فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب بيع العبيد والحيوان بالحيوان نسيئة

(بابُُ بَيْعِ العَبِيدِ والحَيوَانِ بالحَيَوانِ نَسيئَةً)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم بيع العَبْد نَسِيئَة وَبيع الْحَيَوَان بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَة، هَذَا تَقْدِير الْكَلَام، وَقَوله: (وَالْحَيَوَان بِالْحَيَوَانِ) من عطف الْعَام على الْخَاص.
قَوْله: (نَسِيئَة) ، بِفَتْح النُّون وَكسر السِّين الْمُهْملَة وَفتح الْهمزَة، أَي: مُؤَجّلا، وانتصابه على التَّمْيِيز.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِالْعَبدِ جنس مَا يستعبد فَيدْخل الذّكر وَالْأُنْثَى.
قلت: لَا نسلم أَن يكون المُرَاد بِالْعَبدِ جنس مَا يستعبد، وَلَيْسَ هَذَا مَوْضُوعه فِي اللُّغَة، وَإِنَّمَا هُوَ خلاف الْأمة كَمَا نَص عَلَيْهِ أهل اللُّغَة، وَلَا حَاجَة لإدخال الْأُنْثَى فِيهِ إِلَى هَذَا التَّكَلُّف والتعسف، وَقد علم أَنه إِذا أورد حكم فِي الذُّكُور يدْخل فِيهِ الْإِنَاث إلاَّ بِدَلِيل، يخص الذُّكُور.

وَاعْلَم أَن هَذِه التَّرْجَمَة مُشْتَمِلَة على حكمين.

الأول: فِي بيع العَبْد بِالْعَبدِ نَسِيئَة وَبيع العَبْد بعبدين أَو أَكثر نَسِيئَة، فَإِنَّهُ يجوز عِنْد الشَّافِعِي وَأحمد وَإِسْحَاق.
.

     وَقَالَ  مَالك: إِنَّمَا يجوز إِذا اخْتلف الْجِنْس،.

     وَقَالَ  أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه والكوفيون: لَا يجوز ذَلِك،.

     وَقَالَ  التِّرْمِذِيّ: بابُُ مَا جَاءَ فِي شِرَاء العَبْد بالعبدين: حَدثنَا قُتَيْبَة أخبرنَا اللَّيْث عَن أبي الزبير عَن جَابر، قَالَ: (جَاءَ عبد يُبَايع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْهِجْرَة، وَلَا يشْعر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه عبد، فجَاء سَيّده يُريدهُ، قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (بعنيه، فَاشْتَرَاهُ بعبدين أسودين، ثمَّ لم يُبَايع أحدا بعد حَتَّى يسْأَله: أعبد هُوَ؟ ثمَّ قَالَ: وَالْعَمَل على هَذَا عِنْد أهل الْعلم أَنه لَا بَأْس عبد بعبدين يدا بيد) .
وَاخْتلفُوا فِيهِ إِذا كَانَ نسأ وَأخرجه مُسلم، وَبَقِيَّة أَصْحَاب السّنَن.

الحكم الثَّانِي: فِي بيع الْحَيَوَان بِالْحَيَوَانِ فَالْعُلَمَاء اخْتلفُوا فِيهِ، فَقَالَت طَائِفَة: لَا رَبًّا فِي الْحَيَوَان، وَجَائِز بعضه بِبَعْض نَقْدا ونسيئة، اخْتلف أَو لم يخْتَلف، هَذَا مَذْهَب عَليّ وَابْن عمر وَابْن الْمسيب، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَأحمد وَأبي ثَوْر.
.

     وَقَالَ  مَالك: لَا بَأْس بالبعير النجيب بالبعيرين من حَاشِيَة الْإِبِل نَسِيئَة، وَإِن كَانَت من نعم وَاحِدَة إِذا اخْتلفت وَبَان اختلافها، وَإِن اشْتبهَ بَعْضهَا بَعْضًا واتفقت أجناسها فَلَا يُؤْخَذ مِنْهَا اثْنَان بِوَاحِد إِلَى أجل، وَيُؤْخَذ يدا بيد، وَهُوَ قَول سُلَيْمَان بن يسَار، وَرَبِيعَة وَيحيى بن سعيد.
.

