فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب النزول بذي طوى، قبل أن يدخل مكة، والنزول بالبطحاء التي بذي الحليفة، إذا رجع من مكة

( بابُُ النُّزُولِ بِذِي طُوىً قَبْلَ أنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ والنُّزُولْ بالْبَطْجَاءِ الَّتِي بِذي الحُلَيْفَةِ إذَا رَجَعَ مِنْ مَكَّةَ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان نزُول الْحَاج بِذِي طوى قبل دُخُوله مَكَّة اتبَاعا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي نُزُوله بمنازله جَمِيعًا، وَلَا يخْتَص ذَلِك بالمحصب.
قَوْله: ( بِذِي طوى) بِدُونِ الْألف وَاللَّام فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي والسرخسي: بِذِي الطوى، بِالْألف وَاللَّام، وَيجوز فِي الطَّاء الحركات الثَّلَاث، والأفضح فتحهَا، وَيجوز صرف طوى وَمنعه، وَهُوَ مَوضِع بِأَسْفَل مَكَّة فِي صوب طَرِيق الْعمرَة الْمُعْتَادَة، وَقيل: هُوَ بَين مَكَّة والتنعيم، وَكلمَة: أَن، فِي قَوْله: قبل أَن يدْخل، مَصْدَرِيَّة أَي: قبل دُخُوله مَكَّة.
قَوْله: ( وَالنُّزُول) ، بِالْجَرِّ عطف على النُّزُول الأول.
قَوْله: ( الَّتِي بِذِي الحليفة) صفة الْبَطْحَاء، وَاحْترز بِهِ عَن الْبَطْحَاء الَّتِي بَين مَكَّة وَمنى، وَقيل: الْبَطْحَاء بِالْمدِّ: هُوَ التُّرَاب الَّذِي فِي مسيل المَاء.
وَقيل: إِنَّه مجْرى السَّيْل إِذا جف واستحجر، والبطحاء الَّتِي بِذِي الحليفة مَعْرُوفَة عِنْد أهل الْمَدِينَة وَغَيرهم بالعرس.
قَوْله: ( إِذا رَجَعَ) ، أَي: الْحَاج من مَكَّة وَتوجه إِلَى الْمَدِينَة.



[ قــ :1687 ... غــ :1767 ]
- حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ المُنْذِرِ قَالَ حدَّثنا أبُو ضَمْرَةَ قَالَ حدَّثنا مُوسى بنُ عُقْبَةَ عنْ نَافِعٍ أنَّ ابنَ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا كانَ يَبِيتُ بِذِي طُوىً بَيْنَ الثَّنْيَتَيْنِ ثُمَّ يَدْخُلُ مِنَ الثَّنْيَةِ الَّتِي بِأعْلَى مَكَّةَ وكانَ إذَا قَدِمَ مَكَّةَ حاجّا أوْ مُعْتَمرا لَمْ يُنِخْ ناقَتَهُ إلاَّ عِنْدَ بابُِ المَسْجِدِ ثُمَّ يَدْخُلُ فَيَأتِي الرُّكْنَ الأسْوَدَ فَيَبْدأ بِهِ ثُمَّ يَطُوفْ سَبْعا ثَلَاثًا سعيا وأربَعا مَشْيا ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَيُصَلِّي سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ يَنْطَلِقُ قَبْلَ أنْ يَرْجِعَ إلَى مَنْزِلِهِ فَيَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا والمَرْوَةِ وكانَ إذَا صَدَرَ عنِ الحَجِّ أوِ العُمْرَةِ أناخَ بِالْبَطْحَاءِ الَّتِي بِذِي الحُلَيْفَةِ الَّتِي كانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُنِيخُ بِها.

( انْظُر الحَدِيث 194 وطرفه) .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( كَانَ يبيت بِذِي طوى) ، وَفِي قَوْله: ( وَكَانَ إِذا صدر عَن الْحَج) إِلَى آخِره.

وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، وَأَبُو ضَمرَة، بِفَتْح الضَّاد الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْمِيم، واسْمه أنس بن عِيَاض اللَّيْثِيّ مَشْهُور باسمه وكنيته.

قَوْله: ( بَين الثنيتين) ، وَهِي تَثْنِيَة ثنية وَهِي طَرِيق الْعقبَة.
قَوْله: ( لم ينخ) ، بِضَم الْيَاء آخر الْحُرُوف وَكسر النُّون: من أَنَاخَ ينيخ إِذا برك جمله، وَالرَّاحِلَة النَّاقة الَّتِي تصلح لِأَن ترحل، وَقيل: هِيَ الْمركب من الْإِبِل ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى.
قَوْله: ( بابُُ الْمَسْجِد) أَي: الْمَسْجِد الْحَرَام.
قَوْله: ( فَيَأْتِي الرُّكْن الْأسود) ، أَي الرُّكْن الَّذِي فِيهِ الْحجر الْأسود.
قَوْله: ( سبعا) ، أَي: سبع مَرَّات.
قَوْله: ( ثَلَاثًا) أَي: يطوف من السَّبع ثَلَاث مَرَّات، قَوْله: ( سعيا) أَي: ساعيا، نصب على الْحَال، وَيجوز أَن يكون انتصابه على أَنه صفة لثلاثا.
قَوْله: ( وأربعا) أَي: يطوف أَربع مَرَّات من السَّبع مشيا.
وَيجوز فِيهِ الْوَجْهَانِ الْمَذْكُورَان فِي: سعيا.
قَوْله: ( سَجْدَتَيْنِ) أَي: رَكْعَتَيْنِ، من بابُُ إِطْلَاق إسم الْجُزْء على الْكل، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: ( رَكْعَتَيْنِ) ، على الأَصْل.
قَوْله: ( وَكَانَ إِذا صدر) أَي: رَجَعَ مُتَوَجها نَحْو الْمَدِينَة.
قَوْله: ( بهَا) أَي: بِذِي الحليفة، ثمَّ اعْلَم أَن النُّزُول بِذِي طوى قبل أَن يدْخل مَكَّة وَالنُّزُول بالبطحاء الَّتِي بِذِي الحليفة عِنْد رُجُوعه لَيْسَ بِشَيْء من مَنَاسِك الْحَج، فَإِن شَاءَ فعله وَإِن شَاءَ تَركه.





