَعَ الْخَوْف أَو عدم ذِي الْمحرم فَلَا تحبس بِاتِّفَاق، إِذْ لَا يُمكن أَن يسير بهَا وَحدهَا، وَيفْسخ الْكرَى وَلَا يحبس عَلَيْهَا الرّفْقَة.
وَمن فَوَائده: أَن فِي قَوْلهَا: ( فَأَرَادَ مِنْهَا مَا يُرِيد الرجل من أَهله) : أَنه لَا بَأْس بالإعلام بذلك، وَإِنَّمَا الْمَكْرُوه أَن يَغْشَاهَا حَيْثُ يُسمع أَو يُرى.

ويُذْكَرُ عَنِ القَاسِمِ وَعُرْوَةَ والأسْوَدِ عنْ عَائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أفاضَتْ صَفِيَّةُ يَوْمَ النَّحْرِ

أَشَارَ البُخَارِيّ بِهَذِهِ الصِّيغَة إِلَى أَن أَبَا سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن لم ينْفَرد عَن عَائِشَة فِي رِوَايَته عَنْهَا بذلك، أما طَرِيق الْقَاسِم فقد أخرجه مُسلم: حَدثنَا عبد الله بن مسلمة بن قعنب قَالَ: حَدثنَا أَفْلح عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد ( عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، قَالَت: كُنَّا نتخوف أَن تحيض صَفِيَّة قبل أَن تفيض.
قَالَت: فجاءنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: أحابستنا صَفِيَّة؟ فَقُلْنَا: قد أفاضت قَالَ: فَلَا إِذن)
.
وَأما طَرِيق عُرْوَة فَأخْرجهُ البُخَارِيّ فِي الْمَغَازِي من طَرِيق شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ عَنهُ عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، أَن صَفِيَّة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، حَاضَت بَعْدَمَا أفاضت.
.
الحَدِيث على مَا يَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى، وَأخرجه مُسلم أَيْضا من طَرِيق اللَّيْث عَن ابْن شهَاب عَن أبي سَلمَة وَعُرْوَة عَن عَائِشَة، قَالَت: حَاضَت صَفِيَّة ... الحَدِيث، وَفِي آخِره، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فلتنفروا.
وَأما طَرِيق الْأسود فَأخْرجهُ البُخَارِيّ مَوْصُولا فِي: بابُُ الإدلاج من المحصب، بِلَفْظ: حَاضَت صَفِيَّة ... الحَدِيث، وَفِيه: أطافت يَوْم النَّحْر؟ قيل: نعم قَالَ: فانفري.
وَأخرجه الطَّحَاوِيّ من تسع طرق وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي كتاب الْحيض من حَدِيث عمْرَة بنت عبد الرَّحْمَن ( عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، أَنَّهَا قَالَت لرَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن صَفِيَّة بنت حييّ قد حَاضَت.
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَعَلَّهَا تحبسنا إِن لم تكن طافت معكن؟ قَالُوا: بلَى.
قَالَ فاخرجي)
، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى.