فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب من ملك من العرب رقيقا، فوهب وباع وجامع وفدى وسبى الذرية


[ قــ :2430 ... غــ :2541 ]
- حدَّثنا علِيُّ بنُ الحَسَنِ قَالَ أخْبرنا عبْدُ الله قَالَ أخْبرنا ابنُ عَوْنٍ قَالَ كتَبْتُ إِلَى نافِعٍ فكتَبَ إلَيَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أغارَ على بَنِي الْمُصْطَلِقِ وهُمْ غارُّونَ وأنْعامُهُمْ تُسْقى على الماءِ فقَتَلَ مُقَاتِلَتَهُمْ وسباى ذَرَارِيَّهُمْ وأصابَ يَوْمَئِذٍ جُوَيْرِيَةَ قَالَ حدَّثني بِهِ عَبْدُ الله بنُ عُمَرَ وكانَ فِي ذالِكَ الْجَيْشِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( وسبى ذَرَارِيهمْ) وَفِي التَّرْجَمَة: وسبى الذُّرِّيَّة.

وَعلي بن الْحسن بن شَقِيق، بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَكسر الْقَاف الأولى: الْمروزِي، مَاتَ سنة خمس عشرَة وَمِائَتَيْنِ، وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك الْمروزِي، وَابْن عون، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة: هُوَ عبد الله بن عون، مر فِي الْعلم.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْمَغَازِي عَن يحيى بن يحيى وَعَن مُحَمَّد بن الْمثنى، وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْجِهَاد عَن سعيد بن مَنْصُور عَن إِسْمَاعِيل بن علية.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي السّير عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن بزيع.
قَوْله: ( قَالَ كتبت) أَي: قَالَ ابْن عون: كتبت إِلَى نَافِع فِي أَمر بني المصطلق، فَكتب.
.
إِلَى آخِره، قد ذكرنَا فِي: بابُُ إِذا اخْتلف الرَّاهِن وَالْمُرْتَهن أَن الْكِتَابَة حكمهَا حكم الِاتِّصَال لَا الِانْقِطَاع.
قَوْله: ( أغار) بالغين الْمُعْجَمَة، يُقَال: أغار على عدوه إِذا هجم عَلَيْهِ ونهبه، ومصدره الإغارة، والغارة اسْم من الإغارة.
ومادته: غين وواو وَرَاء.
قَوْله: ( بني المصطلق) ، بِضَم الْمِيم وَسُكُون الصَّاد الْمُهْملَة وَفتح الطَّاء الْمُهْملَة وَكسر اللَّام وبالقاف: وَهِي بطن من خُزَاعَة، والمصطلق هُوَ ابْن سعد بن عَمْرو بن ربيعَة ابْن حَارِثَة بن عَمْرو بن عَامر، وَيُقَال: إِن المصطلق لقب واسْمه جذيمة، بِفَتْح الْجِيم وَكسر الذَّال الْمُعْجَمَة: ابْن سعد بن عَمْرو.
وَعَمْرو هُوَ أَبُو خُزَاعَة،.

