فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب: كيف تهل الحائض بالحج والعمرة

( بابُُ كَيفَ تُهِلُّ الحائِضُ بالحَجِّ والعُمْرَةِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان كَيْفيَّة إهلال الْحَائِض بِالْحَجِّ أَو الْعمرَة، وَالْمرَاد من الْكَيْفِيَّة: الْحَال من الصِّحَّة والبطلان وَالْجَوَاز وَغير الْجَوَاز، فَكَأَنَّهُ قَالَ: بابُُ صِحَة إهلال الْحَائِض بِالْحَجِّ أَو بِالْعُمْرَةِ، أَو: بابُُ جَوَازهَا.
وَالْمَقْصُود من الصِّحَّة أَعم من أَن تكون فِي الِابْتِدَاء أَو فِي الدَّوَام.

والمناسبة بَين الْبابَُُيْنِ من حَيْثُ إِن البُخَارِيّ أَرَادَ من وضع الْبابُُ السَّابِق الْإِشَارَة إِلَى أَن الْحَامِل لَا تحيض، وَهُوَ حكم من أَحْكَام الْحيض.
وَفِي هَذَا الْبابُُ أَيْضا حكم من أَحْكَام الْحيض، وَفِيه نوع من تعسف، وَفِي بعض النّسخ هَذَا الْبابُُ قد ذكر قبل الْبابُُ السَّابِق.

[ قــ :315 ... غــ :319 ]
- ح دَّثنا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدثنَا اللَّيثُ عنْ عُقَيْلٍ عنْ ابنِ شِهَابٍ عنْ عُرْوَةَ عنْ عائِشَةَ قالَتْ خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حجَّةِ الوَدَاعِ فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ وَمِنَّا منْ أَهَلَّ بِحَجٍّ فَقَدِمْنَا مَكَّةَ فقالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَلَمْ يُهْدِ فَلْيُحْلِلْ ومنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَأَهْدَي فَلاَ يَحِلُّ حتَّى يَحلَّ بِنَحْرِ هَدْيه ومَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ فلْيُتِمَّ حَجَّهُ قالَتْ فَحِضْتُ فَلَمْ أَزَلْ حائِضا حتَّى كانَ يَوْمُ عَرَفَة ولَمْ أُهْلِلْ إلاَّ بِعُمْرَةٍ فأَمَرَنِي النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنْ أَنْقُضَ رَأْسِي وأمْتَشِطَ وأُهِلَّ بِحَجٍّ وَأَتْرُكَ العُمْرَةَ فَفَعَلْتُ ذَلِكَ حتَّى قَضَيْتُ حَجِّي فَبَعَثَ معِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ أَبي بَكْرٍ وأَمَرَنِي أَنْ أَعْتَمِرَ مَكَانَ عُمْرَتِي منَ التنْعِيم.


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْلهَا: ( وَأهل بِحَجّ) فَإِن فِيهِ إهلال الْحَائِض بِالْحَجِّ، لِأَن عَائِشَة كَانَت حائضة حِين أهلت بِالْحَجِّ.
وعَلى قَول من قَالَ: إِنَّهَا كَانَت قارنة، كَانَت الْمُطَابقَة أظهر لِأَنَّهَا أَحرمت بِالْحَجِّ وَهِي حَائِض، وَكَانَت معتمرة فَلهَذَا قَالَت: ( أَمرنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن أترك الْعمرَة) ، وَترك الشَّيْء لَا يكون إِلَّا بعد وجوده.

ذكر رِجَاله وهم سِتَّة: الأول: يحيى ابْن بكير، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الْكَاف وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف.
الثَّانِي: اللَّيْث بن سعد.
الثَّالِث: عقيل، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَفتح الْقَاف: بن خَالِد بن عقيل، بِفَتْح الْعين: الْأَيْلِي.
الرَّابِع: مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ.
الْخَامِس: عُرْوَة بن الزبير ابْن الْعَوام.
السَّادِس: عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.

ذكر لطائف اسناده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين.
وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين بَصرِي وأيلي ومدني.

وَهَذَا الحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْمَنَاسِك، وَيَأْتِي بِزِيَادَة فِي الْحَج إِن شَاءَ الله تَعَالَى.

قَوْلهَا: ( فِي حجَّة الْوَدَاع) ، بِفَتْح الْوَاو وَكسرهَا، وَكَانَت حجَّة الْوَدَاع فِي سنة عشر من الْهِجْرَة.
قَوْلهَا: ( وَمنا من أهل بِحجَّة) بِفَتْح، الْحَاء وَكسرهَا، وَهُوَ بِالتَّاءِ رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي وَرِوَايَة غَيره: ( بِحَجّ) .
قَوْلهَا: ( فقدمنا) بِكَسْر الدَّال.
قَوْلهَا: ( وَلم يهد) بِضَم الْيَاء: من الإهداء، وَهُوَ جملَة وَقعت حَالا.
قَوْله: ( فليحلل) ، بِكَسْر اللَّام من الثلاثي، وَفِي مثل هَذِه الْمَادَّة يجوز الْإِدْغَام وفكه.
قَوْله: ( حَتَّى يحل نحر هَدْيه) ، يَعْنِي يَوْم الْعِيد، ويروى: ( حَتَّى يحل بنحر هَدْيه) ، بِزِيَادَة: الْبَاء، لَا يُقَال: إِنَّه متمتع، فَلَا بُد لَهُ من تحلله عَن الْعمرَة، ثمَّ إِحْرَامه بِالْحَجِّ قبل الْوُقُوف لأَنا نقُول: لَا يلْزم أَن يكون مُتَمَتِّعا لجَوَاز أَن يدْخل الْحَج فِي الْعمرَة فَيصير قَارنا فَلَا يتَحَلَّل.
قَوْله: ( وَمن أهل بِحجَّة) ، كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي والحموي.
وَفِي رِوَايَة غَيرهمَا: ( بِحَجّ) ، بِدُونِ التَّاء، وَمَعْنَاهُ: أهلَّ بِحجَّة وَنوى الْإِفْرَاد، سَوَاء كَانَ مَعَه هدي أَو لَا.
وَلِهَذَا لم يُقيد: بلم يهد، وَلَا: بأهدى.
قَوْلهَا: ( حَتَّى كَانَ يَوْم عَرَفَة) بِرَفْع: يَوْم، و: كَانَ، تَامَّة.
قَوْله: ( وأترك الْعمرَة) ، صَرِيح بِفَسْخ الْعمرَة، وَهُوَ حجَّة على الشَّافِعِيَّة.
قَوْلهَا: ( حَتَّى قضيت حجتي) .
ويروى: ( حجي) .
قَوْلهَا: ( فَأمرنِي) ، بفاء الْعَطف، ويروى: ( أَمرنِي) ، بِدُونِ الْفَاء.
قَوْلهَا: ( من التَّنْعِيم) يتَعَلَّق بقوله: ( ان اعْتَمر) .

وَقَالَ ابْن بطال: فِيهِ أَن الْحَائِض تهل بِالْحَجِّ وَالْعمْرَة وَتبقى على إحرامها، وَتفعل مَا يفعل الْحَاج كُله غير الطّواف، فَإِذا طهرت اغْتَسَلت وطافت وأكملت حَجهَا، وَأمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن تنقض شعرهَا وتمتشط وَهِي حَائِض لَيْسَ للْوُجُوب، وَإِنَّمَا ذَلِك لإهلالها بِالْحَجِّ، لِأَن من سنة الْحَائِض وَالنُّفَسَاء أَن يغتسلا لَهُ، وَالله تَعَالَى أعلم.