فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب ما قيل في الصواغ وقال طاوس، عن ابن عباس رضي الله عنهما: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يختلى خلاها»، وقال العباس: إلا الإذخر، فإنه لقينهم وبيوتهم، فقال: «إلا الإذخر»

( بابُُ مَا قِيلَ فِي الصَّوَّاغِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان مَا قيل فِي حق الصواغ، وَالْمرَاد بِهَذِهِ التَّرْجَمَة والتراجم الَّتِي بعْدهَا من أَصْحَاب المصانع التَّنْبِيه على أَن هَذِه كَانَت فِي زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأَنه أقرها مَعَ الْعلم بهَا، فَكَانَ كالنص على جَوَازهَا، وَمَا لم يذكر يعْمل فِيهِ بِالْقِيَاسِ، والصواغ، بِفَتْح الصَّاد على وزن فعال بِالتَّشْدِيدِ، هُوَ الَّذِي يعْمل الصياغة، وبضم الصَّاد جمع صائغ.

وَقَالَ طاوُوسٌ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لاَ يُخْتَلَى خَلاَها.

     وَقَالَ  الْعَبَّاسُ إلاَّ الإذْخِرَ فإنَّهُ لِقَيْنِهِمْ وبُيُوتِهِمْ فَقَالَ: إلاَّ الإذُخِرَ
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( لِقَيْنِهِم) ، لِأَن الْقَيْن يُطلق على: الْحداد والصائغ، قَالَه ابْن الْأَثِير، وَهَذَانِ التعليقان أسندهما البُخَارِيّ فِي كتاب الْحَج فِي: بابُُ لَا ينفر صيد الْحرم.
وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مُسْتَوفى.

قَوْله: ( لَا يخْتَلى) ، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة أَي: لَا يقطع، والخلا بِفَتْح الْخَاء مَقْصُورا: الرطب من الْحَشِيش.

[ قــ :2005 ... غــ :2089 ]
- حدَّثنا عَبْدَانُ قَالَ أخبرنَا عَبْدُ الله قَالَ أخبرنَا يُونُسُ عنِ ابنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبرنِي عَلِيُّ ابنُ حُسَيْنٍ أنَّ حُسَيْنَ بنَ عَلِيُ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ أخْبَرَهُ أنَّ عليّا علَيْهِ السَّلامُ قَالَ كانَتْ لِي شَارِفٌ منْ نَصِيبِي مِنَ المَغْنَمِ وكانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعْطَانِي شارِفا مِنَ الخُمْسِ فلَمَّا أرَدْتُ أنْ أبْتَنِيَ بِفَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلاَمُ بِنْتِ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم واعَدْتُ رَجُلاً صَوَّاغا مِنْ بِني قَيْنُقَاعَ أنْ يَرْتَحِلَ مَعِي فنَأتِي بِإذْخِرٍ أرَدْتُ أنْ أبِيعَهُ مِنَ الصَّوَّاغِينَ وأسْتَعِينَ بِهِ فِي ولِيمَةِ عُرْسِي.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( من الصواغين) .

ذكر رِجَاله وهم سَبْعَة: الأول: عَبْدَانِ، لقب عبد الله بن عُثْمَان بن جبلة الْأَزْدِيّ.
الثَّانِي: عبد الله بن الْمُبَارك.
الثَّالِث: يُونُس بن يزِيد.
الرَّابِع: مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ.
الْخَامِس: عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.
السَّادِس: حُسَيْن عَليّ بن أبي طَالب، أَبُو عبد الله أَخُو الْحسن بن عَليّ.
السَّابِع: عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَاحِد، والإخبار كَذَلِك فِي موضِعين وبصيغة الْإِفْرَاد فِي موضِعين.
وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد.
وَفِيه: رِوَايَة ابْن شهَاب بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور، يُقَال: هُوَ أصح الْأَسَانِيد.
وَفِيه: أَن شَيْخه وَشَيخ شَيْخه مروزيان وَيُونُس أيلي والبقية مدنيون.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي اللبَاس وَفِي الْخمس عَن عَبْدَانِ بِهِ، وَأخرجه فِي الْمَغَازِي عَن أَحْمد بن صَالح وَفِي الشّرْب عَن إِبْرَاهِيم بن مُوسَى.
وَأخرجه مُسلم فِي الْأَشْرِبَة عَن مُحَمَّد بن عبد الله عَن عَبْدَانِ بِهِ، وَعَن يحيى بن يحيى وَعَن عبد بن حميد وَعَن أبي بكر بن إِسْحَاق.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْخراج عَن أَحْمد بن صَالح.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( شَارف) ، بالشين الْمُعْجَمَة وَفِي آخِره فَاء، على وزن فَاعل، وَهِي المسنة من النوق.
وَعَن الْأَصْمَعِي: شَارف وشروف، قَالَ سِيبَوَيْهٍ: جمع الشارف شرف، كالقول فِي البازل يَعْنِي: خرج نابها.
وَعَن أبي حَاتِم: شارفة وَالْجمع شوارف.
وَلَا يُقَال للبعير شَارف.
وَعَن الْأَصْمَعِي أَنه يُقَال للذّكر شَارف وللأنثى شارفة، وَيجمع على شرف، وَلم أسمع فعل جمع فَاعل إلاَّ قَلِيلا.
قَوْله: ( من الْمغنم) ، وَفِي لفظ: ( كَانَت لي شَارف من نَصِيبي من الْمغنم يَوْم بدر) ،.

