فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب: خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال

( بابُُ خير مَال الْمُسلم غنم يتبع بهَا شعف الْجبَال)
أَي هَذَا بابُُ فِي بَيَان أَن خير مَال الْمُسلم غنم وَهُوَ اسْم مؤنث مَوْضُوع للْجِنْس يَقع على الذُّكُور وعَلى الْإِنَاث وَعَلَيْهِمَا جَمِيعًا فَإِذا صغرتها ألحقتها الْهَاء فَقلت غنيمَة لِأَن أَسمَاء الجموع الَّتِي لَا وَاحِد لَهَا من لَفظهَا إِذا كَانَت لغير الْآدَمِيّين فالتأنيث فِيهَا لَازم قَوْله " شعف الْجبَال " بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَفتح الْعين الْمُهْملَة وبالفاء جمع شعفة وشعفة كل شَيْء أَعْلَاهُ وَيجمع على شعاف أَيْضا وَالْمرَاد بِهِ هُنَا رَأس الْجبَال

[ قــ :3149 ... غــ :3300 ]
- ( حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن أبي أويس قَالَ حَدثنِي مَالك عَن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن أبي صعصعة عَن أَبِيه عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يُوشك أَن يكون خير مَال الرجل غنم يتبع بهَا شعف الْجبَال ومواقع الْقطر يفر بِدِينِهِ من الْفِتَن) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْإِيمَان فِي بابُُ من الدّين الْفِرَار من الْفِتَن فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن مسلمة عَن مَالك إِلَى آخِره نَحوه.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي روى بِنصب خير وَرفع غنم وبرفعهما وبرفع الْخَيْر وَنصب الْغنم وَلم يذكر وَجه ذَلِك فوجهه أَن فِي الأول نصب لِأَنَّهُ خبر يكون مقدما وَرفع غنم لِأَنَّهُ اسْمه وَفِي الثَّانِي يكون تَامَّة وَفِي الثَّالِث رفع خير لِأَنَّهُ اسْم يكون وَنصب غنم لِأَنَّهُ خَبره قَوْله " ومواقع الْقطر " أَي الْمَطَر يَعْنِي الأودية والصحارى وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوْفِي هُنَاكَ


( بابُُ من تمطر فِي الْمَطَر حَتَّى يتحادر على لحيته)
أَي هَذَا بابُُ فِي بَيَان من تمطر إِلَى آخِره قَوْله " تمطر " بتَشْديد الطَّاء على وزن تفعل وَبابُُ تفعل يَأْتِي لمعان للتكلف كتشجع لِأَن مَعْنَاهُ كلف نَفسه الشجَاعَة وللاتخاذ نَحْو توسدت التُّرَاب أَي أَخَذته وسَادَة وللتجنب نَحْو تأثم أَي جَانب الْإِثْم وللعمل يَعْنِي فَيدل على أَن أصل الْفِعْل حصل مرّة بعد مرّة نَحْو تجرعته أَي شربته جرعة بعد جرعة.

     وَقَالَ  بَعضهم أليق الْمعَانِي هُنَا أَنه بِمَعْنى مُوَاصلَة الْعَمَل فِي مهلة نَحْو تفكر وَلَعَلَّه أَشَارَ إِلَى مَا أخرجه مُسلم من طَرِيق جَعْفَر بن سُلَيْمَان عَن ثَابت " عَن أنس قَالَ حسر رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثَوْبه حَتَّى أَصَابَهُ الْمَطَر ".

     وَقَالَ  لِأَنَّهُ حَدِيث عهد بربه قَالَ الْعلمَاء مَعْنَاهُ قريب الْعَهْد بتكوين ربه فَكَأَن المُصَنّف أَرَادَ أَن يبين أَن تحادر الْمَطَر على لحيته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لم يكن اتِّفَاقًا وَإِنَّمَا كَانَ قصدا فَلذَلِك ترْجم بقوله " من تمطر " أَي قصد نزُول الْمَطَر عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَو لم يكن بِاخْتِيَارِهِ لنزل عَن الْمِنْبَر أول مَا وكف السّقف لكنه تَمَادى فِي خطبَته حَتَّى كثر نُزُوله بِحَيْثُ تحادر على لحيته انْتهى ( قلت) الَّذِي ذكره أهل الصّرْف فِي مَعَاني تفعل هُوَ الَّذِي ذَكرْنَاهُ وَالَّذِي ذكره هَذَا الْقَائِل يقرب من الْمَعْنى الرَّابِع وَلَكِن لَا يدل على هَذَا شَيْء مِمَّا فِي حَدِيث الْبابُُ وَقَوله وَلَعَلَّه أَشَارَ إِلَى أَن مَا أخرجه مُسلم لَا يساعده لِأَن حَدِيث مُسلم لَا يدل على مُوَاصلَة الْعَمَل فِي مهلة وَإِنَّمَا الَّذِي يدل هُوَ أَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كشف ثَوْبه ليصيبه الْمَطَر لما ذكره من الْمَعْنى وَهَذَا لَا يدل على أَنه وَاصل ذَلِك وَتَمَادَى فِيهِ حَتَّى يُطلق عَلَيْهِ أَنه تمطر وَقصد هَذَا الْمَعْنى فِي الحَدِيث غير صَحِيح وَلَا وضع التَّرْجَمَة الْمَذْكُورَة على هَذَا الْمَعْنى وَقَوله " تحادر الْمَطَر على لحيته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لم يكن اتِّفَاقًا وَإِنَّمَا كَانَ قصدا غَيره مُسلم من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن الَّذِي تحادر على لحيته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لم يكن إِلَّا من المَاء النَّازِل من وكف السّقف وَإِن كَانَ هُوَ من الْمَطَر فِي الأَصْل وَلم يكن فِي الْمَطَر الَّذِي أصَاب ثَوْبه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي حَدِيث مُسلم حاجز بَينه وَبَين الْموضع الَّذِي وصل إِلَيْهِ وَالْآخر أَن قَوْله إِنَّمَا كَانَ قصدا دَعْوَى بِلَا برهَان وَلَيْسَ فِي الحَدِيث مَا يدل على ذَلِك واستدلاله على مَا ادَّعَاهُ بقوله لِأَنَّهُ لَو لم يكن بِاخْتِيَارِهِ لنزل عَن الْمِنْبَر إِلَى آخِره لَا يساعده لِأَن لقَائِل أَن يَقُول عدم نُزُوله من الْمِنْبَر إِنَّمَا كَانَ لِئَلَّا تَنْقَطِع الْخطْبَة

