فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب قول الله تعالى: {ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله} [لقمان: 12] "

(بابُُ قَوْلِ الله تعالَى { ولَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الحِكْمَةَ أنِ اشْكُرْ لله} إِلَى قَوْلِهِ { إنَّ الله لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} (لُقْمَان: 21 81) .
)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان مَا جَاءَ فِي قَول الله تَعَالَى: { وَلَقَد آتَيْنَا لُقْمَان الْحِكْمَة أَن أشكر لله وَمن يشْكر فَإِنَّمَا يشْكر لنَفسِهِ وَمن كفر فَإِن الله غَنِي حميد} (لُقْمَان: 21 81) .
) ، قَوْله: (إِلَى قَوْله) أَي: إقرأ إِلَى قَوْله: { إِن الله لَا يحب كل مختال فخور} (لُقْمَان: 21 81) .
وَمن قَوْله: { غَنِي حميد} إِلَى قَوْله: { فخور} سِتّ آيَات.
قَوْله: (الْحِكْمَة) أَي: الْعقل وَالْعلم وَالْعَمَل بِهِ والإصابة فِي الْأُمُور.
قَوْله: (أَن أشكر) ، قيل: لِأَن تشكر الله، وَيجوز أَن تكون: أَن، مفسرة أَي: أشكر الله، وَالتَّقْدِير: قُلْنَا لَهُ: اشكر الله.
وَقيل: بدل من الْحِكْمَة.
قَوْله: (مختال) ، من الاختيال وَهُوَ أَن يرى لنَفسِهِ طولا على غَيره فيشمخ بِأَنْفِهِ.
قَوْله: (فخور) ، يعدد مناقبه تطاولاً.

ولقمان بن باعور بن ناخور بن تارخ وَهُوَ آزر أَب إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، كَذَا قَالَه ابْن إِسْحَاق،.

     وَقَالَ  مقَاتل: لُقْمَان بن عنقًا بن سدون.
وَيُقَال: لُقْمَان بن ثاران، حَكَاهُ السُّهيْلي عَن ابْن جرير والقعنبي،.

     وَقَالَ  وهب بن مُنَبّه: لُقْمَان بن عبقر بن مرْثَد بن صَادِق بن التوت من أهل أَيْلَة، ولد على عشر سِنِين خلت من أَيَّام دَاوُد، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام،.

     وَقَالَ  مقَاتل: كَانَ ابْن أُخْت أَيُّوب، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَقيل: ابْن خَاله،.

     وَقَالَ  إِبْنِ إِسْحَاق ثمَّ عَاشَ ألف سنة وَأدْركَ دَاوُد، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَأخذ عَنهُ الْعلم.
وَحكى الثَّعْلَبِيّ عَن ابْن الْمسيب: أَنه كَانَ عبدا أسود عَظِيم الشفتين مشقق الْقَدَمَيْنِ من سودان مصر ذَا مشافر،.

     وَقَالَ  الرّبيع: كَانَ عبدا نوبياً اشْتَرَاهُ رجل من بني إِسْرَائِيل بِثَلَاثِينَ دِينَارا وَنصف دِينَار،.

     وَقَالَ  السُّهيْلي: كَانَ نوبياً من أَيْلَة، وَعَن ابْن عَبَّاس: كَانَ عبدا حَبَشِيًّا نجاراً، وَقيل: كَانَ خياطاً، وَقيل: كَانَ رَاعيا، وَقيل: كَانَ يحتطب لمَوْلَاهُ حزمة حطب، وَرُوِيَ أَنه كَانَ عبدا لقصاب.
.

     وَقَالَ  الْوَاقِدِيّ: كَانَ قَاضِيا لبني إِسْرَائِيل فَكَانَ يسكن ببلدة أَيْلَة ومدين،.

     وَقَالَ  مقَاتل: كَانَ اسْم أمه: تارات، وَفِي (تَفْسِير النَّسَفِيّ) : وَاتفقَ الْعلمَاء أَنه كَانَ حكيماً وَلم يكن نَبيا إلاَّ عِكْرِمَة فَإِنَّهُ كَانَ يَقُول: إِنَّه كَانَ نَبيا.
قَالَ الْوَاقِدِيّ وَالسُّديّ: مَاتَ بأيلة،.

     وَقَالَ  قَتَادَة: بالرملة.

