فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب المرأة تحيض بعد الإفاضة

( بابُُ الْمَرأةِ تَحِيضُ بَعْدَ الإفَاضَة)

أَي: هَذَا فِي بَيَان حكم الْمَرْأَة الَّتِي تحيض بعد طواف الافاضة، وَهِي الَّتِي تسمى أَيْضا: طواف الزِّيَارَة، وَهُوَ من أَرْكَان الْحَج، يَعْنِي هَل تنفر وتترك طواف الْوَدَاع؟ فَالْجَوَاب: نعم تتْرك وتنفر.

وَجه الْمُنَاسبَة بَين الْبابَُُيْنِ من حَيْثُ إِن فِي الْبابُُ السَّابِق حكم الْمُسْتَحَاضَة، وَفِي هَذَا الْبابُُ حكم الْحَائِض، فالحيض والاستحاضة من وادٍ وَاحِد.



[ قــ :326 ... غــ :328 ]
- حدّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبَرَنَا مالِكٌ عنْ عَبْدِ الله بنِ أبِي بَكْرٍ بنِ مُحَمَّدٍ بنِ عَمْرٍ وبن حَزْمٍ عنْ أبِيهِ عنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عنْ عائشةَ زَوْجِ النَّبي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انهَا قالتْ لِرَسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا رَسُول الله إنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ قَدْ حَاضَتْ قالَ رَسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَعَلَّهَا تَحْبسِنَاألَمْ تَكُنْ طَافَتْ مَعَكُنَّ فقالُوا بَلَى قالَ فَاخْرُجِي.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَهُوَ أَن صَفِيَّة إِنَّمَا حَاضَت بعد طواف الْإِفَاضَة.

ذكر رِجَاله وهم سِتَّة: الأول: عبد الله بن يُوسُف التنيسِي.
الثَّانِي: الإِمَام مَالك بن أنس.
الثَّالِث: عبد الله بن أبي بكر الْمدنِي الْأنْصَارِيّ، قَالَ الإِمَام أَحْمد: حَدِيثه شِفَاء مر فِي بابُُ الْوضُوء مرَّتَيْنِ مرَّتَيْنِ.
الرَّابِع: أَبوهُ أَبُو بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو ابْن حزم، بِفَتْح الْهَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الزَّاي، ولي الْقَضَاء والإمرة والموسم زمن عمر بن عبد الْعَزِيز، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، مر فِي بابُُ كَيفَ يقبض الْعلم.
الْخَامِس: عمْرَة بنت عبد الرَّحْمَن، وَهِي الْمَذْكُورَة فِي الْبابُُ السَّابِق، وَعمرَة خَالَته الَّتِي تربت فِي حجر عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.
السَّادِس: عَائِشَة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

ذكر لطائف اسناده.
فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَاحِد، وَصِيغَة الْإِخْبَار كَذَلِك.
وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: القَوْل.
وَفِيه: أَن رُوَاته كلهم مدنيون غير عبد الله فَإِنَّهُ مصري ثمَّ تنيسي: وَفِيه: رِوَايَة ثَلَاثَة من التَّابِعين بعنعنة، وهم مَا بَين مَالك وَعَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.

ذكر من أخرجه غَيره: أخرجه مُسلم فِي الْحَج عَن يحيى بن يحيى عَن مَالك.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن الْحَارِث بن مِسْكين، وَفِيه فِي الطَّهَارَة عَن مُحَمَّد بن سَلمَة، كِلَاهُمَا عَن ابْن الْقَاسِم عَن مَالك بِهِ.

ذكر بَقِيَّة الْكَلَام: قَوْله: ( إِن صَفِيَّة) ، بِفَتْح الصَّاد الْمُهْملَة وَكسر الْفَاء وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف: بنت حييّ بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وباليائين الأولى مَفْتُوحَة مُخَفّفَة، وَالثَّانيَِة مُشَدّدَة، ابْن أَخطب، بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح الطَّاء الْمُهْملَة بعْدهَا بَاء مُوَحدَة، النَّضْرِية، بِفَتْح النُّون وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة، من بَنَات هَارُون أخي مُوسَى عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام، سباها النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَام فتح خَيْبَر ثمَّ أعْتقهَا وَتَزَوجهَا وَجعل عتقهَا صَدَاقهَا، رُوِيَ لَهَا عشرَة أَحَادِيث، للْبُخَارِيّ وَاحِد مِنْهَا، مَاتَت سنة سِتِّينَ فِي خلَافَة مُعَاوِيَة.
قَالَه الواقديُّ:.