     وَقَالَ  ابْن دُرَيْد: سمي المصطلق لحسن صَوته، مفتعل من الصلق، والصلق شدَّة الصَّوْت وحدته، من قَوْله عز وَجل: { سلقوكم بألسنة حداد} ( الْأَحْزَاب: 91) .
وَيُقَال: صلق بَنو فلَان بني فلَان، إِذا وَقَعُوا بهم وقتلوهم قتلا ذريعاً، قَوْله: ( وهم غَارونَ) ، جملَة إسمية حَالية بالغين الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الرَّاء، والغارون جمع غَار، أَي: غافل أَي أَخذهم على غرَّة وبغتة.
قَوْله: ( وأنعامهم تَسْقِي) أَيْضا جملَة إسمية حَالية، والأنعام، بِفَتْح الْهمزَة جمع: نعم، قَالَ الْجَوْهَرِي: النعم وَاحِد الْأَنْعَام، وَهل المَال الراعية، وَأكْثر مَا يَقع هَذَا الإسم على الْإِبِل، قَالَ الْفراء: هُوَ ذكر لَا يؤنث، يَقُولُونَ: هَذَا نعم وَارِد وَيجمع على نعْمَان، والأنعام تذكر وتؤنث قَالَ الله تَعَالَى فِي مَوضِع: { مِمَّا فِي بطونه} ( النَّحْل: 66) .
وَفِي مَوضِع { مِمَّا فِي بطونها} وَجمع الْجمع: أناعيم.
قَوْله: ( تسقى) ، على صِيغَة الْمَجْهُول.
قَوْله: ( فَقتل مُقَاتلَتهمْ) أَي: الطَّائِفَة الْبَالِغين الَّذين هم على صدد الْقِتَال.
قَوْله: ( ذَرَارِيهمْ) ، بتَشْديد الْيَاء وتخفيفها وَهُوَ جمع ذُرِّيَّة.
قَوْله: ( يَوْمئِذٍ) ، أَي: يَوْم الإغارة على بني المصطلق.
قَوْله: ( جوَيْرِية) ، مصغر جَارِيَة.

وَمن حَدِيثهَا مَا رُوِيَ عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، قَالَت: لما قسم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، سَبَايَا بني المصطلق وَقعت جوَيْرِية بنت الْحَارِث فِي السهْم لِثَابِت بن قيس بن شماس أَو لِابْنِ عَم لَهُ، فكاتبته على نَفسهَا وَكَانَت امْرَأَة حلوة ملاحة لَا يَرَاهَا إحد إلاَّ أخذت بِنَفسِهِ، فَأَتَت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تستعينه فِي كتَابَتهَا، قَالَت: فوَاللَّه مَا هُوَ إلاَّ أَن رَأَيْتهَا على بابُُ حُجْرَتي، فكرهتها وَعرفت أَنه سيرى مِنْهَا مَا رَأَيْت، فَدخلت عَلَيْهِ فَقَالَت: يَا رَسُول الله { أَنا جوَيْرِية بنت الْحَارِث بن أبي ضرار سيد قومه، وَقد أصابني من البلايا مَا لم يخف عَلَيْك، فَوَقَعت فِي السهْم لِثَابِت بن قيس بن شماس أَو لِابْنِ عَم لَهُ، فكاتبته فجئتك استعينك على كتابتي.
قَالَ: فَهَل لَك من خير فِي ذَلِك؟ قَالَت: وَمَا هُوَ يَا رَسُول الله؟ قَالَ: أَقْْضِي كتابك وأتزوجك؟ قَالَت: نعم يَا رَسُول الله}
قد فعلت.
قَالَت: وَخرج الْخَبَر إِلَى النَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد تزوج جوَيْرِية بنت الْحَارِث، فَقَالَ النَّاس: أصها رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأرسلوا مَا بِأَيْدِيهِم.
قَالَت: فَلَقَد اعْتِقْ بتزويجه إِيَّاهَا مائَة أهل بَيت من بني المصطلق، فَمَا أعلم امْرَأَة كَانَت أعظم بركَة على قَومهَا مِنْهَا.

وروى مُوسَى بن عقبَة عَن بعض بني المصطلق: أَن أَبَاهَا طلبَهَا وافتداها ثمَّ خطبهَا مِنْهُ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَزَوجهُ إِيَّاهَا.
.

     وَقَالَ  الْوَاقِدِيّ: وَيُقَال: إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، جعل صَدَاقهَا عتق كل أَسِير من بني المصطلق، وَيُقَال: جعل صَدَاقهَا عتق أَرْبَعِينَ من بني المصطلق، وَكَانَت جوَيْرِية تَحت مسافع بن صَفْوَان المصطلقي، وَقيل: صَفْوَان بن مَالك، وَكَانَ اسْمهَا: برة، فغيرها النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فسماها جوَيْرِية، وَمَاتَتْ فِي ربيع الأول سنة سِتّ وَخمسين وَلها خمس وَسِتُّونَ سنة.