[ قــ :3150 ... غــ :3301 ]
- ( حَدثنَا مُحَمَّد بن مقَاتل قَالَ أخبرنَا عبد الله قَالَ أخبرنَا الْأَوْزَاعِيّ قَالَ حَدثنَا إِسْحَاق بن عبد الله بن أبي طَلْحَة الْأنْصَارِيّ قَالَ حَدثنِي أنس بن مَالك قَالَ أَصَابَت النَّاس سنة على عهد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَبينا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يخْطب على الْمِنْبَر يَوْم الْجُمُعَة قَامَ أَعْرَابِي فَقَالَ يَا رَسُول الله هلك المَال وجاع الْعِيَال فَادع الله لنا أَن يسقينا قَالَ فَرفع رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَدَيْهِ وَمَا فِي السَّمَاء قزعة قَالَ فثار سَحَاب أَمْثَال الْجبَال ثمَّ لم ينزل عَن منبره حَتَّى رَأَيْت الْمَطَر يتحادر على لحيته قَالَ فمطرنا يَوْمنَا ذَلِك وَفِي الْغَد وَمن بعد الْغَد وَالَّذِي يَلِيهِ إِلَى الْجُمُعَة الْأُخْرَى فَقَامَ ذَلِك الْأَعرَابِي أَو رجل غَيره فَقَالَ يَا رَسُول الله تهدم الْبناء وغرق المَاء فَادع الله لنا فَرفع رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَدَيْهِ.

     وَقَالَ  اللَّهُمَّ حوالينا وَلَا علينا.
قَالَ فَمَا جعل يُشِير بِيَدِهِ إِلَى نَاحيَة من السَّمَاء إِلَّا تفرجت حَتَّى صَارَت الْمَدِينَة فِي مثل الجوبة حَتَّى سَالَ الْوَادي وَادي قناة شهرا قَالَ فَلم يَجِيء أحد من نَاحيَة إِلَّا حدث بالجود)
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " حَتَّى رَأَيْت الْمَطَر يتحادر على لحيته " وَلكنهَا غير ظَاهِرَة لِأَن هَذَا الْكَلَام لَا يدل على التمطر الَّذِي هُوَ من التفعل الدَّال على التَّكَلُّف وَقد مر هَذَا الحَدِيث فِي كتاب الْجُمُعَة وَكتاب الاسْتِسْقَاء مطولا ومختصرا برواة مُخْتَلفَة ومتون مُتَغَايِرَة بِزِيَادَة ونقصان وَقد استقصينا الْكَلَام فِي تَفْسِيره بِجَمِيعِ مَا يتَعَلَّق بِهِ قَوْله " بالجود " بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْوَاو الْمَطَر الْكثير




[ قــ :3150 ... غــ :3301 ]
- ( حَدثنَا عبد الله بن يُوسُف قَالَ أخبرنَا مَالك عَن أبي الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ رَأس الْكفْر نَحْو الْمشرق وَالْفَخْر وَالْخُيَلَاء فِي أهل الْخَيل وَالْإِبِل والفدادين من أهل الْوَبر والسكينة فِي أهل الْغنم) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله فِي الْغنم وَأَبُو الزِّنَاد بالزاي وَالنُّون عبد الله بن ذكْوَان والأعرج عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز الْأَعْرَج والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن يحيى بن يحيى عَن مَالك قَوْله " رَأس الْكفْر نَحْو الْمشرق " وَفِي رِوَايَة الْكشميهني " قبل الْمشرق " بِكَسْر الْقَاف وَفتح الْبَاء أَي من جِهَته يُرِيد أَنه كَانَ فِي عَهده حِين قَالَ ذَلِك وَفِيه إِشَارَة إِلَى شدَّة كفر الْمَجُوس لِأَن مملكة الْفرس وَمن أطاعهم من الْعَرَب كَانَت من جِهَة الْمشرق بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَدِينَة وَكَانُوا فِي غَايَة الْقُوَّة وَالْكَثْرَة والتجبر حَتَّى أَن ملكهم مزق كتاب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - والدجال أَيْضا يَأْتِي من الْمشرق من قَرْيَة تسمى رستاباذ فِيمَا ذكره الطَّبَرِيّ وَمن شدَّة أَكثر أهل الْمشرق كفرا وطغيانا أَنهم كَانُوا يعْبدُونَ النَّار وَأَن نارهم مَا انطفأت ألف سنة وَكَانَ الَّذين يخدمونها وهم السَّدَنَة خَمْسَة وَعِشْرُونَ ألف رجل قَوْله " وَالْفَخْر " بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة مَشْهُور وَمِنْه إعجاب النَّفس قَوْله " وَالْخُيَلَاء " بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح الْيَاء آخر الْحُرُوف مُخَفّفَة وبالمد الْكبر واحتقار غَيره قَوْله " والفدادين " قَالَ الْخطابِيّ الفدادون يُفَسر على وَجْهَيْن أَن يكون جمعا للفداد وَهُوَ الشَّديد الصَّوْت من الفديد وَذَلِكَ من دأب أَصْحَاب الْإِبِل إِذا رويته بتَشْديد الدَّال من فد إِذا رفع صَوته وَالْوَجْه الآخر أَنه جمع الفدان وَهُوَ آلَة الْحَرْث وَذَلِكَ إِذا رويته بِالتَّخْفِيفِ يُرِيد أهل الْحَرْث.