ولاَ تُصَعِّرْ الإعْرَاضُ بالوَجْهِ

أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: { وَلَا تصعر خدك للنَّاس} (لُقْمَان: 81) .
وَفسّر: تصعر، بقوله: الْإِعْرَاض بِالْوَجْهِ، وَكَأَنَّهُ جعل الْإِعْرَاض بِمَعْنى التصغير الْمُسْتَفَاد من: لَا تصعر، وَهَكَذَا فسره عِكْرِمَة، أوردهُ عَنهُ الطَّبَرِيّ،.

     وَقَالَ  الطَّبَرِيّ: أصل الصعر دَاء يَأْخُذ الْإِبِل فِي أعناقها حَتَّى تلفت أعناقها عَن رؤوسها فَيُشبه بِهِ الرجل المعرض عَن النَّاس المتكبر، وَقِرَاءَة عَاصِم وَابْن كثير: وَلَا تصعر، وَقِرَاءَة الْبَاقُونَ: وَلَا تصاغر،.

     وَقَالَ  الطَّبَرِيّ: القراءتان مشهورتان ومعناهما صَحِيح.



[ قــ :3271 ... غــ :3428 ]
- حدَّثنا أَبُو الوَلِيدِ حدَّثنا شُعْبَةُ عنِ الأعْمَشِ عنْ إبْرَاهِيمَ عنْ عَلْقَمَةَ عنْ عَبْدِ الله قَالَ لَ مَّا نَزَلَتِ الَّذِينَ آمَنُوا ولَمْ يَلْبِسُوا إيْمَانَهُمْ بِظُلْمٍ قَالَ أصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إيُّنَا لَمْ يَلْبِسْ إيْمَانَهُ بِظُلْمٍ فنَزَلَتْ { لاَ تُشْرِكْ بِاللَّه إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} (لُقْمَان: 31) .
.


مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله تَعَالَى: { لَا تشرك بِاللَّه ... } إِلَى آخِره، لِأَن الله تَعَالَى قَالَ حِكَايَة عَن لُقْمَان: { وَإِذ قَالَ لُقْمَان لِابْنِهِ وَهُوَ يعظه يَا بني لَا تشرك بِاللَّه إِن الشّرك لظلم عَظِيم} (لُقْمَان: 31) .
وَأَبُو الْوَلِيد هِشَام بن عبد الْملك، وَإِبْرَاهِيم هُوَ النَّخعِيّ، والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْإِيمَان فِي: بابُُ ظلم دون ظلم، وَمر الْكَلَام فِيهِ.



[ قــ :37 ... غــ :349 ]
- حدَّثني إسْحَاقُ أخبرَنا عِيسَى بنُ يُونُسَ حدَّثنا الأعمشُ عنْ إبْرَاهِيمَ عنْ عَلْقَمَةَ عنْ عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ لَمَّا نَزَلَتِ { الَّذِينَ آمَنُوا ولَمْ يَلْبِسُوا إيمانَهُمْ بِظُلْمٍ} ( الْأَنْعَام: 8) .
شَقَّ ذَلِكَ علَى المُسْلِمِينَ فَقَالُوا يَا رسوُلَ الله أيُّنَا لاَ يَظْلِمُ نَفْسَهُ قَالَ لَيْسَ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ الشِّرْكُ ألَمْ تَسْمَعُوا مَا قَالَ لُقْمانُ لابْنِهِ وهْوَ يَعِظُهُ { يَا بُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللَّه إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} .


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَإِسْحَاق هُوَ ابْن رَاهَوَيْه، وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود، وَهَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور.

قَوْله: ( إِنَّمَا هُوَ الشّرك) ، أَي: الظُّلم الْمَذْكُور فِي تِلْكَ الْآيَة هُوَ الشّرك، وَالظُّلم لفظ عَام يعم الشّرك وَغَيره، وَقد خص فِي الْآيَة بالشرك.
وَمعنى: اخْتِلَاط الْإِيمَان، هُوَ أَن الْإِيمَان التَّصْدِيق بِاللَّه وَهُوَ لَا يُنَافِي جعل الْأَصْنَام آلِهَة، قَالَ الله تَعَالَى: { وَمَا يُؤمن أَكْثَرهم بِاللَّه إلاَّ وهم مشركون} ( يُوسُف: 601) .
قَوْله: ( مَا قَالَ لُقْمَان لِابْنِهِ) قَالَ السُّهيْلي، اسْم ابْنه: باران، بِالْبَاء الْمُوَحدَة وبالراء، وَكَذَا قَالَه الطَّبَرِيّ والعتبي،.

     وَقَالَ  الثَّعْلَبِيّ: اسْمه أنعم،.

     وَقَالَ  الْكَلْبِيّ: أشكم.
قَوْله: ( وَهُوَ يعظه) جملَة حَالية، وَالله أعلم.