وَأما غَزْوَة بني المصطلق، فَقَالَ البُخَارِيّ: وَهِي غَزْوَة الْمُريْسِيع،.

     وَقَالَ  ابْن إِسْحَاق: وَذَلِكَ سنة سِتّ.
.

     وَقَالَ  مُوسَى بن عقبَة: سنة أَربع.
انْتهى.
.

     وَقَالَ  الصغاني: غَزْوَة الْمُريْسِيع من غزوات رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي سنة خمس من مهاجره، قَالُوا: إِن بني المصطلق من خُزَاعَة يُرِيدُونَ محاربة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَانُوا ينزلون على بئرٍ لَهُم يُقَال لَهَا: الْمُريْسِيع، بَينهَا وَبَين الْفَرْع مسيرَة يَوْم،.

     وَقَالَ  الْوَاقِدِيّ: كَانَت غَزْوَة بني المصطلق لليلتين من شعْبَان سنة خمس فِي سَبْعمِائة من أَصْحَابه،.

     وَقَالَ  ابْن هِشَام: اسْتعْمل على الْمَدِينَة أَبَا ذَر الْغِفَارِيّ، وَيُقَال: نميلَة بن عبد الله اللَّيْثِيّ، وَذكر ابْن سعد ندب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النَّاس إِلَيْهِم، فَأَسْرعُوا الْخُرُوج وقادوا الْخَيل، وَهِي ثَلَاثُونَ فرسا فِي الْمُهَاجِرين مِنْهَا عشرَة، وَفِي الْأَنْصَار عشرُون، واستخلف على الْمَدِينَة زيد بن حَارِثَة وَكَانَ مَعَه فرسَان لزار والظرب، وَيُقَال: كَانَ أَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، حَامِل راية الْمُهَاجِرين، وَسعد بن عبَادَة حَامِل راية الْأَنْصَار، فَقتلُوا مِنْهُم عشرَة وأسروا سَائِرهمْ،.

     وَقَالَ  ابْن إِسْحَاق: بلغ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَن بني المصطلق يجمعُونَ لَهُ وَقَائِدهمْ الْحَارِث بن أبي ضرار، أَبُو جوَيْرِية بنت الْحَارِث الَّتِي تزَوجهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَلَمَّا سمع بهم خرج إِلَيْهِم حَتَّى لَقِيَهُمْ على مَاء من مِيَاههمْ يُقَال لَهُ: الْمُريْسِيع، من نَاحيَة قديد إِلَى السَّاحِل، فتزاحف النَّاس فَاقْتَتلُوا، فَهزمَ الله بني المصطلق وَقتل من قتل، وَنفل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبْنَاءَهُم ونساءهم وَأَمْوَالهمْ، فأفاءهم عَلَيْهِ.
.

     وَقَالَ  ابْن سعد: وَأمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالأسارى فكتفوا، وَاسْتعْمل عَلَيْهِم بُرَيْدَة بن الخصيب، وَأمر بالغلام فَجمعت وَاسْتعْمل عَلَيْهِم شقران مَوْلَاهُ، وَجمع الذُّرِّيَّة نَاحيَة وَاسْتعْمل على سهم الْخمس وسهمان الْمُسلمين محيمة بن جُزْء الزبيدِيّ، وَكَانَت الْإِبِل ألفي بعير، والشياه خَمْسَة آلَاف، وَكَانَ السَّبي مِائَتي بنت، وَغَابَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثَمَانِيَة وَعشْرين وَقدم الْمَدِينَة هِلَال رَمَضَان،.

     وَقَالَ  ابْن إِسْحَاق: وَأُصِيب بني المصطلق نَاس، وَقتل عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، مِنْهُم رجلَيْنِ مَالِكًا وَابْنه، وَكَانَ شعار الْمُسلمين يَوْمئِذٍ: يَا مَنْصُور أمت أمت.





