فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب من لا يتوضأ من الشك حتى يستيقن

( بابُُ لَا يتَوَضَّأ من الشَّك حَتَّى يستيقن)
أَي هَذَا بابُُ وَهُوَ منون غير مُضَاف قَوْله لَا يتَوَضَّأ بِفَتْح أَوله على الْبناء للْفَاعِل وَكلمَة من للتَّعْلِيل أَي لأجل الشَّك كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { مِمَّا خطاياهم اغرقوا} وَقَول الشَّاعِر
( وَذَلِكَ من نبأ جَاءَنِي ... )
الشَّك فِي اللُّغَة خلاف الْيَقِين وَالْيَقِين الْعلم وَزَوَال الشَّك قَالَه الْجَوْهَرِي وَغَيره وَفِي اصْطِلَاح الْفُقَهَاء الشَّك فِيهِ مَا يَسْتَوِي فِيهِ طرف الْعلم وَالْجهل وَهُوَ الْوُقُوف بَين الشَّيْئَيْنِ بِحَيْثُ لَا يمِيل إِلَى أَحدهمَا فَإِذا قوي أَحدهمَا وترجح على الآخر وَلم يَأْخُذ بِمَا ترجح وَلم يطْرَح الآخر فَهُوَ ظن وَإِذا عقد الْقلب على أَحدهمَا وَترك الآخر فَهُوَ أكبر الظَّن وغالب الرَّأْي وَيُقَال الشَّك مَا اسْتَوَى فِيهِ طرفا الْعلم وَالْجهل فَإِذا ترجح أَحدهمَا على الآخر فالطرف الرَّاجِح ظن والطرف الْمَرْجُوح وهم قَوْله حَتَّى يستيقن أَي حَتَّى يتَيَقَّن يُقَال يقنت الْأَمر بِالْكَسْرِ يَقِينا وأيقنت واستيقنت وتيقنت كُله بِمَعْنى فَإِن قلت مَا وَجه الْمُنَاسبَة بَين الْبابَُُيْنِ قلت من حَيْثُ اشْتِمَال كل وَاحِد مِنْهُمَا على حكم من أَحْكَام الْوضُوء أما الأول فَلِأَنَّهُ فِي فضل الْوضُوء وَهُوَ حكم من أَحْكَامه وَأما الثَّانِي فَلِأَنَّهُ فِي حكم الْوضُوء الَّذِي يَقع فِيهِ الشَّك وَلَا يُؤثر فِيهِ مَا لم يحصل الْيَقِين فتناسبا من حَيْثُ أَن كلا مِنْهُمَا حكم من أَحْكَام الْوضُوء وَإِن كَانَت الْجِهَة مُخْتَلفَة

[ قــ :136 ... غــ :137 ]
- ( حَدثنَا عَليّ قَالَ حَدثنَا سُفْيَان قَالَ حَدثنَا الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب وَعَن عباد بن تَمِيم عَن عَمه أَنه شكا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الرجل الَّذِي يخيل إِلَيْهِ أَنه يجد الشَّيْء فِي الصَّلَاة فَقَالَ لَا يَنْفَتِل أَو لَا ينْصَرف حَتَّى يسمع صَوتا أَو يجد ريحًا) مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة فِي قَوْله لَا يَنْفَتِل إِلَى آخِره لِأَنَّهُ يفهم مِنْهُ ترك الْوضُوء من الشَّك حَتَّى يستيقن وَهُوَ معنى قَوْله حَتَّى يسمع صَوتا أَو يجد ريحًا.
( بَيَان رِجَاله) وهم سِتَّة الأول عَليّ بن عبد الله الْمَشْهُور بِابْن الْمَدِينِيّ وَقد مر الثَّانِي سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَقد مر غير مرّة الثَّالِث مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ كَذَلِك الرَّابِع سعيد بن الْمسيب بِفَتْح الْيَاء وَقد تقدم الْخَامِس عباد بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن تَمِيم بن زيد بن عَاصِم الْأنْصَارِيّ الْمدنِي.

     وَقَالَ  أعي يَوْم الخَنْدَق وَأَنا ابْن خمس سِنِين فَيَنْبَغِي إِذا أَن يعد فِي الصَّحَابَة.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير وَغَيره أَنه تَابِعِيّ لَا صَحَابِيّ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُور وَلَيْسَ فِي الصَّحَابَة من يُسمى عباد بن تَمِيم سواهُ على قَول من يعده صحابيا وَمِمَّنْ عده من الصَّحَابَة الذَّهَبِيّ وَوَقع فِي بعض نسخ ابْن مَاجَه رِوَايَة عباد عَن أَبِيه عَن عَمه حَدِيث الاسْتِسْقَاء وَتَبعهُ ابْن عَسَاكِر وَالصَّوَاب عَن عبد الله بن أبي بكر قَالَ سَمِعت عباد بن تَمِيم يحدث عَن أَبِيه عَن عَمه وَعباد بالضبط الْمَذْكُور يشْتَبه بعباد بِضَم الْعين وَتَخْفِيف الْبَاء وَهُوَ وَالِد قيس وَغَيره وبعباد بِكَسْر الْعين وَتَخْفِيف الْبَاء وبعياذ بِكَسْر الْعين وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف والذال الْمُعْجَمَة وبعناد بِكَسْر الْعين وَتَخْفِيف النُّون وبالدال الْمُهْملَة السَّادِس عَم عباد الْمَذْكُور وَهُوَ عبد الله بن زيد بن عَاصِم بن كَعْب بن عَمْرو بن عَوْف بن مبدول بن غنم بن مَازِن بن النجار الْأنْصَارِيّ الْمَازِني من بني مَازِن ابْن النجار الْمدنِي لَهُ ولأبويه صُحْبَة ولأخيه حبيب بن زيد الَّذِي قطعه مُسَيْلمَة عضوا عضوا فَقضى أَن عبد الله هُوَ الَّذِي شَارك وحشيا فِي قتل مُسَيْلمَة وَهُوَ رَاوِي هَذَا الحَدِيث وَحَدِيث صَلَاة الاسْتِسْقَاء أَيْضا الْآتِي فِي بابُُه إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَغَيرهمَا من الْأَحَادِيث وَوهم ابْن عُيَيْنَة فَزعم أَنه روى الْأَذَان أَيْضا وَهُوَ عَجِيب فَإِن ذَاك عبد بن زيد بن عبد ربه بن ثَعْلَبَة بن زيد الْأنْصَارِيّ فكلاهما اتفقَا فِي الِاسْم وَاسم الْأَب والقبيلة وافترقا فِي الْجد والبطن من الْقَبِيلَة فَالْأول مازني وَالثَّانِي حارثي وَكِلَاهُمَا أنصاريان خزرجيان فيدخلان فِي نوع الْمُتَّفق والمفترق وَبَين غلط ابْن عُيَيْنَة فِي ذَلِك البُخَارِيّ فِي صَحِيحه فِي بابُُ الاسْتِسْقَاء كَمَا ستعلمه هُنَاكَ إِن شَاءَ الله تَعَالَى وروى لعبد الله الْمَذْكُور فِي الحَدِيث ثَمَانِيَة وَأَرْبَعُونَ حَدِيثا اتفقَا على ثَمَانِيَة مِنْهَا وَأما عبد الله بن زيد صَاحب الْأَذَان فَلم يشْتَهر لَهُ إِلَّا حَدِيث وَاحِد وَهُوَ حَدِيث الْأَذَان حَتَّى قَالَ البُخَارِيّ فِيمَا نَقله التِّرْمِذِيّ عَنهُ لَا يعرف لَهُ غَيره لَكِن لَهُ حديثان آخرَانِ وَعبد الله رَاوِي هَذَا الحَدِيث قتل فِي ذِي الْحجَّة بِالْحرَّةِ عَن سبعين سنة وَكَانَت الْحرَّة فِي آخر سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَهُوَ أحدي.

