فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب بيع التصاوير التي ليس فيها روح، وما يكره من ذلك

( بابُُ بَيْعِ التَّصاوِيرِ الَّتِي لَيْسَ فِيها رُوحٌ وَمَا يُكْرَهُ مِنْ ذَلِكَ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم التصاوير، أَي: المصورات الَّتِي لَيْسَ فِيهَا روح: كالأشجار وَنَحْوهَا.
قَوْله: ( وَمَا يكره) أَي: وَفِي بَيَان مَا يكره من ذَلِك من اتِّخَاذ أَو عمل أَو بيع أَو نَحْو ذَلِك.



[ قــ :2139 ... غــ :2225 ]
- حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ قَالَ حَدثنَا يَزِيدُ بنُ زُرَيْعٍ قَالَ أخبرنَا عَوْفٌ عنْ سَعِيدِ بنِ أبِي الحَسَنِ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما إذَا أتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا أَبَا عَبَّاسٍ إنِّي إنْسَانٌ إنَّما مَعِيشَتِي مِنْ صَنْعَةِ يَدِي وإنِّي أصْنَعُ هَذِهِ التَّصَاوِيرَ فَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ لاَ أُحَدِّثُكَ إلاَّ مَا سَمِعْتُ منْ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَمِعْتُهُ يَقولُ منْ صَوَّرَ صورَةً فإنَّ الله مُعَذِّبُهُ حَتَّى يَنْفُخَ فِيها الرُّوحَ ولَيْسَ بِنافِخٍ فِيها أبَدا فَرَبا الرَّجُلُ رَبْوَةً شَدِيدَةً واصْفَرَّ وجْهُهُ فَقَالَ وَيْحَكَ إنْ أبَيْتَ إلاَّ أنْ تَصْنَعَ فَعَلَيْكَ بِهَذَا الشَّجَرِ كُلِّ شَيْءٍ لَيْسَ فِيهِ رُوحٌ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( فَعَلَيْك بِهَذَا الشّجر) ، وَكَانَ البُخَارِيّ فهم من قَوْله فِي الحَدِيث: إِنَّمَا معيشتي من صَنْعَة يَدي، وَإجَابَة ابْن عَبَّاس بِإِبَاحَة صور الشّجر، وَشبهه إِبَاحَة البيع وجوازه فترجم عَلَيْهِ.

ذكر رِجَاله وهم خَمْسَة: الأول: عبد الله بن عبد الْوَهَّاب أَبُو مُحَمَّد الحَجبي.
الثَّانِي: يزِيد من الزِّيَادَة ابْن زُرَيْع مصغر زرع وَقد تكَرر ذكره.
الثَّالِث: عَوْف، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْوَاو فِي آخِره فَاء: ابْن أبي حميد الْأَعرَابِي، يعرف بِهِ وَلَيْسَ بأعرابي الأَصْل يكنى أَبَا سهل، وَيُقَال: أَبُو عبد الله.
الرَّابِع: سعيد بن أبي الْحسن، أَخُو الْحسن الْبَصْرِيّ، وَاسم أبي الْحسن: يسَار، بِالْيَاءِ آخر الْحُرُوف وَالسِّين الْمُهْملَة.
الْخَامِس: عبد الله بن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.

ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع.
وَفِيه: الْإِخْبَار بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع.
وَفِيه: السماع فِي موضِعين.
وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع.
وَفِيه: القَوْل فِي خَمْسَة مَوَاضِع.
وَفِيه: أَن هَؤُلَاءِ كلهم بصريون.
وَفِيه: أَن شَيْخه من أَفْرَاده.
وَفِيه: أَن سعيد بن أبي الْحسن لَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ مَوْصُولا سوى هَذَا الحَدِيث.