     وَقَالَ  الْقَزاز الفدادون بتَشْديد الدَّال جمع فداد وَهُوَ من بلغت إبِله مِائَتَيْنِ وألفا إِلَى أَكثر.

     وَقَالَ  أَبُو عُبَيْدَة نَحوه وهم المكثرون من الْإِبِل جُفَاة وَأهل خُيَلَاء.

     وَقَالَ  أَبُو الْعَبَّاس هم الجمالون والرعيان والبقارون والحمالون.

     وَقَالَ  الْأَصْمَعِي هم الَّذين تعلو أَصْوَاتهم فِي حروثهم وَأَمْوَالهمْ ومواشيهم قَالَ والفديد الصَّوْت الشَّديد.

     وَقَالَ  أَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيّ هُوَ بِالتَّخْفِيفِ جمع فداد بِالتَّشْدِيدِ وَهُوَ عبارَة عَن الْبَقَرَة الَّتِي يحرث عَلَيْهَا وَأَهْلهَا أهل جفَاء لبعدهم حَكَاهُ أَبُو عُبَيْدَة وَأنكر عَلَيْهِ وعَلى هَذَا المُرَاد بذلك أَصْحَابهَا بِحَذْف مُضَاف.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ أما الحَدِيث فَلَيْسَ فِيهِ إِلَّا رِوَايَة التَّشْدِيد وَهُوَ الصَّحِيح على مَا قَالَه الْأَصْمَعِي وَغَيره.

     وَقَالَ  ابْن فَارس فِي الحَدِيث الْجفَاء وَالْقَسْوَة فِي الْفَدادِين قَالَ يُرِيد أَصْحَاب الحروث والمواشي قَالَ فديدهم أَصْوَاتهم وجلبتهم.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ إِنَّمَا ذمّ هَؤُلَاءِ لاشتغالهم بمعالجة مَا هم عَلَيْهِ عَن أُمُور دينهم وتلهيهم عَن أَمر الْآخِرَة وَتَكون مِنْهَا قساوة الْقلب وَنَحْوهَا قَوْله " من أهل الْوَبر " بِفَتْح الْوَاو وَالْبَاء الْمُوَحدَة هُوَ بَيَان الْفَدادِين وَالْمرَاد مِنْهُ ضد أهل الْمدر فَهُوَ كِنَايَة عَن سكان الصحارى قَالَ الْكرْمَانِي فَإِن أُرِيد الْوَجْه الأول من الْوَجْهَيْنِ يَعْنِي اللَّذين ذكرهمَا الْخطابِيّ فَهُوَ تَعْمِيم بعد تَخْصِيص وَاسْتشْكل بَعضهم ذكر الْوَبر بعد ذكر الْخَيل.

     وَقَالَ  لِأَن الْخَيل لَا وبر لَهَا وَأجِيب بِأَنَّهُ لَا إِشْكَال فِيهِ لِأَن قَوْله من أهل الْوَبر بَيَان الْفَدادِين كَمَا ذَكرْنَاهُ قَوْله " والسكينة فِي الْغنم " أَي السّكُون والطمأنينة وَالْوَقار والتواضع.

     وَقَالَ  ابْن خالويه السكينَة مصدر سكن سكينَة وَلَيْسَ فِي المصادر لَهُ شَبيه إِلَّا قَوْلهم عَلَيْهِ ضريبة أَي خراج مَعْلُوم



[ قــ :3151 ... غــ :330 ]
- ( حَدثنَا مُسَدّد قَالَ حَدثنَا يحيى عَن إِسْمَاعِيل قَالَ حَدثنِي قيس عَن عقبَة بن عَمْرو أبي مَسْعُود قَالَ أَشَارَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِيَدِهِ نَحْو الْيمن فَقَالَ الْإِيمَان يمَان هُنَا أَلا إِن الْقَسْوَة وَغلظ الْقُلُوب فِي الْفَدادِين عِنْد أصُول أَذْنَاب الْإِبِل حَيْثُ يطلع قرنا الشَّيْطَان فِي ربيعَة وَمُضر) هَذَا الحَدِيث وَمَا بعده من الْأَحَادِيث الَّتِي لَيْسَ بَينهَا وَبَين التَّرْجَمَة الْمَذْكُورَة مُطَابقَة وَلَا مُنَاسبَة وَإِنَّمَا كَانَ اللَّائِق أَن تكون هَذِه التَّرْجَمَة لحَدِيث ابْن مَسْعُود وَأبي هُرَيْرَة فَقَط لِأَن فيهمَا ذكر الْغنم والبقية كَانَ يَنْبَغِي أَن تكون فِي التَّرْجَمَة الَّتِي هِيَ بابُُ قَوْله تَعَالَى { وَبث فِيهَا من كل دَابَّة} لوُجُود الْمُطَابقَة فِيهَا قيل وَلِهَذَا سَقَطت هَذِه التَّرْجَمَة من رِوَايَة النَّسَفِيّ وَلم يذكرهَا أَيْضا الْإِسْمَاعِيلِيّ ( ذكر رجال الحَدِيث) يحيى هُوَ ابْن سعيد الْقطَّان وَإِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد وَقيس بن أبي حَازِم البَجلِيّ وَعقبَة بن عَمْرو الْأنْصَارِيّ البدري وكنيته أَبُو مَسْعُود والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الطَّلَاق عَن ابْن الْمثنى عَن يحيى وَفِي مَنَاقِب قُرَيْش عَن عَليّ بن عبد الله وَفِي الْمَغَازِي عَن عبد الله بن مُحَمَّد وَأخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن أبي بكر عَن أبي أُسَامَة وَعَن مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير وَعَن أبي كريب وَعَن يحيى بن حبيب ( ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " أَشَارَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِيَدِهِ نَحْو الْيمن " لِأَنَّهُ كَانَ بتبوك.