     وَقَالَ  ابْن مَنْدَه وَأَبُو أَحْمد الْحَاكِم وَأَبُو عبد الله صَاحب الْمُسْتَدْرك أَنه بَدْرِي وَهُوَ وهم وَلَيْسَ فِي الصَّحَابَة من اسْمه عبد الله بن زيد بن عَاصِم سوى هَذَا وَفِيهِمْ أَرْبَعَة أخر اسْم كل مِنْهُم عبد الله بن زيد مِنْهُم صَاحب الْأَذَان ( بَيَان لطائف إِسْنَاده) مِنْهَا أَن فِيهِ التحديث والعنعنة.
وَمِنْهَا ان رِجَاله كلهم من رجال الْكتب السِّتَّة إِلَّا عَليّ بن الْمَدِينِيّ فَإِنَّهُ من رجال البُخَارِيّ وَأبي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ فَقَط وَمِنْهَا أَنهم كلهم مدنيون خلا ابْن الْمَدِينِيّ فَإِنَّهُ بَصرِي وخلا سُفْيَان فَإِنَّهُ مكي وَمِنْهَا أَن فِيهِ رِوَايَة الصَّحَابِيّ عَن الصَّحَابِيّ على قَول من يعد عبادا صحابيا قَوْله وَعَن عباد مَعْطُوف على قَوْله عَن سعيد بن الْمسيب لِأَن الزُّهْرِيّ رَحمَه الله يروي عَن سعيد وَعباد كليهمَا وَكِلَاهُمَا يرويان عَن عَم عباد الْمَذْكُور فَقَوله عَن عَمه يتَعَلَّق بهما فَإِن قلت وَقع فِي رِوَايَة كَرِيمَة عَن سعيد بن الْمسيب عَن عباد بِدُونِ وَاو الْعَطف قلت هُوَ غلط قطعا لِأَن سعيدا لَا رِوَايَة لَهُ عَن عباد أصلا فَتنبه لذَلِك.
( بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره) أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي بابُُ من لم ير الْوضُوء إِلَّا من المخرجين الْقبل والدبر عَن أبي الْوَلِيد عَن سُفْيَان بِهِ وَأخرجه فِي الْبيُوع عَن أبي نعيم عَن ابْن عُيَيْنَة عَن الزُّهْرِيّ بِهِ وَأخرجه مُسلم فِي الطَّهَارَة عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَزُهَيْر بن حَرْب وَعَمْرو النَّاقِد عَن سُفْيَان عَن الزُّهْرِيّ وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن قُتَيْبَة وَمُحَمّد بن أَحْمد بن أبي خلف عَن سُفْيَان وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ أَيْضا عَن قُتَيْبَة وَمُحَمّد بن مَنْصُور عَن سُفْيَان وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن مُحَمَّد بن الصَّباح عَن سُفْيَان.
( بَيَان اللُّغَات) قَوْله شكى من شَكَوْت فلَانا أشكوه شكوا وشكاية وشكية وشكاة إِذا أخْبرت عَنهُ بِسوء فعله فَهُوَ مشكو وشكى وَالِاسْم الشكوى وَالْيَاء فِي شكى منقلبة عَن وَاو وَأَصله شكو بِدَلِيل يشكو والشكوى وَيجوز أَن تكون أَصْلِيَّة غير منقلبة فِي لُغَة من قَالَ شكى يشكي قَوْله يخيل على صِيغَة الْمَجْهُول أَي يشبه ويخايل وَفُلَان يمْضِي على المخيل أَي على مَا خيلت أَي شبهت يَعْنِي على غرر من غير تعين وخيل إِلَيْهِ أَنه كَذَا على مَا لم يسم فَاعله من التخييل وَالوهم قَالَ الله تَعَالَى { يخيل إِلَيْهِ من سحرهم أَنَّهَا تسْعَى} قَوْله لَا يَنْفَتِل بِالْفَاءِ وَاللَّام من الانفتال وَهُوَ الِانْصِرَاف يُقَال فتله فَانْفَتَلَ أَي صرفه فَانْصَرف وَهُوَ قلب لفت ( بَيَان الْإِعْرَاب) قَوْله شكى جملَة فِي مَحل الرّفْع على أَنَّهَا خبر أَن وَهُوَ صِيغَة الْمَعْلُوم وَالضَّمِير فِيهِ يرجع إِلَى عبد الله بن زيد عَم عباد لِأَنَّهُ هُوَ الشاكي وَقَوله الرجل بِالنّصب مَفْعُوله وَضَبطه النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم رِوَايَة مُسلم عَن عَمه شكى إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الرجل يخيل إِلَيْهِ الحَدِيث فَقَالَ شكى بِضَم الشين وَكسر الْكَاف وَالرجل مَرْفُوع ثمَّ قَالَ وَلم يسم هُنَا الشاكي وَجَاء فِي رِوَايَة البُخَارِيّ أَنه عبد الله بن زيد الرَّاوِي قَالَ وَلَا يَنْبَغِي أَن يتَوَهَّم من هَذَا أَن شكى بِفَتْح الشين وَالْكَاف وَيجْعَل الشاكي عَمه الْمَذْكُور فَإِن هَذَا الْوَهم غلط قلت دَعْوَى الْغَلَط غلط بل يجوز الْوَجْهَانِ شكى بِصِيغَة الْمَعْلُوم والشاكي هُوَ عبد الله بن زيد وَالرجل حِينَئِذٍ بِالنّصب مَفْعُوله وشكى بِصِيغَة الْمَجْهُول والشاكي غير مَعْلُوم وَالرجل حِينَئِذٍ بِالرَّفْع على أَنه مفعول نَاب عَن الْفَاعِل.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي الرجل هُوَ فَاعل شكى وَهُوَ غلط لَا يخفى قَوْله الَّذِي يخيل إِلَيْهِ مَوْصُول مَعَ صلته صفة فِي مَحل الرّفْع أَو النصب على تَقْدِير الْوَجْهَيْنِ فِي الرجل وَفِي بعض النّسخ الرجل يخيل إِلَيْهِ بِدُونِ الَّذِي.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي وَيحْتَمل أَن يكون الَّذِي يخيل مفعول شكى قلت هَذَا الِاحْتِمَال بعيد قَوْله أَنه يجد الشَّيْء أَن مَعَ اسْمهَا وخبرها مفعول لقَوْله يخيل نَاب عَن الْفَاعِل وَقَوله يجد فِي مَحل الرّفْع لِأَنَّهُ خبر أَن وَقَوله الشَّيْء بِالنّصب لِأَنَّهُ مفعول يجد قَوْله فَقَالَ أَي رَسُول الله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَوْله لَا يَنْفَتِل قَالَ الْكرْمَانِي روى مَرْفُوعا بِأَنَّهُ نفى ومجزوما بِأَنَّهُ نهى قَوْله حَتَّى للغاية بِمَعْنى إِلَى أَن يسمع وَيسمع بِالنّصب بِتَقْدِير أَن الناصبة قَوْله أَو يجد بِالنّصب أَيْضا لِأَنَّهُ عطف على مَا قبله من الْمَنْصُوب ( بَيَان الْمعَانِي) قَوْله يجد الشَّيْء أَي خَارِجا من الدبر قَوْله أَو لَا ينْصَرف كلمة أَو للشَّكّ من الرَّاوِي قَالَ الْكرْمَانِي وَالظَّاهِر أَنه من عبد الله بن زيد قلت يجوز أَن يكون مِمَّن دونه من الروَاة وَوَقع فِي كتاب الْخطابِيّ وَلَا ينْصَرف بِحَذْف الْهمزَة وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ لَا ينْصَرف من غير شكّ قَوْله حَتَّى يسمع صَوتا أَي من الدبر قَوْله أَو يجد ريحًا أَي من الدبر أَيْضا وَكلمَة أَو للتنويع قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ هَذَا من رَسُول الله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِيمَن شكّ فِي خُرُوج ريح مِنْهُ لَا نفي الْوضُوء إِلَّا من سَماع صَوت أَو وجدان ريح وَفِي صَحِيح ابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان ومستدرك الْحَاكِم من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِذا جَاءَ أحدكُم الشَّيْطَان فَقَالَ إِنَّك أحدثت فَلْيقل كذبت إِلَّا مَا وجد ريحًا بِأَنْفِهِ أَو سمع صَوتا بأذنه وَفِي مُسْند أَحْمد من حَدِيث أبي سعيد أَيْضا أَن الشَّيْطَان ليَأْتِي أحدكُم وَهُوَ فِي صلَاته فَيَأْخُذ شَعْرَة من دبره فيمدها فَيرى أَنه أحدث فَلَا ينْصَرف حَتَّى يسمع صَوتا وَفِي إِسْنَاده عَليّ بن زيد بن جدعَان.