ذكر من أخرجه غَيره: أخرجه مُسلم فِي اللبَاس عَن نصر بن عَليّ.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الزِّينَة عَن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن إِبْرَاهِيم، وَفِي الْبابُُ عَن ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.
أخرجه الطَّحَاوِيّ: حَدثنَا فَهد، قَالَ: حَدثنَا القعْنبِي، قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن عمر عَن نَافِع عَن ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ( المصورون يُعَذبُونَ يَوْم الْقِيَامَة، يُقَال لَهُم: أحيوا مَا خلقْتُمْ) ، وَرَوَاهُ مُسلم أَيْضا وَغَيره، وَعَن أبي هُرَيْرَة أخرجه النَّسَائِيّ قَالَ: أخبرنَا عَمْرو بن عَليّ حَدثنَا عَفَّان حَدثنَا همام عَن قَتَادَة عَن عِكْرِمَة عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( من صور صُورَة كلف يَوْم الْقِيَامَة أَن ينْفخ فِيهَا الرّوح، وَلَيْسَ بنافخ) .
وَأخرجه الطَّحَاوِيّ أَيْضا.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( إِذْ أَتَاهُ رجل) ، كلمة: إِذْ، للمفاجأة، وَقد ذكرنَا غير مرّة أَن: إِذْ وَإِذا، يضافان إِلَى جملَة، فَقَوله: ( أَتَاهُ رجل) جملَة فعلية، وَقَوله: ( فَقَالَ ابْن عَبَّاس) ، جَوَاب: إِذْ.
قَوْله: ( إِنَّمَا معيشتي من صَنْعَة يَدي) يَعْنِي: مَا معيشتي إلاَّ من عمل يَدي.
قَوْله: ( حَتَّى ينْفخ فِيهَا) ، أَي: إِلَى أَن ينْفخ فِي الصُّورَة.
قَوْله: ( وَلَيْسَ بنافخ) أَي: لَا يُمكن لَهُ النفخ قطّ، فيعذب أبدا.
قَوْله: ( فربا) أَي: فربا الرجل أَي أَصَابَهُ الربو، وَهُوَ مرض يحصل للرجل يَعْلُو نَفسه ويضيق صَدره،.

     وَقَالَ  ابْن قرقول: أَي ذكر وامتلأ خوفًا.
وَعَن صَاحب ( الْعين) : رَبًّا الرجل أَصَابَهُ نفس فِي جَوْفه، وَهُوَ الربو والربوة والربوة، وَهُوَ نهج وَنَفس متواتر،.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: مَعْنَاهُ انتفخ كَأَنَّهُ خجل من ذَلِك.
قَوْله: ( وَيحك) ، كلمة ترحم، كَمَا أَن: وَيلك، كلمة عَذَاب.
قَوْله: ( كل شَيْء) ، بِالْجَرِّ بدل الْكل عَن الْبَعْض، وَهَذَا جَائِز عِنْد بعض النُّحَاة، وَهُوَ قسم خَامِس من الْإِبْدَال كَقَوْل الشَّاعِر:

( رحم الله أعظما دفنوهابسجستان طَلْحَة الطلحات)

ويروى: نضر الله أعظما، وَيجوز أَن يكون فِيهِ مُضَاف مَحْذُوف، وَالتَّقْدِير: عَلَيْك، بِمثل الشّجر، أَو يكون وَاو الْعَطف فِيهِ مقدرَة، تَقْدِيره: وكل شَيْء، كَمَا فِي: التَّحِيَّات المباركات الصَّلَوَات الطَّيِّبَات، فَإِن مَعْنَاهُ: والصلوات، وبواو الْعَطف جَاءَ فِي رِوَايَة أبي نعيم من طَرِيق خودة عَن عَوْف: فَعَلَيْك بِهَذَا الشّجر وكل شَيْء لَيْسَ فِيهِ روح، وَفِي رِوَايَة مُسلم والإسماعيلي بِلَفْظ: فَاصْنَعْ الشّجر ومالا نفس لَهُ.
.

     وَقَالَ  الطَّيِّبِيّ: هُوَ بَيَان للشجر، لِأَنَّهُ لما مَنعه عَن التَّصْوِير وأرشده إِلَى جنس الشّجر، رأى أَنه غير وافٍ بِالْمَقْصُودِ، فأوضحه بِهِ، وَيجوز النصب على التَّفْسِير.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: أَن تَصْوِير ذِي روح حرَام، وَأَن مصوره توعد بِعَذَاب شَدِيد، وَهُوَ قَوْله: فَإِن الله معذبه حَتَّى ينْفخ فِيهَا، وَفِي رِوَايَة لمُسلم: كل مُصَور فِي النَّار يَجْعَل لَهُ بِكُل صُورَة صورها نفسا، فيعذبه فِي جَهَنَّم.
وروى الطَّحَاوِيّ من حَدِيث أبي جُحَيْفَة: لعن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، المصورين.
وَعَن عُمَيْر عَن أُسَامَة بن زيد يرفعهُ: قَاتل الله قوما يصورون مَا لَا يخلقون.
.