     وَقَالَ  غَيره مَاتَت فِي خلَافَة عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ.
قَوْله: ( لَعَلَّهَا تحسبنا) أَي: عَن الْخُرُوج من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة حَتَّى تطهر وَتَطوف بِالْبَيْتِ، وَلَعَلَّ، هَهُنَا لَيست للترجي، بل للاستفهام أَو للتردد أَو للظن وَمَا شاكله.
قَوْله: ( طافت) أَي طواف الرُّكْن، وَفِي بعض النّسخ: ( أفاضت) ، أَي: طافت طواف الْإِفَاضَة، وَهُوَ طواف الرُّكْن، لِأَنَّهُ يُسمى طواف الْإِفَاضَة وَطواف الرُّكْن وَطواف الزِّيَارَة.
قَوْله: ( وَقَالُوا) ، أَي: النِّسَاء وَمن مَعَهُنَّ من الْمَحَارِم، وَكَذَا قَالَه بَعضهم، وَلَيْسَ بِصَحِيح لِأَن فِيهِ تَغْلِيب الْإِنَاث على الذُّكُور.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: أَي قَالَ: النَّاس، وإلاَّ فَحق السِّيَاق أَن يُقَال: فَقُلْنَ أَو فَقُلْنَا قلت: الْأَوْجه أَن يُقَال: قَالُوا، أَي الْحَاضِرُونَ هُنَاكَ، وَفِيهِمْ الرِّجَال وَالنِّسَاء.
قَوْله: ( قَالَ فاخرجي) أَي قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَخْرِجِي، كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين بِالْإِفْرَادِ فِي الْخطاب، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي والكشميهني: ( فاخرجن) ، بِصِيغَة الْجمع للإناث.
أما الْوَجْه الأول فَفِيهِ الِالْتِفَات من الْغَيْبَة إِلَى الْخطاب، يَعْنِي قَالَ لصفية مُخَاطبا لَهَا: اخْرُجِي أَو يكون الْخطاب لعَائِشَة لِأَنَّهَا هِيَ القائلة لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن صَفِيَّة قد حَاضَت، فَقَالَ لَهَا: اخْرُجِي فَإِنَّهَا توافقك فِي الْخُرُوج، إِذْ لَا يجوز لَهَا تَأَخّر بعْدك، لِأَنَّهَا قد طافت طواف الرُّكْن وَلم يبْق عَلَيْهَا فرض.
وَفِيه وَجه آخر وَهُوَ: أَن يقدر فِي الْكَلَام شَيْء تَقْدِيره: قَالَ لعَائِشَة: قولي لَهَا اخْرُجِي.
وَأما الْوَجْه الثَّانِي فعلى السِّيَاق.
فَإِن قلت مَا الْفَاء فِي قَوْله: فاخرجي؟ قلت: فِيهِ أوجه: الأول: أَن يكون جَوَابا: لأما، مقدرَة، وَالتَّقْدِير: أما أَنْت فاخرجي كَمَا يخرج غَيْرك.
وَالثَّانِي: يجوز أَن تكون زَائِدَة.
وَالثَّالِث: يجوز أَن تكون عطفا على مُقَدّر تَقْدِيره: إعلمي أَن مَا عَلَيْك التَّأَخُّر، فاخرجي.
.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ فِي ( شرح صَحِيح مُسلم) فَفِي الحَدِيث دَلِيل لسُقُوط طواف الْوَدَاع عَن الْحَائِض، وَأَن طواف الْإِفَاضَة ركن لَا بُد مِنْهُ، وَأَنه لَا يسْقط عَن الْحَائِض وَلَا عَن غَيرهَا، وَأَن الْحَائِض تقيم لَهُ حَتَّى تطهر، فَإِن ذهبت إِلَى وطنها قبل طواف الْإِفَاضَة بقيت مُحرمَة.
انْتهى.
قلت: تبقى مُحرمَة أبدا حَتَّى تَطوف فِي حق الْجِمَاع مَعَ زَوجهَا، وَأما فِي حق غَيره فَتخرج عَن الْإِحْرَام.
وَفِيه دَلِيل أَن الْحَائِض لَا تَطوف بِالْبَيْتِ، فَإِن هجمت وطافت وَهِي حَائِض فَفِيهِ تَفْصِيل: فَإِن كَانَت محدثة، وَكَانَ الطّواف طواف الْقدوم، فعلَيْهَا الصَّدَقَة عندنَا.