     وَقَالَ  ابْن خُزَيْمَة قَوْله فَلْيقل كذبت أَرَادَ فَلْيقل كذبت بضميره لَا بنطق بِلِسَانِهِ إِذْ الْمُصَلِّي غير جَائِز لَهُ أَن يَقُول كذبت نطقا قلت وَيُؤَيّد مَا قَالَه مَا رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه من حَدِيث أبي سعيد أَيْضا مَرْفُوعا إِذا جَاءَ أحدكُم الشَّيْطَان فَقَالَ إِنَّك قد أحدثت فَلْيقل فِي نَفسه كذبت وَفِي صَحِيح مُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة يرفعهُ إِذا وجد أحدكُم فِي بَطْنه شَيْئا فأشكل عَلَيْهِ أخرج مِنْهُ شَيْء أم لَا فَلَا يخْرجن من الْمَسْجِد وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ فَوجدَ ريحًا بَين النتنة وَفِي علل ابْن أبي حَاتِم فَوجدَ ريحًا من نَفسه وَفِي كتاب الطّهُور لأبي عبيد الْقَاسِم بن سَلام يجد الشَّيْء فِي مقعدته قَالَ لَا يتَوَضَّأ إِلَّا أَن يجد ريحًا يعرفهَا أَو صَوتا يسمعهُ وروى ابْن مَاجَه بِسَنَد فِيهِ ضعف عَن مُحَمَّد بن عَمْرو بن عَطاء قَالَ رَأَيْت السَّائِب بن يزِيد يشم ثَوْبه فَقلت مِم ذَلِك قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول لَا وضوء إِلَّا من ريح أَو سَماع وروى أَبُو دَاوُد من حَدِيث عَليّ بن طلق يرفعهُ إِذا نسي أحدكُم فَليَتَوَضَّأ قَالَ مهنى قَالَ أَبُو عبيد الله عَاصِم الْأَحول يخطىء فِي هَذَا الحَدِيث يَقُول عَليّ بن طلق وَإِنَّمَا هُوَ طلق بن عَليّ وأبى ذَلِك البُخَارِيّ فَقَالَ فِيمَا ذكره أَبُو عِيسَى عَنهُ فِي الْعِلَل وَذكر حَدِيث عَليّ بن طلق هَذَا بِلَفْظ جَاءَ أَعْرَابِي إِلَى النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة والسلامفقال إِنَّا نَكُون بالبادية فَيكون من أَحَدنَا الرويحة فَقَالَ إِن الله تَعَالَى لَا يستحي من الْحق إِذْ فسى أحدكُم فَليَتَوَضَّأ فَقَالَ لَا أعرف لعَلي بن طلق عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غير هَذَا الحَدِيث وَهُوَ عِنْدِي غير طلق بن عَليّ وَلَا يعرف هَذَا من حَدِيث طلق بن عَليّ وَلما ذكره التِّرْمِذِيّ فِي الْجَامِع من حَدِيث عَليّ بن طلق حسنه وَذكره ابْن حبَان فِي صَحِيحه بِلَفْظ إِذا فسى أحدكُم فِي الصَّلَاة فلينصرف ثمَّ ليتوضأ وليعد صلَاته ثمَّ قَالَ لم يقل أحد وليعد صلَاته إِلَّا جرير بن عبد الحميد.

     وَقَالَ  أَبُو عبيد فِي كتاب الطّهُور إِنَّمَا هُوَ عندنَا عَليّ بن طلق لِأَنَّهُ حَدِيثه الْمَعْرُوف وَكَانَ رجلا من بني حنيفَة وَأَحْسبهُ وَالِد طلق بن عَليّ الَّذِي سَأَلَ عَن مس الذّكر وَمِمَّنْ ذكره فِي مُسْند عَليّ بن طلق أَحْمد بن منيع فِي مُسْنده وَالنَّسَائِيّ والكجي فِي سنَنَيْهِمَا وَأَبُو الْحُسَيْن بن قَانِع فِي آخَرين.
ثمَّ اعْلَم أَن حَقِيقَة الْمَعْنى فِي قَوْله حَتَّى يسمع صَوتا أَو يجد ريحًا حَتَّى يعلم وجود أَحدهمَا وَلَا يشْتَرط السماع والشم بِالْإِجْمَاع فَإِن الْأَصَم لَا يسمع صَوتا والأخشم الَّذِي راحت حاسة شمه لَا يشم أصلا.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ لم يرد بِذكر هذَيْن النَّوْعَيْنِ من الْحَدث تخصيصهما وَقصر الحكم عَلَيْهِمَا حَتَّى لَا يحدث بِغَيْرِهِمَا وَإِنَّمَا هُوَ جَوَاب خرج على حرف الْمَسْأَلَة الَّتِي سَأَلَ عَنْهَا السَّائِل وَقد دخل فِي مَعْنَاهُ كل مَا يخرج من السَّبِيلَيْنِ وَقد يخرج مِنْهُ الرّيح وَلَا يسمع لَهَا صَوت وَلَا يجد لَهَا ريحًا فَيكون عَلَيْهِ اسْتِئْنَاف الْوضُوء إِذا تَيَقّن ذَلِك وَقد يكون بأذنه وقر فَلَا يسمع الصَّوْت أَو يكون أخشم فَلَا يجد الرّيح وَالْمعْنَى إِذا كَانَ أوسع من الِاسْم كَانَ الحكم للمعنى وَهَذَا كَمَا رُوِيَ أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ إِذا اسْتهلّ الصَّبِي ورث وَصلى عَلَيْهِ لم يرد تَخْصِيص الاستهلال الَّذِي هُوَ الصَّوْت دون غَيره من إمارات الْحَيَاة من حَرَكَة وَقبض وَبسط وَنَحْوهَا ( بَيَان استنباط الْأَحْكَام) الأول أَن هَذَا الحَدِيث أصل من أصُول الْإِسْلَام وَقَاعِدَة من قَوَاعِد الْفِقْه وَهِي أَن الْأَشْيَاء يحكم ببقائها على أُصُولهَا حَتَّى يتَيَقَّن خلاف ذَلِك وَلَا يضر الشَّك الطارىء عَلَيْهَا وَالْعُلَمَاء متفقون على هَذِه الْقَاعِدَة وَلَكنهُمْ مُخْتَلفُونَ فِي كَيْفيَّة اسْتِعْمَالهَا مِثَاله مَسْأَلَة الْبابُُ الَّتِي دلّ عَلَيْهَا الحَدِيث وَهِي أَن من تَيَقّن الطَّهَارَة وَشك فِي الْحَدث يحكم بِبَقَائِهِ على الطَّهَارَة سَوَاء حصل الشَّك فِي الصَّلَاة أَو خَارِجهَا وَهَذَا بالاجماع بَين الْفُقَهَاء إِلَّا عَن مَالك رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا أَنه يلْزمه الْوضُوء إِن كَانَ شكه خَارج الصَّلَاة وَلَا يلْزمه إِن كَانَ فِي الصَّلَاة وَالْأُخْرَى يلْزمه بِكُل حَال وحكيت الأولى عَن الْحسن الْبَصْرِيّ وَهُوَ وَجه شَاذ عِنْد الشَّافِعِيَّة ذكره الرَّافِعِيّ وَالنَّوَوِيّ فِي الرَّوْضَة وحكيت الثَّانِيَة أَيْضا وَجها للشَّافِعِيَّة وَهُوَ غَرِيب وَعَن مَالك رِوَايَة ثَالِثَة رَوَاهَا ابْن قَانِع عَنهُ أَنه لَا وضوء عَلَيْهِ كَمَا قَالَه الْجُمْهُور وحكاها ابْن بطال عَنهُ وَنقل القَاضِي ثمَّ الْقُرْطُبِيّ عَن ابْن حبيب الْمَالِكِي أَن هَذَا الشَّك فِي الرّيح دون غَيره من الْأَحْدَاث وَكَأَنَّهُ تبع ظَاهر الحَدِيث وَاعْتذر عَنهُ بعض الْمَالِكِيَّة بِأَن الرّيح لَا يتَعَلَّق بِالْمحل مِنْهُ شَيْء بِخِلَاف الْبَوْل وَالْغَائِط وَعَن بعض أَصْحَاب مَالك أَنه إِن كَانَ الشَّك فِي سَبَب حَاضر كَمَا فِي الحَدِيث طرح الشَّك وَإِن كَانَ فِي سَبَب مُتَقَدم فَلَا وَأما إِذا تَيَقّن الْحَدث وَشك فِي الطَّهَارَة فَإِنَّهُ يلْزمه الْوضُوء بِالْإِجْمَاع وعَلى هَذَا الأَصْل من شكّ فِي طَلَاق زَوجته أَو عتق عَبده أَو نَجَاسَة المَاء الطَّاهِر أَو طَهَارَة النَّجس أَو نَجَاسَة الثَّوْب أَو غَيره أَو أَنه صلى ثَلَاثًا أَو أَرْبعا أَو أَنه ركع أَو سجد أم لَا أَو نوى الصَّوْم أَو الصَّلَاة أَو الِاعْتِكَاف وَهُوَ فِي أثْنَاء هَذِه الْعِبَادَات وَمَا أشبه هَذِه الْأَمْثِلَة فَكل هَذِه الشكوك لَا تَأْثِير لَهَا وَالْأَصْل عدم الْحَادِث.
.