     وَقَالَ  الْمُهلب: إِنَّمَا كره هَذَا من أجل أَن الصُّورَة الَّتِي فِيهَا الرّوح كَانَت تعبد فِي الْجَاهِلِيَّة، فَكرِهت كل صُورَة، وَإِن كَانَت لَا فَيْء لَهَا وَلَا جسم قطعا للذريعة.
.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ فِي حَدِيث مُسلم: أَشد النَّاس عذَابا يَوْم الْقِيَامَة المصورون، وَهَذَا يَقْتَضِي أَن لَا يكون فِي النَّار أحد يزِيد عَذَابه على عَذَاب المصورين، وَهَذَا يُعَارضهُ قَوْله تَعَالَى: { ادخُلُوا آل فِرْعَوْن أَشد الْعَذَاب} ( غَافِر: 64) .
وَقَوله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( أَشد النَّاس عذَابا يَوْم الْقِيَامَة إِمَام ضَلَالَة) .
وَقَوله: ( أَشد النَّاس عذَابا عَالم لم يَنْفَعهُ الله بِعِلْمِهِ) ، وَأَشْبَاه ذَلِك، وَوجه التَّوْفِيق: أَن النَّاس الَّذين أضيف إِلَيْهِم: أَشد، لَا يُرَاد بهم كل نوع النَّاس، بل بَعضهم المشاركون فِي ذَلِك الْمَعْنى المتوعد عَلَيْهِ بِالْعَذَابِ، ففرعون أَشد المدعين للإلهية عذَابا، وَمن يَقْتَدِي بِهِ فِي ضَلَالَة كفر أَشد مِمَّن يَقْتَدِي بِهِ فِي ضَلَالَة بِدعَة، وَمن صور صورا ذَات أَرْوَاح أَشد عذَابا مِمَّن يصور مَا لَيْسَ بِذِي روح، فَيجوز أَن يَعْنِي بالمصورين الَّذين يصورون الْأَصْنَام لِلْعِبَادَةِ، كَمَا كَانَت الْجَاهِلِيَّة تفعل، وكما يفعل النَّصَارَى، فَإِن عَذَابهمْ يكون أَشد مِمَّن يصورها لَا لِلْعِبَادَةِ.
انْتهى.
وَلقَائِل أَن يَقُول: أَشد النَّاس عذَابا بِالنِّسْبَةِ إِلَى هَذِه الْأمة لَا إِلَى غَيرهَا من الْكفَّار، فَإِن صورها لتعبد أَو لمضاهاة خلق الله تَعَالَى فَهُوَ كَافِر قَبِيح الْكفْر، فَلذَلِك زيد فِي عَذَابه.
قلت: قَول الْقُرْطُبِيّ: وَمن صور صورا ذَات أَرْوَاح أَشد عذَابا مِمَّن يصور مَا لَيْسَ بِذِي روح، فِيهِ نظر لَا يخفى، وَفِيه إِبَاحَة تَصْوِير مَا لَا روح لَهُ كالشجر وَنَحْوه، وَهُوَ قَول جُمْهُور الْفُقَهَاء وَأهل الحَدِيث، فَإِنَّهُم استدلوا على ذَلِك بقول ابْن عَبَّاس: فَعَلَيْك بِهَذَا الشّجر ... إِلَى آخِره، فَإِن ابْن عَبَّاس استنبط قَوْله من قَوْله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ( فَإِن الله معذبه حَتَّى ينْفخ فِيهَا) .
أَي: الرّوح، فَدلَّ هَذَا على أَن المصور إِنَّمَا يسْتَحق هَذَا الْعَذَاب لكَونه قد بَاشر تَصْوِير حَيَوَان مُخْتَصّ بِاللَّه تَعَالَى، وتصوير جماد لَيْسَ لَهُ فِي معنى ذَلِك، فَلَا بَأْس بِهِ.

