فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب إذا ألقي على ظهر المصلي قذر أو جيفة، لم تفسد عليه صلاته

(بابٌُ إذَا أُلْقِيَ عَلى ظهْرِ المصَلِّى قَذَرٌ أَوْ جِيفَةٌ لَمْ تَفْسُدْ عَلَيْهِ صَلاتُهُ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم من ألقِي على ظَهره نَجَاسَة وَهُوَ فِي الصَّلَاة.
وَقَوله: (لم تفْسد عَلَيْهِ صلَاته) جَوَاب: إِذا، والقذر، بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة ضد النَّظَافَة يُقَال: قذرت الشَّيْء، بِالْكَسْرِ، إِذا كرهته، (والجيفة:) جنَّة الْمَيِّت المريحة.

وَجه الْمُنَاسبَة بَين الْبابَُُيْنِ من حَيْثُ إِن الْبابُُ الأول يشْتَمل على حكم وُصُول النَّجَاسَة إِلَى المَاء، وَهَذَا الْبابُُ يشْتَمل على حكم وصولها إِلَى الْمُصَلِّي وَهُوَ فِي الصَّلَاة، وَهَذَا الْمِقْدَار يتلمح بِهِ فِي وَجه التَّرْتِيب، وَإِن كَانَ حكم مَا مُخْتَلفا، فَإِن فِي الْبابُُ الأول وُصُول الْبَوْل إِلَى المَاء الراكد يُنجسهُ.
كَمَا ذكر المَاء فِيهِ مستقضىً بِمَا قَالَت الْعلمَاء فِيهِ، وَفِي هَذَا الْبابُُ وُصُول النَّجَاسَة إِلَى الْمُصَلِّي لَا تفْسد صلَاته على مَا زعم البُخَارِيّ، فَإِنَّهُ وضع هَذَا الْبابُُ لهَذَا الْمَعْنى، وَلِهَذَا صرح بقوله: (لم تفْسد عَلَيْهِ صلَاته) وَهَذَا يمشي على مَذْهَب من يرى عدم اشْتِرَاط إِزَالَة النَّجَاسَة لصِحَّة الصَّلَاة، أَو على مَذْهَب من يَقُول: إِن من حدث لَهُ فِي صَلَاة مَا يمْنَع انْعِقَادهَا ابْتِدَاء لَا تبطل صلَاته.

     وَقَالَ  بَعضهم: (لم تفْسد) مَحَله مَا إِذا لم يعلم بذلك وَتَمَادَى، وَيحْتَمل الصِّحَّة مُطلقًا على قَول من يذهب إِلَى أَن اجْتِنَاب النَّجَاسَة فِي الصَّلَاة لَيْسَ بِفَرْض، وعَلى قَول من ذهب إِلَى منع ذَلِك فِي الِابْتِدَاء دون مَا يطْرَأ وَإِلَيْهِ ميل المُصَنّف انْتهى قلت: من أَيْن علم ميل المُصَنّف إِلَى القَوْل الثَّانِي، وَقد وضع هَذَا الْبابُُ وَترْجم بِعَدَمِ الْفساد مُطلقًا وَلم يُقيد بِشَيْء.
مِمَّا ذكره هَذَا الْقَائِل؟ على أَنه قد أكد مَا ذهب، إِلَيْهِ من الْإِطْلَاق بِمَا رُوِيَ عَن عبد الله بن عمر وَسَعِيد بن الْمسيب وعامر الشّعبِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، على أَن فِيهِ نظرا على مَا تذكره عَن قريب إِن شَاءَ الله تَعَالَى،.

     وَقَالَ  هَذَا الْقَائِل أَيْضا وَعَلِيهِ يخرج صَنِيع الصَّحَابِيّ الَّذِي اسْتمرّ فِي الصَّلَاة بعد أَن سَالَتْ مِنْهُ الدِّمَاء يَرْمِي من رَمَاه قلت: هَذَا الصَّحَابِيّ فِي حَدِيث جَابر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه قَالَ: (خرجنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) يَعْنِي فِي غَزْوَة ذَات الرّقاع الحَدِيث وَفِيه: (فَنزل النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، منزلا،.

     وَقَالَ : من رجل يكلؤنا، فَانْتدبَ رجل من الْمُهَاجِرين وَرجل من الْأَنْصَار،.

     وَقَالَ : كونا بِفَم الشّعب، قَالَ: فَلَمَّا خرج الرّجلَانِ إِلَى فَم الشّعب اضْطجع الْمُهَاجِرِي وَقَامَ الْأنْصَارِيّ يُصَلِّي، وأتى رجل، فَلَمَّا رأى شخصه عرفه أَنه ربيئة للْقَوْم، فَرَمَاهُ بِسَهْم فَوَضعه فِيهِ ونزعه حَتَّى قضى ثَلَاثَة أسْهم، ثمَّ ركع وَسجد) الحَدِيث وَتَخْرِيج هَذَا الْقَائِل صَنِيع هَذَا الصَّحَابِيّ على مَا ذكره غير صَحِيح، لِأَن هَذَا فعل وَاحِد من الصَّحَابَة، وَلَعَلَّه كَانَ ذهل عَنهُ، أَو كَانَ غير عَالم بِحكمِهِ، وَالتَّحْقِيق فِيهِ أَن الدَّم حِين خرج أصَاب بدنه وثوبه، فَكَانَ يَنْبَغِي أَن يخرج من الصَّلَاة وَلم يخرج، فَلَمَّا بدل مضيه فِي الصَّلَاة على جَوَاز الصَّلَاة مَعَ النَّجَاسَة كَذَلِك، لَا بدل مضيه فِيهَا على أَن خُرُوج الدَّم لَا ينْقض الْوضُوء.

وكانَ ابنُ عُمَرَ إِذا رَأَى ثَوْبِهِ دَمًا يُصَلِّى وَضَعهُ وَمَضَى فِي صَلاتِهِ

هَذَا الْأَثر لَا يُطَابق التَّرْجَمَة لِأَن فِيهَا مَا إِذا أصَاب الْمُصَلِّي نَجَاسَة وَهُوَ فِي الصَّلَاة لَا تفْسد صلَاته، والأثر يدل على أَن ابْن عمر إِذا رأى فِي ثَوْبه دَمًا، وَهُوَ فِي الصَّلَاة وضع ثَوْبه يَعْنِي: أَلْقَاهُ، وَمضى فِي صلَاته، فَهَذَا صَرِيح على أَنه لَا يرى جَوَاز الصَّلَاة مَعَ إِصَابَة النَّجَاسَة فِي ثَوْبه وَالدَّلِيل على صِحَة مَا قُلْنَا مَا رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة من طَرِيق برد بن سِنَان عَن نَافِع عَنهُ: أَنه كَانَ إِذا كَانَ فِي الصَّلَاة فَرَأى فِي ثَوْبه دَمًا فاستطاع أَن يَضَعهُ وَضعه، وَإِن لم يسْتَطع خرج فَغسله ثمَّ جَاءَ يَبْنِي على مَا كَانَ صلى.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَهُوَ يَقْتَضِي أَنه كَانَ يرى التَّفْرِقَة بَين الِابْتِدَاء والدوام قلت: لَا يَقْتَضِي هَذَا أصلا وَإِنَّمَا يدل على أَنه كَانَ لَا يرى جَوَاز الصَّلَاة مَعَ وجود النَّجَاسَة مَعَ الْمُصَلِّي مُطلقًا وَهَذَا حجَّة قَوِيَّة لأبي يُوسُف فِيمَا ذهب إِلَيْهِ من أَن الْمُصَلِّي إِذا كَانَ انتضح عَلَيْهِ الْبَوْل أَكثر.