     وَقَالَ ت الشَّافِعِيَّة تستثنى من هَذِه الْقَاعِدَة بضع عشرَة مَسْأَلَة.
مِنْهَا من شكّ فِي خُرُوج وَقت الْجُمُعَة قبل الشُّرُوع فِيهَا قيل أَو فِيهَا وَمن شكّ فِي ترك بعض وضوء أَو صَلَاة بعد الْفَرَاغ لَا أثر لَهُ على الْأَصَح.
وَمِنْهَا عشر ذكرهن ابْن الْقَاص بتَشْديد الصَّاد الْمُهْملَة من الشَّافِعِيَّة فِي مُدَّة خف وَإِن إِمَامه مُسَافر أَو وصل وَطنه أَو نوى إِقَامَة وَمسح مُسْتَحَاضَة وثوب خفيت نَجَاسَته وَمَسْأَلَة الظبية وَبطلَان التَّيَمُّم بتوهم المَاء وَتَحْرِيم صيد جرحه فَغَاب فَوَجَدَهُ مَيتا قَالَ الْقفال لم يعْمل بِالشَّكِّ فِي شَيْء مِنْهَا لِأَن الأَصْل فِي الأولى الْغسْل وَفِي الثَّانِيَة الْإِتْمَام وَكَذَا فِي الثَّالِثَة وَالرَّابِعَة أَن أوجبناه وَالْخَامِسَة وَالسَّادِسَة اشْتِرَاط الطَّهَارَة وَلَو ظنا أَو استصحابا وَالسَّابِعَة بَقَاء النَّجَاسَة وَالثَّامِنَة لقُوَّة الظَّن والتاسعة للشَّكّ فِي شَرط التَّيَمُّم وَهُوَ عدم المَاء وَفِي الصَّيْد تَحْرِيمه إِن قُلْنَا بِهِ الثَّانِي من الْأَحْكَام مَا قالته الشَّافِعِيَّة لَا فرق فِي الشَّك بَين تَسَاوِي الِاحْتِمَالَيْنِ فِي وجوب الْحَدث وَعَدَمه وَبَين تَرْجِيح أَحدهمَا وَغَلَبَة الظَّن فِي أَنه لَا وضوء عَلَيْهِ فالشك عِنْدهم خلاف الْيَقِين وَإِن كَانَ خلاف الِاصْطِلَاح الأصولي وَقَوْلهمْ مُوَافق لقَوْل أهل اللُّغَة الشَّك خلاف الْيَقِين نعم يسْتَحبّ الْوضُوء احْتِيَاطًا فَلَو بَان حَدثهُ أَولا فَوَجْهَانِ أصَحهمَا لَا يجْزِيه هَذَا الْوضُوء لتردده فِي نِيَّته بِخِلَاف مَا إِذا تَيَقّن الْحَدث وَشك فِي الطَّهَارَة فَتَوَضَّأ ثمَّ بَان مُحدثا فَإِنَّهُ يجْزِيه قطعا لِأَن الأَصْل بَقَاء الْحَدث فَلَا يضر التَّرَدُّد مَعَه وَلَو تَيَقّن الطَّهَارَة وَالْحَدَث مَعًا وَشك فِي السَّابِق مِنْهُمَا فأوجه أَصَحهَا أَنه يَأْخُذ بضد مَا قبلهمَا إِن عرفه فَإِن لم يعرفهُ لزمَه الْوضُوء مُطلقًا الثَّالِث قَالَ الْخطابِيّ فِيهِ حجَّة لمن أوجب الْحَد على من وجدت مِنْهُ رَائِحَة الْمُسكر وَإِن لم يُشَاهد شربه وَلَا شهد عَلَيْهِ الشُّهُود وَلَا اعْترف بِهِ قلت فِيهِ نظر لِأَن الْحُدُود تدرأ بِالشُّبْهَةِ والشبهة هُنَا قَائِمَة فَافْهَم الرَّابِع فِيهِ مَشْرُوعِيَّة سُؤال الْعلمَاء عَمَّا يحدث من الوقائع وَجَوَاب السَّائِل الْخَامِس فِيهِ ترك الاستحياء فِي الْعلم وَأَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كَانَ يعلمهُمْ كل شَيْء وَأَنه يُصَلِّي بِوضُوء صلوَات مَا لم يحدث السَّادِس فِيهِ قبُول خبر الْوَاحِد السَّابِع فِيهِ أَن من كَانَ على حَال لَا ينْتَقل عَنهُ إِلَّا بِوُجُود خِلَافه الثَّامِن فِيهِ أَنهم كَانُوا يَشكونَ إِلَى النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام جَمِيع مَا ينزل بهم التَّاسِع اسْتدلَّ بِهِ بَعضهم على أَن رُؤْيَة الْمُتَيَمم المَاء فِي صلَاته لَا ينْقض طَهَارَته قلت لَا يَصح الِاسْتِدْلَال بِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ من بابُُ مَا ذَكرْنَاهُ من أَن الْمَعْنى إِذا كَانَ أوسع من الِاسْم كَانَ الحكم للمعنى لِأَنَّهُ هُوَ فِيمَا يَقع تَحت الْجِنْس الْوَاحِد وَلَا شكّ أَن الْمَقْصُود بِهِ جنس الخارجات من الْبدن فالتعدي إِلَى غير الْجِنْس الْمَقْصُود بِهِ اغتصاب الْأَحْكَام