وَذهب جمَاعَة مِنْهُم اللَّيْث بن سعيد وَالْحسن بن حَيّ وَبَعض الشَّافِعِيَّة إِلَى كَرَاهَة التَّصْوِير مُطلقًا، سَوَاء كَانَت على الثِّيَاب أَو على الْفرش والبسط وَنَحْوهَا، وَاحْتَجُّوا بِعُمُوم قَوْله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( لَا تدخل الْمَلَائِكَة بَيْتا فِيهِ صُورَة وَلَا كلب وَلَا جنب) ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَقَوله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( لَا تدخل الْمَلَائِكَة بَيْتا فِيهِ كلب وَلَا صُورَة) ، أخرجه مُسلم من حَدِيث ابْن عَبَّاس عَن أبي طَلْحَة، وَأخرجه الطَّحَاوِيّ وَالطَّبَرَانِيّ نَحوه من حَدِيث أبي أَيُّوب عَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأخرج الطَّحَاوِيّ أَيْضا من حَدِيث أبي سَلمَة عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا: ( أَن جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، قَالَ لرَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّا لَا ندخل بَيْتا فِيهِ صُورَة) .
وَأخرجه مُسلم مطولا.
وَأخرج الطَّحَاوِيّ أَيْضا من حَدِيث عَائِشَة، قَالَت: دخل عليَّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنا مستترة بقرام ستر فِيهِ صُورَة فهتكه، ثمَّ قَالَ: ( إِن أَشد النَّاس عذَابا يَوْم الْقِيَامَة الَّذين يشبهون بِخلق الله تَعَالَى) .
وَأخرجه مُسلم بأتم مِنْهُ.
وَأخرج الطَّحَاوِيّ أَيْضا من حَدِيث أُسَامَة بن زيد عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: لَا تدخل الْمَلَائِكَة بَيْتا فِيهِ صُورَة.
وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ مطولا.
وَأخرج الطَّحَاوِيّ أَيْضا من حَدِيث أبي الزبير: قَالَ: سَأَلت جَابِرا عَن الصُّور فِي الْبَيْت وَعَن الرجل يفعل ذَلِك؟ فَقَالَ: زجر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ذَلِك.

وَخَالف الْآخرُونَ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورين، وهم النَّخعِيّ وَالثَّوْري وَأَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي رِوَايَة، وَقَالُوا: إِذا كَانَت الصُّور على الْبسط والفرش الَّتِي تُوطأ بالأقدام فَلَا بَأْس بهَا، وَأما إِذا كَانَت على الثِّيَاب والستائر وَنَحْوهمَا، فَإِنَّهَا تحرم،.

     وَقَالَ  أَبُو عمر: ذكر ابْن الْقَاسِم: قَالَ: كَانَ مَالك يكره التماثيل فِي الأسرة والقبابُ، وَأما الْبسط والوسائد وَالثيَاب فَلَا بَأْس بِهِ.
وَكره أَن يُصَلِّي إِلَى قبَّة فِيهَا تماثيل.
.

     وَقَالَ  الثَّوْريّ: لَا بَأْس بالصور فِي الوسائد لِأَنَّهَا تُوطأ وَيجْلس عَلَيْهَا، وَكَانَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه يكْرهُونَ التصاوير فِي الْبيُوت بتمثال، وَلَا يكْرهُونَ ذَلِك فِيمَا يبسط، وَلم يَخْتَلِفُوا أَن التصاوير فِي الستور الْمُعَلقَة مَكْرُوهَة، وَكَذَلِكَ عِنْدهم مَا كَانَ خرطا أَو نقشا فِي الْبناء.

وَقَالَ الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي: وَإِن دعِي رجل إِلَى عرس فَرَأى صُورَة ذَات روح، أَو صورا ذَات أَرْوَاح، لم يدْخل إِن كَانَت مَنْصُوبَة، وَإِن كَانَت تُوطأ فَلَا بَأْس، وَإِن كَانَت صُورَة الشّجر.
.

     وَقَالَ  قوم: إِنَّمَا كره من ذَلِك مَا لَهُ ظلّ وَمَا لَا ظلّ لَهُ فَلَيْسَ بِهِ بَأْس.
.

     وَقَالَ  عِيَاض: وَأَجْمعُوا على منع مَا كَانَ لَهُ ظلّ، وَوُجُوب تَغْيِيره إلاَّ مَا ورد فِي اللّعب بالبنات لصغار الْبَنَات، والرخصة فِي ذَلِك، وَكره مَالك شِرَاء ذَلِك لابنته، وَادّعى بَعضهم أَن إِبَاحَة اللّعب للبنات مَنْسُوخ،.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ: وَاسْتثنى بعض أَصْحَابنَا من ذَلِك مَا لَا يبْقى كصور الفخار والشمع وَمَا شاكل ذَلِك، وَهُوَ مطَالب بِدَلِيل التَّخْصِيص، وَكَانَت الْجَاهِلِيَّة تعْمل أصناما من الْعَجْوَة، حَتَّى إِن بَعضهم جَاع فَأكل صنمه.
قلت: بَنو باهلة كَانُوا يصنعون الْأَصْنَام من الْعَجْوَة، فَوَقع فيهم الغلاء فأكلوها وَقَالُوا: بَنو باهلة أكلُوا آلِهَتهم.