     وَقَالَ  الثَّوْريّ والكوفيون وَأحمد: لَا يجوز بيع الْحَيَوَان بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَة، اخْتلفت أجناسها أَو لم تخْتَلف، وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِمَا رَوَاهُ الْحسن عَن سَمُرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن بيع الْحَيَوَان بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَة.
.

     وَقَالَ  التِّرْمِذِيّ: بابُُ مَا جَاءَ فِي كَرَاهَة بيع الْحَيَوَان بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَة، ثمَّ روى حَدِيث سَمُرَة هَذَا.

     وَقَالَ : هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح، وَسَمَاع الْحسن من سَمُرَة صَحِيح، هَكَذَا قَالَ عَليّ بن الْمَدِينِيّ وَغَيره، وَالْعَمَل على هَذَا عِنْد أَكثر أهل الْعلم من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَغَيرهم فِي بيع الْحَيَوَان بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَة، وَهُوَ قَول سُفْيَان الثَّوْريّ وَأهل الْكُوفَة، وَبِه يَقُول أَحْمد.

وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: وَفِي الْبابُُ: عَن ابْن عَبَّاس وَجَابِر وَابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.
قلت: حَدِيث ابْن عمر أخرجه التِّرْمِذِيّ فِي كتاب الْعِلَل: حَدثنَا مُحَمَّد بن عَمْرو الْمقدمِي عَن زِيَاد بن جُبَير عَن ابْن عمر، قَالَ: (نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن بيع الْحَيَوَان بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَة) ، وَحَدِيث جَابر أخرجه ابْن مَاجَه عَن أبي سعيد الْأَشَج عَن حَفْص بن غياث وَأبي خَالِد عَن حجاج عَن أبي الزبير عَن جَابر: أَن رَسُول اللهصلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (لَا بَأْس بِالْحَيَوَانِ وَاحِد بِاثْنَيْنِ يدا بيد وَكَرِهَهُ نَسِيئَة) .
وَحَدِيث ابْن عَبَّاس أخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الْعِلَل: حَدثنَا سُفْيَان بن وَكِيع حَدثنَا مُحَمَّد بن حميد هُوَ الأحمري عَن معمر عَن يحيى بن أبي كثير عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (نهى عَن بيع الْحَيَوَان بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَة) .

فَإِن قلت: قَالَ الْبَيْهَقِيّ بعد تَخْرِيجه حَدِيث سَمُرَة: أَكثر الْحفاظ لَا يثبتون سَماع الْحسن من سَمُرَة فِي غير حَدِيث الْعَقِيقَة؟ قلت: قَول الحافظين الكبيرين الحجتين: التِّرْمِذِيّ وَعلي بن الْمَدِينِيّ، كافٍ فِي هَذَا، مَعَ أَنَّهُمَا مثبتان، وَالْبَيْهَقِيّ ينْقل النَّفْي فَلَا يُفِيد شَيْئا.
فَإِن قلت: حَدِيث ابْن عمر قَالَ فِيهِ التِّرْمِذِيّ: سَأَلت مُحَمَّدًا عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: إِنَّمَا يرْوى عَن زِيَاد بن جُبَير عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُرْسلا؟ قلت: رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ مَوْصُولا بِإِسْنَاد جيد.
قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن سَالم الصَّائِغ وَعبيد الله بن مُحَمَّد بن حشيش وَإِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الصَّيْرَفِي، قَالُوا: حَدثنَا مُسلم بن إِبْرَاهِيم، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن دِينَار عَن مُوسَى بن عبد عَن زِيَاد بن جُبَير عَن ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، أَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (نهى عَن بيع الْحَيَوَان بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَة) .
فَإِن قلت: قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا الحَدِيث ضَعِيف بِمُحَمد بن دِينَار الطَّاحِي الْبَصْرِيّ بِمَا رُوِيَ عَن ابْن معِين: أَنه ضَعِيف؟ قلت: الْبَيْهَقِيّ لتحامله على أَصْحَابنَا يثبت بِمَا لَا يثبت، وَقد روى أَحْمد بن أبي خَيْثَمَة عَن ابْن معِين أَنه قَالَ: لَيْسَ بِهِ بَأْس، وَكَذَا قَالَه النَّسَائِيّ،.