[ قــ :431 ... غــ :54 ]
- حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا مَال عنْ رَبِيعَةَ بنِ أبِي عَبْدِ الرَّحْمانِ عَن مُحَمَّدِ بنِ يَحْياى بنِ حَبَّانَ عنِ ابنِ مُحَيْرِيزٍ قَالَ رأيْتُ أَبَا سعِيدٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ فَسألْتُهُ فَقَالَ خرَجْنَا مَعَ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ فأصَبْنَا سبْياٍ مِنْ سَبْيِ الْعَرَبِ فاشْتَهَيْنَا النِّساءَ فاشْتَدَّتْ عَلَيْنَا العُزْبَةُ وأحْبَبْنا العَزْلَ فسَألْنا رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ مَا عَلَيْكُمْ أنْ لاَ تَفْعَلُوا مَا منْ نَسَمةٍ كائِنَةٍ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ إلأ وهْيَ كائِنَةٌ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله فِيهَا: وجامع، يَعْنِي: بعد أَن ملك من الْعَرَب سبياً وَرَبِيعَة، بِفَتْح الرَّاء: الْمَشْهُور بربيعة الرَّأْي شيخ مَالك، وَمُحَمّد بن يحيى بن حبَان، بِفَتْح الْحَاء وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة وبالنون: مر فِي الْوضُوء، وَابْن محيريز هُوَ عبد الله بن محيريز، بِضَم الْمِيم وَفتح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون التَّحْتَانِيَّة وَكسر الرَّاء وَسُكُون التَّحْتَانِيَّة أَيْضا وَفِي آخِره زَاي.
وَمر الحَدِيث فِي كتاب الْبيُوع فِي: بابُُ بيع الرَّقِيق، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي محيريز: أَن أَبَا سعيد ... إِلَى آخِره، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

قَوْله: ( الْعَزْل) ، هُوَ نزع الذّكر من الْفرج عِنْد الْإِنْزَال.
قَوْله: ( مَا عَلَيْكُم أَن لَا تَفعلُوا) يَعْنِي: لَا بَأْس عَلَيْكُم أذا تركْتُم الْعَزْل.
قَوْله: ( نسمَة) ، بِفَتْح السِّين، وَهِي: الأنسان، أَي: مَا من نفس كائنة فِي علم الله إلاَّ وَهِي كائنة فِي الْخَارِج، لَا بُد من مجيئها من الْعَدَم إِلَى الْوُجُود، أَي: مَا قدر الله أَن يكون الْبَتَّةَ.
وَفِي الحَدِيث دَلِيل على أَن الصَّحَابَة أطبقوا على وَطْء مَا وَقع فِي سُهْمَانهمْ من السَّبي، وَهَذَا لَا يكون إلاَّ بعد الِاسْتِبْرَاء بِإِجْمَاع الْعلمَاء، من وَهَذَا يدل أَن السباء يقطع الْعِصْمَة بَين الزَّوْجَيْنِ الْكَافرين.

