فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب قراءة القرآن بعد الحدث وغيره

( بابُُ قِرَاءَةِ القُرْآنِ بَعْدَ الحَدَثِ وَغَيْرِهِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم قِرَاءَة الْقُرْآن بعد الْحَدث.
قَالَ بَعضهم: أَي الْحَدث الْأَصْغَر.
قلت: الْحَدث أَعم من الْأَصْغَر والأكبر، وَقِرَاءَة الْقُرْآن بعد الْأَصْغَر تجوز دون الْأَكْبَر، وَكَأن هَذَا الْقَائِل إِنَّمَا خصص الْحَدث بِالْأَصْغَرِ نظرا إِلَى أَن البُخَارِيّ تعرض هُنَا إِلَى حكم قِرَاءَة الْقُرْآن بعد الْحَدث الْأَصْغَر دون الْأَكْبَر، وَلَكِن جرت عَادَته أَن يبوب الْبابُُ بترجمة، ثمَّ يذكر فِيهِ جُزْءا مِمَّا تشْتَمل عَلَيْهِ تِلْكَ التَّرْجَمَة، وَهَهُنَا كَذَلِك.
قَوْله: ( وَغَيره) قَالَ بَعضهم: أَي من مظان الْحَدث.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: أَي غير الْقُرْآن من السَّلَام وَسَائِر الْأَذْكَار.
قلت: أما قَول هَذَا الْقَائِل: من مظان الْحَدث، فَلَيْسَ بِشَيْء لِأَن عود الضَّمِير لَا يَصح إلاَّ إِلَى شَيْء مَذْكُور لفظا وتقديراً بِدلَالَة الْقَرِينَة اللفظية، أَو الحالية، وَلم يبين أَيْضا مظان الْحَدث، ومظنة الْحَدث أَيْضا على نَوْعَيْنِ: أَحدهمَا: مثل الْحَدث، وَالْآخر: لَيْسَ مثله، فَإِن كَانَ مُرَاده النَّوْع الأول فَهُوَ دَاخل فِي قَوْله: بعد الْحَدث، وَإِن كَانَ الثَّانِي.
فَهُوَ خَارج عَن الْبابُُ، فَإِذا لَا وَجه لما قَالَه على مَا لَا يخفى.
وَأما قَول الْكرْمَانِي: أَي غير الْقُرْآن، فَهُوَ الْوَجْه، وَلَكِن قَوْله: من السَّلَام وَسَائِر الْأَذْكَار، لَا وَجه لَهُ فِي التَّمْثِيل، لِأَن الْمُحدث إِذا جَازَ لَهُ قِرَاءَة الْقُرْآن، فالسلام وَسَائِر الْأَذْكَار بِالطَّرِيقِ الأولى أَن يجوز، وَلَو قَالَ غير الْقُرْآن مثل: كِتَابَة الْقُرْآن، لَكَانَ أوجه وأشمل للقولي والفعلي، على أَن تَعْلِيق البُخَارِيّ قَول مَنْصُور بن الْمُعْتَمِر عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ مُشْتَمل على الْقسمَيْنِ: أَحدهمَا: قِرَاءَة الْقُرْآن بعد الْحَدث، وَالثَّانِي: كِتَابَة الرسائل فِي حَالَة الْحَدث.

ثمَّ المناسة بَين الْبابَُُيْنِ ظَاهِرَة من وَجه أَن فِي الْبابُُ الأول حكم التوضئة، وَفِي هَذَا الْوضُوء، وَهَذَا الْقدر كافٍ.
فَافْهَم.

وقَالَ مَنْصُورٌ عَنْ إبْراهِيمَ لاَ بَأْسَ بِالقِرَاءَةِ فِي الحَمَّامِ وَبِكَتْبِ الرِّسالَةِ عَلَى غَيْرِ وُضُوءِ.


مَنْصُور هُوَ: ابْن الْمُعْتَمِر السّلمِيّ الْكُوفِي، تقدم فِي بابُُ من جعل لأهل الْعلم أَيَّامًا.
وَإِبْرَاهِيم هُوَ ابْن يزِيد النَّخعِيّ الْكُوفِي القعْنبِي، مر فِي بابُُ ظلم دون ظلم، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله سعيد بن مَنْصُور عَن أبي عوَانَة عَن مَنْصُور مثله، وروى عبد الرَّزَّاق عَن الثَّوْريّ عَن مَنْصُور، قَالَ: سَأَلت إِبْرَاهِيم عَن الْقِرَاءَة فِي الْحمام؟ فَقَالَ: لم يُبْنَ للْقِرَاءَة،.