     وَقَالَ  أَبُو زرْعَة: صَدُوق،.

     وَقَالَ  ابْن عدي: حسن الحَدِيث.

فَإِن قلت: حَدِيث جَابر فِيهِ الْحجَّاج بن أَرْطَأَة وَهُوَ ضَعِيف.
قلت: قَالَ ابْن حبَان: صَدُوق يكْتب حَدِيثه،.

     وَقَالَ  الذَّهَبِيّ فِي (الْمِيزَان) : أحد الْأَعْلَام على لين فِي حَدِيثه، روى لَهُ مُسلم مَقْرُونا بِغَيْرِهِ، وروى لَهُ الْأَرْبَعَة.

فَإِن قلت: حَدِيث ابْن عَبَّاس قَالَ فِيهِ الْبَيْهَقِيّ: إِنَّه عَن عِكْرِمَة عَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مُرْسل؟ قلت: أخرجه الطَّحَاوِيّ من طَرِيقين متصلين، وَأخرجه الْبَزَّار أَيْضا مُتَّصِلا، ثمَّ قَالَ: لَيْسَ فِي هَذَا الْبابُُ حَدِيث أجلّ إِسْنَادًا مِنْهُ، وَهَذِه الْأَحَادِيث مَعَ اخْتِلَاف طرقها يُؤَيّد بَعْضهَا بَعْضًا، وَيرد قَول الشَّافِعِي أَنه لَا يثبت الحَدِيث فِي بيع الْحَيَوَان بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَة، ثمَّ إِن الشَّافِعِي وَمن مَعَه احْتَجُّوا لما ذَهَبُوا إِلَيْهِ بِحَدِيث عبد الله بن عَمْرو أخرجه أَبُو دَاوُد: حَدثنَا حَفْص بن عمر، قَالَ: حَدثنَا حَمَّاد بن سَلمَة عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق وَعَن يزِيد ابْن أبي حبيب عَن مُسلم بن جُبَير عَن أبي سُفْيَان عَن عَمْرو بن حريش عَن عبد الله بن عَمْرو: أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (أمره أَن يُجهز جَيْشًا، فنفدت الْإِبِل فَأمره أَن يَأْخُذ على قَلَائِص الصَّدَقَة، فَكَانَ يَأْخُذ الْبَعِير بالبعيرين إِلَى إبل الصَّدَقَة) .
وَرَاه الطَّحَاوِيّ أَيْضا، وَفِي رِوَايَته فِي قلاص الصَّدَقَة، والقلاص، بِكَسْر الْقَاف جمع قلص بِضَم الْقَاف وَاللَّام، وَهُوَ جمع قلُوص، فَيكون القلاص جمع الْجمع،.

     وَقَالَ : القلوص يجمع على قلص وقلائص، وَجمع القلص قلاص، والقلوص من النوق الشَّابَّة، وَهِي بِمَنْزِلَة الْجَارِيَة من النِّسَاء، وَأَجَابُوا عَنهُ بِأَن فِي إِسْنَاده اخْتِلَافا كثيرا.
وَذكر عبد الْغَنِيّ فِي (الْكَمَال) فِي: بابُُ الكنى: أَبُو سُفْيَان روى عَن عمر بن حريش روى عَنهُ مُسلم بن جُبَير، وَلم يذكر شَيْئا غير ذَلِك.
.

