فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب مشاركة الذمي والمشركين في المزارعة

( بابُُ مُشَارَكَةِ الذِّمِّيِّ والْمُشْرِكِينَ فِي الْمُزَارَعَةِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم مُشَاركَة الذِّمِّيّ وَالْمُشْرِكين الْمُسلم فِي الْمُزَارعَة.
قَوْله: ( وَالْمُشْرِكين) من بابُُ عطف الْعَام على الْخَاص، على أَن المُرَاد من الْمُشْركين هم المستأمنون، فيكونون فِي معنى أهل الذِّمَّة، وَأما الْمُشرك الْحَرْبِيّ فَلَا تتَصَوَّر الشّركَة بَينه وَبَين الْمُسلم فِي دَار الْإِسْلَام، على مَا لَا يخفى، وَحكمهَا أَنَّهَا تجوز، لِأَن هَذِه الْمُشَاركَة فِي معنى الْإِجَارَة واستئجار أهل الذِّمَّة جَائِز، وَأما مُشَاركَة الذِّمِّيّ مَعَ الْمُسلم فِي غير الْمُزَارعَة فَعِنْدَ مَالك: لَا يجوز إلاَّ أَن يتَصَرَّف الذِّمِّيّ بِحَضْرَة الْمُسلم، أَو يكون الْمُسلم هُوَ الَّذِي يتَوَلَّى البيع وَالشِّرَاء، لِأَن الذِّمِّيّ قد يتجر فِي الرِّبَا وَالْخمر وَنَحْو ذَلِك مِمَّا لَا يحل للْمُسلمِ، وَأما أَخذ أَمْوَالهم فِي الْجِزْيَة فللضرورة، إِذْ لَا مَال لَهُم غَيره، وروى مَا قَالَه مَالك عَن عَطاء وَالْحسن الْبَصْرِيّ، وَبِه قَالَ اللَّيْث وَالثَّوْري وَأحمد وَإِسْحَاق وَعند أَصْحَابنَا: مُشَاركَة الْمُسلم مَعَ أهل الذِّمَّة فِي شركَة الْمُفَاوضَة لَا يجوز عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد.
خلافًا لأبي يُوسُف، وَقد عرف فِي مَوْضِعه.



[ قــ :2393 ... غــ :2499 ]
- حدَّثنا موساى بنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ حدَّثنا جُوَيْرِيَةُ بنُ أسْمَاءَ عنْ نافِعٍ عنْ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ أعْطاى رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خيْبَرَ الْيَهُودَ أنْ يَعْمَلُوها ويَزْرَعُوها ولَهُمْ شَطْرُ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا..
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من معنى الحَدِيث، وَهُوَ أَن فِيهِ مُشَاركَة الْيَهُود فِي مُزَارعَة خَيْبَر من حَيْثُ إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جعل لَهُم شطر مَا يخرج من الزِّرَاعَة من خَيْبَر، والشطر الْبَاقِي يصرف للْمُسلمين، وَهَؤُلَاء الْيَهُود كَانُوا أهل ذمَّة وأُلحق الْمُشْركُونَ بهم لأَنهم فِي حكم أهل الذِّمَّة لكَوْنهم مستأمنين، كَمَا ذكرنَا.
والْحَدِيث قد مضى فِي أَوَائِل كتاب الْمُزَارعَة فِي مَوَاضِع، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ، وَنَذْكُر بعض شَيْء من ذَلِك.

قَوْله: ( أَن يعملوها) ، أَي: يزرعوا بَيَاض أرْضهَا، وَلذَلِك سموا الْمُسَاقَاة.
وَفِيه: إِثْبَات الْمُسَاقَاة والمزارعة، وَمَالك لَا يُجِيزهُ.
قَوْله: ( وَلَهُم شطر مَا يخرج مِنْهَا) أَي: من أَرض خَيْبَر الَّتِي يزرعونها.

وَفِيه: دَلِيل على أَن رب الأَرْض وَالشَّجر إِذا بَين حِصَّة نَفسه جَازَ، وَكَانَ الْبَاقِي لِلْعَامِلِ كَمَا لَو بيَّن حِصَّة الْعَامِل،.

     وَقَالَ  بعض الْفُقَهَاء: إِذا سمى حِصَّة نَفسه لم يكن الْبَاقِي لِلْعَامِلِ حَتَّى يُسَمِّي لَهُ حِصَّته، وَاحْتج بِهِ أَحْمد: أَنه إِذا كَانَ الْبذر من عِنْد الْعَامِل جَازَ، وَذهب ابْن أبي ليلى وَأَبُو يُوسُف إِلَى أَنَّهَا جَائِزَة، سَوَاء كَانَ الْبذر من عِنْد الأكار أَو رب الأَرْض.
.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: اسْتدلَّ بِهِ من أجَاز قرض النَّصْرَانِي، وَلَا دَلِيل فِيهِ لِأَنَّهُ قد يعْمل بالربا وَنَحْوه، بِخِلَاف الْمُسلم، وَالْعَمَل فِي النّخل وَالزَّرْع لَا يخْتَلف فِيهِ عمل يَهُودِيّ من نَصْرَانِيّ، وَلَو كَانَ الْمُسلم فَاسِقًا يخْشَى أَن يعْمل بِهِ ذَلِك، كره أَيْضا كالنصراني بل أَشد،.

     وَقَالَ  الْمُهلب: وكل مَا لَا يدْخلهُ رَبًّا وَلَا ينْفَرد بِهِ الذِّمِّيّ فَلَا بَأْس بشركة الْمُسلم لَهُ فِيهِ.