فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب: البيعان بالخيار ما لم يتفرقا

( بابٌُ الْبَيِّعانِ بالخيارِ مَا لَمْ يتَفَرَّقا)

أَي: هَذَا بابُُ يذكر فِيهِ البيعان بِالْخِيَارِ.

وبِه قَالَ ابنُ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا
أَي: بِخِيَار البيعين مَا لم يَتَفَرَّقَا، قَالَ عبد الله بن عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَقد مضى أَن ابْن عمر كَانَ إِذا اشْترى شَيْئا يُعجبهُ فَارق صَاحبه، وروى التِّرْمِذِيّ من طَرِيق ابْن فُضَيْل عَن يحيى بن سعيد: وَكَانَ ابْن عمر إِذا ابْتَاعَ بيعا وَهُوَ قَاعد قَامَ ليجب لَهُ، وَقد ذكرنَا عَن مُسلم نَحوه.

وشُرَيْحٌ والشَّعْبِيُّ وطَاوُوسٌ وعَطَاءٌ وابنُ أبي مُلَيْكَةَ
وَشُرَيْح بِالرَّفْع عطف على قَوْله: ابْن عمر، وَمَا بعده عطف عَلَيْهِ، وَشُرَيْح بِضَم الشين الْمُعْجَمَة وَفِي آخِره حاء مُهْملَة: ابْن الْحَارِث الْكِنْدِيّ أَبُو أُميَّة الْكُوفِي، أدْرك النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلم يلقه، استقضاه عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، على الْكُوفَة وَأقرهُ عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَأقَام على الْقَضَاء سِتِّينَ سنة، مَاتَ سنة ثَمَان وَسبعين، وَقيل: سنة ثَمَانِينَ.
وَكَانَ لَهُ عشرُون وَمِائَة سنة، وَتَعْلِيق شُرَيْح وَصله سعيد بن مَنْصُور عَن هشيم عَن مُحَمَّد بن عَليّ: سَمِعت أَبَا الضُّحَى يحدث أَنه شهد شريحا واختصم إِلَيْهِ رجلَانِ اشْترى أَحدهمَا من الآخر دَارا بأَرْبعَة آلَاف، فأوجبها لَهُ، ثمَّ بدا لَهُ فِي بيعهَا قبل أَن يُفَارق صَاحبه، فَقَالَ: لَا حَاجَة لي فِيهَا، فَقَالَ البَائِع: قد بِعْتُك فأوجبت لَك، فاختصما إِلَى شُرَيْح، فَقَالَ: هُوَ بِالْخِيَارِ مَا لم يَتَفَرَّقَا.
قَالَ مُحَمَّد: وَشهِدت الشّعبِيّ قضى بذلك.
قَوْله: ( وَالشعْبِيّ) ، هُوَ عَامر بن شرَاحِيل، وَوصل تَعْلِيقه ابْن أبي شيبَة، فَقَالَ: حَدثنَا جرير عَن مُغيرَة عَن الشّعبِيّ، فِي رجل اشْترى من رجل برذونا، فَأَرَادَ أَن يرد قبل أَن يَتَفَرَّقَا، فَقضى الشّعبِيّ أَنه قد وَجب عَلَيْهِ، فَشهد عِنْده أَبُو الضُّحَى أَن شريحا أَتَى مثل ذَلِك فَرده على البَائِع، فَرجع الشّعبِيّ إِلَى قَول شُرَيْح.
قَوْله: ( وطاووس) هُوَ ابْن كيسَان الْيَمَان، وَوصل الشَّافِعِي فِي ( الْأُم) تَعْلِيقه، فَقَالَ: أخبرنَا ابْن عُيَيْنَة عَن عبد الله بن طَاوُوس عَن أَبِيه، قَالَ: خير رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، رجلا بعد البيع،.

     وَقَالَ : وَكَانَ أبي يحلف مَا الْخِيَار إلاَّ بعد البيع.
قَوْله: ( وَعَطَاء) هُوَ ابْن أبي رَبَاح الْمَكِّيّ، وَابْن أبي مليكَة، بِضَم الْمِيم: هُوَ عبد الله بن أبي مليكَة، وَوصل تعليقهما ابْن أبي شيبَة: عَن جرير عَن عبد الْعَزِيز بن رفيع عَن ابْن أبي مليكَة وَعَطَاء، قَالَا: البيعان بِالْخِيَارِ حَتَّى يَتَفَرَّقَا عَن رضى.