وَاخْتلف السّلف فِي حكم وَطْء الوثنيات والمجوسيات إِذا سبين، فَأَجَازَهُ سعيد بن الْمسيب وَعَطَاء وطاووس وَمُجاهد، وَهَذَا قَول شَاذ لم يلْتَفت إِلَيْهِ أحد من الْعلمَاء، وَاتفقَ أَئِمَّة الْفَتْوَى على أَنه: لَا يجوز وَطْء الوثنيات بقوله تَعَالَى: {وَلَا تنْكِحُوا المشركات حَتَّى يُؤمن} ( الْبَقَرَة: 1) .
وَإِنَّمَا أَبَاحَ الله تَعَالَى وَطْء نسَاء أهل الْكتاب خَاصَّة.
بقوله: وَالْمُحصنَات من الَّذين أُوتُوا الْكتاب من قبلكُمْ} ( الْمَائِدَة: 5) .
وَإِنَّمَا أطبق الصَّحَابَة على وَطْء سَبَايَا الْعَرَب بعد إسلامهن، لِأَن سبي هوَازن كَانَ سنة ثَمَان، وَسبي بني المصطلق سنة سِتّ، وَسورَة الْبَقَرَة من أول مَا نزل بِالْمَدِينَةِ، فقد علمُوا قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تنْكِحُوا المشركات حَتَّى يؤمنَّ} ( الْبَقَرَة: 1) .
وتقرر عِنْدهم أَنه لَا يجوز وَطْء الوثنيات الْبَتَّةَ حَتَّى يسلمن، وروى عبد الرَّزَّاق: حَدثنَا جَعْفَر بن سُلَيْمَان حَدثنَا يُونُس ابْن عبيد أَنه سمع الْحسن يَقُول: كُنَّا نغزو مَعَ أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَإِذا أصَاب أحدهم جَارِيَة من الفىء فَأَرَادَ أَن يُصِيبهَا أمرهَا فاغتسلت ثمَّ علمهَا الْإِسْلَام وأمرها بِالصَّلَاةِ واستبرأها بِحَيْضَة، ثمَّ أَصَابَهَا.
وَعُمُوم قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تنْكِحُوا المشركات حَتَّى يُؤمن} ( الْبَقَرَة: 1) .
يَقْتَضِي تَحْرِيم وَطْء المجوسيات بِالتَّزْوِيجِ وبملك الْيَمين، وعَلى هَذَا أَئِمَّة الْفَتْوَى وَعَامة الْعلمَاء.

وَأما الْعَزْل فقد اخْتلف فِيهِ قَدِيما وإباحته أظهر فِي الحَدِيث عِنْد الشَّافِعِي، سَوَاء كَانَت حرَّة أَو أمة مَعَ الْإِذْن وبدونه، وروى مَالك عَن سعيد بن أبي وَقاص وَأبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ وَزيد بن ثَابت وَابْن عَبَّاس: أَنهم كَانُوا يعزلون، وَرُوِيَ ذَلِك أَيْضا عَن ابْن مَسْعُود وَجَابِر، وَذكر مَالك أَيْضا عَن ابْن عمر أَنه: كره الْعَزْل، وَقيل: رُوِيَ عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، الْقَوْلَانِ جَمِيعًا، وَاحْتج من كره الْعَزْل بِأَنَّهُ: الوأد الْخَفي، كَمَا رُوِيَ عَن عَائِشَة، وَاتفقَ أَئِمَّة الْفَتْوَى على جَوَاز الْعَزْل عَن الْحرَّة إِذا أَذِنت فِيهِ لزَوجهَا.

وَاخْتلفُوا فِي الْأمة الْمُزَوجَة، فَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة: الْأذن فِي ذَلِك لمولاها،.

     وَقَالَ  أَبُو يُوسُف: الْإِذْن إِلَيْهَا، وَقَالَ الشَّافِعِي: يعْزل عَنْهَا بِدُونِ إِذْنهَا وَبِدُون إِذن مَوْلَاهَا.





[ قــ :43 ... غــ :543 ]
- حدَّثنا زُهَيْرُ بنُ حَرْبٍ قَالَ حدَّثنا جَرِيرٌ عنْ عُمَارَةَ بنِ الْقَعْقَاعِ عنْ أبِي زُرْعَةَ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ لَا أزَالُ أُحِبُّ بني تَمِيم ح وحدَّثني ابنُ سَلاَمٍ قَالَ أخبرنَا جَرِيرُ بنُ عَبْدِ الحَمِيدِ عنِ الْمُغِيرَةِ عنِ الحَارِثِ عنْ أبِي زُرْعَةَ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ وعنْ عُمَارَةَ عنْ أبِي زُرْعَةَ عَن أبِي هُرَيْرَةَ قَالَ مَا زِلْتُ أُحِبُّ بَنِي تَمِيمٍ مُنْذُ ثَلاَثٍ سَمِعْتُ مِنْ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ فِيهِمْ سَمِعْتُهُ يَقولُ هُمْ أشَدُّ أُمَّتِي على الدَّجَّالِ قَالَ وجاءَتْ صَدَقَاتُهُمْ فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذهِ صَدَقَاتُ قَوْمِنا وكانَتْ سَبِيَّةٌ منْهُمْ عِنْدَ عائِشَةَ فَقَالَ أعْتِقِيها فإنَّها منْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ عليهِ السَّلامُ.