     وَقَالَ  الذَّهَبِيّ فِي تَرْجَمَة عَمْرو بن حريش: مَا رُوِيَ عَنهُ سوى أبي سُفْيَان، وَلَا يُدْرَى من أَبُو سُفْيَان،.

     وَقَالَ  الطَّحَاوِيّ بعد أَن رَوَاهُ: ثمَّ نسخ ذَلِك بِآيَة الرِّبَا، بَيَان ذَلِك أَن آيَة الرِّبَا تحرم كل فضل خَال عَن الْعِوَض فَفِي بيع الْحَيَوَان بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَة، يُوجد الْمَعْنى الَّذِي حرم بِهِ الرِّبَا، فنسخ كَمَا نسخ بِآيَة الرِّبَا استقراض الْحَيَوَان، لِأَن النَّص الْمُوجب للحظر يكون مُتَأَخِّرًا عَن الْمُوجب للْإِبَاحَة، وَمثل هَذَا النّسخ يكون بِدلَالَة التَّارِيخ، فيندفع بِهَذَا قَول النَّوَوِيّ وَأَمْثَاله: أَن النّسخ لَا يكون إلاَّ بِمَعْرِِفَة التَّارِيخ، وَإِن حَدِيث أبي رَافع الَّذِي رَوَاهُ مُسلم وَغَيره أَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (استسلف من رجل بكرا، فَقدمت عَلَيْهِ إبل من إبل الصَّدَقَة، فَأمر أَبَا رَافع أَن يقْضِي الرجل بكره، فَرجع إِلَيْهِ أَبُو رَافع فَقَالَ: لم أجد فِيهَا إلاَّ جملا خيارا رباعيا، فَقَالَ: أعْطه إِيَّاه، إِن خِيَار النَّاس أحْسنهم قَضَاء) .
احْتج بِهِ الْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق فِيمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ من جَوَاز استقراض الْحَيَوَان، قَالُوا: وَهُوَ حجَّة على منع ذَلِك.
وَأجَاب المانعون عَن ذَلِك بِأَنَّهُ مَنْسُوخ بِآيَة الرِّبَا بِالْوَجْهِ الَّذِي ذَكرْنَاهُ الْآن، وَمَعَ هَذَا لَيْسَ فِيهِ إلاَّ الثَّنَاء على من أحسن الْقَضَاء، فَأطلق ذَلِك وَلم يُقَيِّدهُ بِصفة، وَلم يكن ذَلِك بِشَرْط الزِّيَادَة، وَقد أجمع الْمُسلمُونَ بِالنَّقْلِ عَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَن اشْتِرَاط الزِّيَادَة فِي السّلف رَبًّا حرَام، وَكَذَلِكَ أجابوا عَن كل حَدِيث يشبه حَدِيث أبي رَافع بِأَنَّهُ كَانَ قبل آيَة الرِّبَا.
وَعَن هَذَا قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وفقهاء الْكُوفَة وَالثَّوْري وَالْحسن بن صَالح: إِن استقراض الْحَيَوَان لَا يجوز، وَلَا يجوز الاستقراض إلاَّ مِمَّا لَهُ مثل: كالمكيلات والموزونات والعدديات المتقاربة، فَلَا يجوز قرض مَا لَا مثل لَهُ من المزروعات والعدديات المتفاوتة، لِأَنَّهُ لَا سَبِيل إِلَى إِيجَاب رد الْعين، وَلَا إِلَى إِيجَاب الْقيمَة لاخْتِلَاف تَقْوِيم المقومين، فَتعين أَن يكون الْوَاجِب فِيهِ رد الْمثل، فَيخْتَص جَوَازه بِمَا لَهُ مثل، وَعَن هَذَا قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف: لَا يجوز الْقَرْض فِي الْخبز لَا وزنا وَلَا عددا،.