     وَقَالَ  بَعضهم: هَذَا يُخَالف رِوَايَة أبي عوَانَة.
قلت: لَا مُخَالفَة بَينهمَا، لِأَن قَوْلهم: لم يبن للْقِرَاءَة، إِخْبَار بِمَا هُوَ الْوَاقِع فِي نَفسه، فَلَا يدل على الْكَرَاهَة وَلَا على عدمهَا.
أَو نقُول: عَن إِبْرَاهِيم رِوَايَتَانِ، وَفِي رِوَايَة يكره، وَفِي رِوَايَة لَا يكره.
وَقد روى سعيد بن مَنْصُور أَيْضا عَن مُحَمَّد بن أبان عَن حَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان، قَالَ: سَأَلت إِبْرَاهِيم عَن الْقِرَاءَة فِي الْحمام؟ فَقَالَ: يكره ذَلِك.
فان قلت: لِمَ ذكر البُخَارِيّ الْأَثر الَّذِي فِيهِ ذكر الْحمام، والتبويب أَعم من هَذَا؟ قلت: لِأَن الْغَالِب أَن أهل الْحمام أَصْحَاب الْأَحْدَاث.

وَاخْتلفُوا فِي قِرَاءَة الْقُرْآن فِي الْحمام.
فَعَن ابي حنيفَة أَنه يكره، وَعَن مُحَمَّد بن الْحسن أَنه لَا يكره، وَبِه قَالَ مَالك.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ دَلِيل خَاص، قلت: إِنَّمَا كره أَبُو حنيفَة قِرَاءَة الْقُرْآن فِي الْحمام لِأَن حكمه حكم بَيت الْخَلَاء، لِأَنَّهُ مَوضِع النَّجَاسَة، وَالْمَاء الْمُسْتَعْمل فِي الْحمام نجس عِنْده، وَعند مُحَمَّد طَاهِر، فَلذَلِك لم يكرهها.
قَوْله: ( وبكتب الرسَالَة) أَي: وبكتابة الرسَالَة، لِأَن الْكتب مصدر دخلت عَلَيْهِ الْبَاء حرف الْجَرّ، وَهُوَ مَعْطُوف على قَوْله: ( لَا بَأْس بِالْقِرَاءَةِ) ، وَالتَّقْدِير: وَلَا بَأْس بكتب الرسَالَة على غير وضوء، وَهَذِه فِي رِوَايَة كَرِيمَة، وَفِي رِوَايَة غَيرهَا: وَيكْتب الرسَالَة، على صِيغَة الْمَجْهُول من الْمُضَارع، وَالْوَجْه الأول أوجه، وَهَذَا الْأَثر وَصله عبد الرَّزَّاق عَن الثَّوْريّ أَيْضا عَن مَنْصُور، قَالَ: سَأَلت إِبْرَاهِيم: أأكتب الرسَالَة على غير وضوء؟ قَالَ: نعم،.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَتبين بِهَذَا أَن قَوْله: ( على غير وضوء) يتَعَلَّق بِالْكِتَابَةِ لَا بالقراء فِي الْحمام.
قلت: لَا نسلم ذَلِك، فَإِن قَوْله: ( وبكتب الرسَالَة) على الْوَجْهَيْنِ يتَعَلَّق على قَوْله: ( بِالْقِرَاءَةِ) .
وَقَوله: ( وعَلى غير وضوء) يتَعَلَّق بالمعطوف عَلَيْهِ لِأَنَّهُمَا كشيء وَاحِد.
.

     وَقَالَ  أَصْحَابنَا: يكره للْجنب أَو الْحَائِض أَن يكْتب الْكتاب الَّذِي فِي بعض سطوره آيَة من الْقُرْآن وَإِن كَانَا لَا يقرآن شَيْئا، لِأَنَّهُمَا منهيان عَن مس الْقُرْآن، وَفِي الْكِتَابَة مس، لِأَنَّهُ يكْتب بالقلم وَهُوَ فِي يَده، وَهُوَ صُورَة الْمس: وَفِي ( الْمُحِيط) : لَا بَأْس لَهما بِكِتَابَة الْمُصحف إِذا كَانَت الصَّحِيفَة على الأَرْض عِنْد أبي يُوسُف لِأَنَّهُ لَا يمس الْقُرْآن بِيَدِهِ وَإِنَّمَا يكْتب حرفا فحرفاً، وَلَيْسَ الْحَرْف الْوَاحِد بقرآن.
.