من قدر الدِّرْهَم ينْصَرف وَيغسل وَيَبْنِي على صلَاته، وَكَذَلِكَ إِذا ضرب رَأسه أَو صدمه شَيْء فَسَالَ مِنْهُ الدَّم.
وَقَالَ ابنُ المُسَيِّبَ والشَّعْبِي إِذا صلَّى وَفِي ثَوْبِهِ دَمٌ أَوْ جَنَابَةٌ أَو لِغَيْرِ القِبْلَةِ أَوْ تَيَمَمَ وصلَّى ثُمَّ أَدْرَكَ الماءَ فِي وَقْتِهِ لَا يُعيدُ

وَقع للأكثرين: (وَقَالَ ابْن الْمسيب:) وَوَقع للمستملي والسرخسي: وَكَانَ ابْن الْمسيب، يدل، قَالَ: فَإِن قلت: فعلى هَذَا يَنْبَغِي أَن يثنى الضَّمِير، لِأَن الْمَذْكُور اثْنَان وهم: ابْن الْمسيب وَالشعْبِيّ.
قلت: أَرَادَ كلَّ وَاحِد مِنْهُمَا فَإِن ابْن الْمسيب هُوَ سعيد، وَالشعْبِيّ هُوَ عَامر، وَهَذَا الْأَثر بِمَا يُطَابق التَّرْجَمَة إِذا عمل بِظَاهِرِهِ على الْإِطْلَاق أما إِذا قيل: المُرَاد من قَوْله: دم أقل من قدر الدِّرْهَم عِنْد من يرى ذَلِك، أَو شَيْء يسير عِنْد من ذهب إِلَى أَن الْيَسِير عَفْو فَلَا يُطَابق التَّرْجَمَة على مَا لَا يخفى، وَكَذَلِكَ الْجَنَابَة لَا تطابق عِنْد من يرَاهُ طَاهِرا وَالْمرَاد من الْجَنَابَة أَثَرهَا وَهُوَ الْمَنِيّ، أَو فِيهِ إِطْلَاق الْجَنَابَة على الْمَنِيّ من قبيل ذكر الْمسيب، وَإِرَادَة السَّبَب.
قَوْله: (أَو لغير الْقبْلَة) أَي: أَو صلى لغير الْقبْلَة على اجْتِهَاده، ثمَّ تبين الْخَطَأ قَوْله: (أَو تيَمّم) أَي: عِنْد عدم المَاء، وكل هَذِه قيود لَا بُد مِنْهَا على مَا لَا يخفى.
قَوْله: (وَلَا يُعِيد) أَي: الصَّلَاة، وَذكر ابْن بطال عَن ابْن مَسْعُود وَابْن عمر وَسَالم وَعَطَاء وَالنَّخَعِيّ وَمُجاهد وَالزهْرِيّ وَطَاوُس: أَنه إِذا صلى فِي ثوب نجس، ثمَّ علم بِهِ بعد الصَّلَاة، لَا إِعَادَة عَلَيْهِ وَهُوَ قَول الْأَوْزَاعِيّ وَإِسْحَاق وَأبي ثَوْر، وَعَن ربيعَة وَمَالك: يُعِيد فِي الْوَقْت، وَعَن الشَّافِعِي: يُعِيد أبدا، وَبِه قَالَ أَحْمد، رَحمَه الله تَعَالَى.



[ قــ :237 ... غــ :240 ]
- حدّثنا عَبْدانُ قَالَ أَخْبرنِي أبي عنْ شُعْبَةَ عَن أبي إسْحَاقَ عنْ عَمْرو بنِ مَيْمُونٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قالَ بَيْنا رسولُ الله عَلَيْهِ وَسلم سَاجِدٌ ح قالَ وحَدثني أحمَدُ بنُ عُثْمانَ قَالَ حَدثنَا شُرَيْحُ بنُ مَسْلَمَةَ قَالَ حَدثنَا إبْراهِيمُ بنُ يُوسُفَ عنْ أبِيهِ عنْ أبي إسْحَاقَ قَالَحدثني عَمْرُو بنُ مَيْمُونٍ أنَّ عَبْدَ اللَّهِ بنُ مَسْعُودٍ حَدَّثَهُ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ يُصَلِّى عنْدَ البَيْتَ وأبُو جَهْلٍ وَأصْحَابٌ لَهُ جُلُوسٌ إِذْ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ أَيَّكُمْ يَجِىءُ بِسَلاً جَزُورِ بَنِي فُلانٍ فَيَضَعُهُ علَى ظهْرِ مُحَمَّدٍ إِذا سَجَدَ فَانْبَعَثَ أَشْقَى القوْمِ فَجَاءَ بِهِ فَنَظَر حَتَّى إذَا سَجَدَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَضَعَهُ علَى ظَهْرِهِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ وأنَا أَنْظُرُ لَا أُغْنِي شَيْئَاً لَوْ كَانَ لِي مَتَعةٌ قَالَ فَجَعَلُوا يَضْحَكُونَ ويُحُيلُ بَعْضُهُمْ على بَعْضِ ورسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ساجدُ لَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ حَتَّى جاءَتْهُ فَاطِمَةُ فَطَرَحَتْ عنْ ظَهْرِهِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشً ثَلاثَ مَرَّاتٍ فَشَقَّ عَلَيْهِمْ إذْ دَعَا عَلَيْهِمْ قالَ وكَانُوا يَرْون أنَّ الدَّعْوَةَ فِي ذَلِكَ البَلَدِ مُسْتَجَابَة ثُمَّ سَمَّى اللَّهُمَّ عَلَيْك بِأبي جهل وَعَلَيْك بِعتبَة بن ربيعَة وَشَيْبَة بن ربيعَة والوليدين عتبَة وَأُميَّة بن خلف وَعُقْبَةَ بنِ أبي مُعَيْطٍ وعَدَّ السابِعَ فَلَمْ تَحْفَظْهُ قالَ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ رَأَيْتُ الَّذِينَ عَدَّ رسولُ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَرْعَى فِي القَلِيبٍ قَلِيبِ بَدْرٍ.

مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، لِأَن ظَاهره يدل على مَا ذهب إِلَيْهِ، وَلَكِن عَنهُ أجوبة تَأتي فِيهِ، بعون الله وتوفيقه.

(بَيَان رِجَاله) وهم عشرَة أنفس: الأول: عَبْدَانِ بن عُثْمَان بن حبلة، وَقد تقدم عَن قريب فِي بابُُ: غسل الْمَنِيّ وفركه.
الثَّانِي: أَبُو عُثْمَان بن جبلة، بِفَتْح الْجِيم وَالْبَاء الْمُوَحدَة.
الثَّالِثَة: شُعْبَة بن الْحجَّاج، وَقد تقدم مُرَاده الرَّابِع: أَبُو إِسْحَاق السبيعِي اسْمه: عَمْرو بن عبد الله الْكُوفِي التَّابِعِيّ، تقدم ذكره فِي بابُُ: الصَّلَاة من الْإِيمَان، والسبيعي، بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة.
الْخَامِس: عَمْرو بن مَيْمُون أَبُو عبد الله الْكُوفِي الأودي، بِفَتْح الْهمزَة وبالدال الْمُهْملَة، أدْرك زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يلقه، وَحج مائَة حجَّة وَعمرَة، وَادي صدقته إِلَى عُمَّال رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ الَّذِي رأى قردة زنت فِي الْجَاهِلِيَّة فاجتمعت القردة فرجموها، مَاتَ سنة خمس وَسبعين.
السَّادِس: أَحْمد بن عُثْمَان بن حَكِيم، بِفَتْح الْخَاء وَكسر الْكَاف: الأودي الْكُوفِي، مَاتَ سنة سِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ.
السَّابِع: شُرَيْح، بِضَم الشين الْمُعْجَمَة وَفتح الرَّاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف فِي آخِره حاء مُهْملَة، ابْن مسلمة، بِفَتْح الْمِيم وَاللَّام وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة الْكُوفِي التنوحي بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق وبالنون الْمُشَدّدَة وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة وَيُقَال بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة مَاتَ سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ كَذَا ضَبطه الْكرْمَانِي والتنوح بالنُّون الْمُشَدّدَة.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي، فِي مَادَّة، نوخ: وتنوخ، وَهِي حَيّ من الْيمن، وَلَا تشدد النُّون، الثَّامِن: إِبْرَاهِيم بن يُوسُف بن إِسْحَاق ابْن أبي إِسْحَاق السبيعِي، مَاتَ سنة ثَمَان وَتِسْعين وَمِائَة التَّاسِع: أَبوهُ يُوسُف الْمَذْكُور الْعَاشِر: عبد الله بن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
بَيَان لطائف إِسْنَاده وَهنا إسنادان فِي الأول: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَاحِد والإخابر بِصِيغَة الْإِفْرَاد والعنعنة فِي أَرْبَعَة وَاضع.
وَفِي الثَّانِي: التحديث بِصِيغَة الْإِفْرَاد فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع، وبصيغة الْجمع فِي موضِعين والعنعنة فِي موضِعين، وَفِيه: أَن رُوَاته كوفيون غير عَبْدَانِ وَأَبِيهِ فَإِنَّهُمَا مروزيان.
وَمن لطائف إِسْنَاده، أَنه قرن رِوَايَة عَبْدَانِ بِرِوَايَة أَحْمد بن عُثْمَان، مَعَ أَن اللَّفْظ لرِوَايَة أَحْمد تَقْوِيَة لروايته بِرِوَايَة عَبْدَانِ، لِأَن فِي إِبْرَاهِيم بن يُوسُف مقَالا، فَقَالَ عَيَّاش عَن ابْن معِين: لَيْسَ بِشَيْء،.

     وَقَالَ  النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ،.

     وَقَالَ  الْجوزجَاني: ضَعِيف.
.

     وَقَالَ  أَبُو حَاتِم: يكْتب حَدِيثه وَمن لطائفه: أَن رِوَايَة أَحْمد صرحت بِالتَّحْدِيثِ لأبي إِسْحَاق عَن عَمْرو بن مَيْمُون، ولعمرو بن مَيْمُون عَن عبد الله بن مَسْعُود.
وَمِنْهَا: أَن رِوَايَته عينت ابْن عبد الله الْمَذْكُور فِي رِوَايَة عَبْدَانِ: وَهُوَ عبد الله بن مَسْعُود.
وَمِنْهَا: أَن الْمَذْكُور فِي رِوَايَة عَبْدَانِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَفِي روياة أَحْمد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ هُنَا، وَفِي الْجِزْيَة عَن عَبْدَانِ عَن أَبِيه، وَفِي مبعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن مُحَمَّد بن بشار، وَهَاهُنَا أَيْضا عَن أَحْمد بن عُثْمَان، وَفِي الصَّلَاة عَن أَحْمد بن إِسْحَاق، وَفِي الْجِهَاد عَن عبد الله ابْن أبي شيبَة، وَفِي الْمَغَازِي عَن عَمْرو بن خَالِد مُخْتَصرا وَأخرجه مُسلم فِي الْمَغَازِي عَن أبي بكر عبد الله بن أبي شيبَة، وَعَن مُحَمَّد ابْن الْمثنى وَمُحَمّد بن بشار، وَعَن سَلمَة بن شبيب مُخْتَصرا، وَعَن عبد الله بن عمر بن آبان.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الطَّهَارَة عَن أَحْمد بن عُثْمَان بن حَكِيم عَن خَالِد بن مخلد، وَفِي السّير عَن أَحْمد بن سُلَيْمَان، وَعَن إِسْمَاعِيل بن مَسْعُود، وَهَذَا الحَدِيث لَا يرْوى إلاّ بِإِسْنَاد أبي إِسْحَاق الْمَذْكُور.