     وَقَالَ  مُحَمَّد: يجوز عددا.
واشْتَرَى ابنُ عُمَرَ رَاحِلَةً بِأرْبَعَةِ أبْعِرَةٍ مَضْمُونَةٍ عَلَيْهِ يُوفِيهَا صاحِبَهَا بالرَّبَذَةِ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَن فِيهِ بيع الْحَيَوَان بِالْحَيَوَانِ، وَهَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ مَالك فِي (الْمُوَطَّأ) عَن نَافِع عَن ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَرَوَاهُ الشَّافِعِي أَيْضا عَن مَالك، وروى ابْن أبي شيبَة من طَرِيق أبي بشر عَن نَافِع أَن ابْن عمر اشْترى نَاقَة بأَرْبعَة أَبْعِرَة بالربذة، فَقَالَ لصَاحب النَّاقة: إذهب فَانْظُر، فَإِن رضيت فقد وَجب البيع، وَأجِيب عَن هَذَا بِأَن ابْن أبي شيبَة روى عَن ابْن عمر خلاف ذَلِك، فَقَالَ: حَدثنَا ابْن أبي زَائِدَة عَن ابْن عون عَن ابْن سِيرِين، قلت لِابْنِ عمر: الْبَعِير بالبعيرين إِلَى أجل، فكرهه.

قَوْله: (رَاحِلَة) ، هِيَ مَا أمكن ركُوبهَا من الْإِبِل، سَوَاء كَانَت ذكرا أَو انثى،.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير: الرَّاحِلَة من الْإِبِل الْبَعِير الْقوي على الْأَسْفَار والأحمال.
وَالتَّاء فِيهِ للْمُبَالَغَة، يَسْتَوِي فِيهَا الذّكر وَالْأُنْثَى، وَهِي الَّتِي يختارها الرجل لمركبه ورحله على النجابة وَتَمام الْخلق وَحسن المنظر، فَإِذا كَانَت فِي جمَاعَة الْإِبِل عرفت، والأبعرة جمع: بعير، وَيجمع أَيْضا على: بعران، وَهُوَ أَيْضا يَقع على الذّكر وَالْأُنْثَى.
قَوْله: (مَضْمُونَة عَلَيْهِ) أَي: تكون تِلْكَ الرَّاحِلَة فِي ضَمَان البَائِع.
قَوْله: (يوفيها صَاحبهَا) أَي: يُسَلِّمهَا صَاحب الرَّاحِلَة إِلَى المُشْتَرِي.
قَوْله: (بالربذة) ، أَي: فِي الربذَة، بِفَتْح الرَّاء وَالْبَاء الْمُوَحدَة والذال الْمُعْجَمَة وَفِي آخِره تَاء، قَالَ بَعضهم: هُوَ مَكَان مَعْرُوف بَين مَكَّة وَالْمَدينَة، قلت: هِيَ قَرْيَة مَعْرُوفَة قرب الْمَدِينَة، بهَا قبر أبي ذَر الْغِفَارِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،.

     وَقَالَ  ابْن قرقول: وَهِي على ثَلَاث مراحل من الْمَدِينَة، قريب من ذَات عرق،.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ: ذَات عرق ثنية أَو هضبة بَينهَا وَبَين مَكَّة يَوْمَانِ، وَبَعض يَوْم،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: ذَات عرق أول بِلَاد تهَامَة.

وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ قدْ يَكُونُ الْبَعِيرُ خَيْرا مِنَ البَعِيرَيْنِ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله الشَّافِعِي قَالَ: أخبرنَا ابْن علية عَن ابْن طَاوُوس عَن أَبِيه عَن ابْن عَبَّاس أَنه سُئِلَ عَن بعير ببعيرين؟ فَقَالَ: قد يكون الْبَعِير خيرا من البعيرين.
قلت: فَإِن اسْتدلَّ بِهِ من يجوز بيع الْحَيَوَان بِالْحَيَوَانِ فَلَا يتم الِاسْتِدْلَال بِهِ، لِأَنَّهُ يحْتَمل أَنه كرهه لأجل الْفضل الَّذِي لَيْسَ فِي مُقَابلَته شَيْء.