[ قــ :1688 ... غــ :1768 ]
- حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ قَالَ حدَّثنا خالِدُ بنُ الحَارِثِ قَالَ سُئِلَ عُبَيْدُ الله عنِ المُحَصَّبِ قَالَ فَحدثنا عُبَيْدُ الله عنْ نافِعٍ قَالَ نَزَلَ بِها رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعُمَرُ وابنُ عُمَرَ.
وعنْ نافِعٍ أنَّ ابنَ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا كانَ يُصَلِّي بِها يَعْنِي الْمُحَصَّبَ الظُّهْرَ والعَصْرَ أحْسِبُهُ قَالَ والْمَغْرِبَ قَالَ خالِدٌ لاَ أشُكُّ فِي العِشَاءِ ويَهْجَعُ هَجْعَةً ويَذْكُرُ ذالِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

لَا مُطَابقَة بني هَذَا الحَدِيث والترجمة إلاَّ من وَجه يُؤْخَذ تَقْرِيبًا، وَهُوَ أَن بَين حَدِيثي الْبابُُ مُنَاسبَة من حَيْثُ إِن كلا مِنْهُمَا يتَضَمَّن أمرا غير لَازم، وَذَلِكَ أَن الحَدِيث الأول فِيهِ النُّزُول بِذِي طوى قبل الدُّخُول فِي مَكَّة، وبالبطحاء الَّتِي بِذِي الحليفة إِذا رَجَعَ من مَكَّة وكل مِنْهُمَا غير لَازم، وَلَا هما من مَنَاسِك الْحَج، وَكَذَلِكَ الحَدِيث الثَّانِي فِيهِ النُّزُول بالمحصب، وَهُوَ أَيْضا غير لَازم، وَلَا هُوَ من مَنَاسِك الْحَج، وَكَذَلِكَ فِي كل مِنْهُمَا، يرويهِ نَافِع عَن فعل ابْن عمر، فبهذين الاعتبارين تحققت الْمُنَاسبَة بَين الْحَدِيثين، والْحَدِيث الأول مُطَابق للتَّرْجَمَة، وَالثَّانِي مُطَابق للْأولِ، ومطابق المطابق لشَيْء مُطَابق لذَلِك الشَّيْء.
فَافْهَم فَإِنَّهُ دَقِيق.

ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: عبد الله بن عبد الْوَهَّاب أَبُو مُحَمَّد الحَجبي، مَاتَ سنة ثَمَان وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ.
الثَّانِي: خَالِد بن الْحَارِث أَبُو عُثْمَان الهُجَيْمِي.
الثَّالِث: عبيد الله بن عمر بن حَفْص بن عَاصِم بن عمر بن الْخطاب.
الرَّابِع: نَافِع مولى ابْن عمر.
الْخَامِس: عبد الله بن عمر.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد.
وَفِيه: أَن شَيْخه من أَفْرَاده وَأَنه وخَالِد بصريان وَعبيد الله وَنَافِع مدنيان.

قَوْله: ( نزل بهَا) ، أَي: بالمحصب، وَهَذَا من مرسلات نَافِع، وَعَن عمر مُنْقَطع وَعَن ابْن عمر مَوْصُول، وَيحْتَمل أَن يكون نَافِع سمع ذَلِك من ابْن عمر، فَيكون الْجَمِيع مَوْصُولا.
قَوْله: ( أَحْسبهُ) ، أَي: أَظن يَعْنِي الشَّك إِنَّمَا هُوَ فِي الْمغرب لَا فِي الْعشَاء.
قَوْله: ( وَعَن نَافِع) غير مُعَلّق لِأَنَّهُ مَعْطُوف على الْإِسْنَاد الَّذِي قبله.
قَوْله: ( يهجع) ، أَي: ينَام من الهجوع، وَهُوَ النّوم.
قَوْله: ( وَيذكر ذَلِك) ، أَي: يذكر ابْن عمر التحصيب عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالدَّلِيل عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ مُسلم عَن مُحَمَّد بن حَاتِم عَن روح عَن صَخْر بن جوَيْرِية عَن نَافِع أَن ابْن عمر كَانَ يرى التحصيب سنة، وَكَانَ يُصَلِّي الظّهْر يَوْم النَّفر بالحصبة، قَالَ: قد حصب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْخُلَفَاء بعده.
وَالله أعلم.