بَيَان لغاته قَوْله: (سلا جزور بني فلَان) سلا بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وبالقصر: هِيَ الْجلْدَة الَّتِي يكون فِيهَا الْوَلَد، وَالْجمع أسلا.
وَخص الْأَصْمَعِي: السلا، بالماشية وَفِي النَّاس بالمشيمة.
وَفِي (الْمُحكم) السلا بِكَوْن للنَّاس وَالْخَيْل وَالْإِبِل.
.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: هِيَ جلدَة رقيقَة إِن نزعت عَن وَجه الفصيل سَالِمَة يُولد وإلاّ قتلته، وَكَذَلِكَ إِذا انْقَطع السلا فِي الْبَطن.
وَالثَّالِث: لفُ سلا، منقلبة عَن يَاء، ويقويه مَا حَكَاهُ أَبُو عبيد من أَن بَعضهم قَالَ: سليت الشَّاة، إِذا نزعت سلاها.
وَالْجَزُور، بِفَتْح الْجِيم وَضم الزاء من الْإِبِل، يَقع على الذّكر وَالْأُنْثَى، وَهِي تؤنث، وَالْجمع: الجزر.
وَتقول جزرت الْجَزُور أجزرها بِالضَّمِّ، واجتزرتها إِذا تحرتها.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: الْجَزُور من الْإِبِل مَا يجزر، أَي: يقطع قلت: لَا يدْرِي من أَي مَوضِع نقلهقوله: (فانبعث) أَي أسْرع وَهُوَ مُطَاوع بعث فانبعث بِمَعْنى: أرْسلهُ فانبعث.
قَوْله: (مَنْعَة) بِفَتْح النُّون، وَحكى، إسكانها قَالَ النَّوَوِيّ: وَهُوَ شَاذ ضَعِيف قلت: يرد عَلَيْهِ مَا ذكره فِي كِتَابه (الْمُحكم) المنعة والمنعة والمنعة.

     وَقَالَ  يَعْقُوب فِي الْأَلْفَاظ مَنْعَة ومنعة،.

     وَقَالَ  القزار: فلَان فِي مَنْعَة من قومه وَمنعه أَي عز.
وَفِي كتاب ابْن الْقُوطِيَّة وَابْن طريف: منع الْحصن مناعاً ومنعة.
لم يرم، وَفِي (الغرييبين) فلَان فِي مَنْعَة، أَي: فِي تمنع على من رامه، وَفُلَان فِي مَنْعَة أَي: فِي قوم يمنعونه من الْأَعْدَاء.
قَوْله: (صرعى) جمع صريع، كجرحى جمع جريح قَوْله: (فِي القليب) بِفَتْح الْقَاف وَكسر اللَّام، وَهُوَ: الْبِئْر قبل أَن يطوى، يذكر وَيُؤَنث.
.

     وَقَالَ  أَبُو عبيد: هِيَ الْبِئْر العادية الْقَدِيمَة وَجمع الْقلَّة: أقلبة، وَالْكَثْرَة: قُلُب.

بَيَان اخْتِلَاف أَلْفَاظه قَوْله: (بَينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ساجد) بَقِيَّته من رِوَايَة عَبْدَانِ الْمَذْكُورَة (وَحَوله نَاس من قُرَيْش من الْمُشْركين) ثمَّ سَاق الحَدِيث مُخْتَصرا قَوْله: (إِن عبد الله) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني (عَن عبد الله) قَوْله: (فيضعه) زَاد فِي رِوَايَة إِسْمَاعِيل: (فيعمد إِلَى فرثها ودمها وسلاها ثمَّ يمهله حَتَّى يسْجد) قَوْله: (فانبعث أَشْقَى الْقَوْم) ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني والسرخسي (أَشْقَى قوم) بالتنكير، وَلَا خلاف فِي أَن أفعل التَّفْضِيل، إِذا فَارق كلمة من أَنه يعرف بِاللَّامِ أَو بِالْإِضَافَة فَإِن قلت: أَي فرق فِي الْمَعْنى فِي إِضَافَته إِلَى الْمعرفَة والنكرة قلت: بالتعريف والتخصيص ظَاهر، وَأَيْضًا النكرَة لَهَا شيوع، مَعْنَاهُ: أَشْقَى قوم، أَي: قوم كَانَ من الأقوام، يَعْنِي: أَشْقَى كل قوم من أَقوام الدُّنْيَا فَفِيهِ مُبَالغَة لَيست فِي الْمعرفَة.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَالْمقَام يَقْتَضِي الأول، يَعْنِي: أَشْقَى الْقَوْم، بالتعريف لِأَن الشَّقَاء هَاهُنَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى أُولَئِكَ الأقوام فَقَط قلت: التنكير أولى لما قُلْنَا من الْمُبَالغَة، لِأَنَّهُ يدْخل هَاهُنَا دُخُولا ثَانِيًا بعد الأول، هَذَا الْقَائِل مَا أدْرك هَذِه النُّكْتَة، وَقد روى الطَّيَالِسِيّ فِي مُسْنده هَذَا الحَدِيث من طَرِيق شُعْبَة نَحْو رِوَايَة يُوسُف الْمَذْكُورَة.