     وَقَالَ  مُحَمَّد: أجب إِلَى أَن لَا يكْتب لِأَنَّهُ فِي الحكم مَاس للحروف، وَهِي بكليتها قُرْآن ومشايخ بخاري أخذُوا بقول مُحَمَّد، كَذَا فِي ( الذَّخِيرَة) .

وَقَالَ حمَّادٌ عَنْ إبْراهِيمَ إنْ كانَ عَلَيْهِمْ إزَارٌ فَسَلِّمْ وإلاَّ فَلاَ تُسَلِّمْ.


حَمَّاد هُوَ ابْن أبي سُلَيْمَان، فَقِيه الْكُوفَة وَشَيخ أبي حنيفَة، رَضِي الله عَنهُ.
وَإِبْرَاهِيم هُوَ النَّخعِيّ، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله الثَّوْريّ فِي ( جَامعه) عَنهُ.
قَوْله: ( عَلَيْهِم) أَي على: أهل الْحمام العراة المتطهرين،.

     وَقَالَ  بَعضهم: اي على من فِي الْحمام، وَالْمرَاد الْجِنْس.
قلت: قَوْله: من فِي الْحمام، يتَنَاوَل العراء فِيهِ والقاعدين بثيابهم فِي مسلخ الْحمام، وَقَول إِبْرَاهِيم مُخْتَصّ بالعراة حَيْثُ قَالَ: إِن كَانَ عَلَيْهِم إِزَار فنسلم عَلَيْهِم، و: إلاَّ، أَي: وَإِن لم يكن عَلَيْهِم إِزَار فَلَا نسلم.
فَكيف يُطلق هَذَا الْقَائِل كَلَامه على من فِي الْحمام على سَبِيل الْعُمُوم، وَالسَّلَام على القاعدين بثيابهم لَا خلاف فِيهِ؟ .



[ قــ :180 ... غــ :183 ]
- حدّثنا إسْماعِيلُ قَالَ حدّثنى مالكٌ عَنْ مَخْرمَةَ بنِ سُلَيْمان عَنْ كرَيْبٍ مَوْلى ابنِ عَبَّاسٍ أنَّ عَبْدَ الله بنَ عبَّاسٍ أخْبرَهُ أنَّهُ بَاتَ لَيْلَةً عِنْدَ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهْيَ خالَتُهُ فَاضْطَجَعْتُ فِي عَرْضِ الوِسَادَة واضْطَجَعَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأهلُهُ فِي طُولِهَا فَنَامَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حنَتَّى إِذا انْتَصَف اللَّيْلُ أوْ قَبْلَهُ بِقَلِيلٍ أوْ قَبْلَهُ بِقَلِيلٍ أوْ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ اسْتَيْقَظَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجَلَسَ يَمْسَحُ النَّوْمَ عَنْ وَجْهِهِ بِيَدِهِ ثُمَّ قَرَأَ العَشْرَ اْلا يَاتِ الخَوَاتِمَ مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَان ثُمَّ قامَ إلَي شَنٍّ مُعلَّقَةٍ فَتوَضأَ مِنْهَا فَاحْسَنَ وُضُوءَهُ ثُمَّ قامَ يُصَلِّي قالَ ابنُ عَبَّاسٍ فَقمْتُ فَصَنَعْتُ مِثْلَ مَا صيَعَ ثُمَّ ذَهَبْتُ فَقُمْتُ إلَى جَنْبِهِ فَوَضَعَ يَدَهُ اليُمْنى عَلَى رَأسِي وَأخَذَ بِاُذُنِي اليُمْنَى يَفْتِلُهَا فَصَلَّى رَكْعَتيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَوْتَرَ ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى أتَاهُ المُؤَذِّنُ فَقامَ فَصَلَّى رَكْعتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الصُّبْحَ..
قيل: مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة فِي قِرَاءَة الْقُرْآن بعد الْحَدث، وَهُوَ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ الْعشْر الْآيَات من آخر آل عمرَان بعد قِيَامه من نَومه قبل وضوئِهِ.
قلت: كَيفَ يُقَال هَذَا ونومه لَا ينْقض وضوءه؟.