     وَقَالَ  الشَّافِعِي، لَا يعْتد بِهِ، وَإِن كَانَ طواف الرُّكْن فعلَيْهَا شَاة، وَإِن كَانَت حَائِضًا وَكَانَ الطّواف طواف الْقدوم فعلَيْهَا شَاة، وَإِن كَانَ طواف الرُّكْن فعلَيْهَا بَدَنَة، وَكَذَا حكم الْجنب من الرِّجَال وَالنِّسَاء.




[ قــ :37 ... غــ :39 ]
- ( حَدثنَا مُعلى بن أَسد قَالَ حَدثنَا وهيب عَن عبد الله بن طَاوس عَن أَبِيه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ رخص للحائض أَن تنفر إِذا حَاضَت وَكَانَ ابْن عمر يَقُول فِي أول أمره إِنَّهَا لَا تنفر ثمَّ سمعته يَقُول تنفر إِن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رخص لَهُنَّ) ذكر هذَيْن الأثرين عَن ابْن عَبَّاس وَعبد الله بن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم إيضاحا لِمَعْنى الحَدِيث السَّابِق وَمعلى بِضَم الْمِيم وَتَشْديد اللَّام ابْن أَسد مرادف اللَّيْث أَبُو الْهَيْثَم الْبَصْرِيّ مَاتَ سنة تسع عشرَة وَمِائَتَيْنِ.
ووهيب تَصْغِير وهب بن خَالِد أثبت شُيُوخ الْبَصرِيين وَعبد الله بن طَاوس مَاتَ سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَة قَالَ معمر مَا رَأَيْت ابْن فَقِيه مثل ابْن طَاوس وَأَبوهُ طَاوس بن كيسَان الْيَمَانِيّ الْحِمْيَرِي من أَبنَاء الْفرس كَانَ يعد الحَدِيث حرفا حرفا قَالَ عَمْرو بن دِينَار لَا تحسبن أحدا أصدق لهجة مِنْهُ مَاتَ سنة بضع عشرَة وَمِائَة قَوْله " رخص " بِلَفْظ الْمَجْهُول والرخصة حكم يثبت على خلاف الدَّلِيل لعذر ( قلت) الرُّخْصَة حكم شرع تيسيرا لنا وَقيل هُوَ الْمَشْرُوع لعذر مَعَ قيام الْمحرم لَوْلَا الْعذر والعذر هُوَ وصف يطْرَأ على الْمُكَلف يُنَاسب التسهيل عَلَيْهِ قَوْله " أَن تنفر " بِكَسْر الْفَاء وَضمّهَا وَالْكَسْر أفْصح وَكلمَة أَن مَصْدَرِيَّة فِي مَحل رفع لِأَنَّهُ فَاعل نَاب عَن الْمَفْعُول وَالتَّقْدِير رخص لَهَا النفور أَي الرُّجُوع إِلَى وطنها قَوْله " وَكَانَ ابْن عمر يَقُول " هُوَ كَلَام طَاوس وَهُوَ دَاخل تَحت الْإِسْنَاد الْمَذْكُور قَوْله " فِي أول أمره " يَعْنِي قبل وُقُوفه على الحَدِيث الْمَذْكُور قَوْله " لَا تنفر " بِمَعْنى لَا ترجع حَتَّى تَطوف طواف الْوَدَاع قَوْله " ثمَّ سمعته " أَي قَالَ طَاوس ثمَّ سَمِعت ابْن عمر يَقُول تنفر يَعْنِي ترجع بعد أَن طَاف طواف الرُّكْن أَرَادَ أَنه رَجَعَ عَن تِلْكَ الْفَتْوَى الَّتِي كَانَ يفتيها أَولا إِلَى خلَافهَا قَوْله " أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " من كَلَام ابْن عمر فِي مقَام التَّعْلِيل لرجوعه عَن فتواه الأولى وَذَلِكَ أَنه لما لم يبلغهُ الحَدِيث أفتى بِاجْتِهَادِهِ ثمَّ لما بلغه رَجَعَ عَنهُ أَو كَانَ وقف عَلَيْهِ أَولا ثمَّ نَسيَه ثمَّ لما تذكره رَجَعَ إِلَيْهِ وَإِمَّا أَنه سمع ذَلِك من صَحَابِيّ آخر رَوَاهُ عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَرجع إِلَيْهِ قَوْله " رخص لَهُنَّ " أَي للحائض وَإِنَّمَا جمع نظرا إِلَى الْجِنْس