فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الرجز في الحرب ورفع الصوت في حفر الخندق

( بابُُ الرَّجَزِ فِي الحَرْبِ ورَفْعِ الصَّوْتِ فِي حَفْرِ الخَنْدَقِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان مَا جَاءَ من إنْشَاء الرجز فِي الْحَرْب، وَالرجز، بِفَتْح الرَّاء وَالْجِيم وَفِي آخِره زَاي: وَهُوَ بَحر من بحور الشّعْر، وَهُوَ مَعْرُوف، وَنَوع من أَنْوَاع الشّعْر يكون كل مصراع مِنْهُ مُفردا، وَتسَمى قصائده أراجيز، واحدتها أرجوزة، فَهُوَ كَهَيئَةِ السجع إلاَّ أَنه فِي وزن الشّعْر، وَيُسمى قَائِله: راجزاً، كَمَا يُسمى قَائِل بحور الشّعْر: شَاعِرًا، وَلم يعده الْخَلِيل شعرًا.
.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير: وَالرجز لَيْسَ بِشعر عِنْد أَكْثَرهم.
قَوْله: ( وَرفع) ، مجرور عطفا على لفظ: الرجز، أَي: وَفِي بَيَان مَا جَاءَ من رفع الصَّوْت فِي حفر الخَنْدَق، وَهُوَ الَّذِي حفره الصَّحَابَة من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار يَوْم الْأَحْزَاب، وَكَانُوا ينقلون التُّرَاب على ظُهُورهمْ وينشدون الأراجيز، على مَا مر فِي كتاب الْجِهَاد فِي: بابُُ حفر الخَنْدَق، وَكَانَت عَادَة الْعَرَب بِاسْتِعْمَال الأراجيز فِي الحروب لِأَنَّهَا تزيد النشاط وتهيج الهمم.

فيهِ سَهْلٌ وأنَسٌ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

أَي: مِمَّا جَاءَ فِي هَذَا الْبابُُ، روى سهل بن سعد الْأنْصَارِيّ السَّاعِدِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَوصل البُخَارِيّ حَدِيثه فِي غَزْوَة الخَنْدَق وَفِيه:
( اللَّهُمَّ لَا عَيْش إلاَّ عَيْش الْآخِرَة)

قَوْله: ( وَأنس) ، بِالرَّفْع عطف على سهل، وَحَدِيثه مضى فِي: بابُُ حفر الخَنْدَق، وَوَصله عَن أبي معمر عَن عبد الْوَارِث عَن عبد الْعَزِيز عَن أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

وَفِيه: ( أللهم لَا خير إلاَّ خير الْآخِرَة)

وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

وفِيهِ يَزيدُ عنْ سَلَمَةَ

أَي: وَفِي الْبابُُ أَيْضا روى يزِيد من الزِّيَادَة ابْن أبي عبيد، مولى سَلمَة بن الْأَكْوَع عَن مَوْلَاهُ سَلمَة بن الْأَكْوَع، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَسَيَأْتِي فِي غَزْوَة خَيْبَر، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.



[ قــ :2899 ... غــ :3034 ]
- حدَّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حدَّثنا أبُو الأحْوَصِ قَالَ حدَّثَنَا أبُو إسْحَاقَ عنِ البَرَاءِ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ رأيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمَ الخَنْدَقَ وهْوَ يَنْقُلُ التُّرَابَ حتَّى وارَى التُّرَابَ شَعَرَ صَدْرِهِ وكانَ رَجُلاً كَثِيرَ الشَّعَرِ وهْوَ يَرْتَجِزُ بِرَجَزِ عَبْدِ الله بنِ رَوَاحَةَ.

( أللَّهُمَّ لَوْلاَ أنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا ... ولاَ تَصَدَّقْنَا ولاَ صَلَّيْنَا)

( فأنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا ... وثَبِّتِ الأقْدَامَ إنْ لاَقَيْنَا)

( إنَّ الأعْدَاءَ قَدْ بَغَوْا علَيْنَا ... إذَا أرَادُوا فِتْنَةً أبَيْنا)

يرفَعُ بِهَا صَوْتَهُ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( وَهُوَ يرتجز برجز عبد الله) ، وَفِي قَوْله: ( يرفع بهَا صَوته) وَأَبُو الْأَحْوَص سَلام بن سليم الْحَنَفِيّ، وَأَبُو إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله السبيعِي الْكُوفِي.
والْحَدِيث مضى فِي: بابُُ حفر الخَنْدَق، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن حَفْص ابْن عمر عَن شُعْبَة عَن أبي إِسْحَاق ... إِلَى آخِره.
وَفِيه: وَقد وارى التُّرَاب بَيَاض بَطْنه، وَهنا زِيَادَة، وَهِي قَوْله: وَكَانَ رجلا كثير الشّعْر.
وَفِيه أَيْضا هُنَا: وَهُوَ يرتجز برجز عبد الله، وَهُوَ عبد الله بن رَوَاحَة الْأنْصَارِيّ الْحَارِثِيّ البدري، النَّقِيب الشَّاعِر وَهنا: إِن الْأَعْدَاء، وَهُنَاكَ: إِن الأولى، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: ( وَهُوَ ينْقل) ، الْوَاو فِيهِ للْحَال، وَكَذَا الْوَاو فِي قَوْله: ( وَهُوَ يرتجز) قَوْله: ( بغوا) ، من الْبَغي، وَهُوَ الاستطالة وَالظُّلم.
قَوْله: ( أَبينَا) ، من الإباء وَهُوَ الِامْتِنَاع.
قَوْله: ( يرفع بهَا صَوته) جملَة وَقعت حَالا من قَوْله: ( وَهُوَ يرتجز) .