     وَقَالَ  فِيهِ: (فجَاء عقبَة بن أبي معيط فقذفه على ظَهره) قَوْله: (لَا أغْنى) م: الإغناء كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين وَفِي رِوَايَة الْكشميهني والمستملى: (لَا أغير) قَوْله: (فَجعلُوا يَضْحَكُونَ) وَفِي رِوَايَة (حَتَّى مَال بعضم على بعض من الضحك) قَوْله: (فاطمةٌ بنت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) زَاد إِسْرَائِيل) (وَهِي جوَيْرِية، فاقبلت تسْعَى وَثَبت النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، سَاجِدا) قَوْله: (فَطَرَحته) بالضمير الْمَنْصُوب فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وي رِوَايَة الْكشميهني: (فطرحت) بِحَذْف الضَّمِير: وَزَاد إِسْرَائِيل (وَأَقْبَلت عَلَيْهِم تسبهم) وَزَاد الْبَزَّار (فَلم يردوا عَلَيْهَا شَيْئا) قَوْله: (فَرفع رَأسه) (زَاد الْبَزَّار من رِوَايَة زيد بن أبي أنيسَة عَن إِسْحَاق) فَحَمدَ الله واثنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ: (أما بعد: اللَّهُمَّ) قَالَ الْبَزَّار: تفرد بقوله: (أما بعد،) زيد قَوْله: (ثمَّ قَالَ) كَذَا بِكَلِمَة، ثمَّ، وَهُوَ يشْعر بمهلة بَين الرّفْع وَالدُّعَاء، وَفِي رِوَايَة الْأَجْلَح عِنْد الْبَزَّار (فَرفع رَأسه كَمَا كَانَ يرفعهُ عِنْد تَمام سُجُوده) .
قَوْله: (فَلَمَّا قضى صلَاته قَالَ: اللَّهُمَّ) وَلمُسلم وَالنَّسَائِيّ نَحوه، وَالظَّاهِر من ذَلِك أَن دعاءه وَقع خَارج الصَّلَاة، لَكِن وَقع وَهُوَ مُسْتَقْبل الْقبْلَة كَمَا ثَبت من رِوَايَة زُهَيْر عَن أبي إِسْحَاق عِنْد البُخَارِيّ وَمُسلم قَوْله: (ثَلَاث مَرَّات) كَرَّرَه إِسْرَائِيل فِي رِوَايَة لفظا لَا عددا، وَزَاد مُسلم فِي رِوَايَة زَكَرِيَّا: (وَكَانَ إِذا دَعَا دَعَا ثَلَاثًا وَإِذا سَأَلَ سَأَلَ ثَلَاثًا) قَوْله: (فشق عَلَيْهِم) وَلمُسلم من رِوَايَة زَكَرِيَّا: (فَلَمَّا سمعُوا صَوته ذهب عَنْهُم الضحك وخافوا دَعوته) .
قَوْله: (وَكَانُوا يرَوْنَ) بِفَتْح الْيَاء، ويروي بِالضَّمِّ قَوْله: (فِي ذَلِك الْبَلَد) وَهُوَ مَكَّة، وَوَقع فِي (مستخرج) أبي نعيم من الْوَجْه الَّذِي أخرجه البُخَارِيّ فِي الثَّانِيَة بدل قَوْله: (فِي ذَلِك الْبَلَد) .
قَوْله: (بِأبي جهل)) وَفِي رِوَايَة إِسْرَائِيل: (بِعَمْرو بن هِشَام) ، وَهُوَ اسْم أبي جهل: قَوْله: (والوليد بن عتبَة) بِضَم الْعين وَسُكُون التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق ثمَّ بياء مُوَحدَة، وَلم تخْتَلف الرِّوَايَات فِيهِ أَنه كَذَا، إلاّ أَنه وَقع فِي رِوَايَة مُسلم من رِوَايَة زَكَرِيَّا: بِالْقَافِ، التَّاء، وَهُوَ وهم نبه عَلَيْهِ ابْن سُفْيَان الرَّاوِي عَن مُسلم، وَقد أخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق شيخ مُسلم على الصَّوَاب قَوْله: (وَأُميَّة بن خلف) وَفِي رِوَايَة شُعْبَة: أَو أبي بن خلف، شكّ شُعْبَة، وَالصَّحِيح أُميَّة، لِأَن المقتلو ببدر هُوَ، أُميَّة إطباق أَصْحَاب الْمَغَازِي عَلَيْهِ، وَأَخُوهُ أبي بن خلف.
قتل بِأحد.
قَوْله: (فَلم تحفظه) بنُون الْمُتَكَلّم، ويروي.
بِالْيَاءِ آخر الْحُرُوف.
قَوْله: (قَالَ فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ) أَي: قَالَ ابْن مَسْعُود ذَلِك، وَفِي رِوَايَة مُسلم: (وَالَّذِي بعث مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ) ، وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ: (وَالَّذِي أنزل عَلَيْهِ الْكتاب) ، وَفِي بعض النّسخ.
(وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ) .
قَوْله: (صرعى فِي القليب) وَرِوَايَة إِسْرَائِيل من الزِّيَادَة.
(لقد رَأَيْتهمْ صرعى يَوْم بدر ثمَّ سحبوا إِلَى القليب قليب بدر) .

بَيَان إعرابه قَوْله: (بَينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَصله: بَين، وَالْألف زيدت لإشباع الفتحة، وَهُوَ مُضَاف إِلَى الْجُمْلَة بعده، وَالْعَامِل فِيهِ إِذْ قَالَ بَعضهم الَّذِي يَجِيء فِي الحَدِيث بعد التَّحْوِيل إِلَى الْإِسْنَاد الثَّانِي.
قَوْله: (رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) مُبْتَدأ وَخبر قَوْله: (ساجد) قَوْله: (وَأَبُو جهل) مُبْتَدأ (وَأَصْحَاب لَهُ) عطف عَلَيْهِ وَقَوله: (جُلُوس) خَبره، وَالْجُمْلَة نصب على الْحَال، ومتعلق، لَهُ مَحْذُوف أَي: أَصْحَاب كائنون لَهُ، أَي: لأبي جهل، وَيجوز أَن يكون، جُلُوس خبر أَصْحَاب، وَخبر أبي جهل مَحْذُوف كَقَوْل الشَّاعِر:
(نَحن بِمَا عندنَا وَأَنت بِمَا ... عنْدك راضٍ والرأي مُخْتَلف)

وَالتَّقْدِير: نَحن راضون بِمَا عندنَا قَوْله: (رَأَيْت الَّذين) عد مَفْعُوله مَحْذُوف أَي: عدهم، ويروي، الَّذِي مُفردا، وَيجوز ذَلِك كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: { وخضتم كَالَّذِين خَاضُوا} (سُورَة التَّوْبَة: 69) أَي: كَالَّذِين.
قَوْله: (صرعى) مفعول ثانٍ لقَوْله: (رَأَيْت) قَوْله: (قليب بدر) بِالْجَرِّ بدل من قَوْله: (فِي القليب) وَيجوز فِيهِ الرّفْع وَالنّصب من جِهَة الْعَرَبيَّة، أما الرّفْع فعلى أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف تَقْدِيره: هُوَ قليب بدر وَأما النصب فعلى تَقْدِير أَعنِي قليب بدر.

(بَيَان الْمعَانِي) (وَأَبُو جهل وَأَصْحَاب لَهُ) السَّبْعَة الْمَدْعُو عَلَيْهِم، بَينه الْبَزَّار من طَرِيق الْأَجْلَح عَن أبي إِسْحَاق.
قَوْله: (إِذْ قَالَ بَعضهم) هُوَ أَبُو جهل، سَمَّاهُ مُسلم من رِوَايَة زَكَرِيَّا، وَزَاد فِيهِ.
(وَقد نحرت جزور بالْأَمْس) وَجَاء فِي رِوَايَة أُخْرَى: (بَينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَائِم يُصَلِّي فِي ظلّ الْكَعْبَة، وَجمع من قُرَيْش فِي مجَالِسهمْ، إِذا قَالَ قَائِل مِنْهُم: أَلا تنظروا إِلَى هَذَا الْمرَائِي) ؟ قَوْله: (أَشْقَى الْقَوْم) هُوَ: عقبَة بن أبي معيط، ومعيط، بِضَم الْمِيم وَفتح الْعين الْمُهْملَة.
.