( الحَدِيث 345 طرفه فِي: 6634) .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: وَبَاعَ، وَلَكِن فِي بعض طرقه عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق معمر عَن جرير: كَانَت على عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، نسمَة من بني إِسْمَاعِيل، فَقدم سبي خولان، فَقَالَت عَائِشَة: يَا رَسُول الله! أبتاع مِنْهُم.
قَالَ: لَا، فَلَمَّا قدم سبي بني العنبر قَالَ: ابتاعي مِنْهُم فَإِنَّهُم ولد إِسْمَاعِيل، عَلَيْهِ السَّلَام.
وَوَقع عِنْد أبي عوَانَة من طَرِيق الشّعبِيّ عَن أبي هُرَيْرَة أَيْضا:.
وجىء بسبي بني العنبر.
انْتهى.
وَبَنُو العنبر بطن من بني تَمِيم،.

     وَقَالَ  الرشاطي: الْعَنْبَري فِي تَمِيم ينْسب إِلَى العنبر بن عَمْرو بن تَمِيم، وَذكر ابْن الْكَلْبِيّ: أَن العنبر هَذَا هُوَ ولد عَامر بن عَمْرو، وَفِي تَمِيم أَيْضا: العنبر بن يَرْبُوع بن حَنْظَلَة بن مَالك بن زيد مَنَاة بن تَمِيم.