(بابُُ التَّخْفِيف فِي الْوضُوء)
أَي هَذَا بابُُ فِي بَيَان جَوَاز التَّخْفِيف فِي الْوضُوء والمناسبة بَين الْبابَُُيْنِ من حَيْثُ اشْتِمَال كل مِنْهُمَا على حكم من أَحْكَام الْوضُوء

[ قــ :136 ... غــ :137 ]
- (حَدثنَا عَليّ بن عبد الله قَالَ حَدثنَا سُفْيَان عَن عَمْرو قَالَ أَخْبرنِي كريب عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَام حَتَّى نفخ ثمَّ صلى وَرُبمَا قَالَ اضْطجع حَتَّى نفخ ثمَّ قَامَ فصلى ثمَّ حَدثنَا بِهِ سُفْيَان مرّة بعد مرّة عَن عَمْرو عَن كريب عَن ابْن عَبَّاس قَالَ بت عِنْد خَالَتِي مَيْمُونَة لَيْلَة فَقَامَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من اللَّيْل فَلَمَّا كَانَ فِي بعض اللَّيْل قَامَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَتَوَضَّأ من شن مُعَلّق وضوء خَفِيفا يخففه عَمْرو ويقلله وَقَامَ يُصَلِّي فَتَوَضَّأت نَحوا مِمَّا تَوَضَّأ ثمَّ جِئْت فَقُمْت عَن يسَاره وَرُبمَا قَالَ سُفْيَان عَن شِمَاله فحولني فجعلني عَن يَمِينه ثمَّ صلى مَا شَاءَ الله ثمَّ اضْطجع فَنَامَ حَتَّى نفخ ثمَّ أَتَاهُ الْمُنَادِي فآذنه بِالصَّلَاةِ فَقَامَ مَعَه إِلَى الصَّلَاة فصلى وَلم يتَوَضَّأ قُلْنَا لعَمْرو إِن نَاسا يَقُولُونَ إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تنام عينه وَلَا ينَام قلبه قَالَ عَمْرو سَمِعت عبيد بن عُمَيْر يَقُول رُؤْيا الْأَنْبِيَاء وَحي ثمَّ قَرَأَ { إِنِّي أرى فِي الْمَنَام أَنِّي أذبحك} مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة فِي قَوْله وضوأ خَفِيفا.
(بَيَان رِجَاله) وهم خَمْسَة قد ذكر مِنْهُم عَليّ بن عبد الله بن الْمَدِينِيّ وسُفْيَان بن عُيَيْنَة وَعَمْرو بن دِينَار وَعبد الله بن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُم وكريب بِضَم الْكَاف وَفتح الرَّاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره يَاء مُوَحدَة ابْن أبي مُسلم القريشي الْهَاشِمِي مولى عبد الله بن عَبَّاس ويكنى أَبَا رشدين بِكَسْر الرَّاء وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة وَكسر الدَّال الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره نون روى عَن مَوْلَاهُ ابْن عَبَّاس وَغَيره وروى عَنهُ ابناه مُحَمَّد وَرشْدِين ومُوسَى بن عقبَة وَخلق مَاتَ بِالْمَدِينَةِ سنة ثَمَان وَتِسْعين وَهُوَ من أَفْرَاد الْكتب السِّتَّة (بَيَان لطائف إِسْنَاده) مِنْهَا أَن فِيهِ التحديث والإخبار بِصِيغَة الْإِفْرَاد والعنعنة.
وَمِنْهَا أَن رِجَاله كلهم من فرسَان الْكتب السِّتَّة إِلَّا عَليّ بن الْمَدِينِيّ فَإِن مُسلما وَابْن مَاجَه لم يخرجَا لَهُ.
وَمِنْهَا أَن كلهم مكيون مَا خلا عَليّ بن الْمَدِينِيّ وَابْن عَبَّاس مكي أَقَامَ بِالْمَدِينَةِ أَيْضا.
وَمِنْهَا أَن فِيهِ رِوَايَة تَابِعِيّ عَن تَابِعِيّ عَمْرو عَن كريب.
(بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره) أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الصَّلَاة عَن عَليّ بن عبد الله عَن سُفْيَان وَفِي الصَّلَاة أَيْضا عَن عقبَة عَن دَاوُد بن عبد الرَّحْمَن كِلَاهُمَا عَن سُفْيَان بِهِ وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن ابْن أبي عمر وَمُحَمّد بن حَاتِم كِلَاهُمَا عَن سُفْيَان بِهِ وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة بِهِ.

     وَقَالَ  حسن صَحِيح وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الطَّهَارَة عَن قُتَيْبَة بِهِ وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الشَّافِعِي عَن سُفْيَان بِبَعْضِه وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي كتاب الْعلم عَن آدم عَن شُعْبَة عَن الحكم عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس وَقد ذَكرْنَاهُ هُنَاكَ وَمن أخرجه أَيْضا بِهَذَا الطَّرِيق وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي مَوَاضِع من الصَّحِيح عَن عَطاء بن أبي رَبَاح وَأبي جَمْرَة وَطَاوُس وَغَيرهم عَن ابْن عَبَّاس (بَيَان اللُّغَات) قَوْله نفخ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة أَي من خيشومه وَهُوَ الْمعبر عَنهُ بالغطيط قَوْله بت بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة من بَات يبيت ويبات بيتوتة قَوْله من شن بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَتَشْديد النُّون وَهُوَ الْقرْبَة الْخلق وَكَذَلِكَ الشنة وَكَأَنَّهَا صَغِيرَة وَالْجمع أشنان وَيُقَال الشن الْقرْبَة الَّتِي قربت للبلى قَوْله فآذنه بِالْمدِّ أَي أعلمهُ من الإيذان وَهُوَ الْإِعْلَام.
(بَيَان الْإِعْرَاب) قَوْله نَام جملَة فِي مَحل الرّفْع لِأَنَّهَا خبر أَن قَوْله حَتَّى نفخ بِمَعْنى إِلَى أَن نفخ قَوْله وَرُبمَا أَصله للتقليل وَقد تسْتَعْمل للتكثير وَهَهُنَا يحْتَمل الْأَمريْنِ قَوْله ثمَّ حَدثنَا بِفَتْح الثَّاء جملَة من الْفِعْل وَالْمَفْعُول وَقَوله سُفْيَان بِالرَّفْع فَاعله قَوْله مرّة نصب على أَنه صفة لمصدر مَحْذُوف أَي تحديثا مرّة وَقَوله بعد مرّة كَلَام إضافي صفة لقَوْله مرّة قَوْله مَيْمُونَة لَا ينْصَرف للعلمية والتأنيث وَهُوَ فِي مَوضِع الْجَرّ لِأَنَّهُ عطف بَيَان عَن قَوْله خَالَتِي وَهُوَ مجرور بِالْإِضَافَة قَوْله لَيْلَة نصب على الظّرْف قَوْله فَقَامَ النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من اللَّيْل كلمة من هُنَا للابتداء وَالْمعْنَى قَامَ مبتدئا من اللَّيْل أَو التَّقْدِير قَامَ من مضى زمن من اللَّيْل هَذَا على رِوَايَة الْأَكْثَرين قَوْله فَقَامَ بِالْقَافِ من الْقيام وَأما على رِوَايَة ابْن السكن فَنَامَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من اللَّيْل بالنُّون من النّوم فَكَذَلِك للابتداء وَيجوز أَن يكون بِمَعْنى فِي كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { إِذا نُودي للصَّلَاة من يَوْم الْجُمُعَة} أَي فِي يَوْم الْجُمُعَة وَالْمعْنَى فَنَامَ فِي بعض اللَّيْل كَمَا جَاءَ فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى فَنَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى انتصف اللَّيْل أَو قبله بِقَلِيل.

     وَقَالَ  القَاضِي عِيَاض وَآخَرُونَ أَن رِوَايَة ابْن السكن هِيَ الصَّوَاب لِأَن بعده فَلَمَّا كَانَ فِي بعض اللَّيْل قَامَ فَتَوَضَّأ.

