فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب إن أحال دين الميت على رجل جاز

( بابٌُ إِذا أحالَ دَيْنَ المَيِّتِ على رَجُلٍ جازَ)

أَي: هَذَا بابُُ يذكر فِيهِ إِن أحَال دين الْمَيِّت على رجل جَازَ، أَي: هَذَا الْفِعْل،.

     وَقَالَ  ابْن بطال: إِنَّمَا ترْجم بالحوالة، فَقَالَ: إِن أحَال دين الْمَيِّت، ثمَّ أَدخل حَدِيث سَلمَة، وَهُوَ فِي الضَّمَان لِأَن الْحِوَالَة وَالضَّمان متقاربان، وَإِلَيْهِ ذهب أَبُو ثَوْر لِأَنَّهُمَا ينتظمان فِي كَون كل مِنْهُمَا نقل ذمَّة إِلَى ذمَّة آخر، فِي هَذَا الحَدِيث نقل مَا فِي ذمَّة الْمَيِّت إِلَى ذمَّة الضَّامِن، فَصَارَ كالحوالة.



[ قــ :2196 ... غــ :2289 ]
- حدَّثنا المَكِّيُّ بنُ إبْراهِيمَ قَالَ حَدثنَا يَزيدُ بنُ أبِي عُبَيْدٍ عنْ سَلَمَةَ بنِ الأكْوَعِ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ كُنَّا جُلُوسًا عنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إذْ أُتَى بجَنَازَةٍ فَقَالُوا صَلِّ عليْها فَقالَ هلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ قالُوا لَا قَالَ فَهَلْ ترَكَ شَيْئا قَالُوا لاَ فَصَلَّى عليهِ ثُمَّ أُتِيَ بِجَنَازَةٍ أُخْرَى فَقَالُوا يَا رسولَ الله صلِّ عَلَيْهَا قَالَ هلْ عَلَيْها دَيْنٌ قَالَ نعَمْ قالْ فهَلْ تَرَكَ شَيْئا قَالُوا ثَلاثَةَ دَنانِيرَ فصَلَّى عَلَيْها ثُمَّ أُتِيَ بالثَّالِثَةِ فَقَالُوا صَلِّ عَلَيْها قَالَ هَلْ تَرَكَ شَيئا قَالُوا لاَ قَالَ فَهَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ قَالُوا ثَلاثَةُ دَنانِير قَالَ صلُّوا عَلَى صاحِبِكُمْ قَالَ أَبُو قَتادَةَ صلِّ علَيْهِ يَا رسولَ الله وعلَيَّ دَيْنَهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ.
( الحَدِيث 9822 طرفه فِي: 5922) .


مطابقته للتَّرْجَمَة تفهم مِمَّا نَقَلْنَاهُ عَن ابْن بطال الْآن.