     وَقَالَ  بَعضهم: الْأَظْهر أَن مُنَاسبَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة من جِهَة أَن مضاجعة الْأَهْل فِي الْفراش لَا تَخْلُو من الْمُلَامسَة.
قلت: هَذَا أبعد من ذَاك، لأَنا لَا نسلم وجود ذَلِك على التَّحْقِيق، وَلَئِن سلمنَا ذَلِك فمراده من الْمُلَامسَة اللَّمْس بِالْيَدِ أَو الْجِمَاع؟ فَإِن كَانَ الأول: فَلَا ينْقض الْوضُوء أصلا، سِيمَا فِي حَقه، عَلَيْهِ السَّلَام؛ وَإِن كَانَ الثَّانِي: فَيحْتَاج إِلَى الِاغْتِسَال، وَلم يُوجد هَذَا أصلا فِي هَذِه الْقِصَّة، وَالظَّاهِر أَن البُخَارِيّ وضع هَذَا الحَدِيث فِي هَذَا الْبابُُ بِنَاء على ظَاهر الحَدِيث، حَيْثُ تَوَضَّأ بعد قِيَامه من النّوم، وإلاَّ مُنَاسبَة فِي وَضعه هَذَا الحَدِيث هَهُنَا.
فَافْهَم.

بَيَان رِجَاله وهم خَمْسَة.
الأول: إِسْمَاعِيل بن أبي أويس الأصبحي.
الثَّانِي: مَالك بن أنس، خَال إِسْمَاعِيل الْمَذْكُور.
الثَّالِث: مخرمَة، بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح الرَّاء.
ابْن سُلَيْمَان الْوَالِي الْمدنِي.
الرَّابِع: كريب، مولى ابْن عَبَّاس.
الْخَامِس: عبد الله بن عَبَّاس، رَضِي الله عَنْهُمَا.

بَيَان لطائف اسناده مِنْهَا: أَن فِيهِ التحديث بِالْجمعِ والإفراد والعنعنة والإخبار.
وَمِنْهَا: أَن رُوَاته مدنيون.
وَمِنْهَا: أَن فِيهِ الرَّاوِي عَن خَاله، وَهُوَ رِوَايَة إِسْمَاعِيل عَن خَاله مَالك.

بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا الْأصيلِيّ فِي الصَّلَاة عَن عبد الله بن يُوسُف، وَفِي الْوتر عَن القعْنبِي، وَفِي التَّفْسِير عَن قُتَيْبَة وَعَن عَليّ بن عبد الله، وَفِي الصَّلَاة أَيْضا عَن أَحْمد عَن ابْن وهب.
وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن يحيى بن يحيى عَن مَالك بِهِ، وَعَن هَارُون ابْن سعيد عَن ابْن وهب بِهِ، وَعَن مُحَمَّد بن سَلمَة عَن ابْن وهب، وَعَن مُحَمَّد بن رَافع.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد عَن القعْنبِي وَعَن عبد الْملك بن شُعَيْب.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الشَّمَائِل عَن قُتَيْبَة بِهِ، وَعَن إِسْحَاق بن مُوسَى وَعَن مُحَمَّد بن عبد الله.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الطَّهَارَة عَن أبي بكر بن خَلاد عَن معن بِهِ.

بَيَان لغاته قَوْله: ( فِي عرض الوسادة) ، بِفَتْح الْعين وَسُكُون الرَّاء،.

     وَقَالَ  السفاقسي؛ ضم الْعين غير صَحِيح، ورويناه بِفَتْحِهَا عَن جمَاعَة،.

     وَقَالَ  ابو عبد الْملك: رُوِيَ بِفَتْح الْعين وَهُوَ ضد الطول، وبالضم الْجَانِب، وَالْفَتْح أَكثر.
.

     وَقَالَ  الدَّاودِيّ عرضهَا بِضَم الْعين، وَأنْكرهُ أَبُو الْوَلِيد،.