     وَقَالَ  بَعضهم لَا يَنْبَغِي الْجَزْم بخطئها لِأَن توجيهها ظَاهر وَهُوَ أَن الْفَاء فِي قَوْله فَلَمَّا تفصيلية فالجملة الثَّانِيَة وَإِن كَانَ مضمونها مَضْمُون الأولى لَكِن الْمُغَايرَة بَينهمَا بالإجمال وَالتَّفْصِيل قلت الصَّوَاب مَا استصوبه القَاضِي وتوجيه هَذَا الْقَائِل غير موجه لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَضْمُون الْجُمْلَة الأولى إِجْمَال وَلَا فِي مَضْمُون الثَّانِيَة تَفْصِيل بل مَضْمُون الْجُمْلَة الأولى إِخْبَار عَن نوم النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم فِي بعض اللَّيْل ومضمون الْجُمْلَة الثَّانِيَة إِخْبَار عَن قِيَامه صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم فِي بعض اللَّيْل فَإِن أَرَادَ هَذَا الْقَائِل إِجْمَال مَا فِي قَوْله من اللَّيْل فَكَذَلِك الْإِجْمَال مَوْجُود فِي قَوْله فِي بعض اللَّيْل فَكيف تكون الثَّانِيَة تَفْصِيلًا للأولى فَإِذا تحقق هَذَا يلْزم من رِوَايَة فَقَامَ بِالْقَافِ التّكْرَار فِي الْكَلَام من غير فَائِدَة وعَلى رِوَايَة فَنَامَ بالنُّون يسلم التَّرْكِيب من هَذَا على مَا لَا يخفى فعلى هَذَا تكون الْفَاء فِي قَوْله فَلَمَّا كَانَ للْعَطْف الْمَحْض لَا كَمَا قَالَه هَذَا الْقَائِل أَنَّهَا تفصيلية.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي قَوْله فَلَمَّا كَانَ أَي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَتَبعهُ بَعضهم فِي شَرحه على هَذَا التَّفْسِير قلت التَّرْكِيب يسمح بِهَذَا التَّفْسِير لَا يخفى ذَلِك على من لَهُ ذوق وَالْأَحْسَن أَن يُقَال التَّقْدِير فَلَمَّا كَانَ بعض اللَّيْل قَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن قلت فعلى هَذَا تكون كلمة فِي زَائِدَة وَهل جَاءَ زيادتها فِي الْكَلَام قلت نعم أجَاز ذَلِك بَعضهم حَتَّى قَالَ التَّقْدِير فِي قَوْله تَعَالَى { وَقَالَ اركبوا فِيهَا} .

     وَقَالَ  اركبوها وَيُؤَيّد مَا ذَكرْنَاهُ مَا رَوَاهُ الْكشميهني فَلَمَّا كَانَ من بعض اللَّيْل بِكَلِمَة من عوض كلمة فِي وَلَا شكّ أَن من على هَذِه الرِّوَايَة زَائِدَة وكل مِنْهُمَا يَأْتِي بِمَعْنى الآخر كَمَا ثَبت فِي مَوْضِعه ثمَّ اعْلَم أَن كَانَ هَهُنَا تَامَّة بِمَعْنى وجد وَقَوله قَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَوَاب لما وَقَوله فَتَوَضَّأ عطف عَلَيْهِ قَوْله مُعَلّق بِالْجَرِّ صفة لقَوْله شن على تَأْوِيل الشن بِالْجلدِ وَفِي رِوَايَة معلقَة بالتأنيث على مَا يَأْتِي بعد أَبْوَاب على تَأْوِيل الشن بالقربة قَوْله وضوأ نصب على المصدرية وَقَوله خَفِيفا صفته قَوْله يخففه عَمْرو جملَة من الْفِعْل وَالْمَفْعُول وَالْفَاعِل ويقلله جملَة مثلهَا عطف عَلَيْهَا فَإِن قلت مَا محلهَا من الْإِعْرَاب قلت النصب على أَنَّهُمَا صفتان لقَوْله خَفِيفا قَوْله وَقَامَ عطف على قَوْله فَتَوَضَّأ قَوْله يُصَلِّي جملَة فِي مَحل النصب على الْحَال من الضَّمِير الَّذِي فِي قَامَ قَوْله فَتَوَضَّأت عطف على قَوْله فَتَوَضَّأ قَوْله نَحوا نصب على أَنه صفة لمصدر مَحْذُوف أَي تَوَضَّأ نَحوا وَكلمَة مَا فِي قَوْله مِمَّا تَوَضَّأ يجوز أَن تكون مَوْصُولَة وَأَن تكون مَصْدَرِيَّة وَبَقِيَّة الْإِعْرَاب ظَاهِرَة (بَيَان الْمعَانِي) قَوْله وَرُبمَا قَالَ اضْطجع أَي وَرُبمَا قَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة اضْطجع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى نفخ بدل قَوْله نَام حَتَّى نفخ.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي قَالَ فِي هَذِه الرِّوَايَة بدل نَام اضْطجع وَزَاد لَفْظَة قَامَ قلت لَفْظَة قَامَ لَا بُد مِنْهَا فِي الرِّوَايَتَيْنِ وَلَا يحْتَاج إِلَى أَن يُقَال زَاد لَفْظَة قَامَ لِأَن تَقْدِير الرِّوَايَة الأولى نَام حَتَّى نفخ ثمَّ قَامَ فصلى وَتَقْدِير الثَّانِيَة اضْطجع حَتَّى نفخ ثمَّ قَامَ فصلى.

     وَقَالَ  بَعضهم أَي كَانَ سُفْيَان يَقُول تَارَة نَام وَتارَة اضْطجع وليسا مترادفين بل بَينهمَا عُمُوم وخصوص من وَجه لكنه لم يرد إِقَامَة أَحدهمَا مقَام الآخر بل كَانَ إِذا روى الحَدِيث مطولا قَالَ اضْطجع فَنَامَ وَإِذا اخْتَصَرَهُ قَالَ نَام أَي مُضْطَجعا واضطجع أَي نَائِما قلت الِاضْطِجَاع فِي اللُّغَة وضع الْجنب بِالْأَرْضِ وَلَكِن المُرَاد بِهِ هَهُنَا النّوم فَحِينَئِذٍ يكون بَين قَوْله نَام حَتَّى نفخ وَبَين قَوْله اضْطجع حَتَّى نفخ مُسَاوَاة فَكيف يَقُول هَذَا الْقَائِل وليسا مترادفين بل بَينهمَا عُمُوم وخصوص من وَجه وَقَوله لم يرد إِقَامَة أَحدهمَا مقَام الآخر غير صَحِيح لِأَنَّهُ أطلق قَوْله اضْطجع على نَام فِي قَوْله فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ اضْطجع حَتَّى نفخ لِأَن مَعْنَاهُ نَام حَتَّى نفخ قَوْله ثمَّ حَدثنَا بِهِ سُفْيَان يَعْنِي قَالَ عَليّ بن الْمَدِينِيّ ثمَّ حَدثنَا بِالْحَدِيثِ سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَأَشَارَ بِهِ إِلَى أَنه كَانَ يُحَدِّثهُمْ بِهِ تَارَة مُخْتَصرا وَتارَة مطولا قَوْله مَيْمُونَة هِيَ أم الْمُؤمنِينَ بنت الْحَارِث الْهِلَالِيَّة وَأُخْتهَا لبابَُُة بِضَم اللَّام وبالموحدتين زَوْجَة الْعَبَّاس عَم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أم عبد الله وَالْفضل وَغَيرهمَا قَوْله يخففه عَمْرو ويقلله أَي عَمْرو بن دِينَار الْمَذْكُور فِي السَّنَد وَهَذَا إدراج من سُفْيَان بن عُيَيْنَة بَين أَلْفَاظ ابْن الْعَبَّاس وَالْفرق بَين التَّخْفِيف والتقليل أَن التَّخْفِيف يُقَابل التثقيل وَهُوَ من بابُُ الكيف والتقليل يُقَابله التكثير وَهُوَ من بابُُ الْكمّ.