وَحجَّة الْمُخَالفين لأهل الْمقَالة الأولى حَدِيث عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، قَالَت: قدم رَسُول اللهصلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعِنْدِي نمط لي فِيهِ صُورَة، فَوَضَعته على سهوتي، فاجتذبه، فَقَالَ: لَا تستروا الْجِدَار.
قَالَت: فصنعته وسادتين.
أخرجه الطَّحَاوِيّ وَأخرجه مُسلم بأتم مِنْهُ، والنمط بِفَتْح النُّون وَالْمِيم، هُوَ ضرب من الْبسط لَهُ خمل رَقِيق وَيجمع على أنماط.
والسهوة، بِالسِّين الْمُهْملَة بَيت صَغِير منحدر فِي الأَرْض قَلِيلا، شَبيه بالمخدع والخزانة.
وَقيل: هُوَ كالصفة تكون بَين يَدي الْبَيْت، وَقيل: شَبيه بالرف والطاق يوضع فِيهِ الشَّيْء، والوسادة المخدة.

وَأَجَابُوا عَن الْأَحَادِيث الَّتِي مَضَت بِأَنا عَملنَا بهَا على عمومها، وعملنا بِحَدِيث عَائِشَة أَيْضا وبأمثاله الَّتِي رويت فِي هَذَا الْبابُُ فِيمَا إِذا كَانَت الصُّور مِمَّا كَانَ يُوطأ ويهان، فَإِذن نَحن عَملنَا بِأَحَادِيث الْبابُُ كلهَا بِخِلَاف هَؤُلَاءِ فَإِنَّهُم عمِلُوا بِبَعْضِهَا وأهملوا بَعْضهَا.

وَفِيه: مَا قَالَه الْقُرْطُبِيّ: يُسْتَفَاد من قَوْله: ( وَلَيْسَ بنافخ) جَوَاز التَّكْلِيف بِمَا لَا يقدر عَلَيْهِ، قَالَ: وَلَكِن لَيْسَ مَقْصُود الحَدِيث التَّكْلِيف، وَإِنَّمَا الْمَقْصُود مِنْهُ تَعْذِيب الْمُكَلف وَإِظْهَار عَجزه عَمَّا تعاطاه مُبَالغَة فِي توبيخه وَإِظْهَار قبح فعله.

قَالَ أبُو عَبْدِ الله سَمِعَ سَعيدُ بنُ أبِي عَرُوبَةَ مِنَ النِّضْرِ بنِ أنَسٍ هَذا الوَاحِدِ
أَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ، رَحمَه الله، وَالنضْر، بِفَتْح النُّون وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة: هُوَ النَّضر بن أنس بن مَالك البُخَارِيّ الْأنْصَارِيّ، يكنى أَبَا مَالك، عداده فِي أهل الْبَصْرَة، وَلم يسمع سعيد هَذَا من النَّضر إلاَّ هَذَا الحَدِيث الْوَاحِد الَّذِي رَوَاهُ عَوْف الْأَعرَابِي، وَهُوَ معنى قَوْله: هَذَا الْوَاحِد، أَي: هَذَا الحَدِيث الْوَاحِد.

أخرج البُخَارِيّ هَذَا فِي كتاب اللبَاس: عَن عَيَّاش بن الْوَلِيد عَن عبد الْأَعْلَى عَن ابْن أبي عرُوبَة سَمِعت النَّضر بِحَدِيث قَتَادَة، قَالَ: كنت عِنْد ابْن عَبَّاس ... فَذكره، وروى مُسلم: فَأدْخل بَين سعيد وَالنضْر قَتَادَة، قَالَ الجياني: وَلَيْسَ بِشَيْء لتصريح البُخَارِيّ وَغَيره بِسَمَاع سعيد من النَّضر هَذَا الحَدِيث وَحده، وَرَوَاهُ مُسلم أَيْضا عَن أبي غَسَّان، وَعَن أبي مُوسَى عَن معَاذ بن هِشَام عَن أَبِيه عَن قَتَادَة عَن النَّضر مثله.