واشْتَرَى رَافِعُ بنُ خَدِيجٍ بَعِيرا بِبَعِيرَيْنِ فأعْطاهُ أحدَهُما.

     وَقَالَ  آتِيكَ بالآخَرَ غَدا رَهْوا إنْ شاءَ الله
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة جدا لِأَنَّهُ اشْترى بَعِيرًا ببعيرين نَسِيئَة، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله عبد الرَّزَّاق فِي (مُصَنفه) فَقَالَ: أخبرنَا معمر عَن بديل الْعقيلِيّ عَن مطرف بن عبد الله بن الشخير: أَن رَافع بن خديج اشْترى.
.
فَذكره، وَرَافِع، بِكَسْر الْفَاء: ابْن خديج، بفتخ الْخَاء الْمُعْجَمَة وَكسر الدَّال الْمُهْملَة وَفِي آخِره جِيم: الْأنْصَارِيّ الْحَارِثِيّ.

قَوْله: (رهوا) بِفَتْح الرَّاء وَسُكُون الْهَاء وَهُوَ فِي الأَصْل: السّير السهل، وَالْمرَاد بِهِ هُنَا: أَنا آتِيك بِهِ سهلاً بِلَا شدَّة وَلَا مماطلة، وَأَن المأتي بِهِ يكون سهل السّير رَفِيقًا غير خشن فَإِن قلت: بِمَ انتصاب رهوا؟ قلت: على التَّفْسِير الأول يكون مَنْصُوبًا على أَنه صفة لمصدر مَحْذُوف أَي: أَنا آتِيك بِهِ إتيانا رهوا، وعَلى الثَّانِي يكون حَال عَن قَوْله بِالْآخرِ بالتأويل.
فَافْهَم.

وَقَالَ ابنُ المُسَيَّبِ لاَ رِبا فِي الحَيَوانِ الْبَعِيرُ بالبَعِيرَيْنِ والشَّاةُ بالشَّاتَيْنِ إلَى أجَلٍ

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَابْن الْمسيب هُوَ سعيد بن الْمسيب من كبار التَّابِعين، وَقد تكَرر ذكره.
قَوْله: (لَا رَبًّا فِي الْحَيَوَان) ، وَصله مَالك عَن ابْن شهَاب عَنهُ: لَا رَبًّا فِي الْحَيَوَان، وَالْبَاقِي وَصله ابْن بِي شيبَة من طَرِيق آخر عَن الزُّهْرِيّ عَنهُ: لَا بَأْس بالبعير بالبعيرين نَسِيئَة، وَرَوَاهُ عبد الرَّزَّاق فِي (مُصَنفه) أَنبأَنَا معمر عَن الزُّهْرِيّ سُئِلَ سعيد ... فَذكره.

وَقَالَ ابنُ سِيرينَ لاَ بأسَ بَعِيرٌ بِبَعِيرَيْنِ نَسِيئةً ودِرْهَمٌ بِدِرْهَمٍ

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: بعير ببعيرين، وَابْن سِيرِين هُوَ مُحَمَّد بن سِيرِين من كبار التَّابِعين، وَهَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن قَتَادَة عَن أَيُّوب عَن ابْن سِيرِين، قَالَ: لَا بَأْس بعير ببعيرين وَدِرْهَم بدرهم نَسِيئَة، وَإِن كَانَ أحد البعيرين نَسِيئَة فَهُوَ مَكْرُوه.
قَوْله: (وَدِرْهَم بدرهم) ، كَذَا هُوَ فِي مُعظم الروايت، وَوَقع فِي بَعْضهَا: وَدِرْهَم بِدِرْهَمَيْنِ نَسِيئَة.
قَالَ ابْن بطال: هَذَا خطأ، وَالصَّوَاب مَا ذكره عبد الرَّزَّاق.