     وَقَالَ  ابْن بطال يُرِيد بِالتَّخْفِيفِ تَمام غسل الْأَعْضَاء دون التكثير من إمرار الْيَد عَلَيْهَا وَذَلِكَ أدنى مَا تجوز الصَّلَاة بِهِ وَإِنَّمَا خففه الْمُحدث لعلمه بِأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يتَوَضَّأ ثَلَاثًا ثَلَاثًا للفضل والمرة الْوَاحِدَة بِالْإِضَافَة إِلَى الثَّلَاث تَخْفيف.

     وَقَالَ  ابْن الْمُنِير يخففه أَي لَا يكثر الدَّلْك ويقلله أَي لَا يزِيد على مرّة مرّة ثمَّ قَالَ وَفِيه دَلِيل إِيجَاب الدَّلْك لِأَنَّهُ لَو كَانَ يُمكن اختصاره لاختصره قلت فِيهِ نظر لِأَن قَوْله يخففه يُنَافِي وجود الدَّلْك فَكيف يكون فِيهِ دَلِيل على وُجُوبه وَالْمرَاد بِالْوضُوءِ الْخَفِيف أَن يكون بَين الوضوءين وَلَيْسَ المُرَاد مِنْهُ ترك الإسباغ بل الِاكْتِفَاء بالمرة الْوَاحِدَة مَعَ الإسباغ وَقد جَاءَ فِي رِوَايَة أُخْرَى فِي الْوتر فَتَوَضَّأ فَأحْسن الْوضُوء قَوْله فَتَوَضَّأت نَحوا مِمَّا تَوَضَّأ أَرَادَ أَنه تَوَضَّأ وضُوءًا خَفِيفا مثل وضوء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي قَالَ نَحوا وَلم يقل مثلا لِأَن حَقِيقَة مِمَّا ثلته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يقدر عَلَيْهَا غَيره قلت يرد على مَا ذكره مَا ثَبت فِي هَذَا الحَدِيث على مَا يَأْتِي بعد أَبْوَاب فَقُمْت فصنعت مثل مَا صنع فَعلم من ذَلِك أَن المُرَاد من قَوْله نَحوا مثلا لِأَن الحَدِيث وَاحِد والقضية وَاحِدَة وَبَعض أَلْفَاظه يُفَسر بَعْضهَا قَوْله فَقُمْت عَن يسَاره كلمة عَن هَهُنَا على مَعْنَاهَا الْمَوْضُوع لَهَا وَهِي الْمُجَاوزَة وَالْمعْنَى قُمْت مجاوزا عَن يسَاره وَلم يذكر البصريون لَهَا معنى سوى معنى الْمُجَاوزَة وَمَعَ هَذَا يحْتَمل أَن تكون هَهُنَا لِمَعْنى الظَّرْفِيَّة كَمَا فِي قَول الشَّاعِر
(وَأسر سراة الْحَيّ حَيْثُ لقيتهم ... وَلَا تَكُ عَن حمل الرباعة وانيا)
والرباعة نُجُوم الجمالة قَوْله وَرُبمَا قَالَ سُفْيَان عَن شِمَاله هَذَا إدراج من عَليّ بن الْمَدِينِيّ وَالشمَال بِكَسْر الشين هِيَ الْجَارِحَة وَهِي خلاف الْيَمين وبفتح الشين الرّيح الَّتِي تهب من نَاحيَة القطب وَهِي خلاف الْجنُوب قَوْله فآذنه أَي أعلمهُ كَمَا ذَكرْنَاهُ وَفِي بعض النّسخ يُؤذنهُ بِلَفْظ الْمُضَارع بِدُونِ الْفَاء وَفِي بَعْضهَا فناداه بِالصَّلَاةِ قَوْله فَقَامَ مَعَه أَي قَامَ الْمُنَادِي مَعَ النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِلَى الصَّلَاة وَيجوز أَن يُقَال فَقَامَ النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مَعَ الْمُنَادِي إِلَى الصَّلَاة.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي مَعَه أَي مَعَ الْمُنَادِي أَو مَعَ الإيذان قلت قَوْله مَعَ الْمُنَادِي تَرْجِيح بِلَا مُرَجّح وَقَوله أَو مَعَ الإيذان بعيد وَإِن كَانَ لَهُ وَجه قَوْله قُلْنَا لعَمْرو أَي قَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة قُلْنَا لعَمْرو بن دِينَار قَوْله أَن رَسُول الله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام تنام عينه وَلَا ينَام قلبه حَدِيث صَحِيح وَسَيَأْتِي من وَجه آخر قَوْله عبيد بن عُمَيْر كِلَاهُمَا بِصِيغَة التصغير ابْن قَتَادَة اللَّيْثِيّ الْمَكِّيّ وَعبيد هَذَا من كبار التَّابِعين وَقيل إِنَّه رأى النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَهُوَ قاص أهل مَكَّة مَاتَ قبل ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا روى لَهُ الْجَمَاعَة وَأَبوهُ عُمَيْر بن قَتَادَة من الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم قَوْله رُؤْيا الْأَنْبِيَاء وَحي رَوَاهُ مُسلم مَرْفُوعا الرُّؤْيَا مصدر كالرجعى تخْتَص برؤيا الْمَنَام كَمَا اخْتصَّ الرَّأْي بِالْقَلْبِ والرؤية بِالْعينِ وَالِاسْتِدْلَال بِالْآيَةِ عَلَيْهِ من جِهَة أَن الرُّؤْيَا لَو لم تكن وَحيا لما جَازَ لإِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الْإِقْدَام على ذبح وَلَده لِأَنَّهُ محرم فلولا أَنه أُبِيح لَهُ فِي الرُّؤْيَا بِالْوَحْي لما ارْتكب الْحَرَام.

     وَقَالَ  الدَّاودِيّ فِي شَرحه قَول عبيد بن عُمَيْر لَا تعلق لَهُ بِهَذَا الْبابُُ قلت يُرِيد بذلك أَن التَّبْوِيب على تَخْفيف الْوضُوء فَقَط وَلَكِن ذكر هَذَا لأجل أَن مُرَاده فِيهِ هُوَ نوم الْعين دون نوم الْقلب وَلم يلْتَزم البُخَارِيّ أَن لَا يذكر من الحَدِيث إِلَّا مَا يتَعَلَّق بالترجمة فَقَط وَهَذَا لم يَشْتَرِطه أحد بَيَان استنباط الْأَحْكَام الأول فِيهِ أَن نوم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تنام عينه وَلَا ينَام قلبه قَالَ عَمْرو سَمِعت عبيد بن عُمَيْر يَقُول رَضِي الله عَنْهُم قَوْله رُؤْيا الْأَنْبِيَاء وَحي رَوَاهُ مُسلم مَرْفُوعا الرُّؤْيَا مصدر كالرجعى تخْتَص برؤيا الْمَنَام كَمَا اخْتصَّ الرَّأْي بِالْقَلْبِ والرؤية بِالْعينِ وَالِاسْتِدْلَال بِالْآيَةِ عَلَيْهِ من جِهَة أَن الرُّؤْيَا لَو لم تكن وَحيا لما جَازَ لإِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الْإِقْدَام على ذبح وَلَده لِأَنَّهُ محرم فلولا أَنه أُبِيح لَهُ فِي الرُّؤْيَا بِالْوَحْي لما ارْتكب الْحَرَام.