     وَقَالَ  هَذَا القَوْل وَأَشَارَ إِلَى نَاحيَة الْيمن وَهُوَ يُرِيد مَكَّة وَالْمَدينَة يَوْمئِذٍ بَينه وَبَين الْيمن وَقيل قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - هَذَا القَوْل وَكَانَ بِالْمَدِينَةِ لِأَن كَونهَا هُوَ الْغَالِب عَلَيْهِ وعَلى هَذَا تكون الْإِشَارَة إِلَى سِيَاق أهل الْيمن.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ أَشَارَ إِلَى الْيمن وَهُوَ يُرِيد مَكَّة وَالْمَدينَة ونسبهما إِلَى الْيمن لِكَوْنِهِمَا من ناحيته قَوْله " الْإِيمَان يمَان " إِنَّمَا قَالَ ذَلِك لِأَن الْإِيمَان بَدَأَ من مَكَّة وَهِي من تهَامَة وتهامة من أَرض الْيمن وَلِهَذَا يُقَال الْكَعْبَة اليمانية وَقيل إِنَّمَا قَالَ هَذَا القَوْل للْأَنْصَار لأَنهم يمانون وهم نصروا الْإِيمَان وَالْمُؤمنِينَ وآووهم فنسب الْإِيمَان إِلَيْهِم وَهَذَا غَرِيب وَأغْرب مِنْهُ قَول الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ أَنه إِشَارَة إِلَى أويس الْقَرنِي وَقيل سَبَب الثَّنَاء على أهل الْيمن إسراعهم إِلَى الْإِيمَان وَحسن قبولهم للبشرى حِين لم يقبلهَا بَنو تَمِيم وَفِي رِوَايَة أَتَاكُم أهل الْيمن أَلين قلوبا وأرق أَفْئِدَة يُرِيد بلين الْقُلُوب سرعَة خلوص الْإِيمَان فِي قُلُوبهم وَيُقَال الْفُؤَاد غشاء الْقلب وَالْقلب جثته وسويداؤه فَإِذا رق الغشاء أسْرع نُفُوذ الشَّيْء إِلَى مَا وَرَاءه.

     وَقَالَ  أَبُو عبيد إِنَّمَا بَدَأَ الْإِيمَان من مَكَّة لِأَنَّهَا مولده ومبعثه ثمَّ هَاجر إِلَى الْمَدِينَة وَيُقَال أَن مَكَّة من أَرض تهَامَة وتهامة من أَرض الْيمن وَلِهَذَا سمى مَكَّة وَمَا وَليهَا من أَرض الْيمن تهائم فمكة على هَذَا يَمَانِية فَإِن قلت الْإِيمَان يمَان مُبْتَدأ وَخبر فَكيف يَصح حمل الْيَمَان عَلَيْهِ قلت أَصله الْإِيمَان يماني بياء النِّسْبَة فحذفوا الْيَاء للتَّخْفِيف كَمَا قَالُوا تهامون وأشعرون وسعدون قَوْله " أَلا إِن الْقَسْوَة وَغلظ الْقُلُوب " قَالَ السُّهيْلي إنَّهُمَا لمسمى وَاحِد كَقَوْلِه " إِنَّمَا أَشْكُو بثي وحزني إِلَى الله " البث هُوَ الْحزن.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ الْقَسْوَة يُرَاد بهَا أَن تِلْكَ الْقُلُوب لَا تلين وَلَا تخشع لموعظة وغلظها عدم فهمها وَقد مضى تَفْسِير الْفَدادِين قَوْله " عِنْد أصُول أَذْنَاب الْإِبِل " أَي أَنهم يبعدون عَن الْأَنْصَار فيجهلون معالم دينهم قَالَه الدَّاودِيّ قَوْله " حَيْثُ يطلع قرنا الشَّيْطَان " أَي جانبا رَأسه.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ ضرب الْمثل بقرني الشَّيْطَان فِيمَا لَا يحمد من الْأُمُور وَالْمرَاد بذلك اخْتِصَاص الْمشرق بمزيد تسلط من الشَّيْطَان وَمن الْكفْر قَوْله " فِي ربيعَة وَمُضر " يتَعَلَّق بقوله فِي الْفَدادِين أَي المصوتين عِنْد أَذْنَاب الْإِبِل وَهُوَ فِي جِهَة الْمشرق حَيْثُ هُوَ مسكن هَاتين القبيلتين ربيعَة وَمُضر قَالَ الْكرْمَانِي يحْتَمل أَن يكون فِي ربيعَة وَمُضر بَدَلا من الْفَدادِين وَعبر عَن الْمشرق بقوله حَيْثُ يطلع قرنا الشَّيْطَان وَذَلِكَ أَن الشَّيْطَان ينْتَصب فِي محاذاة مطلع الشَّمْس حَتَّى إِذا طلعت كَانَت بَين قَرْني رَأسه أَي جانبيه فَتَقَع السَّجْدَة حِين تسْجد عَبدة الشَّمْس لَهَا