     وَقَالَ  الدَّاودِيّ: إِنَّه أَبُو جهل فَقَوله: (وَإِنَّا أنظر) أَي: قَالَ عبد الله.
وَأَنا شَاهد تِلْكَ الْحَالة.
قَوْله: (لَا أغْنى) أَي: فِي كف شرهم، وَمعنى: لَا أغير، أَي: شَيْئا من فعلهم.
قَوْله: (فَجعلُوا يَضْحَكُونَ) أَي: استهزاءً قَاتلهم الله.
قَوْله: (ويحيل) بِالْحَاء الْمُهْملَة لَهُ يَعْنِي: ينْسب فعل ذَلِك بَعضهم إِلَى بعض، من قَوْلك: أحلّت الْغَرِيم إِذا جعلت لَهُ أَن يتقاضى المَال من غَيْرك، وَجَاء أحَال أَيْضا بِمَعْنى: وثب، وَفِي الحَدِيث: (أَن أهل خَيْبَر أحالوا إِلَى الْحصن) أَي: وَثبُوا، وَفِي رِوَايَة مُسلم من رِوَايَة زَكَرِيَّا: (ويميل) بِالْمِيم، أَي؛ من كَثْرَة الضحك.
وَفِي كتاب الصَّلَاة، فِي بابُُ الْمَرْأَة تطرح على الْمُصَلِّي شَيْئا من الْأَذَى، وَلَفظه.
(حَتَّى مَال بَعضهم على بعض) قَوْله: (فَاطِمَة) هِيَ: بنت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أنْكحهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَليّ بن أبي طَالب بعد وقْعَة أحد وسنها يَوْمئِذٍ خمس عشرَة سنة وَخَمْسَة أشهر، رُوِيَ لَهَا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَمَانِيَة عشر حَدِيثا.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ لَهَا حَدِيث وَاحِد.
رَوَت عَنْهَا عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، توفيت بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِسِتَّة أشهر بِالْمَدِينَةِ، وَقيل: بِمِائَة يَوْم، وَقيل غير ذَلِك، وغسلها عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَصلى عَلَيْهَا ودفنت لَيْلًا، وفضائلها لَا تحصى، وَكفى لَهَا شرفاً كَونهَا بضعَة من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: (بِقُرَيْش) أَي: بِهَلَاك قُرَيْش.
فَإِن قلت: كَيفَ جَازَ الدُّعَاء على كل قُرَيْش وَبَعْضهمْ كَانُوا يَوْمئِذٍ مُسلمين كالصديق وَغَيره؟ قلت: لَا عُمُوم للفظ، وَلَئِن سلمنَا فَهُوَ مَخْصُوص بالكفار مِنْهُم، بل بِبَعْض الْكفَّار، وهم أَبُو جهل وَأَصْحَابه بِقَرِينَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (مستجابة) أَي: مجابة.
يُقَال: اسْتَجَابَ وَأجَاب بِمَعْنى وَاحِد، وَمَا كَانَ اعْتِقَادهم إِجَابَة الدعْوَة من جِهَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بل هِيَ جِهَة الْمَكَان.
قَوْله: (ثمَّ سمى) أَي: رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بتفصيل مَا أَرَادَ ذَلِك الْمُجْمل قَوْله (بِأبي جهل) واسْمه عمر بن هِشَام بن المغير كَانَت قُرَيْش تكنية أَبَا الْحَاكِم أَبَا جهل، وَلِهَذَا قَالَ الشَّاعِر:
(النَّاس كنُّوه أَبَا حكم ... واللَّه كنَّاه أَبَا جهل)

وَيُقَال: كَانَ يكنى أَبَا الْوَلِيد، وَكَانَ يعرف بِابْن الحنظلية، وَكَانَ أَحول.
وَفِي (المحير) كَانَ مأبوناً، وَيُقَال: إِنَّه أَخذ من قَول عتبَة بن ربيعَة سَيعْلَمُ مصعراً سِتَّة من انتفخ سحره وَفِي (الوشاح) لِابْنِ دُرَيْد هُوَ أول من حز رَأسه وَلما رَآهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: هَذَا فِرْعَوْن هَذِه الْأمة.
قَوْله: (وعد السَّابِع) فَاعل: عد، رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَو عبد الله بن مَسْعُود، وفاعل: فَلم نَحْفَظهُ، عبد الله، أَو عَمْرو بن مَيْمُون، قَالَه الْكرْمَانِي:.

     وَقَالَ  بَعضهم: قلت
؛ فَلَا أَدْرِي من أَيْن تهَيَّأ لَهُ الْجَزْم بذلك مَعَ أَن فِي رِوَايَة النَّوَوِيّ عِنْد مُسلم مَا يدل على أَن فَاعل: عد، عَمْرو بن مَيْمُون انْتهى.
قلت: الْكرْمَانِي لم يجْزم بذلك، بل ذكره بِالشَّكِّ، فَكيف يُنكر عَلَيْهِ بِلَا وَجه؟ وَأما السَّابِع الَّذِي لم يذكر هُنَا فَهُوَ مَذْكُور عِنْد البُخَارِيّ فِي مَوضِع آخر.
وَهُوَ: عمَارَة بن الْوَلِيد بن الْمُغيرَة، وَكَذَا ذكره البرقاني وَغَيره.
.

     وَقَالَ  صَاحب (التَّلْوِيح) وَهُوَ مُشكل، لِأَن عمَارَة هَذَا ذكر ابْن إِسْحَاق وَغَيره لَهُ قصَّة طَوِيلَة مَعَ النَّجَاشِيّ إِذْ تعرض لامْرَأَته، فامر النَّجَاشِيّ ساحراً فَنفخ فِي إحليل عمَارَة من سحره عُقُوبَة لَهُ، فتوحش وَصَارَ مَعَ الْبَهَائِم إِلَى أَن مَاتَ فِي خلَافَة عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي أَرض الْحَبَشَة.
قَالَ بَعضهم: وَالْجَوَاب أَن كَلَام ابْن مَسْعُود فِي أَنه رَآهُمْ صرعى فِي القليب مَحْمُول على الْأَكْثَر انْتهى.
قلت: الْجَواب أَخذه هَذَا الْقَائِل من الْكرْمَانِي، فَإِنَّهُ قَالَ: وَأجِيب بِأَن المُرَاد رأى أَكْثَرهم، بِدَلِيل أَن ابْن معيط لم يقتل ببدر بل حمل مِنْهَا أَسِيرًا فَقتله النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد انْصِرَافه من بدر على ثَلَاثَة أَمْيَال مِمَّا يَلِي الْمَدِينَة قلت: بِموضع يُسمى عرف الظبية وَهُوَ من الروحاء على ثَلَاثَة أَمْيَال من الْمَدِينَة.
وَقيل: إِنَّه قَالَ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أتقتلني من بَين سَائِر قُرَيْش؟ قَالَ: نعم.
ثمَّ قَالَ: بَينا أَنا بِفنَاء الْكَعْبَة وَأَنا ساجد خلف الْمقَام إِذْ أَخذ بمنكبي فلف ثَوْبه على عنقِي فخنقني خنقاً شَدِيدا، ثمَّ جَاءَ مرّة أُخْرَى بسلاً جزور بني فلَان، وَكَانَ عقبَة من الْمُسْتَهْزِئِينَ أَيْضا، وَذكر مُحَمَّد بن حبيب أَنه من زنادقة قُرَيْش، وَاسم أبي معيط: أبان بن أبي عَمْرو، وَالَّذِي دَعَا عَلَيْهِم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَبْعَة أنفس كَمَا ذكرُوا، وهم أَبُو جهل وَعتبَة بن ربيعَة وَشَيْبَة بن ربيعَة والوليد بن عتبَة وَأُميَّة بن خلف، وَعقبَة بن أبي معيط، وَعمارَة بن الْوَلِيد بن الْمُغيرَة، أما أَبُو جهل فَقتله معَاذ بن عَمْرو بن الجموح، ومعاذ بن عفراء ذكره فِي الصَّحِيح (وَمر عَلَيْهِ ابْن مَسْعُود وَهُوَ صريع، وَاحْترز رَأسه وأتى بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: هَذَا رَأس عَدو الله، وَنَقله رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَيْفه،.