     وَقَالَ  الدَّاودِيّ فِي شَرحه قَول عبيد بن عُمَيْر لَا تعلق لَهُ بِهَذَا الْبابُُ قلت يُرِيد بذلك أَن التَّبْوِيب على تَخْفيف الْوضُوء فَقَط وَلَكِن ذكر هَذَا لأجل أَن مُرَاده فِيهِ هُوَ نوم الْعين دون نوم الْقلب وَلم يلْتَزم البُخَارِيّ أَن لَا يذكر من الحَدِيث إِلَّا مَا يتَعَلَّق بالترجمة فَقَط وَهَذَا لم يَشْتَرِطه أحد (بَيَان استنباط الْأَحْكَام) الأول فِيهِ أَن نوم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُضْطَجعا لَا ينْقض الْوضُوء وَكَذَا سَائِر الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام فيقظة قلبهم تمنعهم من الْحَدث وَلِهَذَا قَالَ عبيد بن عُمَيْر رُؤْيا الْأَنْبِيَاء وَحي.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ إِنَّمَا منع النّوم من قلب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليعي الْوَحْي إِذا أوحى إِلَيْهِ فِي الْمَنَام فَإِن قلت روى أَنه تَوَضَّأ بعد النّوم قلت ذَاك على اخْتِلَاف حَاله فِي النّوم فَرُبمَا كَانَ يعلم أَنه استثقل نوما فَاحْتَاجَ مِنْهُ إِلَى الْوضُوء الثَّانِي فِيهِ جَوَاز مبيت من لم يَحْتَلِم عِنْد محرمه الثَّالِث فِيهِ مبيته عِنْد الرجل مَعَ أَهله وَقد روى أَنَّهَا كَانَت حَائِضًا الرَّابِع فِيهِ تواضعه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا كَانَ عَلَيْهِ من مَكَارِم الْأَخْلَاق الْخَامِس فِيهِ صلَة الْقَرَابَة السَّادِس فِيهِ فضل ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا السَّابِع فِيهِ الِاقْتِدَاء بأفعاله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الثَّامِن فِيهِ جَوَاز الْإِمَامَة فِي النَّافِلَة وَصِحَّة الْجَمَاعَة فِيهَا التَّاسِع فِيهِ جَوَاز ائتمام وَاحِد بِوَاحِد الْعَاشِر فِيهِ جَوَاز ائتمام صبي ببالغ وَعَلِيهِ ترْجم الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه الْحَادِي عشر فِيهِ أَن موقف الْمَأْمُوم الْوَاحِد عَن يَمِين الإِمَام وَعَن سعيد بن الْمسيب أَن موقف الْوَاحِد مَعَ الإِمَام عَن يسَاره وَعَن أَحْمد إِن وقف عَن يسَاره بطلت صلَاته.

     وَقَالَ  ابْن بطال وَهُوَ رد على أبي حنيفَة فِي قَوْله أَن الإِمَام إِذا صلى مَعَ رجل وَاحِد أَنه يقوم خَلفه لَا عَن يَمِينه وَهُوَ مُخَالف لفعل الشَّارِع قلت هَذَا بَاطِل وَلَيْسَ هُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة وَابْن بطال جازف فِي كَلَامه وَقد قَالَ صَاحب الْهِدَايَة وَمن صلى مَعَ وَاحِد أَقَامَهُ عَن يَمِينه لحَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فَإِنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى بِهِ وأقامه عَن يَمِينه وَلَا يتَأَخَّر عَن الإِمَام وَإِن صلى خَلفه أَو فِي يسَاره جَازَ وَهُوَ مسيء لِأَنَّهُ خلاف السّنة هَذَا هُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة فَكيف شنع عَلَيْهِ ابْن بطال مَعَ إساءة الْأَدَب على الإِمَام الثَّانِي عشر فِيهِ أَن أقل الْوضُوء يجزىء إِذا أَسْبغ وَهُوَ مرّة مرّة الثَّالِث عشر فِيهِ تَعْلِيم الإِمَام الْمَأْمُوم الرَّابِع عشر فِيهِ التَّعْلِيم فِي الصَّلَاة إِذا كَانَ من أمرهَا الْخَامِس عشر فِيهِ إيذان الإِمَام بِالصَّلَاةِ السَّادِس عشر فِيهِ قيام الإِمَام مَعَ الْمُؤَذّن إِذا آذنه السَّابِع عشر فِيهِ الْجمع بَين النَّوَافِل وَالْفَرْض بِوضُوء وَاحِد وَلَا شكّ فِي جَوَازه الثَّامِن عشر فِيهِ أَن النّوم الْخَفِيف لَا يجب فِيهِ الْوضُوء قَالَه الدَّاودِيّ فِي شَرحه وَفِيه نظر لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اضْطجع فَنَامَ حَتَّى نفخ وَهَذَا لَا يكون فِي الْغَالِب خَفِيفا التَّاسِع عشر فِيهِ الِاضْطِجَاع على الْجنب بعد التَّهَجُّد الْعشْرُونَ مَا قيل إِن تقدم الْمَأْمُوم على إِمَامه مُبْطل لِأَن الْمَنْقُول أَن الإدارة كَانَت من خلف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا من قدامه كَمَا حَكَاهُ القَاضِي عِيَاض عَن تَفْسِير مُحَمَّد بن حَاتِم كِلَاهُمَا عَن سُفْيَان بِهِ وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة بِهِ.

     وَقَالَ  حسن صَحِيح وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الطَّهَارَة عَن قُتَيْبَة بِهِ وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الشَّافِعِي عَن سُفْيَان بِبَعْضِه وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي كتاب الْعلم عَن آدم عَن شُعْبَة عَن الحكم عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس وَقد ذَكرْنَاهُ هُنَاكَ وَمن أخرجه أَيْضا بِهَذَا الطَّرِيق وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي مَوَاضِع من الصَّحِيح عَن عَطاء بن أبي حَاتِم وَفِيه نظر لِأَنَّهُ يجوز أَن تكون إدارته من خَلفه لِئَلَّا يمر بَين يَدَيْهِ فَإِنَّهُ مَكْرُوه الْحَادِي وَالْعشْرُونَ فِيهِ قيام اللَّيْل وَكَانَ وَاجِبا عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ نسخ على الْأَصَح الثَّانِي وَالْعشْرُونَ فِيهِ الْمبيت عِنْد الْعَالم ليراقب أَفعاله فيقتدي بهَا الثَّالِث وَالْعشْرُونَ فِيهِ طلب الْعُلُوّ فِي السَّنَد فَإِنَّهُ كَانَ يَكْتَفِي بِإِخْبَار خَالَته أم الْمُؤمنِينَ رَضِي الله عَنْهَا الرَّابِع وَالْعشْرُونَ فِيهِ أَن النَّافِلَة كالفريضة فِي تَحْرِيم الْكَلَام لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يتَكَلَّم الْخَامِس وَالْعشْرُونَ فِيهِ أَن من الْأَدَب أَن يمشي الصَّغِير عَن يَمِين الْكَبِير والمفضول عَن يَمِين الْفَاضِل ذكره الْخطابِيّ السَّادِس وَالْعشْرُونَ فِيهِ جَوَاز فتل أذن الصَّغِير للتّنْبِيه على التَّعْلِيم والإرشاد وَلم يذكر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور فِي هَذِه الرِّوَايَة كَيْفيَّة التَّحْوِيل وَقد اخْتلف فِيهِ رِوَايَات الصَّحِيح فَفِي بَعْضهَا أَخذ بِرَأْسِهِ فَجعله عَن يَمِينه وَفِي بَعْضهَا فَوضع يَده الْيُمْنَى على رَأْسِي فَأخذ بأذني الْيُمْنَى ففتلها وَفِي بَعْضهَا فَوضع يَده الْيُمْنَى على رَأْسِي فَأخذ بأذني الْيُمْنَى ففتلها فِي بَعْضهَا فَأخذ برأسي من ورائي وَفِي بَعْضهَا بيَدي أَو عضدي وَالرِّوَايَة الثَّانِيَة جَامِعَة لهَذِهِ الرِّوَايَات