     وَقَالَ : لَو كَانَ كَمَا قَالَ لقَالَ: توسد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَهله طول الوسادة، وتوسد ابْن عَبَّاس عرضهَا.
فَقَوله: ( فاضطجع فِي عرضهَا) يَقْتَضِي أَن يكون الْعرض محلا لاضطجاعه، وَلَا يَصح ذَلِك إلاَّ أَن يكون فراشا.
وَفِي ( الْمطَالع) : الْفَتْح عِنْد أَكثر مَشَايِخنَا، وَوَقع عَن جمَاعَة مِنْهُم: الدَّاودِيّ وحاتم الطرابلسي والأصيليل بِضَم الْعين، وَالْأول أظهر.
قَالَ النَّوَوِيّ: هُوَ الصَّحِيح، والوساد: المتكأ.
قَالَ ابْن سَيّده: وَقد توسد ووسده إِيَّاه.
وَفِي ( الْمُجْمل) : جمع الوسادة وسائد، والوسادة مَا يتوسد عَن الموم، وَالْجمع وسد.
وَفِي ( الصِّحَاح) : الوساد والوسادة: المخدة، وَالْجمع: وسائد ووسد، وَزعم ابْن التِّين أَن الوساد الْفراش الَّذِي ينَام عَلَيْهِ، فَكَأَن اضطجاع ابْن عَبَّاس فِي عرضهَا عِنْد رؤوسها أَو أرجلهما، كَذَا قَالَ أَبُو الْوَلِيد: قَالَ النَّوَوِيّ: وَهَذَا بَاطِل.
قَوْله: ( الى شن) بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَتَشْديد النُّون: وَهُوَ وعَاء المَاء إِذا كَانَ من أَدَم فأخلق، وَجمعه: شنان، بِكَسْر الشين الْمُعْجَمَة وَتَشْديد النُّون.
قَوْله: ( بأذني) بِضَم الْهمزَة وَسُكُون الذَّال الْمُعْجَمَة.
قَوْله: ( يفتلها) أَي: يدلكها ويعركها.
قَوْله: ( ثمَّ خرج) أَي من الججرة إِلَى الْمَسْجِد فصلى الصُّبْح أَي بِالْجَمَاعَة.

بَيَان الْمعَانِي وَالْإِعْرَاب قَوْله: ( فاضطجعت) أَي: وضعت الْجنب على الأَرْض وَكَانَ مُقْتَضى الظَّاهِر أَن يَقُول: اضْطجع بِصُورَة الْمَاضِي الْغَائِب، كَمَا قَالَ: إِنَّه بَات.
أَو قَالَ: بت كَمَا قَالَ: فاضطجعت، بِصُورَة الْمُتَكَلّم فيهمَا، وَلكنه قصد بذلك التفنن فِي الْكَلَام وَهُوَ نوع من أَنْوَاع الِالْتِفَات.
فَإِن قلت: من هُوَ القاصد لذَلِك؟ قلت: كريب، لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي نقل كَلَام ابْن عَبَّاس، وَالظَّاهِر أَن اخْتِلَاف العبارتين من ابْن عَبَّاس وَمن كريب، لِأَنَّهُ كريباً أخبر أَولا عَن ابْن عَبَّاس أَنه باتت لَيْلَة عِنْد مَيْمُونَة، ثمَّ أضمر لفظ: قَالَ، قبل قَوْله: ( فاضطجعت) ، فَيكون الْكَلَام على أسلوب وَاحِد.
قَوْله: ( حَتَّى) للغاية.
قَوْله: ( أَو قبله) ظرف لقَوْله: ( اسْتَيْقَظَ) .
إِن قُلْنَا: إِن: اذا ظرفية اي: حَتَّى اسْتَيْقَظَ وَقت انتصاف اللَّيْل، أَو قبل انتصافه.
وَكلمَة: أَو، للتشكيك أَو يكون مُتَعَلقا بِفعل مُقَدّر.
إِن قُلْنَا: إِن إِذا، شَرْطِيَّة و: اسْتَيْقَظَ، جزاؤها، وَالتَّقْدِير: حَتَّى إِذا استنصف اللَّيْل، أَو كَانَ قبل الانتصاف، اسْتَيْقَظَ.
قَوْله: ( فَجَلَسَ يمسح النّوم عَن وَجهه بِيَدِهِ) وَفِي بعض النّسخ: ( فَجعل يمسح النّوم) .
فَفِي الْوَجْه الأول يكون: يمسح، الَّتِي هِيَ جملَة من الْفِعْل وَالْفَاعِل فِي مَحل النصب على الْحَال من الضَّمِير الَّذِي فِي: فَجَلَسَ وَفِي الْوَجْه الثَّانِي: تكون الْجُمْلَة خبر: فَجعل، لِأَنَّهُ من أَفعَال المقاربة.
وَمسح النّوم من الْعَينَيْنِ من بابُُ إِطْلَاق اسْم الْحَال على الْمحل، لِأَن الْمسْح لَا يَقع إلاَّ على الْعَينَيْنِ، وَالنَّوْم لَا يمسح.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: أَو أثر النّوم من بابُُ إِطْلَاق إسم السَّبَب على الْمُسَبّب.
قلت: أثر النّوم من النّوم لِأَنَّهُ بَقِيَّته، فَكيف يكون من هَذَا الْبابُُ؟ قَوْله: ( ثمَّ قَرَأَ الْعشْر الْآيَات) بِإِضَافَة الْعشْر إِلَى الْآيَات، وَيجوز دُخُول لَام التَّعْرِيف على الْعدَد عِنْد الْإِضَافَة، نَحْو: الثَّلَاثَة الأثواب، وَهُوَ من بابُُ إِضَافَة الصّفة إِلَى الْمَوْصُوف.
قَوْله: ( الْخَوَاتِم) بِالنّصب لِأَنَّهُ صفة: الْعشْر، وَهُوَ جمع خَاتِمَة أَي: أَوَاخِر سُورَة آل عمرَان، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: { إِن فِي خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض} ( آل عمرَان: 190) الى آخر السُّورَة.
فَإِن قلت: ذكر فِي هَذَا الحَدِيث الَّذِي تقدم فِي بابُُ التَّخْفِيف، هَكَذَا: فَتَوَضَّأ من شن مُعَلّق وضُوءًا خَفِيفا، بتذكير وصف الشن، وتوصيف الْوضُوء بالخفة، وَهَهُنَا أنث الْوَصْف حَيْثُ قَالَ: معلقَة،.