     وَقَالَ  رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الْحَمد لله الَّذِي أخزاك يَا عَدو الله، هَذَا كَانَ فِرْعَوْن هَذِه الْأمة وَرَأس أَئِمَّة الْكفْر) وَفِي رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ: (فخرَّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَاجِدا) وَأما عتبَة بن ربيعَة فَقتله حَمْزَة رَضِي الله عَنهُ.
وَقيل: اشْترك حَمْزَة وَعلي رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.
فِي قَتله.
وَأما شيبَة بن ربيعَة بن عبد شمس أَخُو عتبَة بن ربيعَة فَقتله حَمْزَة أَيْضا.
وَأما الْوَلِيد بن عتبَة، بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق فَقتله عُبَيْدَة بن الْحَارِث، وَقيل: عَليّ.
وَقيل: خمزة، وَقيل: اشْتَركَا فِي قَتله.
وَأما أُميَّة بن خلف بن صَفْوَان بن أُميَّة.
فقد اخْتلف أهل السّير فِي قَتله فَذكر مُوسَى بن عقبَة قلته رجل من الْأَنْصَار من بني مَازِن،.

     وَقَالَ  ابْن إِسْحَاق إِن معَاذ بن عفراء وخارج بن زيد وحبِيب بن أساف اشْتَركُوا فِي قَتله، وَادّعى ابْن الْجَوْزِيّ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَتله، وَفِي السّير، من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، أَن بِلَال، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، خرج إِلَيْهِ وَمَعَهُ نفر من الْأَنْصَار فَقَتَلُوهُ، وَكَانَ بَينا، فَلَمَّا قتل انتفخ فالقوا عَلَيْهِ التُّرَاب حَتَّى غيبه ثمَّ جر إِلَى القليب فتقطع قبل وُصُوله إِلَيْهِ، وَكَانَ من الْمُسْتَهْزِئِينَ، وَفِيه نزل قَوْله تَعَالَى: { ويل لكل همزَة لُمزَة} (سُورَة الهُمَزة: 1) وَهُوَ الَّذِي كَانَ يعذب بِلَالًا فِي مَكَّة.
وَأما عقبَة بن أبي معيط.
فَقتله عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَقيل: عَاصِم بن ثَابت، وَالأَصَح أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَتله بعرق الظبية، كَمَا ذَكرْنَاهُ عَن قريب.
وَأما عمَارَة بن الْوَلِيد فقد ذكرنَا أمره مَعَ النَّجَاشِيّ.
وَمَات زمن عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي أَرض الْحَبَشَة.