وَهَذَا الحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ عَن شيخين لَهُ أَحدهمَا: عَن زُهَيْر بن حَرْب عَن جرير، بِفَتْح الْجِيم وَكسر الرَّاء الأولى: ابْن عبد الحميد عَن عمَارَة، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْمِيم: ابْن الْقَعْقَاع عَن أبي زرْعَة، بِضَم الزَّاي وَسُكُون الرَّاء وَفتح الْعين الْمُهْملَة: واسْمه هرم، وَقيل: عبد الرَّحْمَن، وَقيل: عَمْرو بن عَمْرو بن جرير بن عبد الله البَجلِيّ عَن أبي هُرَيْرَة، وَالْآخر: عَن مُحَمَّد بن سَلام عَن جرير عَن الْمُغيرَة بن مقسم عَن الْحَارِث بن يزِيد من الزِّيَادَة العكلي، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْكَاف: التَّمِيمِي الْكُوفِي، وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ إلاَّ هَذَا الحَدِيث، وَذكر فِيهِ عمَارَة مَقْرُونا بِالْحَارِثِ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْمَغَازِي عَن زُهَيْر بن حَرْب.
وَأخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن زُهَيْر بِهِ.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( مَا زلت أحب بني تَمِيم) ، هِيَ قَبيلَة كَبِيرَة فِي مُضر تنْسب إِلَى تَمِيم بن مر بن أد بن طابخة بن الياس بن مُضر.
قَوْله: ( مُنْذُ ثَلَاث) ، أَي: من حِين سَمِعت الْخِصَال الثَّلَاث، وَهِي الَّتِي أَولهَا: هُوَ قَوْله: ( هم أَشد أمتِي على الدَّجَّال) .
وَثَانِيها: هُوَ قَوْله: ( هَذِه صدقَات قَومنَا) وَثَالِثهَا: أمره، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لعَائِشَة بِعِتْق السبية الْمَذْكُورَة.
لكَونهَا من ولد إِسْمَاعِيل، عَلَيْهِ السَّلَام، وَزَاد فِيهِ أَحْمد من وَجه آخر عَن أبي زرْعَة عَن أبي هُرَيْرَة، وَمَا كَانَ قوم من الْأَحْيَاء أبْغض إِلَيّ مِنْهُم فأحببتهم.
انْتهى.
وَكَانَ ذَلِك لما كَانَ بَينهم وَبَين قومه فِي الْجَاهِلِيَّة من الْعَدَاوَة.
قَوْله: ( يَقُول فيهم) أَي: فِي بني تَمِيم.
قَوْله: ( سمعته يَقُول) ، أَي: سَمِعت النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَقُول: ( هم أَشد أمتِي على الدَّجَّال) ، وَفِي رِوَايَة مُسلم من رِوَايَة الشّعبِيّ عَن أبي هُرَيْرَة: ( هم أَشد النَّاس قتالاً فِي الْمَلَاحِم) ، وَرِوَايَة الشّعبِيّ أَعم من رِوَايَة أبي زرْعَة، على مَا لَا يخفى.
قَوْله: ( وَجَاءَت صَدَقَاتهمْ) ، أَي: صدقَات بني تَمِيم، فَقَالَ: ( هَذِه صدقَات قَومنَا) ، إِنَّمَا نسبهم إِلَيْهِ لِاجْتِمَاع نسبهم بنسبه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي إلْيَاس بن مُضر، وروى الطَّبَرَانِيّ فِي ( الْأَوْسَط) من طَرِيق الشّعبِيّ: عَن أبي هُرَيْرَة فِي هَذَا الحَدِيث: وأُتي النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بنعم من صَدَقَة بني سعد، فَلَمَّا راعه حسنها، قَالَ: ( هَذِه صَدَقَة قومِي) .
انْتهى.
وَبَنُو سعد بطن كَبِير من تَمِيم، ينتسبون إِلَى سعد بن زيد مَنَاة بن تَمِيم.
قَوْله: ( سبية مِنْهُم) ، أَي: من بني تَمِيم، وسبية على وزن: فعيلة، بِفَتْح السِّين من السَّبي أَو من السباء، فَإِن كَانَ من الأول يكون بتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَإِن كَانَ من الثَّانِي يكون بِالْهَمْزَةِ بعد الْبَاء الْمُوَحدَة، وَلم يدر اسْمهَا، وَوَقع عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق هَارُون بن مَعْرُوف عَن جرير: نسمَة، بِفَتْح النُّون وَالسِّين الْمُهْملَة: وَهِي الْإِنْسَان، وَله من رِوَايَة أبي معمر: ( وَكَانَت على عَائِشَة نسمَة من بني إِسْمَاعِيل) وَفِي رِوَايَة الشّعبِيّ عِنْد أبي عوَانَة: ( وَكَانَ على عَائِشَة مُحَرر) وبيَّن الطَّبَرَانِيّ فِي ( الْأَوْسَط) فِي رِوَايَة الشّعبِيّ: أَن المُرَاد بِالَّذِي كَانَ عَلَيْهَا أَنه كَانَ ( نذرا) .
وَلَفظه: نذرت عَائِشَة أَن تعْتق محرراً من بني إِسْمَاعِيل، وللطبراني فِي ( الْكَبِير) من حَدِيث رديح، بِضَم الرَّاء وَفتح الدَّال وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَفِي آخِره حاء مُهْملَة: ابْن ذُؤَيْب بن شعثم، بِضَم الشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَضم الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَفِي آخِره مِيم: الْعَنْبَري: أَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، قَالَت: يَا نَبِي الله { إِنِّي نذرت عتيقاً من ولد إِسْمَاعِيل.
فَقَالَ لَهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إصبري حَتَّى يَجِيء فَيْء بني العنبر غَدا، فجَاء فَيْء فَبنِي العنبر، فَقَالَ لَهَا: خذي مِنْهُم أَرْبَعَة، فَأخذت رديحاً وزبيباً وزخيا وَسمرَة، فَمسح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رؤوسهم وبرك عَلَيْهِم، ثمَّ قَالَ: يَا عَائِشَة}
هَؤُلَاءِ من بني إِسْمَاعِيل قصدا،.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَالَّذِي تعين لعتق عَائِشَة من هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة، أما رديح وَأما زخى.
قلت: قَالَ الذَّهَبِيّ فِي ( تَجْرِيد الصَّحَابَة) : رديح بن ذُؤَيْب بن شعثم التَّمِيمِي الْعَنْبَري مولى عَائِشَة روى عَنهُ ابْنه عبد الله وَهَذَا يدل على أَن الَّذِي اعتقته هُوَ رديح بِلَا ترديد، وزبيب، بِضَم الزَّاي وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره بَاء أَيْضا، وَضَبطه العسكري: بنُون فِي أَوله، و: هُوَ زنيب بن ثَعْلَبَة بن عَمْرو التَّمِيمِي الْعَنْبَري وروى عَنهُ أَبُو دَاوُد فِي كتاب الْقَضَاء: حَدثنَا أَحْمد بن عَبدة حَدثنَا عمار بن شُعَيْب بن عبيد الله بن الزَّبِيب الْعَنْبَري، قَالَ: حَدثنِي أبي، قَالَ: سَمِعت جدي الزَّبِيب يَقُول: بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَيْشًا إِلَى بني العنبر، فَأخذُوا بركبة من نَاحيَة الطَّائِف واستاقوهم إِلَى نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فركبت فسبقتهم إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقلت: السَّلَام عَلَيْك يَا رَسُول الله وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته! أَتَانَا جندك فأخذونا، وَقد كُنَّا أسلمنَا ... الحَدِيث بِطُولِهِ.
قَوْله: ( بركبة) بِضَم الرَّاء وَسُكُون الْكَاف وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة: وَهُوَ اسْم مَوضِع مَعْرُوف، وَهِي غير ركبة الَّتِي بَين مَكَّة وَالْمَدينَة.
وَأما زخي، فبضم الزَّاي وَفتح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْيَاء، ومصغر، وَضَبطه ابْن عون بالراء، وَذكره الذَّهَبِيّ فِي حرف الزَّاي،.