     وَقَالَ  ابْن بطال: لم يخْتَلف أهل السّير أَن الْخمس لم يكن يَوْم بدر، وَذكر إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق القَاضِي أَنه كَانَ فِي غَزْوَة بني النَّضِير حِين حكم سعد قَالَ، وأحسب أَن بَعضهم قَالَ: نزل أَمر الْخمس بعد ذَلِك، وَقيل: إِنَّمَا كَانَ الْخمس بعد ذَلِك يَقِينا فِي غَنَائِم حنين، وَهِي آخر غنيمَة حضر بهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: وَإِذا كَانَ كَذَلِك فَيحْتَاج قَول عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، إِلَى تَأْوِيل قلت: ذكر ابْن إِسْحَاق عبد الله بن جحش لما بَعثه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي السّنة الثَّانِيَة إِلَى نَخْلَة فِي رَجَب، وَقيل: عَمْرو بن الْحَضْرَمِيّ وَغَيره، وَاسْتَاقُوا الْغَنِيمَة، وَهِي أول غنيمَة قسم ابْن جحش الْغَنِيمَة وعزل لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَذَلِكَ قبل أَن يفْرض الْخمس، فَأخر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر الْخمس والأسيرين، ثمَّ ذكر خُرُوج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى بدر فِي رَمَضَان فقسم غنائمها مَعَ الْغَنِيمَة الأولى وعزل الْخمس، فَيكون قَول عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: شارفا من نَصِيبي من الْغنم، يُرِيد: يَوْم بدر، وَيكون قَوْله: وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَعْطَانِي شارفا قبل ذَلِك من الْخمس، يَعْنِي: قبل يَوْم بدر من غنيمَة ابْن جحش.
.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: فِيهِ دَلِيل على أَن آيَة الْخمس نزلت يَوْم بدر، لِأَنَّهُ لم يكن قبل بنائِهِ بفاطمة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، مغنم إلاَّ يَوْم بدر، وَذَلِكَ كُله سنة ثِنْتَيْنِ من الْهِجْرَة فِي رَمَضَان، وَكَانَ بِنَاؤُه بفاطمة بعد ذَلِك، وَذكر أَبُو مُحَمَّد فِي ( مُخْتَصره) : أَنه تزَوجهَا فِي السّنة الأولى.
قَالَ: وَيُقَال فِي السّنة الثَّانِيَة على رَأس اثْنَتَيْنِ وَعشْرين شهرا.
وَهَذَا كُله كَانَ بعد بدر، وَذكر أَبُو عمر عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان الْهَاشِمِي: نَكَحَهَا عَليّ بعد وقْعَة أحد.
وَقيل: تزَوجهَا بعد بنائِهِ بعائشة بسبعة أشهر وَنصف،.