[ قــ :2142 ... غــ :2228 ]
- حدَّثنا سُلَيْمانُ بنُ حَرْبً قَالَ حَدثنَا حَمادُ بنُ زَيْدٍ عنْ ثابِتٍ عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ كانَ فِي السَّبْيِ صَفِيَّةُ فَصارَتْ إلَى دِحْيَةَ الْكُلْبِيِّ ثُمَّ صارَتْ إلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِي بعض طرق هَذَا الحَدِيث أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اشْترى صَفِيَّة من دحْيَة بسبعة أرؤس، وَذَلِكَ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما جمع فِي خَيْبَر السَّبي جَاءَ دحْيَة فَقَالَ: أَعْطِنِي جَارِيَة مِنْهُ، قَالَ: إذهب فَخذ جَارِيَة، فَأخذ صَفِيَّة، فَقيل: يَا رَسُول الله إِنَّهَا سيدة قُرَيْظَة وَالنضير مَا تصلح إلاَّ لَك، فَأَخذهَا مِنْهُ كَمَا ذكرنَا وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ فَقَالَ لدحية: خُذ جَارِيَة من السَّبي غَيرهَا،.

     وَقَالَ  ابْن بطال: ينزل تبديلها بِجَارِيَة غير مُعينَة منزلَة بيع جَارِيَة بِجَارِيَة نَسِيئَة، وَالَّذِي ذكره البُخَارِيّ هُنَا مُخْتَصر من حَدِيث خَيْبَر.
أخرجه فِي النِّكَاح عَن قُتَيْبَة عَن حَمَّاد بن زيد عَن ثَابت وَشُعَيْب بن الحبحاب، كِلَاهُمَا عَن أنس بِهِ، وَعَن مُسَدّد عَن حَمَّاد عَن ثَابت عَن عبد الْعَزِيز بن صُهَيْب، كِلَاهُمَا عَن أنس بِهِ، وَأخرجه عَن مُسَدّد فِي النِّكَاح أَيْضا عَن قُتَيْبَة بِهِ وَعَن أبي الرّبيع الزهْرَانِي عَن حَمَّاد عَن ثَابت وَعبد الْعَزِيز بن صُهَيْب، كِلَاهُمَا عَن أنس بِهِ.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن أَحْمد ابْن عَبدة عَن حَمَّاد عَن ثَابت وَعبد الْعَزِيز بِهِ، وَمن حَدِيث شُعَيْب بن الحبحاب أخرجه مُسلم أَيْضا.
وَأخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا فِي النِّكَاح عَن عَمْرو بن مَنْصُور وَمُحَمّد بن رَافع، وَفِي الْوَلِيمَة أَيْضا عَن عمرَان بن مُوسَى عَن عبد الْوَارِث بِهِ، وَمن حَدِيث عبد الْعَزِيز أخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْخراج عَن مُسَدّد عَن حَمَّاد بن زيد عَن عبد الْعَزِيز عَن أنس مُخْتَصرا.

وَصفِيَّة بنت حييّ ابْن أَخطب بن سفنة بن ثَعْلَبَة النضيرية أم الْمُؤمنِينَ من بَنَات هَارُون بن عمرَان أخي مُوسَى بن عمرَان، عَلَيْهِمَا السَّلَام، وَأمّهَا برة بنت سموأل سباها رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَام خَيْبَر فِي شهر رَمَضَان سنة سبع من الْهِجْرَة، ثمَّ أعْتقهَا وَتَزَوجهَا وَجعل عتقهَا صَدَاقهَا، وروى لَهَا عشرَة أَحَادِيث، اتفقَا على حَدِيث وَاحِد، مَاتَت فِي خلَافَة مُعَاوِيَة سنة خمسين، قَالَه الْوَاقِدِيّ.
ودحية، بِكَسْر الدَّال وَفتحهَا: ابْن خَليفَة بن فَرْوَة الْكَلْبِيّ رَسُول رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِلَى قَيْصر، وَقد مر ذكره فِي أول الْكتاب.