     وَقَالَ : فَأحْسن وضوءه، وَالْمرَاد بِهِ الْإِتْمَام والإتيان بِجَمِيعِ المندوبات.
فَمَا وَجه الْجمع بَينهمَا؟ قلت: الشن: يذكر وَيُؤَنث، والتذكير بِاعْتِبَار لَفظه أَو بِاعْتِبَار الْأدم أَو الْجلد، والتأنيث بِاعْتِبَار الْقرْبَة، وإتمام الْوضُوء لَا يُنَافِي التَّخْفِيف، لِأَنَّهُ يجوز أَن يكون أَتَى بِجَمِيعِ المندوبات مَعَ التَّخْفِيف، أَو هَذَا كَانَ فِي وَقت، وَذَاكَ فِي وَقت آخر.
قَوْله: ( فصنعت مثل مَا صنع) أَي: قَالَ ابْن عَبَّاس: فصنعت مثل مَا صنع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَي: تَوَضَّأت نَحوا مِمَّا تَوَضَّأ، كَمَا صرح بِهِ فِي بابُُ التَّخْفِيف، وَيحْتَمل أَن يُرِيد بِهِ أَعم من ذَلِك فَيشْمَل النّوم حَتَّى انتصاف اللَّيْل وَمسح الْعَينَيْنِ عَن النّوم وَقِرَاءَة الْعشْر الْآيَات وَالْقِيَام إِلَى الشن وَالْوُضُوء وإحسانه.
قَوْله: ( يفتلها) جملَة وَقعت حَالا، وَأما فتله أُذُنه: إِمَّا للتّنْبِيه عَن الْغَفْلَة وَإِمَّا لإِظْهَار الْمحبَّة.
كَذَا قَالَه الْكرْمَانِي.
قلت: لم يكن فتله أُذُنه إلاَّ لأجل أَنه لما وقف وقف بجنبه الْيَسَار فَأخذ أُذُنه وعركها وأداره إِلَى يَمِينه.
قَوْله: ( فصلى رَكْعَتَيْنِ) لفظ: رَكْعَتَيْنِ، سِتّ مَرَّات فَيكون الْمَجْمُوع، اثْنَي عشر رَكْعَة.
قَوْله: ( ثمَّ أوتر) قَالَ الْكرْمَانِي: أَي جَاءَ بِرَكْعَة أُخْرَى فردة.
قلت: لم لَا يجوز أَن يكون معنى قَوْله: أوتر، صلى ثَلَاث رَكْعَات، لِأَنَّهَا وترا ايضاً، بل الْأَوْجه هَذَا لِأَنَّهُ ورد النَّهْي عَن البتيراء، وَهُوَ التَّنَفُّل بِرَكْعَة وَاحِدَة.
ثمَّ إعلم أَن قَوْله: ( فصلى رَكْعَتَيْنِ) إِلَى قَوْله: ( ثمَّ اوتر) تَقْيِيد وَتَفْسِير للمطلق الَّذِي ذكر فِي بابُُ التَّخْفِيف حَيْثُ قَالَ هُنَاكَ: فصلى مَا شَاءَ الله.