[ قــ :315 ... غــ :3303 ]
- ( حَدثنَا قُتَيْبَة قَالَ حَدثنَا اللَّيْث عَن جَعْفَر بن ربيعَة عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ إِذا سَمِعْتُمْ صياح الديكة فاسألوا الله من فَضله فَإِنَّهَا رَأَتْ ملكا وَإِذا سَمِعْتُمْ نهيق الْحمار فتعوذوا بِاللَّه من الشَّيْطَان فَإِنَّهُ رأى شَيْطَانا) جَعْفَر بن ربيعَة بن شُرَحْبِيل بن حَسَنَة الْقرشِي من أهل مصر يروي عَن عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة وَهَذَا الحَدِيث أخرجه الْأَئِمَّة الْخَمْسَة عَن شيخ وَاحِد وَهُوَ قُتَيْبَة بن سعيد فَالْبُخَارِي هُنَا عَن قُتَيْبَة عَن اللَّيْث بن سعد وَمُسلم عَنهُ فِي الدَّعْوَات وَأَبُو دَاوُد عَنهُ فِي الْأَدَب وَالتِّرْمِذِيّ عَنهُ فِي الدَّعْوَات وَالنَّسَائِيّ عَنهُ فِي التَّفْسِير وَفِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة الْكل عَن قُتَيْبَة عَن اللَّيْث قَوْله " الديكة " بِكَسْر الدَّال الْمُهْملَة وَفتح الْيَاء آخر الْحُرُوف جمع ديك وَيجمع فِي الْقلَّة على أدياك وَفِي الْكَثْرَة على ديوك وديكة وَأَرْض مداكة ومديكة كَثِيرَة الديوك.

     وَقَالَ  ابْن سَيّده الديك ذكر الدَّجَاج وَعَن الدَّاودِيّ وَقد يُسمى الديك دجَاجَة والدجاجة تقع على الذّكر وَالْأُنْثَى قَوْله " فَإِنَّهَا رَأَتْ ملكا " بِفَتْح اللَّام فَلذَلِك أَمر بِالدُّعَاءِ عِنْد صياحها لتؤمن الْمَلَائِكَة على ذَلِك وَتَسْتَغْفِر لَهُ وَتشهد لَهُ بالتضرع وَالْإِخْلَاص فيوافق الدَّعْوَات فَتَقَع الْإِجَابَة وَمِنْهَا يُؤْخَذ اسْتِحْبابُُ الدُّعَاء عِنْد حُضُور الصَّالِحين وَفِي صَحِيح ابْن حبَان " لَا تسبوا الديك فَإِنَّهُ يَدْعُو إِلَى الصَّلَاة " وَفِي رِوَايَة الْبَزَّار صرخَ ديك قريب من رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ رجل اللَّهُمَّ العنه فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " مَه كلا إِنَّه يَدْعُو إِلَى الصَّلَاة " وللديك خاصية لَيست لغيره من معرفَة الْوَقْت الليلي فَإِنَّهُ يقسط أصواته فِيهَا تقسيطا لَا يكَاد يخطأ ويوالي صياحه قبل الْفجْر وَبعده سَوَاء طَال اللَّيْل أَو قصر وَفِيه دلَالَة أَن الله تَعَالَى جعل للديك إدراكا وَكَذَلِكَ جعل للحمير وَإِن كل نوع من الْمَلَائِكَة وَالشَّيَاطِين مَوْجُود قطعا قَوْله " نهيق الْحمار " وَهُوَ صَوته الْمُنكر وَإِنَّمَا أَمر بالتعوذ عِنْده لحضور الشَّيْطَان فيخاف من شَره فيتعوذ مِنْهُ وروى أَبُو مُوسَى الْأَصْبَهَانِيّ فِي ترغيبه من حَدِيث أبي رَافع قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لَا ينهق الْحمار حَتَّى يرى شَيْطَانا أَو يمثل لَهُ شَيْطَان فَإِذا كَانَ كَذَلِك فاذكروا الله تَعَالَى وصلوا عَليّ " ( فَائِدَة) قَالَ الدَّاودِيّ يَنْبَغِي أَن يتَعَلَّم من الديك خَمْسَة أَشْيَاء حسن الصَّوْت.
وَالْقِيَام بِالسحرِ.
والسخاء.
والغيرة.
وَكَثْرَة النِّكَاح