     وَقَالَ : زخي الْعَنْبَري، وَغلط من قَالَ: رخي بالراء.
وَسمرَة: هُوَ ابْن عَمْرو بن قرط، بِضَم الْقَاف وَسُكُون الرَّاء.
.

     وَقَالَ  الذهبيِّ سَمُرَة بن عَمْرو الْعَنْبَري، أجَاز النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَهَادَة لَهُ لزبيب الْعَنْبَري ثمَّ قَالَ سَمُرَة من بلعنبر أَعتَقته عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، قلت: قَضِيَّة الشَّهَادَة فِي حَدِيث أبي دَاوُد الَّذِي ذكرنَا مِنْهُ بعضه.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: دَلِيل على جَوَاز استرقاق الْعَرَب، وتملكهم كَسَائِر فرق الْعَجم إلاَّ أَن عِتقهم أفضل.
قَالَ ابْن بطال: وَتَمِيم كَانُوا يختارون مَا يخرجُون فِي الصَّدقَات من أفضل مَا عِنْدهم، فأعجبه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَلذَلِك قَالَ: هَذَا القَوْل على معنى الْمُبَالغَة فِي نصحهمْ لله وَلِرَسُولِهِ فِي جودة الِاخْتِيَار للصدقة.
وَفِيه: فَضِيلَة ظَاهِرَة لبني تَمِيم، وَكَانَ فيهم فِي الْجَاهِلِيَّة وَصدر الْإِسْلَام جمَاعَة من الْأَشْرَاف والرؤساء.
وَفِيه: الْإِخْبَار عَمَّا سَيَأْتِي من الْأَحْوَال الكائنة فِي آخر الزَّمَان.