وَرِجَاله ثَلَاثَة، وَهَذَا سَابِع ثلاثيات البُخَارِيّ.
الأول: مكي بن إِبْرَاهِيم بن بشير بن فرقد الْبَلْخِي أَبُو السكن، وروى مُسلم عَنهُ بِوَاسِطَة.
الثَّانِي: يزِيد من الزِّيَادَة ابْن أبي عبيد، بِضَم الْعين: مولى سَلمَة بن الْأَكْوَع، مَاتَ سنة سِتّ أَو سبع وَأَرْبَعين وَمِائَة.
الثَّالِث: سَلمَة بن الْأَكْوَع، هُوَ سَلمَة بن عَمْرو بن الْأَكْوَع، وَيَقُول: سَلمَة بن وهب بن الْأَكْوَع، واسْمه: سِنَان بن عبد الله الْمدنِي، شهد بيعَة الرضْوَان تَحت الشَّجَرَة وَبَايع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاث مَرَّات، وَكَانَ يسكن الربذَة، وَكَانَ شجاعا راميا، مَاتَ بِالْمَدِينَةِ سنة أَربع وَسبعين وَهُوَ ابْن ثَمَانِينَ سنة.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْكفَالَة عَن أبي عَاصِم.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْجَنَائِز عَن عمر وَعلي وَمُحَمّد بن الْمثنى.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( جُلُوسًا) ، جمع: جَالس وانتصابه على أَنه خبر: كَانَ.
قَوْله: ( إِذْ) ، كلمة مفاجأة.
قَوْله: ( أُتِي) بِضَم الْهمزَة على صِيغَة الْمَجْهُول وَكَذَلِكَ آتِي، فِي الْمَوْضِعَيْنِ الآخرين.
وَذكر ثَلَاثَة أَحْوَال: الأول: لم يتْرك مَالا وَلَا دينا.
الثَّانِي: عَلَيْهِ دين وَترك مَالا.
الثَّالِث: عَلَيْهِ دين وَلم يتْرك مَالا، وَلم يذكر الرَّابِع وَهُوَ: الَّذِي لَا دين عَلَيْهِ وَترك مَالا، وَهَذَا حكمه أَن يُصَلِّي عَلَيْهِ أَيْضا، وَلم يذكرهُ إِمَّا لِأَنَّهُ لم يَقع، وَإِمَّا لِأَنَّهُ كَانَ كثيرا.
قَوْله: ( ثَلَاثَة دَنَانِير) فِي الْأَخير، وروى الْحَاكِم من حَدِيث جَابر: وَفِيه دِينَارَانِ، وَكَذَلِكَ فِي رِوَايَة أبي دَاوُد عَن جَابر، وَفِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث أَسمَاء بنت يزِيد.
فَإِن قلت: كَيفَ التَّوْفِيق بَين رِوَايَة الثَّلَاث وَرِوَايَة الْإِثْنَيْنِ؟ قلت: يحمل بِأَنَّهُ كَانَ دينارين وَنصفا، فَمن قَالَ: ثَلَاثَة، جبر الكُسر، وَمن قَالَ: دينارين، ألغى النّصْف، أَو كَانَ أصل ذَلِك ثَلَاثَة فوفى الْمَيِّت قبل مَوته دِينَارا وَبَقِي عَلَيْهِ دِينَارَانِ فَمن قَالَ ثَلَاثَة فباعتبار الأَصْل وَمن قَالَ دينارين فباعتبار مَا بَقِي من الدّين قَوْله " قَالَ أَبُو قَتَادَة " الْحَارِث بن ربعي الخزرجي الْأنْصَارِيّ فَارس رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مر فِي الْوضُوء وَأخرجه التِّرْمِذِيّ عَن نفس أبي قَتَادَة فَقَالَ حَدثنَا مَحْمُود بن غيلَان قَالَ حَدثنَا أَبُو دَاوُد قَالَ أخبرنَا شُعْبَة عَن عُثْمَان بن عبد الله بن موهب قَالَ سَمِعت عبد الله بن أبي قَتَادَة يحدث عَن أَبِيه أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَتَى بِرَجُل ليُصَلِّي عَلَيْهِ فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " صلوا على صَاحبكُم فَإِن عَلَيْهِ دينا قَالَ أَبُو قَتَادَة هُوَ عَليّ فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِالْوَفَاءِ فصلى عَلَيْهِ " وَفِي رِوَايَة ابْن ماجة فَقَالَ ابْن قَتَادَة أَنا أتكفل بِهِ وَفِي رِوَايَة أَبُو دَاوُد هما عَليّ يَا رَسُول الله قَالَ بِالْوَفَاءِ وَفِي رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ فَجعل رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول هما عَلَيْك وَفِي مَالك وَحقّ الرجل عَلَيْك وَالْمَيِّت مِنْهُمَا بَرِيء فَقَالَ نعم فصلى عَلَيْهِ وَجعل رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذا لَقِي أَبَا قَتَادَة يَقُول مَا صنعت فِي الدينارين حَتَّى إِذا كَانَ آخر ذَلِك قَالَ قد قضيتهما يَا رَسُول الله قَالَ الْآن حِين بردت عَلَيْهِ جلدته وَفِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث أَسمَاء بنت يزِيد فَقَالَ على صَاحبكُم دين قَالُوا دِينَارَانِ قَالَ أَبُو قَتَادَة أَنا بِدِينِهِ يَا رَسُول الله وروى الدراقطني من حَدِيث ابْن عَبَّاس عَن عَطاء بن عجلَان عَن أبي اسحق عَن عَاصِم بن ضَمرَة عَن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذا أَتَى بِجنَازَة لم يسْأَل عَن شَيْء من عمل الرجل وَيسْأل عَن دينه فَإِن قيل عَلَيْهِ دين كف وَإِن قيل لَيْسَ عَلَيْهِ دين صلى فَأتى بِجنَازَة فَلَمَّا قَامَ ليكبر سَأَلَ هَل عَلَيْهِ قَالُوا دِينَارَانِ فَعدل عَنهُ.