[ قــ :3153 ... غــ :3304 ]
- ( حَدثنَا إِسْحَق قَالَ أخبرنَا روح قَالَ أخبرنَا ابْن جريج قَالَ أَخْبرنِي عَطاء سمع جَابر بن عبد الله رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذا كَانَ جنح اللَّيْل أَو أمسيتم فكفوا صِبْيَانكُمْ فَإِن الشَّيَاطِين تَنْتَشِر حِينَئِذٍ فَإِذا ذهب سَاعَة من اللَّيْل فحلوهم وَأَغْلقُوا الْأَبْوَاب واذْكُرُوا اسْم الله فَإِن الشَّيْطَان لَا يفتح بابُُا مغلقا قَالَ وَأَخْبرنِي عَمْرو بن دِينَار سمع جَابر بن عبد الله نَحْو مَا أَخْبرنِي عَطاء وَلم يذكر واذْكُرُوا اسْم الله) إِسْحَاق هَذَا هُوَ ابْن رَاهَوَيْه كَمَا عِنْد أبي نعيم.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي هُوَ إِسْحَاق بن مَنْصُور ( قلت) هُوَ ابْن مَنْصُور بن كوسج أَبُو يَعْقُوب الْمروزِي وَقد حدث كل من إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه وَإِسْحَاق بن مَنْصُور عَن روح بن عبَادَة فَيحْتَمل أَن يكون إِسْحَق هَذَا الَّذِي ذكره مُجَردا إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه أَو يكون إِسْحَق بن مَنْصُور وَالظَّاهِر أَنه إِسْحَق بن مَنْصُور لِأَن البُخَارِيّ قَالَ فِي بابُُ ذكر الْجِنّ وَتَفْسِير الْبَقَرَة والرقاق حَدثنَا إِسْحَق حَدثنَا روح وَحدث فِي الصَّلَاة فِي موضِعين وَفِي الْأَشْرِبَة فِي غير مَوضِع عَن إِسْحَاق بن مَنْصُور عَن روح وَحدث فِي تَفْسِير سُورَة الْأَحْزَاب وَسورَة ( ص) عَن إِسْحَق بن إِبْرَاهِيم عَن روح وَهُوَ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه وَابْن جريج هُوَ عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج وَعَطَاء هُوَ ابْن أبي رَبَاح والْحَدِيث قد مر عَن قريب فِي بابُُ صفة إِبْلِيس من وَجه آخر فَإِنَّهُ رَوَاهُ عَن يحيى بن جَعْفَر عَن مُحَمَّد بن عبد الله الْأنْصَارِيّ عَن ابْن جريج إِلَى آخِره وَبَين متنيهما مُغَايرَة بِزِيَادَة ونقصان وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ قَوْله " قَالَ وَأَخْبرنِي عَمْرو بن دِينَار " أَي قَالَ ابْن جريج وَأَخْبرنِي عَمْرو بن دِينَار بِهَذَا الحَدِيث عَن جَابر بن عبد الله وَلم يذكر فِيهِ واذْكُرُوا اسْم الله كَمَا ذكر عَطاء فِي رِوَايَته عَن جَابر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ



[ قــ :3154 ... غــ :3305 ]
- ( حَدثنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيل حَدثنَا وهيب عَن خَالِد عَن مُحَمَّد عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ فقدت أمة من بني إِسْرَائِيل وَلَا يدرى مَا فعلت وَإِنِّي لَا أَرَاهَا إِلَّا الفأر إِذا وضع لَهَا ألبان الْإِبِل لم تشرب وَإِذا وضع لَهَا ألبان الشَّاء شربت فَحدثت كَعْبًا فَقَالَ أَنْت سَمِعت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُوله قلت نعم قَالَ لي مرَارًا فَقلت أفأقرأ التَّوْرَاة) وهيب بِالتَّصْغِيرِ هُوَ ابْن خَالِد وخَالِد هُوَ الْحذاء وَمُحَمّد هُوَ ابْن سِيرِين وَهَؤُلَاء كلهم بصريون والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي آخر الْكتاب عَن إِسْحَق بن إِبْرَاهِيم وَمُحَمّد بن الْمثنى وَمُحَمّد بن عبد الله الْأَزْدِيّ قَوْله " فقدت أمة " أَي طَائِفَة مِنْهُم فقدوا لَا يدرى مَا وَقع لَهُم قَوْله " وَإِنِّي لَا أَرَاهَا " أَي لَا أظنها مسخها الله إِلَّا الفأر وَهُوَ جمع فَأْرَة قَوْله " إِذا وضع لَهَا إِلَى قَوْله شربت " دَلِيل على أَن الَّتِي مسخت هِيَ الفأر أَن بني إِسْرَائِيل لم يَكُونُوا يشربون ألبان الْإِبِل والفأر أَيْضا لَا يضْربهَا.

     وَقَالَ  التِّرْمِذِيّ فِي تَفْسِير سُورَة يُوسُف بِإِسْنَادِهِ قَالَ الْيَهُود لرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أخبرنَا عَمَّا حرم إِسْرَائِيل على نَفسه قَالَ اشْتَكَى عرق النِّسَاء فَلم يجد شَيْئا يلائمه إِلَّا لُحُوم الْإِبِل وَأَلْبَانهَا فَلذَلِك حرمهما قَالُوا صدقت قَوْله الشَّاء جمع شَاة قَوْله فَحدثت كَعْبًا وَهُوَ كَعْب بن ماتع بِكَسْر التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق الْمَشْهُور بكعب الْأَحْبَار قَالَ الْكرْمَانِي أسلم فِي خلَافَة الصّديق وَمَات فِي خلَافَة عُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قلت كَعْب بن ماتع الْحِمْيَرِي أَبُو إِسْحَاق من آل ذِي رعين وَيُقَال من ذِي الكلاع ثمَّ من بني ميتم وَهُوَ من مسلمة أهل الْكتاب أدْرك النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأسلم فِي خلَافَة عمر بن الْخطاب وَيُقَال فِي خلَافَة أبي بكر وَيُقَال أدْرك الْجَاهِلِيَّة وروى عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مُرْسلا.