بَيَان استنباط الْأَحْكَام الأول: قَالَ ابْن بطال فِيهِ رد على من كره قِرَاءَة الْقُرْآن على غير طَهَارَة لمن لم يكن جنبا، وَهِي الْحجَّة الكافية فِي ذَلِك، لِأَنَّهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، قَرَأَ الْعشْر الْآيَات بعد قِيَامه من النّوم قبل الْوضُوء،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: أَقُول: لَيْسَ ذَلِك حجَّة كَافِيَة، لِأَن قلب رَسُول الله، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، لَا ينَام وَلَا ينْتَقض وضوؤه بِهِ، وَكَذَا رد عَلَيْهِ ابْن الْمُنِير، ثمَّ قَالَ: وَأما كَونه تَوَضَّأ عقيب ذَلِك فَلَعَلَّهُ جدد الْوضُوء أَو أحدث بعد ذَلِك فَتَوَضَّأ.
وَاسْتحْسن بَعضهم كَلَامه بِالنِّسْبَةِ إِلَى كَلَام ابْن بطال حَيْثُ قَالَ: بعد قِيَامه من النّوم، ثمَّ قَالَ: لِأَنَّهُ لم يتَعَيَّن كَونه أحدث فِي النّوم، لَكِن لما عقب ذَلِك بِالْوضُوءِ كَانَ ظَاهرا فِي كَونه أحدث، وَلَا يلْزم من كَون نَومه لَا ينْقض وضوءه أَن لَا يَقع مِنْهُ حدث وَهُوَ نَائِم، نعم، إِن وَقع شعر بِهِ بِخِلَاف غَيره، وَمَا أَدْعُوهُ من التَّجْدِيد وَغَيره الأَصْل عَدمه.
قلت: قَوْله: وَلَا يلْزم من كَون نَومه ... إِلَى آخِره غير مُسلم، وَكَيف يمْنَع عدم الْمُلَازمَة، بل يلْزم من كَون نَومه لَا ينْقض وضوءه أَن لَا يَقع مِنْهُ حدث فِي حَالَة النّوم، لَان هَذَا من خَصَائِصه، فَيلْزم من قَول هَذَا الْقَائِل أَن لَا يفرق بَين نوم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونوم غَيره، وَقَوله: وَمَا أَدْعُوهُ من التَّجْدِيد وَغَيره الأَصْل عَدمه.
قلت: هَذَا عِنْد عدم قيام الدَّلِيل على ذَلِك، وَهَهُنَا قَامَ الدَّلِيل بِأَن وضوءه لم يكن لأجل الْحَدث، وَهُوَ قَوْله، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: ( تنام عَيْنَايَ وَلَا ينَام قلبِي) ، وَحِينَئِذٍ يكون تَجْدِيد وضوئِهِ لأجل طلب زِيَادَة النُّور، حَيْثُ قَالَ: الْوضُوء نور على نور.
الثَّانِي: فِيهِ جَوَاز الِاضْطِجَاع عِنْد الْمحرم، وَإِن كَانَ زَوجهَا عِنْدهَا.
الثَّالِث: فِيهِ اسْتِحْبابُُ صَلَاة اللَّيْل وَقِرَاءَة الْآيَات الْمَذْكُورَة بعد الانتباه من النّوم.
الرَّابِع: فِيهِ جَوَاز عَرك أذن الصَّغِير لأجل التَّأْدِيب، أَو لأجل الْمحبَّة.
الْخَامِس: فِيهِ اسْتِحْبابُُ مَجِيء الْمُؤَذّن إِلَى الإِمَام وإعلامه بِإِقَامَة الصَّلَاة.
السَّادِس فِيهِ تَخْفيف الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قبل صَلَاة الصُّبْح مَعَ مُرَاعَاة أَدَائِهَا.
وَغير ذَلِك من الْأَحْكَام الَّتِي مضى ذكر بَعْضهَا، وَسَيَأْتِي بَعْضهَا أَيْضا فِي كتاب الْوتر.
إِن شَاءَ الله تَعَالَى.