     وَقَالَ  صلوا على صَاحبكُم فَقَالَ عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ هما عَليّ وَهُوَ بَرِيء مِنْهُمَا فصلى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ لعَلي " جَزَاك الله خيرا وَفك الله رهانك كَمَا فَككت رهان أَخِيك إِنَّه لَيْسَ من ميت يَمُوت وَعَلِيهِ دين إِلَّا وَهُوَ مُرْتَهن بِدِينِهِ وَمن فك رهان ميت فك الله رهانه يَوْم الْقِيَامَة فَقَالَ بَعضهم هَذَا لعَلي خَاصَّة أم للْمُسلمين عَامَّة قَالَ بل للمسمين عَامَّة " وروى عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ نَحوه وَفِيه أَن عليا قَالَ أَنا ضَامِن لدينِهِ وَفِي رِوَايَة الطَّحَاوِيّ من حَدِيث شريك عَن عبد الله بن عقيل قَالَ إِن رجلا مَاتَ وَعَلِيهِ دين فَلم يصل عَلَيْهِ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حَتَّى قَالَ أَبُو الْيُسْر أَو غَيره هُوَ عَليّ فصلى عَلَيْهِ فَجَاءَهُ من الْغَد يتقاضاه فَقَالَ أما كَانَ ذَلِك أمس ثمَّ أَتَاهُ من بعد الْغَد فَأعْطَاهُ فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْآن بردت عَلَيْهِ جلدته ( ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ) فِيهِ الْكفَالَة من الْمَيِّت.

     وَقَالَ  ابْن بطال اخْتلف الْعلمَاء فِيمَن تكفل عَن ميت بدين فَقَالَ ابْن أبي ليلى وَمُحَمّد وَأَبُو يُوسُف وَالشَّافِعِيّ الْكفَالَة جَائِزَة عَنهُ وَإِن لم يتْرك الْمَيِّت شَيْئا وَلَا رُجُوع لَهُ فِي مَال الْمَيِّت إِن ثاب للْمَيت مَال وَكَذَلِكَ إِن كَانَ للْمَيت مَال وَضمن عَنهُ لم يرجع فِي قَوْلهم لِأَنَّهُ مُتَطَوّع.

     وَقَالَ  مَالك لَهُ أَن يرجع فِي مَاله كَذَلِك إِن قَالَ إِنَّمَا أدّيت لأرجع فِي مَال الْمَيِّت وَإِن لم يكن للْمَيت مَال وَعلم الضَّامِن بذلك فَلَا رُجُوع لَهُ إِن ثاب للْمَيت قَالَ ابْن الْقَاسِم لِأَنَّهُ بِمَعْنى الْهَدِيَّة.

     وَقَالَ  أَبُو حنيفَة إِن لم يتْرك الْمَيِّت شَيْئا فَلَا تجوز الْكفَالَة وَإِن ترك جَازَت بِقدر مَا ترك.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ فِيهِ إِن ضَمَان الدّين عَن الْمَيِّت يبريه إِذا كَانَ مَعْلُوما سَوَاء خلف الْمَيِّت وَفَاء أَو لم يخلف وَذَلِكَ أَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِنَّمَا امْتنع من الصَّلَاة لارتهان ذمَّته بِالدّينِ فَلَو لم يبرأ بِضَمَان أبي قَتَادَة لما صلى عَلَيْهِ وَالْعلَّة الْمَانِعَة قَائِمَة.
وَفِيه فَسَاد قَول مَالك أَن الْمُؤَدى عَنهُ الدّين يملكهُ أَولا عَن الضَّامِن لِأَن الْمَيِّت لَا يملك وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا قبل أَن يكون للْمُسلمين بَيت مَال إِذْ بعده كَانَ الْقَضَاء عَلَيْهِ.

     وَقَالَ  القَاضِي الْبَيْضَاوِيّ لَعَلَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - امْتنع عَن الصَّلَاة عَن الْمَدْيُون الَّذِي لم يتْرك وَفَاء تحذيرا عَن الدّين وزجرا عَن المماطلة أَو كَرَاهَة أَن يُوقف دعاؤه عَن الْإِجَابَة بِسَبَب مَا عَلَيْهِ من مظْلمَة الْخلق.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي الحَدِيث حجَّة على أبي حنيفَة حَيْثُ قَالَ لَا يصلح الضَّمَان عَن الْمَيِّت إِذا لم يتْرك وَفَاء.