     وَقَالَ  ابْن سعد وَكَانَ على دين يهود فَأسلم وَقدم الْمَدِينَة ثمَّ خرج إِلَى الشَّام فسكن حمص حَتَّى توفّي بهَا سنة ثِنْتَيْنِ وَثَلَاثِينَ فِي خلَافَة عُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَوْله " يَقُول " جملَة حَالية أَي يَقُول النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَوْله " قَالَ لي مرَارًا " يَعْنِي قَالَ كَعْب مرَارًا أَنْت سَمِعت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَوْله " قلت " الْقَائِل هُوَ أَبُو هُرَيْرَة أفأقرأ التَّوْرَاة الْهمزَة للاستفهام على سَبِيل الْإِنْكَار وَفِيه تَعْرِيض لكعب الْأَحْبَار بِأَنَّهُ كَانَ على دين الْيَهُود قبل الْإِسْلَام وَالْحَاصِل أَن أَبَا هُرَيْرَة قَالَ أَنا أَقرَأ التَّوْرَاة حَتَّى أنقل مِنْهَا وَلَا أَقُول إِلَّا من السماع عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِي سكُوت كَعْب عَن الرَّد على أبي هُرَيْرَة دَلِيل على تورعه وروى مُسلم فَقَالَ حَدثنِي أَبُو كريب مُحَمَّد بن الْعَلَاء قَالَ حَدثنَا أَبُو أُسَامَة عَن هِشَام عَن مُحَمَّد عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ الْفَأْرَة مسخ وَآيَة ذَلِك أَنه يوضع بَين يَديهَا لبن الْغنم فتشربه وَيُوضَع بَين يَديهَا لبن الْإِبِل فَلَا تذوقه قَالَ لَهُ كَعْب أسمعت هَذَا من رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ أفأنزلت على التَّوْرَاة انْتهى فَدلَّ هَذَا صَرِيحًا على أَن الْفَأْرَة مسخ وَلم يكن قبل ذَلِك وَكَذَا كل حَيَوَان قيل فِيهِ أَنه مسخ وَأَن مَا كَانَ مِنْهَا بعد المسخ توالد مِنْهَا فَإِن قلت جَاءَ فِي حَدِيث أبي سعيد قَالَ وَذكر عِنْد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - القردة والخنازير فَقَالَ إِن الله تَعَالَى لم يَجْعَل لمسخ نَسْلًا وَلَا عقبا وَقد كَانَت القردة والخنازير قبل ذَلِك قلت أَبُو هُرَيْرَة وَكَعب لم يبلغهما هَذَا الحَدِيث فَدلَّ على أَن المسوخ كَانَت قبل مَا وَقع من ذَلِك وَلِهَذَا قَالَ ابْن قُتَيْبَة أَنا أَظن أَن القردة والخنازير هِيَ المسوخ بِأَعْيَانِهَا توالدت إِلَّا أَن يَصح هَذَا الحَدِيث وَأَرَادَ بِهِ حَدِيث أبي سعيد الْمَذْكُور وَهُوَ صَحِيح وَالظَّاهِر أَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ الَّذِي قَالَه أَولا ثمَّ أعلم بعد بِمَا رَوَاهُ أَبُو سعيد وَلِهَذَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَا أَرَاهَا إِلَّا الفأر فَكَأَنَّهُ كَانَ يظنّ ذَلِك ثمَّ أعلم بِأَنَّهَا لَيست هِيَ هِيَ - ( قلت) ، الْقَائِل هُوَ أَبُو هُرَيْرَة: ( افأقرأ التَّوْرَاة؟) الْهمزَة للاستفهام على سَبِيل الْإِنْكَار.

وَفِيه: تَعْرِيض لكعب الْأَحْبَار بِأَنَّهُ كَانَ على دين الْيَهُود قبل الْإِسْلَام، وَالْحَاصِل أَن أَبَا هُرَيْرَة قَالَ: أَنا أَقرَأ التَّوْرَاة حَتَّى أنقل مِنْهَا، وَلَا أَقُول إلاَّ من السماع عَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَفِي سكُوت كَعْب عَن الرَّد على أبي هُرَيْرَة دَلِيل على تورعه، وروى مُسلم فَقَالَ: حَدثنِي أَبُو كريب مُحَمَّد بن الْعَلَاء، قَالَ: حَدثنَا أَبُو أُسَامَة عَن هِشَام عَن مُحَمَّد عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: الفارة مسخ، وَآيَة ذَلِك أَنه يوضع بَين يَديهَا لبن الْغنم فتشربه وَيُوضَع بَين يَديهَا لبن الْإِبِل فَلَا تذوقه.
قَالَ لَهُ كَعْب: أسمعت هَذَا من رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالَ: أفأنزلت عَليّ التَّوْرَاة؟ انْتهى.
فَدلَّ هَذَا صَرِيحًا على أَن الْفَأْرَة مسخ، وَلم يكن قبل ذَلِك، وَكَذَا كل حَيَوَان قيل فِيهِ إِنَّه مسخ، وَإِن مَا كَانَ مِنْهَا بعد المسخ توالد مِنْهَا.
فَإِن قلت: جَاءَ فِي حَدِيث أبي سعيد، قَالَ: وَذكر عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم القردة والخنازير، فَقَالَ: إِن الله تَعَالَى لم يَجْعَل لمسخ نَسْلًا وَلَا عقباً، وَقد كَانَت القردة والخنازير قبل ذَلِك.
قلت: أَبُو هُرَيْرَة وَكَعب لم يبلغهما هَذَا الحَدِيث، فَدلَّ على أَن المسوخ كَانَت قبل مَا وَقع من ذَلِك، وَلِهَذَا قَالَ ابْن قُتَيْبَة: أَنا أَظن أَن القردة والخنازير هِيَ المسوخ بِأَعْيَانِهَا توالدت إلاَّ أَن يَصح هَذَا الحَدِيث، وَأَرَادَ بِهِ حَدِيث أبي سعيد الْمَذْكُور، وَهُوَ صَحِيح، وَالظَّاهِر أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الَّذِي قَالَه أَولا ثمَّ أعلم بعد بِمَا رَوَاهُ أَبُو سعيد، وَلِهَذَا قَالَ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا أَرَاهَا إلاَّ الفأر، فَكَأَنَّهُ كَانَ يظنّ ذَلِك، ثمَّ أعلم بِأَنَّهَا لَيست هِيَ هِيَ.





