فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الاغتسال عند دخول مكة

بابُُ الإغْتِسالِ عِنْدَ دُخُولِ مَكَّةَ
أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان اسْتِحْبابُُ الِاغْتِسَال عِنْد دُخُول مَكَّة، شرفها الله تَعَالَى.



[ قــ :1508 ... غــ :1573 ]
- حدَّثني يَعْقُوبُ بنُ إبْرَاهِيمُ قَالَ حدَّثنا ابنُ عُلَيَّةَ قَالَ أخْبَرَنا أيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ قَالَ كانَ بنُ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا إذَا دَخَلَ أدْنَى الْحَرَمُ أمْسَكَ عَنِ التَّلْبِيَةِ ثُمَّ يَبيتُ بذِي طِوىً ثُمَّ يُصَلِّي بِهِ الصُّبْحَ ويَغْتَسِلُ ويُحَدِّثُ أنَّ نبيَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ يَفْعَلُ ذالِكَ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( ويغتسل بِذِي طوى لدُخُول مَكَّة) .
وَقد أخرج البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث بأتم مِنْهُ مُعَلّقا فِي: بابُُ الإهلال مُسْتَقْبل الْقبْلَة، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مستقصىً.
وَابْن علية هُوَ إِسْمَاعِيل بن علية، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَفتح اللَّام وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف.

قَوْله: ( أدنى الْحرم) أَي: أول مَوضِع مِنْهُ.
قَوْله: ( أمسك عَن التَّلْبِيَة) ، أَي: يَتْرُكهَا، وَالظَّاهِر أَن هَذَا كَانَ مذْهبه، وإلاَّ فالإمساك عَنْهَا فِي يَوْم الْعِيد أَو كَانَ يستأنفها، ذَلِك أَو كَانَ تَركهَا لسَبَب من الْأَسْبابُُ.
قَوْله: ( ويغتسل) أَي: يغْتَسل بِذِي طوى.
قَوْله: ( ذَلِك) ، إِشَارَة إِلَى مَا فعله من الْإِمْسَاك عَن التَّلْبِيَة إِذا دخل أدنى الْحرم والبيتوتة بِذِي طوى والاغتسال فِيهِ.
.

     وَقَالَ  ابْن الْمُنْذر: الِاغْتِسَال لدُخُول مَكَّة مُسْتَحبّ عِنْد جَمِيع الْعلمَاء، إلاَّ أَنه لَيْسَ فِي تَركه عَامِدًا عِنْدهم فديَة.
.

     وَقَالَ  أَكْثَرهم: الْوضُوء يجزىء فِيهِ.
وَكَانَ ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، يتَوَضَّأ أَحْيَانًا ويغتسل أَحْيَانًا.
وروى ابْن نَافِع عَن مَالك.
أَنه اسْتحبَّ الْأَخْذ بقول ابْن عمر: يتَوَضَّأ أَحْيَانًا ويغتسل أَحْيَانًا للإهلال بِذِي الحليفة وبذى طوى لدُخُول مَكَّة وَعند الرواح إِلَى عَرَفَة.
قَالَ: وَلَو تَركه تَارِك من عذر لم أر شَيْئا.
وأوجبه أهل الظَّاهِر فرضا على من يُرِيد الْإِحْرَام، وَالْأمة على خلافهم، وَرُوِيَ عَن الْحسن أَنه إِذا نسي الْغسْل للْإِحْرَام يغْتَسل إِذا ذكر، وَاخْتلف فِيهِ عَن عَطاء، فَقَالَ مرّة: يَكْفِي مِنْهُ الْوضُوء،.

     وَقَالَ  مرّة غير ذَاك، وَالْغسْل لدُخُول مَكَّة لَيْسَ لكَونهَا محرما، وَإِنَّمَا هُوَ لحُرْمَة مَكَّة حَتَّى يسْتَحبّ لمن كَانَ حَلَالا أَيْضا، وَقد اغْتسل لَهَا، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَام الْفَتْح وَكَانَ حَلَالا، أَفَادَ ذَلِك الشَّافِعِي، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي ( الْأُم) .
فَإِن قلت: لِمَ أمسك ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عَن التَّلْبِيَة من أول الْحرم وَكَانَ محرما بِالْحَجِّ.
قلت: تَأَول أَنه قد بلغ إِلَى الْموضع الَّذِي دعى إِلَيْهِ، وَرَأى أَن يكبر الله ويعظمه ويسبحه إِذا سقط عَنهُ معنى التَّلْبِيَة بِالْبُلُوغِ، وَكره مَالك، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، التَّلْبِيَة حول الْبَيْت.
.

     وَقَالَ  ابْن عُيَيْنَة: مَا رَأَيْت أحدا يَقْتَدِي بِهِ يُلَبِّي حول الْبَيْت إلاَّ عَطاء بن السَّائِب، وَرُوِيَ عَن سَالم أَنه كَانَ يُلَبِّي فِي طَوَافه، وَبِه قَالَ ربيعَة وَأحمد وَإِسْحَاق، وكل وَاسع.
.

     وَقَالَ  ابْن حبيب: إِذا اغْتسل الْمحرم لدخولها يغسل جسده دون رَأسه، وَحكى مُحَمَّد عَن مَالك أَن الْمحرم لَا يتدلك فِي غسل دُخُول مَكَّة وَلَا الْوُقُوف بِعَرَفَة، ولايغسل رَأسه إلاَّ بِالْمَاءِ وَحده يصبهُ صبا وَلَا يغيب رَأسه فِي المَاء.