     وَقَالَ  ابْن الْمُنْذر وَخَالف أَبُو حنيفَة الحَدِيث قلت هَذَا إساءة الْأَدَب وحاشا من أبي حنيفَة أَن يُخَالف الحَدِيث الثَّابِت عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عِنْد وُقُوفه عَلَيْهِ وَكَانَ الْأَدَب أَن يَقُول ترك الْعَمَل بِهَذَا الحَدِيث ثمَّ تَركه فِي الْموضع الَّذِي ترك الْعَمَل بِهِ إِمَّا لِأَنَّهُ لم يثبت عِنْده أَو لم يقف عَلَيْهِ أَو ظهر عِنْده نسخه.
وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة الَّذِي يَأْتِي بعد أَرْبَعَة أَبْوَاب يدل على النّسخ وَهُوَ قَوْله أَنا أولى بِالْمُؤْمِنِينَ من أنفسهم فَمن توفّي من الْمُؤمنِينَ فَترك دينا فعلي قَضَاؤُهُ وَمن ترك مَالا فلورثته وَفِي رِوَايَة أبي حَازِم عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ من ترك كلأ فإليه وَمن ترك مَالا فللوارث قَالَ أَبُو بشر يُونُس ابْن حبيب سَمِعت أَبَا الْوَلِيد يَقُول هَذَا نسخ تِلْكَ الْأَحَادِيث الَّتِي جَاءَت فِي ترك الصَّلَاة على من عَلَيْهِ الدّين.

     وَقَالَ  أَبُو بكر عبد الله بن أَحْمد الصفار حَدثنَا مُحَمَّد بن الْفضل الطَّبَرِيّ أَنبأَنَا أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن المَخْزُومِي أَنبأَنَا مُحَمَّد بن بكير الْحَضْرَمِيّ حَدثنَا خَالِد بن عبد الله عَن حُسَيْن بن قيس عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَا يُصَلِّي على من مَاتَ وَعَلِيهِ دين فَمَاتَ رجل من الْأَنْصَار فَقَالَ عَلَيْهِ دين قَالُوا نعم فَقَالَ صلوا على صَاحبكُم فَنزل جِبْرِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَقَالَ إِن الله عز وَجل يَقُول إِنَّمَا الظَّالِم عِنْدِي فِي الدُّيُون الَّتِي حملت فِي الْبَغي والإسراف وَالْمَعْصِيَة فَأَما الْمُتَعَفِّف ذُو الْعِيَال فَأَنا ضَامِن أَن أؤدي عَنهُ فصلى عَلَيْهِ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.

     وَقَالَ  بعد ذَلِك من ترك ضيَاعًا أَو دينا فَإِلَيَّ أَو عَليّ وَمن ترك مِيرَاثا فلأهله فصلى عَلَيْهِم.
.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ الْتِزَامه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بدين الْمَوْتَى يحْتَمل أَن يكون تَبَرعا على مُقْتَضى كرم أخلاقه لَا أَنه أَمر وَاجِب عَلَيْهِ قَالَ.

     وَقَالَ  بعض أهل الْعلم يجب على الإِمَام أَن يقْضِي من بَيت المَال دين الْفُقَرَاء اقْتِدَاء بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَإِنَّهُ قد صرح بِوُجُوب ذَلِك عَلَيْهِ حَيْثُ قَالَ فعلي قَضَاؤُهُ وَلِأَن الْمَيِّت الْمَدْيُون خَافَ أَن يعذب فِي قَبره عَليّ ذَلِك الدّين لقَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْآن حِين بردت جلدته وكما أَن على الإِمَام أَن يسد رمقه ويراعي مصْلحَته الدُّنْيَوِيَّة فالأخروية أولى.

     وَقَالَ  ابْن بطال فَإِن لم يُعْط الإِمَام عَنهُ شَيْئا وَقع الْقصاص مِنْهُ فِي الْآخِرَة وَلم يحبس الْمَيِّت عَن الْجنَّة بدين لَهُ مثله فِي بَيت المَال إِلَّا أَن يكون دينه أَكثر مِمَّا لَهُ فِي بَيت المَال وَفِي شرح الْمُهَذّب قيل أَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يَقْضِيه من مصَالح الْمُسلمين وَقيل من مَاله وَقيل كَانَ هَذَا الْقَضَاء وَاجِبا عَلَيْهِ وَقيل لم يصل عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لم يكن للْمُسلمين يَوْمئِذٍ بَيت مَال فَلَمَّا فتح الله عَلَيْهِم وَصَارَ لَهُم بَيت مَال صلى على من مَاتَ وَعَلِيهِ دين ويوفيه مِنْهُ