[ قــ :3155 ... غــ :3306 ]
- حدَّثنا سَعِيدُ بنُ عُفَيْرٍ عنِ ابنِ وَهْبٍ قَالَ حدَّثني يُونُسُ عنِ ابنِ شِهَابٍ عنْ عُرْوَةَ يُحَدَّثُ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهَا أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لِلْوَزَغِ الفُوَيْسِقُ ولَمْ أسْمَعْهُ أمَرَ بِقَتْلِهِ وزَعَمَ سَعْدُ بنُ أبِي وَقَّاصٍ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمرَ بِقَتْلِهِ.
.


ابْن وهب هُوَ عبد الله بن وهب، وَيُونُس هُوَ ابْن يزِيد، وَابْن شهَاب هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْحَج فِي: بابُُ مَا يقتل الْمحرم من الدَّوَابّ، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن إِسْمَاعِيل بن أبي أويس عَن مَالك عَن ابْن شهَاب.
.
إِلَى آخِره.

قَوْله: ( وَلم أسمعهُ أَمر بقتْله) ، قَول عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، قَالَ ابْن التِّين: لَا حجَّة فِيهِ، إِذْ لَا يلْزم من عدم سماعهَا عدم الْوُقُوع وَقد حفظه غَيرهَا.
وَقد جَاءَ عَن عَائِشَة من وَجه آخر عِنْد أَحْمد: أَنه كَانَ فِي بَيتهَا رمح مَوْضُوع، فَسُئِلت، فَقَالَت: نقْتل بِهِ الوزغ، فَإِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أخبر أَن إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، لما ألقِي فِي النَّار وَلم يكن فِي الأَرْض دَابَّة إلاَّ أطفأت عَنهُ النَّار إلاَّ الوزغ، فَإِنَّهَا كَانَت تنفخ عَلَيْهِ النَّار، فَأمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بقتلها.
قَوْله: ( وَزعم سعد بن أبي وَقاص) ، قَائِل ذَلِك فِي الظَّاهِر عُرْوَة، وَزعم بِمَعْنى: قَالَ، وَيحْتَمل أَن يكون عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، هَذَا أقرب من حيثية مَا يَقْتَضِيهِ التَّرْكِيب.





[ قــ :3156 ... غــ :3307 ]
- حدَّثنا صَدَقَةُ بنُ الفَضْلِ أخْبَرَنَا ابنُ عُيَيْنَةَ حدَّثنا عَبْدُ الحَمِيدِ بنُ جُبَيْرِ بنِ شَيْبَةَ عنْ سعيدِ بنِ المُسَيَّبِ أنَّ أمَّ شَرِيكٍ أخْبَرَتْهُ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمَرَهَا بِقَتْلِ الأوْزَاغِ.
( الحَدِيث 7033 طرفه فِي: 9533) .
صَدَقَة بن الْفضل، وَابْن عُيَيْنَة هُوَ سُفْيَان، وَأم شريك اسْمهَا غزيَّة، بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَفتح الزَّاي مصغر وَقيل: غزيلة، وَهِي عامرية قرشية، وَقيل: أنصارية، وَقيل: دوسية.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، عَن عبيد الله بن مُوسَى وَابْن سَلام، وَأخرجه مُسلم فِي الْحَيَوَان عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَعَمْرو النَّاقِد وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَابْن أبي عمر، أربعتهم عَن ابْن عُيَيْنَة وَعَن أبي الطَّاهِر بن السَّرْح وَعَن مُحَمَّد بن أَحْمد وَعَن عبد بن حميد.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْحَج عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن يزِيد بن الْعَزِيز، وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الصَّيْد عَن أبي بكر بن أبي شيبَة.





[ قــ :3157 ... غــ :3308 ]
- حدَّثنا عُبَيْدُ بنُ إسْمَاعِيلَ حدَّثنا أبُو أُسَامَةَ عنْ هِشَامٍ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قالَتْ قَالَ النَّبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اقْتُلُوا ذَا الطُّفْيَتَيْنِ فإنَّهُ يَطْمِسُ البَصَر ويُصِيبُ الحَبَلَ.

أَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة.
قَوْله: ( قَالَ النَّبِي) ، ويروى: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد مضى عَن قريب عَن ابْن عمر نَحْو هَذَا الحَدِيث.

تابَعَهُ حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ أخبرنَا أسَامَةُ
أَي: تَابع أَبَا سَلمَة حَمَّاد بن سَلمَة فِي رِوَايَته إِيَّاه عَن هِشَام، وَقد وصل أَحْمد هَذِه الْمُتَابَعَة عَن عَفَّان عَنهُ.