     وَقَالَ  ابْن الْجَوْزِيّ: بنى بهَا فِي ذِي الْحجَّة.
وَقيل: فِي رَجَب، وَقيل: فِي صفر من السّنة الثَّانِيَة.
قَوْله: ( أَن ابتني) أَي: أَدخل بهَا.
قَوْله: ( من بني قينقاع) ، بِفَتْح القافين وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَضم النُّون وَفِي آخِره عين مُهْملَة وَفِي نونه ثَلَاث لُغَات: الضَّم وَالْفَتْح وَالْكَسْر، وَيصرف على إِرَادَة الْحَيّ، وَلَا يصرف على إِرَادَة الْقَبِيلَة وَهُوَ رَهْط من الْيَهُود، وَقيل: قينقاع أَبُو سبط من يهود الْمَدِينَة، وهم أول يهود نقضوا مَا بَينهم وَبَين رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وحاربوا فِيمَا بَين بدر وَأحد، فَحَاصَرَهُمْ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى نزلُوا على حكمه.
قَوْله: ( بإذخر) ، بِكَسْر الْهمزَة وَالْخَاء الْمُعْجَمَة، وَهِي حشيشة طيبَة الرّيح تسقف بهَا الْبيُوت فَوق الْخشب، ويستعملها الصواغون أَيْضا.
قَوْله: ( فِي وَلِيمَة عرسي) الْوَلِيمَة طَعَام الْعرس، وَقيل: الْوَلِيمَة اسْم لكل طَعَام، والعرس، بِضَم الرَّاء وإسكانها بِمُهْملَة: الْأَمْلَاك وَالْبناء أُنْثَى، وَقد يذكر وتصغيرها بِغَيْر هَاء وَهُوَ نَادِر لِأَن حَقه الْهَاء إِذْ هُوَ يؤنث على ثَلَاثَة أحرف، وَالْجمع أعراس وعرسات، والعروس: نعت الرجل وَالْمَرْأَة، يُقَال: رجل عروس فِي رجال أعراس، وَامْرَأَة عروس فِي نسْوَة عرائس، ذكره ابْن سَيّده، وَفِي ( التَّهْذِيب) للأزهري: الْعرس طَعَام الْوَلِيمَة، وَهُوَ من أعرس الرجل بأَهْله إِذا بنى عَلَيْهَا وَدخل بهَا، وَتسَمى الْوَلِيمَة عرسا، وَالْعرب تؤنث الْعرس، وَعَن الْفراء والأصمعي وَأبي زيد وَيَعْقُوب: هِيَ أُنْثَى، وتصغيرها: عريس.
وعريسة، وَهُوَ طَعَام الزفاف، والعرس مثل قرط اسْم للطعام الَّذِي يتَّخذ للعروس.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: جَوَاز بيع الْإِذْخر وَسَائِر الْمُبَاحَات والاكتساب مِنْهَا للرفيع والوضيع.
وَفِيه: الِاسْتِعَانَة بِأَهْل الصِّنَاعَة فِيمَا ينْفق عِنْدهم.
وَفِيه: جَوَاز مُعَاملَة الصَّائِغ وَلَو كَانَ يَهُودِيّا.
وَفِيه: الِاسْتِعَانَة على الولائم والتكسب لَهَا من طيب ذَلِك الْكسْب.
وَفِيه: أَن طَعَام الْوَلِيمَة على الناكح.





[ قــ :006 ... غــ :090 ]
- حدَّثنا إسْحَاقُ قَالَ حَدثنَا خالِدُ بنُ عَبْدِ الله عَنْ خالِدٍ عنْ عِكْرِمَةَ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إنَّ الله حَرَّمَ مَكَّةَ ولَمْ تَحِلَّ لأِحَدٍ قَبْلي ولاَ لأِحَدٍ بعْدِي وإنَّما حَلَّتْ لِي ساعَةً مِنْ نَهارٍ لاَ يُخْتَلَى خلاَها ولاَ يُعْضَدُ شَجَرُها ولاَ يُنَفَّرُ صَيْدُهَا ولاَ يُلْتَقَطُ لُقْطَتُها إلاَّ لِمُعَرِّفٍ.
.

     وَقَالَ  عَبَّاسُ بنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ إلاَّ الإذُخِرَ لِصَاغَتِنَا ولِسُقُفِ بُيُوتِنا فَقَالَ إلاَّ الإذْخِرَ فَقَالَ عِكْرِمَةُ هَلْ تَدْرِي مَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا هُوَ أنْ تُنَحِّيَهُ مِنَ الظِّلِّ وتَنْزِلَ مَكَانَه.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( لصاغتنا) ، وَهُوَ جمع صائغ وَإِسْحَاق هَذَا هُوَ ابْن شاهين الوَاسِطِيّ، نَص عَلَيْهِ ابْن مَاكُولَا وَابْن البيع، وأكد ذَلِك قَول الْإِسْمَاعِيلِيّ: حَدثنَا ابْن عبد الْكَرِيم حَدثنَا إِسْحَاق بن شاهين حَدثنَا خَالِد، وَقَول أبي نعيم: حَدثنَا أَحْمد بن عبد الْكَرِيم الْوزان حَدثنَا إِسْحَاق بن شاهين حَدثنَا خَالِد، وخَالِد الأول هُوَ الطَّحَّان وخَالِد الثَّانِي هُوَ الْحذاء، وَقد مضى الحَدِيث فِي كتاب الْحَج فِي: بابُُ لَا ينفر صيد الْحرم، وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مُسْتَوفى.

قَالَ عَبْدُ الوَهَّابِ عنْ خالِدٍ لِصاغَتِنا وقُبُورِنا
هَذَا التَّعْلِيق وَصله البُخَارِيّ فِي كتاب الْحَج، وَعبد الْوَهَّاب بن عبد الْمجِيد الثَّقَفِيّ.