[ قــ :2026 ... غــ :2110 ]
- حدَّثني إسْحَاقُ قَالَ أخبرنَا حَبَّانُ قَالَ حَدثنَا شُعْبَةُ قَالَ قَتادَةُ أَخْبرنِي عنْ صالحَ أبي الخليلِ عنْ عَبْدِ الله بنِ الحارِثِ قَالَ سَمِعْتُ حَكِيمَ بنَ حِزَامٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْبَيِّعانِ بالخِيَارِ مَا لَمْ يتَفَرَّقا فإنْ صَدَقا وبَيَّنا بُورِك لَهُما فِي بَيْعِهِمَا وإنْ كَذَبا وكتَما مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَقد مضى الحَدِيث فِي: بابُُ إِذا بَين البيعان وَلم يكتما، وَنصحا، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن سُلَيْمَان بن حَرْب عَن شُعْبَة عَن قَتَادَة ... إِلَى آخِره، وَأخرجه أَيْضا عَن قريب فِي: بابُُ كم يجوز الْخِيَار: عَن حَفْص بن عمر عَن همام عَن قَتَادَة ... إِلَى آخِره.
وَأخرجه هُنَا: عَن إِسْحَاق.
قَالَ الغساني: لم أحد إِسْحَاق هَذَا مَنْسُوبا عِنْد أحد من رَوَاهُ ( الْجَامِع) وَلَعَلَّه إِسْحَاق بن مَنْصُور، فقد روى مُسلم فِي ( صَحِيحه) عَنهُ عَن حبَان بن هِلَال، وحبان بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن هِلَال، وَقد مضى الْبَحْث فِيهِ مُسْتَوفى فِي: بابُُ إِذا بَين البيعان.





[ قــ :07 ... غــ :111 ]
- حدَّثنا حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا مالِكٌ عنْ نافِعٍ عنْ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ المُتَبايِعَانِ كُلُّ واحِدٍ مِنهُما بالخِيارِ عَلَى صاحِبِهِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إلاَّ بَيْعَ الخِيارِ.
.


هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ البُخَارِيّ أَولا من طَرِيق يحيى عَن نَافِع، ثمَّ من طَرِيق أَيُّوب عَن نَافِع، ثمَّ من طَرِيق اللَّيْث عَن نَافِع، على مَا يَأْتِي.
وَكَذَلِكَ أخرجه مُسلم من هَذِه الطّرق.
وَأخرجه ابْن جريج أَيْضا عَن نَافِع وَمن طَرِيق عبيد الله عَن نَافِع أَيْضا.
وروى أَيْضا من طَرِيق الضَّحَّاك بن عُثْمَان عَن نَافِع، وروى إِسْمَاعِيل أَيْضا عَن نَافِع، وَإِسْمَاعِيل هَذَا: قَالَ أَبُو الْعَبَّاس الطرقي: وَأَظنهُ ابْن إِبْرَاهِيم بن عقبَة،.

     وَقَالَ  ابْن عَسَاكِر: هُوَ إِسْمَاعِيل بن أُميَّة بن عَمْرو بن سعيد بن الْعَاصِ: وَأخرج من طَرِيقه النَّسَائِيّ، قَالَ: أخبرنَا مُحَمَّد بن عَليّ بن حَرْب، حَدثنَا محيريز بن الوضاح عَن إِسْمَاعِيل عَن نَافِع عَن ابْن عمر، قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (الْمُتَبَايعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لم يَتَفَرَّقَا إلاَّ أَن يكون بيع دون خِيَار، فَإِذا كَانَ البيع عَن خِيَار فقد وَجب البيع.

وَقَالَ الْكرْمَانِي: قَوْله: (إلاَّ بيع الْخِيَار) فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال: أَصَحهَا: أَنه اسْتَثْنَاهُ من أصل الحكم أَي: هما بِالْخِيَارِ إلاَّ بيعا جرى فِيهِ التخاير، وَهُوَ اخْتِيَار إِمْضَاء العقد، فَإِن العقد يلْزم بِهِ وَإِن لم يَتَفَرَّقَا بعد.
وَالثَّانِي: أَن الِاسْتِثْنَاء من مَفْهُوم الْغَايَة أَي أَنَّهُمَا بِالْخِيَارِ مَا لم يَتَفَرَّقَا إلاَّ بيعا شَرط فِيهِ خِيَار يَوْم مثلا، فَإِن الْخِيَار باقٍ بعد التَّفَرُّق إِلَى مُضِيّ الأمد الْمَشْرُوط.
وَالثَّالِث: أَن مَعْنَاهُ إلاَّ البيع الَّذِي شَرط فِيهِ أَن لَا خِيَار لَهما فِي الْمجْلس، فَيلْزم البيع بِنَفس العقد، وَلَا يكون فِيهِ خِيَار أصلا.
قلت: قد ذكرنَا هَذَا فِيمَا مضى عَن قريب بِمَا فِيهِ الْكِفَايَة.