بَيَان استنباط الْفَوَائِد وَالْأَحْكَام مِنْهَا: تَعْظِيم الدُّعَاء بِمَكَّة عِنْد الْكفَّار وَمَا أزداد عِنْد الْمُسلمين إلاَّ تَعْظِيمًا عَظِيما وَمِنْهَا: معرفَة الْكفَّار بِصدق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لخوفهم من دُعَائِهِ.
وَلَكِن لأجل شفائهم الأزلي حملهمْ الْحَسَد والعناد على ترك الانقياد لَهُ.
وَمِنْهَا: حلمه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَمَّن آداه.
فَفِي رِوَايَة الطَّيَالِسِيّ عَن شُعْبَة فِي هَذَا الحَدِيث: أَن ابْن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: لم أره دَعَا عَلَيْهِم إلاَّ يَوْمئِذٍ وأنما استحقوا الدُّعَاء حِينَئِذٍ لما أقدموا عَلَيْهِ من التهكم بِهِ حَال عِبَادَته لرَبه تَعَالَى.
وَمِنْهَا: اسْتِحْبابُُ الدُّعَاء ثَلَاثًا.
وَمِنْهَا: جَوَاز الدُّعَاء على الظَّالِم.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: مَحَله مَا إِذا كَانَ كَافِرًا، فَأَما الْمُسلم فَيُسْتَحَب الاسْتِغْفَار لَهُ وَالدُّعَاء بِالتَّوْبَةِ.
وَمِنْهَا: أَن الْمُبَاشرَة أقوى من السَّبَب وآكد، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي عقبَة: أَشْقَى الْقَوْم، مَعَ أَنه كَانَ فيهم أَبُو جهل، وَهُوَ أَشد مِنْهُ كفرا، وَلَكِن كَانَ عقبَة مباشراً على مَا مر بَيَانه.
وَمِنْهَا: أَن البُخَارِيّ اسْتدلَّ بِهِ على أَن من حدث لَهُ فِي صلَاته مَا يمْنَع انْعِقَادهَا ابْتِدَاء لَا تبطل صلَاته وَلَو تَمَادى، وَأجَاب الْخطابِيّ عَن هَذَا بِأَن أَكثر الْعلمَاء ذَهَبُوا إِلَى أَن السلا نجس.
وتأولوا معنى الحَدِيث على أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يكن تعبد إِذْ ذَاك بِتَحْرِيمِهِ، كَالْخمرِ كَانُوا يلابسون الصَّلَاة وَهِي تصيب ثِيَابهمْ وأبدانهم، قبل نزُول التَّحْرِيم، فَلَمَّا حرمت لم تجز الصَّلَاة فِيهَا، وَاعْترض عَلَيْهِ ابْن بطال.
بِأَنَّهُ لَا شكّ أَنَّهَا كَانَت بعد نزُول قَوْله تَعَالَى: { وثيابك فطهر} (سُورَة المدثر: 4) لِأَنَّهَا أول مَا نزل عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْقُرْآن قبل كل صَلَاة، ورد عَلَيْهِ بِأَن الفرت ورطوبة الْبدن طاهران، والسلا من ذَلِك.
.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: هَذَا ضَعِيف لِأَن رَوْث مَا يُؤْكَل لَحْمه لَيْسَ بطاهر، ثمَّ إِنَّه يتَضَمَّن النَّجَاسَة من حَيْثُ إِنَّه لَا يَنْفَكّ من الدَّم فِي الْعَادة، وَلِأَنَّهُ ذَبِيحَة عَبدة الْأَوْثَان فَهُوَ نجس، وَالْجَوَاب: أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يعلم مَا وضع على ظَهره فاستمر فِي سُجُوده استصحاباً للطَّهَارَة، وَمَا يدْرِي هَل كَانَت هَذِه الصَّلَاة فَرِيضَة فَتجب إِعَادَتهَا على الصَّحِيح، أَو غَيرهَا فَلَا يجب وَإِن وَجَبت الْإِعَادَة فالوقت موسع لَهَا فَلَعَلَّهُ أعَاد وَاعْترض عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَو أعَاد لنقل وَلم ينْقل.
قلت: لَا يلْزم من عدم النَّقْل عدم الْإِعَادَة فِي نفس الْأَمر.
فَإِن قلت: كَيفَ كَانَ لَا يعلم بِمَا وضع على ظَهره، فَإِن فَاطِمَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، ذهبت بِهِ قبل أَن يرفع رَأسه قلت: لَا يلْزم من إِزَالَة فَاطِمَة إِيَّاه عَن ظَهره إحساسه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بذلك، لِأَنَّهُ كَانَ إِذا دخل فِي الصَّلَاة استغرق باشتغاله بِاللَّه تَعَالَى، وَلَئِن سلمنَا إحساسه بِهِ فقد يحْتَمل أَنه لم يتَحَقَّق نَجَاسَته، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ أَن شَأْنه أعظم من أَن يمْضِي فِي صلَاته وَبِه نَجَاسَة، وَقد يُقَال: إِن الفرث وَالدَّم كَانَ دَاخل السلا، وجلدته الظَّاهِرَة طَاهِرَة، فَكَانَ كحمل القارورة المرصصة وَاعْترض عَلَيْهِ بِأَنَّهُ كَانَ ذَبِيحَة وَثني، فَجمع أَجْزَائِهَا نَجِسَة لِأَنَّهَا ميتَة.
وَأجِيب عَن ذَلِك بِأَنَّهُ كَانَ قبل التَّعَبُّد بِتَحْرِيم ذَبَائِحهم، وَاعْترض عَلَيْهِ بِأَنَّهُ يحْتَاج إِلَى تَارِيخ، وَلَا يَكْفِي فِيهِ الِاحْتِمَال.
قلت: الِاحْتِمَال الناشىء عَن دَلِيل كافٍ وَلَا شكّ أَن تماديه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي هَذِه الْحَالة قرينَة تدل على أَنه كَانَ قبل تَحْرِيم ذَبَائِحهم لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يقر على أَمر غير مَشْرُوع وَلَا يُقرر غَيره عَلَيْهِ لِأَن حَاله أجلّ من ذَلِك وَأعظم.
وَمِنْهَا: أَن أَشهب الْمَالِكِي احْتج بِهِ على أَن إِزَالَة النَّجَاسَة لَيست بواجبة.
قَالَ الْقُرْطُبِيّ: والدلائل القطعية توجب إِزَالَتهَا عَن ثوب الْمصلى وبدنه، وَالْمَكَان الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ يرد عَلَيْهِ،.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ: وَمِنْهُم من فرق بَين ابْتِدَاء الصَّلَاة بِالنَّجَاسَةِ، فَقَالَ: لَا يجوز، وَبَين طرؤها على الْمُصَلِّي فِي نفس الصَّلَاة فيطرحها عَنهُ وَتَصِح صلَاته، وَالْمَشْهُور من مَذْهَب مَالك قطع طرؤها للصَّلَاة إِذا لم يُمكن طرحها بِنَاء على أَن إِزَالَتهَا وَاجِبَة.

الأسئلة والأجوبة مِنْهَا مَا قيل: إِنَّه كم كَانَ عدد الَّذين ألقوا فِي القليب؟ وَأجِيب: بِأَن قَتَادَة رُوِيَ عَن أنس عَن أبي طَلْحَة قَالَ: لما كَانَ يَوْم بدر، وَظهر عَلَيْهِم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَمر ببضعة وَعشْرين رجلا.
وَفِي رِوَايَة: بأَرْبعَة وَعشْرين رجلا من صَنَادِيد قُرَيْش، فَألْقوا فِي طوى من أطواء بدر.
وَمِنْهَا مَا قيل: إِن إلقاءهم فِي الْبِئْر دفن لَهُم، وَالْحَرْبِيّ وَيجب دَفنه بل يتْرك فِي الصَّحرَاء، وهم كَانُوا حَربًا؟ وَأجِيب: بِأَن إلقاءهم فِي الْبِئْر كَانَ تحقيراً لَهُم وَلِئَلَّا يتَأَذَّى النَّاس برائحتهم وَلم يكن ذَلِك دفناً فَإِن قلت: فِي (سنَن) الدَّارَقُطْنِيّ.
أَن من سنَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مغازيه إِذا مر بجيفة إِنْسَان أَمر بدفنه، وَلَا يسْأَل عَنهُ مُؤمنا كَانَ أَو كَافِرًا.
قلت: إِنَّمَا كَانَ لَا يسْأَل لِأَنَّهُ كَانَ يعلم بِالْوَحْي بِأَنَّهُ إِن كَانَ مُؤمنا كَانَ مُسْتَحقّ الدّفن لكرامته، وَإِن كَانَ كَافِرًا فلئلا يتَأَذَّى النَّاس برائحته، على أَن المُرَاد بدفنه لَيْسَ دفناً شَرْعِيًّا، بل صب التُّرَاب عَلَيْهِ للمواراة.
وَمِنْهَا مَا قيل: إِن صب التُّرَاب عَلَيْهِم كَانَ يقطع رائحتهم؟ قلت: كَانَ إلقاؤهم فِي الْبِئْر أيسر عَلَيْهِم فِي ذَلِك الْوَقْت مَعَ زِيَادَة التحقير لَهُم لما ذكرنَا.
وَمِنْهَا مَا قيل: كَيفَ كَانَ وَالنَّاس يَنْتَفِعُونَ بِمَائِهَا؟ وَأجِيب: بِأَنَّهُ لم يكن فِيهِ مَاء، وَكَانَت عَادِية مهجورة، وَيُقَال: وَافق أَنه كَانَ حفرهَا رجل من بني النَّار اسْمه بدر من قُرَيْش بن مخلد بن النَّضر بن كنَانَة الَّذِي سميت قُرَيْش بِهِ على أحد الْأَقْوَال، فَكَانَ فالاً مقدما لَهُم، وَالله تَعَالَى أعل